جريدة الأهرام - قضايا وآراء - الاثنين
- 16 من جمادى الأولى 1430 هـ - 11 مايو 2009 م - السنة
133 - العدد 44716 :
بقلم د. حمدي هاشم :
جاء مصطلح الأمن الإنساني في
منتصف تسعينيات القرن العشرين, مواكبا للتحولات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية التي شهدها العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة, والذي ركز علي
الفرد وليس الدولة كوحدة سياسية, وأكد أن أية سياسة أمنية يجب أن يكون الهدف
منها تحقيق أمن الفرد بجانب أمن الدولة وقد سبق مصطلح الأمن البيئي الأمن الإنساني(
منذ عام1977) بالتقارير العسكرية والأمنية والدراسات السياسية والإستراتيجية
لتلافي الآثار البيئية المدمرة للحروب.
وكذلك الكوارث الطبيعية أو
البشرية ومن الثابت بمختلف فروع المعرفة أن للأمن البيئي مردودا مباشرا وغير مباشر
على الاقتصاد القومي للدولة في وقت السلم وعند تعرضها للهجوم العسكري, ولا يوجد
تعريف متفق عليه للأمن البيئي, بل جاء متفرقا بين عدد من البلدان, هي روسيا
ودول الكومنولث المستقلة والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الصين واستراليا المجر
والأرجنتين بل قد غاب التعريف على مستوي المنظمات الدولية, ومنها نهاية القرن
العشرين, وهنا يتأكد أنه رغم الجهود الضخمة المبذولة في مرحلة ما بعد الحرب
الباردة, فقد غاب الإجماع علي تعريف للأمن البيئي وأن كان تناوله ظل مرتبطا
بوجهات النظر في التصريحات الرسمية والسياسات والاتفاقيات الدولية.
بدأت دولة روسيا الاتحادية ـ منذ
عام1994 ـ أن الأمن البيئي هو حماية الطبيعة والبيئة والمصالح الحيوية للمواطنين
والمجتمع والدولة من التأثيرات الداخلية وكذلك أخطاء عمليات التنمية التي تهدد صحة
الإنسان والتنوع البيولوجي واستدامة النظم الايكولوجية والتي قد تؤثر بدورها على الوجود البشري تلا ذلك برنامج وزارة الدفاع الأمريكية الذي تضمن الأمن البيئي منذ
عام1996 لدعم إدارة الدفاع والبيئة والتوعية بالصحة والسلامة المهنية وتفعيل
دورها المستمر لأمن الأنشطة البيئية باستخدام وسائل العلاج المبكر والالتزام
بالمعايير البيئية والحفاظ على البيئة ومنع التلوث من المنبع وتقنيات الأمن البيئي
بالإضافة إلى مراقبة الأنشطة الدولية وذلك حتى ألقت منظمة الأمم المتحدة مشروعها
الدولي لتحديد ملامح الرؤية المستقبلية للقرن الواحد والعشرين بمشاركة العلماء
ورجال الأعمال والمخططين وواضعي السياسات بالمنظمات الدولية والحكومات والشركات
والمنظمات غير الحكومية وكذلك الجامعات من أجل توفير معطيات الإطار الفكري والبحثي
وصولا إلى تحديد أنسب الخيارات لكيفية تحسين الوضع البشري, ومنها دراسات الأمن
البيئي.
وهكذا أصدرت الأمم المتحدة
تقريرها السنوي بعنوان: دولة المستقبل( منذ عام1997) لعرض الأفكار
والاتجاهات والسيناريوهات علي كافة المستويات العالمية والإقليمية والوطنية وذلك حتى
صار مفهوم الأمن البيئي مذهبا ملزما في إدارة القضايا البيئية المتعلقة بالعمليات
العسكرية, وفي المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات البيئية المتصلة بالأمم
المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى, وطال مذهب الأمن البيئي الجرائم البيئية في
العمليات العسكرية وواجبات المحكمة الجنائية الدولية بشأنها, بل أصبح بعد عام 2003
من أعمدة رؤية الأمم المتحدة لتحديد الوضع البيئي المتوقع بمختلف دول العالم,
خلال المدة من 2010 ـ 2025, ارتباطا بالموقف الدولي الراهن للقوات العسكرية
الأمريكية وفي حقيقة الأمر يعد الأمن البيئي وليد مخاوف الأمن القومي بتلك الدول
العظمي من تناقص الموارد الطبيعية وتدهور البيئة العالمية, وضرورة أن تضطلع
المؤسسات العسكرية والأمنية وأجهزة المخابرات بدور أكبر في حماية البيئة من كل ما
يضر بها.
وهكذا تندمج البيئة في السياسة
والاقتصاد على المستوي العالمي, ولا تفرق في قضاياها بين الدول المتقدمة
والنامية, وقد أسهم النظام الاقتصادي العالمي القائم على زيادة الاستهلاك في
تصدير التلوث إلى الدول الفقيرة التي أصبحت ملاجئ للصناعات القذرة وتأتي الإستراتيجية
البيئية الأمريكية مخالفة لمبادئ الإجماع الدولي, مثل رفضها التوقيع علي معاهدة
التنوع البيئي لمؤتمر قمة الأرض 1992 وكذلك معاهدة الأمم المتحدة لحظر التجارب
النووية 1996 وأيضا معاهدة كيوتو للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري1997 بالإضافة إلى
انعدام مبادرتها لتحسين موقفها الانفرادي كأكبر ملوث للهواء في العالم ونأتي
للمنطقة العربية ودولة إسرائيل التي تخطي أمنها البيئي الحدود الجغرافية للتوسع,
والتي في طريقها لإنشاء محطة طاقة نووية قرب الحدود المصرية تدخل الخدمة عام2020
وأثرها البيئي التراكمي مع مفاعل ديمونة الذي يعاني من مشكلات خطيرة علي تزايد
معدلات التلوث في الحيز المكاني ولا سيما أراضي سيناء أضف إلى ذلك السيناريوهات
المخيفة لمشروع قناة البحر الميت بين الأردن وإسرائيل وخطورتها على تزايد احتمالات
حدوث الزلازل بمنطقتي شمال خليج العقبة وجنوب سيناء.
وكذلك أثرها الخطير والمدمر على البيئة الساحلية لشبه جزيرة سيناء والبحر الأحمر ناهيك عن عدم اتساق النظام
الاقتصادي العالمي ممثلا في منطقة التجارة الدولية مع المبادئ العامة للأمن البيئي,
حيث تكون الغلبة لمصلحة العلاقات الاقتصادية بين الدول بغض النظر عن التوازن والأمن
البيئي لكوكب الأرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق