شط العرب بين القضم الجيوبوليتكي والتآكل الجيمورفولوجي
أحمد الزوبعي - صحيفة العراق الالكترونية - بتاريخ : الأربعاء 27-06-2012 :
يشكل شط
العرب جزءاً من الحدود الجغرافية الطبيعية بين العراق وإيران، وإن لهذه الميزة
التي اوجدتها الجغرافيا السياسية آثارًا سلبية أكثر منها إيجابية، لأن الأنهار تعد
من اعقد أنواع الحدود وأكثرها تسببا في النزاعات، خاصة تلك التي توفر بيئة اتصال
ديموغرافي واقتصادي على ضفتي النهر، كما أنها عرضة لتغيير مجرها بسبب العمليات
الجيمورفولوجية التي تساعد على تعرية النهر ومن ثم تغير مجراه، مما يؤدي إلى تغير
خط الحدود، وسيثير بالنهاية مشاكل قد تؤدي إلى حروب طاحنة.
يعد شط
العرب نموذجا للحدود ذات المشاكل المستعصية؛ بسبب الوضع الجغرافي والسياسي المعقد،
فشط العرب يتدخل في تحديد مشكلته عاملان: الأول هو العامل البشري، والذي يتمثل بالسياسة
الإيرانية التي توليه اهتماما بالغًا في إستراتيجيتها التوسعية، والتي سعت دائما
ومنذ اتفاقية القسطنطينية 1913م، وحتى اتفاقية الجزائر 1975م إلى تحقيق مكاسب
تتماشى مع سياستها الجيوبوليتيكية في شط العرب، الذي يوفر لها مقومًا اقتصاديًا
يساعد إيران على النهوض كقوةٍ إقليميةٍ في المنطقة على مستوى ما يفكرُ به الساسة
الإيرانيون.
أما
العامل الثاني فهو العامل الطبيعي ( الجيمورفولوجي ) أو ما يمكن تسميتهُ (بنقمة
الطبيعة)؛ فهو التآكل الذي يحدث في الجانب العراقي من النهر؛ بسبب عملية المد
والجزر إضافة إلى حركة الزوارق الكبيرة، والتي تقدم خدمة جليلة للإيرانيين، حيث
تولد تيارات ناحتة للساحل العراقي، تساعد على زحف المياه باتجاه العراق، وبالمقابل
تزيد من يابسة الجانب الآخر.
ويذكر
مالك حسن مدير مركز علوم البحار بجامعة البصرة ذلك بقوله:" إن تلك الظاهرة
غيرت من طوبوغرافية المنطقة بحساب التمدد المساحي لما يحمله النهر من طمي مجروف من
الأراضي العراقية ليقذفه في الجرف الإيراني، مما جعل الجرف الشرقي التابع لإيران
يتمدد على حساب الجرف العراقي المقابل، وبالتالي إضافة مساحات جديدة لإيران من
الطين العراقي".وتحدده وزارة الموارد المائية العراقية في عدة مناطق وهي:
منطقة سيحان وهي التي يحدث فيها اكبر عملية تآكل للساحل؛ بسبب انحراف شط العرب
بشدة داخل الأراضي العراقية حيث أن خط التالوك حدد من هذه المنطقة وهو الذي يمثل
الحدود الفاصلة بين العراق وإيران_ وكذلك جزيرة أم الرصاص ومنطقة جنوب السيبة
وغربي منطقة المخراق ومنطقة الهاتف، ومنطقة كوت عكاب في قضاء الفاو، وتظهر لنا
تآكلاً سنويا بمقدار 22750م2، أي ما يعادل 9.1 دونما ، وإن هذا التآكل يعني إن خط
التالوك يتحرك باتجاه العراق، وهذا لا يعني خسارة أراض عراقية فحسب، ولكن يعني
خسارة في المياه الإقليمية والموانئ العراقية، ولو بقيت هذه الأمور على ما هي عليه
فان الميناء العائم الرئيس لتصدير النفط العراقي (خور العمية) سيكون يوماً داخل
الأراضي الإيرانية، وعند ذاك سوف لا يكون للعراق أي منفذ بحري، لاسيما وان هناك
جهات غير رسمية إيرانية تقول إن خور العمية يقع داخل المياه الإقليمية الإيرانية.
ومن
الملاحظ إن عمليات جرف اليابسة العراقية قد جعلت جزيرة أم الرصاص (وسط مجرى شط
العرب ذات الأهمية الكبيرة على مستوى السوق العسكري) أكثر قربا للجرف الإيراني
الذي يتمتع بتوفر عقد مواصلات مهمة في ميناء المحمرة ووجود مطار عبادان مما يجعل
الجزيرة ضمن اهتمامات القادة الإيرانيين الجيوبوليتيكية بلعب دور اكبر في منطقة
الخليج العربي، والعراق كما هو معروف دولة ذات موقع شبه حبيس وهي من بين الدول
الخليجية التي تمتلك اقصر السواحل عليه؛ فان أي تنازل من قبل العراق عن
مياهه معناه التضييق على العراق بحريا وخاصة انه لا يمتلك إي منفذ بحري سوى ما يطل
به على الخليج العربي.
قامت
وزارة الموارد المائية العراقية عام 2005م بمحاولة معالجة المشكلة بتنفيذ مشروع
حماية شط العرب عن طريق تثبيت صفائح حديدية مسندة ولمسافة 500م في أحرج موقع
لمناطق التآكل، وباشرت بالفعل عملية حماية الساحل، لكن العمل توقف لأسباب غير
معروفة؟! ليبقى شط العرب يعاني من جار يسعى دائما لابتلاعه، والى طبيعة تنخر في
جسده، والى إهمال حكومي متعمد؟!.دون أي حلول سريعة أو حتى مستقبلية تتفادى مشاكل
الزحف الايراني البشري والطبيعي لشط العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق