التسميات

الجمعة، 10 أكتوبر 2014

نحو استراتيجية قومية للتنمية الحضرية في مصر ...

نحو استراتيجية قومية للتنمية الحضرية في مصر 


جريدة الأهرام - الأثنين -  مايو 2007 -20 من ربيع الآخر 1428 هـ -  ‏السنة 131-  العدد 43981 :

بقلم : د‏.‏حمدي هاشم - خبير جغرافيا بيئية

    من قراءة برنامج الرئيس مبارك للعبور للمستقبل‏,‏ تري بوضوح شديد التركيز على البعد الاقتصادي ــ الاجتماعي لعدالة التوزيع بين الأفراد والأقاليم الذي لا يزال تراه كخط درامي متصل في نسيج برامجه الستة المحددة‏.‏ ذلك البعد الإستراتيجي القومي‏,‏ الذي فيه يكمن الداء ومنه يأتي الدواء لكافة المعضلات والمشكلات‏,‏ ولاسيما ظاهرة النمو العشوائي للعمران الحضري في مصر‏.‏ وتحويل ذلك البعد الاستراتيجي الهام إلي واقع فعلي‏,‏ لا يأتى إلا من خلال الدعم المؤسسي والقانوني والإداري والتمويلي لتقسيم مصر إلى الأقاليم التنموية السبعة المعتمدة بالمفهوم الشامل للتخطيط على المستويين الإقليمي والقومي‏.‏


   وذلك تمهيدا لتفعيل مناخ الاستثمار الحر وتوفير فرص العمل ورفع مستوي معيشة الأفراد‏,‏ من خلال برامج زمنية لتعظيم الإمكانات المكانية ــ الاقتصادية داخل النطاق التخطيطي لكل إقليم‏,‏ بمرجعية تؤدي إلى تعزيز فرص الفقراء وزيادة حصتهم في الاقتصاد والتنمية‏,‏ وتحافظ علي حقوق المواطنة في مصر‏,‏ وتعتمد على تنمية القطاع الخاص الوطني‏.‏ ويلزم ذلك الأخذ بنظام محافظ الإقليم‏,‏ الذي يضم أكثر من محافظة حالية‏,‏ المؤيد بصلاحيات متوافقة ومناسبة لكل مرحلة من مراحل التطوير‏,‏ مع تهيئة بوابة حكومية ــ مدنية لمراقبة سياسات التنمية الحضرية المستدامة في مصر‏.‏

   ومن تحليل الحالة الراهنة للعمران الحضري في مصر‏,‏ باعتبار نسبة‏40 %‏ كحد فاصل للحضرية بين محافظات مصر الأكثر والأقل حضرية‏,‏ اعتمادا على بيانات سنة‏ 2004‏ وتقرير التنمية البشرية في مصر لسنة‏ 2003,‏ نري تضخما شديدا بالمحافظات الأكثر حضرية بما استقطبته من سكان الحضر ومساحة الأراضي الجديدة‏(‏ المستصلحة‏)‏ ومن المصانع كبيرة الحجم والمتوسطة والصغيرة ومن خدمات التغذية بمياه الشرب النقية ومحطات الصرف الصحي والإمداد بطاقة الكهرباء للصناعة والإنارة وإجمالي الخطوط التليفونية واستقطاب النصيب الأكبر من مشروعات الإسكان الحكومي‏(‏منخفض التكاليف ـ الاقتصادي ـ المتوسط ـ فوق المتوسط والفاخر‏),‏وكذلك فقد حصلت المحافظات الأكثر حضرية علي نصيب مرتفع للفرد من الناتج الإجمالي القومي‏(‏في المتوسط‏)‏ يزيد بنسبة‏175%‏ عن مثيله بالمحافظات الأقل حضرية‏,‏ وبالتالي فقد حصدت قيما مرتفعة للتنمية البشرية في محافظاتها‏.‏
   ونجد على النقيض أن المحافظات الأقل حضرية قد ظهرت فقيرة مسربلة بالهموم والأمراض والمشكلات الحضرية‏,‏ رغم ضخامة رصيدها القديم من الأراضي الزراعية‏,‏ فهي إذن صاحبة الوقف الزراعي للغير والمسئولة عن‏57,5%‏ من سكان مصر الذين يسكنون الريف‏,‏ علاوة على سكانها من الحضر‏.‏ ورغم ذلك فلم تحصل على الخدمات والتمويل التنموي تبعا لوضعها السكاني ومسئولياتها الاقتصادية والاجتماعية‏,‏ حيث لم تحظ بنصيب يكافئ ذلك الحمل الثقيل‏,‏ أضف إلى ذلك أن الفرد من سكان تلك المحافظات الأقل حضرية يكاد يحصل‏(‏ في المتوسط‏)‏ على نصف ما يحصل عليه قرينه من الناتج الإجمالي القومي بالمحافظات الأكثر حضرية‏,‏ مع اعتبار أن السكان بالمحافظات الأقل حضرية يشكلون‏64%‏ من سكان مصر‏,‏ مما يؤكد سوء العدالة في توزيع الثروة بين الأقاليم وسكانها‏,‏ زد على ذلك تفشي كل ملامح الحرمان البشري بينهم‏.‏
   يتضح مما سبق غياب العدالة في توزيع الثروة بين المحافظات الأكثر حضرية والأقل حضرية‏,‏ نتيجة غياب السياسات الحكومية التي تتبني تحقيق التنمية الريفية الحضرية المتوازنة‏,‏ أي التنمية الجغرافية الشاملة من خلال الخطط والبرامج والسياسات العمرانية على المستويين الإقليمي والقومي‏.‏ ومن هنا نستطيع إقرار أن السبيل للوصول إلى ذلك التكامل المطلوب‏,‏ لا يكون إلا بإيجاد أولوية على المستوي القومي لتوفير مصادر تمويل استثمارات رفع الكفاية الإنتاجية في الريف‏,‏ من خلال مشروعات تتناسب مع اقتصاديات الأرض الزراعية‏,‏ وذلك من أجل الارتفاع بدخل سكان الريف وتقوية القدرة الفعلية ليتمكنوا من تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية‏.‏ زد علي هذا مطلب قومي يحتم ضرورة الارتقاء وكفاية المرافق والخدمات في الريف لتقليل الفوارق بين الريف والحضر‏,‏ وبذلك يمكن التقليل أيضا من تيار الهجرة السلبية من الريف باتجاه الحضر‏,‏ وما يتلازم من تلك الأزمة الاقتصادية ــ البيئية نتيجة عدم التوازن بين ذلك النمو السكاني الكبير وتلك المحاولة المصيرية في الحفاظ على هذا الرصيد الصغير من الأرض الزراعية‏.‏
   تجدر الإشارة هنا إلى دراسة السياسة القومية للتنمية الحضرية في مصر‏NUPS,‏ التي أعدت بمرجعية علمية متعمقة وخبرة استشارية محلية وعالمية‏,‏ خلال المدة من‏1980‏ ــ‏1982,‏ لصالح اللجنة الاستشارية للتعمير بوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية‏,‏ وذلك بتمويل مشترك‏(‏ مصري‏/‏ أمريكي‏)‏ مع وكالة التنمية الدولية الأمريكية‏,‏ حيث تعد تلك الدراسة بمثابة الركن الاستشاري ــ الفني والتشريعي ضمن مشروع قومي كبير للإسكان ورفع مستوي السكان ذوي الدخول المنخفضة في مصر‏,‏ تبعا للاتفاقية الموقعة بين الحكومتين المصرية والأمريكية الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم‏ 40‏ لسنة‏ 1979,‏ ذلك المشروع الممول بمنحة أمريكية مقدارها‏ 80‏ مليون دولار‏(‏ بالجنيهات المصرية بأسعار سنة‏1978)‏ ومبلغ مماثل من الحكومة المصرية‏,‏ وقد تم البحث عن تقارير تلك الدراسة الهامة‏,‏ فوجد أنها لم تصل إلى مراكز الأبحاث المتخصصة أو الأخرى ذات الصلة بموضوع التنمية الحضرية‏,‏ وسواء في الجامعات أو المعاهد البحثية أو الوزارات والهيئات المختلفة‏,‏ وبذلك فقدت الدراسة الحد الأدنى من الانتشار العلمي المطلوب لتعظيم الاستفادة منها‏.‏ فهل من إعادة للنظر في أسانيد تلك الدراسة لتكون نواة نحو إستراتيجية قومية للتنمية الحضرية في مصر‏.‏ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا