التسميات

الجمعة، 26 سبتمبر 2014

علم الجيومورفولوجيا - المحاضرة الأولى ...


المحاضرة الأولى

مفهوم علم الجيومورفولوجيا
      يعتبر علم الجيومورفولوجيا من العلوم الأرضية الحديثة التي لم يتبلور موضوعه ومنهج البحث فيه إلا في غضون القرن التاسع عشر .  وهو كأي علم آخر له موضوع و منهج دراسة . والصلة بين الموضوع والمنهج وثيقة  .  وحيث أن موضوع اى علم متطور . فان هذا التطوير ينعكس بالضرورة على منهج دراسته. وإذا ما حاولنا أن نستوضح موضوع علم الجيومورفولوجيا نجد أن تلامذة هذا العلم اعتادوا تحديد  موضوعه على مناقشة المقاطع التي يشمل عليها المدلول اللفظي الذي أخذ عنوانا لهذا العلم  . فكلمة Geomorphology تنقسم إلى ثلاثة مقاطع تعطى معنى يؤخذ على أنه موضوع هذا العلم . فمقطع " " Geoمعناه باليونانية   الأرض ،  و مقطعMorpho " معناه الشكل الخارجي . ثم مقطع "Logos" ومعناه " العلم " . ومن هذا تعطينا كلمة جيومورفولوجى معنى عاما للدراسة الجيومورفولوجية . وهو دراسة الشكل الخارجي للقشرة الأرضية . وبمعنى آخر يمكن أن يقال أن مادة هذا العلم هي الشكل الخارجي لسطح الكرة الأرضية وما يمثله من تضاريس. 



تطور الفكر الجيومورفولوجى :
  رغم أن علم الجيومورفولوجيا من العلوم الحديثة التي وضع الإنسان قواعده و أصوله عند بداية القرن الماضي . ومع ذلك فكر الإنسان القديم منذ ظهوره على سطح الأرض في أشكال البيئة الطبيعية التي يعيش فيها.
وتعد أقدم الدراسات التي تختص بدراسة أشكال سطح الأرض وتكوين الكرة الأرضية هي التي ظهرت في عهد الإغريق نذكر منهم :
هيرودوت  ( 485- 425 ق . م )  والذي عرف بأبو التاريخ فقد أوضح بأن دلتا مصر عبارة عن طبقات من الصلصال تترسب مع كل فيضان سنوي لنهر النيل ،  ومن هنا استنتج أن دلتا النيل هي المنطقة التي بناها النهر وأنها تربة خصبة يعيش عليها سكان مصر في الزراعة ومن هنا كانت قولته المشهورة " مصر هبة النيل " .كذلك دلل هيرودوت على وجود الحواجز الساحلية في شمال مصر و فوقها بقايا أصداف و هياكل بحرية بان مستوى سطح البحر لم يكن ثابتا خلال العصور السابقة و انه كان أعلى من مستواه الحالي .
أرسطو ( حوالي 350 ق . م )  بين أن الينابيع في بلاد الإغريق عبارة عن مياه جاءت من باطن الأرض. إما بسبب ما يتسرب من مياه الأمطار أو بنقل الغازات الموجودة في باطن الأرض  .  كذلك بين أرسطو أن الرواسب النهرية تأخذ في الصغر وحجمها يستدق كلما نقلت لمسافات طويلة مع النهر وأنها تبدو في صورة رواسب طينية دقيقة تشكل ما يعرف بدلتاوات الأنهار ، وبين أمثلة بذلك على الأنهار التي تصب في البحر الأسود.
كما بين أرسطو أن الزلازل و البراكين نشأتها واحدة ،  فهي عبارة عن غازات ساخنة في باطن الأرض.ونتيجة لتحركها تخرج إلى أعلى في صورة براكين أو أنها تعمل على تكسير قشرة الأرض فتهتز في صورة زلازل.
استرابو ( ق25   . مأوضح أن ارتفاع و انخفاض أجزاء من سطح الأرض ترجع إلى فعل الزلازل و البراكين ، كما بين أن بناء الدلتا وات النهرية يتم ببطء نظرا لاستمرار تآكل رواسبها بفعل الأمواج وعمليات المد والجزر.
   وقد اضمحل الفكر الجيومورفولوجى خلال الفترة الزمنية الممتدة من نهاية العصر الإغريقى حتى العصور الوسطى ، ويرجع الفضل إلى بعض الكتاب العرب الذين حافظو على الدراسات الإغريقية القديمة  بل وأضافوا إليها ،  ولعل ذلك يظهر في مخطوطات الرحالة العرب القديمة وفيها وصفا تفصيليا لأشكال السطح في البلدان المختلفة خاصة في حوض البحر المتوسط وشبه الجزيرة العربية ، كما برعوا في وصف الصحراء وأشكال التلال والكثبان الرملية  ، ونذكر من هؤلاء :
ابن سينا ( حتى 1037 م )  بين أن الجبال تنشأ بفعل حركات الرفع من أسفل إلى أعلي وان الجبال المنعزلة ما هي إلا صخور شديدة الصلابة قاومت فعل عوامل التعرية النهرية والرياح ، كما ذكر ابن سينا أن فعل عوامل التعرية يحدث ببطء شديد ، وأن الكثير من الظاهرات التضاريسية على سطح الأرض قد تكون خلال عشرات الآلاف من السنين  .
ابن خلدون  بين عملية تكوين الأرض وتوصل إلى أن مواد باطن الأرض كثافتها أعلي بكثير من كثافة قشرة الأرض . كذلك بين ابن خلدون علاقة الأغلفة (المائية و الصخرية و الغازية ) ببعضها .
أما فكر الغرب في الدراسات الجيومورفولوجية فقد بدأ في القرن 15 الميلادي اعتمادا على النظريات الافتراضية وعرفت هذه الفترة بفترة ما قبل هاطون .
ومن هؤلاء المفكرين :
ليوناردو دافنشى ( حتى  1519 م )  بين أن المجارى النهرية العميقة هي نتاج نحت المياه للأرض التي تجرى فوقها، وان رواسب الدلتا
وات نقلتها المجارى النهرية من المنابع العليا.
نيكولاس ستيني (حتى 1687م) أرجع أن التعرية النهرية هي التي شكلت معظم ظاهرات سطح الأرض.
بيفو ( حتى 1877 م )  بين أن الأنهار هي التي نحتت الصخور ، وأن ظاهرات سطح الأرض تتشكل ببطء خلال آلاف السنين ، بل تخيل أن عملية تكوين الأرض وخلقها في ستة أيام ( كما جاء في القرآن الكريم ) لدليل على أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون على مراحل متعاقبة بلغت ست مراحل .
تارجيوتى ( حتى 1784م )  بين أن الاختلاف في شكل المجارى النهرية يرجع إلى اختلاف الصخور التي تجرى فوقها .
 جيثار ( حتى 1786 م )  كان فكره جيولوجيا ،  فقد اهتم بدراسة تآكل الحافات الجبلية وتراجعها بفعل المجارى النهرية القصيرة الشديدة الانحدار . كما اهتم بفعل البحر وبين تأثير البحر يكون شديدا وواضحا على الصخور الجيرية اللينة بعكس الصخور الصلبة شديدة المقاومة .
دى سوسير ( حتى 1799م )  أول من أطلق كلمة جيولوجيا واهتم بدراسة التركيب الجيولوجي لجبال الألب والظاهرات المميزة بها ومدى تأثرها بفعل الجليد والأنهار .
دسما ريه ( حتى 1815 م ) أرجع تكوين الأودية النهرية إلى عدة مراحل وطبق ذلك على أنهار وسط وشمال فرنسا .
ثم جاءت مرحلة  جيمس هاطون    في نهاية القرن 18 ، وكانت اهتماماته بالكيمياء والجيولوجيا ، كما اهتم بالأشكال التضاريسية على سطح الأرض ، وبين هاطون أن الظاهرة التضاريسية تختلف في مظهرها من مكان إلى آخر على سطح الأرض .
وقد اهتم هاطون بحقيقتين :
الحقيقة الأولى : أن الحاضر مفتاح الماضي The present  is the key to the past . معنى ذلك أنه عند دراسة ظاهرة موجودة الآن ومعرفة مراحل تكوين وتطور هذه الظاهرة يمكن أن يرجعنا إلى الحالة الأولى التي كانت عليها هذه الظاهرة ، وبالتالي معرفة ماضي المنطقة  ، ثم التغيرات التي حدثت بها إلى أن أوصلتها إلى صورتها الحاليةحاضر المنطقة ) .
الحقيقة الثانية التي اهتم بها هاطون هي التطور التدريجي البطيء أو مايعرف بـ Uniformitarianism . وفيها بين أن الظاهرات التضاريسية الكبرى على سطح الأرض تتشكل ببطء شديد خلال ملايين السنين إلى أن تتم دورتها فى النمو والتطور . وضرب لنا مثلا بوجود تل منعزل في منطقة منبسطة لدليل على قوة مقاومته لعوامل التعرية خلال فترة طويلة .
أما مرحلة مابعد هاطون فكانت في بداية القرن 19 حيث ظهرت دراسات علمية متعددة مثل :
دراسات لويس أجازيز ، وبلاى فير ، واسمارك فى أوروبا ، وجميعها اهتمت بدراسة تأثير الجليد على سطح الأرض ، كما أن أراضى أوروبا تأثرت بأكثر من فترة جليدية في عصر البليستوسين ، وأن بين كل فترتين جليديتين كان هناك مرحلة دفيئة .
كما ظهر في ألمانيا دراسات جيومورفولوجية جادة على يد ألبرخت بنك وابنه فالتر بنك من بعده ، واهتمت هذه الدراسات بتفسير الأشكال التضاريسية والجليدية لسطح الأرض ، والاهتمام بدراسة ظاهرات الانزلاقات الأرضية وكذلك أنماط انحدارات سطح الأرض.
ظهرت في أمريكا دراسات متطورة لعلم الجيومورفولوجيا في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20 فهناك :
ماجور باويل اهتم بدراسة الظاهرات التركيبية في غرب الولايات المتحدة الأمريكية ، وصنف المجارى النهرية بها بحسب نشأتها وهو أول من أطلق مفهوم مستوى القاعدة base-level وبين أن الأنهار تنحت مجاريها و تتعمق إلى أن تصبح الأرض في الجزء الأول من النهر قريبة من مستوى سطح البحر .
وهناك العالم جلبرت (حتى 1918م) اهتم بدراسة عوامل التعرية الخارجية (الهوائية) ، كما اهتم بدراسة عمليات التعرية الجانبية للأنهار وعملية تكوين المدرجات النهرية. كما قام جلبرت بدراسة المدرجات البحرية حول البحيرة الملحية العظمى، كما درس جلبرت المناطق الانكسارية في غرب الولايات المتحدة.
وهناك العالم داتون حتى 1921م الذي اهتم بدراسة ظاهرات جيومورفولوجية متعددة في هضبة كلورا دو ، وأسباب اختلاف أشكال الظاهرة الواحدة من مكان إلى آخر ، وأوضح داتون بان ظاهرات سطح الأرض تتآكل وتتلاشى في النهاية بفعل عوامل التعرية ، حتى انه أطلق على المرحلة النهائية في تطور الظاهرة اسم مرحلة التعرية العظمى The great Denudation.
مرحلة التعرف على تطور المظهر الجيومورفولوجى :
   تعتبر هذه المرحلة بحق مرحلة هامة وأساسية في تقدم الفكر الجيومورفولوجى ، فلم يعد الاهتمام  قاصرا على معرفة أصل المظهر التضاريسى وعامل نشأته ونوعه وتصنيفه حسب هذا العامل ولكن تعدى هذا الاهتمام بمعرفة أصل الظاهرة إلى محاولة التوصل إلى معرفة عمر تلك الظاهرة ومراحل تطورها ، وقد أسس  العالم الأمريكيوليم موريس دافيز ( 1850- 1934) دعائم هذه  الدراسة  ، و ألف مئات المصطلحات الجيومورفولوجية ،   ومن خلال رؤيته لتنوع ظاهرات سطح الأرض من مكان إلى آخر توصل إلى أن هناك ثلاثة عوامل تؤدى إلى هذا الاختلاف – هذه العوامل هي :
(أالبنية والتركيب الجيولوجي Structure and Lithology   
(بالقوى التي تشكل الظاهرات   Processes
(جالزمن أو مراحل النمو Stage                          
والبنية Structure    هنا هي نظام بناء الصخور الرسوبية تظهر في صورة طبقات سواء كانت أفقية أو مائلة أو ملتوية ( محدبة أو مقعرة ) أو منكسرة ،أما الصخور النارية فتظهر كتلية الشكل .
والتركيب الجيولوجي  Lithology : فهي المواد التي تتألف منها التكوينات الصخرية وهل هي لينه لا تقاوم فعل التجوية و التعرية أم أنها صلبة شديدة المقاومة.
والقوى  Process  كما يراها دافيز فهي العوامل الخارجية التي تشكل سطح الأرض مثل فعل الأنهار،  والرياح  ، والمياه الجوفية ،  والبحر ، والجليد  وكذلك العوامل الداخلية مثل فعل الالتواءات أو الانكسارات.
أما الزمن  Stage فهو الفترة الزمنية التي تشكلت فيها الظاهرة وبالتالي إذا وجدت ظاهرتين متشابهتين من حيث البنية و التركيب الجيولوجي و كذلك العوامل الخارجية التي تشكلها ومع ذلك تتنوع الملامح و تختلف فيما بينهما فان هذا يرجع إلى اختلاف الفترة الزمنية في كل منها.
كما اهتم دافيز بدراسة مراحل تطور الظاهرة و اهتم بقول هاطون ( الحاضر مفتاح الماضي )
كما بين  أن الأودية النهرية تختلف فيما بينها تبعا لما يعرف بالدورة الجغرافية Geographic Cycle أو ما تعرف بالدورة التحاتية Erosion cycle    .
فالأنهار شديدة الانحدار يعظم فيها النحت الراسي والجانبي وبالتالي تظهر مناطق شديدة التضرس و الوعورة و بين دافيز هذه المرحلة بأنها مرحلة الطفولة Young stage اى أن عوامل التعرية مازلت قوية ثم مرحلة الشباب Stage Mature  وفيها تقل حدة التضاريس بسبب عمليات التسوية لجوانب الأنهار و قلة النحت الراسي  ،  ثم  تنضج الظاهرة  أو تشيخ   ( مرحلة النضج أو الشيخوخة (Old stage و فيها تصل إلى مرحلة الثبات والبطء .
كما قسم دافيز المراحل الرئيسية إلى مراحل ثانوية فهناك مرحلة الطفولة المبكرة ، والطفولة المتوسطة ، والطفولة المتأخرة وكذلك الحال في المراحل الأخرى .
وبين دافيز أن الظاهرة التضاريسية إذا مرت بجميع هذه المراحل بانتظام فإنها تكون قد أتمت دورتها التحاتيه وهنا يطلق عليها الدورة التحاتية الكاملة      A complete cycle   .
أما إذا حدث اضطراب خلال الدورة التحاتية مثل حدوث حركات رفع فإنها تؤدى إلى إعادة مظهر الطفولة من جديد و بداية دورة تحاتية جديدة . ومن هنا أطلق دافيز على الدورة الأولى اسم الدورة التحاتية الناقصة Partial cycle وإذا تكونت الظاهرة بأكثر من دورة تحاتية كل واحدة فيها قد اكتملت فتعرف باسم الظاهرة المتعددة الدورات التحاتية      A Multicyclic Feature .
ووجد دافيز أن هناك عاملا آخرا  قد يؤدى إلى زيادة إجراء عملية النحت الرأسي للأنهار وهو تغير مستوى سطح البحر ، فعندما ينخفض مستوى سطح البحر عن الاراضى المجاورة فان الأنهار يشتد نحتها و تعمق مجارى كي تصل إلى المستوى الجديد الذي انخفض إليه منسوب سطح البحر ، وعندما يصل النهر إلى حالة الثبات و ينعدم فيه النحت يعرف باسم النهر المنحوت أو شبه الثابت  Graded Stream.
أما إذا كان النهر يصب في بحيرة أو حوض داخلي فان النحت الرأسي للمجرى يتوقف على الفرق بين منسوب المجرى النهري ومنسوب هذا المصب، فكلما كان الفرق كبيرا كان النحت الرأسي شديدا ، ومن هنا أطلق عليه دافيز المستوى المحلى  Local level.

 ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا