صحراء حلوان.. مرثية المنتجع الصحي العالمي
بقلم د.
حمدي - هاشم خبير
جغرافية بيئية
انفردت حلوان بمناخ صحراوي لا مثيل له وسط تلك
الصحراء العظمي في شمال إفريقيا, مما جعلها منتجعا صحيا عالميا وذلك في مرحلة ما
قبل دخول الصناعة. فكان المناخ, حينذاك, عاملا مؤثرا وجاذبا بدرجة كبيرة
للسياحة الصحية والعلاجية, ثم تراجع بصورة واضحة في مرحلة ما بعد دخول الصناعة,
فأصبح متأثرا بالتلوث, بدرجة شديدة, أفقدته القدرة على خاصية التنقية الذاتية
لمكوناته. فبقدر ما تأثرت مفردات المحيط الحيوي للمكان تغيرت العلاقة العضوية
بين المناخ والإنسان, نتيجة ذلك التوطن الصناعي بامتداد منطقة حلوان وما يتزامن
معه من نمو حضري مضطرد.
المرحلة الثالثة من1952 ـ قبل صدور قانون البيئة في 1994, حيث
توطن مصنع القومية للأسمنت بالتنبين بعد ثلاثين عاما من توطن مصنعي أسمنت بطره
وكفر العلو وذلك بعد اعتماد حكومة الثورة منطقة حلوان لتوطين الصناعات الثقيلة
المدنية منها والحربية. وقد جري ذلك بلا تخطيط حكومي وبدون تدبير استثمارات
البنية العمرانية أو ضبط لحركة النمو الصناعي, مما ساعد المصانع على التخلص من
مخلفاتها الصلبة والسائلة والغازية في المحيط الحيوي, فتدهورت بيئة المنطقة وما
حولها. المرحلة الرابعة من 1994 حتى الوقت الراهن حيث شكلت السياسة الحكومية
وليدة العهد بالبيئة, والتي لم تراع حق معيشة الإنسان في بيئة غير ملوثة, نوعا
من التدمير لعناصر البيئة وصحة الإنسان, حتى بعد صدور قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994
بما يقتضيه من توفيق أوضاع المصانع وفقا لأحكامه, وما تزامن معه من تنفيذ برنامج
الخصخصة للإصلاح الاقتصادي بغرض توسيع قاعدة الملكية في ظل اقتصاد السوق. تلك
السياسات التي رحلت الأعباء البيئية إلي المستثمرين الجدد, مما قد يعود على
الصناعة نفسها بأضرار اقتصادية نتيجة التكاليف الباهظة لمكافحة التلوث.
ولا شك أن سكان منطقة حلوان الذين تمتعوا بحق طيب العيش في مكان قد
صحت قواعده الجغرافية لاستقرار العمران البشري, وحدث أن حرفة الصناعة دخلته
لتتوطن فيه, بل طغت علي حيز المكان بمخلفاتها التي تحتوي على كثير من الملوثات
الضارة ببيئة المحيط الحيوي, هؤلاء السكان الذين يؤكدون( من واقع تمتعهم بذلك
الحق) مشاهد التغير في ملامح البيئة المحيطة بهم من خلال خبرتهم الممتدة بالمكان,
عبر صور ذهنية مستمدة من الواقع ترصد الوضع البيئي في الماضي والحاضر, قبل وبعد
دخول حرفة الصناعة. الأمر الذي يحدد أشكال الاختلاف والتباين بين وضعين يدل صافي
الفرق بينهما على مدى إشكالية التوطن الصناعي ذو البعد الواحد الذي لا يضع للبيئة
أي اعتبار, بل يضحي بكل ما هو بيئي سعيا وراء تحسين مستوي المعيشة. أضف إلى
ذلك الخروج الفعلي لبيئة ذلك المكان عن فطرتها الأولى, في الوقت الحاضر, حيث
كانت قادرة( بدرجة كبيرة) على الثبات في تدوير ذاتها فبرئت مما يلوثها حتي
الماضي القريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق