أثر المناخ على راحة الإنسان في شرق دلتا النيل
محمود عبد الفتاح عنبر
قسم الجغرافيا - كلية الآداب - جامعة القاهرة
مجلة كلية الآداب - الإنسانيات والعلوم الاجتماعية
مجلة علمية فصلية محكمة
المجلد (72) العدد (7) أكتوبر 2012 م
( ص ص 267 - 319 )
وحدة النشر العلمي - كلية الآداب - جامعة القاهرة
ملخص :
المناخ من أهم العوامل الطبيعية تَأثيراً على راحة الإنـسان النفـسية (السيكولوجية) والفسيولوجية () وأكْثرها تَحكُّماً في بعضِ سـلوكيات حياتـه وأنشطته الاقتصادية. وبالرغمِ من التقدم العلْمي والتكنولوجي الـذ ي يحقِّقَـه الإنسان يوماً بعد يوم - وزيادة قُدرته في التَّأثير على الظروف البيئية، فإ ن المناخ لا يزال يؤثِّر على راحة الإنسان إن لم يكُن داخل مسكنه فخارجـه .
ولا يزال تَحكُّم الإنسان في ظروف بيئته محدوداً، ولكن لا ري ب أن در جـة سيطرة البيئة على الإنسانِ تَضعف كُلَّما ازداد الأخير علْماً وتَقدماً.
ويهدفُ هذا البحث إلى إلقاء الضوء على مدى تَأثير المناخ على راحة الإنسان النفسية والفسيولوجية، وعلى نَشاطه أثناء أداء عمله وانعكاس ذلـك على طاقته الإنتاجية . بالإضافة إلى قياس أثر بعض العناصر المناخية على راحة الإنسان في شرقي دلتا النيل بطُرق كَمية خلال شهور السنة وفصولها.
The Climate Impact On Human Comfort In The Eastern Nile Delta
By: Mahmoud Abdel-Fattah Anbar
Abstract
The climate is one of the most influential physical factors that not only impact the person psychologically and physiologically, but also controls his or her life behaviors and economic activities. In spite of the scientific and technological advancement reached daily by humans, and their burgeoning capability of impacting environment circumstances, the climate still affects the comfort of the person indoor and outdoors. Humans still control the environment circumstances in a limited way. However, the control of humans on the environment declines due to their increasing knowledge and advancement.
This research aims to shed light on how the climate affects on the psychological and physiological comfort of humans, in addition to their activities while performing their work. It also intends to focus on the reflection of climate on their productivity. Moreover, it aims at measuring the impact of some climactic elements, by quantitative methods, on the comfort of the person in the eastern Nile Delta during the months and seasons of the year.
النتـائج و التوصيـات
أولاً: النتـائج
١- للمناخِ تَأثيراً واضحاً على راحة الإنسان السيكولوجية والفسيولوجية. كما أنه لا يوجد في بيئة شرقي دلتا النيل عنصراً مناخياً يكون تَأثيره على راحة الإنسان وحيداً مطْلقاً، بل ثَمة تَتداخُل وتَكامل بين جميعِ العناصر المناخية في تَأثيرها على شعورِ الإنسان بالراحة . ولكن تَظَلُّ العناصر المناخية الأربـع "الإشعاع الشمسي، درجة الحرارة، الرطوبة، الرياح " هي صـاحبة الأثـر المباشر على راحة أو انزعاج الإنسان من الأحوال الجوية
٢- أوضحت المعادلات التي تَقيس الموازنة الحرارية لجـسمِ الإنـسا ن أن الإنسان يستشعر الراحة الحرارية عندما يتساوى مجموع ما يكتسبه جـسمه من طاقة مـع مجموع الطاقة التي يفقدها من جسمه إلى البيئة المحيطة به، أو بمعنى آخر "الحرارة المكتسبة تُعادلُ الحرارة المفقودة".
٣- جسم الإنسان في شرقي دلتا النيل (طبقاً لمعادلتي أدولف ١٩٤٧م) يفقد كَماً حرارياً أكثر بكثير مما يكْتسب . بل إن قـيم صافي كميـة الحـرارة (المكتسبة - المفقودة) بمحطات منطقة الدراسة خلال فصول الـسنة تكـون غالباً "سالبة". ويصلُ الفَقد الحراري ذروته في فصل الشتاء، خاصـةً فـي لياليه البارد ة، ثُم يليه فصل الربيع . أما خلال فصلي الـصيف و الخريـف فيحقِّقان كَسباً حرارياً أثناء النهار، يفقدوه في غيابِ الشمس "أثناء الليل".
٤- الراحة الحرارية Thermal Comfort، هي درجة الحرارة التي يصلُ معها العقْلُ البشري إلى نُقطة الارتياحِ Point of Comfort، وفيهـا يكـون الإنسان في قمة التركيز العقلي والراحة الجسدية . وبهذا تظَلُّ (درجة حرارة الهواء ، الرطوبة النسبية ) هما معياري الراحة الأقوى تأثيراً على الإنـسانِ؛ نَظراً لقـوة العلاقـة بينهمـا، وتحديـد مـا يعـرف بدرجـة الحـرارة المحسوسة Sensible Temperature" التي يحس بها الإنـسان "، وتُعـرف أيضاً بدرجة الحرارة الفعلية أو الفعالة Effective Temperature، والتي لا يقيسها أي ثرمومتر سوى الإنسان والتي تُعبر عن مدى إحساسه وشـعوره بالراحة أو الانزعاجِ من الأحوالِ الجوية المحيطة به.
٥- الرياح عاملٌ مساعد لراحة الإنسان وهدوء نَفْسيته، وذلك بـدورها فـي زيادة أو نقصِ الإحساس بدرجة حرارة الهواء، ففي الجو الحـار الرطـب يكون تأثيرها واضحاً في شعورِ الإنسان بالراحة . أمـا فـي الجـو البـارد منخفض الرطوبة يكون تَأثيرها حينئذ غير مريح؛ لأنَّه يزيد إحساس الإنسان ببرودة الهواء، فإذا تَحرك الهواء بسرعة فإن الجسم يفقد حرارته بـسرعة، والعكس صحيح.
٦- دلَّت جميع نتائج معادلات وقَرائن الراحة على أن الظروف المناخية في (فصل الصيف ) بشرقي دلتا النيل غير ملائمة لراحة الإنسان الفـسيولوجي ة والسيكولوجية، وغير مناسبة لأداء أي عمل سواء أكان ذهنياً أم بدنياً علـى الوجه الأمثل، حيث يشعر الإنسان في مثلِ هذه الظروف الـصيفية الحـارة الرطبة بشعورٍ مفْضٍ إلى الكسلِ.
٧- في أحيانٍ -ليست كثيرة - دلَّت نتائج معادلات قياس الراحـة المناخيـ ة "ثوم١٩٥٧م" على احتمالية شعور سكَّان منطقة الدراسة بالراحة في الشتاء؛ فَفيه تَقلُّ كمية إفراز العرق من جسمِ الإنسان، وهذا يعني -في أغلبِ الظَّن - شعور الإنسان بقَدرٍ أكبرٍ من الراحة الحرارية، وعدم الإحساس بالضيق من الأحوالِ الجوية الشتوية، وهذه ميزة يجب حـسن اسـتغلالها فـي النـشاط السياحي بمنطقة الدراسة.
٨- أظْهرت نتائج معادلَة "سيبل وباسل ١٩٤٥م" أن مناخَ منطقة الدراسة - بوجه عام - مناخ يميلُ إلى البرودة، وذلك في فـصولٍ ثلاثـة "الخريـف، الشتاء، الربيع". أما فصل "الصيف" فهواؤه لطيف ومنعش.
ثانياً: التوصيـات
١- تَوفير ظروف الراحة الحرارية للإنسانِ له أثر كبير على كفاءتـه فـي أداء عمله، ومن ثَم تأثيره على إنتاج واقتصاد الدولة، وبالتالي يجب تَعـديل الظروف الجوية داخل أماكن العمل، سواء أكانت أمـاكن العمـل البـدني كالمصانع والشركات أم أماكن العمل الذهني كالمدارس والجامعات، وذلـك عن طريق استخدام أية وسيلة من وسائل تَبريد الهواء من أجلِ تَوفير أكبـر قَدر من الراحة الحرارية للإنسانِ . وعلى المستوى الخارجي -بعيـداً عـن نطاق العمل - فإن تحديد المناطق التي يتوفَّر فيها أكبر قَـدر مـن الراحـة المناخية يعد من أهم العوامل التي تُساعد في التخطيط السليم للتنمية، وحسن استغلال البيئة المحلية في السياحة الداخلية والخارجية.
٢- في فصل الصيف الحار ينصح الطالب بعدم التعرض المباشـر لأشـعة الشمس ولفترات طوي لة وبخاصة من الساعة ١١ صباحاً حتـى ٣ عـصراً، ومن الأفضلِ ارتداء القُبعات والنظَّارات الشمسية؛ لوقاية الرأس والعين من شدة الأشعة الشمسية في مثل هذا الوقت، وخاصةً ارتـداء النظَّـارات فـي الأجواء المتربة . وينصح الطالب أيضاً أنه إذا ارتفعت درج ة الحرارة إلـى (٤٥ ْس )، والرطوبة النسبية إلى (٧٥%) يجب عـدم التعـرض للـشمسِ، والتوقف التام عن العملِ تحت أشعة الشمس المباشرة، خاصةً العامين فـي النشاط الزراعي، والمكث في المنزل واستخدام أية وسيلة من وسائل تبريـد الهواء. بل يجب أن تقوم الهيئات والمؤ سسات الحكومية بإعطـاء إجـازة - مدفوعة الأجر - إلى موظفيها حفاظاً على صحتهم وحياتهم، كما هو الحـال في الأوروبية والأمريكية ومعظم الدول العربية.
٣- يجب على الإنسانِ في حالة استمرار الحـرارة المرتفعـة، واسـتمرار تَصبب العرق منه أن يبتعد كُليةً عن تلك المؤثِّرات الجوية إمـا بـالجلوسِ داخل المسكن أو يتوارى إلى الظلِّ، وأن يشرب كميات كافيـةً مـن المـاء البارد، وأخذ أقراص الملح إذا استدعت حالته لذلك.
٤- يجب متابعة التواصل مع النشرات الجوية في وسائلِ الإعلام المختلفـة؛ لمعرفة أخبار الطقس الم توقعة خاصةً درجة الحـرارة والرطوبـة النـسبية وسرعة الرياح، مما يساعد الإنسان في اختيار نوعية ملابـسه، ومـن ثَـم شعوره بالراحة المناخية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق