التسميات

الاثنين، 5 يناير 2015

التنمية الحضرية للمدن السعودية وتحديات العولمة ...

التنمية الحضرية للمدن السعودية وتحديات العولمة

د. عدنان بن عبد الله الشيحة aashiha@kfu.edu.sa
الاقتصادية - الأحد - الموافق 26 نوفمبر 2006 - العدد 4794 :
   إذا كانت العولمة تعني زيادة التأثيرات المتبادلة بين دول العالم وانفتاحها على بعضها البعض وتشابك مصالحها في مجالات شتى أهمها الاقتصاد والسياسة والبيئة بقصد أو بدون قصد، فإن ذلك يعني تحول البعد المكاني للمدن من الحدود المكانية السياسية الضيقة للدولة ليتسع ويشمل العالم كله. وهذا يشير إلى تراجع دور الأمة – الدولة، والانتقال إلى مرحلة دور المدن العالمية، فلم تعد المدن تتنافس فيما بينها داخل إطار الدولة الواحدة أو الإقليم، وإنما أصبح العالم كله سوقا كبيرا لجميع المدن، فالصناعة والتجارة في مدينة الدمام على سبيل المثال لن تكون منافستها محصورة مع المدن السعودية الأخرى ولكن سيتوجب عليها منافسة مدن خارج السعودية مثل المنامة ودبي بل مدن أخرى في آسيا وأوروبا والأمريكتين.

   هذا الوضع الجديد للتعاملات الاقتصادية والسياسية والبيئية يفرض على المدن أن تكون على قدر كبير من القدرة التنافسية العالمية. وهذا يحتم أن تعمل المدن على بناء قدراتها وميزاتها التفضيلية التي تميزها عن المدن الأخرى وتكسب المنافسة في مجال معين لا يجاريها فيه أحد.
   فإذا كانت مدينة ديترويت في الولايات المتحدة قد اكتسبت خبرة واسعة في صناعة السيارات الكبيرة الفارهة، فإن طوكيو استطاعت أن تصنع سيارات اقتصادية ذات كفاءة عالية وهذا كان المسار الوحيد لليابانيين لكسب المنافسة لصالحهم مع فارق التجربة بينهم والأمريكيين.
   إن الحل الوحيد لمواجهة تحدي العولمة والمنافسة المفتوحة على مصراعيها بين الكبار والصغار دون تمييز هو التميز وإيجاد ميزات تفضيلية وتنافسية تتعلق بالجودة والسعر والإبداع في توظيف الموارد الطبيعية والبشرية لكل مدينة. ومع هذا يجب الالتفات إلى أن الميزات التفضيلية لم تعد رهينة الموقع والميزات الخاصة بل إن نجاح المدن يتضمن التحول من اقتصاديات الموقع إلى اقتصاديات المكان وهذا يعني تحقيق خمسة أمور: الأول، الإحساس بالمكان بحيث توظف البيئة الطبيعية والعمرانية لتعطي إحساسا بخصوصية المكان وتميزه بنكهة اقتصادية وثقافية واجتماعية محلية. بمعنى آخر أن يكون هناك شعور أن المدينة ليست "أي مكان" أو"لا مكان" وإنما مكان ليس له شبيه أو ليس نسخة مكررة لمكان آخر. لقد أدرك هذه الحقيقية الفيلسوف الإيطالي Giordano Bruno عندما أشار إلى" إنه عندما لا يكون هناك اختلاف لا يكون هناك تمايز في الجودة".
   الأمر الثاني: الإحساس بالهوية يتطلب من أي مدينة التعرف على مقوماتها وسماتها التي تميزها عن غيرها والعمل على استمرار هذا التميز.
    الأمر الثالث هو التطور والنماء بحيث لا تكون المدينة جامدة دون حراك كأنها متحف للآثار وفي ذات الوقت لا تكون كما إنها لو بنيت في وقت قريب وليس لها تاريخ. يجب أن يعكس النسيج العمراني للمدينة وظائفها وثقافتها وجمالها وتطورها التاريخي.
   الأمر الرابع هو إحساس التملك من قبل سكان المدينة وهو إحساس يتعلق بحب المدينة والاعتزاز بخصوصيتها وتميزها. ولذا كان ذلك متعلقا بالأفراد والشعور الذي يحملونه تجاه مدينتهم، فالأمر الأخير يتصل بالإحساس بالجماعة ومجتمع المدينة the Sense of Community وإدراك الترابط مع الآخرين من سكان المدينة.
   إن الإحساس بالمكان بما يحمله من تميز في الهوية والانتماء والإمكانات هي منطلقات النجاح في التنمية الحضرية المحلية. ويجب العمل على استثمارها في مواجهة تحديات العولمة. وفي هذا السياق، هناك مجموعة من الحقائق التي يجب على المدن إدراكها من أجل النجاح في صياغة سياساتها التنموية الحضرية في القرن الحادي والعشرين كما يذكر Donovan D. Rypkema.
   الحقيقة الأولى، إن الاقتصاد في القرن الحادي والعشرين هو اقتصاد عالمي ومنافسة مفتوحة على مصراعيها.
   الحقيقة الثانية، إن من سيتحمل التأثير الأكبر للعولمة ستكون المحليات (المدن). 
   الحقيقة الثالثة، سيكون هناك طلب متزايد على المنتجات ولكن طريقة التصنيع ستتطلب عمالة أقل.
   الحقيقية الرابعة، إن القطاعات الاقتصادية الأكثر نموا في الإنتاج وتوظيف العمالة هي: الخدمات، الأفكار الإبداعية، المنتجات الفريدة من نوعها، المنتجات الفردية الخاصة، الأنشطة الثقافية، الترويحية، الاتصالات، السفر، والتعليم.
    ويصف خمسة مبادئ لنجاح التنمية الاقتصادية للمدن في مواجهة العولمة:
   المبدأ الأول، هو إدراك ضرورة التعامل مع العولمة ذاتها، وينطوي على ذلك أن تتعرف المدينة على مقوماتها وميزاتها التنافسية في السوق العالمية والعمل من أجل التقليل من الآثار السلبية للعولمة.
    المبدأ الثاني، هو تعريف التنمية الاقتصادية للمدينة في إطارها المحلي ومن خلال تحديد الاحتياجات المحلية. إن معظم قياسات أداء التنمية الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين سيعتمد على الجودة والنوعية وليس القياسات الكمية، ولذا كان لزاما تحديد الموارد والإمكانات المحلية وحمايتها والعمل على تحسينها.
    المبدأ الثالث، هو التنوع في التنمية الاقتصادية وذلك من أجل استيعاب احتياجات سكان المدينة المتفاوته بسبب التنوع الثقافي للسكان، كما إنه حماية من تقلبات السوق العالمية، وإن نجاح التنمية الاقتصادية المحلية مرهون بقدرتها على المرونة وتلبية احتياجات السوق العلمية.
    المبدأ الرابع، هو التنمية المستدامة، ولأن كانت محصورة في الماضي في طريقة استخدام الموارد الطبيعية للاستفادة منها اقتصاديا على مدى أطول، إلا أن هناك مبدأ أوسع للاستدامة وهي الاستدامة الوظيفية تشمل: استدامة البنى التحتية، استدامة البيئة العمرانية، الاستدامة المالية للإدارات المحلية، واستدامة ثقافية للتقاليد والأعراف. المبدأ الأخير، هو المسؤولية، إن معظم الأنشطة والجهود في التنمية الاقتصادية ستكون في المحليات ولذا يتطلب من كل مدينة أن تكون مسؤولة عن مستقبلها الاقتصادي. وعلى أن الإدارات المحلية تتحمل جزء من المسؤولية في التنمية الاقتصادية المحلية إلا أن على القطاع الخاص والمؤسسات غير الربحية أن تلعب دورا في هذا المضمار وهذا يلزم بطبيعة الحال أن تكون هناك استراتيجية محلية تنسق الجهود بين الفاعلين في الشأن المحلي.
   ومن هنا يتضح أن هناك حقيقتين أساسيتين يجب إدراكهما من أجل تحقيق نجاحات ورفع القدرة على التعامل مع المعطيات الجديدة التي جلبتها العولمة والتي لا مناص منها:
    الأولى، إن دور المدن في التنمية الاقتصادية قد تحول من أولوية الإسهام في التنمية الوطنية إلى أولوية التنمية الحضرية في المدن. بمعنى آخر إن أسلوب التنمية والتخطيط مركزيا من أعلى إلى أسفل، لم يعد مجديا ولا يتناسب مع الظروف الحالية والوقع السريع للمتغيرات، بل يلزم أن تكون التنمية من أسفل إلى أعلى. إن هذا من شأنه الربط بين المشاريع التنموية المحلية وأهدافها ليس فقط من أجل تقديم الخدمات العامة في المدن، ولكن تحقيق تنمية محلية تسهم في تحسين الإنتاج والنمو الاقتصادي للمدينة وتمكنها من المنافسة عالميا.
    الحقيقة الثانية، هي أن ذلك يتطلب أن تكون المدن أكثر نضجا وقدرة على صنع القرارات المحلية بذاتها، ولكن كيف السبيل إلى ذلك والمحليات مسلوبة السلطات لا حول لها ولا قوة. إنه من الصعب الحديث عن ازدياد دور المدن وهي حقيقة واقعه في عالمنا اليوم، وفي الوقت ذاته نجد أن التنظيم الإداري المحلي يُحجِّم دورها، ولا يتيح لها القيام بما يتعين عليها من مسؤوليات. من هنا كان لزاما التفكير جديا بوضع المدن إداريا / سياسيا والدور الذي يلزم أن تلعبه في التنمية الحضرية.
    إن التنمية الحضرية متصلة بالتخطيط الحضري (تخطيط المدن) ولا نستطيع أن نستوعب التخطيط خارج الإطار السياسي/ الإداري للمدن. فالتخطيط الحضري ليس مجالا فنيا هندسيا صرفا على أقل تقدير لم يعد كذلك بسبب تغير وظائف المدن وتعقد قضاياها وتزايد مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية.
    إن الوقت موات لتحويل المجالس البلدية إلى هيئات محلية مسؤولة عن المدن بكامل قطاعاتها وضم جميع فروع الوزارات تحت إدارتها ومنحها صلاحيات قانونية لها شخصية اعتبارية ومسؤولة من قبل سكان المدينة وفي الوقت ذاته من الحكومة المركزية. إن المحليات في معظم النظم السياسية هي وليدة الحكومة المركزية وتستمد شرعيتها منها، ولذا وحتى بعد إنشائها يكون استمرارها من عدمه خاضعا لقرار الحكومة المركزية.
    ما أحاول قوله هنا إنه علينا البحث عن آليات للتحكم والمراقبة السياسية والضبط الاجتماعي تتناسب مع المعطيات الجديدة وتكون أكثر فاعلية. إن إيجاد هيئات محلية وتحديد الإشراف المكاني من شأنه تضييق نطاق الإشراف وتحديد المسؤوليات، وفي الوقت ذاته وسيلة ناجعة نحو تمكين المدن وسكانها من تنمية حضارية تجعلهم أكثر تنافسا ووعيا لما يجب عمله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا