الكتلة
الحرجة في التخطيط القومي
وإن كانت تنمية الأقاليم
مركزية على المستوى القومي فإنها تعاني في مستواها المحلي من تهميش وتراكمات
وسلبيات لا تساعد على تنفيذ الأهداف القومية للمخططات الإستراتيجية، بل قد يجهض القصور في التخطيط المحلي
ميلاد التنمية البشرية المنتظرة. وهكذا تظل الأقاليم أسيرة حدود جغرافية متوارثة
غير قادرة على إثراء مختلف عمليات الإصلاح والتي لا تحقق مع ضعف الإدارة المحلية
أهداف الخطط الإقليمية والقدرة على الاندماج في الخطة القومية. أي أن التنمية
المحلية هي الكتلة الحرجة في التخطيط القومي الأمر الذي كان وراء ذلك الانفلات
العمراني غير المخطط وسقوط الاحترام للحيز العمراني في المدينة أو القرية، ذلك
الحيز العمراني الذي في المدينة أو القرية، ذلك الحيز العمراني الذي يلهث وراء
متطلبات النمو السكاني وغالباً ما تنتهي صلاحيته قبل انقضاء زمنه الافتراضي، مما
يفضي إلى مزيد من العشوائية في العمران واتساع الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين
السكان.
يتركز حسب الصورة العامة للسكان (2010) نحو ثلثي سكان الحضر داخل ثلاث عشرة
محافظة تزيد فيها نسبة الحضرية عن 40 % من جملة سكانها، وتشمل أقاليم القاهرة
الكبرى والإسكندرية ومدن القناة وأسوان ومحافظات سيناء ومطروح والوادي الجديد
الصحراوية.
بينما تستقطب مثيلتها الأقل حضرية ثلث سكان الحضر وتشمل معظم محافظات الدلتا
والوادي عدا أسوان. وإن كانت قد تضخمت الفئة الأولى بما تشغله من المساحة
الإجمالية ومساحة السكن وأثرت بذلك في وضع الفئة الثانية التي جاءت هزيلة المساحة
بسبب خلوها من أراضي الظهير الصحراوي، حيث جذبت الفئة الأكثر حضرية كل المحافظات
الصحراوية بينما استأثرت الفئة الأقل حضرية بأغلب المحافظات الزراعية. ولا يبتعد
عن ذلك مركب السكان الاقتصادي ومتوسط نصيب الفرد من الناتج الإجمالي القومي وكذلك
مؤشر التنمية البشرية، حيث بلغ عدد الفقراء بين سكان مصر حوالي 14 مليون نسمة يتركزون بنسبة 79%
بالمحافظات الأقل حضرية والتي تستقطب كذلك 83% من الفقراء المدقعون الذين يصل
عددهم إلى نحو 4 ملايين نسمة، وذلك حسب البيانات الرسمية.
أما عناصر الحرمان البشري فقد تركزت بين سكان المحافظات الأقل حضرية على
النحو التالي: 92%، 89%، 78.5%، 63%، يعيشون بمناطق تفتقر إلى مياه الشرب النقية
وغير مخدومة بالصرف الصحي ومن الأميون والمتعطلون عن العمل، على التوالي من جملة
سكان مصر،والفرق البائن بينهما يؤكد أن الأكثر حظاً فيما ذكر سكان المحافظات
الأكثر حضرية. وإن كانت فلسفة التعديل الإداري الأخير، قبل إعادة حكومة شرف
الوضع إلى نصابه، بإضافة محافظتان جديدتان داخل إقليم القاهرة بهدف تخفيف الضغط العمراني على مدينتي
القاهرة والجيزة القديمتين مع تركيز التنمية العمرانية خارج كتلتيهما في مناطق
صحيحة وقادرة على استيعاب الزيادة السكانية المتوقعة لإعادة توزيع السكان، وكذلك الارتقاء بالمناطق المتدهورة والفقيرة
المنتشرة بالأطراف، إلا أن ذلك التفتيت الإداري لم يراعي توصية اللجنة القومية
لبحث مشاكل العاصمة (1992) بضرورة الدمج بين المستويين التخطيطي والتنفيذي باعتبار
القاهرة الكبرى تمثل وحدة عمرانية حضرية واحدة يجب وضعها تحت جهاز إداري واحد، ليتسنى تنفيذ الرؤية الشاملة
للتخطيط الإقليمي. وبذلك لم يحقق التقسيم الإداري المقومات الاقتصادية والاجتماعية
والقدرة على المنافسة في ظل تلك التطورات السياسية والاقتصادية المتتالية التي يمر بها المجتمع المصري.
مما ينقلنا للتفكير في تقسيم جديد للمحافظات والأقاليم بدلالة القدرة على
حسن إدارة كل من الموارد الطبيعية والخدمات لصالح التكامل بين إدارة الثروة
القومية ورفع مستوى دخل السكان. وذلك في ظل تقوية دور المؤسسات القائمة باتجاه
تعظيم قدرتها على إدارة التغير المطلوبة لعملية التنمية المستديمة والتخلي عن
دعم القدرات المؤدية إلى حالة التأقلم أو البقاء وذلك بتبني سياسات إصلاح بنية
الإدارة المحلية لتصبح ذات أساليب خلاقة وملائمة للتنمية المستديمة وتؤدي إلى
توسعة قاعدة التعليم الاجتماعي لتطوير قدرة المواطن على حل مشكلاته واختيار
أنسب الوسائل لتحقيق أهدافه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق