التسميات

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

صحراء حلوان‏..‏ مرثية المنتجع الصحي العالمي ...

صحراء حلوان‏..‏ مرثية المنتجع الصحي العالمي

جريدة الأهرام - الاثنين - ‏25 من رجب 1429 هـ - 28 يوليو 2008 - السنة 132 – العدد 44429 :
بقلم د. حمدي - هاشم خبير جغرافية بيئية 
    انفردت حلوان بمناخ صحراوي لا مثيل له وسط تلك الصحراء العظمي في شمال إفريقيا‏,‏ مما جعلها منتجعا صحيا عالميا وذلك في مرحلة ما قبل دخول الصناعة‏.‏ فكان المناخ‏,‏ حينذاك‏,‏ عاملا مؤثرا وجاذبا بدرجة كبيرة للسياحة الصحية والعلاجية‏,‏ ثم تراجع بصورة واضحة في مرحلة ما بعد دخول الصناعة‏,‏ فأصبح متأثرا بالتلوث‏,‏ بدرجة شديدة‏,‏ أفقدته القدرة على خاصية التنقية الذاتية لمكوناته‏.‏ فبقدر ما تأثرت مفردات المحيط الحيوي للمكان تغيرت العلاقة العضوية بين المناخ والإنسان‏,‏ نتيجة ذلك التوطن الصناعي بامتداد منطقة حلوان وما يتزامن معه من نمو حضري مضطرد‏.‏

    ولا ننسي أن نذكر النبات الطبيعي‏,‏ الذي لم يفلت من التلوث البيئي‏,‏ بصورة أو بأخرى‏,‏ حيث كانت الصناعة وراء تدهور بيئة منتجع حلوان الصحي بما يكتنف أوديته‏,‏ وأشهرها وادي حوف‏,‏ من شتى أنواع النباتات الصحراوية المعمرة منها والموسمية وذات الحولين‏,‏ والتي تصل في مجموعها إلى ما يقرب من مائتي نوع‏.‏ كان ذلك حتى وقت قريب بينما تشاهد الأشجار‏,‏ في الوقت الحاضر‏,‏ وقد ماتت واقفة بامتداد كورنيش حلوان‏,‏ مما يؤكد أن لمخلفات الصناعة مردودا بيئيا سلبيا على حياة تلك النباتات في أوديتها‏.‏ ناهيك عن الآثار المزمنة لملوثات الهواء الجوي حيث قد يصاب السكان المعرضون للتلوث الصناعي بالتهاب العيون المصحوب بالدموع وتهيج الأنف والشعب الهوائية وارتفاع نسبة الإصابة بالربو الشعبي والنزلات الشعبية المزمنة وسرطان الرئة وبعض أنواع السرطان الأخرى‏,‏ وكذلك ضعف الجهاز المناعي والتأثير المباشر على نمو الجهاز العصبي لدي الأطفال الذين يصابون كذلك بالأنيميا والكساح والتخلف العقلي وكثير من الأمراض الأخرى‏.‏
   ويمكن تلخيص الموقف البيئي لحلوان في أربع مراحل‏:‏ المرحلة الأولى قبل سنة ‏(1900),‏ حيث تفردت وتميزت المنطقة وسط البيئة الصحراوية بمناخها الصحي‏,‏ وبعزلتها التي أعطت الفرصة للحياة الفطرية أن تنمو وتزدهر‏,‏ وقد جذبت حلوان من الداخل هؤلاء الأثرياء سعيا وراء اقتناء موقع صحي للإقامة الشتوية‏,‏ ومن الخارج جموع غفيرة من شتى أنحاء العالم سعيا للراحة والاستشفاء‏,‏ وذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر‏.‏ المرحلة الثانية من ‏1900‏ ــ يوليو 1952,‏ حيث وقع في بدايتها اختيار حلوان لإنشاء أول مصنع باستثمارات القطاع الخاص لإنتاج الأسمنت البورتلاندي بمصر‏(‏ بطاقة إنتاجية ‏80‏ ألف طن‏/‏ سنة‏),‏ من قبل شركة الأسمنت المصرية ومقرها بروكسل وقتئذ‏,‏ في شرقي المعصرة بجبل حوف‏.‏
    وإن كان ذلك الاختيار قد حالفه الصواب لوقوع المصنع في منصرف الرياح على مسافة ستة كيلو مترات جنوب شرقي ضاحية المعادي‏,‏ إلا أنه قد توطن شمال أرض الجولف بحلوان‏,‏ ذات الشهرة العالمية‏,‏ التي تفترش مسطحا يزيد على الكيلو متر المربع‏,‏ فوق تلك الأراضي المتاخمة للصحراء شمال مدينة حلوان‏,‏ حيث كان مصنع الأسمنت يبتعد عنها بنحو خمسة كيلو مترات‏,‏ وتأسست بعد ذلك شركتا طره وحلوان للأسمنت خلال عامي‏(1927)‏ و‏(1929)‏ على التوالي‏,‏ وجدير بالذكر أن الحكومة المصرية شكلت‏(‏ في سنة‏1925)‏ لجنة لاختيار المنطقة الصناعية لمدينة القاهرة بمنطقة المعصرة‏,‏ التي لم يستقر عليها الرأي لكونها لا تملك الشروط الكافية لإقامة المنطقة الصناعية‏,‏ علاوة على أثرها البيئي في هدم المزايا الصحية لمنتجع وعيون حلوان‏.‏

المرحلة الثالثة من‏1952 ‏ ـ قبل صدور قانون البيئة في ‏1994,‏ حيث توطن مصنع القومية للأسمنت بالتنبين بعد ثلاثين عاما من توطن مصنعي أسمنت بطره وكفر العلو وذلك بعد اعتماد حكومة الثورة منطقة حلوان لتوطين الصناعات الثقيلة المدنية منها والحربية‏.‏ وقد جري ذلك بلا تخطيط حكومي وبدون تدبير استثمارات البنية العمرانية أو ضبط لحركة النمو الصناعي‏,‏ مما ساعد المصانع على التخلص من مخلفاتها الصلبة والسائلة والغازية في المحيط الحيوي‏,‏ فتدهورت بيئة المنطقة وما حولها‏.‏ المرحلة الرابعة من 1994‏ حتى الوقت الراهن حيث شكلت السياسة الحكومية وليدة العهد بالبيئة‏,‏ والتي لم تراع حق معيشة الإنسان في بيئة غير ملوثة‏,‏ نوعا من التدمير لعناصر البيئة وصحة الإنسان‏,‏ حتى بعد صدور قانون البيئة رقم ‏4 ‏ لسنة‏ 1994‏ بما يقتضيه من توفيق أوضاع المصانع وفقا لأحكامه‏,‏ وما تزامن معه من تنفيذ برنامج الخصخصة للإصلاح الاقتصادي بغرض توسيع قاعدة الملكية في ظل اقتصاد السوق‏.‏ تلك السياسات التي رحلت الأعباء البيئية إلي المستثمرين الجدد‏,‏ مما قد يعود على الصناعة نفسها بأضرار اقتصادية نتيجة التكاليف الباهظة لمكافحة التلوث‏.‏

ولا شك أن سكان منطقة حلوان الذين تمتعوا بحق طيب العيش في مكان قد صحت قواعده الجغرافية لاستقرار العمران البشري‏,‏ وحدث أن حرفة الصناعة دخلته لتتوطن فيه‏,‏ بل طغت علي حيز المكان بمخلفاتها التي تحتوي على كثير من الملوثات الضارة ببيئة المحيط الحيوي‏,‏ هؤلاء السكان الذين يؤكدون‏(‏ من واقع تمتعهم بذلك الحق‏)‏ مشاهد التغير في ملامح البيئة المحيطة بهم من خلال خبرتهم الممتدة بالمكان‏,‏ عبر صور ذهنية مستمدة من الواقع ترصد الوضع البيئي في الماضي والحاضر‏,‏ قبل وبعد دخول حرفة الصناعة‏.‏ الأمر الذي يحدد أشكال الاختلاف والتباين بين وضعين يدل صافي الفرق بينهما على مدى إشكالية التوطن الصناعي ذو البعد الواحد الذي لا يضع للبيئة أي اعتبار‏,‏ بل يضحي بكل ما هو بيئي سعيا وراء تحسين مستوي المعيشة‏.‏ أضف إلى ذلك الخروج الفعلي لبيئة ذلك المكان عن فطرتها الأولى‏,‏ في الوقت الحاضر‏,‏ حيث كانت قادرة‏(‏ بدرجة كبيرة‏)‏ على الثبات في تدوير ذاتها فبرئت مما يلوثها حتي الماضي القريب‏.‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا