سـلبيـات الـتـصـامـيم الـعـمـرانيـة و تحسينها *
Design Disadvantage and Design Improvement
Design Disadvantage and Design Improvement
بقلم ألـس كـولمـان
ترجمة
أستاذ الجغرافيا الاجتماعية أ.د. مـضـر خـليل العـمر
جامعة لـنـدن جغرافيا - تربية - تكريت
أستاذ الجغرافيا الاجتماعية أ.د. مـضـر خـليل العـمر
جامعة لـنـدن جغرافيا - تربية - تكريت
الـمــقـــدمـــــة
في كتاب " المدينة الفاضـلة في الاختبار Utopia on Trial " الذي شمل دراسة اكثر من اربعة الاف منزل ومثلها مجموعـات شقق سـكنية (بلوكات) ، أشـير الى ألأثر السلبي لبعـض التصاميم العمرانية على العائلة و وحدتها وما قد يؤدي ، في النهاية ،الى تفكك الاسرة و وضع ابنائها تحت رعاية الدولة . كذلك ، أشير الى اثـرهـا عـلى تدني المستوى البيـئي برمي الازبال و النفايات وتخريب المرافق العامة واتلافها والاستخلاء بها وغيرها . اضافة الى ذلك ، فانها تهـيء فرصـا لارتكاب الجرائم و الممارسات المرفوضة اجـتماعـيا . وقد توفرت في الوقت الراهـن معلومات تفصيلية عن الجريمة وعن اثر التصاميم العمرانية و المعمارية على الاطفال في مراحل تنشئتهم الاولى وتوجيه تفكيرهم وسلوكهم لاحقا .
يتطور الاسكان في بريطانيا ، ويستجيب ببطىء الى مختلف العوامل ، بما فيها احجام المستقرات البشرية . فالتصـاميم التي توفر الأمان في المستقرات الصـغـيرة الحـجـم ، حيث يعرف السكان بعضـهم البعض ، غـير كافية في ضـواحي المستقرات الكبيرة حيث يتجمع الغرباء و تبرز ظـواهـر جـديدة . وقد تتوج التطور السكني في بريطانيا بتصـميم الدور الثنائية التجاور Semi-Detached خلال عـقد الثلاثينات . وتبـعـتها سـيطرة المخططين دون انتباه الى التاثيرات النفسية للتصـاميم العمرانية واهـمال اثر الانتقال المفاجىء من مساكن الى شـقق في عـمارات مع اناس يلتقى بهم ، في الغالب ، لأول مرة .
تبدأ جميع المناطق السـكنية حديثة العمران بدرجة من مجهولية ساكنيها لبعضهم البعض ، ثم يبدأ تعارفهم ويشكلوا مع الزمن مجـتمعا محليا . وبما أن نمط الدور ثنائية التجاور يسهل عـملية التعارف لذا اصبح مقبولا ومفضلا خلال مدة زمنية قصيرة ، بينما لايزال طراز العديد من العمارات السكنية مرفوض والمئات منها يتطلب التهديم بعد عـقد او عقدين من الانشـاء
المـماشـي الفـوقـيـة و انتـشـار الجـريمـة
يوضح الشكل رقم (1) ان عـددالمماشي الفوقية Overhead Walkway في المبنى تؤثر على نسب التفكك الاجـتماعـي ، كما تساعـدعـلى انتشـار سـبعة انواع من الجرائم . ولا يحدث التفكك الاجـتماعي دون اسباب وتفكير مسبق وهـو موجـود وبارز للعيان . فعلى سبيل المثال فان (75%) من المباني ذات سـتة مماشـي فوقية تسكنها أسر لديها اطفال تحت رعاية الدولة مقارنة مع (23%) في المباني الخالية من هذا النوع من المماشـي . مع هذا ، فان الاتجاهـات تبدو باهـتة وغـير متميزة الصـلة بالجريمة حيث تحـدث جميع فئات الجـرائم في المباني ذات اربع مماشـي فاكثر .
يفسر المنحنى الحاد بكون الجريمة ، في الغالب ، مغرية لذلك تنتشـر بسـرعـة ، وان الاعـتداءات الجـنسـية و سـرقات الدور لا تحدث في جميع المباني متعـددة المماشـي . مع هذا هـناك حـالات قليلة ، فقط (29) حـالة سـرقة سـجـلت . لذا فان منحـنى السرقة غـير المنتظـم لا يمثل نتيجة عـلمية لـصـغـر حـجـم العينة .
تبدو ازالة المماشـي الفوقية ـتطـويرا جـيدا للتصـاميم العمرانية ، ولم يجـري تطبيق التطويرات لحي سـكني بكامله ، ولكن هـناك حالتين الغيت فيهـما المماشي فاثرت بدرجـة كبيرة عـلى نسبة الجـريمة . ففي حـي ليسـون كـرين Lisson Green في منطقة ويستمنستر قد انخـفضـت نسبة الجريمة الى النصـف. وفي حي موزارت في المنطقة ذاتها انخفضـت السرقة بنسبة (55%) ولمدة (13) شهرا هـي مدة الدراسة و المراقبة . وفي كلتا الحـالتين حـصـل تبدل قبل تهديم المماشـي بوقت قصـير ، مما يوحي بان المعتدين قد تراجـعـوا من خـلال التهـيؤ للتهـديم . وقد اوعـز البعـض سـبب خـفض الجـريمة في ليسـون كرين الى نصـب اجهـزة هـاتف البوابات Entryphon الذي يفتح باب المبنى لمن يسمح له بالدخول من قبل ساكني شقق المبنى . ولكن ليس لهذا الجهـاز التاثير نفسـه في المباني الاخرى . وترى وزارة الداخلية البريطانية ان هـاتف البوابة غـير ذي فاعـلية ، مـفضـلة عـليه الابواب و الشـبابيك القوية . تشـكل هـذه تحـسـينات امنية Security Improvement قابلة بسـيادة الجـريمة وانتـشـارها ، بينما تهدف تحـسـينات التصـاميم العـمرانية Design Improvement منع التصـاميم العمرانية التي تعزز السـلوك الاجرامي بامل ان يؤدي ذلك الى انقاص مصـادر السـلوك المنحـرف في الحي السـكني . انها عـلاجـية قبل ان تكون وقائية . ففي الوقت الذي تضفي التحـسـينات الأمنية الاحساس بالامان لـلسـاكنين في بيوتهم ، فان تحـسـين التصـاميم العمرانية تجعلهم يعيشـون الامان داخل السكن و خارجه .
الفـضـاءات الفـاصـلـة بيـن المـبانـي و الجـريمـة
ان المماشـي الفوقية هي اكثر العوامل المسـاعـدة على انتـشـار الجريمة وليس في زيادتها . واكثر الفراغات الـمؤثرة هي التي تقع بين المباني دون ان تخـصـص لمبنى معين مما يسمح للغرباء باسـتخـدامها وبالتالي تزداد مجـهـولية الاشـخـاص في الحي السـكني . يجعل ، مثل هذا الحال ، المجـرمين يحـسـون بالامان الذي يفـتقـده السـاكـنون في الحي او المبنى . وقد يكون الحل بايجاد مجال خاص لكل مبنى يفصـل بجـدار او بوابة . وعـندما طبق هذا في حي براندون تشـجـع السـاكنون لازالة الازبال والنفايات كليا من الحي السكني . وعـلى الرغـم من عـدم توفر تسـجـيلات رسـمية للجريمة في هذا الحي ، الا ان المخـاوف من الجريمة قد تناقصـت لدرجة ان ساكني الطابق الارضي قد احـسـوا بالامان لدرجة رفعـوا الحـواجـز التي كانت على الشـبابيك .
و الحل الاكثر فاعـلية هـو التقـسـيمات الثانوية للفضـاءات لاعـطـاء الطابق الارضـي حـدائق امامية و/أو خـلفية (مجـال شـبه شـخـصي) . وفي حي دينتون وصـف باحـث اجـتماعـي اثر وجـود الحـدائق الامامية المـسـيجـة عـلى المشـاكل و تحـويل (المشـاغـبين) من اليافعين الى افراد مؤدبين يمكن التعامل معهم . فعندما يريد احـدهـم نداء صـديقه فعليه ان يسـير عـبر ممشـى الحديقة ويدق الباب ، وبهذه الطريقة اصـبح الاباء يعرفون اصدقاء ابنائهم ويتحـدثون اليهم ويميزوهـم عن الغرباء . بهـذه الصـيغة احـس اليافع ضـرورة تحـسـين سـلوكه وان يتادب امام اهـل صـديقه .
الـمـقـارنــة بيـن الـتصـامـيـم
لقد اصـبح ممكنا جـمع نماذج مفيدة من تحـسـينات التصـاميم العـمرانية للمتغيرات السـتة عـشـر التي يقاس على اسـاسـها الاذى الذي يسببه التصـميم غـير الجـيد . وان اكثر الحالات تميزا ، لحد الآن ، هـو تصـميم حي لي فيو Lea View Estate في منطقة هـاكني حـيث انخـفضـت نسبة الجريمة من مسـتوى مرتفع جدا الى الصـفر مع كل تحـسـين لتصـميم جـناح من اجنحة الحي السكني . لقد بقي الجناح الاول خـال من الجريمة لاربعة سنوات (هي فترة الدراسة و المراقبة) . ولدى مقارنة حي لي فيو مع حي ويكون هوس Wigon House الذي بني بالتصـميم المعماري ذاته خـلال عـقد الثلاثينيات ، وبذات المسـتوى من الاهـتمام ، ولكن دون اجراء التحـسـينات عـلى تصـاميمه . الاخـير امـتلأ بسـرعة بالازبال و النفايات ، وارتفعت فيه نسـب التخـريب و الاتلاف و الجرائم قياسـا لكل وحـدة سـكنية. بينما بقي حي لي فيو خـاليا من الازبال و النفايات و التخـريب و الاتلاف و الجرائم (عـدا الاجـزاء التي لم يتم تحـسـين تصاميمها) ، و الحـالة الوحـيدة التي حـدثت لرمي النفايات جاءت من خارج الحي السـكني وقام ابناء الحي بازالتها بالكامل . لقد تمت المحافظة على الحـدائق الامامية و الخـلفية تعـزيزا لـمجـالها شـبه العام . وقد تم اجراء التعديلات عـلى سـبع من عـشـر تصـاميم عـمرانية مؤذية في هـذا الحـي السكني ، خـمـس منها تم تحسينه لدرجة عـد المبنى ضمن الحـد Threshold المقبول .
وقد قيس هذا الحـد لكل متغير باعـتماد براهـين مـأخـوذة من (4099) مبنى ، أشـير اليها في كتاب المدينة الفاضـلة ، ولهذا عـدت مـعـيارا Norm . وقد أشـرت التصـاميم التي خـرقت هذا الحـد ، وحـسـب مجـموع درجاتها للمبنى الواحد واطـلق عليه مـصطـلح " درجـة سـوء المبنى Block's Disadvantagement Score " (درجة سلبيات المبنى) . ان هـدف تحـسـين التصـاميم العمرانية هـو انقاص هـذه الدرجة الى ادنى حـد ممكن ، وفي حالة حي لي فيو فانها قد انخفضت من (10) الى (5) .
يتداعـى المظـهر الخـارجي للمنازل ايضـا ، وتسـرق خـصـوصـية حدائقها الامامية ويتم الاشـراف عـلى غـرف المعيشـة فيها من خلال الشـبابيك الكـبيرة الواسـعة ، أو يحدث العكس بتقليص النظرة الى الخارج بوجود الشرفات و المرائب (الكراجات) . ولقد حـددت قيما تقـيـس سـلبيات التصـاميم تراوحت بين (0 - 12) للمسـاكن و بين (0 - 16) للشـقق . وفي مقارنة بين التصـاميم العمرانية جـرت في الثمانينات ، سـجـلت احدى المناطق السكنية في مدينة ملتون كينز Milton Keynes (11) نقطة سـلبية من (12) . وكانت هـذه المنطقة هـي الاصـعـب في تأجـير وحـداتها السـكنية في المدينة باكملها . وبعد اجراء بعـض التحـويرات ، وليس التطويرات ، تقبلها البعض مكرها لوجـود ازمة سـكن حـادة في المدينة . فالعـجز السكني يؤدي الى حـرمان المشـتري من فرص الاخـتيار ، ويدفع المضـاربين و المقاولين لاخـفاء نواقص التصـاميم المعمارية .
ان الاعـلان عن بناء (25000) وحـدة سـكنية في ميناء مدينة لندن خبر مفرح من زاوية زيادة الموجـود السـكني للموازنة مع الطـلب واعـطاء فرص للاخـتيار ، وخـبر بائس لأضـافـة تصـاميم عـمرانية تسـاعـد في نشـر الجريمة . وان المناطق السكنية الجديدة سـتمتص وقت وجهد الشرطة كالاسـفنجـة الجـافة . واشـارت دراسـة عن حي سـكني يقـطن وحـداته السـكنية مالكوها الى حـصـوله عـلى (7) أو (8) نقاط سـلبية في تصـميم كل وحدة سـكنية ، لذا توقعـت الدراسة انتشار الجريمة فيه . واثبتت الايام صحة التوقع فخـلال عـامين تعرض حوالي ثلثي الدور الى سرقة واحـدة على الاقل
الـتصـامـيم المـعـماريـة و سـلوك الابنـاء
ان وجـود الاسـيجـة و البوابات في الحـدائق الامامية في مناطق تسـود فيها مسـاكن ثنائية الجـوار قد سـاعـد في تفسـير قلة تعرضـها للغرباء و مشـاكلهم . فالاطفال محميون منذ نعومة اظـفارهـم ، وحـتى عـندما يسـتطـيعون المشـي فانهم يبقون ضـمن مجال البيت حيث لا يسمح لهم بدخول حدائق و مجال الآخرين . يمثل هذا اول درس عـملي لهم بان هـناك فسـحة و بوابة ، وجـوهـري تعويدهـم عـلى احـترام الاخرين و ممتلكاتهم . تخـتلف هذه الخبرة كليا عن تلك التي يتعلمها سـاكـنوا الشـقق حـيث يبقى الابناء حبيسي الجـدران ، وتترك الفسـحـات المجـاورة للغرباء . ان اسـس احـترام الآخـرين و ممتلكاتهم تبدأ عـمليا في الحي السـكني . وقد لاحظ اليابانيون ميل الاطفال الذين ترعـرعـوا في الشـقق الى القسـوة و الخـشـونة
للحدائق الخـلفية درس مخـتلف للاطفال عـند اول تعلمهم المشي متلهفين لاكتشـاف العالم خارج جدران البيت . ولما كان المجـال امامهـم قصـيرا فان الحديقة الخلفية هي المكان الآمن المسموح لهم اللعب فيه . و الاطفال في الطوابق العليا محرومون من مثل هذه الخبرة ، فالمسافة للاسفل بعيدة المنال والفسحات متروكة للغرباء ، والشـوارع تؤدي الى الضـياع و المخـاطـر . ان نقص الثقة بالنفس قد لوحظ بطريقين مهمين . فالطفل اكثر تأثرا باقرانه ، وسهولة تطوير (ثقافة) الانحراف لديهم ، فقد لا يمر بعـضـهم بالمراحل الاعـتيادية لاكتشـاف المحـلة او الملاعـب و السـاحـات القريبة . وقد يرغـب البعض البقاء في الحي السكني حتى عندما يبلغ مرحلة المراهـقة . وبدلآ من تمييز النقص في النضـج اتجـه المخـطـطون الى عـد هـذه الحالة معيارا يجب تعزيزه بتوفير مناطق لعب في الحي السكني حيث تبدأ المشـاكل مع الاطفال الاكبر ، وحتى مع البالغين . يوضـح الشكل رقم (2) ان المباني ذات فسـحـات اللعب هـي الاكثر مشـاكلا (جرائم و تفكك اجـتماعـي) قياسـا بتلك التي تخـلو منها .
في احـد دور الحـضـانة اشـارت المديرة الى ان الفرق بين الاطفال (بعمر ثلاث سنوات) الذين يعـيشون في مسـاكن Houses عن الذين يعـيشـون في شـقق واضـح ، فالاخـيرين بطـيئي التعلم وغـير مشـذبي السـلوك و النشـاط ، مع ضـعـف في الثقة في النفس و قلة المبادرة (الاعـتماد على الآخرين) مما اضـطر الادارة الى وضـعـهم في صـفوف خـاصـة لرفع مسـتواهـم الى مسـتوى اقرانهم .
كما للحديقة الامامية و الخلفية دور في تعليم الاطفال ، كذلك الحال مع الشـارع و اللعب به ، حـيث يتعلم الطفل كيفية تجـنب مخـاطـر حـركة المرور . فخلال العقود القليلة الماضـية تناقصـت نسـب الموت و الجـروح للكبار وازدادت لمن هـم في سـن (10 - 19) سنة . يرى البعض الحاجة الى تخـطيط شـوارع مغـلقة النهاية Cul De Sac لتقليل المخاطر ، ولكن قد تكون هـذه هـي السبب في زيادة الحوادث . فهذا النمط من الشـوارع والطرق الداخلية للحي السـكني (التي فيها مطـبات تقلل سـرعـة السـيارات) تعلم الاطـفال ان اللعب في الطرقات آمن لأن العجـلات تتحرك ببطيء . ولم يتعلم هـؤلاء الاطـفال الدرس الذي اخـذه اقرانهم الذين يعـيشـون قرب طـرق و شـوارع تقليدية حـيث يتعلمون الخروج الى الطريق و السـلوك الآمن واهـمية ادراك المخاطر و التحـسـب لها . ان الامان الزائد يحـول دون تعلم دروس جـوهـرية في مرحـلة حـرجـة من العمر .
مـضـاربـو الـسـكـن و انتـشـار الجـريمـة
يبدو ان التخـطـيط السـكني غير الجيد يؤدي الى ما يعرف بقانون كريشـام Gresham's Law حـيث التصـاميم العمرانية السيئة تطرد الجيدة وتأخذ مكانها . فاذا كانت التصـاميم الحـديثة تؤدي الى المشـاكل . فالمنطـقي العودة الى التصـاميم الاصـل الخـالية من المشـاكل وترك التطور يبدأ من جديد دون الانغلاق عـلى حـلول جـاهـزة وعـدهـا اهـدافا بحـد ذاتها بعد ان تبين انها تسبب المشاكل . فعلى سـبيل المثال ، وبعد اسـتيعاب الشـكل رقم (2) قامت منظـمة تدعـى "لـعـب آمـن لـلاطـفال" بحـملة لانشـاء موجـة جـديدة من ملاعـب الاطـفال . وتبنى المخـطـطون نمط الشـوارع المغلقة النهاية مثال آخر في الاتجاه نفسه . ويتكرر الحـال مع اسـتخـدام هـاتف البوابة واجـهـزة المراقبة المرأية . الاخـيرة وسـيلة غالية لتحـسـين الامن ، وقد تسـتخـدم لمراقبة الشـقق ومعرفة وقت خـلوها من سـاكـنيها ، فهي سـلاح ذو حـدين .
وحتى الوقت الراهـن ، يعالج مقاولو السـكن الجريمة بتحسين شـروط الامان في الوحدات السـكنية دون تحـسين التصـاميم . فالمسـكن الجـديد مزود بالاقفال الكبيرة و السـلاسـل و العيون السـحرية ، حـارمين واجـهات المنازل من الشـبابيك لأنها نقاط واهـنة ينفذ منها المتـطـفلون . وتقع المنازل الجديدة في شـوارع مغلقة النهاية حيث لا تفرق الارصـفة و المماشـي عـن الشـارع ، محـاطـة بجـدران عـالية مع بوابة ومكان للحارس . ان هـذه التحـوطـات الامنية المكلفة ماديا قد تبقي الحي السـكني آمنا الا انها تفرض عـليه وضـعا خـاصـا ، فالشـوارع اشـبه بخـوانق عـميقة ، وعـندما يتعرض المشـاة الى الاعـتداء فليس من سـبيل للهرب الى حـديقة صـديق .
رأي ألـــس كـولـمــــان
ان الملاحظات الاكاديمية ذات الصـلة بالموضـوع (التصـاميم العمرانية ، الجريمة و التفكك الاجـتماعي) قد اوردت براهـين مبعثرة هـنا وهـناك عـن اهـمية اعـادة النظر في التصـاميم العمرانية الحديثة والاسـاليب التخـطـيطية . فاذا امكن حـل مشـاكل سـت مجـمعات سـكنية من خـلال تحـسـين منظـم لتصـاميمها المعمارية ، و تناقصـت المشاكل الاخرى نتيجة ذلك التطوير ، عـندهـا يمكن توسـيع دائرة سـياسـة تحـسـين التصـاميم العمرانية لتشـمل مناطق اخرى تعاني من المشـاكل ذاتها .
ان هـذا اخـتبار عـلمي وليس منهجـا شـكليا كالذي وضـعته دائرة البيئة البريطانية التي صـنفت المناطق السـكنية حـسـب اولويات معتمدة طرقا مختلفة دون الاشارة الى كلف بعـضـها . ان نجاح تجربة برود ووتر فارم Broadwater Farm ، عـلى سـبيل المثال ، راجـع الى عـوامل عـديد ، منها : حـسـن الادارة ، القيادة الجـيدة لجمعية المسـتأجرين ، الاضـافات الخارجية من ديكورات واجـهزة حـماية وابواب وغـيرها . وقد قيل ان هذا كان حـيا سـكنيا مسـتقرا من الناحـية الاجـتماعـية ولأشـهر عـديدة حتى تمكن شـباب طائش تغيير الصورة . بعد ذلك قامت دوريات تضم (16) شـرطيا بمداهـمات للحي مما انقص نسبة الجريمة فيه . وبعد خفض حـجم الدورية الى (8) افراد حـدث اعتداء ضرب افضى الى الموت في هـذا الحي السـكني
لم تثبت التجارب ان أي من الطرق المكلفة ماديا أكثر أمانا ، كما انها تحتاج الى ادامة مسـتمرة وصـيانة . بالمقابل ، فان تحـسين التصـاميم العمرانية يفيد الجـميع وليس سـاكني الوحدة السـكنية فقط . فالتحـسينات العمرانية الجـيدة تسـمح باسـتقرارية المجـتمع ذاتيا دون فرض كلف ، مادية ومعنوية ، اضـافية عاليه و جـني فوائد جـمة ، مع سـهولة ادارة المجمع السكني ، باقل عـدد من رجال الامن ، وضـغط نفـسي اقل ، واقل شـغب واتلاف للمرافق العامة ، وجرائم سرقة اقل ، واقل عـدد من حرائق العمد . ان توفير كلف الادارة قد وردت الاشـارة اليه في مجلس البرلمان البريطاني ، وانه اسـاسـي للمجمعات السكنية الكبيرة من خلال تجزئة الممرات واعـطاء كل مجـموعـة صـغيرة من الوحدات السـكـنية مدخـلآ و ممـشى قصـير و مصـعـد صـغـير و سـلالم .
ان سـلبيات التصـاميم العمرانية رسـالة موجهة الى نظرية الجريمة Crime Theory حيث امكن الموائمة بين الافكار المعروفة عن مزاج المجرم مقابل فرضـيات عـن وضـعه مؤكدة بانهما وجها عـملة واحدة . فمزاج المجرم ليس فطريا ، و وضـعه نتج عـن التعليم الاولي في بيئة تحوي الجريمة ضـمنيا . فالحالة و المزاج يعززان بعـضهما ، فالمعتدون الشـباب ينقـلون الحالات الواهـنة معهم ومـتجنبـين الموضـوعـات ذات الاهـتمام العام . جـيل نشـأ في الشـقق و تعود اثارة المشاكل في المدرسة و سرقة الحوانيت و المحلات التجارية و الشغب في ملاعب الكرة و الخـلاعـة و الاعـتداءات الجـنسية و الجـسدية و ضـرب الزوجـة وسـوء معاملة الابناء . ولعل الجيل الثاني من ابناء الشـقق ، بعمر خـمس سـنوات ، قد بدأ بالانحراف قبل دخوله المدرسـة . ان الاسـوء قادما طالما هـناك من لايزال يتربى في هـذه الاجـواء و التصـاميم العمرانية السـيئة . يعني هذا ، الحاجة الى تعزيز القانون وانقاص تفاقم الجريمة الى الحد الادنى . ومالم يتم تحـسين التصـاميم العمرانية و المعـمارية لاقـتلاع مصـادر الشـغـب فالامر سـيبقى سـيئا .
لا تؤدي التصـاميم العمرانية الجـيدة الى تكوين مجـتمع خال من الجريمة ، فهناك مجرمون قبل موجة الجريمة الحديثة ، وسيبقى هـناك مجرمون بعدهـا . ولكن نسب الجريمة في ما قبل العصر الحديث ضـئيلة قياسـا بمـسـتوياتها هـذه الايام .
تـعـلـيـق الـمـتـرجـــم
أثارت الاستاذة الس كولمان موضوعا جوهريا يمس حياة الناس اليومية ، السكن واثره على تربية الابناء و انتشار الجريمة . موضوع يتحدث عنه الجميع ، في البيت ، مع الجيران ، في المقهى ، في مكان العمل ، في الطريق ، بين الزوج والزوجة ، بين ربات البيوت ، الاصدقاء ، وكل يطرح الموضوع من نقطة محددة و زاوية يعاني منها . ومما يؤسف له ان مخططينا يقلدون كل جديد دون تقيمه موضوعيا على وفق حاجة المجتمع و طبيعته . فـاذا قارنا بين التصاميم العمرانية العربية التقليدية و تلك المستوردة ، من مختلف المعـطيات ، فـلـصـالح مـن سـتكون النتـيجة ؟
البيت هو المدرسة الاولى التي يدخلها الانسان ، منه يتزود بما يغذيه به اهله من معرفة وتعليمات و اوامـر ، وفيه يكـتشف ما يريد معرفته . والتعلم الذاتي ابقى في الذاكرة من كل انواع التعليم . لذا ، للبيـئة المنزلية الاثر الاعمق في حياة كل منا . انها المعرفة التي نقشت في الدماغ عـصـية على الزمن و نوائبه و مغرياته . قـد تثـلم ولكن لا تنـسـى ، تبرز جـليـة للـعيان بين حـين و آخـر .
في الـبيـت الشرقي التقليدي ، حيث الا نفـتاح على الداخل ، على الاسـرة ، ما يجري في أي جزء من المنزل يحس به الجميع و يعيشه . الكل آمن من تطفل الاخرين ، قوة الفرد وثقته بنفسه مستمدة من تماسك اسرته . والمحلة هي امتداد للعائلة ، فالجميع اهل واخوة واخوات ، الصغير يحترم الكبير ، و الاخير يعطف على الصغير ، وبنت الجيران اخت يجب حمايتها و مساعدتها عندما تحتاج . الكل متعاطف متفاهم متماسك بغض النظر عن الخلافات الشخصية واسـبابها . الطفل يتربى في بيئة صحية ، ويتعلم الكثير ، وتنمـو فيه جـذوة الخير و حبه ، تزرع فيه بذرة المواطنة الحقة والايمان بالله الواحد الاحـد .
في البيـوت الحديثة الطـراز ، الانفتاح نحو الخارج باوسع الشبابيك ، التي تفتح اعين الاخرين الى الداخـل لـتغريـهم بكل ما فيه . ما يجري في غرفة قد لا يحس به الاخرون سواء اكان خيرا أم شرا ، وفي كثير من الاحيان يعد امرا خاصا ليس من حق احد التدخل به . يتربى الابناء على الانانية وليس (الفردية) ، تتوطـد علاقاتهم باصدقائهم وتوهن مع الاهل و الجيران . لم يعد الانتماء الى المحلة شيء مقبول الا اذا كانت تمثل شريحة معينة من المجتمع .
وحتى في الاحياء السكنية الخاصة ، حيث البوابة والاجراءات الامنية المشددة ، ليس هناك احساس بالانتماء ، لأن الحركة محسوبة و مقيدة فيها . فيها أطـمـئنان وليس فيها أمان . تضم الكثير من التسهيلات الحديثة ولكنها تفتقد الكثير من المعنوي الجوهري الذي يجعل الانسان يحس بالانتماء و الامان . فالامان ليس أقفال و سلاسل ، انـه في القلب ، انه احـسـاس ذاتي . في مثل هذه المناطق يتربى الابن على الخوف من الجميع عدا ابناء الشريحة التي يعيش بينها .
ان المماشي الفوقية في البناء العمودي تساعد على اختراق حرمة المنازل بطرق شـتى ، فهي مرفوضة اجتماعيا و أمنيا . وترك الفضاء المحيط بالمبنى مفتوحا للسابلة يجعل الوحدة السكنية مفتوحة للناظر من الخارج يراقبها كما يحلو له . الطرازان يفسحان المجال للغرباء و يضيقان على الساكنين . فكـيـف قـبل بـهـما المـهـندس العـربي ؟ هـل سـكن هـو وعائلته باحـداهـا ؟ ومع بداية موجة البناء العمودي ارتفعت اصوات عدة معارضة ، فلماذا خـفـتــت ؟ ولمـاذا لـم تدرس سـلبيـات السـكـن فيـه ؟
يعـد المنزل العامل الرئيسي Key Factor المفسر للامراض الاجتماعية و النفسية و البدنية . فاذا اريد ضمان مـستـقبل البلاد ، الامان الداخلي و الخارجي ، فلنبدأ بالمنزل وننتهي فيه . المنزل بكل مافيه ومن فيه . الدعوة موجهة للتربويين ، والمعماريين ايضا ، لوضع سـتراتيج بحثي معني باثر مختلف التصاميم المعمارية والعمرانية في مدننا على سلوك الابناء و مستقبل البلاد الامني . فاسباب الانحراف كامنة في بيوتنا ، في تصاميمها المعمارية وعلاقاتنا مع بعض كأسـر ، في المحلة والاحساس بما يجري فيها.
يؤكد علماء الاجتماع على دور الاسره في توجيه الابناء و سلوكهم ، ولكن الاسره ليست افراد فقط ، بل المكان الذي يعيشون فيه . الاسرة هنا بمعناها الاوسـع (البيـئة الأسـرية) ، بالمنزل و بتصميمه ، موقعه ، موضعه ، علاقات ساكنيه مع بعض ، وعلاقاتهم مع الاخرين ، انها القيم المكتسبة من العائلة و انعكاساتها السلوكية .
ومما يؤسف له ، وجود العديد من المعجبين بسلوك النعامة فيقلدوها في طمس الرأس في الرمال عندما تواجه المخاطر العائله والاهل ، والمجتمع . انها الانانية التي اكتسبها البعض في بيوت بنيت بطرز سـيئة . لهذا السبب لا نتوقع مـسـتقبلآ آمـنا ، لأن الابناء لـن يكونوا اكثر وطنية من آبائهم ، لاسيما وان نسبة كبيرة منهم قـد ترعـرعـت في شـقق سـكنيـة وتشـربـت بكل سـلبياتهـا .
تبدأ جميع المناطق السـكنية حديثة العمران بدرجة من مجهولية ساكنيها لبعضهم البعض ، ثم يبدأ تعارفهم ويشكلوا مع الزمن مجـتمعا محليا . وبما أن نمط الدور ثنائية التجاور يسهل عـملية التعارف لذا اصبح مقبولا ومفضلا خلال مدة زمنية قصيرة ، بينما لايزال طراز العديد من العمارات السكنية مرفوض والمئات منها يتطلب التهديم بعد عـقد او عقدين من الانشـاء
المـماشـي الفـوقـيـة و انتـشـار الجـريمـة
يوضح الشكل رقم (1) ان عـددالمماشي الفوقية Overhead Walkway في المبنى تؤثر على نسب التفكك الاجـتماعـي ، كما تساعـدعـلى انتشـار سـبعة انواع من الجرائم . ولا يحدث التفكك الاجـتماعي دون اسباب وتفكير مسبق وهـو موجـود وبارز للعيان . فعلى سبيل المثال فان (75%) من المباني ذات سـتة مماشـي فوقية تسكنها أسر لديها اطفال تحت رعاية الدولة مقارنة مع (23%) في المباني الخالية من هذا النوع من المماشـي . مع هذا ، فان الاتجاهـات تبدو باهـتة وغـير متميزة الصـلة بالجريمة حيث تحـدث جميع فئات الجـرائم في المباني ذات اربع مماشـي فاكثر .
يفسر المنحنى الحاد بكون الجريمة ، في الغالب ، مغرية لذلك تنتشـر بسـرعـة ، وان الاعـتداءات الجـنسـية و سـرقات الدور لا تحدث في جميع المباني متعـددة المماشـي . مع هذا هـناك حـالات قليلة ، فقط (29) حـالة سـرقة سـجـلت . لذا فان منحـنى السرقة غـير المنتظـم لا يمثل نتيجة عـلمية لـصـغـر حـجـم العينة .
تبدو ازالة المماشـي الفوقية ـتطـويرا جـيدا للتصـاميم العمرانية ، ولم يجـري تطبيق التطويرات لحي سـكني بكامله ، ولكن هـناك حالتين الغيت فيهـما المماشي فاثرت بدرجـة كبيرة عـلى نسبة الجـريمة . ففي حـي ليسـون كـرين Lisson Green في منطقة ويستمنستر قد انخـفضـت نسبة الجريمة الى النصـف. وفي حي موزارت في المنطقة ذاتها انخفضـت السرقة بنسبة (55%) ولمدة (13) شهرا هـي مدة الدراسة و المراقبة . وفي كلتا الحـالتين حـصـل تبدل قبل تهديم المماشـي بوقت قصـير ، مما يوحي بان المعتدين قد تراجـعـوا من خـلال التهـيؤ للتهـديم . وقد اوعـز البعـض سـبب خـفض الجـريمة في ليسـون كرين الى نصـب اجهـزة هـاتف البوابات Entryphon الذي يفتح باب المبنى لمن يسمح له بالدخول من قبل ساكني شقق المبنى . ولكن ليس لهذا الجهـاز التاثير نفسـه في المباني الاخرى . وترى وزارة الداخلية البريطانية ان هـاتف البوابة غـير ذي فاعـلية ، مـفضـلة عـليه الابواب و الشـبابيك القوية . تشـكل هـذه تحـسـينات امنية Security Improvement قابلة بسـيادة الجـريمة وانتـشـارها ، بينما تهدف تحـسـينات التصـاميم العـمرانية Design Improvement منع التصـاميم العمرانية التي تعزز السـلوك الاجرامي بامل ان يؤدي ذلك الى انقاص مصـادر السـلوك المنحـرف في الحي السـكني . انها عـلاجـية قبل ان تكون وقائية . ففي الوقت الذي تضفي التحـسـينات الأمنية الاحساس بالامان لـلسـاكنين في بيوتهم ، فان تحـسـين التصـاميم العمرانية تجعلهم يعيشـون الامان داخل السكن و خارجه .
الفـضـاءات الفـاصـلـة بيـن المـبانـي و الجـريمـة
ان المماشـي الفوقية هي اكثر العوامل المسـاعـدة على انتـشـار الجريمة وليس في زيادتها . واكثر الفراغات الـمؤثرة هي التي تقع بين المباني دون ان تخـصـص لمبنى معين مما يسمح للغرباء باسـتخـدامها وبالتالي تزداد مجـهـولية الاشـخـاص في الحي السـكني . يجعل ، مثل هذا الحال ، المجـرمين يحـسـون بالامان الذي يفـتقـده السـاكـنون في الحي او المبنى . وقد يكون الحل بايجاد مجال خاص لكل مبنى يفصـل بجـدار او بوابة . وعـندما طبق هذا في حي براندون تشـجـع السـاكنون لازالة الازبال والنفايات كليا من الحي السكني . وعـلى الرغـم من عـدم توفر تسـجـيلات رسـمية للجريمة في هذا الحي ، الا ان المخـاوف من الجريمة قد تناقصـت لدرجة ان ساكني الطابق الارضي قد احـسـوا بالامان لدرجة رفعـوا الحـواجـز التي كانت على الشـبابيك .
و الحل الاكثر فاعـلية هـو التقـسـيمات الثانوية للفضـاءات لاعـطـاء الطابق الارضـي حـدائق امامية و/أو خـلفية (مجـال شـبه شـخـصي) . وفي حي دينتون وصـف باحـث اجـتماعـي اثر وجـود الحـدائق الامامية المـسـيجـة عـلى المشـاكل و تحـويل (المشـاغـبين) من اليافعين الى افراد مؤدبين يمكن التعامل معهم . فعندما يريد احـدهـم نداء صـديقه فعليه ان يسـير عـبر ممشـى الحديقة ويدق الباب ، وبهذه الطريقة اصـبح الاباء يعرفون اصدقاء ابنائهم ويتحـدثون اليهم ويميزوهـم عن الغرباء . بهـذه الصـيغة احـس اليافع ضـرورة تحـسـين سـلوكه وان يتادب امام اهـل صـديقه .
الـمـقـارنــة بيـن الـتصـامـيـم
لقد اصـبح ممكنا جـمع نماذج مفيدة من تحـسـينات التصـاميم العـمرانية للمتغيرات السـتة عـشـر التي يقاس على اسـاسـها الاذى الذي يسببه التصـميم غـير الجـيد . وان اكثر الحالات تميزا ، لحد الآن ، هـو تصـميم حي لي فيو Lea View Estate في منطقة هـاكني حـيث انخـفضـت نسبة الجريمة من مسـتوى مرتفع جدا الى الصـفر مع كل تحـسـين لتصـميم جـناح من اجنحة الحي السكني . لقد بقي الجناح الاول خـال من الجريمة لاربعة سنوات (هي فترة الدراسة و المراقبة) . ولدى مقارنة حي لي فيو مع حي ويكون هوس Wigon House الذي بني بالتصـميم المعماري ذاته خـلال عـقد الثلاثينيات ، وبذات المسـتوى من الاهـتمام ، ولكن دون اجراء التحـسـينات عـلى تصـاميمه . الاخـير امـتلأ بسـرعة بالازبال و النفايات ، وارتفعت فيه نسـب التخـريب و الاتلاف و الجرائم قياسـا لكل وحـدة سـكنية. بينما بقي حي لي فيو خـاليا من الازبال و النفايات و التخـريب و الاتلاف و الجرائم (عـدا الاجـزاء التي لم يتم تحـسـين تصاميمها) ، و الحـالة الوحـيدة التي حـدثت لرمي النفايات جاءت من خارج الحي السـكني وقام ابناء الحي بازالتها بالكامل . لقد تمت المحافظة على الحـدائق الامامية و الخـلفية تعـزيزا لـمجـالها شـبه العام . وقد تم اجراء التعديلات عـلى سـبع من عـشـر تصـاميم عـمرانية مؤذية في هـذا الحـي السكني ، خـمـس منها تم تحسينه لدرجة عـد المبنى ضمن الحـد Threshold المقبول .
وقد قيس هذا الحـد لكل متغير باعـتماد براهـين مـأخـوذة من (4099) مبنى ، أشـير اليها في كتاب المدينة الفاضـلة ، ولهذا عـدت مـعـيارا Norm . وقد أشـرت التصـاميم التي خـرقت هذا الحـد ، وحـسـب مجـموع درجاتها للمبنى الواحد واطـلق عليه مـصطـلح " درجـة سـوء المبنى Block's Disadvantagement Score " (درجة سلبيات المبنى) . ان هـدف تحـسـين التصـاميم العمرانية هـو انقاص هـذه الدرجة الى ادنى حـد ممكن ، وفي حالة حي لي فيو فانها قد انخفضت من (10) الى (5) .
يتداعـى المظـهر الخـارجي للمنازل ايضـا ، وتسـرق خـصـوصـية حدائقها الامامية ويتم الاشـراف عـلى غـرف المعيشـة فيها من خلال الشـبابيك الكـبيرة الواسـعة ، أو يحدث العكس بتقليص النظرة الى الخارج بوجود الشرفات و المرائب (الكراجات) . ولقد حـددت قيما تقـيـس سـلبيات التصـاميم تراوحت بين (0 - 12) للمسـاكن و بين (0 - 16) للشـقق . وفي مقارنة بين التصـاميم العمرانية جـرت في الثمانينات ، سـجـلت احدى المناطق السكنية في مدينة ملتون كينز Milton Keynes (11) نقطة سـلبية من (12) . وكانت هـذه المنطقة هـي الاصـعـب في تأجـير وحـداتها السـكنية في المدينة باكملها . وبعد اجراء بعـض التحـويرات ، وليس التطويرات ، تقبلها البعض مكرها لوجـود ازمة سـكن حـادة في المدينة . فالعـجز السكني يؤدي الى حـرمان المشـتري من فرص الاخـتيار ، ويدفع المضـاربين و المقاولين لاخـفاء نواقص التصـاميم المعمارية .
ان الاعـلان عن بناء (25000) وحـدة سـكنية في ميناء مدينة لندن خبر مفرح من زاوية زيادة الموجـود السـكني للموازنة مع الطـلب واعـطاء فرص للاخـتيار ، وخـبر بائس لأضـافـة تصـاميم عـمرانية تسـاعـد في نشـر الجريمة . وان المناطق السكنية الجديدة سـتمتص وقت وجهد الشرطة كالاسـفنجـة الجـافة . واشـارت دراسـة عن حي سـكني يقـطن وحـداته السـكنية مالكوها الى حـصـوله عـلى (7) أو (8) نقاط سـلبية في تصـميم كل وحدة سـكنية ، لذا توقعـت الدراسة انتشار الجريمة فيه . واثبتت الايام صحة التوقع فخـلال عـامين تعرض حوالي ثلثي الدور الى سرقة واحـدة على الاقل
الـتصـامـيم المـعـماريـة و سـلوك الابنـاء
ان وجـود الاسـيجـة و البوابات في الحـدائق الامامية في مناطق تسـود فيها مسـاكن ثنائية الجـوار قد سـاعـد في تفسـير قلة تعرضـها للغرباء و مشـاكلهم . فالاطفال محميون منذ نعومة اظـفارهـم ، وحـتى عـندما يسـتطـيعون المشـي فانهم يبقون ضـمن مجال البيت حيث لا يسمح لهم بدخول حدائق و مجال الآخرين . يمثل هذا اول درس عـملي لهم بان هـناك فسـحة و بوابة ، وجـوهـري تعويدهـم عـلى احـترام الاخرين و ممتلكاتهم . تخـتلف هذه الخبرة كليا عن تلك التي يتعلمها سـاكـنوا الشـقق حـيث يبقى الابناء حبيسي الجـدران ، وتترك الفسـحـات المجـاورة للغرباء . ان اسـس احـترام الآخـرين و ممتلكاتهم تبدأ عـمليا في الحي السـكني . وقد لاحظ اليابانيون ميل الاطفال الذين ترعـرعـوا في الشـقق الى القسـوة و الخـشـونة
للحدائق الخـلفية درس مخـتلف للاطفال عـند اول تعلمهم المشي متلهفين لاكتشـاف العالم خارج جدران البيت . ولما كان المجـال امامهـم قصـيرا فان الحديقة الخلفية هي المكان الآمن المسموح لهم اللعب فيه . و الاطفال في الطوابق العليا محرومون من مثل هذه الخبرة ، فالمسافة للاسفل بعيدة المنال والفسحات متروكة للغرباء ، والشـوارع تؤدي الى الضـياع و المخـاطـر . ان نقص الثقة بالنفس قد لوحظ بطريقين مهمين . فالطفل اكثر تأثرا باقرانه ، وسهولة تطوير (ثقافة) الانحراف لديهم ، فقد لا يمر بعـضـهم بالمراحل الاعـتيادية لاكتشـاف المحـلة او الملاعـب و السـاحـات القريبة . وقد يرغـب البعض البقاء في الحي السكني حتى عندما يبلغ مرحلة المراهـقة . وبدلآ من تمييز النقص في النضـج اتجـه المخـطـطون الى عـد هـذه الحالة معيارا يجب تعزيزه بتوفير مناطق لعب في الحي السكني حيث تبدأ المشـاكل مع الاطفال الاكبر ، وحتى مع البالغين . يوضـح الشكل رقم (2) ان المباني ذات فسـحـات اللعب هـي الاكثر مشـاكلا (جرائم و تفكك اجـتماعـي) قياسـا بتلك التي تخـلو منها .
في احـد دور الحـضـانة اشـارت المديرة الى ان الفرق بين الاطفال (بعمر ثلاث سنوات) الذين يعـيشون في مسـاكن Houses عن الذين يعـيشـون في شـقق واضـح ، فالاخـيرين بطـيئي التعلم وغـير مشـذبي السـلوك و النشـاط ، مع ضـعـف في الثقة في النفس و قلة المبادرة (الاعـتماد على الآخرين) مما اضـطر الادارة الى وضـعـهم في صـفوف خـاصـة لرفع مسـتواهـم الى مسـتوى اقرانهم .
كما للحديقة الامامية و الخلفية دور في تعليم الاطفال ، كذلك الحال مع الشـارع و اللعب به ، حـيث يتعلم الطفل كيفية تجـنب مخـاطـر حـركة المرور . فخلال العقود القليلة الماضـية تناقصـت نسـب الموت و الجـروح للكبار وازدادت لمن هـم في سـن (10 - 19) سنة . يرى البعض الحاجة الى تخـطيط شـوارع مغـلقة النهاية Cul De Sac لتقليل المخاطر ، ولكن قد تكون هـذه هـي السبب في زيادة الحوادث . فهذا النمط من الشـوارع والطرق الداخلية للحي السـكني (التي فيها مطـبات تقلل سـرعـة السـيارات) تعلم الاطـفال ان اللعب في الطرقات آمن لأن العجـلات تتحرك ببطيء . ولم يتعلم هـؤلاء الاطـفال الدرس الذي اخـذه اقرانهم الذين يعـيشـون قرب طـرق و شـوارع تقليدية حـيث يتعلمون الخروج الى الطريق و السـلوك الآمن واهـمية ادراك المخاطر و التحـسـب لها . ان الامان الزائد يحـول دون تعلم دروس جـوهـرية في مرحـلة حـرجـة من العمر .
مـضـاربـو الـسـكـن و انتـشـار الجـريمـة
يبدو ان التخـطـيط السـكني غير الجيد يؤدي الى ما يعرف بقانون كريشـام Gresham's Law حـيث التصـاميم العمرانية السيئة تطرد الجيدة وتأخذ مكانها . فاذا كانت التصـاميم الحـديثة تؤدي الى المشـاكل . فالمنطـقي العودة الى التصـاميم الاصـل الخـالية من المشـاكل وترك التطور يبدأ من جديد دون الانغلاق عـلى حـلول جـاهـزة وعـدهـا اهـدافا بحـد ذاتها بعد ان تبين انها تسبب المشاكل . فعلى سـبيل المثال ، وبعد اسـتيعاب الشـكل رقم (2) قامت منظـمة تدعـى "لـعـب آمـن لـلاطـفال" بحـملة لانشـاء موجـة جـديدة من ملاعـب الاطـفال . وتبنى المخـطـطون نمط الشـوارع المغلقة النهاية مثال آخر في الاتجاه نفسه . ويتكرر الحـال مع اسـتخـدام هـاتف البوابة واجـهـزة المراقبة المرأية . الاخـيرة وسـيلة غالية لتحـسـين الامن ، وقد تسـتخـدم لمراقبة الشـقق ومعرفة وقت خـلوها من سـاكـنيها ، فهي سـلاح ذو حـدين .
وحتى الوقت الراهـن ، يعالج مقاولو السـكن الجريمة بتحسين شـروط الامان في الوحدات السـكنية دون تحـسين التصـاميم . فالمسـكن الجـديد مزود بالاقفال الكبيرة و السـلاسـل و العيون السـحرية ، حـارمين واجـهات المنازل من الشـبابيك لأنها نقاط واهـنة ينفذ منها المتـطـفلون . وتقع المنازل الجديدة في شـوارع مغلقة النهاية حيث لا تفرق الارصـفة و المماشـي عـن الشـارع ، محـاطـة بجـدران عـالية مع بوابة ومكان للحارس . ان هـذه التحـوطـات الامنية المكلفة ماديا قد تبقي الحي السـكني آمنا الا انها تفرض عـليه وضـعا خـاصـا ، فالشـوارع اشـبه بخـوانق عـميقة ، وعـندما يتعرض المشـاة الى الاعـتداء فليس من سـبيل للهرب الى حـديقة صـديق .
رأي ألـــس كـولـمــــان
ان الملاحظات الاكاديمية ذات الصـلة بالموضـوع (التصـاميم العمرانية ، الجريمة و التفكك الاجـتماعي) قد اوردت براهـين مبعثرة هـنا وهـناك عـن اهـمية اعـادة النظر في التصـاميم العمرانية الحديثة والاسـاليب التخـطـيطية . فاذا امكن حـل مشـاكل سـت مجـمعات سـكنية من خـلال تحـسـين منظـم لتصـاميمها المعمارية ، و تناقصـت المشاكل الاخرى نتيجة ذلك التطوير ، عـندهـا يمكن توسـيع دائرة سـياسـة تحـسـين التصـاميم العمرانية لتشـمل مناطق اخرى تعاني من المشـاكل ذاتها .
ان هـذا اخـتبار عـلمي وليس منهجـا شـكليا كالذي وضـعته دائرة البيئة البريطانية التي صـنفت المناطق السـكنية حـسـب اولويات معتمدة طرقا مختلفة دون الاشارة الى كلف بعـضـها . ان نجاح تجربة برود ووتر فارم Broadwater Farm ، عـلى سـبيل المثال ، راجـع الى عـوامل عـديد ، منها : حـسـن الادارة ، القيادة الجـيدة لجمعية المسـتأجرين ، الاضـافات الخارجية من ديكورات واجـهزة حـماية وابواب وغـيرها . وقد قيل ان هذا كان حـيا سـكنيا مسـتقرا من الناحـية الاجـتماعـية ولأشـهر عـديدة حتى تمكن شـباب طائش تغيير الصورة . بعد ذلك قامت دوريات تضم (16) شـرطيا بمداهـمات للحي مما انقص نسبة الجريمة فيه . وبعد خفض حـجم الدورية الى (8) افراد حـدث اعتداء ضرب افضى الى الموت في هـذا الحي السـكني
لم تثبت التجارب ان أي من الطرق المكلفة ماديا أكثر أمانا ، كما انها تحتاج الى ادامة مسـتمرة وصـيانة . بالمقابل ، فان تحـسين التصـاميم العمرانية يفيد الجـميع وليس سـاكني الوحدة السـكنية فقط . فالتحـسينات العمرانية الجـيدة تسـمح باسـتقرارية المجـتمع ذاتيا دون فرض كلف ، مادية ومعنوية ، اضـافية عاليه و جـني فوائد جـمة ، مع سـهولة ادارة المجمع السكني ، باقل عـدد من رجال الامن ، وضـغط نفـسي اقل ، واقل شـغب واتلاف للمرافق العامة ، وجرائم سرقة اقل ، واقل عـدد من حرائق العمد . ان توفير كلف الادارة قد وردت الاشـارة اليه في مجلس البرلمان البريطاني ، وانه اسـاسـي للمجمعات السكنية الكبيرة من خلال تجزئة الممرات واعـطاء كل مجـموعـة صـغيرة من الوحدات السـكـنية مدخـلآ و ممـشى قصـير و مصـعـد صـغـير و سـلالم .
ان سـلبيات التصـاميم العمرانية رسـالة موجهة الى نظرية الجريمة Crime Theory حيث امكن الموائمة بين الافكار المعروفة عن مزاج المجرم مقابل فرضـيات عـن وضـعه مؤكدة بانهما وجها عـملة واحدة . فمزاج المجرم ليس فطريا ، و وضـعه نتج عـن التعليم الاولي في بيئة تحوي الجريمة ضـمنيا . فالحالة و المزاج يعززان بعـضهما ، فالمعتدون الشـباب ينقـلون الحالات الواهـنة معهم ومـتجنبـين الموضـوعـات ذات الاهـتمام العام . جـيل نشـأ في الشـقق و تعود اثارة المشاكل في المدرسة و سرقة الحوانيت و المحلات التجارية و الشغب في ملاعب الكرة و الخـلاعـة و الاعـتداءات الجـنسية و الجـسدية و ضـرب الزوجـة وسـوء معاملة الابناء . ولعل الجيل الثاني من ابناء الشـقق ، بعمر خـمس سـنوات ، قد بدأ بالانحراف قبل دخوله المدرسـة . ان الاسـوء قادما طالما هـناك من لايزال يتربى في هـذه الاجـواء و التصـاميم العمرانية السـيئة . يعني هذا ، الحاجة الى تعزيز القانون وانقاص تفاقم الجريمة الى الحد الادنى . ومالم يتم تحـسين التصـاميم العمرانية و المعـمارية لاقـتلاع مصـادر الشـغـب فالامر سـيبقى سـيئا .
لا تؤدي التصـاميم العمرانية الجـيدة الى تكوين مجـتمع خال من الجريمة ، فهناك مجرمون قبل موجة الجريمة الحديثة ، وسيبقى هـناك مجرمون بعدهـا . ولكن نسب الجريمة في ما قبل العصر الحديث ضـئيلة قياسـا بمـسـتوياتها هـذه الايام .
تـعـلـيـق الـمـتـرجـــم
أثارت الاستاذة الس كولمان موضوعا جوهريا يمس حياة الناس اليومية ، السكن واثره على تربية الابناء و انتشار الجريمة . موضوع يتحدث عنه الجميع ، في البيت ، مع الجيران ، في المقهى ، في مكان العمل ، في الطريق ، بين الزوج والزوجة ، بين ربات البيوت ، الاصدقاء ، وكل يطرح الموضوع من نقطة محددة و زاوية يعاني منها . ومما يؤسف له ان مخططينا يقلدون كل جديد دون تقيمه موضوعيا على وفق حاجة المجتمع و طبيعته . فـاذا قارنا بين التصاميم العمرانية العربية التقليدية و تلك المستوردة ، من مختلف المعـطيات ، فـلـصـالح مـن سـتكون النتـيجة ؟
البيت هو المدرسة الاولى التي يدخلها الانسان ، منه يتزود بما يغذيه به اهله من معرفة وتعليمات و اوامـر ، وفيه يكـتشف ما يريد معرفته . والتعلم الذاتي ابقى في الذاكرة من كل انواع التعليم . لذا ، للبيـئة المنزلية الاثر الاعمق في حياة كل منا . انها المعرفة التي نقشت في الدماغ عـصـية على الزمن و نوائبه و مغرياته . قـد تثـلم ولكن لا تنـسـى ، تبرز جـليـة للـعيان بين حـين و آخـر .
في الـبيـت الشرقي التقليدي ، حيث الا نفـتاح على الداخل ، على الاسـرة ، ما يجري في أي جزء من المنزل يحس به الجميع و يعيشه . الكل آمن من تطفل الاخرين ، قوة الفرد وثقته بنفسه مستمدة من تماسك اسرته . والمحلة هي امتداد للعائلة ، فالجميع اهل واخوة واخوات ، الصغير يحترم الكبير ، و الاخير يعطف على الصغير ، وبنت الجيران اخت يجب حمايتها و مساعدتها عندما تحتاج . الكل متعاطف متفاهم متماسك بغض النظر عن الخلافات الشخصية واسـبابها . الطفل يتربى في بيئة صحية ، ويتعلم الكثير ، وتنمـو فيه جـذوة الخير و حبه ، تزرع فيه بذرة المواطنة الحقة والايمان بالله الواحد الاحـد .
في البيـوت الحديثة الطـراز ، الانفتاح نحو الخارج باوسع الشبابيك ، التي تفتح اعين الاخرين الى الداخـل لـتغريـهم بكل ما فيه . ما يجري في غرفة قد لا يحس به الاخرون سواء اكان خيرا أم شرا ، وفي كثير من الاحيان يعد امرا خاصا ليس من حق احد التدخل به . يتربى الابناء على الانانية وليس (الفردية) ، تتوطـد علاقاتهم باصدقائهم وتوهن مع الاهل و الجيران . لم يعد الانتماء الى المحلة شيء مقبول الا اذا كانت تمثل شريحة معينة من المجتمع .
وحتى في الاحياء السكنية الخاصة ، حيث البوابة والاجراءات الامنية المشددة ، ليس هناك احساس بالانتماء ، لأن الحركة محسوبة و مقيدة فيها . فيها أطـمـئنان وليس فيها أمان . تضم الكثير من التسهيلات الحديثة ولكنها تفتقد الكثير من المعنوي الجوهري الذي يجعل الانسان يحس بالانتماء و الامان . فالامان ليس أقفال و سلاسل ، انـه في القلب ، انه احـسـاس ذاتي . في مثل هذه المناطق يتربى الابن على الخوف من الجميع عدا ابناء الشريحة التي يعيش بينها .
ان المماشي الفوقية في البناء العمودي تساعد على اختراق حرمة المنازل بطرق شـتى ، فهي مرفوضة اجتماعيا و أمنيا . وترك الفضاء المحيط بالمبنى مفتوحا للسابلة يجعل الوحدة السكنية مفتوحة للناظر من الخارج يراقبها كما يحلو له . الطرازان يفسحان المجال للغرباء و يضيقان على الساكنين . فكـيـف قـبل بـهـما المـهـندس العـربي ؟ هـل سـكن هـو وعائلته باحـداهـا ؟ ومع بداية موجة البناء العمودي ارتفعت اصوات عدة معارضة ، فلماذا خـفـتــت ؟ ولمـاذا لـم تدرس سـلبيـات السـكـن فيـه ؟
يعـد المنزل العامل الرئيسي Key Factor المفسر للامراض الاجتماعية و النفسية و البدنية . فاذا اريد ضمان مـستـقبل البلاد ، الامان الداخلي و الخارجي ، فلنبدأ بالمنزل وننتهي فيه . المنزل بكل مافيه ومن فيه . الدعوة موجهة للتربويين ، والمعماريين ايضا ، لوضع سـتراتيج بحثي معني باثر مختلف التصاميم المعمارية والعمرانية في مدننا على سلوك الابناء و مستقبل البلاد الامني . فاسباب الانحراف كامنة في بيوتنا ، في تصاميمها المعمارية وعلاقاتنا مع بعض كأسـر ، في المحلة والاحساس بما يجري فيها.
يؤكد علماء الاجتماع على دور الاسره في توجيه الابناء و سلوكهم ، ولكن الاسره ليست افراد فقط ، بل المكان الذي يعيشون فيه . الاسرة هنا بمعناها الاوسـع (البيـئة الأسـرية) ، بالمنزل و بتصميمه ، موقعه ، موضعه ، علاقات ساكنيه مع بعض ، وعلاقاتهم مع الاخرين ، انها القيم المكتسبة من العائلة و انعكاساتها السلوكية .
ومما يؤسف له ، وجود العديد من المعجبين بسلوك النعامة فيقلدوها في طمس الرأس في الرمال عندما تواجه المخاطر العائله والاهل ، والمجتمع . انها الانانية التي اكتسبها البعض في بيوت بنيت بطرز سـيئة . لهذا السبب لا نتوقع مـسـتقبلآ آمـنا ، لأن الابناء لـن يكونوا اكثر وطنية من آبائهم ، لاسيما وان نسبة كبيرة منهم قـد ترعـرعـت في شـقق سـكنيـة وتشـربـت بكل سـلبياتهـا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق