دور العامل الاجتماعي في تشكيل ملامح الشخصية
الحضرية المعاصرة وتحديدها لمدينة السلط
الدكتور عثمان محمد غنيم
مجلة جامعة دمشق – المجلد 18 - العدد ( 3+4 ) 109 - 133 - 2002م :
الملخص :
استهدفت هذه الدراسة عرض دور العامل الاجتماعي وتحليله فـي بلـورة عناصـر الشخصية الحضرية المعاصرة لمدينة السلط وبنائها، وذلك باعتبار هذا العامل عنصراً رئيساً في المنظومة الحضرية التي تعد البوتقة التي تتفاعل فيهـا العوامـل المختلفـة ببعضها البعض، لتكون في النهاية ملامح الشخصية الحضرية لأي مدينة .
اعتمدت الدراسة الأسلوب الوصفي التحليلي لتحقيـق أهـدافها، وبينـت أن العامـل الاجتماعي أدى دوراً هاماً في التنظيم المكاني للسكان والعمران داخل المدينـة قبـل ظهور نشاطات التخطيط الحضري . فقد أثّـر هذا العامل تأثيراً مباشراً في توزيـع السكان، وفي التوسع العمراني، وفي أنماط استعمال الأرض، بالإضافة إلـى أنـه أكسب المدينة "مورفولوجية " محددة وواضحة، ونظراً لأهمية هذا العامل في تكـوين الشخصية الحضرية للمدينة، ليستفيد التخطيط الحضري من المعطيـات الاجتماعيـة القائمة، ومن ثم يعمل على توظيفها توظيفاً إيجابياً وفاعلاً فـي نشـاطاته المختلفـة بالأسلوب الذي يمكنه من تحقيق أهدافه وغاياته .
المقدمة:
تتحدد سمات الشخصية الحضرية وملامحها لأي مدينة من جراء التفاعل المستمر بين مجموعـة مـن العوامل الاجتماعية، والتاريخية، والاقتصادية، والسياسية، والطبيعية، ويعمل هذا التفاعل في نهاية الأمر على بلورة جوانب الشخصية الحضرية الرئيسة لأي مدينة وبنائها، هذه الشخصية التي تأخذ دوماً صورة مركب معقد يمتاز بخصائص محددة تعكس مدى مساهمة كل عامل من العوامل السـابقة فـي تشكيل جوانبها المختلفة، وتعتمد درجة ثبات هذه الخصائص وتغيرها في المقام الأول على مدى قـوة تأثير العوامل المسببة لها واستمراريتها، وعلى الرغم من أن دور كل عامل من العوامل السابقة، يجب تحديده في كثير من الأحيان في عملية بناء الشخصية الحضرية للمدينة بدقة ووضوح، إلا أن سيطرة خصائص معينة على شخصية المدينة وديمومتها تعكس قوة العامل أو العوامل المسببة لها، وكما يقول أمريز جونز " إن كل مدينة، ما هي إلا علم فرد في ذاته تتصف بشخصية معينة وتتميز بتاريخ خاص يطبعها بطابع معين ليجعلها مختلفة عن غيرها " ( الجنابي، ١٩٨٤، ص ١١١ ) .
منطقة الدراسة:
تقع مدينة السلط على بعد ٢٨ كم إلى الشمال الغربي من مدينة عمان، وتنتشر مساكنها فوق قمم جبال البلقاء وسفوحها، التي تمثل جزءاً من مرتفعات الأردن الشرقية، ويمثل موقعها هـذا نقطـة انقطـاع أرضي بين البادية الأردنية والهضاب الداخلية في الشرق ووادي الأردن والمرتفعات الفلسـطينية فـي الغرب، وقد جعلها هذا الموقع حلقة وصل وعقدة مواصلات برية تربط هذه الأقاليم ببعضها الـبعض بشبكة من الطرق الرئيسة. وعزز أهميتها عبر العصور من خلال تنوع الوظائف التي قدمتها وتعددها والأدوار التي أدتها، فقد كانت المدينة ذات وظائف دفاعية، وزراعية، وتجارية، وإداريـة ورغـم اختلاف أهمية هذه الوظائف من حقبة زمنية إلى أخرى، فإن السلط ما زالت حتى وقتنا الحاضر تؤدي وظائف زراعية، وهي أيضاً المركز التجاري والعاصمة الإدارية لمحافظة البلقاء ( شكل رقم ١ ).
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى عرض دور العامل الاجتماعي وبيانه في تحديد ملامح الشخصـية الحضـرية المعاصرة لمدينة السلط، وذلك بتحليل كيفية تأثير هذا العامل وتوضيحه في توزيع السكان والعمـران في المدينة، ودوره في تكوين تركيبها الداخلي "ومورفولوجيتها" بما يفيد جميع نشاطات التخطيط الحضري في المدينة ويخدمه، سواء أكان ذلك في الحاضر أم المستقبل .
ولتحقيق هذه الأهداف تحدد الإطار العام للدراسة في الخطوات البحثية التالية:
- العامل الاجتماعي وتوزيع السكان والعمران .
- العامل الاجتماعي والتركيب الداخلي للمدينة .
- العامل الاجتماعي و" موروفولوجية" المدينة .
- الخلاصة والنتائج .
الخلاصة والنتائج:
يبدو جلياً مما تقدم الأثر الواضح للعامل الاجتماعي في فرز ملامح حضـرية مميـزة للسلط القديمة ما زالت مسيطرة وقائمة حتى وقتنا الحاضر، أما السلط الحديثة فيظهر تغير ملموس في دور العامل الاجتماعي في إبراز ملامح شخصيتها الحضـرية، إذ كان للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها المدينة بالإضافة إلى أن نشاطات التخطيط الحضري الفاعلة لها دور كبير في الحد من تأثير العامل الاجتماعي، الـذي أثر إيجابياً من ناحية عمرانية ومعمارية في الشخصية الحضرية للمدينـة، وأضـفى عليها ملامح رئيسة ليس من البساطة أن تتمتع بها أي مدينة – على الأقل من منظور التنمية الحضرية والتخطيط الحضري – فقد أكسب هذا العامل الـنمط التنمـوي فـي المدينة خصائص التنمية الحضرية المستدامة بمفهومها ومحتواها المعاصرين، والتي يسعى التخطيط الحضري في عصرنا الحاضر بجهود وموازنات مالية كبيرة لتوافرها في كثير من المدن، أما أهم هذه الخصائص فيمكن تلخيصها بما يلي :
• أضفى العامل الاجتماعي على المدينة القديمة طابع التجانس الاجتماعي والاقتصادي والعمراني، فالعشيرة في هذا الإطار لم تكن مجرد وحدة اجتماعية وإنما وحده اقتصادية متكاتفة ومتكاملـة، وكان لها الدور الأساسي ليس فقط في عملية التنظيم الاجتماعي وإنما في كونها وحدة اقتصـادية كذلك.
في التنظيم المكاني للعمران الحضري، وبأسـلوب حـال دون ظهـور الفـوارق الاقتصـادية والاجتماعية بين السكان، فقد ساهمت العشيرة في إلغاء اعتبارات الفقر والغنـى وحالـت دون وجود فرز مكاني واضح لطبقات وأحياء غنية وأخرى فقيرة .
• ساهم العامل الاجتماعي في تعزيز مبدأ الاعتماد على النفس من خلال استغلال الموارد الطبيعية المحلية استغلالاً فعالاً، إذ استخدم في بناء المساكن في السلط القديمة مواد بناء محلية تمثلت في الأخشاب والحجر الأصفر الذي كان يستخرج من محاجـر داخـل المدينة وفي محيطها، وهـذا الوضع ينسجم مع مبدأ رئيس من مبادئ التنمية الحضرية المستدامة وهو مبدأ الاستغلال الفاعـل والعقلاني للموارد المحلية بدل استيرادها من الخارج .
• كان للعامل الاجتماعي دور واضح في إيجاد مدينة " بمورفولوجية " كتلية ملمومة تتقارب فيهـا المساكن الصغيرة بطوابقها المتعددة وتتصل فيها الأحياء ببعضها البعض، وقد أدى ذلـك إلـى استغلال أقل قدر ممكن من المساحات الأرضية لأغراض السكن، وفي الوقت نفسه قلّل من كلفة تزويد هذه المساكن والأحياء بالخدمات المختلفة نظراً لتقاربها الجغرافي .
• ساهم العامل الاجتماعي في المحافظة على الأراضي الزراعية فـي وجـه الامتـداد والزحـف العمراني، وذلك بإنشاء المباني والمساكن على أراضي السفوح الجبلية الوعرة والحيلولـة دون امتدادها إلى الأراضي الزراعية نظراً لقيمتها الاجتماعية والاقتصادية العالية .
• أدى العامل الاجتماعي إلى إكساب مدينة السلط القديمة – من خلال كل ما سبق – مشهداً حضرياً متجانساً نسبياً من حيث النمط المعماري المستخدم، وأحجام البيوت وأشكالها وهندستها المعمارية ومواد البناء المستخدمة فيها .
• ساهم العامل الاجتماعي في تعزيز الارتباط والتواصل بين الفرد والجماعة والمكان تعزيزاً فاعلاً وبسيطاً وغير مكلف، وهذا ما تعاني من غيابه كثير من التجمعات الحضـرية الحديثـة رغـم نشاطات التخطيط الحضري المختلفة فيها .
أما في السلط الحديثة فقد تغير تأثير العامل الاجتماعي وأخذ أشكالاً وأنماطاً جديدة، نظراً للتحـولات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها المدينة وما نجم عن هذه التحولات من تغير في نمط حياة السكان، بالإضافة إلى أن ظهور التخطيط الحضري وتطبيقه قد حد من تأثير هذا العامل. لذلك نرى في السلط الحديثة بروز الاعتبارات الاقتصادية في تصميم المساكن وتحديد مساحاتها، واختيار المواد المستخدمة في إنشائها كالحديد والحجر الأبيض، ونمت أحياء المدينة الحديثة أفقيـاً وعلـى حسـاب الأراضـي الزراعية التي تراجعت أهميتها الاجتماعية والاقتصادية بسبب التحولات المهنية، وانتقال الكثير مـن السكان من العمل في الزراعة إلى العمل في وظائف عامة وخاصة مختلفة . وأخذ النمـو العمرانـي للسلط الحديثة النمط المبعثر وغير المتصل نظراً لطريقة القفز التي تم بها التوسع العمراني، فظهرت المساكن والأحياء على شكل جيوب حضرية متباعدة عن بعضها البعض وقامت في مناطق مختلفة في خصائصها الطبيعية، فمن قمم الجبال إلى الأودية إلى الأراضي الزراعية المستوية على جانبي طرق المواصلات، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كلفة تزويد هذه الأحياء بالخدمات إلى جانب أنه عمل على تعقيد وتعدد إجراءات بالخدمات المختلفة ومواد البناء ونشاطات التخطيط الحضري من المعطيات الاجتماعية القائمة لكل منطقة أو حي، أما المشهد الحضري للسلط الحديثة فقد جاء قليل التجانس بسـبب تبعثـر المساكن وتباعدها عن بعضها البعض وانخفاض الكثافة السكنية، واختلاف المساكن فـي مسـاحاتها وأشكالها وتعدد الأنماط المعمارية والهندسية التي استخدمت في تصميمها .
أو
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق