المخاطر المحتملة لنقص موارد المياه العذبة في مصر
شبكة المعلومات الدولية -
أستاذ دكتور/ خالد عبد القادر عودةأستاذ الجيولوجيا المتفرغ بقسم الجيولوجيا- كلية العلوم - جامعة أسيوط
جاء في التقرير الرابع للهيئة الحكومية الدولية (2007م) أن معدلات الأمطار قد قلت خلال القرن العشرين في الساحل بشرق إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وجنوب إفريقيا وأجزاء من جنوب آسيا، بينما زادت هذه المعدلات في الأجزاء الشرقية من أمريكا الشمالية والجنوبية، وشمال أوروبا وشمال ووسط آسيا، وأن المساحات التي تعاني من الجفاف زادت زيادة ملحوظة على المستوى الدولي منذ التسعينيات؛ وأن تأثير الاحترار العالمي شمل تغير نظم الرياح، وزيادة العواصف الاستوائية، واختلال درجات حرارة الفصول السنوية.
ويحذر التقرير من أنه بانتصاف القرن الحادي والعشرين سوف تزداد الحاجة إلى المياه العذبة، ويقل سريان الأنهار في المناطق الجافة حول خطوط العرض المتوسطة والاستوائية، كما ستعاني كثير من المناطق شبه القارية حول حوض البحر الأبيض المتوسط، وغرب الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وشمال شرق البرازيل- من تدني مصادر المياه نتيجة للتغيرات المناخية.
ويتوقع العلماء أن تتعرض قارة إفريقيا إلى الافتقار إلى المياه العذبة، وأنه بحلول عام 2020م سوف تتناقص إمدادات المياه لنحو يتراوح بين 75 و250 مليون نسمة من سكان إفريقيا؛ وذلك بسبب تغير الرياح، ومن ثمَّ اختلال معدلات الأمطار على الهضاب الاستوائية وشبه الاستوائية، كذلك زيادة معدلات التبخر؛ الأمر الذي يهدد بفقدان الأرض الزراعية التي تعتمد على الأمطار في الري بنحو 50% من مساحاتها.
إلا أن المتتبع للظواهر المناخية الحادة التي اجتاحت العالم عام 2010م- والذي يعد أكثر الأعوام حرارة منذ عام 1880م وأشدها كوارث خلال الخمسين عامًا الماضية- يجد أن الجفاف الذي أعقبه حرائق قد أصاب في غالبيته العظمى دولاً تقع على خطوط العرض العليا شمال خط عرض 30 إلى خط عرض 60 في النصف الشمالي للكرة الأرضية مثل روسيا التي أصابها جفاف، وحرائق بالأحراش والغابات نتيجة ارتفاع درجة الحرارة في شهر أغسطس إلى نحو 40 درجة مئوية لم يسجل مثلها بروسيا منذ 130 عامًا مضت.
وكذلك سيبيريا، وغرب كندا التي استمرت فيها الحرائق عدة أسابيع، أيضًا في أريزونا بغرب الولايات المتحدة، والبرتغال وإسبانيا التي ارتفعت فيها درجة الحرارة إلى 48 درجة مئوية، كما أصاب بريطانيا وأيرلندا جفاف غير مسبوق منذ عام 1929م، وارتفعت درجة الحرارة في جمهورية التشيك بما لم يسبق له مثيل منذ 82 عامًا.
وعلى النقيض من ذلك فإن السيول والفيضانات الحادة خلال نفس العام والتي تعد الأسوأ منذ نحو 80 عامًا تركزت غالبًا في الدول التي تقع على خطوط العرض المنخفضة فيما بين خط الاستواء وخط عرض 30 في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
ومثال ذلك فيضانات جنوب الصين في شهر يونيو، وإندونيسيا والبنجلاديش وبوركينا فاسو في شهر يوليو، والهند وكوريا الشمالية والصين في أغسطس، وباكستان في أغسطس- سبتمبر، والمكسيك في سبتمبر، وفيتنام وتوجو والبنين وتايلاند والبرازيل في أكتوبر، وفنزويلا والمغرب وكولومبيا في شهر ديسمبر؛ حيث سادت أحوال جوية سيئة غير معتادة مثل هذا الوقت من العام مناطق واسعة في أمريكا الجنوبية.
أما في دول حوض النيل فقد أكد عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم أن منسوب مياه النيل ارتفع في شهر أغسطس إلى معدلات تقترب من فيضان عام 1946م.
وقال اللواء عبد الله عمر الحسن مدير شرطة الدفاع المدني بولاية الخرطوم إن مناسيب النيل ارتفعت إلى نسبة 17 مترًا أعلى من منسوب فيضان عام 1988م، موضحًا أن فيضان النيل بلغ مرحلة الخطورة.
وتجدر الإشارة إلى أن موسم الأمطار هذا العام جاء غزيرًا في السودان بعد أن كان السودان قد عانى العام الماضي من موسم أمطار ضعيف دفع الأمم المتحدة والمنظمات والدولة المانحة إلى التحذير من موسم جفاف شديد.
وبالرغم من أن الجفاف الحاد الذي أدى إلى حرائق والسيول الحادة التي أدت إلى فيضانات لم يسبق لهما مثيل، يمثلان وجهان لعملة واحدة وهي ظاهرة التغير المناخي، إلا أن الملاحظات من التوزيع الجغرافي لهذه الكوارث تشير إلى أن ارتفاع المتوسط العالمي لدرجة الحرارة سوف يزيد من شدة الأعاصير المصحوبة بسيول أو أمطار غزيرة على الهضاب الاستوائية والشبه استوائية، بما في ذلك هضاب إثيوبيا وأوغندا، ومن ثمَّ لا يتوقع تأثر حصتي مصر والسودان من مياه النيل إذا استمرت دول المنبع في الالتزام باتفاقية دول حوض نهر النيل، كما يتوقع زيادة معدلات الأمطار في جنوب ووسط السودان واليمن والسعودية العربية والصومال والمغرب وغالبية دول أمريكا الجنوبية وإفريقيا التي تقع شمال خط الاستواء.
العناصر المؤئرة في إمدادات المياه العذبة إلى مصربعد استبعاد سيناريوهات انخفاض معدل الأمطار على الهضاب الاستوائية، يبقى سيناريو النقص في إمدادات المياه العذبة إلى مصر معلقًا بعنصرين، عنصر بشري، وعنصر طبيعي؛ أما العنصر البشري فهو عدم التزام دولتي المنبع إثيوبيا وأوغندا باتفاقية النيل الموقعة عام 1959م ومحاولاتهما الإخلال بالحقوق التاريخية لدولتي الممر والمصب، السودان ومصر، من خلال إقامة السدود وحجز جزء من المياه ليس بغرض التنمية الزراعية فقط، وإنما أيضًا بغرض الاتجار في المياه.
وعلى الرغم من استحالة قيام هذه الدول بالتصرف الواسع في مجرى النهر فوق الهضاب بقصد منع المياه من الانحدار منها إلى سهول السودان نظرًا لوعورة الهضاب وارتفاع منسوبها ارتفاعًا حادًّا من 600 متر إلى أكثر من 3000 متر فوق منسوب سطح البحر (بحيرات تانا بإثيوبيا وفيكتوريا بأوغندا تقعان على منسوب نحو 1800 متر فوق منسوب سطح البحر)، إلا أن هذا التصرف يبقى محتملاً وممكنًا حال انفصال دولة جنوب السودان عن السودان وانضمامها إلى هذا المحور.
ففي هذه الحالة يمكن إجراء أي تحويلات في مجرى النيل الأبيض ونهر السوباط؛ نظرًا لانبساط سطح الأرض وانخفاض منسوبها تدريجيًّا في جنوب السودان من 400 متر جنوبًا إلى 325 مترًا شمالاً فوق منسوب سطح البحر، كما أن اقتراب حدود دولة جنوب السودان الشمالية الشرقية من النيل الأزرق عبر ولاية أعالي النيل يهدد باستغلال مياه النيل الأزرق من خلال الآبار، كما يجعل ممر النيل الأزرق داخل السودان عرضة للاعتداء العسكري بغية وقف إمداد السودان ومصر بمياه النيل الأزرق حال نشوب الحرب بين دولتي شمال وجنوب السودان، حتى ولو أدى ذلك إلى إغراق شرق السودان.
ويلاحظ أن مجرى النيل الأزرق فيما بين حدود إثيوبيا ومدينة الخرطوم يتميز بضيقه الشديد؛ على الرغم من عمقه الكبير بالنسبة للنيل الأبيض.
أما العنصر الطبيعي المؤثر في كمية المياه الواردة إلى مصر فهو زيادة معدلات التبخير بازدياد المتوسط العالمي لدرجة حرارة الكوكب، فمعدلات التبخير الحالية تتراوح من 3,4 ملم يوميًّا في الفروع المائية المفتوحة إلى 6,8 ملم يوميًّا في البحيرات المغلقة وشبه المغلقة في جنوب السودان، ومن 7,7 ملم إلى 15,3 ملم يوميًّا في وسط وجنوب السودان، ومن 4,5 ملم إلى 9,0 ملم يوميًّا في جنوب مصر.
وهذه المعدلات قد أدت إلى فقدان مصر لنحو 10 مليارات متر مكعب سنويًّا أو أكثر من مياه بحيرة السد والبحيرات الثانوية التي نشأت في جنوب الصحراء الغربية نتيجة تصريف المياه عبر ممر توشكى؛ حيث يبلغ مجموع مساحات البحيرة الرئيس والبحيرات الثانوية نحو 7000 كم².
فإذا وضعنا في الاعتبار الارتفاع المستمر في درجة حرارة الكوكب كأثر مباشر لزيادة تركيز الكربون في الجو والذي يقدره العلماء بنحو 4 درجات مئوية بنهاية القرن الواحد والعشرين حال استمرار انبعاثات غازات الصوبة على ما هو عليه الوضع حاليًا؛ فإننا بصدد زيادة لا تقل عن 10% في معدلات التبخير يقابلها نقص مخزون المياه في بحيرة السد بنفس النسبة، ما لم يتم تنفيذ اتفاقيات مؤتمري كوبنهاجن 2009 وكانكون عام 2010م والتي اتفق فيها زعماء دول العالم على عدم تجاوز هذه الزيادة بأكثر من درجتين مئويتين؛ مما يقلل من كمية المياه المفقودة بالتبخير.
والواقع أن نقص إمدادات المياه العذبة هو مشكلة يعاني منها سكان مصر حاليًا من قبل التغيرات المناخية؛ فحصة المواطن المصري من موارد المياه العذبة حاليًا لا تتجاوز 750 مترًا مكعبًا سنويًّا، بينما الحد العالمي الأدنى لحصة الفرد هو 1000 متر مكعب سنويًّا، طبقًا لما أعلنته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وهو ما يعني أن نصيب الفرد المصري أصبح تحت خط الفقر في الوقت الحالي، فما بالنا في عام 2050م؛ حيث يتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 160 مليونًا بزيادة قدرها 80 مليون نسمة؛ إن معنى ذلك أن حصة الفرد في مصر سوف تتضاءل تدريجيًّا إلى 375 مترًا مكعبًا سنويًّا خلال العقود الأربعة القادمة حتى بافتراض عدم وجود تغيرات مناخية واستمرار حصة مصر من نهر النيل دون نقص خلال القرن الواحد والعشرين.
وهذه المعدلات تعد كارثة في حد ذاتها بسبب زيادة عدد السكان ومن ثم زيادة النشاط الزراعي من جهة، وثبات حصة مصر من مياه نهر النيل والتي لم تتجاوز 55,5 مليار متر مكعب (طبقًا لاتفاقية الانتفاع بمياه النيل عام 1959) من جهة أخرى.
فالنشاط الزراعي يستهلك نحو 97% من مياه النيل، والأنشطة الزراعية الجديدة طبقًا للخطة الزراعية للدولة تتطلب التوسع زراعيًّا بمساحة 3,4 ملايين فدان جديدة حتى عام 2017م، منها 540 ألف فدان مزمع استكمال استصلاحهم في توشكى حيث تستهلك وحدها نحو 5 مليارات متر مكعب مياه سنويًّا يتم سحبهم من بحيرة السد؛ وبهذا يكون جملة المطلوب لاستكمال الخطة الزراعية حتى عام 2017 نحو 34 مليار متر مكعب من المياه.
وعلى الرغم من أن التخطيط الحكومي يشمل استخدام مياه الأمطار بمقدار مليار متر مكعب بالإضافة إلى 7,5 مليارات متر مكعب يتم سحبها من رصيد المياه الجوفية، إلا أن سحب المياه الجوفية بمعدلات سنوية تفوق معدلات التغذية التي لا تتجاوز 2.5 مليار متر مكعب سنويًّا يعجل بنفاد المخزون المائي، خاصة أن مخزون الوادي الجديد من المياه الجوفية يمثل في غالبيته مياه محفوظة وليست متجددة.
وبينما تخصص الحكومة المصرية نحو 3,7 مليارات دولار سنويًّا (نحو 20 مليار جنيه) على مشروعاتها الكبرى في إصلاح الأراضي وتأهليها للزراعة، بينما يستمر إنشاء العشوائيات السكنية دون توقف على الأرضي الزراعية الخصبة بعد تبويرها، وتتآكل أراضي مصر الخصبة في شمال الدلتا بسبب زيادة نسب التملح وزيادة معدلات النحر سنويًّا نتيجة توقف الإمداد بطمي النيل والمعادن المغذية للتربة بعد إنشاء السد العالي.
كما أن هناك جزءًا كبيرًا من الأراضي الزراعية بالوادي الجديد، والدلتا لا تستقبل ما يكفيها من مياه الري؛ فالمياه لا تصل إلى نهايات الترع بسبب عدم وجود قوة دفع لمياه النيل نتيجة تقليص كمية المياه التي تضخ في المجرى أمام السد العالي بحيث لم تعد تتجاوز 25% من كميتها قبل إنشاء السد العالي.
كذلك فإن هناك عشرات الآلاف من الأفدنة بمحافظة البحيرة تعرضت للبوار في الأراضي الخصبة المنخفضة؛ وذلك بسبب مياه الرشح المنصرفة من الأراضي الصحراوية المستصلحة حديثًا في النوبارية والبستان، وهذه الأراضي أعلى منسوبًا من أراضي الدلتا في الدلنجات وحوش عيسى، والسبب في ذلك هو مخالفة المزارعين القائمين على الأراضي المستصلحة لتعليمات الري بالتنقيط، ولكنهم غمروا الأرض بالمياه؛ مما تسبب في تسرب مياه الصرف، وتطبيل الأراضي المزروعة في منخفضات الدلتا، أيضًا تأثرت زراعة قصب السكر بصعيد مصر نتيجة عدم استقبالها ما يكفيها من مياه الري.
ومن جهة أخرى فإن الكيان الصهيوني يساعد حاليًا إثيوبيا على بناء العديد من السدود على النيل الأزرق بغرض توفير المياه لزراعة أراضي الحبشة الخصبة، وسوف تؤثر هذه المشروعات على مصر بمقدار 9 مليارات متر مكعب سنويًّا، وإثيوبيا مقتنعة (بدوافع صهيونية) أنها صاحبة الحق في استغلال الأمطار الموسمية كما أعلن المندوب الإثيوبي في "مؤتمر المياه" المنعقد بالقاهرة؛ ولذلك فإن إثيوبيا لن تقبل أن يبقى نصيب مصر 85% من مياه نهر النيل الواردة من إثيوبيا ولا يكون نصيب دولة المصدر من هذه المياه سوى 1% إلى الأبد.
كما أشار المندوب الإثيوبي إلى أن الصهاينة يعرضون شراء الماء منها كدولة منبع ثم تدفع لمصر كدولة مصب نظير 4 سنتات أمريكية لكل متر مكعب من المياه؛ وهو ثمن أقل بكثير من تحلية مياه البحر التي تتكلف 1,5 دولار لكل متر مكعب، ولا ننسى أيضًا أن إثيوبيا عبرت عن استيائها من تنفيذ مشروع توشكى، واتهمت مصر بأنها لا تهتم بمطالب واحتياجات دول أعالي النيل من المياه اللازمة لمشروعاتهم التنموية، بل ذهبت أبعد من هذا حين طالبت مصر بتعديل اتفاقية 1959م المنعقدة بين مصر والسودان.
نضيف إلى ذلك توقف العمل في مشروع قناة جونجلي الذي يهدف إلى تأمين تدفق نحو 7 مليارات متر مكعب من المياه من خلال مرحلتين تقسم مناصفة بين مصر والسودان، وهذا المشروع كان يمثل مقدمة لمشروعات مماثلة للمحافظة على مياه النيل كمشروع مستنقعات مشار ومستنقعات بحر الغزال، وهي مشروعات قائمة كلها في جنوب السودان تعمل على تجميع عدد كبير من المتفرعات النيلية الضيقة لتصبح فرعًا واحدًا متسعًا، وتوفر نحو 11 مليار متر مكعب أخرى (4 مليارات متر مكعب في مستنقعات مشار و7 مليارات متر مكعب في مستنقعات بحر الغزال).
والمؤسف أن مصر قطعت شوطًا طويلاً في إنجاز شق قناة جونجلي حيث تم حفر 260 كيلومترًا من طول القناة البالغ 360 كيلومترًا؛ إلا أن الحفارة المستخدمة في شق القناة دمرت بقذيفة صاروخية من عدو مجهول في 10 فبراير 1984م إبان الحرب الأهلية بين الشمال، والجنوب التي بدأت في نوفمبر 1983م؛ وبالتالي تأجل حلم جونجلي حيث شكل توقف الحفر وتخريب الحفار موتًا لحلم التكامل المصري السوداني، وما زالت مصر والسودان تقومان مناصفة بتسديد التعويض الذي حكمت به هيئة التحكيم الدولي (17,5 مليون دولار) كتعويض للشركة الفرنسية التي كانت تتولى تنفيذ المشروع.
وبتوقف مشروع قناة جونجلي وعدم الشروع في مشروعات المستنقعات بمشار وبحر الغزال يظل مشروع توشكى غير ذي جدوى اقتصادية، إذ أنه يستهلك نحو 10% من الحصة المقررة لمصر من مياه النيل دون إمدادات جديدة؛ وذلك على حساب احتياجات الأرض الزراعية في الوادي والدلتا.
كما أننا سنشهد هذا الشهر قيام دولة جديدة في جنوب السودان، وهو ما يعني مزيدًا من سياسة تفتيت الوطن العربي التي تمارسها أمريكا وأوروبا في الشرق الأوسط، وكما تقول فاطمة دياب فإن الدولة الجديدة ستأخذ شرعيتها دوليًّا، وسنجد العالم يتهافت على الاعتراف بها وبالوضع القائم؛ لأن انفصال جنوب السودان يتوافق ومشروع تقسيم المنطقة من جديد، ويحقق توجهات القوى ذات النفوذ العالمي تجاه المنطقة، وتجاه بلدانها، كما يتوافق ومصالحها الخاصة في عدم وجود منطقة عربية مترابطة قوية، وهو ما بدا بالفعل التصديق عليه داخل مراكز القوى في حكومة الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتحرك عالميًّا وإقليميًّا للتمهيد بقبول الدولة الجديدة.
وقد ظهر هذا جليًا في جولة دولية وإقليمية قام بها الأمين العام للحركة الشعبية باقام أموم والذي استطاع بمهارة شديدة بالتعاون مع حلفاء الانفصال الدوليين أن يدفع لعقد جلسة طارئة خاصة بمجلس الأمن من أجل مراجعة اتفاقية نيفاشا للسلام، وما الذي قدمته حتى الآن، كما التقى مسئولون كبار بالكونجرس الذي يضم نخبة تعمل لصالح هذا الاتجاه ويدعمون الإستراتيجية الأمريكية الصهيونية بالمنطقة، وعلى رأسها تفتيت البلدان الإسلامية لدويلات صغيرة وتغيير معالمها مجتمعة.
كما قامت الحركة الشعبية بفتح 18 سفارة لها في الخارج تمنح تأشيرات دخول لجنوب السودان بدون استشارة الحكومة المركزية في الخرطوم، وقيام حكومة الإقليم بمنح امتياز لشركات النفط للتنقيب في الجنوب، كما أنها تصدر جوازات سفر وتسعى لربط الجنوب بنظام اتصالات له كود منفصل عن كود السودان، واستبدال المناهج الدراسية بالأوغندية بدلاً من السودانية، وتحريم اللغة العربية في جامعة جوبا، وسلام الحركة يعزف بدلاً من السلام الجمهوري السوداني وهذا يعني أن دولة الجنوب قد حددت بالفعل ملامح سياساتها وتوجهاتها وأن انفصال الجنوب قد وقع بالفعل، وأن الحركة الشعبية لم تترك شيئًا للاستفتاء عليه سوى الانفصال.
ولا يخفى على أحد الدور الذي قام به الكيان الصهيوني من أجل انفصال الجنوب عن السودان ومساندة الحركة الشعبية على صعيد الإمداد بالسلاح والخبراء والمال وحشد التأييد الدبلوماسي والسياسي الدولي للانفصال بهدف إضعاف العالم العربي ومحاصرة مصر، كما أرسلت رجال الموساد تحت مظلة خبراء واستشاريين في عمليات التنمية، وهي تعمل ضد مفهوم الوحدة السياسية أو الثقافية أو الجغرافية للمنطقة ومن هنا سيكون لها اليد العليا فيما هو قادم.
وهذا الدور يلخصه الضابط المتقاعد ووثيق الصلة بالموساد موشي قرحي في كتابه المعنون "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان "وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدعم توجه الانفصال عمليا بـ2 مليار دولار للبنية الأساسية وإعطاء الحركة وعودًا ضمنيةً، وكذلك غير مباشرة باحتوائها لدولة الجنوب رغم علمها بافتقادها مقومات الدولة وعناصرها، إضافةً لوجود كثير من القضايا العالقة مع الشمال والتي ستدفع الدولتين للتصارع، وأهمها ترسيم الحدود- والذي لم يحسم بعد- والنفط.
وأخطر أهداف هذا الانفصال هو انضمام الدولة الجديدة إلى محور دول المنبع بحوض نهر النيل الذي تقوده إثيوبيا وأوغندا، وتدعيم مطالب هذا المحور بشأن إعادة توزيع المياه فيما بينها، في تجاهل كبير لمصر والسودان دولتي المصب والممر؛ وهو ما يؤكد أن هناك تغيرًا استراتيجيًّا قادمًا فيما يتعلق بالحقوق المائية لدول حوض النيل، فالدولة الجديدة تمثل إضافة جديدة لدول الحوض من حيث العدد مما يدفع لإعادة تشكيل حزمة جديدة من التعاملات بين الدول لن تجني مصر أو السودان أي ميزة، بل ستمثل ضغوطًا أكثر وتطويقًا لأي تحرك مصري وسوداني في هذا الاتجاه، ويجعل مصر محاصرة ورهن أي تطورات في ملف المياه، على الرغم من إعلانها مرارًا أنها لن تقف ضد الجنوبيين في حق تقرير المصير.
السياسات الدفاعية الواجبةأولاً: السياسات الخارجيةمصر هي أكثر الدول تأثرًا بقدوم دولة الجنوب، ومن ثم لا بد أن تكون حاضرة بصيغة متوازنة للمصالح المتبادلة حتى تجد الصدى الذي تريده وتأمله من الجديد القادم لا محالة ودون استئذان، كما عليها أن تقرأ واقع ما يحدث الآن من مسلك جنوبي لأنه سيساعدها في ترتيب أولوياتها في التعامل مع الواقع الجديد، ونقترح في هذا الشأن ما يلي:1- عدم اعتراف مصر بالدولة الجديدة المزمع إقامتها في جنوب السودان، أو بحكومتها مع عدم إقامة علاقات دبلوماسية معها إلا بالشروط الآتية:
أ.ألا تتجاوز حدود الدولة الشمالية نهر السوباط، وبمعنى آخر أن يكون نهر السوباط هو الخط الفاصل بين دولتي الشمال والجنوب، ومن ثم تخرج ولاية أعالي النيل (Upper Nile) من حدود الدولة الجديدة في جنوب السودان.
ب. اعتراف الدولة الجديدة بالحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل والالتزام باتفاقية نهر النيل الموقعة مع السودان عام 1959م.
ت. عدم الإخلال المطلق بنصيب مصر في مياه النيل الأبيض ونهر السوباط، على أن توزع حصة السودان من هذه الأنهار بين شطري السودان بما يتفق مع عدد السكان في كل شطر، أي بنسبة 21% لجنوب السودان، و79% لشمال السودان، دون اعتبار لمساحة كل شطر.
ث. تشكيل قوة عسكرية مشتركة فيما بين مصر وشمال السودان وجنوب السودان، تكون مهمتها حماية حقوق المياه لدول الممر والمصب، ويكون مركزها ولاية أعالي النيل.
ج. أن تلتزم حكومة جنوب السودان بكل الاتفاقيات الموقعة بين مصر والسودان فيما يخص زيادة موارد النيل الأبيض ونهر السوباط؛ من خلال استكمال مشروع قناة جونجلي الذي يغرض إلى استقطاب الفواقد من مياه النيل لحساب كل من مصر والسودان. وهو المشروع الذي يربط بحر الجبل عند مدينة بور بنهر السوباط عند التقائه بالنيل الأبيض قرب مدينة الملكال بطول 360 كيلومترًا، وقد قد تم تنفيذ أعمال الحفر لهذا المشروع بنسبة 70%، إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية بسبب الحرب بين الشمال والجنوب قد تسبب في تأجيل تنفيذ المشروع، كذلك الشروع فورًا في باقي المشروعات المائية المشتركة بين مصر والسودان، وأهمها مشروع مستنقعات مشار، ومشروع مستنقعات بحر الغزال ضمن المشروعات المقترحة التي تستهدف عائدًا بإجمالي 18 مليار متر مكعب.
2- تعديل الإستراتيجيات في السياسة المصرية الحالية تجاه السودان حكومةً وشعبًا؛ لذا يجب إعادة النظر في هذه السياسة واعتبار السودان بمثابة العمق الإستراتيجي للأمن القومي المصري، ومن ثم يجب على الحكومتين المصرية والسودانية الوقوف صفًّا واحدًاَ لمواجهة المؤامرات التي تهدد حياة الملايين من البشر في مصر والسودان.
كما يجب أن يتعدى التكامل المائي إلى التكامل الاقتصادي (التجاري والصناعي والزراعي والتعديني) والاجتماعي (التعليم والثقافة) في ظل سياسة أمنية مشتركة، ودفاع مشترك خارج نطاق اتفاقيات جامعة الدول العربية، وأن تسخر الحكومتان المصرية والسودانية كل طاقتيهما لتحقيق الأمن والسلام في باقي أقاليم السودان وخاصة إقليم دارفور من خلال إقامة المشروعات التعليمية والزراعية والثقافية والسكنية لسكان الإقليم، مع العمل على نشر الحريات وتعميم المساواة بين السكان ذوي الأصول أو الأديان المختلفة، وإقامة العدل وترسيخ الديمقراطية، حتى لا يتكرر في هذا الإقليم ما حدث في الجنوب، مع ضرورة اعتبار أي محاولة أخرى لتقسيم السودان بمثابة خط أحمر للأمن المصري القومي لا يجوز اجتيازه ويتم مقاومته بالقوة العسكرية.
وفي هذا الصدد نوصي بإقامة تكامل سياسي وإداري مرحلي فيما بين مصر والسودان، يتمثل في إقامة إقليم مشترك بين منطقة توشكى في جنوب مصر، والولاية الشمالية شمال السودان يتمتع بمزايا المناطق الحرة والتبادل التجاري والتكامل الزراعي والصناعات الزراعية، مع إقامة الطرق ووسائل النقل والانتقال السريع وتحديث البنية التحتية للمدن والقرى الواقعة في زمام هذا الإقليم المشترك، وتعديل قواعد التملك في الأراضي الزراعية شمال السودان والأراضي المستصلحة بمنطقة توشكى؛ بما يضمن تشجيع شباب المزارعين المصريين على الهجرة إلى هذا الإقليم والاستقرار به وتنميته وتطويره.
3- العمل على تحقيق التكامل المائي والزراعي بين مصر والسودان من جهة ودولة جنوب السودان من جهة أخرى في مواجهة آثار التغيرات المناخية حال إقرار حكومة جنوب السودان بالشروط المذكورة أعلاه، وذلك من خلال الترشيد المائي في الري والتكامل الزراعي بين الدول؛ فالزراعات التي ستضرر بجنوب السودان من جراء زيادة درجة الحرارة يمكن زراعتها في شمال السودان لحساب الجنوب، كما أن نقص المياه المحتمل يمكن تعويضه بتنفيذ المشروعات المائية المشتركة لزيادة حصتي مصر والسودان بشطريه من المياه المتسربة من النهر إلى الفروع المتشعبة في جنوب السودان، مع ترشيد الري والاستهلاك البشري.
كما يجب العمل على إقامة سوق مشترك للمحاصيل الإستراتيجية بين دول الممر والمصب من جهة ودول المنبع من جهة أخرى، وأن تكون الأولوية للتبادل التجاري في المحاصيل الزراعية لدول حوض النيل.
4- اعتبار أي عمل من جانب الحكومة الإثيوبية يكون من شأنه تقليص حصتي مصر وشمال السودان في مياه النيل الأزرق أو نهر عطبرة بما يؤدي إلى الإخلال بحياة، أو معيشة سكان مصر، أو السودان، أو كلاهما معًا؛ يعتبر بمثابة إعلان الحرب على كل من مصر والسودان.
وعلى الحكومتين المصرية والسودانية اتخاذ كافة الإجراءات الدبلوماسية على المستويات الدولية والعربية والإفريقية دون إسقاط الخيار العسكري في مواجهة أي عمل من جانب الحكومة الإثيوبية يكون من شأنه تقليص حصتي مصر، وشمال السودان في مياه النيل الأزرق، أو نهر عطبرة بما يؤدي إلى الإخلال بحياة أو معيشة سكان مصر أو السودان أو كلاهما معًا، ولو اقتضى الأمر حشد الملايين المسلحين من أفراد شعبي مصر والسودان للزحف نحو منابع النيل لحمايته من المؤامرات التي يحيكها الكيان الصهيوني في دول حوض النيل. وعلى إثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان أن يعلموا أن الاستقواء بأمريكا لن ينفعهم في شيء؛ فأمريكا خرجت من العراق وهي تجر أذيال الخيبة بسبب المقاومة الشعبية التي واجهتها في العراق، والتي أسقطت بدورها أطماع أمريكا في إعادة ترتيب المنطقة.
وها هي أمريكا تتلمس الاتفاق المهين مع طالبان في أفغانستان قبل سحب قواتها التي فشلت حتى الآن من أن تنال من المقاومة الأفغانية أو ترويض الشعب الأفغاني بعد مضى أكثر من 9 سنوات من الاحتلال لأفغانستان.
كما أن الكيان فشل في تحجيم المقاومة اللبنانية أو النيل منها منذ الحرب الأخيرة على لبنان وحتى الآن على الرغم من أن قوة المقاومة لا تتعدى بضعة آلاف مقاتل.
وعلى الجميع أن يعلم أن شعب مصر من أكثر الشعوب صبرًا وتسامحًا، إلا انه أقوى الشعوب عقيدة، وأعظمها بأسًا في الحروب على مر العصور، وأن الحكومة المصرية مهما اختلفت توجهاتها على استعداد لأن تقوم بكل المهام التي يحتمها عليها الواجب من أجل الدفاع عن أهم مصادر الحياة للشعب المصري وهو مياه نهر النيل.
5- العمل على إحياء الوجود المصري السياسي والتجاري والثقافي في دول أفريقيا عامة، ودول حوض النيل خاصة إلى ما كان عليه سابقًا لمقاومة الفراغ الذي شغله الكيان الصهيوني في هذه الدول، مع تشجيع الاستثمارات في دول حوض النيل، وتبادل الخبرات العلمية والاقتصادية، كذلك تشجيع دور الجامعة العربية في هذه الدول؛ حيث إن تأخر الدور العربي- كما تقول فاطمة دياب- كان عاملاً قويًّا لجعل ولاءات الدولة الوليدة في جنوب السودان وتحالفانها ليست عربية وربما انجذبت بعيدًا أكثر مما يتوقع الكثيرون، وهو ما سيؤدي حتمًا لوجود لاعبين جدد وبأجندات جديدة أيضًا للتدافع إلى المنطقة لاستكمال المخططات الأمريكيصهيونية.
ثانيًا: تعويض النقص المحتمل لموارد المياه العذبة1- زيادة موارد مياه نهر النيلوهو ما يعني زيادة حصة مصر من مياه النيل دون تأثير على باقي دول حوض النيل حال موافقة حكومة الدولة الوليدة في جنوب السودان على الالتزام بحقوق مصر والسودان في مياه النيل؛ وذلك من خلال استكمال المشروعات المائية المشتركة المتفق عليها سابقًا مع حكومة السودان بغرض تجميع الفاقد في مياه النيل الأبيض ونهر السوباط وهي كما ذكرنا:
أ. استكمال مشروع قناة جونجلي الذي يضيف عائدًا مجزيًا لكل من مصر والسودان يبلغ 7 مليارات مكعبة من الماء سنويًّا (على مرحلتين).
ب. الشروع فورًا في باقي المشروعات المائية المشتركة بين مصر والسودان وأهمها مشروع مستنقعات مشار الذي يحقق فوائد مائية قدرها 4 مليارات متر مكعب، ومشروع مستنقعات بحر الغزال الذي يضيف 7 مليارات متر مكعب أخرى ضمن المشروعات المقترحة بأعالي النيل التي تستهدف عائدًا بإجمالي 18 مليار متر مكعب، على أن يعاد توزيع نصيب السودان في هذا العائد وقدره 9 مليارات متر مكعب فيما بين الشمال والجنوب طبقًا لنسبة توزيع الحصة الأصلية للسودان من مياه النيل وقدرها 18,5 مليار متر مكعب بين شطري السودان بما يتفق مع عدد سكان كل شطر.
1- إعادة الاتزان لنهر النيل داخل الأراضي المصرية بغرض زيادة خصوبة الأرض الزراعية وحماية الدلتا من تقدم البحر، وتقليص الفاقد في مياه النهر في البحيرات جنوب مصر.
إن مصر تعاني اليوم وسوف تعاني مستقبلاً من سلبيات حجز طمي النيل خلف السد وأثره على خصوبة التربة الزراعية، وإضعاف الأحزمة الرملية التي تحيط بالدلتا من ناحية البحر؛ حيث تتضافر كل هذه السلبيات مع التغيرات المناخية التي سوف تجتاح العالم خلال هذا القرن لتلحق دمارًا واسعًا في شمال الدلتا المصرية يفوق الدمار الذي سوف يلحق بالسواحل الأخرى التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، بل يفوق الأضرار التي ستلحق بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فتوقف ضخ الطمي في نهر النيل قد ترتب عنه عدم تجديد الطبقة السطحية الصالحة للزراعة على طول مجرى نهر النيل شمال السد، فهذه الطبقة تتعرض للجفاف والنحر بفعل العوامل الجوية بمرور الوقت خاصة في أوقات الجفاف أو نقص مياه النهر، إلا أنه يتم ترطيبها وتقويتها بما يتم ترسيبه من الطمي سنويًّا.
فمنذ آلاف السنين ودلتا نهر النيل تتميز بخصوبتها حيث يثمر النهر رواسب غنية بالمواد المغذية للتربة التي تجعلها نموذجية للزراعة، وهذه الرواسب كانت تقدر قبل عام 1964م بنحو 111 مليار كيلو جرام سنويًّا، منها 93- 98% كان يصل إلى المصبات خلال مواسم الفيضان من يوليو إلى نوفمبر، وقبل إغلاق ممر النهر بالسد العالي بلغت حمولة النهر السنوية عام 1964م نحو 55 مليار متر مكعب منها 34 مليار متر مكعب خلال أشهر الفيضان، أما الآن ومنذ استكمال إنشاء السد العالي فقد أصبحت هذه الرواسب كمًّا مهملاً إذا ما قورنت بنحو 100 مليون طن متري من الغرين (الطمي) محفوظة خلف السد العالي سنويًّا.
وعلى الرغم من أن إنشاء السد العالي قد خلق بحيرة السد العالي التي تمتد نحو 270 كم جنوب السد، وأضافت البحيرة أرضًا جديدةً للزراعة نتيجة كمية المياه الكبيرة المخزونة، كما ازدهرت منها صناعة الصيد، إلا أنه لسوء التخطيط قد تسبب السد العالي في خلل كبير في ظروف البيئة في منخفضات النهر.
هذا الخلل يتلخص في بضع كلمات هي: خروج النظام النهري عن حالة الاتزان، فمن أهم الصدمات هو فقدان الدلتا للخصوبة نتيجة فقدان النهر لحمولته السنوية المعتادة، مما دفع الفلاحين إلى استخدام المخصبات الصناعية والتي بدأت بدورها في التسرب خلال التربة، كما لم يعد النهر قادرًا على غسل مجراه نتيجة النقص الشديد في كمية المياه في المجرى، فبحيرة السد العالي قد حجزت واختزلت كمية المياه الطبيعية التي يحملها النهر عادة؛ حيث يطلق السد حاليًا نحو 25% من حمولته من المياه مقارنًا بما كان عليه الحال قبل إنشائه؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة نسبة ملوحة المياه في الدلتا نتيجة نقص كمية المياه.
وقد ترتب عن ذلك ظهور مشاكل في كميات المياه المخصصة للشرب في الدلتا، كما أن نقص المياه قد أدى إلى مشاكل في نظم الري نتيجة عدم وصول المياه إلى نهايات الترع المتفرعة من النهر؛ بسبب عدم وجود قوة دفع للمياه للنقص الحاد في كمية المياه التي تضخ في النهر بعد إنشاء السد، كذلك زادت كمية التلوث حيث إن المياه المتدفقة في مجرى النهر قبل إنشاء السد كانت كفيلة بتطهير المجرى من الملوثات.
كما أن حرمان الدلتا من رواسب النهر قد تسبب في تعريض الساحل الشمالي للدلتا للنحر البحري، بفعل الأمواج مما أدى إلى اختفاء لسان رشيد وتقلص لسان دمياط، وتهالك الأحزمة الرملية التي تعزل البحر عن البحيرات الشمالية (البرلس والمنزلة). وقد أثبت المسح الطوبوغرافي في الدراسة الحالية أن الأحزمة الرملية على طول ساحل الدلتا قد انهارت في كثير من المواقع نتيجة الهجرة المستمرة للكثبان الرملية في اتجاه جنوب شرق، دون أن يعوض ذلك ترسيب كثبان جديدة كما كان عليه الحال قبل إنشاء السد العالي؛ مما يهدد بغزو مياه البحر لشمال الدلتا بمجرد ارتفاع منسوب سطح البحر بأي مقدار.
ومن المعلوم أن الدلتا تهبط سنويًّا عند أطرافها بمعدلات تتراوح بين 3 مليمترات غربًا و5 مليمترات شرقًا، وأن الرواسب التي كانت تعوض هذا الهبوط جزئيًّا، وتحول دون بغيان البحر على الساحل قد توقفت تمامًا منذ إنشاء السد العالي.
إن إعادة النظام النهري لحالة الاتزان هو ضرورة قومية تستوجبها مصلحة الجيل الحالي والأجيال القادمة في مصر لما سوف يحققه من وقف تدهور خصوبة الأرض الزراعية في وادي النيل والدلتا، والحد من النحر البحري لشواطئ الدلتا، من خلال بناء دفاعات طبيعية أمام ساحل الدلتا.
وهذا الأمر لا يمكن إتمامه إلا من خلال إعادة ضخ حمولة نهر النيل من الطمي أمام السد العالي بأسوان، وهو ما يعني إعادة تقييم سلبيات السد العالي واقتراح أنسب الحلول للقضاء على هذه السلبيات، وهذا يستوجب تشكيل لجنة عليا من خبراء الري والزراعة والبيئة والجيولوجيا والسدود والطاقة المائية والإنشاءات الهندسية لبحث كيفية إعادة ضخ مياه النيل إلى مجرى وادي النيل أمام السد العالي بدلاً من حجزه خلف السد، وإعادة معدلات تدفق المياه داخل مجرى النهر إلى ما كانت عليه قبل إنشاء السد العالي، وهو أمر ليس بالهين وإنما تستوجبه المصلحة العليا والقومية لشعب مصر والأجيال القادمة.
ويتطلب ذلك وضع الحلول الفنية والهندسية لمعالجة أربع مشاكل رئيسية:أ. مشكلة افتقار نهر النيل والدلتا إلى الطمي بعد توقف ضخ حمولة النيل في وادي النيل عند أسوان منذ إنشاء السد العالي حتى الآن؛ الأمر الذي أدى إلى فقدان خصوبة الأرض الزراعية في وادي النيل والدلتا، وتعرض سواحل الدلتا للنحر البحري وتهالك الأحزمة الرملية المحيطة بهذه السواحل، مع عدم تعويض الهبوط المستمر للدلتا عند المصبات؛ مما ساهم في تهيئة الدلتا للغزو البحري المتوقع خلال القرن الواحد والعشرين بسبب زيادة درجة حرارة الكوكب وما يتبعه من ارتفاع منسوب سطح البحر.
ب. مشكلة تقلص كمية المياه المندفعة في مجرى نهر النيل، وبطء سرعة النهر خلال معظم شهور السنة؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة نسبة ملوحة المياه في الدلتا نتيجة نقص المياه، وظهور مشاكل في كميات المياه المخصصة للشرب، واختلال أنظمة الري، وزيادة كمية التلوث في مياه النهر، وتركيز قواقع البلهارسيا وانتشار الطفيليات في التربة ومياه النهر، كل ذلك بسبب عدم قدرة النظام النهري الراهن على غسل المجرى.
ت. تراكم طمي النيل على قيعان بحيرة السد العالي في صورة جبال تحت سطحية تمتد على طول البحيرة، والتحرك المستمر لهذه الجبال الرملية والطينية صوب الجنوب؛ مما يهدد بإغلاق الممر المائي لنهر النيل القادم من السودان، أو التفرع القهري لنهر النيل حول تلال الطمي عند مدخل بحيرة السد.
ث. الفاقد المستمر نتيجة التبخير من مياه بحيرة السد (5250 كم²) والبحيرات المستجدة (1800 كم²) التي نشأت نتيجة التصرف في المياه الزائدة في البحيرة عبر مفيض توشكى، والذي يقدر بنحو 10 مليارات متر مكعب سنويًّا قابلة للزيادة خلال العقود القادمة؛ بسبب ارتفاع معدلات التبخير نتيجة الارتفاع العالمي المتيقن في درجة حرارة الأرض؛ الأمر الذي يهدد بجفاف البحيرات المستجدة، وانخفاض منسوب المياه في البحيرة.
إن إعادة ضخ حمولة النهر في وادي النيل والدلتا يستوجب إنشاء قناة تحويلية جديدة جنوب بحيرة السد العالي تمتد شمالاً بمحاذاة البحيرة لتصب في الجزء الواقع بين السد العالي وخزان أسوان، وهذه القناة تسمح بمرور المياه بحمولتها كاملة من الجنوب إلى الشمال على أن يقوم خزان أسوان بنفس الدور الذي كان يقوم به قبل إنشاء السد العالي، أما استمرار بحيرة السد في استقبال فائض المياه فيستوجب إنشاء جسر يتحرك عموديًّا أو سد يسمح بالتحكم في القناة التحويلية الجديدة بحيث يمكن تحويل الماء السطحي الزائد عن منسوب سطح القناة دون حمولته إلى بحيرة السد، مع عدم الإخلال بسريان الماء السفلى بحمولته في القناة التحويلية الجديدة.
كما يسمح هذا الجسر المتحرك أو السد بإغلاق مدخل بحيرة السد حال ارتفاع منسوب سطح البحيرة إلى الحد الخطر، بينما يستمر اندفاع المياه بحمولتها في القناة التحويلية، وهذا الإجراء سوف يحول دون تبديد المياه الزائدة عن حدود البحيرة عبر مفيض توشكى.
والادعاء بأن زيادة معدلات تدفق مياه النهر أمام السد العالي قد يتسبب في إغراق بعض الأراضي الزراعية في جنوب الوادي خلال موسم الفيضان مردود بأن هذا الإغراق محدود ومحمود، فهو إغراق قصير الأمد، محدود الزمن (لا يتجاوز 45 يومًا)، وهو إغراق بمياه عذبة تزيد الأرض خصوبة، وتنعش الحياة الاقتصادية والزراعية، وتجدد المياه الجوفية، وتحمي شواطئ الدلتا من اجتياح البحر، بينما إغراق شمال الدلتا بمياه البحر يزيد الأرض ملوحة ويدمر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والزراعية والمياه الجوفية والثروة السمكية، وهو طويل الأمد، غير محدود المدة، قد يستغرق بضعة مئات من السنين.
كما أن مصر اليوم ليست كمصر قبل إنشاء السد العالي، فالأراضي الزراعية تضاعفت وتحتاج إلى تجديد سنوي لخصوبة الأرض، ونظم الري تطورت، وهناك العشرات من الترع الجديدة التي يمكن أن تستوعب أي زيادة في كمية مياه النيل، وآلاف الأفدنة الزراعية بالوادي الجديد والدلتا لا تستقبل ما يكفيها من مياه الري.
والأمر متروك للخبراء في تحديد موقع ومنشأ القناة التحويلية، وكيفية التحكم في المياه بما لا يخل بسريان حمولة النهر وسرعته أمام السد العالي، مع تخزين الفائض من مياه النهر بدون حمولته من الطمي خلف السد العالي.
2- تحلية مياه البحرلا سبيل لزيادة هذه المصادر في ظل الفقر المائي الذي ستتعرض له مصر كنتيجة لزيادة عدد السكان من ناحية، والنقص المحتمل في الموارد المائية المتاحة حاليًا بسبب الزيادة المستمرة في درجات الحرارة وما يلحقها من تغييرات في النظام المناخي للأرض من ناحية أخرى، إلا بتحلية مياه البحر، وترشيد استخدام مياه الشرب والري.
وعلى الرغم من أن تحلية مياه البحر أكثر كلفة من غيرها، إلا أنها السبيل الوحيد أمام الإنسانية لمواجهة النقص المحتمل لمصادر المياه العذبة بفعل التغيرات المناخية، وخاصة في الدول الواقعة على خطوط العرض المنخفضة (الاستوائية وشبه الاستوائية والمعتدلة).
لذا يوصي التقرير الثالث والرابع للهيئة الحكومية الدولية بضرورة قيام الدول الساحلية المهددة بأخطار التغيرات المناخية بالتوسع في إنشاء مشروعات تحلية مياه البحر.
والواقع أن مصر في هذا المجال تعتبر من أقل الدول العربية استغلالاً لسواحلها، على الرغم من أن مصر يحدها سواحل مطلة على كل من البحر الأحمر وخليج السويس والبحر الأبيض المتوسط بطول يزيد عن 3500 كيلومتر، فدولة الإمارات العربية التي لا يتجاوز عدد سكانها 4,25 ملايين نسمة بها أكبر محطة تحلية في العالم وهي محطة جبل على التي تبلغ طاقتها 820 ألف متر مكعب/ يوميًّا (300 مليون متر مكعب/ سنويًّا)، بينما في مصر التي يقترب عدد سكانها من الثمانين مليون نسمة يوجد عدد قليل من محطات التحلية المحلية ذات طاقات محدودة على طول ساحل البحر الأحمر وخليج العقبة وشمال سيناء وغرب مرسى مطروح- لا تتجاوز طاقتها جميعًا 72 ألف متر مكعب/ يوميًّا (هذا بافتراض الانتهاء من إنشاء المحطات الجديدة المدرجة في آخر خطة خمسية للجهاز المركزي للتعمير حتى 2007)، أي أقل من عشر ما تنتجه دولة الإمارات.
وهذه الكمية موزعة توزيعًا عشوائيًّا على السواحل، حيث يختص ساحل خليج العقبة بنصيب الأسد من مشروعات التحلية بطاقة إجمالية 40000 متر مكعب/ يوميًّا (نحو 14.6 مليون متر مكعب/ سنويًّا) يتم إنتاجها من محطات التحلية في شرم الشيخ (10000 متر مكعب/ يوميًّا)، راس نصراني (2000 متر مكعب ومخطط زيادتها إلى 8000 متر/ يوميًّا)، ذهب (5000 متر مكعب/ يوميًّا)، نوبيع (5000 ومخطط زيادتها إلى 10000 متر مكعب/ يوميًّا) وطابا (7000 متر مكعب/ يوميًّا). بينما لا تتجاوز الطاقة الإجمالية التي تنتجها محطات التحلية في مدن ساحل البحر الأحمر عن 6100 متر مكعب/ يوميًّا موزعة على 15 محطة من الغردقة شمالاً إلى شلاتين جنوبًا، مع العلم بأن عدد سكان هذه المدن يربو على عشرة أضعاف سكان خليج العقبة يسكنون مدنًا كبيرةً مثل رأس غارب والغردقة وسفاجا والقصير ومرسى علم وشلاتين وحلايب. أما شمال سيناء فلا يحتوي إلا محطة واحدة في نبق بطاقة 12000 متر مكعب/ يوميًّا, وجارٍ استكمال 6 محطات محلية غرب مرسى مطروح بطاقة إجمالية 15000 متر مكعب/ يوميًّا.
وفي هذا الصدد نقترح ما يلي:أ- بناء محطتين عملاقتين لتحلية مياه البحر بطاقة 80000 متر مكعب/ يوميًّا لكل محطة في شمال الصحراء الغربية:
المحطة الأولى تستمد طاقتها من المفاعل النووي المزمع إنشاؤه على الساحل الشمالي، وأن يقتصر الماء النقي الناتج من هذه المحطة على تغذية المدن الواقعة على الساحل الشمالي لمحافظة مطروح.
والمحطة الثانية فنقترح إنشاءها في الجزء الشرقي لمنخفض القطارة في حالة تنفيذ مشروع توصيل مياه البحر إلى المنخفض (انظر السياسات الدفاعية غير التقليدية)؛ وذلك لتغذية مياه الشرب للقرى السياحية التي ستنشأ على شواطئ بحيرة المنخفض، وتستمد هذه المحطة طاقتها من الكهرباء المتولدة من استغلال الفرق بين منسوب المياه في القناة الموصلة للمنخفض ومنسوب المياه في المنخفض.
ب- زيادة عدد محطات التحلية على ساحل البحر الأحمر بإجمالي طاقة لا يقل عن إجمالي طاقة محطات التحلية في خليج العقبة (40 ألف متر مكعب يوميًّا)، بما يضمن كفاية المدن الواقعة على طول الساحل حتى حلايب جنوبًا، ولتخفيف الضغط على سحب مياه الشرب من وادي النيل إلى الساحل.
ت- إلزام القرى السياحية على البحر الأحمر (والساحل الشمالي للصحراء الغربية) بإنشاء محطات تحلية محلية بطاقة تتراوح بين 500 إلى 2000 متر مكعب/ يوميًّا بما يتناسب مع مساحة القرية، وعدد سكانها وخدماتها، فمشروعات تحلية البحر الخاصة هي مشروعات ناجحة اقتصاديًّا، وعائدها مجزٍ وهي تخفف عن كاهل الحكومة الاقتصادي، فتكلفة قدرها 1.5- 2 دولار لتنقية المتر الواحد من مياه البحر لا تعد كبيرة بالنسبة لسكان القرى السياحية ومرتاديها.
ث- استحداث تكنولوجيا جديدة لري الأراضي الرملية الساحلية بمياه البحر بعد تحليتها، وبما لا يتجاوز 10% من معدلات الري الحالية. وهي تكنولوجيا حديثة تعمل على توفير مياه الري من خلال دورات الري المغلقة بما لا يسمح بوجود فاقد في المياه، وتعتمد أساسًا على الماء المحلى من مياه البحر.
ويمكن استغلالها في حماية الكثبان الرملية التي تشكل الأحزمة الفاصلة بين البحر والدلتا، علاوة على أي مساحات أرضية رملية قريبة من السواحل. وهذه التكنولوجيا قد تمت تجربتها على مقياس صغير وجارٍ تجربتها على مقياس أكبر بمغرفة فريق من مهندسي التحلية والزراعة بالاشتراك مع الكاتب، وسيعلن عنها قريبًا.
3- تخزين مياه الأمطارنظرًا لأن زيادة معدلات التبخير هي الحقيقة الثابتة لزيادة الاحترار العالمي فإنه من المنتظر أن تزداد هذه المعدلات في المناطق القاحلة وشبه القاحلة في أفريقيا أكثر منها في المناطق المعتدلة على ساحل البحر الأبيض. لذا فإن تخزين مياه الأمطار الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط قد يعوض جزءًا من المياه المفقودة بالتبخير في دول حوض النيل، ومن بينها السودان وجنوب مصر.
وتخزين مياه الأمطار هي سياسة ثابتة في كل دول شمال أفريقيا المطلة على البحر الأبيض فيما عدا مصر؛ فدولة المغرب مثلاً .
شبكة المعلومات الدولية -
أستاذ دكتور/ خالد عبد القادر عودةأستاذ الجيولوجيا المتفرغ بقسم الجيولوجيا- كلية العلوم - جامعة أسيوطويحذر التقرير من أنه بانتصاف القرن الحادي والعشرين سوف تزداد الحاجة إلى المياه العذبة، ويقل سريان الأنهار في المناطق الجافة حول خطوط العرض المتوسطة والاستوائية، كما ستعاني كثير من المناطق شبه القارية حول حوض البحر الأبيض المتوسط، وغرب الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وشمال شرق البرازيل- من تدني مصادر المياه نتيجة للتغيرات المناخية.
وعلى النقيض من ذلك فإن السيول والفيضانات الحادة خلال نفس العام والتي تعد الأسوأ منذ نحو 80 عامًا تركزت غالبًا في الدول التي تقع على خطوط العرض المنخفضة فيما بين خط الاستواء وخط عرض 30 في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
ويلاحظ أن مجرى النيل الأزرق فيما بين حدود إثيوبيا ومدينة الخرطوم يتميز بضيقه الشديد؛ على الرغم من عمقه الكبير بالنسبة للنيل الأبيض.
وبتوقف مشروع قناة جونجلي وعدم الشروع في مشروعات المستنقعات بمشار وبحر الغزال يظل مشروع توشكى غير ذي جدوى اقتصادية، إذ أنه يستهلك نحو 10% من الحصة المقررة لمصر من مياه النيل دون إمدادات جديدة؛ وذلك على حساب احتياجات الأرض الزراعية في الوادي والدلتا.
أ.ألا تتجاوز حدود الدولة الشمالية نهر السوباط، وبمعنى آخر أن يكون نهر السوباط هو الخط الفاصل بين دولتي الشمال والجنوب، ومن ثم تخرج ولاية أعالي النيل (Upper Nile) من حدود الدولة الجديدة في جنوب السودان.
ب. اعتراف الدولة الجديدة بالحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل والالتزام باتفاقية نهر النيل الموقعة مع السودان عام 1959م.
ت. عدم الإخلال المطلق بنصيب مصر في مياه النيل الأبيض ونهر السوباط، على أن توزع حصة السودان من هذه الأنهار بين شطري السودان بما يتفق مع عدد السكان في كل شطر، أي بنسبة 21% لجنوب السودان، و79% لشمال السودان، دون اعتبار لمساحة كل شطر.
ث. تشكيل قوة عسكرية مشتركة فيما بين مصر وشمال السودان وجنوب السودان، تكون مهمتها حماية حقوق المياه لدول الممر والمصب، ويكون مركزها ولاية أعالي النيل.
ج. أن تلتزم حكومة جنوب السودان بكل الاتفاقيات الموقعة بين مصر والسودان فيما يخص زيادة موارد النيل الأبيض ونهر السوباط؛ من خلال استكمال مشروع قناة جونجلي الذي يغرض إلى استقطاب الفواقد من مياه النيل لحساب كل من مصر والسودان. وهو المشروع الذي يربط بحر الجبل عند مدينة بور بنهر السوباط عند التقائه بالنيل الأبيض قرب مدينة الملكال بطول 360 كيلومترًا، وقد قد تم تنفيذ أعمال الحفر لهذا المشروع بنسبة 70%، إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية بسبب الحرب بين الشمال والجنوب قد تسبب في تأجيل تنفيذ المشروع، كذلك الشروع فورًا في باقي المشروعات المائية المشتركة بين مصر والسودان، وأهمها مشروع مستنقعات مشار، ومشروع مستنقعات بحر الغزال ضمن المشروعات المقترحة التي تستهدف عائدًا بإجمالي 18 مليار متر مكعب.
2- تعديل الإستراتيجيات في السياسة المصرية الحالية تجاه السودان حكومةً وشعبًا؛ لذا يجب إعادة النظر في هذه السياسة واعتبار السودان بمثابة العمق الإستراتيجي للأمن القومي المصري، ومن ثم يجب على الحكومتين المصرية والسودانية الوقوف صفًّا واحدًاَ لمواجهة المؤامرات التي تهدد حياة الملايين من البشر في مصر والسودان.
كما يجب أن يتعدى التكامل المائي إلى التكامل الاقتصادي (التجاري والصناعي والزراعي والتعديني) والاجتماعي (التعليم والثقافة) في ظل سياسة أمنية مشتركة، ودفاع مشترك خارج نطاق اتفاقيات جامعة الدول العربية، وأن تسخر الحكومتان المصرية والسودانية كل طاقتيهما لتحقيق الأمن والسلام في باقي أقاليم السودان وخاصة إقليم دارفور من خلال إقامة المشروعات التعليمية والزراعية والثقافية والسكنية لسكان الإقليم، مع العمل على نشر الحريات وتعميم المساواة بين السكان ذوي الأصول أو الأديان المختلفة، وإقامة العدل وترسيخ الديمقراطية، حتى لا يتكرر في هذا الإقليم ما حدث في الجنوب، مع ضرورة اعتبار أي محاولة أخرى لتقسيم السودان بمثابة خط أحمر للأمن المصري القومي لا يجوز اجتيازه ويتم مقاومته بالقوة العسكرية.
3- العمل على تحقيق التكامل المائي والزراعي بين مصر والسودان من جهة ودولة جنوب السودان من جهة أخرى في مواجهة آثار التغيرات المناخية حال إقرار حكومة جنوب السودان بالشروط المذكورة أعلاه، وذلك من خلال الترشيد المائي في الري والتكامل الزراعي بين الدول؛ فالزراعات التي ستضرر بجنوب السودان من جراء زيادة درجة الحرارة يمكن زراعتها في شمال السودان لحساب الجنوب، كما أن نقص المياه المحتمل يمكن تعويضه بتنفيذ المشروعات المائية المشتركة لزيادة حصتي مصر والسودان بشطريه من المياه المتسربة من النهر إلى الفروع المتشعبة في جنوب السودان، مع ترشيد الري والاستهلاك البشري.
4- اعتبار أي عمل من جانب الحكومة الإثيوبية يكون من شأنه تقليص حصتي مصر وشمال السودان في مياه النيل الأزرق أو نهر عطبرة بما يؤدي إلى الإخلال بحياة، أو معيشة سكان مصر، أو السودان، أو كلاهما معًا؛ يعتبر بمثابة إعلان الحرب على كل من مصر والسودان.
كما أن الكيان فشل في تحجيم المقاومة اللبنانية أو النيل منها منذ الحرب الأخيرة على لبنان وحتى الآن على الرغم من أن قوة المقاومة لا تتعدى بضعة آلاف مقاتل.
5- العمل على إحياء الوجود المصري السياسي والتجاري والثقافي في دول أفريقيا عامة، ودول حوض النيل خاصة إلى ما كان عليه سابقًا لمقاومة الفراغ الذي شغله الكيان الصهيوني في هذه الدول، مع تشجيع الاستثمارات في دول حوض النيل، وتبادل الخبرات العلمية والاقتصادية، كذلك تشجيع دور الجامعة العربية في هذه الدول؛ حيث إن تأخر الدور العربي- كما تقول فاطمة دياب- كان عاملاً قويًّا لجعل ولاءات الدولة الوليدة في جنوب السودان وتحالفانها ليست عربية وربما انجذبت بعيدًا أكثر مما يتوقع الكثيرون، وهو ما سيؤدي حتمًا لوجود لاعبين جدد وبأجندات جديدة أيضًا للتدافع إلى المنطقة لاستكمال المخططات الأمريكيصهيونية.
ثانيًا: تعويض النقص المحتمل لموارد المياه العذبة1- زيادة موارد مياه نهر النيلوهو ما يعني زيادة حصة مصر من مياه النيل دون تأثير على باقي دول حوض النيل حال موافقة حكومة الدولة الوليدة في جنوب السودان على الالتزام بحقوق مصر والسودان في مياه النيل؛ وذلك من خلال استكمال المشروعات المائية المشتركة المتفق عليها سابقًا مع حكومة السودان بغرض تجميع الفاقد في مياه النيل الأبيض ونهر السوباط وهي كما ذكرنا:
أ. استكمال مشروع قناة جونجلي الذي يضيف عائدًا مجزيًا لكل من مصر والسودان يبلغ 7 مليارات مكعبة من الماء سنويًّا (على مرحلتين).
ب. الشروع فورًا في باقي المشروعات المائية المشتركة بين مصر والسودان وأهمها مشروع مستنقعات مشار الذي يحقق فوائد مائية قدرها 4 مليارات متر مكعب، ومشروع مستنقعات بحر الغزال الذي يضيف 7 مليارات متر مكعب أخرى ضمن المشروعات المقترحة بأعالي النيل التي تستهدف عائدًا بإجمالي 18 مليار متر مكعب، على أن يعاد توزيع نصيب السودان في هذا العائد وقدره 9 مليارات متر مكعب فيما بين الشمال والجنوب طبقًا لنسبة توزيع الحصة الأصلية للسودان من مياه النيل وقدرها 18,5 مليار متر مكعب بين شطري السودان بما يتفق مع عدد سكان كل شطر.
1- إعادة الاتزان لنهر النيل داخل الأراضي المصرية بغرض زيادة خصوبة الأرض الزراعية وحماية الدلتا من تقدم البحر، وتقليص الفاقد في مياه النهر في البحيرات جنوب مصر.
إن مصر تعاني اليوم وسوف تعاني مستقبلاً من سلبيات حجز طمي النيل خلف السد وأثره على خصوبة التربة الزراعية، وإضعاف الأحزمة الرملية التي تحيط بالدلتا من ناحية البحر؛ حيث تتضافر كل هذه السلبيات مع التغيرات المناخية التي سوف تجتاح العالم خلال هذا القرن لتلحق دمارًا واسعًا في شمال الدلتا المصرية يفوق الدمار الذي سوف يلحق بالسواحل الأخرى التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، بل يفوق الأضرار التي ستلحق بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فتوقف ضخ الطمي في نهر النيل قد ترتب عنه عدم تجديد الطبقة السطحية الصالحة للزراعة على طول مجرى نهر النيل شمال السد، فهذه الطبقة تتعرض للجفاف والنحر بفعل العوامل الجوية بمرور الوقت خاصة في أوقات الجفاف أو نقص مياه النهر، إلا أنه يتم ترطيبها وتقويتها بما يتم ترسيبه من الطمي سنويًّا.
ب. مشكلة تقلص كمية المياه المندفعة في مجرى نهر النيل، وبطء سرعة النهر خلال معظم شهور السنة؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة نسبة ملوحة المياه في الدلتا نتيجة نقص المياه، وظهور مشاكل في كميات المياه المخصصة للشرب، واختلال أنظمة الري، وزيادة كمية التلوث في مياه النهر، وتركيز قواقع البلهارسيا وانتشار الطفيليات في التربة ومياه النهر، كل ذلك بسبب عدم قدرة النظام النهري الراهن على غسل المجرى.
ت. تراكم طمي النيل على قيعان بحيرة السد العالي في صورة جبال تحت سطحية تمتد على طول البحيرة، والتحرك المستمر لهذه الجبال الرملية والطينية صوب الجنوب؛ مما يهدد بإغلاق الممر المائي لنهر النيل القادم من السودان، أو التفرع القهري لنهر النيل حول تلال الطمي عند مدخل بحيرة السد.
ث. الفاقد المستمر نتيجة التبخير من مياه بحيرة السد (5250 كم²) والبحيرات المستجدة (1800 كم²) التي نشأت نتيجة التصرف في المياه الزائدة في البحيرة عبر مفيض توشكى، والذي يقدر بنحو 10 مليارات متر مكعب سنويًّا قابلة للزيادة خلال العقود القادمة؛ بسبب ارتفاع معدلات التبخير نتيجة الارتفاع العالمي المتيقن في درجة حرارة الأرض؛ الأمر الذي يهدد بجفاف البحيرات المستجدة، وانخفاض منسوب المياه في البحيرة.
إن إعادة ضخ حمولة النهر في وادي النيل والدلتا يستوجب إنشاء قناة تحويلية جديدة جنوب بحيرة السد العالي تمتد شمالاً بمحاذاة البحيرة لتصب في الجزء الواقع بين السد العالي وخزان أسوان، وهذه القناة تسمح بمرور المياه بحمولتها كاملة من الجنوب إلى الشمال على أن يقوم خزان أسوان بنفس الدور الذي كان يقوم به قبل إنشاء السد العالي، أما استمرار بحيرة السد في استقبال فائض المياه فيستوجب إنشاء جسر يتحرك عموديًّا أو سد يسمح بالتحكم في القناة التحويلية الجديدة بحيث يمكن تحويل الماء السطحي الزائد عن منسوب سطح القناة دون حمولته إلى بحيرة السد، مع عدم الإخلال بسريان الماء السفلى بحمولته في القناة التحويلية الجديدة.
كما يسمح هذا الجسر المتحرك أو السد بإغلاق مدخل بحيرة السد حال ارتفاع منسوب سطح البحيرة إلى الحد الخطر، بينما يستمر اندفاع المياه بحمولتها في القناة التحويلية، وهذا الإجراء سوف يحول دون تبديد المياه الزائدة عن حدود البحيرة عبر مفيض توشكى.
والأمر متروك للخبراء في تحديد موقع ومنشأ القناة التحويلية، وكيفية التحكم في المياه بما لا يخل بسريان حمولة النهر وسرعته أمام السد العالي، مع تخزين الفائض من مياه النهر بدون حمولته من الطمي خلف السد العالي.
2- تحلية مياه البحرلا سبيل لزيادة هذه المصادر في ظل الفقر المائي الذي ستتعرض له مصر كنتيجة لزيادة عدد السكان من ناحية، والنقص المحتمل في الموارد المائية المتاحة حاليًا بسبب الزيادة المستمرة في درجات الحرارة وما يلحقها من تغييرات في النظام المناخي للأرض من ناحية أخرى، إلا بتحلية مياه البحر، وترشيد استخدام مياه الشرب والري.
وعلى الرغم من أن تحلية مياه البحر أكثر كلفة من غيرها، إلا أنها السبيل الوحيد أمام الإنسانية لمواجهة النقص المحتمل لمصادر المياه العذبة بفعل التغيرات المناخية، وخاصة في الدول الواقعة على خطوط العرض المنخفضة (الاستوائية وشبه الاستوائية والمعتدلة).
ب- زيادة عدد محطات التحلية على ساحل البحر الأحمر بإجمالي طاقة لا يقل عن إجمالي طاقة محطات التحلية في خليج العقبة (40 ألف متر مكعب يوميًّا)، بما يضمن كفاية المدن الواقعة على طول الساحل حتى حلايب جنوبًا، ولتخفيف الضغط على سحب مياه الشرب من وادي النيل إلى الساحل.
ت- إلزام القرى السياحية على البحر الأحمر (والساحل الشمالي للصحراء الغربية) بإنشاء محطات تحلية محلية بطاقة تتراوح بين 500 إلى 2000 متر مكعب/ يوميًّا بما يتناسب مع مساحة القرية، وعدد سكانها وخدماتها، فمشروعات تحلية البحر الخاصة هي مشروعات ناجحة اقتصاديًّا، وعائدها مجزٍ وهي تخفف عن كاهل الحكومة الاقتصادي، فتكلفة قدرها 1.5- 2 دولار لتنقية المتر الواحد من مياه البحر لا تعد كبيرة بالنسبة لسكان القرى السياحية ومرتاديها.
ث- استحداث تكنولوجيا جديدة لري الأراضي الرملية الساحلية بمياه البحر بعد تحليتها، وبما لا يتجاوز 10% من معدلات الري الحالية. وهي تكنولوجيا حديثة تعمل على توفير مياه الري من خلال دورات الري المغلقة بما لا يسمح بوجود فاقد في المياه، وتعتمد أساسًا على الماء المحلى من مياه البحر.
ويمكن استغلالها في حماية الكثبان الرملية التي تشكل الأحزمة الفاصلة بين البحر والدلتا، علاوة على أي مساحات أرضية رملية قريبة من السواحل. وهذه التكنولوجيا قد تمت تجربتها على مقياس صغير وجارٍ تجربتها على مقياس أكبر بمغرفة فريق من مهندسي التحلية والزراعة بالاشتراك مع الكاتب، وسيعلن عنها قريبًا.
3- تخزين مياه الأمطارنظرًا لأن زيادة معدلات التبخير هي الحقيقة الثابتة لزيادة الاحترار العالمي فإنه من المنتظر أن تزداد هذه المعدلات في المناطق القاحلة وشبه القاحلة في أفريقيا أكثر منها في المناطق المعتدلة على ساحل البحر الأبيض. لذا فإن تخزين مياه الأمطار الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط قد يعوض جزءًا من المياه المفقودة بالتبخير في دول حوض النيل، ومن بينها السودان وجنوب مصر.
وتخزين مياه الأمطار هي سياسة ثابتة في كل دول شمال أفريقيا المطلة على البحر الأبيض فيما عدا مصر؛ فدولة المغرب مثلاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق