التسميات

الاثنين، 11 يناير 2016

التعامل مع المناطق التأريخية في ثلاث تجارب عالمية ...




التعامل مع المناطق التأريخية في ثلاث تجارب عالمية


  • الدكتور المهندس هاشم عبود الموسوي
استاذ مساعد في قسم هندسة العمارة والتخطيط العمراني - جامعة المرقب الخمس/ ليبيا.


  • الاستاذ ابو القاسم علي سنان
محاضر في قسم الجغرافيا –كلية العلوم- جامعة المرقب و عميد المركز العالي للمهن الشاملة/الخمس/ليبيا.

  • الاستاذ المهندس حيدر صلاح يعقوب الجبر
E-mail: jac_h_sa31@yahoo.com
محاضر في المركز العالي للمهن الشاملة/الخمس/ليبيا.
  


ملخص البحث

تعرضت دول عديدة في العالم لمشكلة الاحياء التأريخية ضمن كيانها الحضري وذلك من خلال معالجات ومراحل متنوعة, وكان هناك في الغالب ثلاثة اتجاهات رئيسة في التعامل مع هذه المناطق, وهي:-

· إتجاه إتصف بالمحافظة على القديم واحيائه كما هو بدون تغيير.
· إتجاه تكاملي تميز بالمرونه وعدم التشدد في اعادة تخطيط الاحياء التأريخية وتعميرها.
· إتجاه رومانسي تقليدي تميز بالاهتمام بالمظهر الخارجي للمباني.

ومهما تعددت المعالجات فإن المدينة بشكل عام توصف بانها كيان عضوي له ماضٍ وحاضر ومستقبل. وهذا الماضي بولادته وصيرورته واصالته لابد وان يكون قد اعتمد على مهيئات مادية وروحية احاطت به. والنسيج الحضري الذي عاش واستمر في احشاء المدن منذ عصورٍ سابقة ماهو الآ النتاج الحضاري الانساني الذي تفاعل وتوافق بيئياً وغطى احتياجات انسانية مرتبطة بالزمان والمكان.
وكثير من المجتمعات البشرية كانت قد دعت الى اهمية تخليد موروثاتها التأريخية باعتبارها نفائس الماضي, وأوجدت وسائل عصرية للتعامل مع تراثها ومبانيها القديمة, حفاظاً منها على هويتها التاريخية, وإستمرت مدنها في البحث عن الماضي وتطوير الحاضر.
ولقد اخترنا في بحثنا هذا ثلاث تجارب عالمية من دولٍ متفاوتة في موقعها الجغرافي ومخزونها الحضاري, وقمنا بتحليل تجاربها في الحفاظ على الهوية التأريخية للمدن, وهي:-

· التجربة الاولى التي يتطرق لها البحث, هي تجربة فرنسا في التجديد والحفاظ وعمليات التحسين. فأي نوعٍ من التعامل وعلى اي مستواً, مع المناطق التاريخية ( سواء كان خاصاً بعمليات الصيانة او التحسين او التجديد ) كان خاضعاً ومنتمياً لخطةٍ عامة وضعت على اساس نظرة شمولية للمدينة ككل, آخذتاً في اعتبارها كافة العناصر المؤثرة على المشكلة من عوامل اقتصادية واجتماعية وحضارية وسياسية. ومن المعروف بان فرنسا تمتلك إرثاً تنظيرياً وفلسفياً متقدماً في مجال تخطيط المدن يستند على مواقف عمالقة العمارة ومنظري التخطيط في القرن الماضي.

· التجربة الثانية التي تناولناها وهي رائدة حقا في نتائجها ومعطياتها, هي التجربة اليوغسلافية في بعض مدنها التأريخية, حيث قامت بالتجديد والحفاظ بافكار وجهود ذاتية ( عندما كانت يوغسلافيا آن ذاك تابعة للنظام الاشتراكي – وضمن معسكر الكتلة الشرقية ), من خلال اعادة تاهيل كثير من المدن التأريخية, واعادة حيويتها وروحيتها العريقة من جديد لتصبح جاذبة للسياحة والاستثمار.

· أما التجربة الثالثة فهي تخص الولايات المتحدة الامريكية, حيث استطاعت ان تتصدى للتحدي الذي واجه التصميم الحضري في مدنها الاخذه في التطور والنمو السريع, حيث بلغت هذه المدن درجة عالية في التشكيل والتصميم, ورغم ذلك لم تغفل العلاقة بين هذه المراكز وبين مايحيط بها من مبانٍ تراثية. وقد تم إيجاد وسائل تعامل عصرية مع المباني القديمة والمنشآت التأريخية, حيث وجب المحافظة عليها للتعبير عن العالمين القديم والجديد.
 


المقدمة. 

  تشكل المناطق التاريخية في كثير من المدن جزءاً من البيئة اليومية للبشر وهي تكفل الحفاظ على ذكريات الماضي الذي صاغ حياتهم  وتمد الحياة بتنوع غني لايمكن الاستغناء عنه .
تعاملت الدول مع التراث المعماري والابنية التاريخية بل وحتى المدن التاريخية في كثير من الاحيان من خلال ثلاث صيغ:


·        الاتجاه الداعي الى المحافظة على القديم واحيائه كما هو بدون اي تغيير ومنها ما جرى من محاولات لأعادة تخطيط عددمن المدن السويسرية التاريخية مثل (زيورخ , لوسيرن , جنيف).
وابرز ما يميز هذا التوجه من التعامل مع الارث الحضاري والعمراني للمدن هو التحمس الكبير للمحافظة على الصورة والهيئة الاصلية للمبنى او حتى الاحياء السكنية لدرجةألتَزمُت بالرأي دون السماح بأي تغيير او تجديد قد يحدث الا بمحدودية شديدة .

·  اتجاه التكامل والتفاعل ما بين القديم والجديد , وأبرز ما يميز هذه الحالة هو ما تحتويه اتجاهاته من مرونة عالية و نبذ التشدد بحيث يكون الناتج النهائي لعملية التطوير آخذاً بنظر الاعتبار عوامل التطور الحديث تكنولوجياً واجتماعياً وباقي متطلبات المعاصرة ومن هذه التوجهات هو التعامل مع التراث والمناطق الاثرية والابنية التاريخية في عدد من المدن الانكليزية التاريخية مثل (لندن , و اوكسفورد).

·        الاتجاهات الرومانسية التقليدية وهي تركز بصورة خاصة على ما تبدو عليه الابنية او حتى المناطق الحضرية , حيث يكون الاهتمام هنا بالمظهر الخارجي بصورة اساسية دون الاهتمام باهمية الالتزام بالبنية الداخلية الجوهرية للمباني , اذ يجري التعامل مع الواجهات بطريقة رومانسية تحافظ الى حد كبير على صورتها الاصلية , بينما قد يتم تغيير النظام الداخلي للابنية بصورة قد تكون جوهرية تماماً من حيث التنظيم الوظيفي والفضائي وتبعا لمتتطلبات العصر الحديث , ومنها ما تم التعامل معه في عدد من المدن الفرنسية .

لقد حاولنا في ورقتنا هذه ان نقدم ثلاث تجاب متباعدة في توجهاتها وجغرافيتها للاستفادة من تحليلها في اختطاط الطرق الملائمة لمساعينا.




التجربة الفرنسية في التعامل مع الابنية التاريخية :

تمهيد.

من ابرز ما ينبغي الاشارة اليه هنا هو ما قام به (هوسمان)* Haussman في القرن التاسع عشر من عمليات شاملة لاعادة تخطيط مدينة باريس , ويمكن ان يشخص عمله ذلك على انه من التوجهات الرومانسية التقليدية في التعامل مع التراث والبنية الحضرية للمدن القديمة , حيث قام بفتح شوارع عريضة و مستقيمة محاطة في جانبيها بعدد من الابنية ذات النسق الواحد وبارتفاعات محددة دون مراعاة لطبيعة واحتياجات النواحي الاجتماعية والوظيفية وما تحويه تلك الابنية من فضاءات داخلية.

وتجدر الاشارة هنا الى ان المراكز التاريخية والتي تعتبر النواة الرئيسية لعدد كبير من المدن الفرنسية العريقة والتي غالباً ما تاخذ اماكن مركزية في تلك المدن تتاثر بطبيعة التطور والنمو العمراني والحضري للمدن بشكل عام والتي يمكن ان نلخصها  فيما يخص المدن الفرنسية باتجاهين رئيسيين هما:

1.      اتجاه محيطي يلف حول المراكز القديمة للمدن التي توسعت بشكل دوائر حلقية تحيط بالمركزوترتبط فيما بينها بطرق شعاعية نابعة من المركز .
2.      النمو حول المناطق الصناعية في المدن و التي غالباً ما تتواجد بالقرب من شرايين الحركة الرئيسية وباختلاف انواعها.

في البداية كانت الاحياء تقسم الى عدة قطاعات ,حيث احتل السكان فيها ( و خصوصاً الطبقات الفقيرة منهم) القطاعات التي تقع على المحيط الخارجي للمدينة , بينما احتوى المركز على كل الابنية التجارية والثقافية والادارية المهمة , وكان مقراً لسكن الاغنياء , وصنف من المناطق ذات الاسعار المرتفعة جداً للعقارات فيه , و بمرور الزمن ومع قدم المباني اخذ المركز يفقد رونقه وجماليته , وبذلك بدأت حركة السكان بشكل عكسي , حيث اخذ الاغنياء ينتقلون الى المناطق الخارجية والمحيطة بالمدن في حين تُركت المناطق المركزية ( وتحديداً السكنية منها) لتكون ملاذاُ للفقراء والطبقات العاملة تحديداً, وبما يتلائم مع امكانياتها المادية الضعيفة.

ثم وضع" لي كوربوزيه"* طروحات صارمة , في مدينته المثالية والتي أسماها ( مدينة السعادة ), فالنظام الصارم وتوزيع النشاطات الحياتية والفعاليات الاجتماعية بهذه الحدة قاد الى ان افتقدت هذه المدينة الشعور بالواقعية .







 صيانة وتطوير المناطق والابنية التاريخية الفرنسية:-

تمتعت فرنسا بوجود مجموعة من القوانين التي تحمي المناطق التاريخية والمباني , فضلا عن الاهتمام البالغ بالتراث العمراني من قبل السكان انفسهم , لذلك عملت الجهات المختصة على ايجاد حلول متوازنة تراعي وتتفق مع القيم التراثية في الحفاظ والتطوير , اضافة الى مراعاتها تحقيق متطلبات السكان العصرية. بعدما اصبحت هناك هجرة كبيرة من المناطق التاريخية و المناطق المركزية للمدن لما تحتويه من ابنية متهالكة وافتقارها الى ابسط شروط السكن الملائم , لذلك انتقل السكان الى اطراف المدن للسكن فيها.

حاولت الجهات المختصة ايجاد خطط لتجديد الاحياء القديمة ( خدمة للطبقة الفقيرة ) و حماية للمدن من وضعها المزري لكنها لم تكن في غالب الاحيان عمليةً, نظراً لتكاليفها الباهضة , وعوائدها المالية المحدودة , لذلك لم تنجح في هذا المسعى واوقف العمل فيها.

 ومع تدخل اصحاب رؤوس الاموال في هذه المناطق , ازيل عدد كبير من المباني و تم بناء ابراج عالية وحديثة مكانها , وحيث اصبحت تلك الابراج لاتمت باي صلة الى القديم وفككت النسيج العمراني التاريخي للمنطقة , وكان هدفها الاهم هو تحقيق العائد المادي بحجة ( تصحيح الفوضى التي تعاني منها تلك المناطق القديمة ) .
 

 وفي الستينات من القرن الماضي ظهرت توجهات ذات صبغة سياحية تطالب باهمية الاحياء الشامل للمناطق التاريخية , لكن التوجهات هذه كانت تهتم بالمكان غافلة الاهتمام بالحياة والمجتمع الذي يعيش فيه , فالاولوية هنا لحالة المباني ومظهرها , وبدون اي مراعاة للخلفيات الاجتماعية والسكانية فيه . وهنا حدثت مشكلة اخرى , اذ لايمكن ان تكون الاهداف السياحية هي الاساس في عملية تجديد وصيانة وادامة المدن , خصوصاً المدن المهمة منها دون النظر الى البنية الاجتماعية فيها , لان ذلك سيعود الى ان تتحول تلك الاماكن الى متاحف بدلاًمن كونها مدن للعيش والسكن. وفي نهاية السبعينات من القرن الماضي تم اصدار قانون جديد يهتم بترميم وصيانة وتحسين المناطق التاريخية المهمة من خلال وضع خطط مدروسة لاعادة احياء تلك المناطق مع الاحتفاظ  بكيانها الحضري والعمراني والاجتماعي ونشاطاتها وتركيبها السكاني وملامحها التاريخية.

و في الفترة ( 1850-1947م) تم دراسة وتحليل كل المباني ذات القيمة المعمارية التاريخية والتي بالفعل تتطلب الاهتمام بها وثم توثيق الانشطة التي كانت في السابق تؤادى في تلك المباني , فضلاً عن اقتراح النشاط الحضري الملائم لها بعد التجديد والادامة , او في بعض الحالات القليلة جداً كانت توصي اللجنة المختصة بهدم المبنى بالكامل لتهرئه او قدمه او عدم ملائمته للوضع القائم , وهي حالة نادرة الحدوث .

وبصورة عامة تعاملت الجهات المختصة مع الابنية التراثية والمناطق التاريخية الفرنسية وفق الصيغ الثلاث الاتية:
1.      محاولات التجديد :  بدأت اولى الافكار لتجديد بعض الاحياء الباريسية الشعبية , وكانت الفكرة الاساسية منطلقة من شعار اعادة تنظيم هذه الاحياء ومحاربة القدم والاستعمال السيء للاراضي, التي تميز نسيجها العمراني بالكثافة المنخفضة , لان معظمها من مباني منخفضة الارتفاع ووجود عدد كبير من المخازن والورش شغلت مسطحات كبيرة من الاراضي. وصاحب عملية التجديد هذه حملة دعائية ضخمة وكان الهدف منها اجتذاب المستثمرين واقناعهم بجدوى هذه العملية .

2.      محاولات الحفاظ : تم اختيار" روبيه " في شمال فرنسا وهي مدينة صناعية على بعد 200 متر من البلدية وبمساحة 12000 متر مربع كنموذج مثالي للنسيج العمراني وفي هذه المدينة تقع النشاطات التجارية والحرفية على الشوارع الخارجية و تعلوها الوحدات السكنية وفي الداخل توجد الافنية الكبيرة والحدائق الخاصة ويحتوي الموقع على مصنع للغزل كان قد توقف عن العمل وبدلا من هدمه وضع مشروع لاحياء هذه المنطقة يتضمن:
·  الجزء الامامي حيث شغل الدور الارضي فيه النشاطات التجارية والحرفية والدور الاول تحول الى مكاتب وخصص الدور الثاني للاسكان حيث احاطت 40 وحدة سكنية بفناء داخلي وممر حركة طولي يتلقى انارته مباشرة من فتحات بالسقف النهائي كما تم توظيف السطح النهائي ليحوي بعض النشاطات الرياضية والترفيهية.
·  في الجزء الاوسط خصصت الادوار العليا لتوفير 30 وحدة سكنية مفردة (استوديو) وشُغِل الجزء السفلي بمسطحات مكتبية ونشاطات عامة وتم توفير عنصر اتصال مباشر بين هذا الجزء وباقي اجزاء الحي عن طريق ممر خلفي مغطى.
·  تم تنسيق الموقع المجاور وتحويله الى حديقة عامة تمثل عنصر ربط مع المركز الثقافي الموجود في الجهة المقابلة, وذلك مع ترميم بعض المباني المجاورة.
3.      عمليات التحسين : تم اختيار مبنى سكني في الحي الاول بوسط العاصمة الفرنسية : ويتكون من خمسة طوابق ويقع في منطقة مخصصة لحركة المشاة , وكان الهدف من المشروع هو الابقاء على نفس الوظيفة السكنية للمبنى مع تحقيق طاقة الاستغلال القصوى للفراغات بالمبنى وذلك طبقا للخطوات الاتية :

·  الدراسة الانشائية لحالة المبنى ومدى قدرته على تقبل الاحمال الزائدة الناشئة عن فكرة اضافة ميزانين للوحدة السكنية النهائية.
·  تم استغلال الفناء الداخلي في وضع عناصر الاتصال الرأسية ابتداء من الدور الاول.
·  تم الحفاظ على الشخصية المعمارية الاصلية للواجهات مع اجراء التحسينات واعمال الصيانة والاصلاح والتنظيف اللازمة وقد تمت هذه العملية في نطاق محدود بهدف الحفاظ على احد المباني القديمة التي تتمتع بملامح وخصائص التراث المعماري الباريسي التقليدي.



الاسس العامة المتبعة في التجربة الفرنسية و اسباب نجاحها :

1.      إنتشار ثقافة الحفاظ التي تحمي المناطق التأريخية والمباني والأهتمام من قبل المواطنين بالتراث العمراني بالرغم من إن اكثرهم في مناطق الحفاظ ينتمون الى الطبقات الفقيرة والمتوسطة .
2.      توفر الموارد المالية لدى الجهات المخططة والمنفذة حكومية و غير حكومية واعتماد هذه الجهات على المرونة في التخطيط والتنفيذ.

3.      توفر الخبرة والتجربة في صياغة ووضع المعايير,التي قادت الى:-

·        تحديد الأحياء التراثية ذات القيمة المعمارية التأريخية والتي تتطلب بالفعل الأهتمام بها وتوثيق الأنشطة فيها.
·        قدرة الجهات الفنية على تحمل مسؤولياتها والايفاء بالمخططات الموضوعة.
·        استنباط الأسس التي يجب اعتمادها في تطوير تصميم هذه المناطق.


4.      الضغط على اصحاب رؤوس الأموال لكي لا يقوموا بتنفيذ مشاريعهم الأستثمارية ذات الأرباح العالية على اراضي ومناطق الحفاظ.

5.      مشاركة التخصصات متعددة الجوانب التي استطاعت ان تصنع معايير ناجحة لان الموضوع ليس هو تخطيطي عمراني من جوانبه المادية فقط, وانما اجتماعي وثقافي وسياسي على حدٍ سواء.





التجربة التي اتبعت في جمهورية يوغسلافيا السابقة في التعامل مع المناطق التاريخية:

تمهيد.
ان استمرار الحياة الحضرية لفترة طويلة في يوغسلافيا ( التي تزيد على الفي سنة في منطقة دالماشيا ) قد خلف تراثاً بنائياً متنوعاً . ووفقاً لهذه الميزة التاريخية , فان العديد من الكيانات الحضرية والريفية والمباني المنفردة تم تبويبها في اصناف مختلفة:-


·  مدن قديمة صغيرة ذات قيمة جوهرية كبيرة : وهذا الصنف يضم قسما من المدن القديمة جدا مثل دوبروفنك , وكورجولا , و هفار , و تروجر , و بوجيلتج , وبرزرين و مدن اخرى يحتل مركزها التاريخي الجزء البارز من التمركز الحضري .
·  كيانات حضرية تضم مناطق تاريخية ذات قيمة معمارية عالية : وهذا الصنف يضم مدنا كبيرة , كمدينة سبلت على سبيل المثال , التي تؤلف بشكل استثنائي مركزا تاريخيا مهما ككل (وبضمنها ياتي قصر دايوكليشيان في المقام الاول ), فضلا عن تلك المدن التي تضم , ضمن اطار المدينة القديمة , كيانات ومباني مثل لوبليانا القديمة , سراييفو , وزغرب والعديد غيرها.
·  مدن قديمة ذات قيمة بيئية هامة : وهذه المدن تشكل فئة واسعة تضم سلسلة مدن منطقة منطقة دالماشيا كافة .
·  كيانلت ريفية ذات قيمة بيئية عالية.
·  مبان منفردة ومجمعات ذات قيمة ثقافية وتاريخية وبيئية خارج المدن والمواقع : وتؤلف هذه الفئة عددا كبيرا من النصب الثقافية والتاريخية ووحدات تقع خارج الاماكن الحضرية والريفية , مثل: العديد من المواقع الاثرية والحصون والكنائس والاديرة والقلاع , وامثلة اخرى للعمارة العسكرية وخدمات البنية التحتية (بقايا الطرق القديمة والجسور وشبكة اسالة الماء) ومنشأت اخرى.

وتوجد على امتداد الساحل الادرياتيكي بدءاً من استريا وحتى مونتيغرو , مدن ومستوطنات ذات معالم تشبه معالم المناطق الحضرية والريفية للبحر الابيض المتوسط , ومبان منفردة عديدة تتسم بالطابع الثقافي والمعماري لمنطقة البحر الابيض المتوسط القديمة وغربي اوروبا في القرون الوسطى . فسلوفينيا وشمال كرواتيا وفوجفدينا, وبصورة عامة مدن شمال الصرب و المجمعات والمباني المنفردة تجسد اتجاهات عديدة ومختلفة لاوربا الوسطى. وفي جنوب الصرب ومقدونيا  هناك اثار من القرون الوسطى ذات طابع بيزنطي. وفي وسط وجنوب وجنوب شرق يوغسلافيا , وبالاخص في البوسنة والهرسك ومقدونيا , حافظت المدن والقصبات , اضافة الى المباني المنفردة , على مميزات العمارة الاسلامية . وبالاضافة الى عناصر التاثير المختلفة هذه وعلاقاتها المتبادلة التي تنعكس في المباني القديمة , فان الطابع المحلي له حضوره ايضا.
وتعتبر التوجهات الحفاظية في "جمهورية يوغسلافيا الاتحادية السابقة" من اغنى التجارب التي يجب استذكارها والتوقف عندها .


تجارب بعض المدن اليوغسلافية في مجال صيانة واحياء المناطق االتاريخية في مرحلة السبعينات من القرن الماضي:

باتباعها انظمة ادارية ومالية جديدة , حققت عدد من المدن اليوغسلافية , بالاخص خلال السبعينات من القرن الماضي , نتائجاً ملموسة في مجال حماية واعادة تنظيم المراكز التاريخية فيها , وسنكتفي هنا بذكر هذه المدن فقط ونركز على تلك التي تمتعت باهمية خاصة.
في زغرب (Zagreb) عاصمة كرواتيا , تم معالجة مشاكل مراكز المدن التاريخية من قبل المعهد الاقليمي لحماية الممتلكات الثقافية , اضافة الى منشأة الاسكان (Stanoivest ) والتي استثمرت مبالغا كبيرة لتنظيم المباني القديمة.

وبذلت مدينة سيراييفو (Sarajevo) عاصمة البوسنة والهرسك , جهودا عظيمة من خلال معهد الممتلكات الثقافية ومؤسسات اخرى (مثل: دوائر تخطيط المدن , والجامعة وغيرها) لادامة وتجديد منطقة باشجارشي وهي مركز قديم ذات طراز معماري اسلامي. في عام  1970 , اقر مجلس المدينة برنامجا لاعادة تنظيم المنطقة , يهدف الى حماية او اعادة تشييد المباني المتداعية واعادة توحيد المنطقة التجارية ككل واستعمالاتها الحديثة , بحيث يمكن لهذا الجزء من المدينة باجوائها الصحية الجيدة , ان تفي بمتطلبات النشاط التجاري والسياحي والثقافي.

وقد طورت بلغراد , العاصمة الى حد كبير خلال سنوات سابقة لعام 1970م في نشاطاتها في مجال حماية وعرض المناطق التاريخية التابعة لها  عرضاً معاصراً , وبالاخص منطقة زيمون (Zemun) االقديمة وبلغراد القديمة . وقام المعهد الحضري لحماية النصب االثقافية بتنظيم هذه النشاطات وهيأ لهذا الغرض وثائق كاملة مثل: المسوحات و الدراسات التاريخية والمعمارية وتصاميم اعادة التشييد . وهَيأ معهد تخطيط المدن مخططات وتصاميم تفصيلية للمواقع التاريخية . وفيما يخص الحصول على التسيهلات المالية , فان تجارب المعهد الحضري لحماية النصب الثقافية تستحق اهتماما خاصا . فقد نجح المعهد , من خلال نشاطاته المتعددة في الصيانة , في جمع اموال كافية من اثني عشر مصدر مختلفا(صندوق حماية وتنظيم حصن بلغراد , صناديق سكان بلغراد للثقافة , ومن ميزانيات بعض الدوائر البلدية في مناطق المدن الكبيرة... وغيرها.)

اما في اوهرد   (  Ohrid  )فقد جرى فيها إعادة تنظيم منطقة المدينة القديمة وتجديد المباني المنفردة, وفي موستار (Mostar) نجد امثلة لاعادة البناء والاستعمال الحديث لاهم مجموعة من المباني التي تجاور الجسر القديم, وفي بوجيتيلي (Pociteli) حيث جرى فيها تحوير البيوت ذات الطراز الاسلامي في العمارة لتتلائم مع متطلبات الخدمة والسياحة الحديثة , وثمة مدن ومستوطنات اخرى اعتبرت فيها التحريات والتوثيق كأساس ضروري لعمل التصاميم وتنفيذ المشاريع.

احياء المركز التاريخي لمدينة سبلت ( Spilt ) :

وهي مدينة يسكنها 180 الف نسمة ,و هي تقع في وسط الساحل الشرقي للادرياتك , وتمثل المركز الاداري والثقافي والاقتصادي الرئيسي في دالماشيا.و فيها العديد من النصب الثقافية ,وكان اقتصادها يتصف بالنمو السريع حيث إعتمد ولازال يعتمد على الصناعة,و أحواض صناعة السفن,و عوائد الميناء, والتجارة والسياحة الموسمية والدائمية.



وتتمثل القيمة التاريخية والمعمارية الرئيسية للمدينة في قصر دايوكليشيان ( Diocletian’s Palace )  اي قلب المدينة. وهو واحد من الاثار المعمارية الرئيسة للفترة الرومانية المتأخرة, وهو بحالة جيدة من ناحية اطاره الخارجي ومفرداته مثل الابواب ,و الابراج, وضريح دايوكليشيان, والمعبد , وغيرها ...اضافةً الى القصر هناك في سبلت اثار تاريخية ومعمارية اخرى, مثل بعض الكنائس و البيوت التي تعود الى ماقبل واثناء عصر الرومانسك وبعض القصور القوطية المتاخرة, ومباني اخرى من عصري النهضة والباروك .


ويمكن ايجازها مراحل العمل التطويري لمدينة سبلت اليوغسلافية بالاتي:

·        توثيق وتحليل ودراسة الحالات القائمة : وهي مثلت المرحلة الاولى من العمل التطويري للمدينة واتبعت اجراءات مهمة في المسح والتوثيق والتحليل .

لقد اظهرت التحليلات التي اجريت على منطقة الدراسة نتائج كثيرة غاية في الاهمية, فعلى سبيل المثال, ان مقارنة التحليل الخاص بالاستخدام التجاري للمساحات مع التحليل الخاص بالظروف الصحية والمعيشية قد اظهر بان معظم المباني الايلة للسقوط تقع في المناطق المحرومة من الوظائف الحيوية المؤقتة, وقد استخدم الطابق الارضي في المباني بصورة رئيسية لاغراض الخزن بينما كانت المخازن والفعاليات التجارية الاخرى المرتبطة بالحياة النشطة في المنطقة تقع في المباني ذات القيمة السكنية الاعلى.


 بينما اظهر تحليل حركة المشاة وجود مشكلة كبيرة في المركز التاريخي الا وهي مشكلة تركز المرور في بعض الشوارع والعزوف عن استخدام شوارع اخرى, علما بان معظم شوارع المنطقة كانت مخصصة لحركة المشاة ويمنع دخول المركبات في عدد كبير منها.

·        دراسة التطور الحضري للمنطقة : وقد تم ذلك بواسطة دراسة الرسومات الدقيقة التي تبين المراحل التاريخية التي مرََ بها الاقليم والمدينة باكملها.

في جميع المشاريع التي عملوعليها طبقت الاجراءات المنهجية التي تضمنت الخطوات الاتية:
·        مسح الحالات القائمة : مسوحات معمارية تفصيلية للمباني والتي تتضمن رسومات دقيقة لكل جزء , سوية مع المسوحات التصويرية (Photo Surveys) , للدراسة الخاصة بالحالات القائمة ومشاريع التجديد .
·        تحريات المباني : وتضمنت تحليلات تاريخية ومعمارية مفصلة مع تحريات اضافية مثل ( حفريات , فصل الجص من الجدران ... وغيرها) .

الاسس العامة المتبعة في التجربة اليوغسلافية, و اسباب نجاحها:
ان استعادة المراكز التاريخية للمدن اليوغسلافية , يمكن ايجازه في ثلاث مراحل رئيسية :

1.      حماية المواقع التاريخية ضمن المناطق الكبرى والمخططات الاقليمية .
2.      حماية المراكز التاريخية للمدن والمناطق الاخرى ذات الاهمية البيئية في اطار التصاميم الاساسية .
3.      حماية وترميم واحياء المواقع التاريخية في اطار المخططات التفصيلية والتصاميم الحضرية والمعمارية .

تمثل حماية واحياء التراث الثقافي والتاريخي في المرحلتين الاولى والثانية فقرة واحدة متكاملة ضمن البيئة المعقدة لتخطيط المدن , وهكذا فان هذا الموجز يبين فقط الاساليب المتعلقة بحماية وتقييم واستعادة التراث الثقافي والتاريخي. اما المرحلة الثالثة ( الخطط التفصيلية ومشاريع المواقع التاريخية ) فانها تغطي المنطقة باكملها . لذا فان هذه المرحلة تؤلف لب الاجراءات المنهجية , بدءاً بالدراسات الاولية وانتهاءاً بالتنفيذ.


التجربة الامريكية في التعامل مع المناطق التاريخية في المدن :


تمهيد.

في الولايات المتحدة الامريكية و التي تقع في قارة امريكا الشمالية والتي اكتشفت قبل اكثر من 500 عام ,( والتي سميت بالعالم الجديد نسبة الى عدم وجود حضارة سابقة فيها ,مثلما هو الحال في اسيا و افريقيا وامريكا الجنوبية ). هنالك اصبح المجتمع يميل الى تخليد موروثاته التأريخية , باعتبارها نفائس الماضي.

و قرر المهتمون بالثقافة و التراث ان يتجنبوا المساومة في الطروحات التي لا تتفق مع متطلبات الحياة العصرية , و اصالة الموروثات التأريخية . ولهدا كان المخططون ملزمون بايجاد وسائل تعامل عصرية مع المباني التأريخية والتراثية والتي كانوا يرون ان المحافظة عليها يعبر عن عالمين قديم و جديد يعيشان في رحم واحد,و حيث تقرر بأن الاماكن التي تمثل كنوزاً تأريخية يجب ان تبقى في مكانها كمتاحف او ممثلة لاجزاء منها . وقد بحث هذا المجتمع الجديد عن الهوية التأريخية محاولاً التمسك بها . في اسواق المدن القديمة في بوسطن و فيلاديلفيا و شيكاغوا و نيواورليانز ومدن اخرى حيثُ وجدت فيها انسجة حضرية اعتبرت تمثل التاريخ الامريكي الذي يعبر عن الهوية التأريخية.

توجهات الحفاظ في المدن الامريكية :

وجد المخططون في الولايات المتحدة الامريكية بان بعض مكونات النسيج الحضري القديم قد توسع ليمتد خارج حجمه واصبحت مسألة المحافظة على دوره القديم امراً مفروغاً منه . وتمتلك هذه الاماكن التأريخية بالنسبة للامريكيين سحراً و بريقاً كبيرين يؤهلهما للعب ادوار جديدة بحيث تصبح هي المحرك الفعال للحياة و جلب المدخولات للسكان , لذا تم انشاء قطارات الانفاق والطرق السريعة المؤدية لها ,وانشات حول هذه الاسواق القديمة افضل واجود المطاعم.

وكان العلاج الحقيقي الذي فكربه المخططون للمحافظة على هذه الاماكن التاريخية هو استخدامها الحقيقي و ليس تحميلها دوراً مصطنعاً لم تكن مؤهلة له , بحيث تتولد نسبة من السكان في هذه الاحياء تتمتع بذوق رفيع وحساسية عالية ولها الرغبة في تحقيق درجات من الاصالة.و قد توافد السياح عليها واصبحوا يكونون مصدراً لموارد دائمة لها بالرغم من ظهور بعض المشاكل .

ان الاساس في ديمومة و استمرار اي مبنى سواء اكان بيتاً سكنياً او سوقاً او غير ذلك , يكمن في قدرته على مقارعة الزمن من خلال استعماله استعمالاً اصيلاً , وتم تناول امكانية التعامل مع الاجزاء القديمة من المدن المهمة والتي تندرج ضمن اهتمامات الحفاظ من اجل تأهيلها و تحويلها للدور الذي يجب ان تلعبه. ولوحظ بان بعض التجمعات السكانية في بعض الاماكن الناشطة كانت تأخذ دوراً لا يتفق مع الوظيفة التاريخية التي كانت تؤديها هذه المراكز , بحيث حاول بعض المهاجرين اليها ان يعيدوا تشكيل انفسهم من جديد , لانهم وجدوا تلك الوظيفة التاريخية غير مناسبة لهم.

ان مقرات الدوائر التي تجمعت في اماكن واضحة قد أصبحت املاكاً خاصة في موقع ما عند الضواحي , وكذلك المخازن التي كانت واقعة بالقرب من مراكز تفريغ الحمولات قد واجهت عمليات توسع مستمرة. وظهر شكل جديد تمحور على شكل مواقف اصطناعية تحاذي مواقف الطرق السريعة في قياسات هندسية جميلة , و عند المرور عليها بالسيارة بسرعة 60 ميل في الساعة فانها تبدو  وكأن المسافر يسير بمحاذاتها. اما المداخل الامامية المواجهة للطرق السريعة فقد ظلت تعاني من بعض المشاكل في التصميم ادى الى تشوه وعرقلة في النظر اليها كمقياس جديد في الحركة والرؤيا.

ان من بين الخصائص البارزة  للمدن الاخذة بالاتساع ( والذي يقف احيانا كعائق امام المراكز التأريخية والتراثية ) هو شريان حركة المرور الآخذة في النمو في المشهد الحضري الامريكي كخطوط حركة سريعة من المدن والى خارجها . فالتحدي المروري الذي تمثله هذه الخطوط يعبر عن خطر يصعب الامساك به . ومن خلال هذه الشرايين الحركية تكمن اعمق التحديات لاولئك الساعين لتطوير المدن الامريكية والمحافظة على تراثها . وقد يتم استبدال الوظيفة المرورية لهذه الشرايين بالطرق السريعة الفوقية (superhighways)  و هنا قد توفرت فرصة اختيار على الاقل من خلال تفادي هذه الاماكن بمسالك جديدة.

من الواضح ان التحدي الذي يواجهه التصميم الحضري في مدن الولايات المتحدة الامريكية الاخذة في التطور السريع , ومراكزها الحضرية يكمن في الاجزاء الجديدة وفي التشكيلات المستحدثة السائرة بشكل مضطرد , بحيث حاصرت المراكز التأريخية و التراثية . لكن مراكز التسوق الاقليمية والتي حدد توقيعها في اماكن قريبة من هذه المراكز كانت فاتحة لتطورات لاحقة ,وكانت هذه التشكيلات ناجحة في التنظيم وأدخِلَت بنجاح ضمن التخطيط وان العلاقة بينها وبين ما يحيط بها كانت في البداية صعبةً, بسبب طوفان السيارات التي تحيط بمراكز التسوق. وساعد هذا التأزم الى ايجاد حلول ادت الى تنويع اغراض استخدام مراكز التسوق , حيث اصبحت مركز اهتمام المجتمع و تعززت حقيقة هذه المراكز الجديدة في التسوق والتي هي قريبة من المراكز التأريخية والاثارية كونها استقطبت المشاة ايام العطل حيث تكون المراكزالجديدة مقفلة .



النظر الى المكونات الجزئية بشمولية Putting the pieces together :

كانت هنالك مسألة ملحة لدى المخططين الامريكان الا وهي مناقشة الاجزاء المكونة للمدن وكيفية التعامل معها والنظر الى المكونات الجزئية بصورة جمعية. وكان التساؤل في حقيقة الامر هو الى اي مدى يجب ان تكون هذه الاجزاء مستقلة ؟..ان مناقشة المدينة باعتبارها سلسلة من المجموعات العضوية يؤدي الى تقسيمها الى مجموعة من الوظائف التي تؤديها الاجزاء بشكل منفصل . وهذا هو الجانب المستتر في هذه الظاهرة . ويبقى السؤال قائماً في اتخاذ القرار المناسب في دمج الاجزاء مع بعضها من عدمه والى اي مدى يكون هذا الدمج مفيداً. وحيث تكون الاستمرارية الوظيفية مرغوباً فيها , يصبح دمج الاجزاء امراً مرغوباً به ايضاً. واحد الامثلة الممتازة لهذا تتجسد في مركز فيلادلفيا حيث البيوت التراثية الجميلة (Rittenhouse Square) . واقعة مع افضل النوادي والمؤسسات  في فيلادلفيا , بحيث تفسح المجال للنظر الى ابراج الشقق , ثم تشترك في محلات رائعة ويكون التتويج في ابراج المكاتب للمدينة الرئيسية.

نرى ان الهدف من دمج او عزل اجزاء من المدينة هو ليس لتحديد جزء عن الاخر , انما الغرض من ذلك هو جعل الكل اكثر استيعابا, وفي الحياة العصرية هذه كان يجب على المخططين الامريكيين ان يجعلوا الناس يروا بوضوح اجزاء المدينة ليفهموا موقعهم منها واين يتجهون.

ويعتبر نهر جارلس احد الانهار الرائعة التي تخترق المدن الامريكية و يحتوي في احد ضفتيه على نسيج حضري تراثي . وعند انشاء طريق سريع وحديث على طول ساحل بوسطن , فانه لم يفسد سحر (النهر) ويصل هذا النهر الى ثلاث جامعات رئيسية وهي هارفارد وبوسطن و ال(MIT) و تعتبر الصور الضليلة القديمة جزءاً من الماضي. وبالنسبة للذي تعوَد على الصور الظليلة القديمة للمدينة , قد يتصور ان التغيير سيولد صدمة له عند اول نظرة,اما الان فان هذه المؤسسات الثلاثة تحتوي على مباني ابراج عالية , ولدت تفكيراً ملياً لاستيعاب المحاسن الكامنة في التحوير . ان هذه الابراج تقدم للمشاهد مباني الجامعات الثلاث على النهر بطريقة جديدة . وتساعدعلى استيعاب ووضوح الشكل المتنامي للمدينة , كما انها تنبىء بمهارات مختلفة عن اشكال الحرم الجامعي الذي تعبر عنه. ان مشهد هذه الابراج والصورة الظلية لها يجب ان يتم تقييمه من خلال المرور بالسيارة على طول النهر ولايستطيع احد ان ينكر الرسالة المضمونية التي تعبر عنها.

الاسس العامة المتبعة في التجربة الأمريكية, و اسباب نجاحها:

ومن خلال الاطلاع على ماقام به الامريكيون من خلال تعاملهم مع التراث التاريخي للمدن يمكن استنتاج الاتي:

1.      تمت توعية الجمهور وتنبيهه الى قيمة القديم بالنسبة للحياة المعاصرة وقد استجاب الشعب الامريكي لذلك بشكل كبير.
2.      تمت المحافظة على ملامح الجمال القديم ولم يجري طمسه بسبب المعالجات والمخططات الجديدة غير المدروسة.
3.      لم يجري هدم المباني الاثرية لاجل التخطيط الجديد او لاجل فرصة رابحة ( في بلاد يلعب رأس المال والاستثمارات فيها دورا كبيرا) بل تم العمل على تضمينها داخل اطار التخطيط الجديد.
4.      تم التاكيد على وجهات النظر الجمالية بالنسبة للمدينة والحفاظ على طابع الحي والبيئة.
5.      تم الاستفادة من التراث و مزجه بالحديث.
6.      تم المحافظة على المباني الشعبية والرسوم في كثير من مدن الولايات الامريكية , حيث اعتبرت من الاثار الهامة والتي تمثل التراث الحقيقي.
7.      تم المحافظة على منظر المدينة القديم والجديد وجماليته المرتبطة بالحدائق العامة والمتنزهات وحماية ما بها من معالم اثرية.

النتائج المستخلصة من الدراسة والأستفادة منها في عمليات الحفاظ وإلاحياء في الوطن العربي:

            إن حماية وترميم واحياء المواقع التأريخية في الوطن العربي يجب ان تعتبر عملاً مميزاًمن اعمال تخطيط المدن , لذا فان المنهج المطبق في العمل ينبغي ان يكون في الأساس متماثلا ًمع منهج الدراسات الحضرية في كل بلد عربي, آخذاً الخصوصية بنظر الاعتبار فيما يخص التخطيط الطبيعي والتصميم في المدن والمستوطنات والاماكن الأوسع نطاقاً وان الطبيعة الخاصة للمنهج المطبق على المواقع التأريخية لكل من التجارب الثلاث التي عرضتها ورقتنا البحثية ناشئة عن الميزة الخاصة لهذه المواقع مقارنة مع المناطق التي تتمتع بأهمية ثقافية وتأريخية ,اي انها نتيجة للاجراءات المنهجية المحددة التي ترافق حماية وتقييم البيئات والآثار الثقافية والتأريخية.

ومن خلال دراستنا لهذه النماذج الثلاثة من التجارب الدولية يتضح لنا ايضاً بأن المفهوم الجديد للحفاظ يقتضي ضمنا ان تُشارك بشكل مباشر كافة الادارات المعنية بتخطيط المدينة والريف في عملية منع هدم المباني التأريخية, وان تضمن اعادة الحياة اليها, ان هذا الموقف والذي يختلف عن الصيانة التقليدية يجب ان يستند على الاسس التالية:
·        عمل البرامج اللازمة لتنمية الوعي باهمية هذه المناطق بما في ذلك الدعوة في المساجد و إشراك السكان في لجان لمتابعة عمليات التطوير والاحياء والصيانة.

·        ينبغي ان ينظر الى المراكز التاريخية ككيانات شاملة تضم المباني التراثية والتاريخية ومشاكل الصيانة الناتجة عنها بالاضافة الى الامور الاخرى المرتبطة بالاحوال السكنية والصحية وبحركة المرور واقتصاديات المنطقة.
·        ان صيانة وتنظيم وترميم اي مركز تاريخي بوصفه جزءاً من المدينة, ينبغي ان ينفذ وفق اسس ومعايير التخطيط الحضري المستند على التوثيق المتوفر والدراسات التحليلية المفصلة, مع الاهتمام الخاص بالقيم التاريخية ضمن المنطقة.
· ان كل خطوة في الحماية والتجديد او اعادة تاهيل بيئة تاريخية ينبغي ان تسبقها دراسة مفصلة, وتحليل لكل النتائج المهمة التي يتم الحصول عليها من تلك الدراسة.
· ان افضل طريقة لحماية النصب والمباني التاريخية هي اشراكها ضمن الوظائف المعاصرة والحيوية للمدينة.
· يجب احترام جميع الفترات التأريخية اثناء العمل في صيانة واحياء واعادة تاهيل المباني التاريخية, واذا ما اريد اعطاء وظيفة معاصرة لبعض المباني التاريخية فمن الضروري تقييم عناصر المبنى بالكامل ومن ثم اختيار العناصر الاكثر اهميةً, وقد يتم اللجوء عند الحاجة الى ازالة العناصر التي تشوه مظهر او وظيفة المبنى.
· في عملية احياء الاجزاء القديمة من المدينة تصبح الحلول المعمارية الحديثة المتصفة بالابداع, مقبولة واحيانا ضرورية جداً. ولكن يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار التناسق الكلي للبيئة التأريخية.
· من اجل حماية واحياء المراكز التاريخية,من الضروري ان يكون هناك تعاون مستمر بين دوائر تخطيط المدن والدائرة المعنية بصيانة المباني التاريخية, في جميع مراحل العمل ابتداءاً من التحليل الاولي وحتى المراحل الاخيرة من التنفيذ.
·  هنالك ضرورة لايجاد مؤسسات متكاملة ومترابطة فيما بينها تعمل على حماية المناطق التاريخية والابنية التراثية وتحافظ عليها مثلما وجدناه في تجربة يوغسلافيا السابقة إذ كانت هناك ثلاث جهات مسؤولة عن هذه المهمه وهي مؤسسات حماية النصب الثقافية, ودوائر تخطيط المدن ومؤسسات الاسكان.


لقراءة البحث كاملا اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا