التسميات

الجمعة، 26 فبراير 2016

التخطيط الحضري بالمقاطعة الحضرية زواغة : تقدم في التعمير و قصور في البيئة الحضرية ...


التخطيط الحضري بالمقاطعة الحضرية زواغة

تقدم في التعمير و قصور في البيئة الحضرية


بحث لنيل شهادة الماستر - كلية الآداب و العلوم الإنسانية ظهر المهراز - جامعة سيدي محمد بن عبد الله - فاس

إعـداد : حمـاني عبد الإلـه

تحت إشراف : الأستاذ إمحمد لزعـر

السنة الجامعية : 2008 / 2009 م


مــقـدمــة عـــامــة 

    يتسم واقع التخطيط الحضري بوجود مجموعة من الإكراهات التي تشكل عائقا مخلا بالتنمية و إعداد المدن في إطار مواجهتها لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، ومن أجل خلق شروط ملائمة لانخراطها في مسلسل العولمة و استغلال ما يوفره من فرص و إمكانات من جهة ثانية.1

  كما أصبحت الدينامية الحضرية وتوسع المجال و استغلاله من بين المواضيع التي تحظى بأهمية كبيرة من طرف المسؤولين، لما لها من انعكاسات على الوضعية السوسيومجالية، الاقتصادية والبيئية، خاصة وأن ظاهرة التحضر في تزايد مستمر ، مما نتج عن هذه الظاهرة تعدد في أنواع السكن غير المنظم المؤثر سلبا على اقتصاد وجمالية المشهد الحضري، باعتباره يمثل السبب الرئيسي وراء تراجع أهمية المناطق الفلاحية المجاورة للمدارات الحضرية للمدن، التي تستقبل نسبة هامة من الساكنة المعوزة من ذوي الدخل المحدود، غير القادرة على الاستقرار بوسط المدينة والمتأثرة بارتفاع ثمن العقار، والتي تجد في الهوامش المجال المناسب لإقامتها بسبب ضمه لنسبة هامة من دور الصفيح والتجزئات العشوائية المتأثرة بضعف المراقبة الإدارية،2 و هو ما يتجلى بشكل واضح على تراب المقاطعة الحضرية زواغة، التي تكونت بالأساس من أحياء عشوائية بدأت تعرف مؤخرا برامج الجماعية لهيكلتها.

  كما تجدر الإشارة إلى أن جل هذه المشاكل مرتبطة أساسا بالفقر والإختلالات التي يعرفها قطاع الإسكان بالمغرب، فإنتاج القطاع المنظم في الوسط الحضري لا يرقى إلى مستوى الحاجيات السنوية، حيث أن الإنتاج لا يتعدى 90.000 وحدة سكنية مع العلم أن حاجيات التزايد السكاني تستدعي أكثر من 125.000 وحدة سكنية، و لمواجهة هذا العجز المتراكم والاستجابة للحاجيات المتجددة للإسكان ، يجب حسب تقرير كتابة الدولة في الإسكان مضاعفة الإنتاج الحالي المهيكل ليبلغ زهاء 180.00 وحدة سكنية سنويا.3 

  إذا كان تمت ميدان حساس وفي تحول دائم، سيكون وبامتياز ميدان التعمير، ذلك لأنه من المفروض أن يعكس التحولات الاجتماعية والمجالية المضطردة، ويستجيب للحاجيات المتجددة للسكان المعنيين. فمثل هذا المجال لكونه ملزما بالتوفيق بين المصالح المتضاربة، فهو في غالب الأحيان، يتطلب لتنظيمه تنظيما محكما قواعد لعبة وجيهة تكون في تجديد وتحين دائمين.4 لذا ولمعالجة الاختلالات الاجتماعية والمجالية المتجلية في تعمير "غير منظم"، مع كل ما يحمله هذا التعبير من معاني التمييز والإقصاء الاجتماعي و المجالي وتفشي البطالة والانحراف وكل مظاهر ضعف الاندماج، صار جليا أن تنظيم المجال يتطلب وسائل وآليات ومقاربات جديدة في ميدان التخطيط والتدبير الحضريين.5

  إلا أن معاينة الحالة الراهنة لواقع التكتلات العمرانية، تبدي واقعا عمرانيا معقدا يدعو للقلق على أكثر من صعيد، ويمكن معاينة هذه الحالة من خلال معطيات مختلفة تتعلق بالجوانب الديموغرافية والمؤسساتية والقانونية والعقارية والمالية، فعلى المستوى القانوني مثلا يعرف مجموعة من العوائق تكرس للوضع الصعب للتعمير بالمغرب، يتجلى أهمها في :

تقادم و عدم ملائمة بعض القواعد القانونية وتشتتها على نصوص متعددة.

جمود بعض المقتضيات التشريعية.

بطء وتعقد المساطر .

صعوبة تطبيق بعض المقتضيات المتعلقة بالتعمير.

عدم ملائمة الترسانة القانونية للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية.

غياب وسائل التدخل داخل الأنسجة القائمة خصوصا منها غير القانونية أو الأنسجة ذات الطابع التاريخي والأركيولوجي، وكذا الجديدة؛ 

غياب التدابير المتعلقة بإنجاز عمليات التعمير الكبرى. 

ومع وجود هذه العوامل كلها، فمن الطبيعي إذن أن نجد التجمعات العمرانية تشوبها بعض الاختلالات المرتبطة بالتنظيم المجالي والتخطيط الحضري.6 

المقاطعة الحضرية زواغة رغم توفرها على تصميم التهيئة الذي يضع تصورا عصريا لتوسعها إلا أنها مازلت هي الأخرى تتخبط في العديد من المشاكل الخاصة بالتعمير و الهيكلة الحضرية، فالتعمير كما يطبق اليوم في بلادنا، يقتصر على التخطيط للمجال وتحديد الإطار القانوني لتدبير ترخيصات البناء والتجزيء، دون أن يعير وسائل تحقيق الخيارات المجالية ما تستحقه من اهتمام . 

  إنه وعلى الرغم من وجود ترسانة قانونية وتشريعية في ميدان التعمير، فإن النمو الحضري ما زالت تشوبه بعض الاختلالات الناتجة عن تداخل عدة عوامل، تتعلق بالأساس، بالنصوص القانونية في حد ذاتها وبسوء تطبيقها وبغياب بعض المقتضيات الملائمة . 

  والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو إلى أي حد يمكن تقنين المجال وتنظيمه؟ وما هي حدود التخطيط والتقنين الحضري؟ وأي هامش يمكن تركه للواقعية والتفاعل المستمر مع المستجدات في إطار حكامة محلية؟7 

  كما أن النمو الحضري يسبب ضغوطات قوية على البيئة، الشيء الذي يؤثر سلبا على جودة عيش المواطنين وعلى توازن الأنظمة البيئية. ونشهد في غالبية التكتلات العمرانية ظاهرة التوسع على حساب المجالات الطبيعية (غابات، أحزمة خضراء، ...) نتيجة للاكتظاظ الحضري أو حتى التوسع العشوائي، مع ما ينتج عن ذلك من إزعاجات وتأثيرات على صحة السكان (ضجيج، تلوث الغلاف الجوي، نفايات، تضخم أعداد السيارات .. الخ.)، مما يستدعي إخضاع عمليات التعمير الكبرى لمنظور بيئي متكامل .

  وإذا كنا نلاحظ، في غالب الأحيان، أن الجوانب البيئية تؤخذ بعين الاعتبار على مستوى التخطيط الحضري، فبالمقابل نجد من جهة، معاناة الجانب التطبيقي من اختلال على مستوى التدبير المحلي، كما نجد من جهة أخرى، نقصا مهولا في الوسائل المالية الموضوعة لهذا الغرض من طرف السلطات العمومية، إذ تحظى في الوقت الراهن، الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وكذا تدارك النقص في التجهيزات بالأسبقية في مسلسل تنمية المدن، على حساب المحافظة على البيئية وتحسين إطار جودة العيش. وبدون مشروع إرادي للتهيئة، فإن المساحات الخضراء تصبح في غالب الأحيان مطرحا للنفايات أو مهدا لتوالد السكن غير اللائق وتكاثره، مما يهدد التوازنات البيئية ويشكل خطرا عليها.8 

  يعرف التعمير بالمقاطعة الحضرية زواغة مجموعة من الاختلالات، نظرا لأنه ينصح بعدم تعمير وبحضر أي شكل من أشكال التعمير بها كما هو منصوص عليه في المخطط المديري لتهيئة الحضرية لمجموعة من الأسباب منها حماية واد فاس ، و أيضا المحافظة على منطقة زراعية مهمة كانت تعمل على تزويد مدينة فاس لبك ما تحتاجه من الخضر، دون إغفال لدور الإيكولوجي الذي يمكن أن يشكله هذا الحزام الأخضر، وعي السلطات العمومية بهذا الأمر حثهم على توجيه توسع المدينة إلى الجنوب باتجاه صفرو والشمال الشرقي باتجاه سيدي حرازم.9

  إلا أنه وبحكم المصلحة المادية التي تطبع اغلب المنعشين العقارين بالإضافة إلى أسباب أخرى سوسيواقتصادية عملت على تسريع عجلة التعمير بهذه المنطقة نظرا لطبوغرافية المنطقة السهلة وغياب المراقبة الفاعلة من طرف اللجان المختصة، مما أتاح المجال لظهور جميع أشكال السكن غير اللائق مما كان له انعكاسات بيئية و جمالية سلبية على المنطقة. ورغم محاولات الهيكلة التي تركز فقط على جانب التعمير تبقى زواغة تعاني بيئيا. 

الإشكالية التي يطرحها الموضوع 

  يمتاز مجال زواغة ببعض الحساسية نظرا لكونه مجال زراعي بالأساس، بالإضافة إلى امتداده فوق فرشات مائية هامة تساهم في إمداد واد فاس بالمياه في جرايانه، لدى فأي تعمير بالمنطقة يجب أن تؤخذ جميع جوانبه بالاهتمام البالغ، إلا أنه وتحت ضغط التحضر المتزايد وحركة سكانية مهمة، بالموازاة مع إهمال بشري وغياب ضوابط عملية لتأطير وتنظيم المجال، جعلت المنطقة تتسم بالعشوائية في جميع جوانب الحياة بها، سواء تعلق الأمر بقطاع السكن الذي شهد تنامي الأحياء العشوائية و ظهور أحياء الصفيح، أو بذاك المرتبط بالتخطيط الذي من شأنه ضمان نمو إيجابي للمنطقة، زد على هذا التدابير خاصة بحماية البيئة، حيث كانت هذه الأخيرة أخر ما يحسب حسابه فكانت المتضرر الأكبر بسبب غياب كل البنيات و التجهيزات الخاصة بها .

  لقد دفعت كل هذه الأمور و في ظل الحديث المتصاعد عن تنمية المدن وإعداد المجال و تنظيمه، إلى إخضاع المنطقة لتجارب عديدة تهدف إلى تصحيح المجال، فكانت أن عرفت المنطقة تعمير استدراكيا يروم رد الاعتبار لمنطقة زواغة و رفع التهميش عنها عن طريق إعداد برامج لإعادة الهيكلة، و عمل على تغطيتها بوثائق التعمير تفاديا لتنامي مظاهر العشوائية بها من جديد. لكن هذه الخطط غالبا ما كانت تتسم بضعف في لمس وقع المجال و تلبية حاجيته، في ظل نمو ديموغرافي مهم الأمر الذي كان سيعصف بكل مشاريع التهيئة بالمنطقة. 

خـاتمـة

  تشكل البيئة دوما معطى أساسي وحيوي يجب أخذه بعين الاعتبار لتحقيق ما يسمى بالتنمية المستدامة، و عدم الوعي أو تغاضي عن هذا المعطى و تهميشه، فهو حتما يؤدي إلى نسف التوازن بين الإنسان و بيئته، فتطور مجال المقاطعة الحضرية زواغة يتم بعيدا عن عناصر البيئة الحضرية و تكيفها مع وتيرة توسع المجال و تقدم التعمير، و كأن الناس يبحثون عن سكن يأويهم بغض النظر عن شروطه البيئية . إن صيانة البيئة الحضرية هي مسؤولية لا تقع فقط على كاهل المؤسسات الرسمية، فالجميع متساوي في هذه المسؤولية، فغياب الوعي بهذا الأمر و عدم الأخذ به ساهم و لازال يساهم بقسط كبير في تراجع جودة البيئة داخل تراب المقاطعة، لدى فإن التخطيط الحضري وحده، لا يمكنه أبدا حل جميع مشاكل البيئة المتعلقة بتمدين المجالات الهامشية في غياب آليات محفزة، تدمج التنمية المستديمة واحترام البيئة في مسلسل التنمية وإنتاج الثروات. 

خــاتمـة عـامـة

  تأثرت المقاطعة الحضرية زواغة بشكل كبير من توافد المهاجرين إليها سواء كانوا من القرى أو من حاضرة فاس نفسها، و يمكن القول بان لهذا التأثر وجهان أحدهما سلبي، و الأخر يمكن القول عنه تجاوزا بالإيجابي . فالأول سبب لمنطقة زواغة مجموعة من الاختلالات العمرانية و بالأساس على مستوى البيئة الحضرية. نظرا لغياب سياسة وطنية حقيقية تسعى للنهوض بالمجال و تطويره و جعل الإنسان محور اهتمامها الرئيسي. فالمقاطعة عرفت وبسبب عدم تأقلم العديد من المهاجرين خاصة ذوي الدخل الضعيف انتشار لأحياء السكن السري و أحياء الصفيح و احتلال أراضي الملك العام و الخاص على حد سواء لهذا الغرض، فكانت أن عرفت المنطقة احتضان شريحة اجتماعية مهمشة في أغلبها تفتقر إلى التأطير و التنظيم الحضري شأنها كشأن باقي القرى والبوادي المغربية تختلف فقط عنهم في مواد بناء السكن حيث عوض الإسمنت و الحديد الطين و القش، فعاشت المنطقة في ظل غياب جل التجهيزات الأساسية و البنيات التحتية و في وضع بيئي جد متردي، إلى أن بدأ المشهد الوطني يعرف مجموعة من التحولات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و خصوصا الأمنية، حيث بدأ الحديث عن إعادة الاعتبار للمناطق المهمشة، و ما أن ظهر هذا الخطاب على السطح حتى بدأت الخطط و البرامج من اجل هيكلة المجال و تطويره في الظهور ، مما يعطي انطباع بأن حتمية التطور غلبت على هاجس التخطيط المستقبلي للمجال . و يبقى التأثير الإيجابي على المنطقة كونها تعرف نموا مضطردا يساهم في الرفع من مستواها الاقتصادي و الحضري، مما يعطيها وزنا و ثقلا داخل مدينة فاس و يرفع التهميش عنها، إلا أن الإشكالية هنا تتجلى في كون أن هذا النمو يتم على حساب أراضي فلاحية خصبة، و أن تطورها المعماري يهم فقط الإطار المبني الجديد و لا يشمل نسيجها العمراني الأول، حيث مازال يعرف تشوها في مشهده الحضري.
حمله 

من هنا أو  من هنا أو من هنا


للقراءة  والتحميل 

اضغط هنا  أو اضغط هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا