ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الثالث
ليبيا 2025 رؤية استشرافية- 02/11/2008
3 قراءة في المشهد الليبي
• يفترض أن تنهض الرؤية التي تخوض في مستقبل أية جماعة بشرية على تقص موضوعي لراهنها المعاش. ذلك أنه من شأن هذا التقصي أن يكشف النقاب عن الديناميات التي تسير حراك الجماعة المعنية، وأن يميط اللثام عما يسود فيها من ظواهر اجتماعية ويغلب من أنماط سلوكية، بما يفضي إليه هذا الكشف من تقويم لهذه الظواهر والأنماط وفق منظور الثقافة البديلة التي تقترحها الرؤية.
• ورغم أن نهج العلم ليس محايدا على النحو الذي يضمن القدر اللازم من موضوعية التقصي، فالملاحظة التي يقوم عليها عرضة للشحن بأفكار مسبقة، كما أن للأهواء في السياقات الإنسانية والاجتماعية تحديدا هيمنة يصعب الخلاص منها بشكل نهائي؛ يظل تبني هذا النهج الخيار الأفضل في التقصي، طالما أنيط أمره بعدد مناسب من الخبراء المختصين. ذلك أن جماعية التحقق أقدر على التقليل من غلبة الأهواء الفردية وتعظيم حيادية التناول.
• هذا ما جعلنا نلجأ في تأمين قراءة للمشهد المحلي إلى استكتاب ما يقرب من مائة باحث، قدّرنا أنهم الأكثر خبرة وجدارة بالثقة في المجالات التي استكتبوا فيها.
• على ذلك، فإن مهمة رصد ما يعتمل في راهن مجتمعنا ليس باليسر الذي يمكّن من القطع بصحة ما خلصنا إليه من استقراءات ورؤى (وهذا مناط الزعم بظنيتها). فمن جهة، بعض القضايا التي ينشغل بها هذا التقرير حمالة أوجه، ما يعني أنه ليس هناك إجماع حولها من قبل الخبراء أنفسهم. ومن أخرى، فإن البيانات التي يفترض أن يركن إليها التقرير في تبرير مزاعمه ليست متوفرة دائما، وإذا توفرت فإنها ليست حديثة دائما، وإذا توفرت وكانت حديثة قد لا تكون صحيحة، وإذا توفرت وكانت حديثة وصحيحة، قد تعوزها الدقة.
• الحال أنه من ضمن المشاكل التي يعاني منها المشهد المحلي أن إدارة شؤونه لا تتأسس دوما على قواعد بيانات حديثة وصحيحة، كما أن قيمة الشفافية، التي تضمن دقة هذه البيانات، ليست مكرسة على النحو الذي يجب.
• غير أن ما لا يدرك كله، لا يترك جله. ولذا، فإنه لم يكن أمامنا سوى أن نبذل من الجهد ما يكفي للتقليل من تأثير هذه الظروف غير المواتية للرصد الموضوعي، آملين أن تكون الرؤية التي نخلص إليها خطوة أولى على الطريق.
• تشمل قراءة المشهد الليبي رصدا للمفهوم الغالب للأمن، وآخر للثقافة السائدة في مجمل عمومها، وعرضا لطبيعة المجتمع المدني القائم، وآخر للأداء الاقتصادي العام، ورسما لملامح التنمية البشرية، والأدائين الصحي والبيئي.
3.1 المفهوم الغالب للأمن
• ظلت المقاربة والسياسات المتعلقة بالأمن الوطني في ليبيا في أكثر الأحيان مرتبطة بالأمن السياسي أو أمن النظام. وقد تأثرت هذه المقاربة بجملة من العوامل، وإن اختلف تأثير كل منها من فترة لأخرى. أهم هذه العوامل هي الموقع الجغرافي، وأيديولوجيا الدولة، والنفط بوصفه ثروة إستراتيجية.
• يعتبر الموقع الجغرافي لليبيا أحد العوامل الإستراتيجية الهامة، حيث ساهم في تحديد هويتها التاريخية وذلك من خلال ثلاثة أبعاد تلتقي استراتيجيا لتعزيز الدور الدولي والإقليمي لليبيا: البعد العربي والبعد الأفريقي والبعد المتوسطي. وتحدد هذه الأبعاد العلاقة بين المكان والدور الذي قامت به ليبيا في السابق، والدور الذي يمكن أن تقوم به في المستقبل.
• قام العامل الأيديولوجي بدور مهم منذ عام 1969، وكان له أثر بالغ على مستوى السياسات الداخلية والخارجية لليبيا، فقد شكل التوجه الأيديولوجي لفترة طويلة مفهوم الأمن الوطني، الذي ارتبط بالأمة العربية ككل (الأمن القومي العربي)، وبقضايا وحركات التحرر العالمية. يشهد على ذلك أن مصطلح "الأمن الوطني" لم يستخدم إلا منذ عام 2006 بإنشاء مجلس الأمن الوطني في ليبيا.
• يعتبر النفط من أهم العوامل التي ارتبطت استراتيجياً باقتصاد البلاد، إلا أن تأثيره على الأمن الوطني برز من خلال استغلال عائدات النفط خاصة بعد عام 1969 من قبل صانع القرار في ليبيا لتعزيز كثير من السياسات التي أثرت سلباً أو إيجاباً في تحديد علاقات ليبيا على المستوى الإقليمي والدولي؛ إضافة إلى استخدام عائدات النفط في دعم كثير من حركات التحرر في العالم، خاصة خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الفائت، والذي اعتبرت ليبيا وفقه دولة داعمة للإرهاب.
• وعلى المستوى المحلي تحديدا، تمحور مفهوم الأمن حول أمن النظام السياسي وسبل تعزيزه. وهناك العديد من المظاهر التي تؤكد سيادة هذا المفهوم، نذكر منها: تحييد المؤسسة العسكرية وإضعافها وتشكيل قوات بديلة مدنية (اللجان الثورية) وعسكرية تضطلع بالجوانب الأمنية المتعلقة بالمحافظة على النظام؛ واعتماد التجنيد للمؤسسة العسكرية، والمؤسسات الأمنية الأخرى على المصادر التقليدية، كالقرابة، والولاء الأيديولوجي.
• يقوم المفهوم السائد للأمن في ليبيا على ثلاثة أسس:
• التجريم هو الأداة الأساسية للمحافظة على الأمن.
• عـلوية الأمـني عـلى الـقانوني.
• انعدام التمييز بين الظروف العادية والظروف الاستثنائية.
• هناك أيضا اختلال في التوازن بين مقتضيات الأمن والحريات العامة حيث تحفل النصوص القانونية بمظاهر عديدة لهذا الاختلال، نذكر منها النصوص التي تتعارض مع نصوص أسمى منها، وشيوع المفاهيم غير المحددة والفضفاضة في نصوص التجريم، وتوسيع سلطات مأموري الضبط، واللجوء إلى الحلول الاستثنائية.
• أما في المجال العملي، فإن التطبيق يحمل أبعاداً أكثر خطورة، وهو لا يشمل التجاوزات الفردية فحسب، بل يشمل أيضا التجاوزات الاختيارية المنهجية السائدة والمقبولة والمبررة، ويتخذ الإخلال التطبيقي ثلاث صور: المخالـفة الصريـحة للـقانـون، والتـحايل عليه، والتطبيق التقديري له.
• وبوجه عام، يتسم المفهوم الغالب للأمن بأنه:
• أمن تقليدي لا يستوعب معاني الأمن الإنساني.
• أمن دولة وأمن نظام، وليس أمن وطن أو أمن مواطن.
• أمن مرتكز على أجهزة أمنية متعددة ومتضاربة ومتصارعة تستخدم الوسائل القهرية أكثر من استخدامها للوسائل السلمية.
• وعلى الرغم من وجود بعض الأطروحات التي عكست التجربة الليبية في إطارها السياسي والمتعلقة بدمقرطة الجوانب الأمنية والدفاعية، فإن سياسة توسيع مشاركة المواطنين في تحقيق الأمن والدفاع قد واجهت بعض الصعوبات بسبب:
• اتساع الفجوة بين ما هو معلن وما هو مطبق على أرض الواقع.
• الحماس الآني وعدم ارتباطه بتخطيط استراتيجي بعيد المدى.
• هيمنة العامل الأيديولوجي على كثير من الأطروحات (الشعب المسلح والأمن الشعبي مثلا)، ما صعّب من عمليات المتابعة والرقابة والتقويم.
• على ذلك، شهدت السنوات الأخيرة إيجابيات على المستوى الأمني. فمنذ نهاية الحرب الباردة تمكنت الدولة الليبية من إغلاق عدة ملفات دولية كانت تمثل هاجساً وتهديداً أمنياً وسياسياً لها، الأمر الذي مكنها من تحقيق خطوات ملموسة تجاه تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من المراكز والمصالح والهيئات المالية والتجارية النفطية العالمية المهمة.
• أيضا فإنه بسبب تأثيرات العولمة، وتعثر البرامج التنموية في ليبيا، بدأ حراك مجتمعي في التشكل، فيما تغيرت الكثير من المفاهيم، وشرعت أولويات تنموية تزيح خطوطا إيديولوجية كانت تعوق مسارها، وبدأ التفكير في تفعيل مؤسسات المجتمع المدني بإعطاء دور مهم للجمعيات الأهلية وتوسيع هوامش حرية التعبير عبر التفكير في تشكيل منابر سياسية وتأسيس جمعيات حقوقية مستقلة.
• وبفضل اتساع نطاق انسياب الأفكار والمعلومات، قامت الفضائيات وشبكة المعلومات الدولية بدور في تنشيط الحراك الاجتماعي والفكري والسياسي الليبي عموماً، فبدأ في ليبيا الحديث عن أهمية الدستور واستقلالية القضاء ووضع تشريعات إدارية واقتصادية تعيد هيكلة المؤسسات وتصحح مسارها، كما بدأ اللجوء إلى القضاء ورفع الدعاوى والشكاوى ضد المؤسسات والأشخاص الذين قاموا باختراق الحقوق المدنية والحريات.
3.2 الثقافة السائدة
• تتمظهر ثقافة المجتمع في شكل نزوعات وميول وتصرفات تنبئ بمدى استعداد أفراده لتحمل مسؤولياتهم المدنية والأخلاقية. غير أن إسهام جماع المسلكيات هذا في تشكيل خصوصيات المجتمع لا يقلل من أهمية الأفكار والرؤى والقيم المجردة في الأداء العام، فهي في النهاية الموجه الحقيقي للسلوك والمقياس الأدق لدرجة وعي الأفراد.
• وبسبب مركزية المنظومات القيمية في تحديد طبيعة وعي الأفراد والحراك الاجتماعي، يتعين أن تتأسس المرشدة للخطط التنموية على تقصي الأفكار القيمية الشائعة والمفاهيم المسبقة والميول الغالبة بين الشرائح المستهدفة، بما تستتبعه هذه الأفكار والمفاهيم والميول من استعدادات ذهنية ونفسية سائدة، ومن تأثير مباشر في إنجاح أو عرقلة المشاريع التنموية.
• ولأن النظرة السياسية إلى العالمي والمحلي تنعكس في خطاب شامل يتجلى في مجموعة من المبادئ المعلنة والشعارات السياسية، التي يتم تكريسها وتداولها عبر الوسائط الإعلامية والثقافية الرسمية، بما يهيئ حقلا تداوليا وخطابا عاما بالغ التأثير في مصير الرؤى الاستشرافية، وفي مدى تضافر الإرادتين السياسية والمجتمعية في فك مغاليق المستقبل، يتعين تقصى طبيعة الخطاب السياسي، الذي يثير بدوره سؤال علاقة السياسي بالثقافي، قدر ما يتعين تقصي دور التراث في تشكيل الخصوصيات الثقافية.
3.21 نزوعات سلوكية
• في سياق تشخيص وتحليل ركائز منظومة القيم التي تؤسس للفعل البشري في بلادنا، ثمة حاجة إلى التعرف على النزوعات السلوكية التي تشيع حدا يقرّب من وصفها الظواهر ويجعلها مؤثرة في مصائر الخطط الاستراتيجية المؤسسة على رؤى استشرافية.
• ننوه بداية إلى أن المواطن الليبي إنسان يحظى الواعز الديني عنده باعتبار خاص، فيما تتسم مشاعره الدينية بقدر مناسب من الاعتدال. السؤال هو ما إذا كان هذا الإيمان القلبي يترجم إلى ضمير شخصي يتجلى في معاملات سلوكية، وقابل من ثم لأن يستثمر في حض الليبيين ودفعهم إلى الانشغال بالصالح العام وتحمل مسؤولياتهم المدنية، وفق تنشئة دينية تؤكد قيم العدل والتكافل والتراحم المتأصلة اجتماعيا.
• من منحى آخر، تشكل الثقافة الشعبية مرجعية إنسانية أوجدتها ضرورات اجتماعية (كما في العقوبات العرفية الحازمة في حالات الاعتداء على الممتلكات، واحترام حالات اللجوء القبلية)، وهي تنبئ بعقل يسعى لتنظيم علاقاته وفق أطر إنسانية متاحة، وتثير إمكان تأصيل أو تلمس ثقافة حقوق الإنسان في الموروث الاجتماعي.
• تقدر الشخصية الليبية إلى حد قيمة الآراء والاستشارات التي يدلي بها أولو الاختصاص حال ثقتها في قدراتهم الخبراتية. غير أن كثرة التفسيرات الأسطورية والغيبية، وإحالة العديد من الظواهر الاجتماعية إلى تفسيرات خرافية، قد تنبئ بوجود ذهنية معرقلة لتوجهات العلم تضع الثقة في غير موضعها، كما أنها قد تشي بعوز في المصادر والسلطات المعرفية المناسبة.
• ثمة أيضا ما يمكن وصفه بالقيم السكونية التسليمية، التي تتجلى تحديدا في احتفاء الكثيرين بقيمة القناعة حد الركون إلى التواكل والكسل، وبقيمة الصبر حدا يشل الفكر والطموح ويورث ميلا نحو التحلل من المسؤولية، كما يسهم في شيوع ثقافة استهلاكية غير منتجة، وفي قيام منظومة اقتصادية تضعف فيها روح المبادرة والمخاطرة.
• حضور الزمن مفارق في الثقافة الليبية، فهو يتأرجح بين ذهنية الاستعجال والتسرع من جهة والتريث والتأجيل حد الإهدار من جهة أخرى؛ وكذا شأن مفهوم المكان الذي يتم الإضرار به في ذروة التعصب له.
• التنكر للجهود السابقة والتقليل من شأن منجز السلف، ما يمكن وصفه بالبدايات الصفرية، سجية أخرى قد تبين من جهة عجز الإدارات الرسمية عن إعمال الأساليب الرقابية الناجعة، وتسلم من أخرى إلى شخصنة المنجزات وعوز في مراكمتها.
• أصبحت استباحة المال العام أقرب إلى الثقافة منها إلى الظاهرة، أساسا بسبب عدم تفعيل القوانين الحاكمة، فيما شاعت ذرائع من قبيل عدم قيام الدولة بالإنفاق على البنى التحتية، وأن المستبيح بسطوه على المال العام إنما يسترد حقا يفترض أن تضمنه له تشريعات لا تنفذ.
• ثمة نزوع شطر التعميمات والمثنويات والتعجل في الحكم على الأمور قبل فهمها. ففي سياق ردود فعلنا للعولمة مثلا، يتجلى هذا النزوع في الرفض المطلق أو الامتثال الكامل، رغم أن كلا من هذين البديلين وجه من أوجه العطالة. يبدو أن طبيعة التنشئة الاجتماعية، بما تسببه من ضعف في البيئة الحوارية، مسؤولة جزئيا عن شيوع هذا النزوع، فهذه البيئة قادرة على التقليل من حدة التوجهات الجزمية والقطعية.
• الولاء العشائري محدد آخر لمسلكيات الكثيرين، حيث قدر الانحياز إلى القبيلة ـ عوضا عن كفاءة الأداء ـ معيار المفاضلة، وحيث تركن آلية التنافس إلى اعتبارات لا تعبأ بالصالح العام، بل قد تسهم في تهديد هذا الصالح. وفي غياب الجهات التشريعية القادرة على ضمان حقوق الأفراد، وبسبب ضعف انتماءات المجتمع المدني، قد يجد أصحاب مثل هذا الولاء ذريعة تبرر لجوءهم إلى الحماية التي تؤمنها القبيلة.
• تنتج البنية الأبوية لغتها، وهي لغة مناسبات وطقوس أكثر منها لغة بحث وحوار، لغة تستعيض عن الوعي الذاتي بوعي جماعي يخضع لآلية انخراط عام تذوب فيها القناعات الفردية في خطابات أقرب ما تكون إلى الشعارات المفرغة من المحتوى التحليلي والنقدي.
• يتجلى هذا مثلا في قيم من قبيل صمت الصغار في حضرة الكبار، الطاعة والامتثال، المماهاة بين الذكورة ورجاحة العقل، وبين الأنوثة وقصوره، تقديس حكمة الآباء، قمع ثقافة النقد، وتسفيه أسئلة الأطفال، وهي قيم تجسد نزعة أبوية لا تفرض سلطتها فحسب بل تحكّم ذوقها وقيمها وآدابها وتقاليدها الخاصة. وفي مثل هذه الثقافة يسيطر التكلف وتضمر الملكات العقلية وتضعف الروح الإبداعية، فيما يتسرب كل ذلك إلى الخطاب الثقافي الذي يمارس تحت ضغط هذه البنية الأبوية.
• على ذلك، فإنه ليس في وسع بديل المعرفة المنقولة التي تشكل وعيا مستوردا أن تحرر الفكر أو تطلق قوى الخلق والإبداع في الفرد أو المجتمع، بل إنها عرضة لأن تعمل في مستويات أعمق على تعزيز علاقة التبعية والامتثال الثقافي والفكري والاجتماعي، وتكريس ذات البنية الأبوية التي يفترض أن تسعى إلى تفكيكها. الانبهار بالمجتمع الغربي، والتقليل من شأن كل ما هو عربي ووطني، والهجرة إلى بقاع أخرى، من ضمن تجليات تبني هذا البديل.
• علاقة الجيل الطالع بالآخر، التي تشكلت رد فعل لعمليات التنشئة السياسية التعبوية، جعلته أشد امتثالا لذات الثقافة التي عملت تلك التنشئة على رفضها وكيل التهم لها. وهكذا تشكلت ميول التشبه والتقليد، وبدلا من فتح شبكة المعلومات قنوات أخرى للمعرفة والاتصال، أصبحت عند البعض أداة استقطاب لتوجهات انغلاقية.
• هناك حرص يبديه الآباء على تعليم أبنائهم، ولكن غالبا من أجل الحصول على شهادات تؤمن مستقبلهم. يبدو أن عوامل تنمية الوعي وصقل القدرات المهنية التي تشكل مستهدفات التعليم الحقيقية لم تعد تحظى بالأولوية والأهمية التي تستحق. غير أن هذه النظرة للتعليم لا تروج فحسب لثقافة الغش، بل تعرقل عملية خلق المجتمع المعرفي أحد استحقاقات المجتمع الإنساني المعاصر.
• مشاعر الإحساس بالأمن، بأبعاده الاجتماعية والسياسية والوظيفية، ليست قوية بما يكفي، أساسا بسبب المفهوم السائد للأمن الناجم بدوره عن ممارسات مشبوهة ارتبطت بالأجهزة الأمنية. هناك أيضا عوز في الشعور بالاستقرار، النفسي تحديدا، يصل عند البعض حدا يجعله يفتقد معنى الحياة.
• ولأن من لا يجد معنى لحياته قد يلتمس معنى لموته، المعنوي أو الجسدي، قد تجد أحاسيس الإحباط ومشاعر القنوط سبلا في إشباعها عبر ممارسات هروبية، تتراوح بين هجرة عمالة لا مهارة لديها إلى بلدان لا تعترف إلا بالمهارات الفائقة، تتراوح بين هجرة مكانية لعمالة لا مهارة لديها، وهجرة زمانية إلى الماضي تورث انكفاء على الذات أو توجه شطر خيارات تتوسل العنف وسيلة في فرض وصايتها.
• هناك غياب في الوعي بأهمية حماية البيئة وانتشار السلوكيات التي تلحق الضرر بها.
• هناك أيضا تأثير سلبي للمعتقدات الخرافية وطب الشعوذة في السلوكيات الصحية والاستجابة لمتطلبات الطب الحديث، في غياب مفهوم علمي للطب البديل.
• فضلا عن ذلك، هناك عوز في الثقة في النظام الصحي يؤدي غالبا إلى التماس العلاج بالخارج، بكل تأثيرات هذا النزوع السلبية، اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا.
• هناك أيضا تقليل واضح من شأن المهن اليدوية والحرفية وبعض المهن الأخرى مثل التمريض، في مقابل الميل للأعمال المكتبية والإدارية.
• هناك مواقف سلبية تتخذ من القطاع الخاص، فهناك دائما شعور بأنه قطاع استغلالي هدفه الأساسي زيادة هامش الربح بالحد الأقصى، وكل ذلك مرده التوجهات المعادية لهذا القطاع، وظهوره بشكل غير منظم، وتسييره بعقلية القطاع العام.
• يتبدى أن حظوظ الظواهر سالفة الذكر في السماح بتبني توجهات تنموية إيجابية، وفي تحقيق الأمن الإنساني الذي نصبو إليه، ليست وافرة، فهي عرضة لأن تنتج ثقافة استهلاك تعرقل المبادرة وتخلق شخصية فردانية لا يشغلها الشأن العام، منغلقة لا دوافع تجعلها تقبل على الحياة.
• ومما يزيد من خطورة هذه الظواهر أن بعضا منها (الولاء القبلي والأيديولوجي مثلا) يستبان عند أشخاص فاعلين في إدارة شؤون المجتمع، بل إنها أسهمت بشكل أو بآخر في توليهم مواقع مهمة في إدارة المشاريع التنموية والخدمية عوضا عن أن تشكل عوائق حائلة.
• يبدو أن كثيرا من هذه النزوعات، التي يميل كثيرون إلى اعتبارها طارئة وغير متأصلة، قابلة لأن ترد إلى ديناميات متشابكة، ترجع إلى هيمنة القطاع العام، وانخفاض مستوى المعيشة، وتراجع دور دولة القانون، وسوء الإدارة، وتشوه مفهوم القدوة الاجتماعية، إضافة إلى ما حدث من خلل في أساليب التنشئة الاجتماعية على مختلف مستوياتها، وفي الهياكل التربوية في المجتمع.
• غير أن هذه الديناميات المتشابكة تسهم في عوز الأمن الإنساني، ولذا فإن تأمين المصالح الاقتصادية وحقوق المواطنة وتكريس قيم الشفافية والمساءلة قادر على تغيير الأنماط السلوكية المشتبه في محاباتها لثقافة النهوض، ما يعني أن شيوع أية نزعة سلوكية قد لا يكون سوى رد فعل لاختلالات أمنية سوف تختفي باختفائها. لكن هذا يعني أيضا أن ترويض هذه الأنماط السلوكية وتطوير ثقافة محابية للتنمية لا يتحقق بالمواعظ والإرشاد بقدر ما يتحقق بالعمل على خلق مناخ (ثقافي، حقوقي، قيمي، اقتصادي، إلخ) تتناغم فيه حوافز المصالح الفردية مع أهداف الصالح العام.
• من جانب آخر، فإن تضييق الفجوة الرقمية وتحقيق مجتمع المعرفة من شأنهما أن يفككا الكثير من هذه الترسيمات السلوكية للوصول إلى قدر عال من الشفافية والتصويب الذاتي والمراقبة الذكية، إضافة إلى دورهما في تنشيط العقل وتحفيز الملكات الإبداعية.
3.22 الخطاب السائد
• ظل الخطاب السياسي خلال العقود الأخيرة يمارس تأثيره على المجال الثقافي الليبي وعلى طبيعة الممارسة الفكرية والإبداعية فيه، الأمر الذي ضيق من آفاق هذا المجال، وانعكس بدوره على المجال السياسي.
• منذ قيام الدولة الليبية المعاصرة تولت المؤسسات والأجهزة الإعلامية مهام السياسة الثقافية حسب مراحل التحول السياسي والاجتماعي، فيما سيطر السياسي على الإعلامي وحوله إلى منظومة تعبوية تتبدل وفق ما يطرأ من تغير في توجهاته، ما جعل هذه المؤسسات والأجهزة تعبر عن تجربة متواضعة في محتواها، كما أسهم في عدم استقرارها، وأدى في النهاية إلى هيمنة خطاب إعلامي وثقافي قاصر لا يواكب التقدم الهائل في حوار الثقافات ووسائل الاتصال والإعلام وكفالة نقل الأخبار وتبادلها دون حدود أو قيود.
• أيضا تم اتخاذ موقف انغلاقي تجاه الفكر والفن الأجنبي، فيما وصم مفهوم العولمة الثقافية في الأدبيات المحلية بتوصيفات رهابية، مثل الغزو والاغتراب والاستلاب الثقافي، وساد التوجس من الانفتاح على مختلف الثقافات الأخرى والإفادة من تجاربها.
• تحيل الاختلالات سالفة الذكر التي رافقت حماس خطابات التطوير والنهضة والوعد بمستقبل ثقافي زاهر إلى حقيقة أن تشكيل خطاب إعلامي وثقافي منفتح يتفاعل مع متغيرات العصر لا يتحقق عبر أساليب التعبئة السياسية التقليدية وترويج الشعارات الأيديولوجية، بل عبر توجه واضح يفيد من الأخطاء، ومن إلهام التجربة، ويسعى إلى تنمية الوعي العام بحيث يتمكن من بلورة رؤيته لما يحدث في العالم، ولسبل تأمينه موضعا يليق بإمكاناته وقدراته.
3.23 جدلية الثقافي والسياسي
• تشكل البعد الثقافي في ليبيا في بداية القرن الفائت من اندغام الوعي الديني بالوعي الوطني، في مركب جديد تعين تحديدا في حركة الجهاد، بما أورثته هذه الحركة من إرهاف للحس الوطني وتعزيز للمشاعر القومية، فكان هذا الوعي بمثابة الأساس والمرجعية للسياسي فكرا وحركة، وهكذا تكرس الثقافي بالكامل لقضية التحرر والاستقلال الوطني، حتى اتسمت العلاقة بينه وبين السياسيّ بالتناغم والتكاتف والتكامل حد الاعتماد المتبادل.
• هناك في الوقت الراهن تأثير متبادل بين الثقافي والسياسي، يصل إلى حد الانشغال بالقضايا نفسها، بل إنه قد يصل إلى حد تبادل الأدوار.
• ومهما يكن من أمر علاقة السياسي والثقافي في بلادنا خلال العقود الأخيرة من القرن الفائت، لا ريب أنها شهدت تحسنا ملحوظا منذ بداية الألفية الثالثة.
السؤال ما إذا كان هذا تعبيرا عن توجه حسمت الدولة أمرها منه، أم يظل عرضة لانتكاسات، كونه لم يؤسس على تشريعات صريحة، يظل سؤالا قائما، وقد يجيب عنه قادم الأيام والسنين.
3.24 الثقافة والتراث
• يشكل التراث خلفية معرفية ووجدانية للمجتمع بما يحمله من قيم سلوكية وجمالية. اتخاذ مواقف متطرفة، تهمش وتقصي الموروث الشعبي أو تبالغ في تقديسه والاحتماء به، وضع شائع في ثقافتنا الراهنة، وهو من ضمن الأسباب المسؤولة عن إعاقة البحث بموضوعية في مضامينه المعرفية والجمالية.
• وأيا كان موقفنا من التراث، يتبدى أنه يشكل عاملا أساسيا في توكيد الخصوصية الثقافية والاستجابة للتحديات العولمية. لكن هذا إنما يوجب الوعي بالتراث الوطني، وتحليله ونقده، وتوظيفه في توكيد الهوية الوطنية، واستثمار قيمه الإيجابية في تحقيق التنمية الشاملة.
• بدعم من الدولة، قامت محاولات للعناية بالتاريخ الوطني والتراث في مختلف تجلياته المعنوية والمادية، رفدتها محاولات لدراسة التراث والتاريخ، كما تم إنشاء مراكز متخصصة في جوانب بعينها من الموروث الشعبي. هناك أيضا جهود بذلت بمبادرات فردية تمكنت من وضع لبنات جيدة لخطة منهجية للتقصي عن المادة التراثية وتوثيقها، ووفرت مادة غزيرة، كما تشكلت جمعيات أهلية للتراث اهتمت بجمع الروايات الشفهية والمقتنيات الشعبية وإقامة معارض دائمة لها.
• وفرت المهرجانات التراثية فرصة وإمكانية لإحياء الموروث وتقريبه من ذائقة الأجيال الناشئة، إلا أن طابع الارتجال والاستعجال وضعف القدرات المالية جعل هذه المهرجانات لا تدقق كثيرا في عرض لوحات الموروث وإعطائها شكلها الجمالي الأصيل.
• أيضا فإن معظم الجهود التي أتينا على ذكرها نحت منحى توثيقيا أو عرضيا صرفا، فليست هناك أية محاولة جادة لتحقيق مطلب التقصي العلمي الموضوعي والنقدي الذي يقوّم ما تم توثيقه، خصوصا وفق مقياس عولمي يرصد قدرات التراث التنافسية، وإمكان توظيف هذه القدرات سياحيا، وفي الترويج لخطاب ثقافي منفتح.
• وأخيرا لنا أن نتساءل ما إذا كان التوجه، الذي غلب على مجمل مسيرة الثقافة الليبية، نحو التاريخ والتراث قصد التأصيل والتأسيس، استجابة لحاجة ملحة طرحها الواقع والظرف التاريخي الخاص، أم أنه كان انعكاسا لهشاشة البنية الثقافية الليبية، التي ألجأته إلى التحصن بالتاريخ والتراث في مواجهة رياح الطمس والإلغاء والمصادرة؛ وما إذا كان يتوقع للثقافة الليبية، إذا ما أتيحت لها هوامش واسعة من الاستقلالية والحرية، أن تغادر هاجسها التأصيلي، الذي قد يكون مجرد آلية دفاعية، باتجاه اتخاذ مبادرات جديدة وجريئة أكثر تغلغلا في الواقع الحي وأشد اشتباكا مع ثقافة العصر؛ وما إذا كانت ضغوط العولمة قد عمقت النزوع شطر التشبث بالهوية، والعصمة بركائزها على نحو يفاقم حالة العزلة، أم أنها أصبحت دافعا للمشاركة والتنافس، وحافزا لروح البحث الناقد في الموروث، ولمحاولة تبني الأساليب التقنية الحديثة في الحفاظ عليه وتطويره؟
3.25 إسهامات ثقافية
• ولأن الرصد الموضوعي يفترض التنويه بما ينطوي عليه الوضع الراهن من إيجابيات يلزم العمل على تعزيزها وتطويرها وتقصي أسباب انقطاعها، وتشكل مؤشرا لإمكانات تعزز الثقة في النفس وقابلة لأن تتحقق عيانا حال تهيئة المناخ المناسب، بحيث تحظى بقدرات تنافسية تسهم في تمكينها من البقاء في البيئة المعولمة، حري أن نشير إلى أن هناك إسهامات سابقة قامت بدور ملحوظ في تأسيس وتطوير مجال اختصاصاتها. التالي أمثلة على هذه الإسهامات.
• على المستوى الثقافي والإعلامي، كان لإنشاء المطبعة الحكومية في منتصف الخمسينيات دور كبير في نشاط الطباعة في ليبيا، وقد استمرت الجهات الحكومية في إصدار لوائح وتشريعات خاصة بقوانين الضبط الببليوغرافى فترة تزيد على ربع قرن.
• أيضا قامت بعض المؤسسات بجهود مميزة في النشر والتوزيع، فأصدرت العديد من الكتب الإبداعية والعلمية والأكاديمية. كما قامت الجامعات الليبية بنشر عدد من الكتب والأبحاث، فيما عقدت بعض المراكز البحثية العديد من المؤتمرات الأكاديمية المتميزة.
• أنتجت المؤسسات التعليمية في نهاية الستينيات وحتى منتصف السبعينيات قدرات علمية وتقنية متميزة أثبتت تفوقها داخل البلاد، فيما أسهم المهاجر منها في التعريف بالقدرات الوطنية وفي حفز الأجيال الطالعة.
• ثمة إسهامات صحفية متميزة قامت بها صحف ومجلات في الفترات التي كانت تعمل بمعزل عن رقابة المطبوعات، وإن كان نجاحها يرجع إلى حصولها على هامش نسبي في حرية التعبير، ولم يكن تعثرها إلا لكونها لم ترتكز على إطار تشريعي ومؤسسي مستقر.
• هناك أيضا منجز إبداعي متميز في مجال الفن التشكيلي وبعض صنوف الأدب مثل الشعر، والرواية، والقصة القصيرة، والمسرح، والمقالة، أسهم في بلورة وعي ثقافي بالهوية الوطنية والقومية، ويشهد بجدارة هذا المنجز الإبداعي حصول العديد من المبدعين الليبيين على جوائز إقليمية ودولية، وترجمة بعض أعمالهم.
• وبدءا من العقد الأخير من القرن العشرين، شهد مفهوم المجتمع المدني اهتماما متزايداً ضمن الخطاب الثقافي، من خلال توكيد الكتابات المتعددة ضرورة توسيع مستوى المشاركة المسؤولة وتأسيس قيم الاستقلالية والمساواة في إبداء الرأي والحث على المبادرة الحرة في الكتابة والممارسة الثقافية النقابية الواعية والمنظمة.
3.3 المجتمع المدني
• لا تتمثل المشكلة الأساسية المتعلقة بالمجتمع المدني في ليبيا في عدم وجود منظمات أهلية، فالساحة يشغلها العديد من تكوينات المجتمع المدني من نقابات واتحادات مهنية وروابط وتنظيمات نسائية وأندية ومنظمات تطوعية تمارس أنشطة متنوعة ومتعددة، وإنما تتمثل في عدم فاعلية هذه التنظيمات وعوزها للاستقلالية في مواجهة الدولة وأجهزتها.
• يتسم موقف الدولة إزاء منظمات المجتمع المدني بالتردد وعدم الثقة. فالدولة تسمح بتكوين الجمعيات والتنظيمات المدنية، ولكنها في الوقت نفسه تضع من القيود واللوائح القانونية والإدارية التي تجعل لها اليد الطولى في مراقبة هذه المنظمات أو حلها أو تحديد مجال حريتها وحركتها. وتشمل هذه القيود التي تفرضها الدولة على المجتمع المدني قيوداً تشريعية وإدارية وسياسية، الأمر الذي يؤثر على فاعلية منظمات المجتمع المدني ويجعل مشاركتها هامشية ومحدودة. في التحليل الأخير، فإن هذه التنظيمات، بأوضاعها الحالية، ليست حقاً مكفولاً دستورياً للفئات المجتمعية، بل مجرد منحة من الدولة.
• تستبان من الاستقراء السريع لطبيعة العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والدولة في ليبيا سيطرة نموذج "هيمنة الدولة" خلال العقود الماضية. فالدولة تتدخل، عبر قوانينها ولوائحها وقراراتها، في الحياة الترابطية، وفي نشاطات النقابات والاتحادات والروابط المهنية والتطوعية. هكذا تنص التشريعات واللوائح على أن كل مهنة أو حرفة يحتكر تمثيلها اتحاد أو رابطة أو نقابة واحدة فقط، كما أنه لا يجوز لها القيام بأية نشاطات ليست لها علاقة بشؤونها المهنية، ولا يجوز لها أن تتحرك بصفة جماعية في عمليات التفاوض مع أجهزة الدولة والنقابات والاتحادات الأخرى. أيضا فإن الدولة تقوم بإنشاء تلك التنظيمات وتحديد مجالات نشاطاتها وبنيتها التنظيمية وشروط عضويتها وكيفية اختيار قياداتها وإلغائها، إلى جانب هيمنتها على تمويل هذه المنظمات. ويبدو ذلك جلياً عند تقصى تاريخ بعض النقابات والاتحادات مثل نقابة المحامين وجمعيات رجال الأعمال والاتحادات الطلابية والعمالية ورابطة الأدباء وغيرها.
• من خلال القراءة المقارنة للقانون رقم (111) لسنة 1970 بشأن الجمعيات الأهلية، والقانون رقم (19) لسنة 2001 ولائحته التنفيذية، يتضح أن أنماط التفاعل بين منظمات المجتمع المدني والدولة تكاد تتطابق مع نموذج "هيمنة الدولة": فالنقابات والاتحادات والروابط المهنية في ليبيا غير تنافسية وإلزامية وهرمية، وهي تنشأ وتنظم ويُعاد تنظيمها وتُدمج وتُحل بقرارات ولوائح تصدرها الدولة؛ كما أن كل اتحاد مهني يحتكر عملية تمثيل المصالح المختلفة ضمن فئته؛ فضلا عن أن منظمات المجتمع المدني لا تمثل مجالاً مستقلاً ومنفصلاً عن الدولة، بل إنها متضمنة في البنية التنظيمية الرسمية، وتعتبر جزءاً من آليات النظام السياسي الرسمي في ليبيا. وهذا لا يعني في الواقع تعزيز قوة الدولة، فالصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها، والمجالات والاختصاصات التي تمتلكها، وسعيها المستمر لاحتلال كل المواقع، إضافة إلى أجهزتها وآلياتها المتنوعة، يخفي في واقع الأمر ضعفاً جوهرياً ووجوداً هشاً لهذه الدولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق