نحو استراتيجية قومية للتنمية الحضرية في مصر
بقلم : د.حمدي هاشم - خبير جغرافيا بيئية
من قراءة برنامج الرئيس مبارك للعبور للمستقبل, تري بوضوح شديد التركيز على البعد الاقتصادي ــ الاجتماعي لعدالة التوزيع بين الأفراد والأقاليم الذي لا يزال تراه كخط درامي متصل في نسيج برامجه الستة المحددة. ذلك البعد الإستراتيجي القومي, الذي فيه يكمن الداء ومنه يأتي الدواء لكافة المعضلات والمشكلات, ولاسيما ظاهرة النمو العشوائي للعمران الحضري في مصر. وتحويل ذلك البعد الاستراتيجي الهام إلي واقع فعلي, لا يأتى إلا من خلال الدعم المؤسسي والقانوني والإداري والتمويلي لتقسيم مصر إلى الأقاليم التنموية السبعة المعتمدة بالمفهوم الشامل للتخطيط على المستويين الإقليمي والقومي.
وذلك تمهيدا لتفعيل مناخ الاستثمار الحر وتوفير فرص العمل ورفع مستوي معيشة الأفراد, من خلال برامج زمنية لتعظيم الإمكانات المكانية ــ الاقتصادية داخل النطاق التخطيطي لكل إقليم, بمرجعية تؤدي إلى تعزيز فرص الفقراء وزيادة حصتهم في الاقتصاد والتنمية, وتحافظ علي حقوق المواطنة في مصر, وتعتمد على تنمية القطاع الخاص الوطني. ويلزم ذلك الأخذ بنظام محافظ الإقليم, الذي يضم أكثر من محافظة حالية, المؤيد بصلاحيات متوافقة ومناسبة لكل مرحلة من مراحل التطوير, مع تهيئة بوابة حكومية ــ مدنية لمراقبة سياسات التنمية الحضرية المستدامة في مصر.
ومن تحليل الحالة الراهنة للعمران الحضري في مصر, باعتبار نسبة40 % كحد فاصل للحضرية بين محافظات مصر الأكثر والأقل حضرية, اعتمادا على بيانات سنة 2004 وتقرير التنمية البشرية في مصر لسنة 2003, نري تضخما شديدا بالمحافظات الأكثر حضرية بما استقطبته من سكان الحضر ومساحة الأراضي الجديدة( المستصلحة) ومن المصانع كبيرة الحجم والمتوسطة والصغيرة ومن خدمات التغذية بمياه الشرب النقية ومحطات الصرف الصحي والإمداد بطاقة الكهرباء للصناعة والإنارة وإجمالي الخطوط التليفونية واستقطاب النصيب الأكبر من مشروعات الإسكان الحكومي(منخفض التكاليف ـ الاقتصادي ـ المتوسط ـ فوق المتوسط والفاخر),وكذلك فقد حصلت المحافظات الأكثر حضرية علي نصيب مرتفع للفرد من الناتج الإجمالي القومي(في المتوسط) يزيد بنسبة175% عن مثيله بالمحافظات الأقل حضرية, وبالتالي فقد حصدت قيما مرتفعة للتنمية البشرية في محافظاتها.
ونجد على النقيض أن المحافظات الأقل حضرية قد ظهرت فقيرة مسربلة بالهموم والأمراض والمشكلات الحضرية, رغم ضخامة رصيدها القديم من الأراضي الزراعية, فهي إذن صاحبة الوقف الزراعي للغير والمسئولة عن57,5% من سكان مصر الذين يسكنون الريف, علاوة على سكانها من الحضر. ورغم ذلك فلم تحصل على الخدمات والتمويل التنموي تبعا لوضعها السكاني ومسئولياتها الاقتصادية والاجتماعية, حيث لم تحظ بنصيب يكافئ ذلك الحمل الثقيل, أضف إلى ذلك أن الفرد من سكان تلك المحافظات الأقل حضرية يكاد يحصل( في المتوسط) على نصف ما يحصل عليه قرينه من الناتج الإجمالي القومي بالمحافظات الأكثر حضرية, مع اعتبار أن السكان بالمحافظات الأقل حضرية يشكلون64% من سكان مصر, مما يؤكد سوء العدالة في توزيع الثروة بين الأقاليم وسكانها, زد على ذلك تفشي كل ملامح الحرمان البشري بينهم.
يتضح مما سبق غياب العدالة في توزيع الثروة بين المحافظات الأكثر حضرية والأقل حضرية, نتيجة غياب السياسات الحكومية التي تتبني تحقيق التنمية الريفية الحضرية المتوازنة, أي التنمية الجغرافية الشاملة من خلال الخطط والبرامج والسياسات العمرانية على المستويين الإقليمي والقومي. ومن هنا نستطيع إقرار أن السبيل للوصول إلى ذلك التكامل المطلوب, لا يكون إلا بإيجاد أولوية على المستوي القومي لتوفير مصادر تمويل استثمارات رفع الكفاية الإنتاجية في الريف, من خلال مشروعات تتناسب مع اقتصاديات الأرض الزراعية, وذلك من أجل الارتفاع بدخل سكان الريف وتقوية القدرة الفعلية ليتمكنوا من تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية. زد علي هذا مطلب قومي يحتم ضرورة الارتقاء وكفاية المرافق والخدمات في الريف لتقليل الفوارق بين الريف والحضر, وبذلك يمكن التقليل أيضا من تيار الهجرة السلبية من الريف باتجاه الحضر, وما يتلازم من تلك الأزمة الاقتصادية ــ البيئية نتيجة عدم التوازن بين ذلك النمو السكاني الكبير وتلك المحاولة المصيرية في الحفاظ على هذا الرصيد الصغير من الأرض الزراعية.
تجدر الإشارة هنا إلى دراسة السياسة القومية للتنمية الحضرية في مصرNUPS, التي أعدت بمرجعية علمية متعمقة وخبرة استشارية محلية وعالمية, خلال المدة من1980 ــ1982, لصالح اللجنة الاستشارية للتعمير بوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية, وذلك بتمويل مشترك( مصري/ أمريكي) مع وكالة التنمية الدولية الأمريكية, حيث تعد تلك الدراسة بمثابة الركن الاستشاري ــ الفني والتشريعي ضمن مشروع قومي كبير للإسكان ورفع مستوي السكان ذوي الدخول المنخفضة في مصر, تبعا للاتفاقية الموقعة بين الحكومتين المصرية والأمريكية الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 40 لسنة 1979, ذلك المشروع الممول بمنحة أمريكية مقدارها 80 مليون دولار( بالجنيهات المصرية بأسعار سنة1978) ومبلغ مماثل من الحكومة المصرية, وقد تم البحث عن تقارير تلك الدراسة الهامة, فوجد أنها لم تصل إلى مراكز الأبحاث المتخصصة أو الأخرى ذات الصلة بموضوع التنمية الحضرية, وسواء في الجامعات أو المعاهد البحثية أو الوزارات والهيئات المختلفة, وبذلك فقدت الدراسة الحد الأدنى من الانتشار العلمي المطلوب لتعظيم الاستفادة منها. فهل من إعادة للنظر في أسانيد تلك الدراسة لتكون نواة نحو إستراتيجية قومية للتنمية الحضرية في مصر.
من قراءة برنامج الرئيس مبارك للعبور للمستقبل, تري بوضوح شديد التركيز على البعد الاقتصادي ــ الاجتماعي لعدالة التوزيع بين الأفراد والأقاليم الذي لا يزال تراه كخط درامي متصل في نسيج برامجه الستة المحددة. ذلك البعد الإستراتيجي القومي, الذي فيه يكمن الداء ومنه يأتي الدواء لكافة المعضلات والمشكلات, ولاسيما ظاهرة النمو العشوائي للعمران الحضري في مصر. وتحويل ذلك البعد الاستراتيجي الهام إلي واقع فعلي, لا يأتى إلا من خلال الدعم المؤسسي والقانوني والإداري والتمويلي لتقسيم مصر إلى الأقاليم التنموية السبعة المعتمدة بالمفهوم الشامل للتخطيط على المستويين الإقليمي والقومي.
وذلك تمهيدا لتفعيل مناخ الاستثمار الحر وتوفير فرص العمل ورفع مستوي معيشة الأفراد, من خلال برامج زمنية لتعظيم الإمكانات المكانية ــ الاقتصادية داخل النطاق التخطيطي لكل إقليم, بمرجعية تؤدي إلى تعزيز فرص الفقراء وزيادة حصتهم في الاقتصاد والتنمية, وتحافظ علي حقوق المواطنة في مصر, وتعتمد على تنمية القطاع الخاص الوطني. ويلزم ذلك الأخذ بنظام محافظ الإقليم, الذي يضم أكثر من محافظة حالية, المؤيد بصلاحيات متوافقة ومناسبة لكل مرحلة من مراحل التطوير, مع تهيئة بوابة حكومية ــ مدنية لمراقبة سياسات التنمية الحضرية المستدامة في مصر.
ومن تحليل الحالة الراهنة للعمران الحضري في مصر, باعتبار نسبة40 % كحد فاصل للحضرية بين محافظات مصر الأكثر والأقل حضرية, اعتمادا على بيانات سنة 2004 وتقرير التنمية البشرية في مصر لسنة 2003, نري تضخما شديدا بالمحافظات الأكثر حضرية بما استقطبته من سكان الحضر ومساحة الأراضي الجديدة( المستصلحة) ومن المصانع كبيرة الحجم والمتوسطة والصغيرة ومن خدمات التغذية بمياه الشرب النقية ومحطات الصرف الصحي والإمداد بطاقة الكهرباء للصناعة والإنارة وإجمالي الخطوط التليفونية واستقطاب النصيب الأكبر من مشروعات الإسكان الحكومي(منخفض التكاليف ـ الاقتصادي ـ المتوسط ـ فوق المتوسط والفاخر),وكذلك فقد حصلت المحافظات الأكثر حضرية علي نصيب مرتفع للفرد من الناتج الإجمالي القومي(في المتوسط) يزيد بنسبة175% عن مثيله بالمحافظات الأقل حضرية, وبالتالي فقد حصدت قيما مرتفعة للتنمية البشرية في محافظاتها.
ونجد على النقيض أن المحافظات الأقل حضرية قد ظهرت فقيرة مسربلة بالهموم والأمراض والمشكلات الحضرية, رغم ضخامة رصيدها القديم من الأراضي الزراعية, فهي إذن صاحبة الوقف الزراعي للغير والمسئولة عن57,5% من سكان مصر الذين يسكنون الريف, علاوة على سكانها من الحضر. ورغم ذلك فلم تحصل على الخدمات والتمويل التنموي تبعا لوضعها السكاني ومسئولياتها الاقتصادية والاجتماعية, حيث لم تحظ بنصيب يكافئ ذلك الحمل الثقيل, أضف إلى ذلك أن الفرد من سكان تلك المحافظات الأقل حضرية يكاد يحصل( في المتوسط) على نصف ما يحصل عليه قرينه من الناتج الإجمالي القومي بالمحافظات الأكثر حضرية, مع اعتبار أن السكان بالمحافظات الأقل حضرية يشكلون64% من سكان مصر, مما يؤكد سوء العدالة في توزيع الثروة بين الأقاليم وسكانها, زد على ذلك تفشي كل ملامح الحرمان البشري بينهم.
يتضح مما سبق غياب العدالة في توزيع الثروة بين المحافظات الأكثر حضرية والأقل حضرية, نتيجة غياب السياسات الحكومية التي تتبني تحقيق التنمية الريفية الحضرية المتوازنة, أي التنمية الجغرافية الشاملة من خلال الخطط والبرامج والسياسات العمرانية على المستويين الإقليمي والقومي. ومن هنا نستطيع إقرار أن السبيل للوصول إلى ذلك التكامل المطلوب, لا يكون إلا بإيجاد أولوية على المستوي القومي لتوفير مصادر تمويل استثمارات رفع الكفاية الإنتاجية في الريف, من خلال مشروعات تتناسب مع اقتصاديات الأرض الزراعية, وذلك من أجل الارتفاع بدخل سكان الريف وتقوية القدرة الفعلية ليتمكنوا من تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية. زد علي هذا مطلب قومي يحتم ضرورة الارتقاء وكفاية المرافق والخدمات في الريف لتقليل الفوارق بين الريف والحضر, وبذلك يمكن التقليل أيضا من تيار الهجرة السلبية من الريف باتجاه الحضر, وما يتلازم من تلك الأزمة الاقتصادية ــ البيئية نتيجة عدم التوازن بين ذلك النمو السكاني الكبير وتلك المحاولة المصيرية في الحفاظ على هذا الرصيد الصغير من الأرض الزراعية.
تجدر الإشارة هنا إلى دراسة السياسة القومية للتنمية الحضرية في مصرNUPS, التي أعدت بمرجعية علمية متعمقة وخبرة استشارية محلية وعالمية, خلال المدة من1980 ــ1982, لصالح اللجنة الاستشارية للتعمير بوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية, وذلك بتمويل مشترك( مصري/ أمريكي) مع وكالة التنمية الدولية الأمريكية, حيث تعد تلك الدراسة بمثابة الركن الاستشاري ــ الفني والتشريعي ضمن مشروع قومي كبير للإسكان ورفع مستوي السكان ذوي الدخول المنخفضة في مصر, تبعا للاتفاقية الموقعة بين الحكومتين المصرية والأمريكية الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 40 لسنة 1979, ذلك المشروع الممول بمنحة أمريكية مقدارها 80 مليون دولار( بالجنيهات المصرية بأسعار سنة1978) ومبلغ مماثل من الحكومة المصرية, وقد تم البحث عن تقارير تلك الدراسة الهامة, فوجد أنها لم تصل إلى مراكز الأبحاث المتخصصة أو الأخرى ذات الصلة بموضوع التنمية الحضرية, وسواء في الجامعات أو المعاهد البحثية أو الوزارات والهيئات المختلفة, وبذلك فقدت الدراسة الحد الأدنى من الانتشار العلمي المطلوب لتعظيم الاستفادة منها. فهل من إعادة للنظر في أسانيد تلك الدراسة لتكون نواة نحو إستراتيجية قومية للتنمية الحضرية في مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق