أهمية المساحات الخضراء والحدائق ونظم تصميمها في المدن
مدينتي دبي وصبراتة نموذجاً
د.محمد عرب الموسوي
مقدمة:
تعد المناطق الخضراء في المدينة ذات أهمية كبيرة ولها دوراً أساسياً في توفير فرص الراحة والتمتع بمباهج الطبيعة لسكان المدن، لذلك نرى أن دوائر البلدية والتخطيط العمراني تعمل على إنشاء الكثير من المتنزهات والحدائق العامة،وتحاول توزيعها على أرجاء المدينة بما ينسجم ومتطلبات الأحياء السكنية.
تعرف المناطق الخضراء (Green Areas) بعدة تعاريف، منها (تلك المناطق التي تشغل مساحات خضراء واسعة تفوق في مساحتها الأماكن المفتوحة) وفي هذا التعريف نجد التأكيد على أهمية المساحات التي تشغلها المناطق الخضراء، وعرفها آخرون بأنها المناطق التي يمكن زراعة عدد من الأشجار الكبيرة والعالية فيها، والتي تضفي جمالاً طبيعياً على الأحياء السكنية،وفي العادة تخترق المناطق الخضراء عدد من الممرات والمماشي التي يستفيد منها السكان للتنقل أو للتمشي وقضاء أوقات الفراغ.(1)
أما من الناحية التاريخية فقد تغيرت صورة المدن القديمة كثيراً عن مدن اليوم، وكان من أهم ما فقدته المدينة العربية والإسلامية- الحدائق والمتنزهات إذ اختفت حدائق الخلفاء وبساتين الملاّك وقصور التجار المزدانة بالأشجار،وأندثرت مثلاً دار الخلافة العباسية في بغداد بما كانت تضمه في جنباتها من جنائن بالغة الروعة والترتيب، وتخربت متنزهات أخرى في أرجاء مختلفة من بغداد ومدن عراقية وعربية.
إن تزايد سكان المدن وانتشار ظاهرة التحضر في العالم أدى إلى توسع المدن بشكل واضح، وخلق مشاكل أجتماعية وأقتصادية لساكنيها، ذلك أن الأعداد المتزايدة من القادمين الجدد والأمكنة الشاسعة التي شغلوها أدت إلى نوع من الضياع بالنسبة للأسر المنفردة وأبناءها، حتى غدا العيش في بعض المدن أمراً صعباً لذلك فإن وجود المناطق الخضراء والحدائق العامة أصبح ضرورياً لهؤلاء السكان المتعبين نفسياً، فهي مريحة للنفس ومهدئَة للأَعصاب، وخاصة لسكان المدن التي تعاني من الضوضاء والضجيج وأَصوات الباعة في الأسواق المزدحمة بالمتسوقين، وتزداد الفائَدة عندما تتوافر مناطق للجلوس في هذهِ الحدائَق.
أما تصنيف المناطق الخضراء داخل المدينة فيختلف وفقاً للمعايير المتبعة في ذلك،فقد تصنف حسب الانتفاع بها إلى مغروسات خضراء ذات منفعة عامة وذات منفعة محدودة ومغروسات ذات أهمية خاصة مثل حدائق النبات وحدائق الحيوان، وقد تصنف تبعاً للوظيفة التي تؤديها، كالمناطق الإنتاجية والمغروسات الوقائية والأغراض الجمالية والمناطق الترفيهية. وكلا التصنيفين محدوداً للتداول في مجال البحث العلمي.
ويعد التصنيف حسب المناطق السكنية وتدرجها الهرمي أكثر التصانيف أهمية في مجال التخطيط الحضري، حيث تختلف المناطق الخضراء في مساحاتها حسب أعداد الساكنين في المنطقة أو الحي، لذلك تصنف كما يأتي:-
- المناطق الخضراء على مستوى المجموعة السكنية: وأهمها حقول وساحات لعب الأطفال.
-المناطق الخضراء على مستوى المحلة السكنية: وتتمثل في الحدائق العامة داخل المحلة وهي تتكون من مناطق مشجرة وأحواض مياه وممرات للمشاة وساحات مخصصة للراحة، وساحات مشجرة للألعاب الرياضية.
- المناطق الخضراء في الحي السكني: وهي اكبر من سابقتها من حيث المساحة، وذات فعاليات متنوعة تلائم جميع الأعمار،وهي تخدم سكان أربع محلات سكنية أو أكثر، وفي بعض الدول تضم ما يسمى(الحقل الرياضي Play Field).
-المناطق الخضراء على مستوى القطاع السكني: ويمثلها على الأكثر، متنزه القطاع السكني (district park) وهو عبارة عن مكان مفتوح يضم الكثير من الخدمات السياحية يقدم خدماته لجميع سكان المدينة وزوارها.
وفي دراسة لأحد الباحثين أقترح طريقة لتصنيف الفضاءات المخصصة للترفيه والتسلية تلائم المدن العربية تعتمد على نظام المراتب الحجمية وكالاتي:-
-المتنزهات والحدائق العامة ذات الطابع الإقليمي لخدمة سكان المدينة وإقليمها.
-متنزهات تخدم المدينة ومساحتها اقل من الأولى وتتميز بسهولة الوصول إليها.
-حدائق ومتنزهات مخصصة لخدمة سكان جزء معين من المدينة وبحدود 50 ألف نسمة.
-حدائق ومتنزهات تخدم الأحياء السكنية وبمساحات محدودة، وبواقع حديقة لكل 5 آلاف نسمة.
وتتوقف المعدلات التخطيطية للحدائق والمنتزهات بصفة عامة على الظروف المحلية لكل مدينة ويخصص لكل فرد من سكان المدينة مساحة محددة من المساحات الخضراء
تتراوح المعدلات العالمية لنسبة المناطق المفتوحة من مساحة المجاورة السكنية لبعض الدول كتالي : إنجلترا 26 % ، ألمانيا37 % ، العراق 17.5%، هنغاريا 15%
أما المعدلات التخطيطية للمناطق المفتوحة في كثير من دول العالم الصناعية فتتراوح بين 2100 4200- م²/ 1000 نسمة(2).
تبرز الحاجة الملحة للخدمات الترويحية في المدن والتجمعات الحضرية، حيث ترتفع الأسعار ويزداد الضغط على رقعة الأرض الحضرية والمناطق المحيطة بها، ورغم تنوع الخدمات الترويحية في المدن ، إلا أن الأراضي الخضراء مازالت تشكل أهم استخدامات الأرض الترويحية. ونظراً لأهمية الأراضي الخضراء فإنها تشكل نسبة مهمة من مجموع استخدامات الأراضي في العديد من المدن، تصل هذه النسبة في بعض المدن العالمية إلى حوالي 26% من المجموع الكلي لاستخدامات الأراضي، وتتبنى الكثير من الدول معياراً يقوم على تخصيص حوالي 7 هكتارات من الأراضي الخضراء لكل ألف شخص، ويعتبر الاهتمام بالمناطق الترويحية الخضراء أحد المؤشرات المعاصرة المهمة للحكم على مدى تطور الدول. فمثلا في بريطانيا تبلغ مساحة المتنزهات القومية والمناطق الخضراء المخصصة لأغراض الترويح حوالي 10,000 ميل مربع أو ما يعادل 17% من المساحة الكلية لانجلترا وويلز(3).
تعتبر الحدائق العامة أحد أهم مرافق الترويح عبر التاريخ، ذلك أنها الأقدم والأيسر والأقل تكلفة، وهي في الغالب الأقرب لمكان السكن، وقد تزايد الاهتمام بإنشاء الحدائق وبالتالي ارتيادها، مع التطور الحضري والانتشار العمراني والازدحام الذي أدى إلى تزايد الطلب على الأراضي للاستخدامات التجارية والصناعية والسكنية على حساب المناطق الخضراء، وقد تفاقمت هذه المشكلة مع التزايد السكاني المطرد الذي شهدته معظم مدن العالم، فأضحت قضية الترويح وعدم توفر المساحات الخضراء والحدائق العامة تثير أهتمام مخططو المدن الذين باتوا يبحثون عن إيجاد أماكن ترويحية جديدة يقضي فيها المواطن بعض من أوقات فراغه، وبالطبع فإن المشكلة تفاقمت مع الامتداد الأفقي للمدن وارتفاع أسعار الأراضي في ضواحي المدن الذي أدى إلى تنافس غير عادل بين استخدامات الأرض على حساب الاستخدام الترويحي.(4)
مشكلة الدراسة :
أدى أرتفاع معدلات التحضر إلى زيادة الاهتمام بالحدائق العامة والمساحات الخضراء وبذل الجهود اللازمة لحمايتها من الامتداد العمراني لتوفير الأماكن اللازمة للترويح البشري.
تتلخص مشكلة الدراسة في التعرف على النمط الجغرافي لتوزيع الحدائق العامة في المدن ، ومدى تناسب مساحتها مع حجم السكان في كل منطقة فرعية، فضلاً عن التعرف على نصيب الفرد من مساحة الحدائق والمناطق الخضراء، وأثر الامتداد العمراني والتخطيط الحضري على تخصيص فضاءات خضراء لغايات الترويح المجاني، ومدى الإقبال على استخدام هذه الفضاءات كمرافق ترويحية عامة، من هنا تأتي هذه الدراسة لاستقصاء نمط توزيع الحدائق وأثر التزايد السكاني والانتشار العمراني والبعد عن مركز المدينة على عدد هذه الحدائق ومساحاتها، وهل نجح المخطط في حل مشكلة التنافس غير العادل لاستخدامات الأرض على حساب الاستخدام الترويحي، أم أن المعيار الاقتصادي لا زال الأقوى في ميزان الصراع.
أهداف الدراسة :
تتلخص أهداف الدراسة بالاتي:-
1-التعرف على النمط المكاني لتوزيع الحدائق في مدينتي دبي وصبراته.
-2تحديد شكل الامتداد الجغرافي للحدائق ومركز ثقلها الفعلي والمتوقع ومدى ارتباطه بتوزيع السكان والامتداد العمراني.
3-دراسة خصائص ومميزات الحدائق النموذجية العامة من حيث الموقع والشكل والمساحة.
4- مدى ملائمة وموافقة خصائص ومميزات الحدائق النموذجية العامة للمعايير الوطنية والعالمية.
المعايير لاختيار الحدائق العامة النموذجية في مدينتي دبي وصبراتة:
-إن تتراوح مساحتها بين5000-10000 م² على الأقل .
-توفر أماكن جلوس مريحة فيها خصوصية للمرتادين.
-محاطة بأسوار (مسيجة).
-توفر البوفيهات والأكشاك.
-توفر ملاعب وملاهي للأطفال.
-توفر المرافق العامة من أماكن للصلاة ودورات مياه ومواقف للسيارات.
أهمية المساحات الخضراء :
تعتبر الحدائق من الناحية الصحية الرئات التي تتنفس من خلالها المدن ، وزيادة مساحة الحدائق تعني البيئة الصحية للإنسان والفن الراقي والذوق الرفيع للشعوب ، وتساهم بقدر كبير في توطيد الروابط الاجتماعية بين الناس حيث يلتقون ويتعرفون على بعضهم، وتقوم بوظيفة أساسية في تجميل المدن بما تحتويه من نباتات مختلفة الأشكال والألوان ومن مناظر جمالية مثل النافورات والبرك والأقواس وغيرها التي تعمل على تجميل المواقع المحيطة بها وتجذب الأنظار إليها، وهي رابط قوي بين الإنسان ومحيطه , لأنه بحاجة إلى وجود مكان تهدأ فيه نفسه وتطمئن إليه أحاسيسه ووجدانه ويستريح فيه ويأنس بجماله ويعوضه الكثير من عناء ومشقة عمله،،وتزداد أهمية التشجير على جوانب الطرق وفي المتنزهات والحدائق يوماً بعد يوم وهي تختلف باختلاف الأقاليم المناخية ، وتأخذ موقعاً ممتازاً في تخطيط المدن في المناطق الجافة وشبه الجافة التي تشكو من ارتفاع درجات الحرارة والعواصف الرملية والترابية ، ويلاحظ أن استعمالات الأشجار في أغلب المدن تتركز على القيم الجمالية والسلوكية والفنية ، ولو أن هذه القيم مهمة إلى درجة كبيرة إلا أنه يمكن استعمالها بشكل بنائي أو معماري لإنشاء أو تحديد المساحات الخارجية أو لعمل ستائر نباتية لحجب بعض المناظر غير المرغوب فيها.
لقد أخذ القائمون على تخطيط المدن إعداد الدراسات في مجال التشجير والحدائق ووضع التصاميم والمعايير التخطيطية لإنشائها وتصميمها وتنسيقها وتحديد أنواعها ، بالإضافة إلى توضيح أهمية استثمار الحدائق والمنتزهات العامة كما يعد استخدام النباتات في المخططات العمرانية عملية عقلانية يندمج فيها ويرتبط بها، شكل الأرض , النبات , العمران، لإعطاء منظر جذاب ينعكس على الموقع وما يحيط به ويلطف الطقس في البيئة المحلية ويلبي حاجة الإنسان الترفيهية والترويحية , فالتحضر العمراني يؤدي دوراً هاماً ومؤثراً على صحة الإنسان من حيث دوره في جودة الهواء والماء والتربة.(5)
وقد تمخضت التجربة الإنسانية للاستفادة من الرقعة الخضراء بالحيز العمراني في العديد من النواحي منها،تحسين شكل المدينة عن طريق استخدام الأشجار في تغطية الوحدات السكنية غير المخططة أو المباني المتهالكة المتمركزة في قلب المدن ، علاوة على إظهار موضع جمال التصميمات المعمارية وتحقيق طلب السكان في الترويج عن النفس والترفيه في الحدائق العامة ، إضافة لما للحدائق من دور في تحسين الأحوال البيئية والصحية للمنطقة ، كما يستفاد من الأشجار والمساحات الخضراء في المجالات التعليمية والتثقيفية والحفاظ على الأنواع النادرة من الانقراض وذلك عن طريق إنشاء الحدائق النباتية التي لا يتنافر تصميمها مع التخطيط العمراني. كذلك تستخدم المناطق الخضراء كوسيلة لتحديد المدن ومنع توسعها إذ تسمى (بالأحزمة الخضراء) والتي تعمل أيضا على تلطيف الظروف الجوية المحلية.
تصميم وتنسيق الحدائق والمنتزهات العامة :
تعد الحدائق والمنتزهات العامة من أساسيات تخطيط المدن الحديثة التي يعمل على إنشائها لتكون مرافق عامة للنزهة وقضاء أيام للراحة والإجازة للسكان والترفيه عنهم، ويخصص في هذه الحدائق أو المنتزهات أماكن لممارسة بعض الألعاب الرياضية مثل المشي والجري وأماكن للعب الأطفال ومناطق للجلوس والاستراحات وغيرها من وسائل الترفيه، علاوة على ذلك أن تتناسب المساحات المخصصة للحدائق السكنية مع كثافة السكان الذين تخدمهم هذه المرافق بحيث يجب توفير حديقة لكل من 2500- 5000 نسمة وأن تكون المساحة المطلوبة للحديقة تتراوح بين 2- 10م² لكل نسمة ،وأن يكون موقع الحديقة أو المنتزه مناسباً حسب الغرض من الإستخدام ويفضل أن يكون خارج نطاق توسع مباني المدينة في المستقبل ليبقى مكانها بعيداً عن إزدحام المدينة وفي مكان آمن بعيداً عن حركة السيارات السريعة، مع مراعاة توفير جميع العناصر الترفيهية في الحدائق والمنتزهات بشكل يحقق الإكتفاء الترفيهي للسكان .
يعتمد الشكل النهائي للحديقة على الموقع الجغرافي للمنطقة والمناخ السائد فيها وطبوغرافيتها ونوعية المستفيدين منها والغرض المراد خدمته بإنشاء الحديقة ، وعلى هذه الأسس فإن تصميم الحديقة يعتمد على بعض الأساسيات التي يحددها نوع الحديقة المطلوب , فيما إذا كانت حديقة عامة أو خاصة أو عامة ذات صبغة خاصة لتخدم المؤسسات العلاجية أو الأطفال وغير ذلك .
وغالبا تظل الأساسيات التي يبنى عليها تصميم أي حديقة ثابتاً مهما أختلفت طرق التطبيق تحت الظروف المختلفة وأهم هذه الأساسيات،الترابط الذي يعتمد في التصميم على شكل الأرض وبعض النباتات السائدة مع نوعية المباني من جهة وما يحيط بها من جهة أخرى بحيث يتوافق التصميم مع الطابع المميز لما يحيط بها من حدائق ومناظر طبيعية ، وتتلخص أهم العوامل التي تؤثر في هذا الترابط على شكل الأرض والذي يتيح للمصمم الناجح إمكانية استغلاله بذكاء في إحداث الترابط في التصميم بين المرتفعات والتدرجات في الموقع ، كما أن التوافق في الشكل العام ضروري لإظهار الموقع كوحدة متجانسة لا يمكن تغيير شكل أحد الأجزاء دون تغيير الأجزاء الأخرى للتصميم , حيث يصعب وضع ممرات ملتوية في حديقة ذات طابع متماثل أو أشكال هندسية في حدائق ذات طابع طبيعي ،ومع تمتع الكثير من المدن العربية بموقعٍ جيد ومناخ ملائم علاوة على توفر الجانب الاقتصادي الجيد ، غير أنها لازالت تهمل الجانب المهم في مخططاتها ، غير مكترثة لما يسببه ذلك الإهمال من مردودات سلبية سواء كانت على صعيد المناخ او الجانب النفسي والاجتماعي،والأدهى من ذلك استغلت بعض المساحات المعدة لأغراض الحدائق في مخططاتها إلى استعمالات سكنية وتجارية، فهذه القاهرة التي يصل تعداد سكانها 10 ملايين نسمة لم يتحقق المعيار الأمثل الخاص بالمساحات الخضراء،بل زحف عليها العمران بشكل ملفت للنظر.
إن للعوامل للجغرافية دوراً مهما في زيادة الرقعة الخضراء في المدن العربية , حيث يتصف الوطن العربي عامة بوقوع معظم مساحاته في بيئات جافة وشبه جافة , تتلقى حوالي 66.5% من مساحته هطولاً سنوياً يقل عن 100ملم وحوالي 16% من مساحته هطولاً يتراوح بين 100- 300ملم بينما تتلقى 17.5% من مساحته هطولاً سنوياً يزيد عن 300 ملم ، ويتميز هذا الهطول بالتباين السنوي الواضح في كمية الأمطار خاصة في المناطق التي يكون معدل الأمطار السنوي منخفضاً, وسوء التوزيع في الهطول وتباين الكمية في الموسم الواحد(6). لذا لابد من أختيار الأنواع النباتية المناسبة لتحمل الظروف المناخية السائدة في المنطقة ونوعية التربة ومدى توفر مياه الري وخدمات الصيانة الزراعية التي يحتاجها النبات .
الإمكانات المتاحة المحاذية للتصميم الأساسي للمدينة :
تحتاج المدينة سنوياً إلى ألاف الهكتارات من الأراضي لنموها وخاصة المدن الكبرى,لذا على المخطط أن يضمن المساحات التي تحتاجها المدينة لفترة زمنية قادمة لا تقل عن 50 سنة ,ويكون ذلك من خلال إعداد مخططات هيكلية للمدينة وما يحيط بها,حيث يتم تحديد المناطق التي تتوسع عليها, ويمنع استغلالها باستعمالات ثابتة,من خلال عدم السماح للبناء بما يخالف التصاميم المعدة في المدينة.(7)
إن اختيار الأرض لتوسع المدينة يجب أن تتوفر فيها عدة مواصفات منها :أن تكون المنطقة العمرانية الجديدة متجانسة مع الهيكل العمراني القائم ,ومكملة له وقريبة من مركز المدينة ومراكز العمل على ألا توجد معوقات تعرقل تنفيذ المخطط المعد لتلكالمنطقة مثل تباين الوضع الطبوغرافي أو ارتفاع مناسيب المياه الجوفية ، وألا تكون المنطقة معرضة للتلوث الطبيعي أو الصناعي أو المخاطر الطبيعية كالفيضانات والأعاصير، وأن تكون قريبة من مصادر خدمات البنية التحتية من ماء وكهرباءوصرف صحي ونقل(8).
كما يستطيع المخطط المسئول من عمل مفاضلة بين المناطق المرشحة لتوسع المدينة ومن خلال تطبيق بعض الأساليب الكمية والبرامج الحاسوبية لتقييم بدائل نمو المدينة والتي من خلالها يمكن تحديد أفضل المناطق بشكل متسلسل,حيث يمكن تطبيق نموذج التجاذب المكاني ونموذج هانس لهذا الغرض,كما يمكن استخدام برامج نظم المعلومات الجغرافية التي تستخدم في مجال تخطيط وإدارة المدن على نطاق واسع, ومن الأساليب الأخرى الكلف الاقتصادية لكل بديل.
إن استغلال الإمكانات المتاحة على مسافة من المدينة يستخدم عندما يراد إيقاف نمو المدينة بحيث تصبح مترامية الأطراف ويصعب معها توفير الخدمات لجميع السكان بصورة متساوية,أو في بعض الأحيان لا يسمح موقع المدينة بالتوسع في معظم الاتجاهات لذا يضطر المخطط إلى البحث عن محور للنمو, وربما أرض غير خالية ويتم تخطيطها بل قد تكون مدن صغيرة قائمة فيتم إعداد مخططات لها جديدة لغرض الاستفادة منها في استيعاب الزيادة السكانية في المدينة الكبيرة.
وقد تكون الأرض خالية فيتم وضع مخططات جديدة تتضمن أحدث الأساليب والتقنيات وفق احدث نظريات التخطيط ,فتكون متميزة في تخطيطها وتصميمها وفنها المعماري اعتماداً على الاعتبارات الأساسية التي يجب مراعاتها في تخطيط المدن(9).
وقبل التعرض للأبعاد البيئية للتخطيط العمراني يتم التطرق لتحديد مفهوم البيئة أو الاتفاق على مفهوم موحد للعلاقات البيئية في المدن والقرى شاملاً البعد السكاني والاقتصادي والاجتماعي لهذا المفهوم في إطار التركيبة السكانية لكل قطر عربي في الحضر والمدن وانعكاسات هذه التركيبة السكانية على برامج الحفاظ على البيئة والحد من التلوث ، وهنا يلاحظ أن مفهوم البيئة ينحصر في مجموعة متواكبة من الاتساق البيئي في المجال الحيوي الذي يشمل قشرة الأرض والطبقات الجوية المختلفة ، والجدير بالذكر أن التعامل الرشيد مع المكونات المختلفة للنسق البيئي يحافظ عليه في إطار التنمية المستدامة ولمصلحة الأجيال التالية وهنا يجب التركيز على التوازن النسبي بين الموارد المتاحة وقدرة تلك الموارد على تحمل الاستهلاك ، وبالإشارة إلى ما سبق فإن الإعتماد في التخطيط العمراني على البُعد البيئي عند تخطيط المدن والقرى مثل الموقع والمواصلات والتوزيع السكاني وتوفر المياه والبنية الأساسية يشكل أهمية كبيرة في أتساق التخطيط العمراني مع البيئة المناسبة لصالح السكان في المدن والقرى , انطلاقاً من مبدأ توفير المناخ الخالي من التلوث عن طريق المساحات الخضراء وعمل مسافات بينية كافية بين المباني واتساع الطرقات وتوفير أماكن متسعة للترفيه عن السكان بتكلفة مناسبة في إطار المعطيات والموارد المتاحة وعلى ذلك تبرز أهمية الحدائق والمتنزهات في المدن والقرى .
العوامل المؤثرة على التشجير وزيادة المساحات الخضراء داخل الحيز العمراني :
المناخ :
إن تأثير المساحات الخضراء على درجات الحرارة يختلف من منطقة إلى أخرى أعتماداً على عوامل عديدة كطبوغرافية الأرض والمسافة من مصادر المياه وكثافة الغطاء النباتي , ويكون هذا التأثير أشد وضوحاً في المناطق الواقعة في الأقاليم الصحراوية وشبه الصحراوية.
يعتبر إدخال العنصر النباتي في شكل شجيرات أو حدائق أو أحزمة واقية من أهم العوامل التي تساعد في إنخفاض درجة الحرارة نهاراً في الصيف ،علاوة على ذلك تساعد زيادة الرقعة الخضراء في الحيز العمراني على رفع درجة الرطوبة النسبية تحت ظروف المناخ الصحراوي وشبه الصحراوي والمعروفة بانخفاضها خلال فترة الصيف وذلك لقدرة النبات علي امتصاص الماء وسعة المساحة الكلية لأوراقها ، وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن ما يبخره هكتار واحد من الغابة أكثر مما يتبخر من هكتار من سطح الماء .
من جانب آخر يلاحظ أن الأشجار لها تأثير كبير على حركة الرياح واتجاهها بحيث يكون لها تأثيراً واضحاً في الحد من حركة الرياح القوية الجافة والحارة في المناطق القاحلة والتي تحمل معها الغبار والرمال مما يسبب الكثير من الأضرار الميكانيكية وتؤثر تأثيراً مباشراً على البيئة وخاصة في المناطق المهددة بالتصحر والتي تسود العديد من الأقطار العربية .
كما أن للخضرة أهمية خاصة في حجب وتقليل الانعكاسات الضوئية القوية المنعكسة عن الجدران والمسطحات المائية وبذلك تقلل من آثارها السلبية على البصر والجهاز العصبي.(10)
الأنشطة الإنسانية :
يعتبر التلوث بالغازات الناتجة عن الحياة اليومية للإنسان وممارساته من المشاكل الخطيرة التي تواجه العالم حيث ينفق العالم مليارات الدولارات للتقليل من هذا التلوث الخطير وخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون والذي كان له الدور الأساسي في ظاهرة الاحتباس الحراري وتدهور طبقة الأوزون , وهنا يأتي دور النبات بوصفه عاملاً أساسياً لامتصاص هذه الزيادة الكبيرة في غاز ثاني أكسيد الكربون وذلك عن طريق عملية التمثيل الضوئي ، وقد أثبت العلم الحديث أن الهكتار الواحد من الغابات أو ما شابهها من المساحات الخضراء يستهلك 8 كلجم من ثاني أكسيد الكربون في الساعة أي ما يعادل ما يفرزه (200) شخص من ثاني أكسيد الكربون أثناء الزفير في كل ساعة ، من جهة أخرى تقوم النباتات بإفراز غاز الأكسجين والذي يعتبر عصب الحياة للكائنات الحية .
كما تعمل أوراق الأشجار بأشكالها وأسطحها المختلفة على أصطياد الذرات الصلبة المحمولة في الهواء مما يجعلها عاملاً مساعداً وضروري لتنقية الهواء الذي يتنفسه الإنسان .
من جانب آخر فإن الحياة المدنية تتميز بالصخب الناتج عن حركة المرور والطيران وازدياد المصانع وغير ذلك مما يؤثر على بيئة وصحة قاطني هذه المدن، وقد وجد أن أنسب الوسائل وأرخصها هو استخدام النباتات لامتصاص هذه الضوضاء .(11)
إن مهمة المساحات الخضراء هو ترشيح وتنقية مخاليط الهواء من الشوائب الترابية والغبار ومن المركبات الغازية مثل كلوريد الهيدروجين وغيره لغرض خلق وتكوين اضطراب ميكانيكي منظمTURBULENCE لتيارات الهواء،والمغروسان بمختلف أنواعها تقاوم الهواء الملوث في الاتجاهات غير المرغوبة، وإذا كان خبراء تخطيط المدن ينصحون بالتشجير حول المباني والى أقصى حد ممكن غير مبالغين في تقدير دور النبات، فان الملاحظ اليوم في أكثر مخططات المدن الابتعاد عن التشجير أو متابعة مناطقه خاصة فيما يعرف بالتجديد الحضري، أن الذي ينظر إلى المدن في الوطن العربي، بغداد، دمشق،طرابلس،الدار البيضاء، نواكشوط ، الخرطوم وغيرها يجد غياب المرافق الترفيهيه خوصا الحدائق ويلاحظ الإهمال الواضح بالمساحات الخضراء، وان وجدت فهي ليست على المستوى المطلوب وبعيدة عن المعايير العالمية المعمول بها في اغلب دول العالم، من حيث نسبة المساحات الخضراء للسكان، مما يدل على غياب التخطيط الأمثل للمدن العربية.
ويجمع سكان العاصمة العراقية على أن هذه المدينة في طريقها للتحول إلى مدينة صحراوية على غرار بعض مدن الجزيرة العربية، بعد أن كانت نموذجاً يحتذى به بين العواصم والمدن العربية، من حيث جمالياتها والمناظر الخضراء التي تتمتع بها بحكم موقعها الجغرافي في منتصف منطقة السهل الرسوبي في بلاد وادي الرافدين،حيث شهدت على مدى السنوات(6) الماضية تحولا فى المساحات الخضراء والحدائق العامة والمتنزهات التي كانت تنتشر فيها إلى مكبات للنفايات والمخلفات وأنقاض البناء، فضلا عن عمليات القطع العشوائي للأشجار والنخيل والتي تسببت في فقدان جزء كبير من الحزام الأخضر الذي كان يغلفها ويحميها من العواصف الترابية التي تهب على مدار السنة، وهو دليل واضح على إهمال الحدائق والمساحات الخضراء.(12)
إنجراف التربة :
تؤدي الأشجار دوراً هاماً في الحد من إنجراف التربة وتقليل خطورة السيول على الحيز العمراني خاصة في المناطق التي تتعرض للقطع الجائر للأشجار لتلبية متطلبات المجتمعات التي تقطن في تلك المناطق، وتعتبر نوعية ومواصفات الأشجار التي تستخدم في مكافحة انجراف التربة من الأمور الهامة بحيث تخدم الغرض الأساسي المطلوب وتناسب الظروف السائدة في المنطقة وذات شكل جذاب يخدم أغراض التخطيط العمراني.(13)
دور القائمين على التخطيط العمراني :
إن استخدام النباتات يحتم على المخططين العمرانيين ربطه بتصميم المدينة أو القرية لتعطي توازناً واستمراراً لا يمكن بلوغه إلا في وجود الأشجار ، فمن المفترض أن تستأثر الأشجار بالاعتبار الأول من تصميم ورسم المرافق لأنها تأخذ وقتاً طويلاً حتى تصل مرحلة النضج وتأخذ الشكل النهائي الذي يبرز جمال التخطيط العمراني .
ومن المهام الأساسية للمخطط العمراني الأخذ في الاعتبار توزيع الحدائق بطريقة تأخذ في الاعتبار المستويات المختلفة لمتطلبات السكان من حدائق على مستوى المجموعات السكنية , إلى حدائق المدينة, إلى الحدائق العامة التي تكون أكبر مساحة ويغلب على تصميمها الطراز الطبيعي بالإضافة لتلبيتها لرغبات السكان الترفيهية والترويحية والرياضية .
كذلك يقع ضمن مهام المخطط العمراني الاهتمام بحدائق الشوارع التي تقام على جزيرة الطريق أو جوانبه , حيث من المفترض مراعاة زراعة الأنواع القابلة للقص والتي لا يسبب نمو جذورها ضرر لتعبيد الشارع بالإضافة لذلك فمن المستحسن استخدام الشجيرات والأشجار المزهرة طول العام والتي لها رائحة جذابة وتفادي زراعة الأشجار متساقطة الأوراق .
يرتبط بحدائق الشوارع حدائق الميادين والتي تنشأ عند تقاطع الشوارع الكبيرة بهدف تنظيم حركة المرور وإضافة لمسة جمالية على المدينة ، ويتميز هذا النوع من الحدائق بأنها مكشوفة ، وعليه يجب الأخذ في الاعتبار عند تصميم هذا النوع من الحدائق أن تكون ذات مساحة تتناسب مع الميدان المقامة عليه بالإضافة لمراعاة البساطة في تصميمها.(14)
- الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية :
تشتمل الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للحدائق والمنتزهات في المدن على دورها في التأثير غير المباشر في رفع الإنتاج والإنتاجية لسكان المدن والقرى العربية من خلال الدور النفسي والبيئي الذي تلعبه إقامة تلك المنتزهـات مما يرفـع من العائـد الاقتصادي للأفراد والمجتمع, بالإضافة للعائد المباشر المتوقع نتيجة لتوفير فرصة العمالة في تلك الحدائق والأنشطة التابعة لها والعائد المالي من رسوم ارتياد تلك الحدائق والأنشطة الخدمية المختلفة ذات العلاقة مثل إنشاء المشاتل والشركات المتخصصة في صيانة تلك الحدائق .
على صعيد آخر فإن العائد الاجتماعي يتمثل في توفير مجالات للترفيه بأسعار في مقدور الأسرة العربية بالإضافة إلى توفير المناخ النفسي والصحي الملائم لتعويض ساعات العمل لرب الأسرة العربية واكتساب السلوكيات الصحية والنفسية الجيدة نتيجة للتعامل مع تلك الحدائق والمنتزهات باعتبارها ممتلكات شخصية للأفراد يجب الحفاظ عليها .
يلاحظ أن هنالك تفاوتاً كبيراً بين الأقطار العربية من حيث الحالة الاقتصادية التي انعكست بصورة أو بأخرى على التشجير العمراني وزيادة الرقعة الخضراء في المدن ،وكان للاعتبارات الاقتصادية دوراً كبيراً في تحويل بيئات شبه صحراوية إلى مناطق لعب التشجير العمراني وزيادة الرقعة الخضراء دوراً هاماً في جعلها قبلة للزائرين لما فيها من تناسق بين التخطيط العمراني وزيادة الرقعة الخضراء , ذلك عن طريق توفير النباتات المحسنة التي تناسب تلك الظروف واستصلاح الأراضي وتوفير التقنيات الحديثة التي توفر مياه الري , بالإضافة إلى استخدام الخبرات الفنية الخارجية المختصة في المجال، كما هو الحال في مدينة دبي التي تشكل المناطق الخضراء 8% من مساحتها وقد أعدت وفق تصاميم هندسية حديثة،ومدينتي الكويت والرياض اللتين شهدتا تطوراً ملحوظاً في مجال التشجير وزيادة الرقعة الخضراء، وقد تم زراعة أنواع من النباتات التي تقاوم حالات الجفاف وتتلاءم مع البيئة الصحراوية كالأثل والسدر والعرعر والفيكس والدوم والاكاسيا، بالمقابل تعاني الكثير من المدن العربية ذات المناخ الصحراوي قصوراً واضحاً في المساحات الخضراء كمدينة نواكشوط بسبب تدني الخبرة في هذا المجال وانخفاض المستوى الاقتصادي والفني التي من شانهما النهوض بواقع المدينة.
أما في الأقطار الأخرى فمن المستحسن أن يكون التركيز في التشجير العمراني وزيادة الرقعة الخضراء باستخدام النباتات المحلية والتي تحتاج لعناية أقل للمحافظة عليها مما يقلل من التكلفة المالية الضرورية لصيانتها والعناية بها وأن تكون لها مقاومة عالية للأمراض والآفات السائدة في المنطقة .
وهناك مسالة مهمة ساعدت على تدني الحدائق والمساحات الخضراء في بعض المدن العربية الفقيرة نتيجة لتركيز أولويات التنمية الزراعية على تحقيق الأمن الغذائي وأن التشجير في العموم لا يعتبر من الأسبقيات التي تحظى باهتمام المسئولين باعتبار أنه نوع من الترف ، بالمقابل كان الاهتمام واضحاً من جانب الدول العربية الغنية بالتركيز على التشجير وزيادة الرقعة الخضراء لما لها من فوائد كالتقليل من إنجراف التربة خاصة في المناطق الرملية بالإضافة لما تضفيه على المدن من جمال وتحسين في البيئة والمناخ المحلي مما يزيد مشكلة توفير التمويل اللازم للتشجير العمراني وزيادة الرقعة الخضراء سواء كان هناك اهتمام واضح من جانب الدول المانحة أو المنظمات العالمية لتوفير التمويل لمثل هذه الأنشطة يلاحظ ذلك في مدن الخليج العربي الكويت ‘ الرياض، أبو ظبي، دبي ، مسقط، إذ ظهر الاهتمام واضحاً بالمساحات الخضراء والحدائق وأولي الاهتمام بها بشكل جيد، علاوة على تنسيقها وفق النظم والمعايير المتبعة بالعالم.(15)
من جانب أخر يتوزع أمر الاهتمام بتشجير الحيز العمراني وزيادة الرقعة الخضراء في أغلب الأقطار العربية بين العديد من الدوائر ذات العلاقة مما يعوق التنسيـق بينها لتنفيـذ المطلوب بصـورة متكاملـة , فمن الواضح أن من ينتج الشتلات لا يعرف من يحتاج إليها والنوع المطلوب والحجم المطلوب وبذلك يكون الإنتاج بطريقة عشوائية لا تقع في إطار خطة متكاملة ، إضافة إلى عدم العناية بالمساحات المخصصة للحدائق وإهمالها ، متناسين أهمية تلك المساحات بالنسبة لسكان المدينة، والتي تعتبر الرئة التي يتنفسون منها في أوقات العطل والفراغ أو حتى المناسبات بالوقت الذي يلاحظ فيه غياب للخطة العمرانية المتكاملة ،مما يوحي بعدم التوازن بين النمو والمتطلبات السكانية على حساب المناطق الخضراء، فالملاحظ بأغلب المدن العربية عدم تنسيق متطلبات أستخدام الأراضي بسبب التوسع الحضري بسرعة مذهلة وبحجم قياسي مع تزايد سكاني وموارد محدوده، الأمر الذي أربك القائمين على شؤون التخطيط بالمدن وتحولت إلى فوضى عمرانية.
وبطبيعة الحال فان الكثير من المدن العربية فيها إهمال واضح للمساحات الخضراء خصوصا المدن المكتظة بالسكان والتي ينبغي أن يكون الاعتناء بالحدائق أمراً طبيعياً باعتبارها متنفسا لعامة الناس، علاوة على ذلك فان الحدائق أن وجدت في مثل هذه المدن يلاحظ عليها غياب المعايير المستخدمة في إنشاءها والتي اشرنا إليها سلفاً ، مثلا مدينة بغداد التي يزيد عدد سكانها على الثمانية ملايين نسمة،يلاحظ عليها قلة المساحات الخضراء المعدة للترويح قياسا بعدد سكانها، كذلك الحال في مدينة دمشق والرباط وطرابلس وغيرها،لم يراعى فيها استخدامات الأرض المعدة لأغراض الترفيه التي تعتبر الحدائق في مقدمتها وأن وجدت فهي ليس بالمستوى المطلوب .
أسس التشجير داخل المدن :
تتأثر معظم الدول العربية بعوامل مناخية متعددة عالمية وإقليمية ومحلية ،كأتساع الصحاري الداخلية وامتداد العروق الرملية ، وارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 45 درجة مئوية في فصل الصيف خصوصا في المناطق الداخلية ، بالإضافة إلى الجفاف وقلة مياه الأمطار والينابيع والآبار، وانخفاض الرطوبة إلى حد كبير ، وقلة خصوبة التربة وارتفاع نسبة الأملاح فيها وافتقارها إلى المادة العضوية بالإضافة إلى سرعة الرياح وما تثيره من غبار محدثة العواصف الرملية.
أن المدن العربية في أمس الحاجة إلى تدخل الإنسان للاهتمام بمشروعات التشجير وإنشاء الحدائق والمسطحات الخضراء حماية لبيئتها وحفاظاً على مظهرها وجمالها ومسايرة للزيادة المطردة في مساحاتها وعدد سكانها، وتختار الأشجار عادة من الأنواع التي يجود نموها في البيئة المحلية أو التي يمكن أقلمتها لتناسب هذه البيئة بعيدة عن موطنها الأصلي، ونتيجة للدراسات والبحوث والتجارب التي أجريت على أنواع النباتات المحلية والمدخلة لإختيار الأنواع التي تتلائم مع الظروف البيئية المحلية والقادرة على التحمل والتكيف مع البيئة الصحراوية الجافة ، فقد تم التوصل إلى العديد من أنواع وأصناف الأشجار التي تزرع تحت الظروف البيئية للمنطقة وتشمل الأشجار المحلية والأشجار التي تتأقلم مع الظروف البيئية المحلية التي تزرع فيها وخاصة من حيث التغير في درجات الحرارة والجفاف والملوحة، ومنها الكافور ، الأكاسيا ، الكازوارينا ، النخيل ، الدوم ، السدر ، الأثل ، العرعر ، الفيكس ، السنط.
علاوة على ذلك يجب معرفة الظروف البيئية للمنطقة المراد زراعتها لاختيار الأنواع النباتية المناسبة والملائمة زراعتها تحت الظروف البيئية المحلية ، والتي تحقق أيضاً الغرض من زراعتها(للظل أو التجميل أو غيرها) وعند اختيار هذه الأشجار سواء كانت من الأنواع المحلية أو المستوردة فإنه يراعى أن تتوفر فيها الصفات التالية:تكون من الأنواع المعمرة التي لها مقدرة عالية على تحمل الظروف البيئية المحلية للمنطقة التي تزرع فيها من حيث إرتفاع وانخفاض درجات الحرارة والجفاف والرياح والملوحة وغيرها ولها مقاومة عالية للإصابة بالآفات الحشرية والمرضية أو الديدان الثعبانية،وينبغي أن تكون سريعة وكثيفة النمو وذات تفرع غزير ولها مجموع جذري قوي متعمق وغير منتشر أفقياً حتى لا يعوق نمو النباتات الأخرى ولا يؤثر على المنشآت المجاورة،ويستحسن أن يتناسب طبيعة نموها وشكل تاجها وارتفاعها مع المكان الذي تزرع فيه والغرض من زراعتها،وان تكون شتلات النباتات بحجم وعمر مناسب عند الزراعة لضمان نجاحها وحالتها جيدة من حيث النمو الخضري والجذري وسليمة من الكسور والإصابات بالآفات،ولها القدرة على التكاثر وإنتاج وافر من البذور، ومتوفرة محلياً وتحتاج إلى أقل عناية وتكاليف ممكنة خلال فترة زراعتها ونموها.(16)
إذاً تعتبر الأشجار العنصر الأساسي لجمال المدن وتنسيق المواقع والحدائق العامة والمنتزهات وتعمل الأشجار على إضافة عنصر الطبيعة والجمال على المنشاءات والمرافق وتكسر حدتها وصلابتها، كأشجار النخيل وأشجار الزينة والشجيرات .(17)
تؤدي المساحات الخضراء وماتحويه من نباتات مختلفة وظائف عديدة منها، الوظيفة البيئية للنباتات ومساهمتها الكبيرة في تنمية المدن من النواحي البيئية، وعدم وجودها أو قلة أعدادها في أي منطقة يؤدي إلى خلل التوازن البيئي في تلك المنطقة،بينما تقوم الوظيفة البنائية بدور متمثل، بزراعة مجموعة من نباتات الأسيجة متقاربة من بعضها لتكوين أسواراً نباتية تؤدي الغرض التي تقوم به كعزل الحديقة أو لتحديد وتقسيم مساحات معينة أو فصل أجزاء الحديقة عن بعضها البعض أو لحجب المناظر غير المرغوب فيها، بالإضافة إلى تحديد الأرصفة والطرق في الحديقة بزراعة نباتات الأسيجة على جوانبها لتوجه الزائر باتجاه معين، كما تستخدم في تكملة أجزاء أو فراغ في وحدات من المنازل بالإضافة إلى تغطية عيوب المباني أو عمل تعديل وهمي لأشكالها وارتفاعاتها.
أما الوظيفة الجمالية فيجسدها تشكل الأشجار والنباتات باعتباره العنصر الأساسي لجمال المدن وتنسيق المواقع والحدائق العامة والمنتزهات وتعمل الأشجار على إضافة عنصر الطبيعة والجمال على المنشاءات والمرافق وتكسر حدتها وصلابتها، كأشجار النخيل وأشجار الزينة والشجيرات .
تطبيق الأسس والمعايير التصميمية لتنسيق الحدائق والمتنزهات في مدينتي دبي وصبراتة:
* مدينة دبي :
تقع بين دائرتي عرض 25،26 شمالا ، وبين خطي طول °26 51 شرقاً،تعد ثاني أكبر إمارة بالاتحاد بعد إمارة أبو ظبي، تبلغ مساحتها 4،114كم²، وهو ما يعادل 5% من مساحة الدولة، يبلغ عدد سكانها 2،262،000 نسمة، وتتميز بان دخلها الاقتصادي لا يعتمد على النفط بشكل أساسي، بل على التجارة والعقارات والخدمات المالية والسياحة، وأن الغاز والنفط يشكلون 6% من إيردات دخلها.
بدأت شبكة الحدائق والمساحات الخضراء في المدينة بالتوسع سريعاً، وهي تضم الآن أكبر عدد من الحدائق في الإمارات العربية المتحدة، ست حدائق عامة كبرى، و13 حديقة سكنية، تنتشر على مساحة 500 هكتار،، شكل رقم (1).
شكل رقم (1) الحدائق والمناطق الخضراء في مدينة دبي
تعتبر مدينة دبي مثالأً حياً لتصميم الحدائق وتنسيق المساحات الخضراء فيها حيث تختلف دبي عن غيرها من المدن، فبينما يأتي التوسع العمراني عادة على حساب المساحات الخضراء، فعلت دبي العكس تماماً، فمنذ عام 1974، عند إنشاء أول حديقة عامة في المدينة، وهي حديقة مشرف، بدأت شبكة الحدائق والمساحات الخضراء في التوسع بسرعة، وهي تضم الآن أكبر عدد من الحدائق في الإمارات العربية المتحدة، بواقع خمس حدائق عامة كبرى، و13 حديقة سكنية أصغر، تنتشر على مساحة 500 هكتار، وأعد المسؤلين في دبي خطة ذات أمد بعيد لجعل المساحات الخضراء تحتل 8% من أرضها، وهو رقم يتناسب مع المعايير الدولية.
تخدم حدائق دبي غرضين هامين، أحدهما هو تأمين مرافق ترفيهية لسكان المدينة، وهذه مهمة أنجزت بشكل جيد، حيث يزور الحدائق الخمس الرئيسية حوالي 3 ملايين شخص سنوياً، كما يزور الحدائق السكنية المنتشرة في جميع مناطق المدينة نحو مليوني شخص سنوياً، وتعتبر الحدائق والمناطق الخضراء جزءاً حيوياً من عملية تخطيط المدينة، وثانيهما تساعد على تقليل التلوث الهوائي الذي تتعرض له المدينة.
إن المحافظة على الاخضرار الثمين للمدينة ليست مهمة سهلة في منطقة ترتفع فيها درجات الحرارة إلى أكثر من 50م° فهذا الأمر يتطلب عمل 800 شخص، بمن فيهم موظفون من مؤسسات خاصة مسئولون عن جميع خدمات التنظيف، و11 مليون متر مكعب من المياه سنوياً.
وبسبب ندرة مياه الأمطار في المنطقة، وقلة مصادر المياه العذبة الطبيعية، يتم ري حدائق دبي بواسطة نظام ري معقد يعتمد التنقيط والري الأوتوماتيكي، وهو فعال إلى الحد الأقصى الممكن، ويتم اختيار النباتات التي تناسب بيئة المنطقة للحصول على أقصى حد للاستفادة من المياه، وأكثر النباتات انتشارا في حدائق دبي هي شجرة النخيل التي وصلت إلى نحو 41 مليون نخلةالتي تستطيع تحمل حرارة صيف الصحراء العالية، لأمر الذي جعل الإمارات تتبوأ المركز السادس عالمياً في إنتاجها للتمور، إلى جانب 150 مليون شجرة حرجية ومثمرة، ساهم كل ذلك في زيادة المساحة الخضراء.
تشكل حديقة دبي الأولى، مثالاً جيداً على تناسق الطبيعة ، وهي تقع على بعد 15 كم من مركز المدينة، هذه الحديقة التي كانت مساحتها الأصلية 125 هكتاراً مرت بعدة مشاريع لتوسيعها وتطويرها، وأضيف لها 400 هكتار، فأصبحت أكبر حدائق دبي حالياً، تمتد على مساحة 5.250.000م² منها 42.500 م² من المروج الخضراء وتظم أكثر من 30.000 شجرة وشجيرة، تشمل أشجار النخيل التي كانت موجودة في المنطقة قبل إنشاء الحديقة، علاوة على المرافق العديدة التابعة لها والتي تهدف إلى اجتذاب العائلات، منها المرافق الرياضية، القرية العالمية التي تضم 13 نموذجاً للبيوت من مختلف دول العالم، وأكثر من 30 منطقة رحلات تحتوي على جميع المرافق الضرورية.
أما حديقة الخور فهي ثاني أكبر حدائق دبي افتتحت عام 1994، وهي قريبة من مركز المدينة، مجهزة بثلاثة مهابط للطائرات المروحية وملعب جولف صغير بـ 18 حفرة، ومدرج مسرحي يتسع لـ1200 شخصاً، تشكل أهمية كبرى بالنسبة لمحبي النباتات والحدائق، حيث تحتوي على 280 نوعاً من النباتات التي زرعت في الإمارات العربية المتحدة لأول مرة.
تأتي بعدها حديقة الصفا، وهي تحتوي على مروج خضراء واسعة، تغطي أكثر من 80% من مساحتها الكلية.
أما حديقة شاطئ الجميرا، فهي إحدى أكثر مراكز الترفيه شعبية في المدينة، حيث تطل على مياه الخليج الزرقاء، وتجذب المئات من عشاق البحر نهاية كل أسبوع، وقد قامت السلطات المسؤولة عن الحديقة بتزويدها بخمسة أبراج مراقبة ومهبط للطائرات المروحية لاستخدامه في حالات الطوارئ.
تعد حديقة الممزر نموذجا فنيا ،تمتد على مساحة 99 هكتاراً، تتوفر فيها مرافق عامة كغرف تغيير الملابس، وغرف الاستحمام، ومرافق الإنقاذ والإسعاف الأولي، وهناك أكثر من 30 منطقة للشواء على الشاطئ ويستطيع الزوار استئجار كوخاً في منطقة منعزلة على الشاطئ.
تغطي حديقة دبي (السكنية الأولى)، مساحة قدرها 1.5 هكتارا، وتستقبل العائلات فقط، وهي مجهزة بنافورة كبيرة، ومجرى مائي، ومرج أخضر كبير مع عدد من الأشجار التي تؤمن الظل في أشهر الصيف الحارة.
وتوجد حدائق أخرى تتربع على مساحة قدرها 46 هكتاراً صممت بحيث تمثل التقنية الحديثة ،تظم عروضا تفاعلية ذات تقنية عالية(18) ،وبهذا فان معايير تصميم الحدائق تنطبق على مدينة دبي.
وبذلك فان المساحات الخضراء والحدائق في مدينة دبي قد تم أنشاؤها وفق المعايير العالمية وهي متكاملة من جميع النواحي ، وتظم جميع المرافق الاساسية من كافيتريات ونافورات وأماكن لاالعاب الأطفال، علاوة على إنها مسيجة، وتظم أصنافاً متنوعة من الأشجار والزهور،شكل رقم (2).
شكل رقم (2) حديقة نموذجية في مدينة دبي
مدينة صبراتة :
تقع شمال غرب الجماهيرية ضمن منطقة الشريط الساحلي من سهل الجفارة ، على دائرة عرض 32 47 شمالاً ماراً بها خط الطول30َ 12ْ شرقاً ، بمساحة تبلغ حوالي 35 كم ، أي 3500 هكتاراً، بلغ عدد سكانها 46872 نسمة عام 2009.(19)
تعتبر من المدن الأثرية في الجماهيرية الليبية ، لها ميزتان احدهما، الساحل الجميل المطل على البحر ، والآثار العملاقة التي بقيت شاخصة للعيان والتي تعبر عن ماضي المدينة ، كما أن مناخها المعتدل وسطحها المنبسط يشجع على نجاح السياحة بالمدينة يتمثل هذا الاستعمال في المساحة التي تشغلها المناطق الترفيهية كالحدائق والملاعب الرياضية والمناطق السياحية كالآثار والمصايف والمقاهي ، وتغطي هذه الاستعمالات مساحة من أرض المدينة قدرت 75.66 هكتاراً ، أي ما يعادل 9.8% من جملة مساحتها،هذه السمة جعلت المدينة تستقبل 12587سائح عام 2009(20).
تعد الحدائق العامة جزءاً من الأماكن المفتوحة وهي تمثل رئة المدينة التي تتنفس بها ، ويوجد بمدينة صبراتة خمس حدائق تتوزع على المحلات ، منها حديقتان في محلة الغوط بمركز المدينة وواحدة في الوادي واثنان في رأس الديوان ، ومعظم هذه الحدائق تقترب من وسط المدينة ،شكل رقم (3).
شكل رقم (3) الحدائق والمناطق الخضراء في مدينة صبراتة
المصدر: مكتب التخطيط العمراني في مدينة صبراتة.
قدرت مساحتها بـ 36000م2 ، أي ما يعادل 3.6 هكتاراً ، في حين بلغت حصة الشخص الواحد في المدينة من المساحة الخضراء( الحدائق ) 1 م2 فقط وهي مساحة تقل عن المساحة المخصصة على مستوى العالم والبالغة 10م2 لكل شخص حسب ما أشار الطوالبة في دراسته.(21)
ويلاحظ أن الحدائق الموجودة بمدينة صبراتة محدودة بل القائم منها ليس على المستوى المطلوب خصوصاً أن صبراتة تعد من المدن السياحية ، وأن إهمال الحدائق يعد عياً ، حيث المتضح أن أغلبها تفتقر إلى وسائل ترفيه للأطفال ، كما أنها غير مسجية ولا توجد بها خدمات تلبي حاجة المترددين عليها شكل ، رقم (4) .
شكل رقم(4) أحدى حدائق مدينة صبراتة
المصدر: تصوير الباحث ،2009
أما المساحات التي تحتلها الأحزمة الخضراء فهي تشكل أحد الاستعمالات الرئيسة والبارزة بالوظيفة الترفيهية داخل المدن وخارجها ، فضلاً عن أنها تعد عامل تلطف من الظروف الجوية الشديدة، وأن الزحف الحضري عليها يضر بالمظهر الخارجي لها . تحيط بمدينة صبراتة مساحات واسعة من أشجار الزيتون وبعض الأشجار الأخرى غير المثمرة التي تعد طبيعية في نشأتها ، هذه المناطق الخضراء تضفي جمالاً خلاباً على مخطط المدينة ومجاوراته ، كما وتعتبر الأراضي الخضراء المحيطة بالمدينة مناطق ترفيه لبعض الناس ، نظرا لقربها ، ونتيجة لزحف البناء صوب الأرياف فان بعض هذه المناطق تم ضمها إلى مخطط المدينة ونزعت عنها الصبغة الزراعية ومنحت بخصوصها تراخيص للبناء عليها ، مما أدى إلى ارتفاع أنماط المساكن ذات الثنائية الريفية الحضرية في أكثر من محلة بالمدينة وبشكل واضح تظهر في جنوب غربها عند محلة رأس الديوان وإلى الجنوب من محلة الغوط وعند محلة السوق.
شكلت البساتين والمناطق الزراعية المحيطة بالمدينة نسبة قدرها 29.2% من جملة مساحتها ،أما المناطق الخضراء التي تتخلخل النسيج الحضري للمدينة وشوارعها فقد بلغت 11 هكتاراً.(22)
عليه تعتبر المدينة ذات موقع ممتاز ومناخ معتدل ، وفيها آثار مما يجعلها ذات طابع سياحي ، إلا أن مسالة الحدائق والمساحات الخضراء ، تبدو مهملة علاوة على عدم تنفيذ ماجاء بالمخطط بخصوص إقامة الحدائق والمتنزهات المعدة أثناء تخطيط المدينة.
النتائج :
1- تعاني معظم المدن العربية من نقص وإهمال في الحدائق والمساحات الخضراء، علاوة على وجود تناقض بين عدد السكان والمساحات الخضراء بشكل لا ينتاسب والمعايير الدولية.
2-أدى التطور الحضري والإنتشار العمراني والإزدحام إلى تزايد الطلب على الأراضي للإستخدامات التجارية والصناعية والسكنية على حساب المناطق الخضراء، وقد تفاقمت هذه المشكلة مع التزايد السكاني المطرد الذي شهدته معظم المدن العربية، فأضحت قضية الترويح وعدم توفر المساحات الخضراء والحدائق العامة مشكلة تفاقمت مع الامتداد الأفقي للمدن وأرتفاع أسعار الأراضي في ضواحيها مما خلق تنافساً غير عادل بين استخدامات الأرض على حساب الإستخدام الترويحي.
3 -لا توجد تشريعات ملزمة في التخطيط العمراني للمدن الجديدة لإنشاء تلك الحدائق والمتنزهات من حيث تحديد مساحتها وتناسبها مع حجم المدن والأحياء السكنية والإدارية والموارد الطبيعية المتاحة من ماء وطبيعة وتربة .
4-قلة الوعي الأستثماري في مجال الحدائق والمتنزهات العامة وتقدير العائد الأقتصادي لها .
5-عدم توفر الإعداد الجيد لدراسات جدوى أقتصادية لمثل تلك المشاريع .
6- ضعف الخبرة لدى بعض أفراد الجهاز الفني في تنفيذ عمليات الخدمة والصيانة الزراعية وينعكس هذا على وضع خدمات التشجير.
7- كنموذج متطور لوحظ وجود المساحات الخضراء والحدائق في مدينة دبي بشكل نموذجي ، تتوفر فيه جميع المعايير المعمول بها على مستوى العالم، علاوة على وجود الحدائق ذات النمط الخاص الذي يخدم المجاورة السكنية موزعة عليها بشكل جيد.
8-كما هي دبي ذات موقع متميز فإن مدينة صبراتة في ليبيا لا تقل عنها أهمية كموقع ومناخ ، علاوة على وجود الآثار التي يضفي عليها طابعاً سياحياً ،إلا أن حدائقها تكاد تكون مهملة، كما يلاحظ وجود زحف عمراني على المناطق ذات الصبغة الزراعية والتي تشكل حزاماً أخضراً يحيط بالمدينة، ومتنفساً لسكانها.
المقترحات :
1- ضرورة الاعتناء بالمساحات الخضراء والحدائق بالمدن العربية وتخصيص مساحات لها تتخلل الوحدات السكنية والتي يستهدف إقامتها تغطية حاجة السكان، وهناك حاجة ماسة إلى قاعدة بيانات شاملة عن الحدائق ليمكن في ضوء ذلك وضع الخطط التنموية المناسبة لتطوير هذه الخدمات وتنميتها ويقع هذا العبء على الجهات المشرفة والمسؤولة عن الحدائق.
2- تحسين شكل المدينة العربية عن طريق استخدام الأشجار في تغطية الوحدات السكنية غير المخططة أو المباني المتهالكة المتمركزة في وسطها .
3- توفير البنية الأساسية التحتية اللازمة لإنشاء الحدائق والمتنزهات في إطار التخطيط العمراني، بشكل يحقق الإكتفاء الترويحي لسكان المدينة.
4- الإهتمام بزراعة أشجار الظل للاستفادة منها في أشهر الصيف الحارة على أن تكون من الأشجار التي تناسب الطابع العام ويمكن أن تضفي بعض الجمال على الحديقة بما توفره من أزهار أو شكل متميز وخاصة تلك التي تزهر في الأشهر التي لا يكون فيها أزهاراً لأغلب النباتات المزروعة بالحديقة.
5- رفع كفاءة الفنيين الزراعيين في الأمانات والبلديات بما يتماشى مع المهام المكلفين بها.
6- زيادة الوعي البيئي على مستوى التجمعات السكانية بأهمية الحدائق والمتنزهات وصيانتها.
7-التأكد من ملائمة الأنواع والأصناف النباتية المراد زراعتها للظروف البيئية المحلية قبل زراعتها.
8-الحد من الزحف العمراني على المناطق ذات الصبغة الزراعية، وتكثيف الجهود لحمايتها والاعتناء بها خصوصا ان اغلب المدن العربية تعاني من مناخ متطرف.
9 -بخصوص مدينة صبراته ضرورة الاعتناء بالمساحات الخضراء والإستفادة من ساحل البحر كواجهه ترفيهية مع إقامة حدائق ومتنزهات عليها شانها بذلك شأن مدينة دبي، ويقترح الباحث إنشاء حدائق تتناسب ،طبيعة ومساحة الأحياء وأخرى على مستوى المدينة بمواصفات ومعايير أفضل مما عليه الآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1 -عبد الرزاق عباس حسين ، جغرافية المدن ، مطبعة اسعد،بغداد، ،،1977ص153.
2-نفس المصدر،ص168.
3-J.B.Cullingworth, problems of an Urban Society, London, Ruskin House, 1972,p.108. 4- Bar tholomew, H.,:the Land Use Suruey, in, Mayr, H.M and Kohn, CF., Reading in Urban Geography, eds. Chicago Uniu., press, Chicago. 1975.p.42
5- Nor tham, R.M.,Urban Geography, john Wiler and Sons, New York. 1979. p333- Pierceall, G. Residential Landscapes Reston Publishing CO. Inc. Reston, Virginia, 1984,p23.
6- D.Butler, Gearge, “Introduction to community Recreation,” Mc Grow –Hill Book Company, 5ed,1988, p.35
7 - عبد الرحمن محمود الحيارى ، التركيب الوظيفي لمدينة السلط ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية ، 1996 ، ص 89.
8 - محمد أحمد العلي المصطفى الطوالبة ، مدينة أربد ، دراسة في جغرافية العمران ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الآداب ، جامعة الإسكندرية ، 1982 ، ص210.
9-خالص حسني لأشعب، المدينة العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، بغداد، 1982 ، ص11
10- محمود , محمد خلف , أمين , سامي كريم محمد , الزينة وهندسة الحدائق ، مطبعة التعليم العالي ، الموصل ، العراق ،ص25.
11 - محمد يسري الغيطاني،الزهور ونباتات الزينة وتنسيق الحدائق، دار الجامعات المصرية ، الإسكندرية ، 1984،ص65.
12- عبد الحميد عبد الواحد , تخطيط وتصميم المناطق الخضراء ، دار غريب للطباعة - القاهرة ، 1988ص98.
13 - محمد عرب نعمة الموسوي ، مدينة صبراتة التركيب الوظيفي والمظهر الخارجي من واقع استعمالات الأراضي دراسة في جغرافية المدن، رسالة دكتوراه غير منشورة ، كلية الآداب ،جامعة الفاتح ، 2004 ، ص134.
14-A.E.Smiales, the Geography of Towns, Hutchinson, London, 1964. p.135.
15- L.Taylor and A.R.Gones, Rural Life and Urbanized Society,Oxford University,New York,1964,p56 .
16 - عطيات حمدي عبد القادر، جغرافية العمران ، دراسة موضوعية تطبيقية،دار عالم الكتب،القاهرة، 1964،ص261
17-الإمارات العربية المتحدة،بلدية دبي‘تقرير صادر من بلدية دبي لعام 2008،بيانات غيرمنشورة،ص65.
18-الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، الهيئة القومية للمعلومات،نتائج التعداد العام للسكان لعام 2006، بيانات غير منشورة.
19-محمدعرب نعمة الموسوي، مصدر سابق،ص177.
20-مصلحة الآثار في مدينة صبراتة، بيانات غير منشورة.
21-احمد العلى المصطفى الطوالبة ,مصدر سابق ،ص64.
22- مكتب التخطيط العمراني بمدينة صبراتة ، بيانات غير منشورة،2009.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق