التسميات

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

توازن العاصمة بين أقاليم الدولة ...

توازن العاصمة بين أقاليم الدولة

جريدة الأهرام - قضايا وآراء - الأربعاء - 15 من شوال 1429 هـ - 15 أكتوبر 2008 - السنة 133 - العدد 44508 :
بقلم د . حمدي هاشم - خبير جغرافيا بيئية :
    يعود الصدى بنغمة البحث عن عاصمة جديدة لمصر ليعيد إلى الأذهان اختلاف الرؤى وتعارض الأهداف بين قيود الفكر الافتراضي لتطبيقات المحل الهندسي وبين الموضع الجغرافي الحر‏,‏ المنتخب طبيعيا وبشريا عبر مراحل التاريخ‏,‏ وذلك بعد اختلال وظائف العمران بالقاهرة‏,‏ منذ بداية العقد قبل الأخير من القرن العشرين‏,‏ بدرجة تقترب من الفشل المكاني الكامل‏,‏ بعدما دب الشلل في عناصر وأدلة الحركة والأداء‏,‏ الأمر الذي يدخل ذلك النظام الحضري في مرحلة حرجة وأزمة مستمرة‏,‏ حيث أصبح لا سبيل أمام الحكومة ومعها خبراء التخطيط العمراني والمتخصصون في إعادة التنظيم المكاني‏,‏ من حلول للتغلب على تلك المشكلات البيئية الحادة أو السيطرة على آثارها البسيطة والمركبة نتيجة استمرار القاهرة في تضخمها العمراني غير المشهود‏,‏ وكأن المكان‏,‏ في حد ذاته‏,‏ هو المسئول عن تدهور عناصره الطبيعية وانكماش عوامله الجغرافية‏,‏ ناهيك عن انحسار فاعليته الاقتصادية أمام الوفاء بمتطلبات طيب العيش لسكانه‏.‏

    وفي حقيقة الأمر‏,‏ أن تلك الحالة العمرانية والمدنية التي آلت إليها العاصمة‏(‏ القاهرة‏)‏ تعود إلى حالة من الفقد الاقتصادي وتعطيل الاجراءات والتراخي في ضرورة الاستفادة من المخططات العامة والإستراتيجية التي أصدرتها الهيئة العامة للتخطيط العمراني‏,‏ في ظل غياب السياسات الحكومية الرامية إلى تنظيم حركة العمران البيئي‏,‏ بهدف تحقيق التوازن وتذويب الفوارق والمحافظة على تكافؤ الفرص بين أقاليم الدولة‏,‏ وذلك بإرساء قواعد عدالة التوزيع للثروة والخدمات والثوابت الحضارية بين الأقاليم والسكان في مصر‏.‏
    نعود لنؤكد أن حاضرة مصر الأولى ‏(‏ القاهرة‏)‏ هي اختزال طبيعي وخلاصة تاريخية لنظام انتخاب العاصمة المصرية‏,‏ التي استقرت حول ذلك الموقع الجغرافي علي ضفاف نهر النيل بين الوادي والدلتا‏(‏ داخل المعمور وفي وسط العمران‏)‏ ولم تكن لها إرادة في تطورها كسيرة مستمرة لصورة الإقطاع والمركزية الشديدة‏,‏ التي جعلت منها مركزا ضخما للنقل الصناعي والزراعي والحضاري على مستوى الدولة‏,‏ ومعضلة القاهرة‏,‏ لا حل لها إلا بفصل الصناعة عن السكان‏,‏ ولاسيما الصناعات الثقيلة منها والأكثر تلويثا للبيئة‏,‏ بتهجيرها إلى مواقع جديدة بعيدة عن حركة واتجاه النمو العمراني‏,‏ مع إعادة تصويب الوضع البيئي لتوطين صناعات العواصم‏,‏ وكذلك البحث عن الميزات النسبية لتسهيل حركة استيعاب الزيادة السكانية الطبيعية ونقل سكان العشوائيات إلى مدن الضواحي بالمحيط الصحراوي وكذلك الريفي داخل الحيز الإقليمي للعاصمة‏.‏ مع إيجاد الروادع التشريعية والتنفيذية لضمان تحقيق البعد الاجتماعي بمشروعات التنمية العمرانية بالدولة‏,‏ لاسيما الحكومية منها‏,‏ وليس كما حدث من سلب مخطط أراضي القاهرة الجديدة‏(‏ في الهامش العمراني لمدينة القاهرة‏),‏ من فئة السكان محدودي الدخل التي خصصتها الحكومة لهؤلاء‏(‏ منشية ناصر والدويقة وغيرها من السياج العشوائي القريب‏)‏ لتؤول فعليا بطريقة عكسية إلى تلك الفئة القادرة ماليا‏,‏ أي الأغنياء دون الفقراء من السكان‏,‏ ويتطلب الموقف أيضا‏,‏ إيقاف تصريح إعادة البناء بامتداد رقعة القاهرة‏,‏ مع نزع ملكية المباني المتهالكة والآيلة للسقوط وتحويلها إلى مناطق خضراء مفتوحة‏,‏ بعد تعويض أصحابها بقطع من الأراضي المتميزة بالمدن الجديدة المجاورة‏.‏
    وهكذا‏,‏ تتاح الفرصة لتكوين رصيد من الأراضي العقارية المتحولة بعد خلوها من وظائفها السابقة‏,‏ مما يسمح ويسهل عملية إعادة التنظيم المكاني للقاهرة على أسس علمية وعصرية‏,‏ أضف إلى ذلك‏,‏ بحث أنسب الوسائل للتخفيف من عوامل الجذب باتجاه القطب القاهري الأوحد‏,‏ بالتوازي مع الارتقاء ببيئة المدن والعواصم الإقليمية وكذلك تنمية القرية المصرية‏,‏ أي الاهتمام بالأقطاب العمرانية الموزعة بين جميع أقاليم الدولة‏,‏ حسب دافع الجغرافيا البشرية‏,‏ للتقليل من حجم تيار الهجرة الداخلية باتجاه العاصمة‏,‏ ولتثبيت السكان في مدن وعواصم الأقاليم بعد اكتمال توازنها واقترابها من الوقوف علي قدم شعلة القاهرة‏,‏ الباهرة على الدوام والاستمرار‏.‏ وعلى ذلك ينبغي للإدارة السياسية تحريك البوصلة للمستقبل باتجاه تفعيل التوازن الجغرافي والعدالة البيئية بين الأقاليم التخطيطية السبعة في مصر‏(‏ القاهرة‏,‏ الإسكندرية‏,‏ قناة السويس‏,‏ الدلتا‏,‏ شمال الصعيد‏,‏ أسيوط جنوب الصعيد‏).‏
     من هنا يتضح أن كل الحلول المقترحة جغرافيا وتخطيطيا لن تؤتي ثمارها إلا بتجديد إعلان القاهرة مدينة مغلقة بكل الحدود أمام مختلف المشروعات العمرانية الجديدة‏,‏ عدا صيانة ماهو قائم من مختلف أشكال العمران‏,‏ وذلك لمدة زمنية ليست بالقصيرة‏,‏ أي يجب الإفلات من مأزق ذلك الثقب الأسود في فضاء المعمور المصري‏,‏ ووضع نهاية عادلة لهذا الاهتمام المرضي بالقاهرة‏,‏ التي ابتلعت الأموال الطائلة وتجمدت في أراضيها الاستثمارات الضالة التي وقعت فريسة لبعض المضاربات العقارية غير الواقعية‏,‏ وبذلك وجب غلق الحديث عن عاصمة جديدة لمصر‏,‏ بتكلفتها الخيالية التي لا تقدر عليها أقوى الميزانيات المالية‏,‏ ليست في مصر وحدها بل في الدول ذات الاقتصاد المتقدم‏,‏ ناهيك عن تلك السنوات العجاف المستمرة للبرنامج الزمني لنقل العاصمة‏,‏ ذات الشتاء الاقتصادي الطويل‏,‏ التي ستمنع حدوث التوازن الحضري على مستوي مدن وعواصم الأقاليم بالدولة‏,‏ وتزيد من الحرمان التنموي للريف في الدلتا وصعيد مصر‏,‏ ومن هذا المنبر الرائد ناهض الدكتور جمال حمدان‏,‏ منذ أكثر من ثلاثين عاما‏,‏ اقتراحا مقدما عن عاصمة جديدة لمصر في شمال الصحراء الغربية بديلا عن القاهرة‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا