أزمة الإسكان بين الإحصاءات والحلول ...

أزمة الإسكان بين الإحصاءات والحلول

 

الاقتصادية - الرأي - د. رشود بن محمد الخريف :

   كثر الحديث عن الإسكان، والرهن العقاري، وأزمة السكن، ومعاناة الشباب، ودعوة البعض إلى العودة للبناء بالحجر والطين، ولجوء البعض إلى السكن في المساكن الآيلة للسقوط، بل واقتراح بعضهم فرض رسوم على المخططات المجمدة. ولا شك أن هذا كله يعكس تفاقم مشكلة الإسكان في الوقت الحاضر، خاصة مع زيادة أعداد الشباب. لذا ينبغي أن تتصدى لهذه المشكلة مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية. يتطلب الأمر ذلك وأكثر، لأن السكن يُعد ضرورة من ضروريات الحياة التي تحقق الاستقرار والراحة، وتوفر الحماية للنفس والعرض والمال. فلا يمكن أن يكون الإنسان عضواً فاعلاً ومنتجاً في المجتمع، ما لم يتوافر له السكن المناسب. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن تأثير خصائص المسكن يمتد إلى صحة أفراد الأسرة وسلامتهم من الإصابة بالإمراض.

 

    ومن خلال جولة إحصائية في أوروبا وأمريكا يتضح أن نسبة ملكية المسكن تصل إلى 81 في المائة في إسبانيا، وإلى 78 في المائة في أيرلندا، ونحو 74 في المائة في اليونان، و69 في المائة في المملكة المتحدة، ولكنها تنخفض إلى 56 في المائة في فرنسا، وإلى 54 في المائة في هولندا. أما في الولايات المتحدة فإن نسبة ملكية المسكن تصل إلى 68 في المائة في عام 2008م، وتبلغ في الأردن النسبة ذاتها. 

   ومقارنة بالوضع في المملكة، تشير إحصاءات المسح الديموغرافي لعام 1428هـ إلى أن نسبة ملكية المسكن للأسر السعودية تصل إلى 62 في المائة. ولا بد من الإشادة بالتحسن الكبير في نسبة ملكية المسكن، إذ ارتفعت من 42 في المائة فقط في عام 1413هـ، إلى 59 في المائة في عام 1425هـ، ثم إلى 62 في المائة في عام 1428هـ. وعلى الرغم من أن النسبة الأخيرة قد تبدو معقولة، إلا الحقيقة المرة تقول إن عدد الأسر السعودية التي تسكن في مساكن لا تمتلكها لا يزال كبيراً، إذ يربو على مليون أسرة (1110219). 

    وتتفاوت ملكية المسكن من منطقة إدارية إلى أخرى. فترتفع في جازان إلى 87 في المائة، وفي الباحة إلى 85 في المائة، وفي حائل إلى 81 في المائة، في حين تنخفض إلى 54 في المائة في الشرقية، و50 في المائة في تبوك، و56 في المائة الرياض، و58 في المائة في مكة المكرمة. 

   هذه الإحصاءات قد تبدو معقولة في ظاهرها، ولكنها ليست كذلك، عندما نعلم أن المساكن الشعبية تمثل نسبة كبيرة من المساكن التي يمتلكها قاطنوها (35 في المائة). لذلك فإن عدد كبير من المساكن المملوكة من قبل قاطنيها يمكن أن تُصنف بأنها رديئة، وفي الغالب، تكون هذه المساكن مأوى للأسر الفقيرة. 

   ومن جهة أخرى، ترتفع الحاجة للسكن كثيراً، عند تصنيف معظم الأسر التي تسكن المساكن الشعبية ضمن الأسر التي هي في حاجة للسكن المناسب. فإذا أعدنا حساب النسب بناء على هذا الافتراض، تقفز نسبة الأسر التي هي في حاجة للسكن إلى نحو (60 في المائة). وبهذا يرتفع عدد الأسر إلى أكثر من 1.5 مليون أسرة. ومما يزيد الطين بلة، أن من المتوقع أن يزداد الطلب على السكن خلال السنوات العشر المقبلة، خاصة إذا علمنا أن السكان في الأعمار بين (15 و29 سنة) يمثلون نحو (30 في المائة) من إجمالي السكان السعوديين من جهة، وأن المساكن الشعبية تشكل قرابة ثلث إجمالي المساكن في المملكة من جهة أخرى. 

   في ضوء هذه الإحصاءات، يتضح الدور الكبير الذي ينبغي أن تضطلع به الجهات العامة والخاصة والأهلية في سبيل تمكين الأسر من ملكية المسكن المناسب. وفي هذا السياق، أطرح الاقتراحات التالية:

1 - أضم صوتي إلى أصوات من يطالبون برفع مقدار قرض صندوق التنمية العقارية ومساواة القرى والمدن.

2 - ينبغي توفير نماذج لمساكن "اقتصادية" تكون معتمدة من قبل البلديات، بحيث تكون أقل تكلفة من نماذج البناء المكلفة (العبثية) التي ترهق كاهل المواطن عند بناء مسكنه، وتبدد مدخراته.

3 - تأسيس شركة مساهمة متخصصة في بناء المساكن الخاصة بأسعار معقولة ومواصفات جيدة من خلال عقود مباشرة مع المواطنين لعدم فاعلية الشركات الخاصة الموجودة.

4 - مراقبة التزايد في أسعار مواد البناء والحد منها.

5 - تخصيص بدل سكن للموظفين من أجل مساعدتهم على امتلاك مساكن خاصة بهم.

6 - عدم الاستعجال في تطبيق "الرهن العقاري" إلا بعد دراسات جادة، تفادياً لما حدث في الولايات المتحدة.

7 - لا ينبغي "إعادة اختراع العجلة" في كل الحالات، بل ينبغي الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، والاطلاع على الأساليب المتبعة في زيادة تمكين الأسر من امتلاك المساكن الملائمة بالطرق المناسبة.