التسميات

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

مستقبل العمران البيئي في إقليم القاهرة الكبرى ...

مستقبل العمران البيئي في إقليم القاهرة الكبرى
جريدة الأهرام 
الخميس - ‏12 من رجب 1428 هـ - 26 يوليو  2007 - السنة 131 -العدد 44061

بقلم : د‏.‏ حمدي هاشم - خبير جغرافيا بيئية drhhashem@yahoo.co
    يتبنى المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني الديمقراطي قضية تحديد الرؤية المستقبلية للقاهرة‏(2050),‏ في ظل تلك المتغيرات العالمية والمتطلبات القومية والإسقاطات والمصالح الإقليمية‏,‏ تمهيدا لإنتاج مخطط استراتيجي لإقليم القاهرة الكبرى يتناغم مع وظيفة العاصمة المصرية‏,‏ وذلك بإدارة حوار شامل لرصد الرأي حول الموضوع‏.‏ تلك الإرادة السياسية التي توفر للمشروع الحصول على الدعم المؤسسي من الحكومة المركزية والمحلية‏,‏ وضمان مراقبة سياسات التخطيط الحضري لرصد مسار التنمية وضبط إيقاع نمو الإقليم‏,‏ برؤية علمية شاملة‏,‏ قد توفر لها رصيدا من الدراسات السابقة‏,‏ نخص منها بالذكر‏:‏ دراسة السياسة القومية للتنمية الحضرية في مصر‏,‏ ومعها دراسة تخطيط التنمية الحضرية لإقليم القاهرة الكبرى حتى عام‏2000.‏

    حيث تؤكد الدراسة الأولى مفهوم التخطيط الاستراتيجي لإقليم العاصمة باستخدام ممرات التنمية طويلة المدى‏,‏ المتلازمة مع الخطة الأفقية لنمو العاصمة والمدن الكبرى‏,‏ حيث أكدت الدراسة ان حلول مشاكل القاهرة لن تأتي من داخلها بل لابد أن تبدأ من خارجها‏,‏ وذلك بتحسين وضع إقليم الإسكندرية باعتباره الإقليم الحضري الرئيسي المنافس للقاهرة‏,‏ مع الاهتمام بتنمية منطقة قناة السويس والتركيز علي مدينة السويس لكونها تمثل مركزا حضريا مهما‏,‏ أضف إلى ذلك ضرورة توجيه الجهود نحو ثلاث من مدن جنوب الوجه القبلي بغرض تخفيف حدة التركز السكاني في شمال الوادي والدلتا‏.‏ أما الدراسة الثانية فقد وضعت التخطيط العام لإقليم القاهرة الكبرى‏,‏ من منظور ديناميكي يتسق مع حركة التنمية الحضرية في المستقبل‏,‏ مع الأخذ في الاعتبار المراجعة المستمرة لفرضياته‏.‏
    ومن مراجعة سريعة لمراحل تطور مدينة القاهرة‏,‏ تجدها قطعا قد تجاوزت لا تخلو من روابط ثقافية لعصور مختلفة‏,‏ منذ الدولة الفاطمية ثم المملوكية حتى العثمانية‏,‏ وتري القاهرة الجديدة‏(‏ باريس الشرق‏)‏ وليدة مدة حكم الخديو إسماعيل‏(1863-1879),‏ وقد اختزلت مبانيها صفوة الفكر المعماري الأوروبي‏,‏ بتخطيط عمراني حديث يأخذ بتطور وسائل النقل والخدمات ويبرز الموقف الحضاري للمدينة‏,‏ حيث أصبحت منطقة وسط القاهرة بمثابة متحف فني مفتوح يقدم تشكيلة من المباني النادرة‏.‏ ومنذ عصر إسماعيل وحتى الآن نجد أن القاهرة قد نمت وتشكلت بتلقائية وعشوائية مفرطة‏,‏ يشهد عليها ذلك التدهور الحضري والتلوث البيئي‏,‏ في ظل غياب التخطيط العمراني المسئول عن تشكيل شخصية المكان‏.‏ ولما تعقدت المشكلات الحضرية بالقاهرة وبلغت ذروتها في التكدس السكاني والسكني والصناعي المخيف وما صاحب ذلك من أوجه القصور في وظائف المرافق والخدمات‏,‏ كان لابد من وقفة هادئة حول ذلك الموروث الحضاري للحكومات المتتالية‏,‏ لتقييم الحالة العمرانية وتحديد الصعوبات والمشاكل التي تواجه سكان القاهرة الكبرى بتركيبتهم الاقتصادية في الحاضر والمستقبل‏,‏ ومن ثم فتح باب المشاركة في الحوار الديمقراطي بين كل فئات المجتمع‏(‏ في الداخل والخارج‏)‏ لدعم الرؤية الإستراتيجية لقاهرة مصر التي ستحدد طبيعة نمو الإقليم من حولها‏.‏
    يأتي التحليق حول تلك الرؤية المستقبلية‏,‏ من منطلق أن البيئة الطبيعية هي المحور الأكثر تأثيرا في حياة الإنسان‏,‏ وأن أرض الواقع يحكمها بعض المحددات وهي‏:‏ أن القاهرة الكبرى يتوطن فيها أكبر منطقتين صناعيتين في مصر‏(‏ شبرا الخيمة وحلوان‏),‏ وأن ترتيب شدة تلوث هواء القاهرة بالأتربة العالقة‏(‏ حجم‏10‏ ميكرون‏)‏ يجعلها الثالثة بين اثنتين وعشرين مدينة علي مستوي العالم‏(‏ البنك الدولي‏ 1999),‏ وأن القاهرة تعاني من ارتفاع منسوب الماء الأرضي المختلط في الغالب بمخلفات صرف سكنية وصناعية‏,‏ قد تؤدي لكارثة بيئية نتيجة تأثير ذلك على أساسات المباني وعناصر البنية التحتية‏,‏ بالإضافة إلى وجود عديد من المواضع الأثرية هي بمثابة الأعمدة لدخل السياحة في مصر‏,‏ ولكنها تتعرض ببطء لأخطار ذلك التلوث والتدهور البيئي‏.‏ أضف إلى ذلك أن القاهرة مازالت قبلة الهجرة الداخلية من المحافظات الطاردة لسكانها‏,‏ الأمر الذي يدعو إلى إعادة التفكير في حجم ذلك الإنفاق الضخم والاهتمام الزائد بالقاهرة دون غيرها لتحقيق العدالة والمساواة بين الأقاليم والسكان‏.‏
    عند التفكير في مخطط إستراتيجي للقاهرة ينعكس علي اقتصاديات الإقليم من حولها‏,‏ لابد من تأكيد شخصية المكان العمرانية والبيئية عبر التاريخ‏,‏ الفرعوني والقبطي والإسلامي والحديث‏(‏ القاهرة الأوروبية‏),‏ وفيما يلي رؤية لأهم المشاكل الحضرية داخل الإقليم‏:‏
‏ *‏ مناطق القاهرة العشوائية والمتدهورة‏,‏ التي تمثل ببؤرها السكنية أزمة حضرية ذات مشاكل اجتماعية حادة‏,‏ تؤثر علي نوعية البيئة العمرانية من حولها‏,‏ والحل ليس في تحزيمها‏,‏ بل الارتقاء بها عمرانيا‏,‏ ولدينا التجربة الرائدة التي نفذت في عزبة الوالدة ومساكن زينهم ومنشية ناصر وغيرها‏,‏ التي تحقق هدف الارتقاء ببيئة تلك التجمعات السكانية التلقائية‏,‏ ومن ثم يمكن تعميم التجربة ‏(‏ بعد دراسة المواقع والإمكانيات‏)‏ والأخذ بمنهجها الذي يؤكد المسئولية الاجتماعية لقطاع الأعمال الخاص‏,‏ لاسيما رجال الأعمال البارزين به‏,‏ في استثمار بعض الفوائض المالية لخدمة البيئة والمجتمع‏,‏ مع جذب وتنشيط جمعيات المجتمع المدني للمشاركة في تجربة الإصحاح العمراني التطوعي‏,‏ بالتخفيف عن الشرائح الدنيا في العشوائيات التي يمكن تعظيم الاستفادة الاقتصادية منها بدلا من تهميشها أو عزلها‏.‏
 *المنطقتان الصناعيتان في شبرا الخيمة وحلوان‏,‏ وما تمثلانه من مسئولية اجتماعية مركبة‏,‏ نتيجة ذلك التدهور والتلوث البيئي المستمر في القاهرة‏(‏ التي تتنفس التلوث الصناعي‏),‏ وحل تلك المعضلة البيئية في الشمال يختلف عن الجنوب‏,‏ لأن توطن الصناعة في منطقة شبرا الخيمة يعد من كبائر غياب التخطيط العمراني ــ البيئي‏,‏ حيث تقع مصانعها في اتجاه الريح السائدة التي تلقي بحملها من الملوثات السامة فوق سكان القاهرة‏.‏ ومن واقع أن تكلفة بقاء تلك المصانع في مواقعها الحالية تفوق بكثير نقلها إلي مواقع جديدة بحساب تكاليف وأعباء أمراض التلوث وصحة المحيط الحيوي‏,‏ لذا يجب تهجير المصانع الملوثة للبيئة بمواقع بديلة في الصحراء باتجاه الشرق‏(‏ من دراسة لأمثل المواقع‏),‏ علي أن يعاد استخدام مواقعها كمخازن ومعارض تجارية لبيع المنتجات‏,‏ مع إعادة تخطيط المنطقة بما يتوافق مع الوظيفة المستقبلية للعاصمة‏.‏ أما في حلوان فيمكن الإبقاء علي المصانع القائمة في جنوبها بمنطقة التبين‏,‏ وذلك لصحة توطنها بحساب محصلة اتجاهات الرياح‏,‏ مع تحزيمها بسياج من المزروعات والأشجار ذات الأنواع الماصة لملوثات الهواء‏,‏ بما في ذلك الارتقاء بالبيئة الصناعية وتقليل الانبعاثات‏.‏ وعلى عكس ذلك يجب التفكير في نقل مصانع الأسمنت المتوطنة بمنطقة طرة‏,‏ شمالي حلوان‏,‏ لتأثيرها الضار بأتربتها وغبارها علي نوعية وجودة البيئة‏,‏ بالإضافة إلي خطورة تلك الآثار البيئية لتفجيرات الحجر الجيري بمحاجرها على المناطق المجاورة‏,‏ مما يتيح إعادة التنمية العمرانية بالمنطقة وإحياء مشروع عين حلوان السياحي‏.‏
*‏ المقابر الشاهدة بمواضعها الحالية علي حركة نمو المدينة وتوسعاتها التاريخية‏,‏ إلا أن أغلبها يتعرض حاليا لظاهرة ارتفاع الماء الأرضي‏,‏ وقبل ذلك صارت موطنا خصبا لشريحة سكانية وجدت فيها حلا اقتصاديا لأزمة الإسكان في القاهرة‏,‏ ومن ثم يمكن دراسة نقلها إلى أماكن جديدة وصحية في الصحراء خارج محاور النمو العمراني المستقبلية‏,‏ ويستثني منها المقابر ذات الصبغة الدولية ــ التاريخية‏.‏ وفي حالة نقل المقابر تحل محلها الحدائق المفتوحة‏(‏ علي شاكلة حديقة الأزهر‏),‏ زيادة في توسعة الرقعة الخضراء التي تضخ إلى الهواء كميات ضخمة من الأكسجين الحيوي لتحسين بيئة هواء القاهرة في أثناء النهار‏.‏
*‏ قضايا نقل المصالح الحكومية إلي الأطراف وتفريغ قلب العاصمة منها‏,‏ مع إيجاد وسيلة نقل لموظفيها‏(‏ سهلة واقتصادية‏)‏ ولتكن كجهاز نقل الركاب للقوات المسلحة بالمنطقة المركزية‏.‏ وإعلان أن القاهرة مدينة مغلقة أمام المشروعات الاقتصادية الجديدة‏(‏ طرح في عام‏1973).‏ ولتعظيم الاستفادة من إمكانيات مرفق مترو الأنفاق‏,‏ والتخفيف من كثافة وحركة المرور داخل العاصمة‏,‏ والاستفادة البيئية من المساحة التي تشغلها حاليا خطوط السكك الحديدية داخل القاهرة الكبرى‏,‏ حيث أوصت دراسة بأن تكون محطة شبرا الخيمة لقطارات الوجه البحري ومحطة الجيزة لقطارات الوجه القبلي‏.‏ وأخيرا الإبقاء علي نهر النيل كبحيرة هادئة توفر للمدينة التنوع البيئي‏,‏ مع عدم التوسع المستقبلي في المشروعات الاقتصادية المرتبطة بنهر النيل للحفاظ علي بيئة مصدر مياه الشرب من التلوث‏,‏ ومن ناحية أخرى يجب النظر بعين الاعتبار للضغوط البيئية المحتملة نتيجة التغيرات المناخية المقبلة ولاسيما ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة وتذبذب وفصلية المطر وارتفاع منسوب سطح البحر‏,‏ التي تقتضي ضرورة إعادة توزيع السكان في المعمور المصري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا