تسارع نسق التوسع العمراني العشوائي - نالوت
أدخل التأخير الحاصل في اعداد مخططات الجبل الثالث (2000 – 2020) ارتباكا على منظومة التصرف في التعمير و انجر عنه تعطيل اجراءات التقسيم ورخص البناء والإجراءات العقارية خاصة بعد الثورة. و استفحال البناء العشوائي داخل وخارج المناطق المغطاة بمخططات عمرانية وتفاقم الضغط على العقارات نتج عنه ارتفاع مشط في قيمة الأرض.
تم اعتماد المخطط العمراني النافذ في بلدية نالوت منذ بداية الثمانينات ضمن منظومة مخططات الجيل الثاني. وقد اعتمد تصميم هذا المخطط على مبادئ التخطيط الوظيفي عبر آلية التنطيق و التصفيف المنظم للمقاسم و تحديد حوزة الطرق وفق معايير فنية و وضيفيه لا تراعي النسيج العمراني القائم الي جانب مساحة صغيرة للتوسع تم تحديدها وفق فرضيات النمو السكاني.
تبين في مختلف مراحل تنفيذ المخطط العمراني لمدينة نالوت استحالة تطبيقه و عدم توفر الامكانيات لانجاز مختلف مكوناته. و بالفعل لم تتمكن مختلف الصالح المعنية بتنفيذ المخطط من القيام بعمليات الهدم و فتح المسارات كما لم يتوفر التمويل الضروري لانجاز البنية التحتية و برامج الاسكان و المرافق العامة. في الواقع تزامن دخول مخططات الجيل الثاني حيز التطبيق مع فرض الحضر على النظام الليبي و تقلص الموارد المالية الدولة و اصبح الحظر حجة يوظفها النظام لتبرير تخليه على تمويل مشاريع التنمية و البنية التحتية للمرافق العامة.
في المقابل لم تكن المساحات المخصصة للتوسع العمراني كبيرة بالقدر الذي يتناسب مع حاجة المدينة للأراضي الصالحة للبناء و اضطرت المصالح المعنية بالتخطيط الى غض الطرف عن البناء خارج حدود المخطط العمراني النافذ. اصبح التوسع العمراني العشوائي بارزا للعيان منذ سنة 2000 ، اي مباشرتا إثر انقضاء المدد الزمنية الافتراضية لنفاذ المخطط العمراني. تسارع نسق النمو العمراني خلال العشرية الاخيرة التي شهدت تعطيل اعمال اعداد مخططات الجيل الثالث و ظهور المشاريع الكبرى المسقطة في مجال الاسكان و المرافق العامة.
يختزل التنظيم العمراني لمدينة نالوت تأثير العوائق الطبيعية للموقع و جمود منظومة التخطيط و غياب التنسيق نين المصلح المعنية بهذا المجال.
تمثل المدينة القديمة نواة النسيج العمراني الحديث و تتوسط المنطقة العمرانية القائمة الممتدة في شكل خطي بطول يتجاوز 8 كم على جانبي الطريق الرئيسي. نشأ مركز المدينة شمال غرب المدينة القديمة حيث تتمركز المباني الادارية و المكاتب و المحلات التجارية و الخدمية. نظرا لعدم وجود فراغات بمركز المدينة يمكنها استيعاب المزيد من المباني تركزت عديد المباني المخصصة للمرافق الخدمية المركزية على طول الطريق الرئيسى متخذتا نفس اتجاه النمو العمراني.
من حيث كثافة النسيج العمراني تعتبر منطقة المركز و المدينة القديمة المناطق الاكبر كثافة نتيجتا لتراص المباني القديمة و لوجود عمارات للسكن الجماعي بالمركز. مع الملاحظ ان جزء كبير من المدينة القديمة مهجور وحالته متدهورة نتيجة الاهمال و عدم القيام بالصيانة. وقد تحولت المنطقة المهجورة الى نقطة سوداء محاذية لمركز المدينة تستوجب المعالجة.
تنخفض الكثافة السكانية حسب البعد عن المركز من متوسطة في محيط المركز الى ضعيفة في اطراف المدينة اين تأخذ المباني شكل عنقودي مرتبط بتفريعات الطرق في المناطق المنحدرة و شكل متناثر في المناطق الاقل انحدار مع وجود فراغات بين المسكن .
تعتبر الطرق الحضرية الهيكل الذي يرتكز عليه توزيع الوظائف و حركة التنقل بين المناطق داخل المدينة. وهي بالتالي عنصر رئيسي لضمان حسن اشتغال المدينة و التكامل بين مكوناتها. في وضع مدينة نالوت ، تشكل الطرق الحضرية منظومة غير مشبٌكة و غير متراتبة بالكامل ، حيث يؤمن المحور الرئيسي الوحيد كل التنقلات الداخلية الى جانب حركة العبور و يستأثر بتركيز شبه كلي للمرافق الخدمية. فهو المحور المجمع و الباعث لحركة المرور يربط عديد التفريعات التي تغذي مختلف المناطق و الاحياء السكنية. لم تتمكن المصالح المعنية بتنفيذ المخطط العمراني من فتح بعض المسارات الضرورية لتخفيض الضغط المروري على المحور الرئيسى ليبقى الحال على ما كان عليه.
تداخل الاختصاصات في مجال التخطيط العمراني
أوكل القانون 59 و لوائحه التطبيقية وقرار وزير الحكم المحلي رقم 233 لسنة 2014 بشان الهيكل التنظيمي للبلدية وجهازها التنفيذي اختصاصات واسعة في مجال التخطيط العمراني. بقراءة القرار 233 في جزئه المتعلق باختصاص مكتب التخطيط العمراني يتبين ان البلدية مطالبة بإعداد مخطط للمدن و القرى التي تقع في نطاقها و تقسيم الاراضي داخل المخطط و اعداد مخططات لطرق داخل المدن و الطرق الزراعية و متابعة البناء للخواص بحيث يكون مطابقا للمخطط . لكن ممارسة اختصاص مكتب التخطيط العمراني مشروطة في نفس القرار بتنفيذ القوانين و القرارات واللوائح في مجال التخطيط العمراني داخل نطاق البلدية. يمكن ان يعيق الصمت المتعلق بإجراءات المصادقة على المخططات اعتمادها في تخطيط و تنفيذ مشاريع التقسيم و الطرق و المرافق و الاسكان.
مخطط عمراني جامد معيق للتنمية
أن المخططات العمرانية المعتمدة في ليبيا تحدد شكل و تنظيم و وظائف المدينة و مكوناتها العمرانية على مدى 20 سنة . ولا يمكن تعديلها او مراجعتها إلى بعد انقضاء مدة نفاذها. بالتالى فهي ترهن المستقبل و لا تسمح بمواكبة تطور نمط العيش و التأقلم مع المتغيرات الاجتماعية و الاقتصادية. و يمكن من خلال المخطط العمراني لمدينة نالوت الوقوف على النتائج الوخيمة لجمود المخطط على التنمية ، حيث يمثل التوسع العشوائي خارج حدود المخطط 52% من المساحة المبنية و تعطل انجاز مشروع المرافق المتكاملة بسبب عدم التطابق مع المخطط و توقف عمل مصالح التخطيط العمراني والتسجيل العقاري ، كما توقف تنفيذ مشاريع كبرى مسقطة لا نعرف جدواها و لا مدى ملاءمتها لاحتياجات المدينة على غرار المنطقة الصناعية و مشروعات الاسكان العام و المركب الجامعي ….
اشكاليات التخطيط العمراني
يحدد المخطط العمراني المناطق العمرانية حسب وظائفها الرئيسية و مسارات الطرق و مواقع المرافق العامة و توزيعها حسب تنظيم وضيفى متوازن يأخذ بعين الاعتبار آفاق تطور المدينة و احتياجاتها وفق رؤية مستقبلية و أهداف تنموية مدروسة و معتمدة. على هذا الأساس يمثل المخطط العمراني الوثيقة الضرورية التي يتم على ضوئها تخطيط و تنفيذ كل المكونات العمرانية للمدينة. كان عدم مواكبة المخطط العمرانى لتطور المدينة السبب الرئيسي للنمو العشوائي حيث تمثل العشوائيات 50 % من العمران القائم. و كان لهذا النمو العشوائي تأثير سلبي على تنظيم المدينة و تطوير المرافق و الخدمات العامة . تكمن الاشكاليات الرئيسية لقطاع التخطيط العمراني في:
1- تنظيم العشوائيات و توفير مخططات يتم على ضوئها اعداد و تنفيذ خطط المرافق و الاسكان.
2- ادماج المشروعات الكبرى و تصميم تنظيم عمراني متعدد المراكز.
المصدر : إستراتيجية تنمية مدينة نالوت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق