ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الثاني
ليبيا اليوم - ليبيا 2025 رؤية استشرافية - 27/10/2008 :
اعداد مجلس التخطيط الوطني ومركز البحوث والاستشارات (جامعة قاريونس
1 مدخل
• ظل التطلع إلى الامتياز عبر التاريخ غريزة بشرية من الطراز الأول. وعلى هذا النحو تعينت الغاية الكبرى التي ما فتئت الجماعات البشرية تسعى إلى تحقيقها منذ القدم في خلق مجتمع الفردوس الأرضي، مجتمع الرفاه والرخاء، مجتمع العدل والكفاية، مجتمع الأمن والاستقرار، مجتمع الحرية والسلام.
• يثير هذا التطلع بوجه عام أسئلته، التي يتوجب على الرؤى الاستشرافية أن تجيب عنها. وفي سياق "مشروع ليبيا 2025"، ووفق اعتبارات سوف نأتي على ذكرها، تم تبني الأجوبة التالية:
• ما طبيعة المجتمع الذي نطمح إليه؟ إنه بوجه عام المجتمع الذي ظل البشر من أقدم العصور يطمحون إليه: مجتمع الرفاه.
• أي نوع من الرفاه؟ الرفاه الذي يحقق الأمن الإنساني بمعناه الشامل.
• وما السبيل إلى هذا النوع من الأمن؟ التنمية المستدامة.
• وما استحقاقات هذا النوع من التنمية؟ ثقافة النهوض (اعتبار محلي).
• وما طبيعة هذا النوع من التنمية؟ تنافسية (اعتبار عولمي).
1.1 نهج التناول
• هناك عدة مداخل تشكل مسارات سردية رئيسة للرؤية: الأمن الإنساني مدخل، والثقافة مدخل، والعولمة مدخل، والأوضاع الراهنة مدخل. غير أن المستويات مختلفة؛ فالأمن الإنساني مدخل بوصفه غاية عامة، والثقافة مدخل بوصفها استحقاقا للتنمية المستدامة، والعولمة مدخل بوصفها معيارا تقدر وفقه الفجوة الفاصلة وتعاير على أساسه طبيعة الثقافة اللازمة والمجالات الأجدى للتنافسية، والأوضاع الراهنة مدخل بوصفها سبيلا لتحديد الإمكانات المتحققة والكامنة.
• حظي مفهوم الأمن في العصر الراهن بعناية خاصة، بعد أن طرأت عليه تطورات نحت إلى جعله أكثر شمولية وأقدر على اختزال التطلعات البشرية من أي مفهوم آخر. هكذا لم يعد الأمن يعني فحسب أمن الوطن الذي يرعى مصالحه ويعليها على كل ما عداها، ولا أمن النظام الحاكم الذي يدير شؤون الدولة، لكنه، قبل ذلك وبعده، الأمن الإنساني، أمن المواطن، ضامن مصالح الوطن وواهب الشرعية لنظام حكمه الديمقراطي:
• إنه أمن سياسي قائم على إطار مرجعي قانوني يحدد بنى واختصاصات السلطات العامة ويضمن استقلالية السلطة القضائية ويعزز استحقاقات المواطنة والمشاركة، ويصون كرامة المواطن ويحفظ حقوقه ويكفل سلامته من العنف والجور، ويمكن دولته من التكيف مع التحولات التي تطرأ على توازن القوى العالمي، ومن الاحتواء المبكر لأية تهديدات خارجية محتملة؛
• وأمن اقتصادي يلبي للمواطن حاجاته الإنسانية، ولوطنه القدرة على استثمار أمثل لموارده وتوظيفها في تحسين ظروف العيش فيه، في ظل نظام اقتصادي عالمي جديد تتحكم فيه آليات السوق؛
• وأمن صحي يضمن له حياة عفية، وأمن بيئي يحافظ على الموارد الطبيعية من الاستنزاف ويحميها من التفريط؛
• وأمن اجتماعي يؤمن له تعليما يؤهله لتحقيق ذاته وتحقيق ما يكمن فيها من قدرات، وعملا يليق بما تأهل له، وعدالة في الفرص، وتقويما موضوعيا للأداء، كما يهيئ له مناخا ثقافيا منفتحا يمكنه من التعبير عن نفسه والاعتزاز بهويته والحفاظ على خصوصياته القيمية، ويعيد له الثقة في قدرته على الإسهام النوعي في الثقافة الإنسانية.
• ولأنه يتوجب أن يتنزل الأمن الإنساني، بهذا المعنى الشامل، منزلة خاصة بوصفه تجسيدا راهنا لغاية الرفاه وتحقيقا معاصرا لغريزة التطلع إلى الامتياز، يلزم أن يكون الإنسان قطب رحى هذه الرؤية، وأن يكون أمنه مركز عودها المستمر.
• الإنسان الذي نعني هنا هو الإنسان الفاعل الواثق من قدراته والمستعد دوما لتطويرها؛ معطي الوجود قيمه البشرية، واهب الحياة على الأرض معناها، ومانح الوطن هويته؛ الإنسان الذي استخلفه الله دون سائر خلقه، فحمل أمانته، وأطاق تكاليفه؛ الإنسان الذي يؤمّل أن يكون غده أفضل من يومه، والراغب في أن يجعل موطنه مكانا أفضل للعيش.
• وهو في حالتنا الإنسان الليبي الذي عصفت به أدواء الحرب والفقر والتخلف والجهل والمرض ردحا طويلا من الزمن؛ الإنسان الليبي الذي حاول جاهدا أن يضع ركائز دولته الحديثة في خضم عالم متدافع، ثم اكتشف أنه لم ينجز ما يكفي لتلبية طموحاته.
• أما عن السبيل الذي تقترحه الرؤية لتحقيق الأمن الإنساني، فيتمثل في "التنمية"، المستدامة تحديدا. غير أن ثقافة النهوض تشكل الاستحقاق الرئيس لهذا المطلب، بل إن اختيار هذا النوع من التنمية مؤسس أصلا على اعتبارات ثقافية، فضمان حق الأجيال القادمة في الثروة استحقاق قيمي، ومن ثم ثقافي.
• الثقافة هنا تفهم أيضا بمعنى شامل. إنها لا تضم فحسب التراث الذي يشكل ذاكرة المجتمع بل تمتد لتشمل روح التشريعات القانونية وأساليب التنشئة والأعراف الاجتماعية بما تفضي إليه من نزوعات سلوكية غالبة، وآليات محددة في ضبطها، فضلا عن وعي المجتمع بذاته وخصوصياته التي تميزه عن غيره من المجتمعات.
• وفي حالة ثقافة النهوض، فإنها تشمل أيضا المجتمع المعرفي والمجتمع المدني، ونوعا بعينه من المنظومات الأخلاقية، يكرس قيما من قبيل التنافسية والشفافية والاختلاف وحقوق الإنسان والمواطنة.
• وإذا كان لنا أن نلتمس في لغة الحاسوب توصيفا لعلاقة الثقافة بالتنمية، وإذا كانت التنمية للمجتمع كالعتاد للحاسوب، فإن الثقافة هي البرمجيات التي تمكن حاسوب المجتمع من القيام بمهامه، بل إنها ما يوكل إليه استحقاق تحديد هذه المهام.
• مسوغ أن تكون الثقافة المقترحة ثقافة نهوض ناتجة عن اعتبارات محلية صرفة. الاختلالات التي يعاني منها المجتمع، والتي تهدد بكبوته، إنما تحتم ثقافة تنهض به مما هو فيه.
• ولأننا نعيش في عالم لا بقاء فيه لمن ينعزل بنفسه، فإن العولمة، باستحقاقاتها التنافسية، تفرض مواصفات بعينها على كل من الثقافة والتنمية. بيان ذلك أننا لو كنا نعيش في عصر سيادة الدولة القطرية، لما كانت هناك حاجة إلى اعتبار مثل هذه الاستحقاقات.
• السؤال، "كيف الوصول إلى تحقيق النهوض؟"، سؤال سابق لأوانه. ذلك أنه لا سبيل لتحديد آليات بناء قدرات الإنسان التي تجنبه خيبات التعثر والنكوص، قبل تحديد الغايات من بنائها، فالغايات في النهاية هي البوصلة التي تحدد الوسائل والآليات.
• لذا، فإن السؤال الأهم، لأنه الأسبق منطقيا، هو "ماذا نريد؟"؛ أي: "ما الغايات التي نصبو إليها؟"
• غير أن الإجابة "مجتمع الرفاه" أو "الأمن الإنساني" أو حتى "التنمية المستدامة" فهي لا ترصد غايات محددة بما يكفي. ثم إن إدراك الغايات، ومن ثم تحديدها، لا يتطلب فحسب رصد القدرات والموارد البشرية والطبيعية المتحققة والكامنة، وتحديد الفجوة التي تفصل الواقع عن المثال، بل يتطلب أيضا وعيا حقيقيا بالفرص والمخاطر، وتقصيا موضوعيا للبيئة التي يفترض أن تتحقق فيها الغايات المستهدفة، والتي قد تفرض شروطها الخاصة وتحجّم من قدر المثال الذي نصبو إليه.
• يلزم أن تشمل الرؤية التي نستشرف بها المستقبل قراءة في البيئة العولمية تخلص إلى رصد استحقاقات البقاء على ركح مسرحها؛ وتقدّر تأسيسا على هذا الرصد حجم الفجوة التي تفصل المشهد الليبي عن المساهمة الفاعلة في المسرح العالمي؛ وذلك لأسباب أهمها:
• أن الملمح السردي الذي يسم صياغة الرؤى الاستشرافية يستدعي ترسم ملامح شخصيات المشهد موضع الاستشراف، وعرض دورها فيه، ورصد الآفاق والمخاطر التي تشكل في مجملها حبكة السرد؛
• أن هناك طابعا معياريا يكتنف الرؤى الاستشرافية، يستبان في انحيازها إلى مسارات مستقبلية بعينها؛
• أن الأنشطة البشرية أصبحت بفعل العولمة تمتد عبر الحدود الوطنية، فما يحدث في جزء من العالم قد يؤثر في أصقاع قصية عنه؛
• على هذا النحو، تشكل كينونات المسرح العالمي وصيروراته الفاعلة أداة لموضعة الأداء المحلي ومقياسا لإمكاناته التنافسية، ومرجعية لتقويم التطور المنجز.
1.2 حيثيات التقرير
• يستهل التقرير أجزاءه بقراءة للمسرح العالمي، يتناول مفهوم العولمة، ويحدد دينامياتها ومؤشراتها وتجلياتها المتوقع انعكاسها على المشهد الليبي، فضلا عن استحقاقات البقاء في بيئتها.
• بعد ذلك يعرض التقرير قراءة للمشهد الليبي المحلي، ويرصد الاختلالات التي يعاني منها، والخبرات والخمائر التي يشتمل عليها.
• وبعد أن يقوّم التقرير الأوضاع المحلية الراهنة في ضوء البيئة المعولمة، بما يفضي إليه هذا التقويم من موضعة للمشهد الليبي وتقدير لحجم الفجوة التي تفصل الأوضاع الراهنة عن استحقاقات العولمة، واستعراض للإمكانات الكامنة التي يتعين تحقيقها، والتحديات المستقبلية التي يتوجب الاستجابة إليها، يعرض قراءة استشرافية لمستقبل ليبيا تحدد طبيعة مجتمع الأمن الإنساني الذي يتوجب أن نسعى إليها لتجسير هذه الفجوة. بعد ذلك يعرض التقرير خلاصة مركزة للرؤية، يفترض أن تترجم لاحقا إلى أهداف استراتيجية محددة.
• وفي آخر أجزاء هذا التقرير، نشير إلى مسارين ممكنين يعرض كل منهما في شكل سيناريو لمستقبل ليبيا، واحد يرصد ديناميات وتداعيات محتملة لاستمرار الأوضاع الراهنة، وآخر يرصد ديناميات وتداعيات محتملة لتبني ثقافة النهوض والتنمية المستدامة. وبطبيعة الحال، ثمة مسارات محتملة أخرى، لكن اختيار هذين المسارين راجع إلى كون كل منهما طرفا نقيضا للآخر، وإلى اعتبار أن أحدهما يبين الحاجة إلى إحداث تغييرات جوهرية في بنية المجتمع، فيما يبين الآخر الرؤية التي يتعين أن يتأسس عليها إحداث هذه التغييرات. وبحسبان أن احتمال حدوث أي من ذينك المسارين جد ضئيل، فالأول يسرف في التشاؤم، والثاني يمعن في التفاؤل، سوف نختتم هذا التقرير بعرض مسار وصفناه بسيناريو الاحتواء، يتنزل منزلة وسطا بينهما، ما يجعل حظوظ حدوثه وافرة.
2 قراءة في المسرح العالمي
2.1 مفهوم العولمة
• مهما اختلفنا في تحليل مفهوم العولمة، يستبين أن البيئة المعولمة، تلك المنظومة المعقدة التي تشمل تطورات تقنية وتخلق علاقات إنتاج جديدة، محرك رئيس في تشكيل مستقبل العالم.
• ورغم أن قابلية البيئة المعولمة للتعريف الإجرائي، بوصفها عملية يمكن ملاحظتها باستخدام مؤشرات محددة، تظل مسائل تحليل محددات حراكها، والتحديات التي تشكلها، واستحقاقات البقاء وفق معاييرها التنافسية، خلافية وقابلة للبحث.
• غير أنه يتعين التمييز بين سوء فهم البيئة المعولمة، الذي قد يفضي إلى تصورات شائهة لطبيعتها، واختلاف الرؤى في النظر إليها، الذي قد يسهم في إثراء فهمها.
• ثمة من يعتبر العولمة مجرد نتاج لرغبة الكيانات الكبرى في الهيمنة وإملاء الإرادة وبسط النفوذ، تفرض وفقها آليات القولبة والمحاكاة والتنميط مقاييسها الخاصة في الجودة الارتقائية، بغرض تنميط المشاعر والأمزجة والميول، وتنامي عادات استهلاكية متشابهة، اقتصاد السوق وحده القادر على إشباعها.
• تتضمن العولمة وفقا لهذا التصور تفضيلات سياسية بعينها في أنظمة الحكم وتوزيع الثروة. الاقتراع الديمقراطي على الطريقة الغربية أفضل أنظمة الحكم، والصراع حول سبل تنظيم المجتمع وتوزيع الثروة حسم لصالح الليبرالية الغربية.
• ولأن المراد نمذجة العالم على صورة الغرب، عبر تعميم تجربته في الحياة على سائر المجتمعات الإنسانية، فإن الاستتباع الحضاري وبسط النفوذ وإقصاء الخصوصيات مطاف كل توجه عولمي. أكثر من ذلك، فإن النظام العالمي الجديد، الممسوس بحمى الكسب والثراء، مستعد دائما لجرف من يقف في طريق هذا التوجه ولإخراس كل صوت مناوئ.
• في مقابل هذه القراءة المستريبة للعولمة، بمحاميلها المؤامراتية ومضامينها الاستسلامية، تقر القراءة البديلة (المتبناة في هذا التقرير) أن للشعوب أن تثق في قدراتها على المشاركة في خلق البيئة العولمية واستيفاء استحقاقاتها التنافسية، انطلاقا من افتراض أن جميع أطراف لعبة صنع المستقبل فاعلون، إذا ما تحققت لهم الإرادة في أن يكونوا كذلك، وهو افترض يتكئ على حقيقة أن العولمة أتاحت للجميع ذات التقنيات والفرص التي مكنت حضارة الأقوياء من التفوق.
• الطفرات الحضارية، مثل الحروب، لا تسمح بانتصار الجميع؛ ولكن، رغم أن هناك دائما ضحايا سوف يسدل عليهم التاريخ ستارته، فإن المهزومين هم أولئك الذين ارتضوا منذ البداية خيار الهزيمة.
• ثمة خطاب سياسي سائد في كثير من دول العالم الثالث يدرك أنه لا عاصم اليوم من أمر العولمة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية، لكنه يتحصن بالسيادة الوطنية والخصوصيات الثقافية آلية دفاعية للبقاء، متخذا منهما مبررا لمصادرة حقوق المواطنة وذريعة للعجز عن تنفيذ مشاريع التنمية.
• غير أن هذا الخطاب يفترض إمكان فصل الثقافة عن سائر تجليات العولمة، كما لو أن العولمة مجرد وسيلة لفتح المزيد من الأسواق العالمية، وهو يتجاهل حقيقة أن التنوع لا يضير الثقافة المعولمة، فهو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وحتى البيولوجي، سبيل الازدهار، وأن الثقافة المعولمة قادرة من حيث المبدأ على صياغة نسيج واحد من مضامين متنوعة، فهي تظل في النهاية نتاجا إنسانيا، ولا شيء يحول دون تضمنها خطابا نقديا أخلاقي النزعة يسعى إلى كبح جماح آليات العولمة والحد من انفلاتها.
• ثم أن البعد الحضاري للعولمة يطرح قائمة واسعة من الخيارات ومجالات التعاون، وعائد التعاون المتبادل يميل غالبا في صالح من يستثمر تميزه العلمي والثقافي، ويشجع الانفتاح الفكري والمبادرات الفردية، ومن شأن هذا أن يمكن من توظيف واستثمار المنهج الذي فرضته التطورات المعرفية والتقنية الأكثر حصانة من حيث سلامة دوافعها القيمية.
• على كل ذلك، تدرك القراءة البديلة أن السمات الجينية للبيئة العولمية قد تشكلت في رحم الثقافة الغربية، وأن بعض الدول تحاول الإفادة من هذا التطور في فرض شروطها وتغليب مصالحها. غير أن هذا لا يبرر أخذ العولمة بجريرة المقاصد المشبوهة التي تضمرها القوى الكبرى، خصوصا حال اعتبار التطورات المعرفية والتقنية التي يمكن للشعوب النامية الإفادة منها، وتوظيفها في تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة.
• وبطبيعة الحال، فإن هذا لا يعني أن العولمة يوتوبيا جديدة تخلص الجميع مرة وإلى الأبد من العوز والتخلف والجهل والبطالة، بل يعني أن بدائلها ليست أوفر حظا منها في تمكين المتأخرين في السبق من اللحاق، وأن استحقاقات التنافسية في هذا العصر أشرس من أن تترك للقوى الأضعف فرصة التردد بين خيار الانضمام إلى ركب العولمة وخيار الانكفاء على الذات والاعتصام بحبل تراثها.
• وفي النهاية، يبدو أن هذا عصر تختلط فيه الأضداد، فبعد أن شهد نهاية التضاد بين الجميل والقبيح في الفن، واليسار واليمين في السياسة، والحقيقي والزائف في الإعلام، والموضوعي والذاتي في العلم؛ يبدو أنه سوف يشهد نهاية التضاد بين الأقوياء منتجي المعرفة، والضعفاء مستهلكيها، لأن مطاف التعايش بينهما أن ينتهي بانقراض الجاهلين.
2.11 الديناميات
• تشمل فواعل العولمة تكتلات سياسية إقليمية أبرزها: منظمة التجارة الحرة في أمريكا الشمالية والاتحاد الأوربي، ومنظمة التعاون الاقتصادي للبلدان الآسيوية والمحيط الهادي؛ كما تشمل شركات متعددة الجنسية، وبعض المؤسسات الدولية مثل "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" و"منظمة التجارة العالمية"، فضلا عن أية تكتلات ومنظمات مماثلة قد تستجد خلال سيطرة التوجهات العولمية.
• تتعين السمات الرئيسة للعولمة في الوقت الراهن في التالي: انحسار الصراع الأيديولوجي وهيمنة قطب واحد؛ سيطرة المتغير الاقتصادي وتحرير التجارة العالمية واتساع دائرة السوق؛ ثورة الاتصالات بما يسرته من تسارع في معدلات الاختراعات والابتكارات وفي تطبيقاتها؛ تقلص سيادة الدولة الوطنية وتلاشي الحواجز الطبيعية والاجتماعية بين الدول؛ جدلية الاندماج بين الجماعات الإنسانية الناجم عن اتساع دائرة السوق من جهة، والتفكك الناتج عن تطور وعي الإثنيات والأقليات بخصوصياتها الثقافية وتوظيفها الانفتاح التقني والثقافي في تكريس هذه الخصوصيات من جهة أخرى.
• يتضح من هذه السمات أن العولمة ليست مجرد تدفقات وارتباطات تتم بين الدول الوطنية، بل تشمل تحولات مهمة من نمط الحيز المكاني للتنظيم والنشاط الإنساني والاجتماعي شطر أنماط علاقات وتفاعلات وممارسات نفوذ عبر_قومية وعبر_إقليمية، بكل تأثيرات هذه التحولات على سيادة الدولة القطرية.
• وفي مجال الاقتصاد تحديدا، ثمة آلية جديدة تشرع في التشكل، تعيد صياغة مفاهيمنا التقليدية في دور الدولة ونهج اتخاذ القرار وميزات التبادل التجاري ومحتوى العلاقات الإنسانية عبر الدول، حيث يستبان أن التنمية البشرية المستدامة والمعلومات والإبداع هي العناصر الأهم في التنافس على البقاء والنفوذ.
2.12 المؤشرات
• التنافسية: تعني القدرة على إنتاج وخدمات تروج في الأسواق العالمية والمحلية، فيما يقوم الاقتصاد على الجودة والتميز، والتجديد المستمر في الأفكار، ومع تطور تقنيات الإنتاج والابتكار في المنتجات والتسويق، لم يعد الطلب على السلع هو الذي يخلق العرض، بل العرض هو الذي يخلق الطلب.
• دور الدولة: يتعرض دور الدولة إلى عمليات إعادة تشكيل مستمرة، من شأنها أن تحدث تغييرا حاسما في وظائفها التقليدية، وأن تؤثر على المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية، ما يقوى من دور القطاع الخاص، ويعزز من نفوذ الشركات متعدية الجنسية، وفي النهاية قد تصبح الدولة المالكة دولة منظٍّمة يقتصر دورها على الإشراف والتنسيق.
• مؤسسات المجتمع المدني: تحصل المؤسسات غير الحكومية على استقلاليتها وتمارس نشاطها الرقابي وتسهم في صون حقوق الإنسان والحفاظ على كرامته، وفي تكريس قيم المساءلة والشفافية، فيما تتعزز مؤسسات المجتمع المدني العالمية، من قبيل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والشفافية وما في حكمها.
• الشرعية: التنمية المستدامة والإصلاح الديمقراطي، بما يشترطانه من سيادة للقانون ومشاركة اجتماعية واعتبار الكفاءة معيارا وحيدا للأداء، سبيل حصول نظام الحكم على الشرعية في الداخل والخارج.
• المجتمع المعرفي: تتاح للجميع فرصة الحصول على المعلومات اللازمة لبناء القدرات وتنفيذ مشاريع التنمية المستدامة، فيما تصبح تقنية المعلومات مصدر القوة الأساسي، اقتصاديا وأمنيا، وترتهن قدرات المجتمع التنافسية بقدر إسهامه في إنتاج المعرفة وإدارتها، بما يشترطه إنتاج المعرفة من بحث علمي نوعي وما يترتب عنه من منجزات تقنية هائلة.
2.13 التجليات
• زيادة الطلب العالمي على الغذاء والسلع والخدمات، بسبب ارتفاع معدلات النمو السكانية العالمي؛ وزيادة القوى العاملة العالمية، التي ترجع إلى ارتفاع عدد السكان في سن العمل؛ وزيادة حجم فئة كبار السن، الناتج عن ارتفاع متوسط أعمار الأفراد.
• هناك اختلال في سوق العمل يؤدي إلى حاجة ماسة إلى الأيدي العاملة الماهرة. تحديدا، تبين الاتجاهات السكانية في بلدان "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" أنها سوف تواجه نقصا حادا في القوى العاملة، وفي عام 2015 سوف تحتاج أوربا واليابان وحدهما إلى أكثر من 110 مليون عامل حتى تستطيعا المحافظة على المعدلات الحالية للإعالة، ما يلزمها بتسهيل إجراءات الهجرة إليها أو نقل صناعاتها إلى مناطق أخرى، ويتوقع أن يكون هذا البديل الثاني في صالح الدول التي تؤسس البنية التحتية وتسهل الإجراءات الجمركية وتؤمن الجودة والتكاليف المنخفضة والعمالة الماهرة.
• إن تسارع وتيرة التجارة الدولية، بسبب نمو الإطار المؤسسي لمنظمة التجارة العالمية وإزالتها مختلف أشكال الحواجز التي تعوق عملية التبادل التجاري، سوف يمنح للمنتجين المحليين فرصا أكبر، لكنه سوف يجعلهم أكثر عرضة لتحديات المنافسة الدولية.
• يشكل مجتمع المعرفة أحد أهم تجليات البيئة العولمية، حيث يشمل هذا المفهوم جميع الأنشطة والموارد والتدابير والممارسات المرتبطة بالمعلومات إنتاجا وتنظيما واستثمارا.
• بدءا من الجيل الخامس، اندمجت عناصر العتاد والبرمجيات والاتصال، فانتقلت السيادة من شق العتاد إلى شق البرمجيات، وأصبح من يقبض على زمام نظم البرمجيات هو الحاكم بأمره، وبذا تبوأ العنصر الذهني موقعه على قمة منظومة تقنية المعلومات، مؤكدا أهمية المعلومات موردا تنمويا يفوق في أهميته الموارد المادية.
• وبفعل ما أنجزته ثورة الاتصالات من يسر في الانتشار الدعائي وسهولة في الحركة والتنقل، ولأن إدارة المعرفة، عند العاجزين عن إنتاجها، بديل تنافسي أفضل من الاقتصار على استهلاكها، يتوقع أن يشكل القطاع الخدمي إحدى القوى المحركة الرئيسة للنمو الاقتصادي والتوظيف في كثير من البلدان، فيما يسهم الإطار المؤسسي لمنظمة التجارة العالمية في تشجيع تدفق رأس المال والاستثمار الأجنبي المباشر في مختلف مناطق العالم.
• يقود نمو تقنية المعلومات إلى سيطرة اقتصاد قائم على موارد معرفية واتصالية تفوق في أهميتها المصادر الطبيعية والعمالة التقليدية، اقتصاد يوظف الخدمات، ولا يكون الصراع فيه على المصادر الأولية أو طرق التجارة قدر ما يكون على حقوق الطبع والأفكار وبراءات الاختراع وحقوق السوق، وسوف تتزايد قيمة المعرفة والمعلومات ونظم الإدارة الحديثة في الإنتاج والتبادل والميزة التنافسية، حتى يصبح المنجز في تحرير الإنسان وتوليد المعرفة والأفكار المبدعة وتطوير التمايز الثقافي هو الثروة الحقيقية.
• وإذا كان رأس المال رمز العصر الصناعي، فإن المعرفة رمز العصر العولمي، وهذا يعني أن الأفكار محرك القوى الاقتصادية، بعد أن كانت إحدى بناها التحتية. وفي المستقبل القريب، من المرجح أن يخلق مجتمع المعرفة طبقية جديدة تتراتب وفق المهارة في ممارسة تقنية المعلومات عوضا عن الثروات المادية.
• ووفق ذلك، سوف يشهد البحث العلمي، بما يشترطه من قدرات إبداعية وابتكارية، وما ينجم عنه من اكتشافات وتطويرات تقنية، سطوة لا عهد للبشر بها عبر تاريخهم المديد، كونه في النهاية المحرك الحقيقي لمختلف الأنشطة الاجتماعية، والضامن الرئيس لاستيفاء استحقاقات التنافسية التي تفرضها البيئة العولمية.
• ظهر البعد البيئي في مجال التجارة الدولية، إضافة إلى العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الخاصة بالبيئة ذات الأبعاد الاقتصادية. وفي هذا السياق تشكلت سلسلة من المعايير الدولية الخاصة بالإدارة البيئية، حيث تعتبر الآيزو 9000 و14001 حجر الأساس لهذه السلسلة، فهما يحددان المتطلبات الحقيقية لنظام الإدارة البيئية. وتتمثل الأنماط الرئيسة للمعايير البيئية في معايير محيط بيئة العمل، ومعايير العمليات، ومعايير الانبعاث، والمعايير المتعلقة بالمنتجات التي تحدد خصائص السلع من حيث جودتها وقابليتها للتدوير الآمن بيئيا.
• تفكك البناء الاجتماعي وظهور أشكال جديدة من الهياكل والمؤسسات الاجتماعية، وما يؤدي إليه من آثار على مكانة ودور الأسرة والعلاقة بين الأجيال، وتغير في بنية السلطة الاجتماعية، وتوسع في مشاركة المرأة في المجتمع.
• أخذت العلاقات الدولية شكلاً ومضمونًا جديدين، حيث أعيد ترتيب الأوضاع والأولويات العالمية وفق خارطة روعيت فيها الاستجابة للتطورات الطارئة في الساحة الدولية، الأمر الذي يمس بشكل مباشر السيادة الوطنية للدول، ويلزم إعادة صياغة دور الدولة، وظهور أدوات ومعان جديدة في إصلاح الحكم. أيضا أصبح المواطن أقوى في توجيه شؤون الوطن، فيما وجدت التنوعات الثقافية فرصا أكبر في التعبير عن مطالبها وخصوصياتها في الثقافة والإنتاج.
• وفق ذلك سوف تتعين مصادر شرعية الدولة في الاعتراف القادم من الخارج، وتأييد المواطنين في الداخل، ورقابة مؤسسات المجتمع المدني في الداخل والخارج، فيما يصبح الإصلاح الديمقراطي والتنمية المستدامة ضمن سبل ضمان ولاء المواطنين وإضفاء الشرعية على أنظمة الحكم في دول العالم.
• وبطبيعة الحال، فإن التغيرات الحاسمة في البنى الاقتصادية سوف تؤدي إلى تغيرات ليست أقل حاسمية على المستويين السياسي والأمني، حيث يتوقع تبلور ملامح جديدة لنظام عالمي في قواه ومؤسساته وتبعات أحداثه، وفي طبيعة الصراع السياسي وغاياته، وشكل التحالفات والولاءات الجديدة الناجمة عنه.
• يتوقع أيضا أن تظهر قوى ومصالح جديدة تصبح مؤثرة عالميا رغم صغر حجمها سكانيا ومساحة، طالما تسلحت في حركتها ومشروعاتها بالمعرفة العلمية والتقنية المكثفة.
• سوف يؤدي تنامي التفاعلات والارتباطات بين الدول إلى خلق مجموعة من المشاكل العابرة للحدود الوطنية، مثل انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتجارة المخدرات، والإرهاب، والهجرة غير الشرعية، والأوبئة، وتلوث البيئة، واستنزاف الموارد الطبيعية، والتغيرات المناخية، وهي مشاكل لا يمكن حلها باتخاذ إجراءات محلية أو تبني سياسات وطنية، بل تتطلب تعاونا عالميا منظما.
• لم تعد الدولة قادرة على الحفاظ على قيمة عملتها المحلية أو مقاومة أسواق التحويل الخارجية. وما أن يشتد عود العولمة حتى تجد الحكومات المحلية نفسها أضعف من أن تفي بواجباتها الاجتماعية (التأمينات الاجتماعية، والخدمات التعليمية، والرعاية الصحية، وحماية البيئة،..). وفي النهاية، قد تصبح احتياجات الناس داخل حدود البلد منظمة من قبل مؤسسات محلية مرتبطة بمؤسسات عالمية.
• هناك أيضا الآلة الإعلامية، بقنواتها الفضائية، وصحفها ومجلاتها الورقية والإلكترونية، وإمكاناتها الدعائية الهائلة، وقدرتها الفائقة على ترويج السلع والأفكار والقيم، والتحكم في توجيه الرأي العام والذائقة البشرية، وهتكها للحجب الرقابية التي يفرضها الإعلام الرسمي، وتأثيرها على ركائز التنشئة التقليدية، وتحديها للخصوصيات الثقافية، وتمكينها من فضح انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الرشوة والفساد، وإثارتها الشكوك في القيم التقليدية، وخلقها يوتوبيا المجتمع البديل، وصورة إنسان العصر الجديد، بكل شحناتها القيمية وعاداتها الاستهلاكية الجديدة، ورهانها على مشترك جديد يجمع البشر، ويجندهم في محاربة ما يهدد الأمن الإنساني بتجلياته المختلفة.
2.2 استحقاقات العولمة
• يفرض حجم وخطورة المشاكل التي سوف تواجه المجتمعات النامية مقايضات عديدة وتغييرات جذرية في المواقف والتوجهات على مختلف المستويات، والسؤال هو ما إذا كان لهذه المجتمعات قبل بأي من هذه التحديات التي تمس صميم بناها الاقتصادية والسياسية والثقافية.
• تعيد التحولات الجديدة صياغة مفاهيم الثروة، والمشاركة، والتعليم، ووسائط الاتصال البشري، ما يثير مخاوف من يعتز بهويته ولغته وأنماطه الحياتية، ويوجب عليه أن يصوغ لنفسه صورة المستقبل الذي يريد وأن يعمل بتخطيط واع وسط مصاعب المتغيرات الدولية، ومخاطر الاغتراب والاستلاب الثقافيين.
• تشمل الاستجابة الواجبة للتحديات كلا من المتابعة، والعمل التنموي المستدام، والتنسيق الإقليمي، وإعادة تشكيل المصالح وقراءة الموارد، وبلورة الرهانات التنموية، وبناء القدرات، والعمل الجاد للتأثير على الآفاق والتوازنات المقبلة من منطلق منافس عالميا.
• هناك أيضا حاجة ماسة إلى التصدي لمظاهر إهدار العقل، بدءا من الأمية وانتهاء بنزيف العقول، ومرورا بسطوة العقل الخرافي والسرقات العلمية والإقصاء المعرفي والتسطيح الفكري وهيمنة الأيديولوجيا.
• يتطلب التعايش مع البيئة العولمية استحقاقات بعينها لتطوير التعليم، تشمل الاهتمام بمشاريع التعليم مدى الحياة، والتعلم الذاتي، والتخصصات البينية، وربط مخرجات التعليم بقضايا المجتمع.
• شجعت ثورة التقنيات المعلوماتية التي عجلت بآليات العولمة الثقافية نزوع الأقليات للتعبير عن نفسها والمطالبة بحقوقها، وسوف تطرأ الحاجة إلى التعامل بموضوعية وانفتاحية مع هذا النزوع. إن مواجهة المجتمعات الإنسانية مشكلة تعدد الثقافات داخل المجتمع نفسه، سوف تصير النظام العالمي أكثر سيولة، وتكثف الاهتمام بالمجتمع المدني العالمي والمواطنة العالمية، وتعزز نظام الإعلام العالمي.
• سوف تواجه المجتمعات التي لا تسهم فيها ركائز التنشئة في توكيد قيم واتجاهات المشاركة والابتكار والحوار وإبداء الرأي والشفافية والنقد والمساءلة، مصاعب خاصة في التكيف مع البيئة المعولمة، القائمة على هذه القيم والاتجاهات.
• هناك أيضا التحدي اللازم عن حقيقة أن الثقافات الشعبية، بسبب جذورها الضاربة في أعماق المنظومة الاجتماعية، أبطأ من ثقافة النخب في التكيف مع التوجهات العولمية. تحديدا، فإن هذا التحدي يثير أسئلة حول مدى قابلية المنظومات الاجتماعية والذهنية السائدة عند جموع الناس للتوجهات العولمية، وحول سبل التنشئة الاجتماعية في مجتمع المعرفة، الذي يتحلل أفراده من رقابة ركائز التنشئة التقليدية، وقد ينتهي المطاف بهم إلى التنصل من معايير ضبطها الأخلاقية.
• أدى انحسار الجغرافيا السياسية والثقافية، ثم الاقتصادية، وسهولة حركة انتقال الخدمات والبضائع والأفراد بين مناطق العالم المختلفة، إلى جعل مطالب التنمية والإصلاح في الدول النامية ضرورات ملحة، خصوصا بعد فشل الاستراتيجيات التنموية التي تبنتها هذه الدول، وعدم كفاية معدلات النمو الاقتصادي المحققة، وانتشار الفساد المالي والإداري، ما يشكل ضغطا متزايداً على هذه الدول لترتيب أوضاعها الداخلية حتى تتمكن من الالتحاق بركب الاقتصاد العالمي.
• من ضمن استحقاقات التنمية وجود أنظمة اتصالات إلكترونية عالمية وقواعد بيانات وبنى تحتية تلائم تطوراتها، كما أن هناك ضرورة للاهتمام بأمور بشرية صرفة، كالخيال والإلهام والبراعة والمبادرة، أو ما يسمى بالقدرات الإبداعية الخلاقة، وبتوفير الكادر البشري الماهر القادر على التعامل مع هذه الوسائل المتقدمة.
• ارتفاع كلفة البنى التحتية الاقتصادية وبنى المجتمع المعرفي التحتية، بما تشمله من تقنيات التعليم وتقنيات صناعة الثقافة. سوف يفرض على الدول المستوردة لتقنية المعلومات دفع رسوم الملكية الفكرية، كما أن نزيف العقول البشرية في عمالة المعلوماتية سوف يؤثر في قدراتها التنافسية.
• سوف يواجه القطاع الخاص، خصوصا حين تكون خبرته محدودة، تحديات الظروف العالمية المستجدة نتيجة مواجهته منافسة شركات كبرى، وتغير البيئة القانونية والاقتصادية لأنشطتها؛ كما أن التغير المتوقع في دور الدولة والقطاع الخاص، وإعادة الهيكلة الاقتصادية سوف توجب إعادة النظر في سياسات الدعم الحمائية أو التفضيلية التي كانت تحظى بها الصناعات المحلية.
• سوف تتنافس ماكينات العولمة على مصادر الطاقة بكل تجلياتها المستقبلية، ما يجعل أماكن تركز هذه المصادر أهدافا عولمية للدمج في بنية العالم الاقتصادية والسياسية، بما يترتب على ذلك من تداعيات أمنية وما يتطلبه من برامج تنموية.
• توجب البيئة العولمية الالتزام بالتعددية بجميع أنواعها: تعددية في السلطات والتنظيمات، وتعددية في الأفكار ومنابر الرأي، وتعددية في الإبداع والابتكار، كما توجب تجديد الخطاب الثقافي وتخليصه من الرواسب المعوقة لتقبل الاختلاف والحوار، فضلا عن تنشيط التبادل الثقافي ومؤسسات الترجمة، والتغلب على مشاكل التوزيع، وإعفاء الإنتاج الثقافي من القيود الرقابية والعوائق الجمركية.
• وبسبب اكتساب الديمقراطية وحقوق الإنسان شرعية دولية، تمثل القدرة على خلق المؤسسات والآليات الضرورية للإصلاح السياسي وفرضها ضمن سياق العولمة أحد التحديات القادمة للبلدان النامية. إن النظر إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، إنما يتطلب الإدراك الواعي بفرص وقيود العولمة، وانعكاس هذا الإدراك في المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تستحدثها الدولة.
• ولأن وسائل الاتصال التي تخضع للإشراف الحكومي المباشر عاجزة عن الوفاء بحاجة الجماهير إلى القدر الكافي من المعلومات والتنوع المطلوب في مصادرها، ولأن احتكار السلطة السياسية للنشاط الإعلامي غالبا ما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على المستويين المهني والمعرفي، فإن هناك دورا كبيرا وفاعلا في انتظار القطاع الخاص في المجتمع المعرفي الذي تفرضه العولمة.
• وأخيرا، فإنه بتحول المجتمع الصناعي إلى مجتمع معرفي، يصبح إصلاح النظام التربوي في الدول المتقدمة الرهان الأكبر لمسايرة هذا التحول، ما يزيد من الفجوة التي تفصل البلدان النامية عنها عمقا، ويجعل استحقاقات تجسير هذه الفجوة أصعب على الإيفاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق