التسميات

الجمعة، 26 فبراير 2016

دراسة عن البيئة والتنمية المستدامة في الدول الإسلامية : رؤية إسلامية للتنمية المستدامة ...

 دراسة عن البيئة والتنمية المستدامة في الدول الإسلامية

رؤية إسلامية للتنمية المستدامة


المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة .. إيسيسكو 2010

مقدمة
  تتفاقم المشاكل البيئية في البلدان الإسلامية بوتيرة جد سريعة نظراً لعدة أسباب، منها :
ـ المشاكل المرتبطة عامة  بالعوز و الفقر و التخلف والاستغلال الفاحش للموارد الطبيعية من أجل سد حاجات الساكنة من طاقة و غذاء. فالغابات التي تعد مورداً أساساً بالنسبة للعديد من المجموعات البشرية تعاني من الاستغلال المفرط و الخارج عن القانون، ناهيك عن عدم تطابق التشريعات مع الظروف الاجتماعية المتنوعة (وغيرها من المشاكل) مما جعل مردوديتها تتقلص يوماً بعد يوم. ويتجلى حل هذه المشاكل في معالجة شاملة تُعنى بتحسين مستوى المعيشة والتربية وتشجيع الترقية الاجتماعية.

ـ المشاكل المرتبطة باختلال الإنتاج و بالنمط الاستهلاكي الحالي و سوء استغلال المساحات المتوفرة. ومرد هذه الصعوبات إلى النموذج الاستهلاكي السائد الذي لا يكترث للكلفة البيئية التي يتطلبها الإنتاج.
   لذلك لا يمكن التمادي في  توسيع الأراضي الزراعية إلى ما لا نهاية، ففي الآونة الأخيرة، تم هذا التوسع على حساب الأراضي الهامشية المعروفة بهشاشتها.
   تستأثر المناطق الساحلية ذات البنية الهشة بالاهتمام، و لذلك فهي عرضة لمختلف أنواع التلوث. ويعتبر الزحف الديمغرافي والاقتصادي نحو المناطق الساحلية السبب الرئيس في تفشي التلوث بها. مما يطرح مشكلاً جوهرياً في مجال إعداد التراب و توزيع الأنشطة الاقتصادية، إذ تتركز في المناطق الساحلية غالبية السكان و العديد من المدن الكبرى و المصانع الضخمة و المرافق السياحية الكبرى.
ـ إن غياب مؤسسات المراقبة التقليدية قد أحدث أضراراً حقيقية، حيث لم  يتم استبدال مؤسسات حديثة تستمد بها فاعليتها من إشراك المواطنين والجمعيات في اتخاذ القرارات المتعلقة باستغلال الموارد والتهيئة الإقليمية كما هو الحال بالنسبة للمسالك الجبلية في المغرب العربي، وبالنسبة للمياه في مناطق الواحات التي كانت تُسيّر بفضل المجهود الجماعي. ويهدف التنظيم الجماعي في هذه المناطق إلى القيام بتدبير فعال للموارد الطبيعية الآخذة في التناقص في الوقت الذي يتزايد فيه عدد السكان، مما يستوجب وضع إطار تنظيمي يُعنى بالمراقبة والوقاية و سن القوانين الهادفة إلى الاقتصاد على الموارد و تفادي الاستغلال المفرط للمواقع المهدّدة.
ـ إن عدم التحكم  في التقانة و ضعف التجهيزات الاجتماعية و الصحية لمن الأسباب التي ألحقت الضرر بصحة الإنسان و راحته. و من المعروف أن التلوث يشكل خطراً فعلياً على الموارد المائية سواء السطحية أو الجوفية. و بذلك فإن جزءاً كبيراً من هذا التلوث يمس المجال الساحلي في نهاية المطاف. ويؤدي التزايد الديمغرافي وتسارع الحركة التمدينية  و التصنيع والتحولات الفنية في المجال الفلاحي إلى تزايد حجم النفايات الملوثة للمياه. كما أن الافتقار إلى وسائل محاربة التلوث و انعدام بنية تحتية  للتطهير البيئي من بين الأسباب التي تفسر ظهور حالات خطيرة من التلوث البيئي الذي يتهدد صحة السكان و حالة الوسط الذي يعيشون فيه.
   إن تدهور حالة الهواء و ما يترتب عن ذلك من أثر سلبي على الساكنة يعتبر من المشاكل الأساس التي يعاني منها الوسط الحضري. و مما يفسر ذلك ازدحام حركة السير و تقادم السيارات المستعملة. وتعتبر الوحدات الصناعية مصادر ثابتة للتلوث لأنها لا تخضع  للمراقبة وتستعمل محروقات محتوية على نسب عالية من الكبريت ( الوقود و الفحم).
ـ كما يمكن تفسير هذا التدهور البيئي بالإحساس بعدم الانتساب إلى وسط من الأوساط أو مورد من الموارد، و من ذلك تصرف بعض المهاجرين القرويين (حديثي العهد بالوسط الحضري) داخل الأحياء التي يقطنونها و خاصة منها تلك التي تجسد موروثاً حقيقياً كالمدن العتيقة على سبيل المثال.
ـ وترجع بعض هذه المشاكل إلى مجرد قصور إعلامي و انعدام حملات توعية فعالة للتأثير على غالبية المواطنين و إقناعهم  بضرورة تغيير تصرفهم إزاء الموارد الطبيعية و الممتلكات العمومية و المساحات المبنية.              
  فالبيئة إذاً إشكالية مركبة تمس في نفس الآن مجالات التربية والتنمية  والإعلام. و لعل هذه المشاكل تستدعي لحلها إعادة النظر في النصوص التشريعية الجاري بها العمل و كذا تحسين طرق التدبير وتطوير المؤسسات المعنية. وبعبارة أخرى، يتعين بذل المزيد من الجهود من أجل تحقيق نمو متوازن لا تشوبه تلك الفوارق التي غالباً ما تكون سبباً في التوترات الاجتماعية و الأضرار البيئية.
   وعلى مستوى العالم الإسلامي، تنقسم جدلية البيئة و التنمية المستدامة من حيث خصائصها إلى قسمين :
ـ فمن جهة، يتطرق الدين الإسلامي إلى هذه الإشكالية من خلال تعاليمه الأساس التي يمكن اعتبارها سباقة في هذا الميدان.
ـ و من جهة أخرى، يتكون معظم العالم الإسلامي من بلدان نامية تبحث عن أنجع الطرق و أنسبها لتحقيق التنمية المستدامة. ويعد الاقتداء بتعاليم  ومبادئ الإسلام فرصة سانحة من أجل بلوغ هذه الغاية.

الجزء الأول  : الآفاق العالمية والأسس الإسلامية
1 . الآفاق الاجتماعية والاقتصادية العامة
تشهد الألفية الثالثة تغيرات بيئية كبرى :
ـ تهدد النظام السوسيو ـ اقتصادي اختلالات خطيرة في مجالات الإنتاجية وتوزيع الثروات والخدمات، فنسبة كبيرة من سكان العالم تعيش حالة من الفقر منها أغلبية دول العالم الإسلامي. ففي عدد كبير من هذه الدول تتسع الهوة التي تحول دون استفادة فئة مجتمعية من الموارد الموجودة والخدمات الطبية وغيرها. وهو ما من شأنه أن يهدد استقرار محيط الإنسان وبيئته العامة.
ـ تعرف التحولات العالمية تسارعاً مطرداً، إلا أن التقدم التقاني والخيارات السياسية الرامية إلى المحافظة على البيئة والمجتمع عاملان غير كافيين لتقليص الهوة التي يخلقها النمو الديمغرافي والفقر، وإن كانت ثورة الاتصال والتنقل الحر للمعلومات تسعى إلى القضاء على هذا النوع من الاختلال بين مكونات المجتمع العالمي.
وعليه، فإن مسلسل العولمة الذي يؤسس لتنمية اجتماعية فعلية لم يوجه بعد للقضاء على الاختلالات التي تقسم العالم. وتحول التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية دون تصور مستقبل مستديم للعالم والمجتمع الإنساني.
   منذ سنة 1950 والاقتصاد العالمي ينمو بوتيرة مطردة. فقد زاد أربعة أضعاف بنسبة 4%  كل سنة رغم الأزمة الآسيوية. وفاق معدل الدخل السنوي 5000 دولار للفرد الواحد أي ما يعادل 2,6 مرة ما كان عليه سنة 1950. لكن أكثر من 1300 مليون شخص يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، ولا تأوي الدول المتقدمة إلا خمس 5/1 سكان العالم في الوقت الذي تستفيد فيه من 60% من ثروات الطاقة العالمية.
   ويعيش ربع سكان العالم حالة من الفقر المدقع. وبينما بلغ النمو السنوي للناتج الداخلي الخام معدل 1,17% بين 1975 و1995 بلغ هذا المعدل 0,2% في إفريقيا و3% في منطقة شرق آسيا وتراجع إلى 2,9% في شبه الجزيرة العربية، (أي أن الناتج الداخلي الخام انتقل من 6500 دولار سنة 1975 إلى 3800 دولار سنة 1995).
   إن حجم الاستهلاك والنفايات مرتفع في دول الشمال مما يسفر عن أضرار يمتد تأثيرها على مستوى واسع. بيد أن تلوث المحيط المباشر آخذ في التقلص. وقد بدأ الإنسان يتحكم أكثر في مشكل البيئة بفضل التقدم التكنولوجي وتطور آليات المراقبة والقضاء، وبفضل مجهودات وسائل الإعلام والمجتمع المدني الذين يتصدون للمشاريع التي تؤثر سلباً على البيئة والصحة. ويبقى قائماً مشكل الآثار البيئية التي لم تعرف بعد أو التي يتم إخفاؤها عمداً ولا يكتشفها السكان إلا بعد أن تحدث أضراراً (مثال : غذاء الماشية المحضر بالمواد الحيوانية).
   يؤدي الفقر والانفجار الديمغرافي في الدول النامية إلى استنزاف متزايد للموارد الطبيعية وتبقى الحلول المقترحة للحد من هذا الاستعمال المفرط ضعيفة المفعول. فثلث سكان العالم يعتمدون في عيشهم على الاستغلال المباشر للموارد الطبيعية. و يساهم تقلص هذه الأخيرة في انخفاض مستوى عيشهم ويبخر آمالهم في التطلع إلى التنمية، ففي هذه البلدان، يتولد عن حركة التمدين العشوائي والتصنيع مستويات تلوث مرتفعة مما يؤثر على المحيط المباشر للسكان وعلى مستوى عيشهم وصحتهم. فوضعية الفقر لا تسمح بالتغلب على العوامل التي تؤثر على حياة السكان وتجعلها تعج بالاعتلالات الصحية.
  إن التوقعات المستقبلية لا تبعث على الارتياح. فبينما ينمو الناتج الداخلي الخام العالمي باطراد ومعه حاجات الإنسان من غذاء وماء وطاقة، تتعاظم الفوارق الاقتصادية وتتفاقم معضلة المجاعة التي تتسبب في العديد من الوفيات في مناطق معينة من العالم. وسيزداد الضغط البيئي نظراً للتحولات العالمية وتلوث البيئة المباشر، خاصة في البلدان الفقيرة. ومع ذلك، فإن اتخاذ بعض التدابير السياسية قد يساهم في تصحيح هذه التوجهات و ذلك عن طريق التأثير في الأنماط الاستهلاكية و النماذج التنموية. فمن شأن القيم الإنسانية المرتبطة بالأخلاق المتعارف عليها عالمياً والتي يدعو إليها الإسلام أن تنظم السلوكات الفردية والتوجهات المجتمعية الحالية.

القوى التي توجه التطور البيئي والصحي :

ـ الوضع السكاني : يتطلب النمو الديمغرافي موارد طبيعية إضافية لسد حاجات السكان الأساس. كما يستوجب بذل المزيد من الجهود من أجل معالجة النفايات التي يخلفها النشاط البشري. ويرجع انخفاض نسبة الوفيات منذ بداية القرن إلى تحسن نسبي للبيئة الصحية. إلا أن بعض المؤشرات تجعلنا نعي بالفارق الحاصل في هذا المجال بين الدول المتقدمة والدول النامية ( من حيث عدد وفيات الأطفال والوفيات الناجمة عن الولادة وإسهال الأطفال وغيرها من المؤشرات)، ويرتبط انخفاض نسبة الإنجاب بارتفاع المداخيل وتحسن الصحة. إلا أن هذا التقدم لا يمكن أن يكتمل من دون نمو اقتصادي وتحسين النظام التربوي ونظام التغطية الاجتماعية.
    من بين التحولات الديمغرافية الأساس يجب أن نذكر حركة التمدن. فقد انتقل عدد سكان المدن من 750 مليون سنة 1950 إلى أكثر من 2500 مليون نسمة اليوم، ويرتقب أن ينضاف إلى هذا العدد 500 مليون سنة 2025. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة 90% من هذا النمو تحدث في الدول النامية مع كل ما يترتب عن ذلك من مشاكل بيئية وصحية.
الاقتصاد : تعيش الدول النامية فترة نمو اقتصادي مطرد نتيجة تخصيب الأراضي الفلاحية والتصنيع وبناء المدن الكبرى وإنشاء الشبكات الطرقية للنقل والتوزيع. إلا أنها تعاني من معضلة التلوث لحد يقال معه إن البيئة أصبحت في بعض الأحيان ضرباً من ضروب الترف. وإذا كانت التحولات الاقتصادية وتوسع الشركات الكبرى تدفع بعجلة النمو قدماً، فإنها ترفع من الآثار السلبية للتلوث لا سيما في الدول التي تستثمر في الصناعات الملوثة.
  إن التقدم التقاني الذي تم بفضل ازدياد عدد المهندسين والعلماء وبفضل التقدم الحاصل في مجال التواصل داخل الأسرة العلمية من شأنه أن يحسن من عملية الإنتاج واستغلال الطاقة والمعادن. كما أن إعادة استعمال بعض المواد تؤدي إلى تحقيق التطور دون إلحاق الضرر بالبيئة. ولكن من بين الدول النامية نجد أن بعض الدول الأسيوية دون سواها هي التي تتحكم بشكل فعال في استهلاك الطاقة وفي مشكل التلوث.
   أما في ميدان النقل، فإن ارتفاع حركة التنقل وكثرة الوسائل الترفيهية جعلت عدد السيارات يتزايد حيث انتقل من 40 مليوناً سنة 1954 على 680 مليوناً سنة 2000. وتستهلك المواصلات ربع الطاقة المنتجة ونصف كمية البترول المستخرج. وبذلك يساهم هذا القطاع بشكل كبير في التلوث الجوي. ومما يزيد من خطورة هذا الوضع هو أن التقنيات التي تقلل من الاستهلاك الفردي للطاقة لم تعد فعالة أمام تزايد عدد السيارات. فهذا التزايد يكلف المجتمع ثمناً باهظاً بسبب آثاره على الصحة من جهة وعدد حوادث السير من جهة أخرى.
السياسة : لقد غلب هاجس النمو الاقتصادي على الأهداف الاجتماعية والبيئة سواء قبل الاستقلال أو بعده . أما الآن وقد انتشرت الليبرالية الاقتصادية وأضحى الكسب المادي هو الهدف الأسمى، تم تهميش الجانب البيئي في القرارات السياسية. وفي سياق العولمة، أخذت الحكومات التي يفترض فيها رعاية الأموال العمومية تفقد القدرة على اتخاذ القرار وتفسح المجال أمام الشركات عبر الوطنية التي لا تضع نصب أعينها إلا الكسب المادي المباشر. ومن حسن الحظ أن هناك العديد من المنظمات التي تولي اهتماماً خاصاً إلى العنصر الاجتماعي والبيئي، بل تضعهما ضمن أولوياتها. ويمكن القول إن نوعاً من التوازن أخذ يظهر في هذا المجال. ويبقى على الدول النامية أن تضع بنيات للتدبير والمراقبة يكون الهدف منها حماية الأموال العمومية وراحة المواطنين. ولبلوغ هذه الغاية، يجب وضع برامج تمويلية كما قامت بذلك الدول المتقدمة حيث رصدت ما بين 20% و45% من الناتج الداخلي الخام في شكل ضرائب تُخصص لتحسين مستوى حياة المواطنين.
    على العولمة أن تتعامل مع أبعاد بيئية في غاية الأهمية كمشكل ثقب الأوزون والتغيرات المناخية وانتشار المواد الملوثة والخطيرة. فتزايد الاستثمارات الخارجية المباشرة (25 مليون دولار) على حساب برامج المساعدة التنموية التي تقل عن 50 مليون دولار) يفسر عجز القطاع الحكومي عن توظيف الأموال العامة وعن ضمان العناية بالبيئة. والواقع أن هذه الاستثمارات المباشرة التي تعمم التقانة لا تغطي كلفة الأضرار البيئية والصحية.
   وينظر أكثر فأكثر إلى الكلفة المخصصة لحماية البيئة على أنها حواجز تعرقل حرية التبادل. بيد أن التحدي الحقيقي هو تحرير المبادلات مع تحسين ظروف عيش الإنسان والحفاظ على رفاهه.
ومما يزيد وضعية دول الجنوب تعقيداً تراكم مديونيتها التي تثقل كاهلها وتطبيق برامج التقويم الهيكلي، مما يقلص النفقات الحكومية المخصصة للبيئة. وعليه تبقى البيئة في أسفل لائحة الأولويات.
  ومن أهم الخيارات السياسية التي يمليها الواقع حالياً يجب التركيز على خيار السلام الذي أضحى شرطاً أساساً للاستقرار البيئي وضمان الراحة والرفاه للإنسان. فعلاوة على الخسائر الفادحة في الأرواح، تخلق الحرب وانعدام الأمن حالة من عدم الاستقرار وتحدث اختلالات داخل نظم الإنتاج وتلحق بالبيئة بالغ الضرر بسبب تفشي أنواع خطيرة من التلوث واستغلال الموارد الطبيعية بشكل مفرط. كما أن الحروب تؤثر على الجانب الصحي بسبب استعمال بعض الأسلحة التي تُجهل آثارها.

المنظومة القيمية وأنماط العيش :

   تميل أنماط العيش والاستهلاك في العالم إلى التجانس وذلك على حساب الثقافات المحلية. ومن خصوصيات هذه الأنماط الجديدة: إنتاج مفرط للنفايات وزيادة في استهلاك الموارد الطبيعية من طاقة ومياه غيرها. وقد أصبح من الضروري ترشيد الاستهلاك والاهتمام بإحياء الثقافات المحلية التي تتأسس على أخلاقيات استهلاك تحترم البيئة والإنسان. وفي هذا الصدد، تشكل الثقافة الإسلامية مرجعاً يتوجب على كل دول العالم الإسلامي العمل به.
القوانين والمؤسسات والأدوات الاقتصادية :
  خلال الخمسينات والستينات، كان مفهوم التنمية يرتكز على فكرة مفادها أن الثراء الاقتصادي كفيل بتحقيق الرفاهية. ومنذئذ والتنمية البشرية تشكل المحور الأساس  لمفهوم التنمية الذي اعتمد وضع مجموعة من المعايير لقياس مستوى التنمية، كمعدل الحياة ونسبة التمدرس والناتج الداخلي الخام للفرد. ومنذ سنة 1992،  أصبحت التنمية عملية معقدة تتداخل فيها مظاهر البيئة والثقافة الاجتماعية.
   وقد تمت بلورة مقاييس شاملة تدخل فيها المؤشرات البيئية والاقتصادية والصحية والاجتماعية من أجل تقييم المنتوجات الجديدة الموجودة في السوق ومقارنتها مع المنتوجات المعروفة.وإخبار وتوعية المستهلكين بضرورة استعمال منتوجات وخدمات أكثر دواماً وفائدة للبيئة والصحة. ويمكن عرض هذه المنتوجات بأسعار خاصة.
   ويبقى التقنين هو مفتاح السياسة البيئية. وقد أصبحت القوانين أكثر شمولية منذ بداية التسعينات حيث تم تحديد مجموعة من المعايير في هذا المجال، إلا أن هذه الجهود تستدعي المراقبة والمتابعة، كما تستدعي تحرك الوكالات المتخصصة في هذا المجال مما يترتب عنه نفقات إضافية في سبيل حماية البيئة. والملاحظ أن مثل هذه القوانين تأتي متأخرة في الدول النامية، ونادراً ما تخرج إلى حيز التنفيذ، مما يحد من فعاليتها. بيد أن السياسية البيئية في دول الشمال تأخذ منحى الشمولية حيث تندمج في إطار التنمية المستدامة ويقول فيها المجتمع المدني كلمته.
ومن المعروف أن المؤسسات والقوانين البيئية عرفت تطوراً كبيراً في أغلب الدول خلال الثلاثين سنة الماضية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن التقنين المباشر هو أنسب سياسة للتحكم في آثار البيئة ومراقبتها.
  غير أن فعالية هذه السياسة تتوقف على منهجيتها وعلى مدى التنسيق المؤسساتي والاندماج السياسي. ذلك أن هذه المؤسسات غالباً ما تنظم على أساس قطاعي بالرغم من أن تخطيط المشاريع ودراسة تأثيرها أصبحا هما القاعدة المتبعة في كل المجالات.
   وإذا كانت العديد من المناطق قد عملت على تقوية المؤسسات، فإن مناطق أخرى عرفت تراجعاً في هذا المجال، إذ مالت إلى تفعيل الوسائل الاقتصادية وإعطاء أهمية أكبر للمبادرات الخاصة. ذلك أن صعوبة التقنين والتكاليف التي تترتب عنه شجعت هذه الجهات على اتخاذ هذا المنحى.
   إن الاتفاقيات متعددة الأطراف تمنح الوسائل القانونية الكفيلة بمواجهة مشاكل البيئة. ونورد هنا مثال الاتفاقات المتعلقة بالمياه في إطار الأحواض الكبيرة ومثال الاتفاقيات العالمية المتعلقة بالتغيرات المناخية والتنوع البيئي.

2 . العولمة و الهوية الإسلامية
   لقد فرضت العولمة وجودها على الجميع بشكل  يستدعي معه البحث عن النقاط الإيجابية لهذه الظاهرة العالمية و استغلالها في خدمة النمو الإنساني.  ولهذا، يتوجب إيجاد الطرق الكفيلة للتحكم فيها من أجل الإسهام في بناء صرح الحضارة الإنسانية باستلهام الأصالة و الهوية الإسلاميتين. 
   و مثل هذا الطموح يفترض في أنظمتنا الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية أن تكون قادرة على المنافسة و أن تبذل مجهوداً متواصلاً من أجل تحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
   وحسب الدراسة التي قدمها الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري  سنة 2001 تحت عنوان "العولمة و الحياة الثقافية في العالم الإسلامي"، فإن 15% فقط من سكان العالم هم الذين ينتجون القسط الأكبر من التكنولوجية الحديثة. أما باقي السكان بمن فيهم مواطني البلدان الإسلامية فينقسمون إلى فئتين : أما الأولى فتستطيع الاستفادة من التقانة الحديثة، في حين تظل هذه التقانة بعيدة المنال بالنسبة للفئة الثانية.        
   إن نصف سكان العالم يعيشون في وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة  تساهم فيها عدة عوامل :
ـ نمو ديموغرافي مفرط : إذ ينسب 90% من هذا النمو إلى الدول النامية بما في ذلك بلدان العالم الإسلامي،
ـ يعيش ثلث سكان العالم تحت عتبة الفقر،
ـ يعاني عدد كبير من البلدان النامية من مشكل وفيات الأطفال و من سوء التغذية،
ـ الحروب وانعدام الأمن والعنف ونزوح السكان،
ـ التزام الدول النامية ببرامج التقويم الهيكلي على حساب أهداف العدالة الاجتماعية،
وفي  هذا السياق، تبقى الإصلاحات التي تصب في اتجاه النهوض بالمجتمعات الإسلامية هي وحدها الكفيلة لتجاوز حالة التخلف وتحقيق التقدم.
   ويفترض هذا المطلب >تفعيل العمل الإسلامي على جميع المستويات، وذلك بغية تقوية التضامن الإسلامي وجعله بمثابة المحور الذي يدور حوله التعاون بين أعضاء المجتمع المسلم في كل المجالات. و الغاية من ذلك هي وضع أسس التنمية الشاملة و الرفع من مستوى العيش عن طريق استتباب العدالة ومحاربة الفقر والجهل و القضاء على الأمراض ونشر الروح الوطنيةü.
    ويتميز مطلع الألفية الجديدة بنظام عالمي جديد تسود فيه عولمة الظواهر وتداخلها. إلا أن هذا النظام لن يظل في مأمن من الأخطار التي تتولد عن تطور الحياة الإنسانية ولاسيما في ظل الفقر والمجاعة والأمية. فالإحساس بالخطر يجعل الإنسان أكثر وعياً بالعلاقة الموجودة بين التطور الاقتصادي الاجتماعي من جهة، وحسن تدبير الموارد الطبيعية وحماية البيئة من جهة أخرى.
  غير أن هذا الوعي لن يكون مثمراً إلا إذا تم فهم العلاقة القائمة بين المعرفة العلمية و العمل البيئي و تأثيرهما على راحة الإنسان.
  ولقد تمخضت نظرة جديدة عن الوضعية العالمية الحالية و العلاقات المتداخلة و المعقدة التي نجمت عنها. فأضحى الإنسان محط اهتمام السياسة العالمية  والموضوع الأساس  للبحث و محور اهتمام المسؤولين بحيث أصبحت القضايا المادية تعالج من خلال تأثيرها على الإنسان. ومن الملاحظ أن النظام الحالي يؤسس خطابه على هذه المبادئ و إن كانت لا تتسم بالعالمية ولا تهم الجميع. والواقع أن الهوة التي تفصل الشمال عن الجنوب آخذة في الاتساع لا سيما في ظل الاختلالات الاجتماعية الصارخة. و إذا رجعنا إلى التراث الإسلامي سنجد أن المبدأ القائل إن التنمية أساسها الإنسان وعمله و ذكاؤه هو من المبادئ الرئيسة في الفكر الإسلامي.
3 . الأسس الإسلامية
   إن تعاليم الدين الإسلامي أخذت في الحسبان هذه الإشكاليات المعقدة المتعلقة بالتنمية. فالمبادئ الإسلامية تستند إلى رؤية شمولية وعميقة تفرض على الإنسان أن يتعامل مع بيئته على أنها ملك مشترك يجب المحافظة عليه لضمان استمرارية هذا العالم والإنسان الذي يعيش فوق هذه الأرض. ولا يجب اعتبار هذه البيئة من خلال بعدها المكاني فحسب بل يجب تصورها في بعدها الزمني كذلك، إذ على الإنسان الرجوع إلى التاريخ لتحليل هذه العالم وفهم المراحل التي قطعتها نشأته.
ويجب على الإنسان أن يعيش في انسجام مع نظامه البيئي الذي يعتبر مورداً لا يمكن الاستغناء عنه وأن يستغل كل الموارد الطبيعية. كما يجب عليه أن يتفكر في اختلاف المخلوقات وتنوعها وذلك أساس الإيمان بالله وبقدرته الخلاقة.
  لقد جاء الدين الإسلامي بنظام عادل و متوازن يحث الإنسان على تنظيم حياته الاجتماعية وفق الأسس الأخلاقية التي يقتضيها القرآن الكريم وخاصة منها مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يمكن بلوغ هذه الغاية إلا بفضل تضافر المجهود الجماعي و التعاون المتبادل في سبيل المصلحة الجماعية.
  لقد خلق الله هذا العالم لخدمة الإنسان من منظور احترام حياة كل الكائنات الحية. كما كرم الله الإنسان إذ حباه سبحانه و تعالى بالقدرة على الابتكار  والبناء والإبداع لكي يعرف كيف يواجه المصاعب التي  تعترض طريقه (كالعراقيل الطبيعية) ويستشرف مستقبله بالاعتماد على التخطيط و على رؤية تتسم ببعد النظر.
  والمسلم المؤمن هو الذي يعي انتمائه إلى الجماعة و يعرف أن مصيره مرتبط بها. ومن ثمة تكتسي المسؤولية طابعاً جماعياً مما يحث الفرد على تحسين سلوكه و العمل بمعية الآخرين من أجل الدفع بهذا المجهود نحو الاتجاه الصحيح. ومن هذا المنظور، يتوجب على كل فرد أن يفكر وأن يُعمل العقل من أجل تطوير بيئته الاجتماعية و الطبيعية.
  لقد خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء بمقاييس دقيقة، وهذه المقاييس الإلهية هي وحدها القادرة على ضمان استمرارية هذه الموارد وحسن تدبيرها لكي يلعب كل عنصر دوره على أكمل وجه وبدقة متناهية. ما من شيء حي إلا ويدخل في الإطار الذي حدده له الخالق لكي يلعب دوراً يعلم الله وحده كنهه. إلا أننا مطالبون بالبحث لفهم هذه السنن الكونية. فما من مخلوق خلق عبثاً ولو كان من الكائنات التي قد نعتقد لأول وهلة أنها مضرة.
   ولهذا، فكل اختلال يقع في هذا النظام الطبيعي المتكامل بفعل الإنسان سيؤثر حتماً على كل الأنظمة البيئية بسبب تلك التفاعلات التي غالباً ما يصعب توقعها. ولهذه الآثار وقع على البيئة وعلى كل الموارد التي يستغلها الإنسان وعلى إطار حياته عامة وصحته وراحته خاصة.
   لقد حث الدين الإسلامي من خلال الكتاب والسنة على ضرورة حماية البيئة التي يعيش فيها الإنسان وتدبير موارده تدبيراً حسناً وإلحاق أقل الضرر بالنظم البيئية. وبذلك سيجنب نفسه الآثار المباشرة وغير المباشر التي تنجم على الاختلالات التي قد يتسبب فيها وذلك من أجل العيش في إطار صحي ملائم.
  ولهذا أيضاً، يحث الإسلام على الطهارة اليومية ونظافة الأبدان والملابس والأماكن التي نعيش فيها. حيث أن المسلم يتوضأ عدة مرات في اليوم بالماء الطاهر قبل أن يؤدي فريضة الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة. وللوضوء أكثر من مغزى :
ـ لا يصح الوضوء إلا بماء نقي طيب غير ملوث نابع من بيئة خالية من الدنس. وتعد طهارة ماء الوضوء ضرورة تدل على أن الإسلام ينهى عن تلويث الماء بالنفايات الصلبة أو السائلة إن كان ذلك مباشرة بإلقائها في الماء الذي نستعمله، أو بطريقة غير مباشرة أي في المنبع الأصلي الذي يمدنا بالماء أو المياه الجوفية. ونستنتج من ذلك أن الإسلام لا يقبل التلوث الذي يتسبب فيه الإنسان من خلال نشاطه سواء كان تلويثاً فردياً أو جماعياً (عبر قنوات صرف المياه). لقد أصبح تطهير المياه من النفايات السائلة ومراقبة الأماكن التي ترمى فيها النفايات الصلبة ضرورة لا محيد عنها إن نحن أردنا أن نحافظ على طهارة الماء الذي نتوضأ به.
ـ الوضوء عملية تطهيرية يقوم بها المسلم عدة مرات في اليوم. وبتنظيفه لجسمه وملبسه، فإنه يتفادى تلك الأمراض التي تنتشر في البيئة ومختلف الكائنات والعوامل البيئية المضرة بالصحة.
   ولا تقبل الصلاة إلا في الأماكن النظيفة، وإن كان يدل هذا على شيء فإنما يدل على أن الإسلام يأمر بتطهير المحيط الذي يعيش فيه الإنسان وبالحؤول دون تراكم النفايات، وهذا ما ينم عن ممارسة تتسم بالتحضر والاحترام.
   وبشكل عام، يحث الدين الإسلامي على مبدأ من المبادئ الأساس ألا وهو ضرورة الوقاية قبل العلاج. ومعنى هذا أن على كل مسلم حماية بيئته وصحته من كل التأثيرات السلبية المباشرة منها وغير المباشرة، ومن هنا جاء مفهوم دراسة الآثار البيئية على المجتمع.
   أما المبدأ الآخر الذي يجب العمل به فهو أن الأشياء التي تسبب الضرر هي نفسها مضرة وعليه فمن الواجب منعها. فالأخلاق الإسلامية من خلال مبادئها الأساس والممارسات التي توصي بها تلح على العلاقات التي تربط الأشياء في ما بينها.
(*) العولمة والحياة الثقافية في العالم الإسلامي.
الجزء الثاني
البيئة والتنمية المستدامة : المبادئ العامة
    بدأت العلاقة بين البيئة و التنمية المستدامة تُؤخذ بعين الاعتبار ابتداء من عقد السبعينات و ذلك من خلال :
ـ مؤتمر ستوكهولم لسنة 1972،
ـ تقرير برونلاند: و هو تقرير اللجنة الدولية حول البيئة و التنمية الذي نُشر تحت عنوان " مستقبلنا المشترك" و قد جاء هذا التقرير بمبدأ التنمية المستدامة.
ـ الأجندة 21 : و هي برنامج العمل برسم القرن الواحد و العشرين الذي تبناه مؤتمر " ريو" سنة 1992 والذي يهدف إلى اعتماد مبدأ التنمية المستدامة.
ـ المؤتمر العالمي للعلوم سنة 1999.
و إذا كانت هذه المبادرات تدل على شيء فإنما تدل على مدى ارتباط البيئة بالتنمية المستدامة. وتمتاز المبادئ و الخطط المنبثقة عن " الأجندة 21"  بتكامل جدير بالتنويه.
1 . النماذج التنموية، البيئة والتنمية المستدامة
  يعاني العالم من مشاكل بيئية تزيد حدتها يوماً بعد يوم وذلك بسبب الارتفاع المفرط في عدد السكان والتوسع المهول للنشاط الصناعي سواء في الدول المتقدمة أو في الدول النامية. وتلحق هذه المشاكل البيئية أضراراً جسيمة بصحة الإنسان نظراً للتلوث والتغيرات التي طرأت على النظام البيئي واتساع ثقب الأوزون.
  فمنذ مؤتمر ستوكهولم لسنة 1972 والمجتمع الدولي يقر بضرورة التوعية والإعلام في هذا المجال.
  ثم جاءت مبادرات عديدة لتثمين هذا التوجه الجديد بدعم من منظمات ووكالات دولية مختلفة. وفي هذا السياق، أقر المؤتمر العالمي للعلوم سنة 1999 بضرورة ربط العلاقة بين العلوم والمجتمع من أجل مستقبل مستدام خال من الأمراض.
وتهدف التوصية الأولى إلى تفادي تعرض الإنسان إلى الأخطار البيئية والصحية بفضل تحول جوهري في طريقة التعامل مع مفهوم البيئة. أما التوصية الثانية التي يجب العمل بها موازاة مع الأولى فهي ضرورة اهتمام المسؤولين بهذا الموضوع بشكل مباشر.
  وهكذا يجب أن يتبنى المسؤولون والسياسيون تصوراً جديداً يجمع ما بين التوعية والتكوين والعمل المستمر، كما يجب عليهم أن يكونوا قادرين على تفادي التأثيرات السلبية التي قد تنتج عن خياراتهم والتعامل مع الآثار التي لا يمكن توقعها أو التحكم فيها.
   لقد بدأ النشاط الاقتصادي و ما يتبعه من بنايات و تجهيزات  يؤثر بشكل متواصل على حالة البيئة. و أصبح هذا الثأثير من الخطورة بحيث يكاد يغير التركيبة الكيميائية للأجواء والحالة الجوية العامة مما قد يسفر عن تحولات بيئية تكون عواقبها مفاجئة في بعض الأحيان. وقد أصبحت الأوساط الطبيعية والأنظمة البيئية مهددة في جودتها وتنوعها وسلامتها بفعل الحركة التصنيعية التي قطعت أشواطاً بعيدة وتسببت في عدة أضرار، لكنها ساهمت كذلك في تحسين عدة جوانب من حياة الإنسان.
   ويتضح بجلاء أن النمط التنموي المعتمد حالياً على الصعيد العالمي لا يفضي إلى التنمية المستدامة. ونلاحظ بشكل عام أن التوازنات الماكروبيئية مختلة لكن رغم ذلك لا تبذل مجهودات كافية، و ليست هناك عزيمة قوية للخروج من هذا الوضع المتأزم و إن كانت الخطابات الرسمية تحث على عكس ذلك. و رغم التقدم الاقتصادي الحقيقي الذي أحرزته بعض البلدان، إلا أن آثاره السلبية على المستويين الإجتماعي و البيئي تبقى واضحة المعالم، وإن كان ذلك بشكل متفاوت (ماسود، 1998). أما في البلدان التي لم تنل حظها من التقدم فلا تزال المشاكل مستفحلة  و خاصة منها تلك المرتبطة بالانفجار الديمغرافي وبالمخاطر الصحية  والكوارث  البيئية التي قد لا تحمد عقباها.  
  وغني عن البيان أن مسلسل النمو سواء في دول الشمال أو الجنوب تصحبه  العديد من الأضرار التي لا تؤثر سلباً على هذه الدول فحسب بل تتعداها لتشمل المجال البحري و الأجواء الأرضية.  و في هذا الباب، يلعب التخطيط التنموي       والاستراتيجيات القطاعية دوراً أساساً في مجال البيئة كما يعمل على توفير الموارد الطبيعية و الحفاظ على رفاه الإنسان. و من ثم يجب إقحام العنصر البيئي  في النمط التنموي الذي نتبناه و جعله إحدى القواعد الجوهرية للتنمية و اعتباره دعامة أساساً  للتقدم و ليس معرقلاً له.
  وإذا ما قارنا بشكل إجمالي الآفاق المستقبلية للبيئة في الدول المتقدمة مع ما هي عليه في البلدان النامية، سنلاحظ فرقاً واضحاً :
ـ فمن جهة، هناك الدول المصنعة التي تعاني من تبعات التطور الاقتصادي، و من ذلك ارتفاع نسبة الغازات المنبعثة التي تلحق الضرر بمجموع الكرة الأرضية و تتسبب في تدهور الحالة الجوية في المناطق الحضرية، نظراً لحركة التصنيع وانتشار وسائل النقل الفردية والا ستغلال المفرط  للأراضي و كل الأضرار الناجمة عن التوسع الحضري و تهميش الوسط القروي الذي حول إلى مجال ترفيهي مما جعل هذه الدول تنتج كميات هائلة من المواد الملوثة التي لها بالغ الأثر على المنظومة البيئية. أما على الصعيد المحلي فيبدو أن هذه الدول تتحكم بشكل أفضل في مجالها البيئي (من قبيل تطهير المياه و نظافة المدن). غير أن العديد من المعطيات لا تزال مجهولة أو مسكوتا عنها ( كالأمراض الخبيثة المرتبطة بالبيئة وبسوء النمو و كذا المشاكل الصحية المستجدة الناجمة عن الخيارات التكنولوجية التي تمليها قاعدة الإنتاجية في مجالات التغذية وغيرها) .
ـ من جهة أخرى ترتبط المشاكل البيئية بالفقر والحاجة في الدول النامية، إذ تعاني هذه الأخيرة من ضعف التصنيع و قلة التجهيزات. وتتجلى مشاكل البيئة في الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية مما يؤدي إلى اضمحلال الأراضي و تدهورها. و من جهة أخرى، تعاني هذه الدول من مشاكل بيئية أخرى نتيجة الاختلالات الواقعة في النظم الإنتاجية و الاستهلاكية وسوء تدبير المساحات الأرضية المتاحة نظراً لانعدام التجهيزات المناسبة و غياب مؤسسات فعالة للتدبير.  وهذه البلدان لا تنتج من المواد الملوثة إلا الشيء القليل على المستوى العالمي و لا تؤثر بشكل أساس على النظام البيئي العام. غير أن التلوت حاضر فيها بقوة إذ له تأثير مباشر على الحالة الصحية للسكان (من قبيل الأمراض المرتبطة برداءة المياه المستهلكة).
ففي البلدان النامية التي تعاني من قلة الإمكانيات و ضعف  التجهيزات، تتوقف التنمية المستدامة على اتخاذ التدابير التالية :
ـ أولاً، يجب تشجيع الموارد البشرية والطاقات الإبداعية واعتبارها المحرك الأساس للمشاريع (من مرحلة التصور إلى مرحلة التنفيذ) وتفضيلها على خيار التقانة المستوردة التي لا تزال مستعصية إلى حد كبير على هذه البلدان.
ـ ثانياً، اعتماد أساليب الإنتاج التي لا تكلف كثيراً وتفضيلها على المشاريع المكلفة.
وما من شك أن ضمان الحماية البيئية إنما هو رهين بالتنمية الاقتصادية وتحسين مستوى عيش السكان. ولهذا يتوجب استغلال فرصة الانفتاح على العالم لما يحمله ذلك من آمال بالنسبة للتنمية والبيئة على حد سواء.
   فمن دون موارد مالية إضافية، لن تستطيع بلدان الجنوب وضع قضية البيئة ضمن أولوياتها، ومن دون الدعم التكنولوجي و العمل على نقل التكنولوجيا لن تحظى قضايا البيئة في هذه الدول بما تستحقه من الاهتمام.
  لقد بات التعاون الدولي و الإقليمي ضرورياً للحفاظ على النظم البيئية وتهييء الظروف المناسبة لتأمين سلامة البيئة وتحقيق ظروف عيش ملائمة. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمجال البيئة  تحدد المسؤوليات فيما يخص التأثير على الأنظمة المناخية العالمية وعدم الحفاظ على التنوع البيولوجي و استفحال ظاهرة التصحر. وقد عمدت بلدان الجنوب إلى الانخراط في هذه الاتفاقيات بغية التعبير عن إرادتها في ما يتصل بتخفيف حدة التدهور البيئي على المستوى العالمي.
  وفي المقابل، تتوقع هذه الدول دعماً تكنولوجياً ومالياً يمكنها من وضع سياسات صناعية أقل تلويثاً.
  ويعرف العالم اتجاهين متناقضين : أما الاتجاه الأول فيدافع عن حرية تبادل السلع والخدمات ويناضل من أجل العولمة، وينادي الاتجاه الثاني بإبراز الخاصيات الثقافية لكل دولة والحفاظ على البيئة وعلى الموروث الإنساني في معناه الواسع.
إلا أن الهوة السحيقة التي تفصل بين البلدان الغنية و الفئات الاجتماعية المهمشة والمستضعفة يجعل التنمية أمراً بعيد المنال ما استمر النظام الاقتصادي الحالي، وما لم تتغير الأسس التي تبنى عليها الخيارات العالمية الكبرى، وما لم تتبدل السلوكات وطرق التفكير.
  ويجرنا هذا الأمر إلى طرح التساؤل التالي : ألا يمثل هذا النظام الاقتصادي العالمي نموذجاً اقتصادياً مكلفاً من حيث حجم آثاره البيئية و الثقافية، فضلا عن أنه يرتكز على حرية التبادل ويرفع الحواجز أمام تنقل السلع و الخدمات ويفسح المجال للشركات متعددة الجنسيات في إطار العولمة، مع العلم أنه يبعث في نفس الوقت على القلق في ما يتعلق بالاقتصاديات المحلية لدول الجنوب و يتسبب في حالات التهميش الاجتماعي ؟
  من المعلوم أن بلدان الشمال نفسها تعي تماماً أن للعولمة آثاراً على المجالين البيئي والاجتماعي، وذلك رغم الدور الذي تلعبه في النمو الاقتصادي. ومهما يكن من أمر، فالاعتقاد السائد في هذه البلدان هو أن الأرباح المحققة تفوق بكثير الخسائر البيئية. فمن المُنظٍّرين الاقتصاديين من ذهب إلى أن جزءاً من الأرباح الناجمة عن التوسع الاقتصادي  كفيلة بتقليص نسبة التلوث. وقد ينطبق هذا الطرح عـلى الحـالات المــباشـرة النـاتجة عن النشاط الحضري و الصناعي (على سبيل المثال : تلوث مجاري المياه الكبرى في أوربا)، إلا أنه لا يأخذ بعين الاعتبار الحوادث المفاجئة ولا حالات التلوث الجوي العام التي ما فتئت تهدد التوازن البيئي العالمي.
  إن دول الجنوب تنظر إلى العولمة باعتبارها ظاهرة حافلة بالمجازفات. فإذا كانت هذه الدول ترحب بالاستثمارات الخارجية، فإنها في نفس الوقت تتخوف من الآثار السلبية لهذه المشاريع على مقاولاتها الصغرى المحلية، بل إنها  لا تمثل نموذجاً تنمويا كفيلاً بحل مشكل العطالة.  و بما أن العولمة تعتبر فضلاً عن ذلك سوقاً حرة لتداول الأفكار، فإن بلدان الجنوب تخشى المساس بمقوماتها الثقافية. علاوة على ذلك، تتسبب العولمة الاقتصادية في أضرار بيئية فادحة مردها إلى الأسباب التالية :
ـ أولاً، تبذل الشركات متعددة الجنسيات كل ما في وسعها من أجل تحقيق أكبر حجم من الأرباح،  وبالتالي فإنها لا تبحث عن اليد العاملة الرخيصة فحسب بل تعمل جاهدة للتنقيب عن الأماكن التي لا تطبق فيها المعايير البيئية بشكل صارم.
ـ ثانياً، لم يعد بإمكان دول الجنوب توجيه هذه الشركات الأجنبية الضخمة نحو القطاعات التي تحتاج إلى الاستثمار أكثر من غيرها، كما لا تستطيع توجيهها نحو المجالات التي تلحق أقل الضرر بالبيئة.
ـ ثالثاً، تعتبر بعض قوانين المنظمة العالمية للتجارة متناقضة مع السياسة الصحية و اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة. فعلى سبيل المثال، لا يجوز منع منتوج  ما من الدخول إلى الأسواق الوطنية حتى و لو كان مضراً، إذ يكفي أن تثبت مصالح المراقبة في  الدول المصدرة سلامة  هذا المنتوج ليصبح قابلاً للتسويق (حالة المواد المعدلة جينيًا التي تنتجها الولايات المتحدة). و من جهة أخرى، تنص الاتفاقية المتعلقة بالتنوع الحيوي على تقنين العمليات الجينية التي تمارس على الموارد الطبيعية بهدف تحسينها  و الاستفادة منها بشكل عادل  كما هو الشأن في مجالي الأدوية و مواد التجميل). هذا في الوقت الذي لا تعترف فيه قوانين المنظمة العالمية للتجارة بإسهام الطب التقليدي المحلي في البحث عن مواد و وصفات صيدلية جديدة.
  لقد بلغ عالم اليوم من الثراء ما لم يبلغه في أي وقت مضى، حيث تضاعف الناتج الداخلي الخام العالمي سبع مرات خلال العشرين سنة الماضية و بلغ المدخول الفردي ثلاثة أضعاف ما كان عليه، أما استهلاك السلع و الخدمات فقد تضاعف خلال نفس الفترة. غير أن الفوارق اتسعت بين الدول و بين مناطق الدولة الواحدة، ناهيك عن الفوارق الطبقية التي أصبحت إنسانياً لا تطاق. و جدير بالتذكير في هذا السياق أن الساكنة القروية التي تمثل ثلثي سكان العالم لا تستفيد إلا من ربع الخدمات المتاحة. و الأدهى أن هذه الفوارق آخذة في التفاقم حيث أصبح الفقراء يشكلون نسبة 90% من مجموع سكان العالم (سبير، 1999).
  إن النموذج التنموي الحالي المتمثل في غزو الشركات متعددة الجنسيات وتفريط الدول النامية في ثرواتها الاقتصادية  و تملصها من المسؤوليات الاجتماعية المنوطة بها، واستفحال الفوارق الاقتصادية لن تفضي إلى تنمية اقتصادية حقيقية، بل ستؤدي في أحسن الأحوال إلى حالة من النمو يتعذر معها خلق ما يكفي من مناصب الشغل ولا تسمح بتوزيع جيد للمداخيل و لا بإشراك الطبقات المحرومة في مسلسل ديمقراطي فعلي. و فضلاً عن ذلك كله، يؤدي هذا النموذج التنموي إلى طمس الهويات المحلية و رهن المستقبل الاقتصادي للدول الفقيرة نظراً للاستغلال الفاحش لثرواتها.
  إن البحث عن التوازنات الماكرواقتصادية دون سواها قد أسفر عن أضرار اقتصادية و اجتماعية فادحة. و أدى التوقف عن دعم المنتوجات الفلاحية في العديد من المناطق الريفية إلى ارتفاع كلفة الإنتاج،  وحال دون تحسين تقنيات الإنتاج. كما أن الإبقاء على نفس الأسعار المنخفظة حال دون إعادة الاستثمار، وبذلك أدى إلى تراجع النمو القروي، لاسيما و أن سكان المدن يفضلون استهلاك المواد المستوردة من دقيق ممتاز وفواكه جافة وما إلى ذلك. وخلاصة القول إن التنمية من منظور العولمة تقوم بتهميش الاقتصادات المحلية (غريفون، 1999).
إلا أن ما يدعو إلى الأمل في هذا الباب هو الوعي بأهمية الكيف بدل الكم، ومن ثم ظهرت معايير جديدة لتقييم النمو حيث أصبح هذا الأخير يقاس بمدى اعتناء الدولة بمواطنيها وبتوفير ظروف العيش الملائمة.
   كما أصبحت مرفوضة تلك التبريرات القائلة بأن الفوارق الاجتماعية إنما تمليها الفاعلية الاقتصادية، وأصبح ُينظر إلى التنمية باعتبارها مسلسلاً متكاملاً يجمع  بين المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتجعل من الكائن البشري أولى أولوياتها.
  و تستند التنمية المستدامة إلى مجموعة من المبادئ التي يمكن صياغتها كالتالي :
ـ التنمية مبنية على هدف اجتماعي  يفترض رؤية ثقافية ترتكز على التوزيع العادل للثروات و الاستمتاع بالحقوق المشروعة.
ـ التنمية المستدامة مسلسل يتسم بفاعلية ا قتصادية حقيقية لكنه يحرص في الوقت ذاته على توازن البيئة، وتفادي الأضرار البيئية التي قد تخرج عن سيطرة الإنسان.
ـ التنمية المستدامة مسلسل يحرص على احترام أسس الموروث الثقافي المحلي.
ـ التنمية المستدامة نموذج نمو متوازن على المستوى المكاني، إذ أنه يستجيب بشكل عادل إلى الحاجات الاقتصادية لمختلف المناطق داخل الدولة الواحدة.
والواقع أن هذا التصور التنموي يستدعي نوعاً من العبقرية والإبداع (بروداغ، 1999) بحيث يجب ألا نكتفي بانتقاد تلك الأساليب الإنتاجية التي تجر معها الكثير من الأضرار البيئية، بل يتعين البحث عن طرق إنتاج إيجابية تجمع بين الربح المادي والحفاظ على المنظومة البيئية، كالقيام بإعادة استعمال النفايات بعد معالجتها، أو البحث عن مصادر الطاقة البديلة، مما سيخفض من كلفة الطاقة ويقلل من انبعاث الغازات الملوثة ( غريفون، 1999).
وتتجلى العلاقة بين المجالين الاقتصادي والاجتماعي في وضعيتين رئيستين :
ـ وضعية يؤدي فيها الركود الاقتصادي إلى تدهور خطير للأوضاع الاجتماعية و البيئية، و تلك وضعية تعاني منها معظم البلدان النامية.
ـ وثمة وضعية ثانية لم يحرز فيها النموذج التنموي المعتمد تطوراً اجتماعياً و لا تحسناً بيئياً كاملين.
ويجدر التذكير أن النتائج الإيجابية المسجلة في هذا السياق نادرة للغاية، في حين لابد للتنمية الاقتصادية أن تجمع بين المجالات الثلاث المتمثلة في النمو الاقتصادي و التقدم الاجتماعي و التنمية المستدامة.
   ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، لا محيد عن تقوية دور الدولة في تنظيم الأسواق من خلال فسح المجال أمام المواطنين لممارسة حقوقهم السياسية والاقتصادية ومن خلال إشراك العنصر البشري و الرقي به و جعل المواطنين قادرين على اتخاذ القرارات التي تهم مناطقهم ( موراطا، 1999). ومن البديهي أن تدبير الشؤون البيئية لن يتأتى في ظل سياسة اقتصادية متوحشة لا دور للدولة ولا للجماعات المحلية فيها. وعلى هذه الأخيرة أن تعمل على تنشيط الاستثمارات العمومية خاصة في إطار برامج محاربة الفقر و العوز و ذلك بهدف إحراز تنمية اجتماعية حقيقية. كما يجب اعتماد نظام تشريعي مناسب والنهوض بالمجال التربوي و تطوير الجانب الإعلامي لنشر ثقافة إنتاجية واستهلاكية معقلنة.
  إلا أن هذا الانفتاح لا يعني بتاتاً الانجراف نحو تنميط النماذج الاقتصادية. إذ يتعين على بلدان الجنوب أن تشجع أنماط العيش الأصلية،  وأن تُبقي على طريقة استغلال المجالات الحيوية لما في ذلك من تعبير عن الهويات الثقافية و تنوعها.    والحفاظ عن هذه الأنماط المحلية إنما يهدف إلى الحفاظ على الموارد باختلاف أشكالها، وتسييرها بما يتناسب مع كل هوية على حدة.

2 . البيئة والأنشطة الاقتصادية والخيارات التنموية
2. 1. الصناعة :
  تعد الصناعة من القطاعات التي تلحق حجماً كبيراً من الأضرار  بالنظام البيئي. إلا أن هذا المشكل في طريقه إلى الحل بفضل التقدم التكنولوجي المستمر والتطبيق الصارم للقوانين البيئية. و في هذا الباب، لا بد من الإشارة إلى الفرق الواضح الذي يفصل بين دول الشمال ودول الجنوب. فقد تخلت الدول المتقدمة عن طرق الإنتاج التقليدية لصالح التكنولوجيا الدقيقة والمتخصصة، واستطاعت بذلك أن تخفض من نسبة التلوث المباشر، وأن ترفع من مستوى عيش سكانها. إلا أن ذلك لا يخلي مسؤولية بلدان الشمال عن التحولات البيئية العالمية الناجمة عن الغازات المؤدية إلى الانحباس الحراري، ناهيك عن المخاطر غير المتوقعة كالكوارث النووية. كما يتم تجاهل المخاطر الصحية المرتبطة باستعمال التقانات البيولوجية دون توخي الحذر. وبما أن النشاط الصناعي يعتمد إلى حد كبير على وسائل النقل البحرية، فإن جل الصناعات تتركز في المناطق الساحلية مما يفضي إلى تعارض المصالح مع قطاعات اقتصادية أخرى كالسياحة الشاطئية.
   وتشهد بلدان الجنوب تطوراً صناعياً ملحوظاً بفضل الاستثمارات الخارجية في إطار السياسة التوسعية التي تنتهجها الشركات متعددة الجنسيات. كما أن انعدام الصرامة في تطبيق القوانين البيئية في دول الجنوب يحدو بالشركات العالمية الكبرى إلى نقل فروعها الصناعية إليها، مما يمكنها من إنتاج مواد مصنعة بتكلفة منخفضة لأنها معفية من استعمال التقنيات الإنتاجية المتطورة باهضة التكاليف. ويشكل عدم التحكم في التقانات الحديثة في بلدان الجنوب وضعف التأطير فيها مصدراً للأخطار والحوادث التي تستعصي على السيطرة. كما لا يجب أن ننسى أن ظاهرة التكتل في المناطق الساحلية تشتد حدتها في دول الشمال. ولا يبقى التلوث مصدراً للأضرار كمّاً و كيفاً فحسب، بل قد يحول دون قيام أي نشاط آخر داخل المجال الملوث.
   ومن هنا يتضح جلياً أن رغبة دول الجنوب في الاستفادة من الاستثمارات الخارجية يتعارض مع مبدأ الحفاظ على البيئة و على التوزيع المتوازن للنشاط الصناعي. و الملاحظ أيضاً أن العديد من هذه الدول تتماطل في إصدار القوانين البيئية الأساس لما تمثله من قيود معرقلة للتنمية حسب رأي بعض المستثمرين.
   و رغم كل هذا وذاك، فحري بدول الجنوب أن تنتهز بعض الفرص التي يمنحها سياق العولمة :
ـ فلقد بدأت الدول المستوردة تفرض شيئاً فشيئاً على الشركات المستقرة في بلدان الجنوب تزويدها بمنتوجات مصنعة وفق معاييرها و قوانينها وذلك لحرصها الشديد على الجودة . وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الأساس الذي يضطلع به المجتمع المدني لدول الشمال في محاربته للمنتوجات الرديئة وحرصه على الجودة.
ـ من شأن العولمة كذلك أن تدفع دول الجنوب إلى اعتماد مبادئ و اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بالتوازنات العالمية الكبرى، وفي هذا السياق، يسوغ لها مقايضة تعاونها في المجال البيئي بطلب المزيد من المساعدات و حث دول الشمال على نقل تقاناتها المتطورة  لاستبدال الأساليب الإنتاجية القديمة المتسببة في التلوث المفرط (مجال الطاقة و المحروقات...) بها.
2. 2. الفلاحة والصيد البحري و التقانات الحديثة :
  يتجلى النمو في معظم المجالات و لاسيما المجال الفلاحي في الرفع من الإنتاجية (تكثيف الإنتاج، تخفيض ثمن الكلفة، تيسير ظروف العمل) بفضل حسن استغلال الموارد و التحديث التكنولوجي المتواصل. إلا أنه لا ينبغي إغفال المشاكل المرتبطة بتجديد الموارد و التحكم في التقانات الحديثة والتي قد تؤثر سلباً على الصحة و البيئة و جودة الحياة.
   لقد تحمل النظام الاقتصادي إلى حد الآن عبء التلوث لأنه لم يؤد بعد إلى وضعية بيئية حرجة. إلا أن هذا التحمل لم يعد مطاقاً لما عرفه العالم من أحداث وظواهر غيرت هذا الموقف. ففي مجال الصيد البحري مثلاً، كانت المصلحة الاقتصادية تغلب دائماً على المصلحة البيولوجية حتى انقرضت أنواع من الأسماك في بعض المجالات البحرية. و قد جاءت الاتفاقيات الأممية كمحاولة لحل المشاكل الناجمة عن تلك النماذج التنموية غير المناسبة كاتفاقيات التنوع المناخي والتصحر والتنوع الحيوي.
   وإذا كان الكل يجمع على أهمية التنمية المستدامة، فإن المهتمين يختلفون إلى حد ما في نظرتهم إلى طريقة تطبيق هذا المبدأ حينما يتعلق الأمر بالموارد الفلاحية. فهناك " الإنتاجيون" الذين يرون أن التطور الفني كفيل بتعويض الموارد الطبيعية المهدورة، ثم هناك أنصار التنمية المستدامة البحتة الذين ينادون بالتدبير التقليدي للموارد الفلاحية كلما كانت محدودة. و ثمة فريق  ثالث أكثر تشدداً يدعو إلى توخي الحيطة و الحذر في ما يخص استغلال بعض الموارد أو اعتماد بعض التقنيات التي ما زالت في طور التجريب.
  يطبق مبدأ الاستدامة على الأ نظمة الفلاحية ( غريفون، 1999) ، و يراد به مدى قدرة النظم البيئية على التجدد والاستمرار دون  أن يطالها التدهور، مما يستوجب حسن التدبير في مجالات عدة كالمياه والمواد المعدنية والمواد العضوية والمياه الجوفية. كما أن مبدأ الاستدامة يعني  مدى قدرة الأنظمة البيئية على مقاومة بعض الحالات الطبيعية القصوى  كالأزمات المائية الحادة و الآثار السلبية للعوامل الخارجية التي تلحق الضرر بالموارد و بالأوساط الطبيعية. و في كل هذه الحالات  يكتسي مفهوم الاستدامة صبغة اقتصادية، وهنا يكمن الخطر الذي يتهدد الموارد و استمرارية الإنتاج.
   إن الحفاظ على النظم الاستغلالية و ضمان استمراريتها رهين باعتماد أسلوب شمولي في تدبير هذه النظم بمختلف مكوناتها. و إذا كانت الأراضي الزراعية مصدراً للغذاء والطاقة (الحطب) والملبس (القطن، الصوف...)، فإنها في نفس الوقت حافلة بالعوامل التي تؤثر في نهاية المطاف على البيئة والإطار العام للحياة، ومنها التعرية الناتجة عن النشاط الزراعي و التلوث الناجم عن استعمال المواد الكيماوية في معالجة المحاصيل. والجدير بالذكر أن الخيارات الحالية قد  يتعذر معها كل نشاط في المستقبل إن تم استعمال الموارد بإفراط.
   وفي المقابل، هناك من التأثيرات الخارجية ما يعود بالنفع على المجال الفلاحي بغض النظر عن الإنتاج كالنهوض بالمناطق الفلاحية المحلية و ذلك عن طريق العناية ببنيتها التحتية (صيانة التجهيزات المائية المخصصة للزراعة والمحافظة على المياه والأراضي)، والحفاظ على نوعية الزراعة و مهاراتها  وتسويق المنتوجات التي تحمل علامة الجودة المحلية، والحد من الهجرة القروية...   ولهذا يجب تقييم النشاط الفلاحي على أساس الآثار البيئية التي يخلفها، فالربح الذي يمكن تحقيقه على المستوى البيئي يعتبر نافعاً في حد ذاته وجديراً بالتشجيع. ويكفي في هذا الباب ذكر التأثير الإيجابي للفلاحة البيئية على الرصيد الحيواني وجودة المياه والتقليص من تعرية الرياح.
   والجدير بالذكر أن ثمة اختلاف بين بلدان الشمال و بلدان الجنوب فيما يخص علاقة الفلاحة بالبيئة. ففي بلدان الشمال، ترتكز التنمية الفلاحية على مبدأ الشمولية في الإنتاج و ذلك من مرحلة إنتاج المواد إلى تسويقها مروراً باستغلال الأراضي المهمشة وقليلة الخصوبة في أنشطة أخرى. و لم تعد الفلاحة تمثل إلا جزءاً صغيراً من مجموع الإنتاج و الخدمات.
  أما في بلدان الجنوب، فقد أخذت المساحات الزراعية في التوسع على حساب الغابات و الأراضي المسطحة، في الوقت الذي تعاني فيه الاراضي من الاستغلال المفرط و ما يترتب عن ذلك من أضرار بيئية. إن الهوة التي تفصل بين الفلاحة الحديثة ذات الإمكانات الضخمة والفلاحة التقليدية متواضعة الإمكانات ما فتئت تتسع، مما يزيد من تهميش هذه الأخيرة و استفحال الأخطار المرتبطة بالأولى (الاستهلاك المفرط للمياه، أزمة الماء، تلوث الأراضي و الطبقات المائية الناجم عن سوء استعمال المواد الكيماوية، ملوحة المساحات المسقية.)
وتتعدد الخيارات الكفيلة بتطبيق أسلوب للتدبير أكثر توازناً وأقل ضرراً على البيئة :
ـ إن اعتماد السياسات الفلاحية بحسب نوعية الأراضي والمبنية على استعمال أساليب مختلفة من قبيل الإجراءات التحفيزية، وتخفيف الأعباء الضريبية و تمويل مشاريع القطاع الفلاحي، مؤداه توزيع أفضل للاستثمارات الفلاحية يتناسب و طبيعة الأراضي. و من شأن ذلك التخفيف من حدة التدهور البيئي لاسيما و أن الإجراءات التحفيزية تأخذ بعين الاعتبار هشاشة الأراضي.
ـ تحديد ما يجب القيام به حسب الأهداف المُسطّرة و تفادي الغموض الناتج عن الجمع بين عدة أهداف في آن واحد، مما قد يؤدي إلى عدم بلوغ أي منها لما قد يوجد من تناقض بينها. و لتحقيق كل هدف على حدة، يتم اعتماد مجموعة من التقنيات و بحث السبل الكفيلة لجعلها تتناسب مع السياق المحلي، و هذا يتطلب بذل مجهود إبداعي حقيقي.
3 . الظواهر البيئية الكبرى وأثرها على التنمية
  من السهل تصنيف الأوساط المحيطة بالإنسان تصنيفاً كمياً موضوعياً من حيث جودتها المادية والكيميائية والبيولوجية. إلا أن إشكالية تنوع أنماط الحياة قد تجعلنا نصدر في هذه التصنيفات أحكام قيمة مختلفة إن لم نقل متناقضة.
1. التحول المناخي :
   بلغت انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون في نهاية القرن العشرين أربعة أضعاف ما كانت عليه سنة 1950. وقد تأكد تأثير الإنسان على المناخ من لدن البرنامج العالمي المتعلق بالمواد الكيماوية. ولاشك أن النشاط الإنساني هو المسؤول عن الارتفاع الحراري العام وتفاقم الظواهر الطبيعية العنيفة، مما يؤثر حتماً على صحة الإنسان. وفي هذا الباب، بذلت الجهود للتحكم في إصدار الغازات المتسببة في الانحباس الحراري. لكن الاتفاقيات والبروتوكولات وبرامج العمل التي تم تطبيقها إلى حد ما تبقى غير كافية للحد من أضرار هذه الغازات، لاسيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت التصديق على بروتوكول كيوطو. وتظل البلدان النامية الأكثر عرضة لمخاطر هذه الظاهرة. ومن ثم تتجلى ضرورة اقتراح إجراءات وحلول بديلة.
2. تلف طبقة الأوزون :
  هذا المشكل البيئي في طريقه إلى الحل. فمنذ إصدار بروتكول مونتريال، قلص الإنسان كثيراً من استهلاكه للهيدروكاربون الحامل لمادتي الفلور والكلور. ونتيجة لذلك، انخفضت نسب المواد المتسببة في تلف طبقة الأوزون. إلا أننا لا نأمل العودة قبل 2050 إلى وضعية 1980 وما تبعها من مشاكل صحية كأمراض العيون والجلد وجهاز المناعة.
3. تراكم النيتروجين :
  يعرقل النشاط الإنساني دورة النتيروجين من خلال التخصيب المفرط للأراضي الفلاحية وحرق الوقود وانتشار زراعات النباتات المحتفظة بالنتروجين كالخضر والقطاني. ومن النتائج المترتبة على ذلك، نذكر مشكل تراكم النيترات في الماء بما يفوق النسب التي تتحملها صحة الإنسان ومشكل اختناق البحيرات والسواحل وما يترتب على ذلك من تركز المواد السامة فيها. أما الاحتراق فيفرز أوكسيدات النيتروجين الخطيرة بالنسبة لصحة الإنسان.
4. الأخطار الكيماوية :
  إن انتشار استعمال المواد الكيماوية المختلفة والتعرض إلى المبيدات والمعادن الثقيلة والجزئيات الكيميائية الصغيرة ومختلف المواد الأخرى تشكل تهديداً متزايداً على البيئة. وما زالت عدة مواد سامة تستعمل في عدة مناطق في العالم رغم الوعي بخطورتها. ويبقى تأثير بعض المواد الأخرى مجهولاً. ولابد من الإشارة إلى مشكلة نقل النفايات السامة من بلدان الشمال إلى بلدان الجنوب دون تحديد أي معايير للقيام بذلك، رغم وعي هذه الدول بكل الأخطار التي تشكلها هذه العملية على المستقبل.
5. الكوارث الطبيعية :
  أصبحت الكوارث الطبيعية من العوامل الأساس التي تتسبب في الوفيات وذلك لارتفاع وتيرة هذه الكوارث من جهة، وارتفاع الكثافة السكانية وعدم احترام قواعد البناء والسكن من جهة أخرى، مع العلم أن الفقراء هم أكثر الفئات التي تعاني من هذا الوضع.
6. حرائق الغابات والكتلة الحيوية :
وتعد من العوامل الأساس لتدهور حالة الأراضي.
7. الأراضي الفلاحية والمشاكل الغذائية :
  لا يؤخذ مشكل تدهور حالة الأراضي الفلاحية محمل الجد إلا في المناطق التي لا يسد فيها المنتوج الفلاحي حاجات السكان. فالضغط الذي يتعرض له سكان هذه المناطق يجعلهم يتصرفون تجاه الأرض بطريقة غير ملائمة مما يزيد من اضمحلالها وتدهورها ومن تفاقم ظاهرة الفقر. ففي إفريقيا أتلفت 500 مليون هكتار من الأراضي منذ سنة 1950. وإذا استمر تدهور الأراضي بهذه الوتيرة سيتقلص الإنتاج الفلاحي إلى النصف. والجدير بالتذكير أن بلدان إفريقيا وجنوب شرق آسيا هي البلدان الأكثر تضرراً. وقد يتعرض ما يناهز 630 مليون نسمة مع حلول عام 2010 إلى مشاكل سوء التغذية. إذ منذ سنة 2000 و64 دولة تعاني من وضعية حرجة في هذا المجال، لا تستطيع 38 منها حتى سد حاجات نصف ساكنتها.
8. المياه العذبة :
  تزايدت نسبة استهلاك المياه ست مرات خلال القرن العشرين أي ما يعادل ضعف النمو الديمغرافي. ويعيش ثلث سكان العالم في أزمة بسبب قلة المياه، ويزيد استهلاك المياه بنسبة 10% عن حجم المياه المتجددة. والمناطق الأكثر تضرراً من هذه الوضعية هي أفريقيا والشرق الأوسط وبعض المناطق الاستوائية كأندونيسيا. ففي إفريقيا، تعيش 14 دولة حالة أزمة مستمرة وسيـصل عـددها إلـى 25 دولة سنة 2025. وبذلك يعتـبر مشكل الماء عائقاً أساساً للنمو في المستقبل.
  ويزيد التلوث الحضري والصناعي في تعقيد هذه الوضعية، حيث إن مجاري الأنهار التي تصب في المدن قد تشبه قنوات صرف المياه المستعملة، وترتفع في المياه نسبة حمولة المواد الصلبة ومعها درجـة التلـوث البيولوجـي. وبذلك يكتسـي الأمـن المائـي نفس الأهمية التي يكتسيها الأمن الغذائي.
9. الوسط البحري والساحلي :
   تتدهور المناطق الساحلية بحدة نظراً  لحركة التمدين والتطور الصناعي والسياحة والزراعة المائية والنفايات التي ترمى في البحار. ويعيش ثلث سكان العالم في هذه المناطق ويزاول أغلبهم نشاطهم فيها. وبسبب هذا التمركز السكاني، تتكاثر المشاكل الصحية بسبب آثار التلوث على الكائنات الحية التي يستهلكها الإنسان، كما أن الإفراط في صيد الأسماك والكائنات البحرية الأخرى يشكل خطراً آخر حيث سيقل المنتوج البحري على المدى البعيد، وبذلك قد يعيش بعض السكان مشكل سوء التغذية إذا كانت الأسماك هي العنصر الأساس في نظامهم الغذائي.
10. المحيط الجوي :
   إن تعامل الدول النامية مع التلوث الحضري يختلف عن رد فعل الدول المتقدمة حيال هذا المشكل، حيث أن هذا النوع من التلوث يخلق أزمة في الدول النامية خاصة في جنوب شرق آسيا. بيد أن الدول المتقدمة تبذل قصارى جهدها كي تخفف من حدة هذه الظاهرة الخطيرة. إلا أن التنمية الصناعية التي تتطلع إليها الدول النامية تبعث على القلق والانشغال، إذ أن النمو الحضري والصناعي يساهمان في تدهور الحالة الجوية. وتجدر الإشارة إلى أن حاجات الإنسان من الطاقة ستتضاعف ثلاث مرات مع حلول عام 2050، وسترتفع معها نسبة التلوث الحضري والغازات المسؤولة عن ارتفاع حرارة الجو وتغير المناخ. وغني عن البيان أن المدن تؤثر على مجالها المباشر ومناطق واسعة من محيطها الخارجي. كما أن نقل المواد الملوثة عبر مسافات طويلة يجعل ظاهرة التلوث أكثر توسعاً وانتشاراً. ومما يزيد في تخبط الدول النامية في المشاكل البيئية انعدام بنية تحتية والنقص في مجالي التشريع والتربية.
11. المظاهر الإنسانية والديمغرافية :
   للكثافة السكانية علاقة مع البيئة المادية للإنسان، فهي قد تؤدي إلى ظهور بعض السلوكات المرضية كالعنف داخل المجتمع. ومفهوم الكثافة علمياً هو عدد السكان مقسوم على وحدة المساحة. أما مفهومها السيكولوجي فيعبرعنه بالازدحام السكاني. كما أن وضع حدود وهمية للمحيط الإنساني الواسع هو الذي يخلق هذه الحالة من ارتفاع عدد السكان داخل رقعة ضيقة. وتشكل هذه الظاهرة عاملاً من عوامل الضغط التي تؤثر على سلوك الإنسان.

خلاصة : آفاق القرن الواحد والعشرين
تنقسم هذه الآفاق إلى ثلاثة أنواع :
ـ الاستمرار على نهج التوجهات القديمة التي لا تتماشى مع الحلول المقترحة حالياً، إما لأنها غير كافية أو غير مناسبة.
ـ التطورات الفجائية لهذه التوجهات حسب وتائر وأنماط غير متوقعة.
ـ الأحداث الجديدة التي لم تطرأ من قبل.
    والأدهى أن تستمر وتستفحل المشاكل الحالية التي لم تعرف حلولاً مُرضية لاسيما التغيرات المناخية وتدهور حالة المياه كماً وكيفاً، وتفاقم المشاكل المرتبطة بكثافة السكان ونشاطهم، والمشاكل المرتبطة بعدم فعالية السياسات البيئية وبتغير القيم الاجتماعية والثقافية. وقد برهنت التدخلات القطاعية عن عدم فاعليتها حيث إن حل مشكل من المشاكل قد يتسبب في تفاقم العديد من المشاكل الأخرى.
   وهنا يجب التذكير بأن الإنسان يمتلك المعرفة والأسس التقانية الضرورية لحل العديد من هذه المشاكل. فإذا تم تطبيق بعض السياسات البديلة واتباعها بجدية سيكون بإمكاننا تحسين الحالة البيئية. ولهذا الغرض يتوجب علينا ما يلي :
ـ تطبيق سياسات أكثر اندماجاً.
ـ تحديد سياسات تشجيعية دقيقة والبحث عن حلول أكثر فعالية.
ـ إصلاح الآليات المؤسساتية.
ـ رصد مبالغ مالية أكبر.

الجزء الثالث
تشخيص الوضعية البيئية وآفاق التنمية المستدامة في العالم الاسلامي : دراسة إقليمية
1 . منطقة الشرق الأدنى وشبه الجزيرة العربية
   تحتل هذه المنطقة التي تقع بين إفريقيا وآسيا مركزاً وسطاً داخل العالم الإسلامي، وتمتد على مساحة أربعة ملايين كلم2 ويغلب عليها الطابع الصحراوي  ما عدا في حدودها الشمالية والجنوبية.
   وقد عرفت هذه المنطقة تحولات اقتصادية وحركة تمدينية قوية وتصنيعاً متطوراً وتغيرات أخرى في أنماط العيش. ويتوافد عليها عدد كبير من سكان دول العالم الإسلامي الأخرى.
   وقد بلغ الناتج الداخلي الخام لهذه المنطقة 275 مليار دولار سنة 1995 مع تفاوتات كبيرة بين دولها.حيث تستفيد دول الخليج من 85% من هذا الناتج علماً أنها لا تشكل سوى 30%  من سكان المنطقة. وهذا ما يعكسه كذلك الناتج الداخلي الخام للفرد الواحد سنوياً الذي  يبلغ 8500 دولار سنوياً بالنسبة لدول الخليج، في حين لا يتجاوز معدل  670 دولاراً بالنسبة لباقي دول المنطقة وفي المقابل، تتعرض الموارد الطبيعية لنفس الضغط في كل دول المنطقة، كما تعرف البيئة نفس الحالة من التدهور المستمر لا سيما فيما يتعلق بالمياه. فقد انتقل عدد سكان المنطقة من 20 مليون نسمة سنة 1980 إلى أكثر من 92 مليون نسمة اليوم أي بنمو سنوي يعادل 3%.
  وسكان هذه المنطقة (وأغلبيتهم من الشباب) يتمركزون في المدن، حيث بلغت ساكنتها نسبة 66% سنة 1995. وتنتشر العطالة في كل دول المنطقة بنسب متفاوتة وتتدهور ظروف السكن في بعضها. أما التلوث فهو ظاهرة عامة ولم يتم الوعي به إلا في السنوات الأخيرة. ويتعذر إيجاد حلول شاملة لمشكلة التلوث نظراً لقلة الأطر المختصة في هذا المجال. غير أنه يلاحظ ظهور بعض المنظمات غير الحكومية العاملة في الميدان.
1. التشخيص :
1. 1. عرفت المنطقة إدخال نظام فلاحي حديث من أجل الرفع من مستوى الإنتاج الغذائي، إذ تراجع الغطاء النباتي بفعل إزالة كل أنواع النباتات وتقلصت كثيراً مساحة الأراضي. وتضررت ثلث الأراضي من جراء ظاهرة التصحر والرياح الرملية. كما أن عمليات الري غير المراقبة تتسبب في ارتفاع نسبة ملوحة الأراضي والمياه. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة، تظل الفلاحة مهددة بفعل حركة التمدن والتوسع الحضري مما يزيد في نقص الإنتاج الغذائي وفي الاعتماد على الخارج لتأمين الاحتياجات الغذائية.
1. 2. أما بالنسبة للموارد النباتية والحيوانية (التنوع البيئي)، فمن الملاحظ أن المنطقة تعاني من تناقص ملحوظ في نباتات منغروف الخليج بسبب التلوث وحركة التمدن. كما أن دول المنطقة  تفتقر إلى الخشب وتعاني من تبعات القنص المفرط واقتلاع النباتات وإتلاف الثروة الحيوانية البحرية بسبب التلوث الذي يرجع بدوره إلى انعدام الأمن (حروب الخليج والمناورات العسكرية).
1. 3. يعتبر الماء مادة ثمينة في هذه المنطقة نظراً  لندرته. فإلى حدود سنة 1950 كانت المنطقة تحقق اكتفاءها الذاتي من الماء، ولكن الضغوط والمشاكل السياسية أدت إلى ظهور مشاكل مائية عويصة. ففي المنطقة، تصل كمية الماء المجدد للفرد إلى 1300 متر مكعب في بلدان مثل البحرين. كما استفحلت أزمة المياه الجوفية وتناقص مستوى المياه السطحية. وسيكون الطلب أكثر من العرض مع مطلع سنة 2005 حيث ستنضب الموارد المائية وسيزود السكان بمياه ضعيفة الجودة. ومن المعلوم أن هذه المنطقة تعاني بشدة من تلوث البحار. وتعاني دول المنطقة من تلوث مجاري المياه وما ينجم عن ذلك من مشاكل صحية مختلفة. ولسد حاجات السكان المتزايدة من الماء، تلتجئ دول هذه المنطقة إلى تزويد سكانها بالمياه المعالجة بشكل غير تقليدي كتصفية مياه القنوات المستعملة لاستخدامها في الري وتحلية ماء البحر، (إذ بلغ عدد مراكز التحلية إلى حد الآن 50 مركزاً للتحلية تقوم بمعالجة 1700 مليون متر مكعب سنوياً). وهناك دراسة في طور الإنجاز تبحث آثار تحلية مياه البحر على البيئة حيث يخشى أن يكون لها آثار سلبية غير مباشرة، ناهيك عن تكلفتها المرتفعة. ورغم كل الجهود المبذولة في هذا الميدان، يظل مشروع تزويد كل فرد بالمياه التي تتناسب واحتياجاته اليومية صعب التحقيق. ففي هذه المنطقة، تستفيد ثمان دول من أقل من 1000 متر مكعب للفرد الواحد سنوياً بينما تكتفي أربع دول بأقل من 500 متر مكعب للفرد سنوياً، وهذا ما يجعلنا نتخوف من وقوع مشاكل صحية وبيئية خطيرة في المستقبل.
1. 4. تلعب الموارد البحرية والساحلية دوراً أساساً في المنطقة. وقد تضررت هذه الموارد منذ أن زاد إنتاج البترول وتوسعت حركة التمدن، مما أدى إلى حدوث اختلال في البيئة البحرية والساحلية. وقد ساهمت الحروب في تفاقم هذا الوضع. ففي المشرق واليمن، تتسبب مجاري المياه المستعملة سواء في المدن أو في البوادي في ظاهرة تعفن المياه. وفي هذا السياق، نشير إلى الخطر الذي يهدد التنوع البيئي للبحر الأحمر والخليج العربي وجودة مواردهما.
1. 5. فيما يخص الجو، وإلى حدود الخمسينات، كان الغبار هو العامل الوحيد الذي يسبب التلوث. إلا أن النمو الاقتصادي وتطور إنتاج البترول جعل بعض دول المنطقة تستهلك كميات هائلة من الطاقة نظراً  لعدد السيارات المتزايدة وتكاثر المصانع وارتفاع استهلاك الكهرباء والإسمنت وظهور عادات اجتماعية جديدة كالاستهلاك المفرط. ويصل التلوث الجوي إلى نسب مرتفعة جداً في المدن، لاسيما في أوقات الذروة. ويصل هذا التلوث في مدن المنطقة إلى مستويات أكثر خطورة، ويشكل التلوث الناتج عن الرصاص مشكلة حقيقية، ويؤدي هذا النوع من التلوث تحت وطأة الحرارة إلى ظهور مواد ملوثة ثانوية كالأوزون والسولفات وهي مواد شديدة الخطورة على صحة الإنسان. وتصحب العواصف الغبارية معها جزئيات تزيد من حدة مشاكل التلوث نظراً لامتزاجها بالجزئيات التي يفرزها التلوث الصناعي. والجدير بالذكر أن مجهودات كثيرة بذلت من أجل تخفيف آثار هذا التلوث ونذكر على سبيل المثال مصنع الألمنيوم في البحرين ومعامل تكرير البترول في الكويت والعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
1. 6. في هذه المنطقة، تعتبر الأوساط الحضرية أكثر تضرراً من غيرها نظراً لتركز الأنشطة الملوِّثة فيها. وفي هذا الإطار أيضاً نلاحظ أن ثمة فرقاً كبيراً بين دول المنطقة الأخرى وشبه الجزيرة العربية. فالدول الأخرى تعاني من مشكل الهجرة القروية المتجهة نحو المدن العتيقة، بيد أن حركة التمدن في دول الخليج لم تبدأ إلا قبل أربعين سنة موازاة مع ارتفاع الناتج الداخلي الخام والمداخيل الفردية. وهذا ما يفسر وجود بنيات تحتية حديثة ومساكن جديدة وخدمات صحية وتربوية.
  فالمشاكل البيئية إنما هي نتاج للتوسع المفرط للمدن الرئيسة حيث تتمركز الاستثمارات وفرص العمل وترتفع نسبة التلوث.
  وتجدر الإشارة إلى أن قواعد التمدن لا تحترم إلا في بعض دول الخليج. إلا أن هذا لا يمنع من وجود حالات التوسع العشوائي كإقامة الأحياء السكنية بمقربة من المناطق الصناعية التي قد تهدد صحة المواطنين، وكذلك بناء الأحياء الهامشية في مناطق غير مجهزة.
   وتنتج هذه المدن كميات هائلة من النفايات، خاصة المدن التي أخذت بالنمط الاستهلاكي الغربي، ففي دبي مثلا يخلف كل شخص 750 كلغ من النفايات سنوياً، ويزيد خطرها على صحة الإنسان بفعل الحرارة وتعفنها السريع.
2. الحلول والتدابير
   لقد بدأت دول المنطقة تتبنى سياسات تهدف إلى إيجاد حلول لهذه المشاكل منذ عشرين سنة. ففي السابق، كانت تحاول وضع حلول قطاعية إلا أنه منذ بضع سنوات أصبحت منهجيتها أكثر شمولية خاصة مع القيام بدراسات الوقع. وبذلك أصبحت البيئة شيئا فشيئاً جزءاً لا يتجزأ من التخطيط.
وتبقى القضايا الأساس بالنسبة لهذه المنطقة هي :
ـ إنتاج الماء الصحي بكميات كافية.
ـ المعالجة المناسبة للنفايات.
ـ جودة الهواء في المدن.
ـ حماية الموارد والمساكن من التدهور.
  ومن بين العراقيل الأساس التي تواجهها هذه السياسات، نذكر قلة الموارد البشرية في حين أن الموارد المادية متوفرة على الأقل في دول الخليج.
2. 1. الاتفاقيات متعددة الأطراف :
  صادقت دول المنطقة على عدة اتفاقيات. إلا أن احترام نصوصها يبقى محدوداً، ذلك أن الحملات الإعلامية تظل نادرة ولا تستهدف المسؤولين السياسيين. كما أن وسائل تنفيذ هذه الاتفاقيات ليست متطورة بما فيه الكفاية (انعدام التمويل وعدم دفع الضرائب البيئية وغياب استراتيجية متعلقة بالتسعير). وفي هذا الإطار، نشير إلى أن برتوكول مونتريال يتم تطبيقه على أحسن وجه بفضل قوانينه الملزمة. أما فيما يخص الاتفاقيات المتعلقة بالتنوع البيئي، فقد تم البدء في مشاريع نموذجية تهدف إلى حماية الفصائل الحيوانية والنباتية المهددة وبعض المواقع الطبيعية. وبالنسبة للاتفاقية المتعلقة بمحاربة التصحر، هناك مخططات وطنية قيد التحضير. غير أن بنود هذه الاتفاقية وتوصياتها لم تخرج إلى حيز التنفيذ، وعلى صعيد آخر تبقى مسؤولية المنطقة في التحولات المناخية محدودة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن استعمال الغاز الطبيعي من شأنه أن يحد من أخطار الغازات المؤدية لارتفاع الحرارة ومن آثار التلوث.
    وتختلف توعية السكان من بلد إلى آخر وذلك حسب الجهود التي تبذلها وسائل الإعلام في هذا المجال ومدى تنظيم المنظمات غير الحكومية.
2. 2. الاتفاقيات الإقليمية والمبادرات الوطنية :
   لقـد تـبنت دول المـنطقة عـدة اتفـاقيات إقلـيمية مـن أجـل حمـاية البيئة البحـرية مـن التـلوث الـذي يـهدد البـحر الأحـمر والخـليج العـربي وخـليج عــدن. ومـن المـلاحظ أن الاتـفاقـيات الإقـليمية تحـظى باحــترام يفـوق الاحترام الذي تحـظى بـه الاتـفاقـيات الـدولية. وفـي هـذا المـجال، تـم إنشــاء عـدة مـؤسـسات عــلى الصعـيد العـربي مثل ''ج سـيدار '' و"سـيدار" فضـلاً عــن نــشاط المــكاتب الإقـــليمية لبعـض المـنظمات الــدولية كــبرنامج الأمــم المتـحدة للبيئة. لكن هذه الخطط الإقلـيمية عبـارة عـن مجــموعة مــن التـدابير يؤمل في تطبيقها وليست استــراتيجيات مســتندة إلـى أســاس ومــضمونة الجــدوى. ومــرد ذلك أن المعلومات المتعلقة بهذه الخطط تبقى محدودة ومشكوكاً في صحتها أحياناً، بالإضافة إلى أن تقييم التكلفة غير دقيق وأن العمل غير مضبوط من حيث برنامجه الزمني والمسؤوليات التي يجب توزيعها. ولهذا يجب بذل المزيد من المجهودات قصد تحديد وترتيب القضايا الأساس حسب أولوياتها ووضع تخطيط زمني لتنفيذها.
2. 3. القوانين البيئية :
  لقد تم تعديل هذه القوانين في العديد من الدول وهي قوانين حديثة. إلا أن دول المنطقة تعاني من ضعف قدرة المؤسسات وإمكانيات الموارد البشرية. كما أنها تحتاج إلى ترشيد القوانين والمعايير البيئية.
2. 4. الوسائل الاقتصادية :
   إن المنطقة لا تلجأ إلى الوسائل الاقتصادية إلا نادراً، حيث تستند دولها إلى القوانين والتشريعات أكثر مما تستند إلى أحكام السوق. فهي تطبق مبدأ "الملوث يؤدي ثمن تلويثه"، ومن ذلك فرض ضريبة على تلويث الجو وتطبيق بنية تسعيرية على الموارد النادرة كالماء. كما تخلت هذه الدول تدريجياً عن سياسة التمويل الحكومي لفائدة سياسة التحرير الاقتصادي الفعلي. ورغم كل ذلك، يبقى القطاع الحكومي هو سيد الموقف وليست هناك مؤشرات تبين كيف ستواجه السياسة الحكومية مشاكل القطاع الخاص.
2. 5. التقانة الحديثة داخل القطاع الصناعي :
  يشهد القطاع الصناعي في دول الخليج تطوراً سريعاً سواء في مجال الصناعة البتروكيماوية أو باقي الصناعات الأخرى، وبفضل رساميلها الضخمة يمكن لهذه الدول أن تمول صناعة نقية وأن تتحكم في آثار التلوث.
ولهذا تعتبر التقانات الحديثة من ضمن القطاعات التي يجب الاستثمار فيها. إذ أن المشاريع الحديثة تهتم في نفس الآن بالحفاظ على الموارد والتقليل من النفايات وإعادة استعمال المنتوجات.
   أما في الدول الأقل تقدماً، ما تزال الصناعة تعتمد على التقانات التي تتطلب يداً عاملة مهمة وتتسبب في إحداث أضرار جسيمة بفعل التلوث. أما البنيات التحتية فهي هشة ووسائل التحكم في التلوث منعدمة.
2 . دول العالم الإسلامي الإفريقية
1. التشخيص :
   تزخر القارة الإفريقية بثروات طبيعية هائلة مازال استغلالها يتسم بعدم الفعالية لأسباب اجتماعية واقتصادية وتاريخية، الأمر الذي ينعكس سلباً على مستوى عيش الساكنة ببلدان هذه القارة.
   تتميز البلدان الإفريقية المسلمة بتنوع تضاريسها انطلاقاً من المناطق المتوسطية شمالاً مروراً بالمناطق الصحراوية وانتهاء بالغابات الاستوائية والمدارية.
كان للاستعمارالأوروبي أكبر الأثر في تحديد مسارات التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية في القارة الإفريقية حينما تم اقتسام هذه الأخيرة بين القوى الاستعمارية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، إذ عمدت هذه القوى طوال القرن الماضي بالخصوص على جلب مناهج سياسية وأنظمة أسقطت من حساباتها وقعها على بيئة القارة وعلى مستوى عيش ساكنتها الفقيرة بشكل خاص. وحافظت البلدان الإفريقية بعد نهاية حقبة الاستعمار على أنظمة اقتصادية مركزية و على مؤسسات تعنى بالأنشطة القطاعية و كذا على سياسات تهدف بالأساس إلى تحقيق التنمية وذلك بتشجيع من الوكالات الدولية. وقد نتجت عن هذا الخيار، إضافة إلى النمو الديمغرافي السريع الذي عرفته بلدان القارة السمراء، آثار بيئية شاملة انعكست على مستوى العيش ببلدان هذه الأخيرة.
   ويواجه الوضع البيئي في العديد من بلدان القارة الإفريقية تحديات ما فتئت تزداد حدتها من جراء قيود مرتبطة بالنمو الديمغرافي السريع والتوسع العمراني والصناعي بها. كما أن ثمة معضلات أخرى ناتجة عن حالات عدم الاستقرار وعن الحروب ببعض بلدان القارة. ونتيجة لهذا الوضع، أصبح اهتمام هذه البلدان منصباً بالأساس على إيجاد حلول للمشاكل المرتبطة بالفقر والتي غالباً ما تكون سبباً ونتيجة في آن واحد للتدهور البيئي بهذه البلدان، وتهدد بالتالي فرص تحقيق تنمية مستدامة بها.
   شكل النمو الديمغرافي الذي شهدته القارة خلال القرن العشرين أهم ظاهرة بها، فخلال النصف الأول من القرن الماضي كانت معدلات الوفيات تحد من وقع معدلات الخصوبة العالية لبلدان القارة السمراء، وذلك نتيجة الأوضاع الصحية المزرية والأمراض المعدية والحروب الأهلية ومختلف أشكال مناهضة الاستعمار بالقارة. إلا أنه بعد عام 1950، بدأت معدلات الوفيات في التراجع من  جراء تحسن الأوضاع الصحية بالقارة ونموها اقتصادياً، مما نتج عنه ازدياد كبير في النمو الديمغرافي ببلدانها.
  ولاتزال العديد من البلدان الإفريقية ذات معدلات سكانية ضعيفة. فنسبة الكثافة السكانية بها غالباً ما تقل عن المتوسط العالمي للكثافة السكانية، بل إنها دون مستويات الكثافة السكانية بآسيا. كما أن معدلات الخصوبة بدأت في التراجع في العديد من البلدان الإفريقية (من نسبة 6,5 عام 1975 إلى نسبة 5,3 عام 1995). وتجدر الإشارة إلى أن الأوبئة لها وقع كبير على الساكنة من حيث مستوى الوفيات التي تتسبب فيها.
   إن الفقر والاستغلال المفرط للموارد وتدهور البيئة كلها عوامل مرتبطة بعضها ببعض. ففي بعض بلدان القارة السمراء الواقعة جنوب الصحراء يعيش 40% من السكان تحت عتبة الفقر. ويعرف مستوى الفقر تزايداً مطرداً بالعديد من هذا البلدان، كما أن مؤشرات التنمية البشرية بها هي في أدنى مستوياتها. غير أنه لوحظ منذ النصف الثاني من التسعينات تحسن في الأداء الاقتصادي لهذه البلدان. فمعدل النمو فاق نسبة 3% بمعظم بلدان المنطقة، كما تم الشروع في تطبيق إصلاحات اقتصادية بها وخاصة برامج التقويم الهيكلي واعتماد تحرير اقتصادياتها. إلا أن تحسن الأداء هذا تم على حساب المحيط البيئي وعلى حساب مجتمعات هذه البلدان. فثقل المديونية يقسم ظهر هذه الأخيرة، كما أن حصة البلدان الإفريقية من المبادلات التجارية العالمية تبقى ضعيفة جداً بسبب المنافسة المحتدمة بين مختلف المناطق النامية في العالم.
   تكتسي القضايا الأمنية أهمية خاصة في ضمان التنمية الاجتماعية والاقتصادية وفي التوزيع العادل للمداخيل. وتلوح اليوم بوادر استتباب سلام حقيقي بالمنطقة وتوجه متزايد نحو تسيير أفضل لمختلف المرافق. إلا أن المنطقة عاشت مؤخراً مجازر فظيعة كان لها أثر بالغ على البيئة.
المشاكل الغذائية :
  تعتبر الأرض مصدراً للقوت في القارة الإفريقية. فالزراعة تكتسي أهمية بالغة في اقتصاديات بلدان هذه القارة، إذ تساهم بحصة تقدر ما بين 20% و60% من الناتج الداخلي الخام للبلدان المذكورة، وتشغل أعداداً لا يستهان بها من سكان أريافها. إلا أن مشكل تردي وضع الأراضي الزراعية أضحى يشكل تهديداً خطيراً لاقتصاديات هذه البلدان (من جراء انجراف التربة ونقص خصوبة الأراضي وارتفاع ملوحتها والتلوث الكيميائي للمياه والتصحر) وأدت هذه العوامل إلى تقلص كميات المياه المتوفرة وتراجع في المحاصيل الزراعية (وكذا في مردودية الأراضي)، مما نتج عنه سوء في تغذية سكان هذه المناطق. كما تزيد فترات الجفاف المتواترة (في منطقة الساحل الإفريقي والمغرب العربي) من حدة معضلة الإنتاج الغذائي، دون إغفال الضغط الذي يمارسه النشاط الرعوي وما ينتج عنه من تفاقم لأوضاع الأراضي الزراعية بالقارة السمراء.
   إن تضافر عوامل النمو الديمغرافي وأساليب الإنتاج الزراعي غير المناسبة (من قبيل التخلي عن إراحة الأراضي في المناطق المدارية)، وفترات الجفاف المتواترة وتردي أوضاع الأراضي الزراعية أدت إلى مشاكل غذائية تتضح انعكاساتها على الأحوال الصحية للساكنة مع مرور الوقت (سوء التغذية والمجاعة والأوبئة). كما أن الوضع الغذائي في هذه المناطق يعتمد بشكل متزايد على الواردات مع ما يترتب على ذلك من أعباء اقتصادية تثقل كاهل الدول المستوردة. وتشير التوقعات إلى أن المنطقة لا يمكنها أن تستمر في توفير احتياجاتها الغذائية، وبأنه في مطلع عام 2025 لن يكون بوسعها تأمين سوى 40% من الحاجات الغذائية لساكنتها.
الغابات وتنوع المجالات الحيوية :
   تضطلع الغابة بدور أساس في اقتصاد العديد من بلدان إفريقيا الغربية والوسطى. فالطلب على حطب الوقود وأخشاب النجارة يزداد بسرعة كبيرة مما يضاعف من الضغط على الغابات التي تتقلص كتلتها بشكل ملفت للانتباه (إذ أن 90% من الساكنة تعتمد على الغابة لتلبية احتياجاتها من الطاقة) . كما يتسم الغطاء النباتي الغابوي والرصيد الحيواني بالتنوع في هذه المناطق. غير أنه يعاني من تدهور سريع لعدة أسباب أهمها الاستعمال المفرط للمبيدات الكيميائية، وهو ما ينعكس سلباً على بيئة الطيور التي تعيش في هذه المناطق وحتى على الحالة الصحية للساكنة.
الماء العذب :
  لا تستغل القارة الأفريقية إجمالاً إلا 4% من مواردها المائية المتجددة. غير أن إشكالية المياه بدأت تطرح نفسها بإلحاح مع تكاثر حالات النقص الحاصل في هذه المادة الحيوية. فكمية المياه المتوفرة في الأنهار والبحيرات هائلة، إلا أنها تعرف تفاوتاً كبيراً من حيث إمكانية استغلالها وتوزيعها الجغرافي. كما أن طرق استغلال هذه المياه والتجهيزات المستعملة لهذا الغرض، وكذا المؤسسات التي أوكل لها الاهتمام بقطاع المياه غالبا ما تكون غير ملائمة للقيام بأدوارها على أحسن وجه.
يتباين معدل التساقطات بشكل كبير من منطقة إلى أخرى داخل المنطقة الإسلامية من القارة الإفريقية. وتسجل أعلى معدلات هذه التساقطات في المناطق الاستوائية (الكامرون والغابون وجنوب السودان) في حين لا تستفيد المناطق المتوسطية من تساقطات مطرية مهمة إلا في أجزائها الشمالية، ولا سيما فوق المرتفعات. أما المناطق الواقعة جنوب سلسلة الأطلس وصولاً إلى مناطق الساحل الإفريقي فإنها لا تتلقى تساقطات مطرية ذات أهمية تذكر.
   تكتسي الموارد المائية الجوفية أهمية خاصة و لاسيما إبان الفصول الجافة من السنة (مثلما هو هو عليه الحال في ليبيا).
  إن الطلب على الموارد المائية يزداد بوتيرة عالية تعادل نسبة النمو الديمغرافي والتطور الاقتصادي للبلدان المعنية. وبذلك فإن غالبية هذه البلدان مقبلة على مشاكل مرتبطة بتزايد الطلب على المياه بل وحتى ندرتها. وتهدد ندرة المياه 16% من الساكنة الإفريقية في أفق عام 2025، بينما يعاني ثلث السكان بالمنطقة من مشاكل من النقص الحاد من هذه المادة الحيوية. ويزداد الأمر تعقيداً حينما يتعلق الأمر بالبلدان التي تقتسم نفس المورد المائي أو نفس المجرى المائي (كما هو عليه الحال بالنسبة للنيل أو نهر النيجر).
    يعد الصيد في المياه العذبة من أهم مصادر الغذاء في العديد من البلدان الإفريقية. غير أن تشييد السدود وتلوث مياه الأنهار بفعل عوامل متعددة قلص بشكل كبير من أنواع الأسماك في هذه الأنهار وأصبح يهدد استمرارية نشاط الصيد بهذه المناطق.
  كما تواجه الموارد المائية تهديدات أخرى من قبيل التلوث واختناق البحيرات وتعرضها للغزو من طرف نباتات مائية ضارة. وتجدر الإشارة إلى أن النفايات الصناعية تلقى في المجاري المائية دون أدنى معالجة.
    تؤدي البلدان الإفريقية ثمناً باهظاً للحصول على الماء. وتزيد مشاكل التلوث من تعقيد الأمور، مما يستدعي بذل المزيد من الجهود لتأمين هذه المادة الحيوية، وبالتالي تحمل نفقات أكبر (البحث عن الماء وجلبه من مناطق نائية ولا سيما من طرف طبقات فقيرة من المجتمع أغلبها من النساء والأطفال). كما تزداد معضلة المياه الصالحة حدة بفعل تنامي حركة التمدن والتصنيع وضعف النصوص القانونية المنظمة. وتعاني الساكنة الريفية بالبلدان الفقيرة بالخصوص من وقع هذه المعضلة.
المجالات الساحلية والبحرية :
     تساهم هذه المجالات بشكل ملحوظ في التنمية من خلال نشاطات الصيد البحري والسياحة. غير أن هذه النشاطات أضحت مهددة بفعل تردي أحوال السواحل وتلوث البحار والاستغلال المفرط للموارد البحرية (مما أدى إلى تقلص في الكميات المصطادة وتفاقم مشاكل التطهير بالمناطق السياحية). وتعتبر المنافسة الشديدة بين مختلف الأنشطة مصدر هذه المشاكل (نتيجة تجمع الوحدات الصناعية الملوثة في المناطق الساحلية التابعة للمدن الكبرى وكذا في موانئ هذه الأخيرة إضافة إلى نشاطات الصيد البحري والسياحة الشاطئية). وقد بلغ التلوث بمناطق تجمع هذه الوحدات مستويات عالية يصعب معها معالجة الوضع في الوقت الراهن، كما أن بعض المواد الخطرة تلقى مباشرة في البحر. وعلاوة على ظاهرة تردي أوضاع مختلف المجالات الحيوية (مثل نباتات المنغروف والمواقع الطبيعية في المناطق الرطبة) فإن المشاكل الصحية المباشرة (مثل جودة مياه السباحة)، وغير المباشرة (مثل تعرض الموارد البحرية للإصابة بالعناصر الملوثة) تفاقمت مع مرور الأيام.
الأجواء :
  لم تصبح ظاهرة تلوث الأجواء بالمدن ظاهرة مقلقة إلا في العقود الأخيرة نتيجة قلة الأبحاث القائمة وغياب المراقبة. فبالإضافة إلى الانبعاثات العادية الصادرة عن الأنشطة الصناعية وعن حركة النقل، تعاني القارة الإفريقية من آثار حرائق الأحراش. كما أن استعمال الوقود المحتوي على مادة الرصاص يشكل معضلة كبرى، ناهيك عن كون أغلب عربات النقل بالقارة متقادمة وفي وضع تقني رديء.
   ويزداد مشكل التلوث استفحالاً في المدن الكبرى والمدن الأكثر تصنيعاً، ويتفاقم بفعل التلوث الصادر عن المساكن والمنازل العادية بفعل استعمال الفحم الخشبي الذي يتسبب في حوادث صحية عديدة. كما أن تشبع الهواء بالغبار يزيد من حدة تلوث الأجواء بالقارة وخصوصاً في البلدان الواقعة في مدار الصحراء. وتبقى العديد من البلدان معرضة للتغيرات المناخية ولا سيما الحادة منها، من قبيل فيضانات المجاري المائية التي تهدد بشكل كبير المستوطنات البشرية وتزيد من حدة انتشار الأوبئة بفعل اتساع رقعة الأراضي الرطبة التي عادة ما تستوطنها الأوبئة.
المجالات الحضرية :
   كانت غالبية الساكنة تقطن في بداية القرن العشرين في المناطق الريفية من القارة، إذ أنه خلال سنوات الستينيات كانت القارة السمراء تعتبر من بين القارات الأقل تمدناً. غير أنه اعتباراً من هذا التاريخ، بدأت رقعة المدن تتسع باطراد، وأضحت معدلات التمدن في القارة من بين أعلى المعدلات في العالم (ما يفوق 4%). حيث إن نصف الساكنة بإفريقيا الشمالية تعيش في المدن، بينما يتراوح معدل ساكنة المدن في إفريقيا الغربية والوسطى من 30% إلى 37%. وتبقى إفريقيا الشرقية المنطقة الأقل تمدناً. ويلاحظ بشكل ملموس التوسع الكبير الذي طرأ على المدن ولا سيما الكبيرة منها (لاغوس والقاهرة والدار البيضاء). وتمارس ساكنة هذه المراكز الحضرية ضغطاً كبيراً على البيئة وتستهلك  أضعاف ما يستهلكه سكان الأرياف ( من المياه والأخشاب والمنتوجات الزراعية والحيوانية)، وبالمقابل تنتج هذه المراكز كميات هائلة من النفايات والمياه المستعملة ( إذ أن لاغوس وحدها أنتجت عام 1990 ما يعادل 7.3 مليون طن من النفايات ونصف مليون طن من النفايات الصناعية). ويفسر غياب المزابل الخاضعة للمراقبة وتجهيزات التطهير وتنقية المياه المستعملة ظهور مشاكل صحية تؤدي في بعض الأحيان إلى انتشار أوبئة خطيرة (مثل الكوليرا والزحار). كما تزيد صعوبة صرف المياه المستعملة من تفاقم انتشار الملاريا التي تقضي سنويا على ما يفوق 5.1 مليون شخص في إفريقيا. ولا تتعدى نسبة الساكنة التي تستفيد من مرافق التطهير 65%.
2. التدابير والحلول :
   كان تسيير الموارد الطبيعية في المجتمعات الإفريقية التقليدية خلال الحقبة ما قبل الاستعمار الأوروبي شأناً جماعياً. وكان التأقلم مع الظروف البيئية يتم بصفة تدريجية حتى عندما كانت هذه المجتمعات تعيش أزمات تؤدي إلى مجاعات وأوبئة تحصد أرواح المئات من أفرادها. غير أن المستعمرين عند وصولهم إلى هذه الأصقاع، عمدوا إلى رسم حدود قسمت بين الشعوب والمجموعات التي كانت تتقاسم نفس القيم الثقافية. كما ظهرت أنظمة تشريعية جديدة فرضها الاستعمار وعوضت العادات السائدة. وفقدت بذلك المجموعات المحلية إمكانية الحصول على الموارد الضرورية والوصول إلى مجالات أكثر غنى التي استولى عليها المستعمر. غير أنه رغم جلاء الاستعمار عن هذه القارة، احتفظت البلدان المستقلة بالنظم البيروقراطية المركزية للمستعمر. ولم يتم إدخال إصلاحات على السياسة البيئية في بعض البلدان الإفريقية إلا في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، وذلك بهدف إحياء المقاربة التشاركية للمجموعات الأساس المكونة لمجتمعاتها وبعث روح المبادرة فيهم. وكان الاتجاه العام يهدف إلى التركيز على تحقيق النمو بدعم الصادرات من المواد الطبيعية. غير أن هشاشة هذا الخيار تمثلت في التدهور التدريجي للتبادل التجاري الخاص بهذه المنتوجات الطبيعية.
  واعتبرت البلدان النامية خلال سنوات السبعينيات، وبالخصوص بمناسبة انعقاد مؤتمر ستوكهولم، أن قضايا البيئة تهم فقط بلدان الشمال، وبأن اعتماد تدابير بيئية قد يحد من إمكانيات نموها. إلا أنه ورغم هذا الموقف تم إحداث وكالات بيئية وتم سن قوانين تنظم هذا المجال، كما تم استحداث مكاتب تعنى بالقضايا البيئية في العديد من القطاعات الوزارية بهذا البلدان، وتم كذلك تنفيذ استراتيجيات جديدة للتنمية وحماية البيئة. إلا أن قلة الإمكانيات وضعف السلطات حالت دون تطبيق هذه الرؤية الجديدة على أرض الواقع. وشهدت  القاهرة عام 1985 عقد المؤتمر الأول لوزراء البيئة،  وشيئاً فشيئاً أصبح الفقر يعتبر أهم عنصر مسبب للمشاكل البيئية في المنطقة. غير أن الاهتمام عقب مؤتمر ريو (RIO) لم ينصب بالأساس على دعم التنمية بغية القضاء على الفقر. لكن العديد من البلدان طبقت  بنود خطة العمل 21 (أجندة 21) لإدخال إصلاحات على سياستها البيئية وعلى خطط عملها. وخلصت بعض البلدان بناء على ذلك إلى أن تحقيق نمو متوازن وتنمية مستدامة يتطلب الجمع بين النمو الاقتصادي السريع وتحسين الظروف الصحية والمعيشية في البلاد، إضافة إلى ضرورة ضمان التسيير المستدام للموارد لصالح الأجيال الحالية والقادمة. ويجد الطابع الشمولي لهذه الرؤية تفسيره في العلاقة الموضوعية القائمة بين مختلف مكوناته.
الاتفاقيات متعددة الأطراف :
   وضعت البلدان الإفريقية غداة مؤتمر ريو في جو مفعم بالتفاؤل برامج لتطبيق الاتفاقيات الأساس. كما شرع في تعديل القوانين السارية بها والمتعلقة بهذا المجال. إلا أن تطبيق هذه القوانين يظل أهم مشكل يواجه هذه البلدان. فالقارة السمراء التي تظل حصتها من الغازات المسببة للانحباس الحراري محصورة في نسبة 5.3%  والتي تعاني بشكل كبير من آثار هذا الانحباس الحراري (ارتفاع منسوب البحار والتصحر وتفاقم المشاكل الصحية) تضع آمالها في الاتفاقيات حول التغيرات المناخية وفي مشاريع التحكم بالطاقة على وجه الخصوص.
Bâle  تكتسي اتفاقية بال  () حول مراقبة حركة النقل الدولي للنفايات الخطرة أهمية خاصة بالنسبة للقارة الإفريقية التي كادت تصبح مستودعاً لمختلف المواد غير المرغوب فيها في بلدان الشمال. وقد قادت الاتفاقية المذكورة إلى إحداث لجنة مراقبة خاصة ببلدان إفريقيا الغربية والوسطى تضم ممثلين دبلوماسيين عاملين في البلدان الأوروبية حتى يتمكن هؤلاء، بتنسيق مع المنظمات غير الحكومية ومؤسسات التعاون، من تزويد بلدانهم بمعلومات تخص حركة نقل النفايات الخطرة.
وقد صادقت العديد من الدول الإفريقية على برتوكول مونتريال وعلى الضوابط التي يحددها بهدف التقليص من الثقب الحاصل في طبقة الأوزون.
الاتفاقيات الإقليمية :
  تم توقيع العديد من الاتفاقيات الإقليمية من طرف وزراء البيئة الأفارقة. غير أن العديد من القيود تعيق تطبيق الاتفاقيات والقرارات ذات الصلة ولا سيما الصعوبات المالية وإخفاق الاتفاقيات المذكورة في الأخذ بعين الاعتبار الأولويات المحددة على الصعيد الوطني بالنسبة لكل بلد.
القوانين والمؤسسات :
   أدرجت العديد من البلدان الإفريقية ضمن مواد دساتيرها أبواباً تتعلق بقانون البيئة ومسؤوليات مواطنيها في هذا المجال، كما نصت قرارات المنظمات الإقليمية كمنظمة الوحدة الإفريقية على أن سلامة المحيط البيئي تعد حقاً من حقوق الشعوب. وتم اعتماد قوانين بيئية وتنظيمات مرتبطة بها، إلا أن الاتجاه العام الذي ميز تطبيق هذه الأخيرة ظل مطبوعاً بتشتت المسؤوليات بين عدد من المتدخلين، مما دفع بالعديد من البلدان إلى مراجعة أنظمتها القانونية بهدف تعزيز البنود المتعلقة بالبيئة والاهتمام أساساً بتحديث هذه القوانين طبقاً لتطور المعارف العلمية في هذا المجال وإحداث أنظمة للمراقبة تسهر على احترام الأطراف المعنية لالتزاماتها.
   تتضمن بنود الأجندة 21 توصيات لإدراج الدراسات البيئية المسحية في المشاريع والبرامج الاقتصادية القطاعية. وقد تم إعداد قوانين ومساطر لهذا الغرض، إلا أن هذه الأخيرة لا يمكنها أن تضمن وحدها تحقيق تنمية مستديمة ومحيطاً بيئياً سليماً، بل يجب أن تدخل هذه الوسائل في إطار اتخاذ القرارات الخاصة بالمجالات الحيوية مثل تتبع انعكاسات السياسات الاقتصادية على المحيط البيئي وكذا تأثير التدابير البيئية في الجوانب الاقتصادية، وأخيراً مدى الانعكاسات الاجتماعية للسياسات الاقتصادية والبيئية. ويعد إدماج هذه الأبعاد الثلاثة ضرورياً لتحقيق نمو فعلي مستدام حتى وإن اعترضت السعي إلى تفعيل هذه الأهداف صعاب جمة، لأن إدماج هذه الأبعاد سيمكن أصحاب القرار من اتخاذ القرارات الصائبة.
الآليات الاقتصادية :
   أدت حاجة الدول الإفريقية إلى تحقيق نمو اقتصادي سريع يحد من وطأة الفقر بها إلى تبني سياسات نمو قصيرة المدى ذات آثار سلبية ستدفع ثمنها في المستقبل (انعكاسات اقتصادية وبيئية). إلا أنه من الثابت أن تردي الأوضاع البيئية والصحية يعد في نفس الآن سبباً ونتيجة لتدهور الوضع الاجتماعي، ويترتب عن إهمال المحيط البيئي تكاليف باهضة ولا سيما فيما يخص حالات تردي الأوضاع البيئية بصفة مستدامة (من قبيل تلوث المياه الجوفية وانقراض بعض الأصناف الحيوانية) ونتيجة لهذا الوضع، يبدو أن الخيار الأمثل يسير في اتجاه الجمع بين التدابير التنظيمية والآليات الاقتصادية لتسريع وتيرة الانتقال نحو منهجية تفكير على المدى البعيد.
الصناعات والتقانات الجديدة :
   تم في بعض البلدان إحداث مراكز وطنية من أجل صناعة نظيفة غير ملوثة. غير أن القطاع الصناعي عموماً لا يكترث لمزايا ومنافع التصنيع النظيف. بل إن البلدان تسعى إلى جلب أكبر قدر من الاستثمارات بالتخفيف إلى أقصى حد من قيودها التنظيمية.
تمويل النشاط البيئي :
  تقر الأجندة 21 بأن البلدان النامية، ولا سيما منها الأقل نمواً، تحتاج إلى دعم مالي لوضع سياسات تنموية مستدامة. إلا أن المساعدات المقدمة لدعم التنمية تعرف تراجعاً فعلياً منذ عام 1990. ويلاحظ بالمقابل أن تدفق رؤوس الأموال الخاصة قد تنامى بشكل كبير في اتجاه البلدان النامية، غير أن ثقل المديونية مازال له وقع سلبي على هذه الأخيرة.
الإعلام والتربية :
   شرع في تنفيذ العديد من برامج التوعية والتربية في مختلف أرجاء المنطقة. كما تم إدراج التربية البيئية في البرامج التعليمية لمعظم البلدان. ويزداد نشاط التوعية غير الرسمي للمنظمات غير الحكومية اتساعاً، وإن كانت برامج هذه الأخيرة تعتمد أساساً على الدعم المالي الحكومي.
السياسة الاجتماعية :
  يكمن الهدف الرئيس للسياسة الاجتماعية لبلدان المنطقة في القضاء على الفقر مع الحرص على الرفع من مستوى الدخل والتعليم وظروف عيش السكان. وإذا كان الإنصاف يمثل بعداً أساساً في قضايا البيئة والتنمية، فإن البرامج التي يستفيد منها السواد الأعظم من السكان تكاد اليوم تحصى على رؤوس الأصابع.
3 . بلدان العالم الإسلامي بجنوب شرق آسيا
   شهدت منطقة جنوب شرق آسيا تطورات اقتصادية وسياسية كبيرة خلال القرن العشرين وإن تباين مستواها من بلد لآخر. وتتميز هذه المنطقة بتنوع أنماط التحولات الحديثة التي عاشتها بلدانها رغم تقاربها الجغرافي وتقاسمها لتاريخ استعماري مشترك. وقد حرصت البلدان الأكثر تقدماً في هذه المنطقة على تعزيز أنظمتها الزراعية مع إحداث قطاع صناعي موجه نحو التصدير. غير أنه رغم الجهود المبذولة، يظل مستوى العيش بهذه البلدان مطبوعاً بالفقر. كما تعاني هذه البلدان من نقص في المياه الصالحة للشرب، ويعتبر مستوى الاستهلاك الغذائي لساكنتها دون المستويات المعتمدة، كما أن معدلات الأمية مرتفعة بها ولا سيما بين صفوف النساء.
  أثرت الأنشطة الصناعية والزراعية بشكل ملحوظ على المحيط البيئي لبلدان جنوب شرق آسيا. وكان تردي الأوضاع البيئية ينسب في السابق إلى ضعف وسائل الاستغلال من جهة وتزايد الكميات التي يستنزفها المستعمر من جهة أخرى. غير أن النمو في بلدان جنوب شرق آسيا لم يحقق طفرة نوعية إلا في عقد الثمانينات، بينما مازالت بلدان العالم الإسلامي بشبه القارة الهندية تسعى إلى اللحاق بركب باقي بلدان جنوب شرق آسيا بينما تظل أفغانستان أقل بلدان المنطقة تقدماً. وحتى البلدان المتقدمة بالمنطقة تأثرت تأثراً كبيراً بالأزمة الأخيرة التي عصفت بآسيا.
   صاحب النمو الاقتصادي لبلدان منطقة جنوب شرق آسيا تحسن نسبي في الأوضاع الصحية والتعليمية للساكنة مع ارتفاع في معدل أمل الحياة وانخفاض في معدل وفيات أطفالها، وإن كانت ثمة فوارق هامة بين بلدان المنطقة. إلا أن وقع هذه الجوانب الإيجابية لم يشمل جميع طبقات المجتمع بالمنطقة، فنسبة 39% من سكان جنوب شرق آسيا تعيش دون عتبة الفقر. وزادت الهجرة الريفية من استفحال هذه الظاهرة نتيجة الكثافة السكانية الهائلة (إذ سجل في البنغلاديش معدل كثافة سكانية بلغ 922 نسمة في الكلم2 في عام 1995). غير أنه يلاحظ حالياً تراجع في معدل النمو الديمغرافي بالمنطقة إذ بلغ نسبة 9.1% في الباكستان وبنغلاديش و7.1% في باقي بلدان جنوب آسيا. وتفسر الكثافة العالية للسكان والنمو الاقتصادي للمنطقة تدهور الأوضاع البيئية وتفاقم التلوث بها؛ وتكلف هذه الوضعية بلدان جنوب شرق آسيا ما يعادل 1% إلى 9% من ناتجها القومي الخام. وتزداد هذه المشاكل تعقيداً إبان وقوع كوارث طبيعية. ويختلف الخبراء بخصوص أسباب تردي الأوضاع البيئية بالمنطقة، فالبعض منهم ينسب هذه الأخيرة إلى الضغط الديمغرافي، غير أن هذا الضغط لا يشمل جميع بلدان المنطقة. أما البعض الآخر فينسب الظاهرة إلى النمو الاقتصادي وإن كان من شأن تحسن دخل الساكنة أن يدفعهم إلى تحسين نوعية محيطهم البيئي.
   إن بلدان منطقة جنوب شرق آسيا تندمج تدريجياً ضمن الاقتصاد العالمي. فالعولمة تمكن من ولوج عالم المعلومات والوسائل التقانية، ويصبح في وسع الأسواق التفاعل بسرعة أكبر مع التغيرات الطارئة على السياسات الضريبية والنقدية. ويبقى الاتجاه السائد هو تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي ومزيد من التصنيع، وإن كان ذلك مقابل مزيد من الأضرار البيئية. كما أن ظاهرة تنامي الحواضر العملاقة لن تزيد إلا في تفاقم المشاكل البيئية والاجتماعية بالمنطقة.
1. تشخيص وضع بلدان العالم الإسلامي في جنوب شرق آسيا :
الأراضي والمواد الغذائية :
   يرتكز اقتصاد جميع دول العالم الإسلامي بآسيا على الزراعة المعيشة المعتمدة على الأساليب التقليدية. ودفعت معدلات النمو الديمغرافي العالية بهذه البلدان إلى تبنيها أساليب تكثيف الإنتاج الزراعي، مما أدى إلى مضاعفة المساحات المزروعة وأفرز نوعاً جديداً من المضاربة (يتمحور حول الزراعات التجارية) وتم التخلي عن إراحة الأراضي (في كل من ماليزيا وأندونيسيا).
   وأتاح تكثيف الإنتاج الزراعي تعويض النقص الحاصل في الأراضي الزراعية (عبر اختيار مزروعات ذات مردودية عالية واستعمال نظم الري والمواد المخصبة). وهكذا سجل الإنتاج الزراعي لبلدان جنوب شرق آسيا ما بين عامي 1980 و1990 أكبر نسبة نمو عرفها العالم. غير أن هذا النمو توقف عند حده الأقصى بفعل نقص المياه وارتفاع نسبة ملوحة الأراضي الزراعية وزيادة درجة الوعي بمشاكل التلوث التي ستترتب عن مثل هذا النمو، مما سيضطر  هذه البلدان إلى استيراد الحبوب لتلبية الاحتياجات الغذائية لساكنتها.
المساحات الغابوية والتنوع الحيوي :
   عرفت الغابات الطبيعية بمنطقة جنوب شرق آسيا تغيرات جذرية بفعل الاستغلال المفرط وعمليات اقتلاع الأشجار. وتعيش بغابات المنطقة حيوانات فريدة (وبالخصوص في الأحراش الهندية والماليزية). وتحد بلدان هذه المنطقة شمالاً سلسلة جبال الهمالايا وهي أعلى سلسلة في العالم. كما تمتد أطرافها الجنوبية على طول سواحل مرجانية لا متناهية. وتحظى ماليزيا وإندونيسيا بتنوع بيولوجي مميز، غير أن هذا التنوع البيولوجي تم استغلاله بشكل مفرط مما أدى إلى ظهور أعراض توحي ببداية تردي الأوضاع البيئية بهذه المجالات.
المياه العذبة :
   ارتفع مستوى استغلال مختلف الموارد المائية بمنطقة آسيا الجنوبية والجنوبية الشرقية بشكل كبير نتيجة اتساع نطاق المدارات الزراعية المسقية والنمو الحضري والصناعي بالمنطقة. وأدت هذه الوضعية إلى اختلال النظام المائي بالعديد من مناطق هذه الدول. كما ساهم إنجاز محطات كهرومائية وما صاحب ذلك من اقتلاع لأشجار الغابة في التقليص من صبيب الأنهار وجفاف بعض المجالات الرطبة. وعرف استغلال المياه الجوفية المنحى نفسه إذ تراجعت جودة المياه بالمنطقة بشكل كبير وتقلصت الكميات المتوفرة من المياه النقية. وهكذا سجل تراجع متوسط الحجم من المياه لكل فرد بالمنطقة من 000.10 متر مكعب إلى 4200 متر مكعب (10.000 متر مكعب في بلدان جنوب شرق آسيا و2845 متراً مكعباً فقط في بلدان شبه الجزيرة الهندية). كما أن الفوارق شاسعة داخل نفس المنطقة من حيث حجم المياه : 172 متراً مكعباً للنسمة من المياه المتجددة في السنة في سنغافورة مقابل 21.000 متر مكعب في ماليزيا المجاورة، مما يضطر سنغافورة إلى استيراد المياه. ولا يتجاوز هذا المعدل في إيران وباكستان من  1400متر مكعب إلى 1900 متر مكعب لكل فرد بالبلدين.
   ويزداد الطلب على الماء في جميع بلدان المنطقة سواء نتيجة النمو الديموغرافي المسجل بهذه البلدان أو نظراً لنموها الاقتصادي. وتعرف بعض البلدان مثل إيران وأفغانستان عجزاً مائياً مهماً. كما أن البلدان المتقدمة بالمنطقة تعرف تراجعاً في جودة مياهها بالإضافة إلى مشكل هذه المياه، وذلك راجع لعدة أسباب، منها ارتفاع منسوب مياه الصرف الحضرية والصناعية وتزايد التلوث الزراعي وارتفاع درجة الملوحة، كما تجدر الإشارة في هذا المجال إلى ارتفاع الرواسب العالقة في مياه الأنهار بفعل عوامل تآكل المسالك المائية. ويشكل تلوث المياه بالمواد العضوية والأجسام المسببة للأمراض والنفايات السامة معضلة خطيرة تواجه بلدان المنطقة ، ويبلغ ضعف المحتوى من الأكسجين في الماء مستويات عالية بفعل تلوث المياه بالمواد العضوية، (فمياه الأنهار الآسيوية محملة بالعناصر البرازية بنسب تفوق ثلاث مرات المستوى العالمي وعشر مرات المستوى الذي حددته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، وتعاني منطقة جنوب شرق آسيا بالخصوص من هذه المعضلة. كما أن ثلث الآسيويين لا يتوفرون على مياه نقية في محيط 200 متر من مقر سكناهم، ولا يتوفر نصف الآسيويين على تجهيزات للتطهير بينما تتم معاجلة 10% فقط من مياه الصرف معالجة غير كافية. وينسب ارتفاع معدل وفيات الرضع والأطفال بالمنطقة إلى ضعف أداء تجهيزات التطهير مثلما يتسبب ضعف الأداء هذا في الإصابة بالعديد من الأمراض. فحالات الإسهال الناتجة عن استهلاك مياه ملوثة تشكل أكبر مشكل تعيشه ساكنة المنطقة ولا سيما منهم الأطفال دون سن الخامسة. كما تعاني هذه الساكنة من عناصر ملوثة أخرى حيث تحتوي المياه السطحية بمنطقة جنوب شرق آسيا على نسبة من الرصاص تفوق عشرين مرة ما تحتويه مياه بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من هذه المادة، وبذلك يكون وضع بلدان المنطقة من أخطر الأوضاع في هذا المجال، كما أن المياه الجوفية في البنغلاديش ملوثة بمادة الزرنيح.
   تعتبر المواد الكيميائية المستعملة في الزراعة وكذا النفايات الناتجة عن تربية المواشي من أهم العوامل المؤدية إلى تلوث المياه الجوفية. كما أن ظاهرة احتواء هذه الأخيرة على معدلات جد مرتفعة من مادة النترات تهم جميع بلدان جنوب شرق آسيا مثلما أن مياه البحيرات تحتوي على نسب عالية من بقايا الأسمدة (وذلك ما يجعل بحيرات المنطقة ومجاريها المائية تعرف حالات اختناق خطرة).
   يوشك القطاع الصناعي ببلدان جنوب شرق آسيا أن يصبح أهم عامل للتلوث بالمنطقة؛ غير أن ذلك لا يقلل من دور العوامل الأخرى في هذا المجال والتي تساهم بدور كبير في هذه المعضلة.
  وبما أن وتيرة الطلب على الماء تتنامى تماماً كما يتزايد الطلب على المنتوجات الزراعية، في الوقت الذي تتسع فيه الحواضر، فإن التدبير العقلاني وحده كفيل بضمان توزيع متوازن لمادة الماء الحيوية بين مختلف القطاعات المتنافسة. غير أن جودة المياه في المستقبل ستشكل موضوعاً شائكاً سواء تجاه البيئة أو تجاه المجتمع بالنظر إلى انعكاساتها المباشرة على صحة السكان.
المجالات الشاطئية والبحرية :
   تضطلع المناطق الشاطئية بدور مهم في بلدان جنوب شرق آسيا ولا سيما في جزر الهند الشرقية بمواردها المتنوعة والتي تعتبر أساس التنمية بهذه البلدان (بما أنها مصدر غذاء مهم بالنسبة لهذه الأخيرة وتعزز مبادلاتها الخارجية... الخ) ويفسر هذا الوضع قيام مدن كبيرة على طول شواطئ المنطقة وتردي الأوضاع البيئية لسواحلها (بسبب ارتفاع منسوب مياه الصرف المنزلية والصناعية)، كما يؤثر النشاط السياحي سلباً على بيئة المنطقة، مثلما أثر نشاط تربية الأسماك على التوازن البيئي بهذه الأخيرة، إذ أدى إلى سيادة بعض الأصناف على حساب أصناف أخرى، وإلى الاستعمال المكثف للمواد الكيميائية (من مبيدات ومضادات حيوية وهرمونات). كما أن الأضرار التي طالت المصايد بالمنطقة تعود أيضاً إلى ارتفاع مستوى الطمي بمياه المحيط (والذي ينجرف مع مياه الأنهار) بفعل عوامل التعرية. ويحتوي هذا الطمي على نسب عالية من النترات التي تتسبب في مشاكل البحيرات (بفعل التلوث بمواد سامة وموت الأحياء الدقيقة بأعداد كبيرة وتعرض المستهلكين لخطر التسمم).
الأجواء :
   ازداد تلوث الجو ببلدان جنوب شرق آسيا سواء بفعل الحركة الاقتصادية وتزايد نشاط النقل في محيط يغلب عليه ضعف البنيات التحتية أو تقادم وسائل النقل وسوء جودة الوقود المستعمل بهذه البلدان. كما تزيد الحرائق الغابوية من تلوث أجواء المنطقة، إضافة إلى أن ساكنة الأحياء الفقيرة تستعمل بالأساس الخشب وبقايا المزروعات كوقود، وهو ما يفاقم من مشكلة تلوث الجو بهذه الأصقاع. ونتيجة لذلك، فإن معدلات ثاني أكسيد الكربون ونسب الجزئيات الدقيقة في أجواء مدن المنطقة، ولا سيما الكبيرة منها، تفوق المعايير المحددة، متسببة بذلك في ارتفاع مخيف في حالات أمراض الجهاز التنفسي (ولا سيما حالات التهاب الرئة في كل من البنغلاديش وأندونيسيا).
المجالات الحضرية :
  يتسم النمو الحضري ببلدان جنوب شرق آسيا بارتفاع حاد في وتيرته (بلغ 5,7% كمعدل سنوي في أفغانستان و2,4% في كراتشي بالباكستان). وكانت النفايات الحضرية تلقى دون معالجة تذكر، غير أن جهوداً كبيرة بذلت في هذا المجال (مثل ماليزيا التي أقامت محطات لمعاجلة المياه المستعملة).
2. الحلول السياسية :
  تم إدراج الاهتمام بحماية البيئة في مخططات التنمية بالعديد من بلدان جنوب شرق آسيا. كما أن استراتيجيات هذه البلدان في هذا المجال وتشريعاتها عرفت تعديلات تسير في اتجاه التطبيق الفعلي لهذه الاستراتيجيات. ومع المد اللبرالي بالمنطقة، يطمح القطاع الخاص إلى لعب دور طلائعي في المجال البيئي لما يتوفر عليه من إمكانات مالية لا يستهان بها. كما تبذل جمعيات المنتجين جهوداً كبيرة لدعم السياسات البيئية مثلما تفعل المنظمات الحكومية أيضاً.
    تبنت بلدان جنوب شرق آسيا الاتفاقيات متعددة الأطراف، بل إنها لعبت دوراً مهماً في المصادقة عليها. غير أن تطبيق هذه الاتفاقيات يشوبه البطء بفعل غياب مؤسسات ناجعة ونقص في وسائل التمويل. وتمارس المنظمات غير الحكومية ضغوطاً كبيرة لوضع مخططات لإخراج هذه الاتفاقيات إلى حيز الوجود. كما تضطلع بدور تكويني مهم يهدف إلى اكتساب واعتماد مقاربة تشاركية أقوى مما هي عليه الآن.
   وتهدف الاتفاقيات الإقليمية إلى تسهيل مساطر توزيع الأدوار وإلى تدبير عقلاني أفضل للموارد المحلية. ويلاحظ اهتمام متزايد بمشاكل تلوث الجو والمياه بالمنطقة وكذا بانعكاسات الكوارث الطبيعية. ونعطي كمثال على ذلك معاهدة تقاسم مياه نهر الغانج وكذا معاهدة الأندوس التي تروم إلى إيجاد حل للمشاكل العالقة بين الهند من جهة وكل من الباكستان وبنغلاديش من جهة أخرى (من خلال اللجان المشتركة الخاصة بموضوع المياه).
القوانين والمؤسسات :
  طورت العديد من البلدان منذ السبعينيات قوانينها الخاصة بمجال البيئة. وكانت القوانين الأولى بهذا الخصوص تهم الانبعاثات الملوثة. وتمت مراجعة هذه القوانين مراراً مع التأكيد على طرق المراقبة والعقوبات.
الآليات الاقتصادية :
  تهدف المحفزات الاقتصادية إلى نشر سلوكات جديدة وبالتالي تشجيع حماية البيئة (الرسوم والتخفيض من الضرائب والقروض). وفي هذا الإطار سنت ماليزيا إعفاءات من الرسوم على جميع الأنشطة التي يكون لها وقع إيجابي ملموس على البيئة؛ كما تم اعتماد تدابير جزائية (غرامات) من قبيل العمل بمبدأ تحمل المتسبب في التلوث تكاليف المعالجة (إذ اعتمدت ماليزيا منذ عام 1978 مزيداً من الضرائب على العناصر الملوثة التي تلقي بها معامل زيت النخيل). وكان لمثل هذه التدابير وقع هام إذ أن تطبيق مبدأ فرض ضرائب على حركة النقل في وسط المدينة في سنغافورة خلال أوقات الذروة، مكن من تقليص الاختناقات في حركة المرور بهذا الجزء من المدينة وخفف بذلك من تلوث الأجواء بها.
الصناعة والتقانات الحديثة :
   أصبح القطاع الصناعي يعي الأبعاد التي تكتسيها المشاكل البيئية، وبالتالي فقد عمل التقدم التكنولوجي على التقليل إلى أقصى حد من حجم النفايات الصلبة والسائلة. كما أن بعض المقاولات تعمل جاهدة على تقديم منتجاتها على أنها تحترم البيئة باعتمادها على تكنولوجيا "نظيفة" أو بالتأكيد على الحصص من أرباحها التي تخصصها لبرامج حماية البيئة وتحسين مستوى العيش بمحيطها. وهكذا تم إصدار معايير صناعية جديدة في كل من ماليزيا وسنغافورة بعد أن تم اعتماد معيار ISO 14000. وحصلت 26 فئة من المنتجات على القسيمة الخضراء  أوصف المنتوج الذي يحترم المعايير البيئية في سنغافورة.
  وظهرت ثمة أشكال من التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص بهدف توفير تجهيزات وخدمات لفائدة حماية البيئة. وهكذا عملت اتحادات غرف التجارة والصناعة في الباكستان جنباً إلى جنب مع المصالح الحكومية بهدف تحسين نظام مراقبة التلوث ونظام تدبير النفايات الحضرية والصناعية. كما تمنح الحكومة الأندونيسية مساعدتها للشركات الراغبة في تطوير أنظمة إنتاج أقل تلويثاً.
تمويل العمل البيئي :
  ارتفعت الاستثمارات الوطنية في المجال البيئي في معظم بلدان المنطقة، كما تم إحداث صناديق خاصة لدعم هذا المجال. وتسهر برامج التعاون الثنائي على دعم النهوض بالمجال البيئي وعلى مده بالخبرات اللازمة. ويعتزم صندوق التنمية المستدامة الآسيوي استثمار مبالغ مهمة في هذا الباب، غير أن القطاع الخاص يجد نفسه  مطالباً بتمويل العمليات ذات الانعكاسات الإيجابية سواء على مستوى الإنتاج أو من حيث الوقع على البيئة.
الأطراف المساهمة :
   ظهرت المنظمات غير الحكومية كشريك في تطوير عمليات يكون لها وقع إيجابي على البيئة. وبذلك تضطلع  هذه المنظمات بأدوار عدة منها دور تعليم الجمهور والرفع من درجة وعيه عبر القيام بحملات عدة، وغالبا ما يكلل التعاون بين الحكومات الوطنية والفاعلين المحليين بالنجاح.
   غير أن قواعد المعطيات مازالت غير كافية في هذه البلدان، مما يحد من نجاعة العمليات المنفذة بها. كما يعوق النقص في المعطيات تصور استراتيجيات محددة بل ويحول دون مد الجمهور بمعلومات عن المساوئ والمزايا المباشرة الناجمة عن تغيير السلوكات بقطاع من القطاعات. كما أن التخطيط لن يكون فاعلاً في غياب مثل هذه المعطيات. ويتم بهذا الصدد اللجوء إلى معطيات قديمة غير مضبوطة ولا مثبتة بطريقة علمية ويعاد تقديمها على أنها معطيات حديثة دون وجود أية إمكانية لمراقبة صحة ذلك.
  وقد تم رغم ما سبق تحقيق تقدم مهم في هذا المجال، إذ تم وضع أنظمة لجميع المعطيات ومعالجة المعلومات، وكان دور المنظمات الدولية (برنامج الأمم المتحدة للبيئة) والهيئات الإقليمية حاسماً في هذا الصدد.
4 . آسيا الوسطى
  ظلت منطقة آسيا الوسطى حبيسة التخطيط المركزي والاقتصاد الموجه إلى غاية نهاية عقد الثمانينيات، حيث  كان تحقيق النمو ببلدان هذه المنطقة يقاس بمعدل نمو الإنتاج في قطاعي الصناعة والطاقة. وكان من نتيجة ذلك أن تعرضت الموارد، بما فيها  غير المتجددة، بهذه البلدان للاستنزاف. كما أدى تكثيف الصناعات الثقيلة ونشاط استخراج المعادن وإنتاج الطاقة إضافة إلى المجهود الحربي إلى مستويات عالية من التلوث. غير أنه لا ينكر على هذا النظام بعض الجوانب الإيجابية في مجال البيئة من قبيل تفضيل النقل العمومي، واعتماد أنظمة من طرف الدولة لحماية البيئة والقيام بفرز الأزبال عند إلقائها قصد إعادة استغلالها، إضافة إلى إيلاء أهمية بالغة للمجال التربوي وتعهد كافة الساكنة بالخدمات الصحية.
   يفوق معدل النمو الديموغرافي بآسيا الوسطى نسبة 1% سنوياً بصفة منتظمة، إلا أنه يظل دون معدلات بلدان المناطق الإسلامية الأخرى. كما تم تسجيل ارتفاع كبير في حركة الهجرة من بلدان المنطقة نحو أوروبا. ويعرف الناتج الداخلي الخام لمنطقة آسيا الوسطى تراجعاً ملحوظاً منذ بداية عقد التسعينيات (قارب 40% خلال 10 سنوات)، بالإضافة إلى مشاكل اقتصادية أخرى ( مثل التضخم واستفحال الفقر). إلا أن متوسط أمل الحياة بالمنطقة ارتفع من 63 سنة في 1970 إلى 69  سنة في 1995، وإن ظل دون المستوى المسجل في البلدان المتقدمة. كما سجل القطاع الصناعي تراجعاً في آسيا الوسطى منذ حصول بلدان المنطقة على استقلالها، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية العويصة التي تتخبط فيها هذه البلدان.
الزراعة بآسيا الوسطى :
  كان نظام الزراعة التعاوني سائداً بقوة في آسيا الوسطى، حيث يحظى بدعم كبير وإعانة من الدولة. إلا أن مستوى الإنتاج الزراعي لم يكن قط مرضياً. وأدى انهيار نظام الاقتصاد المركزي إلى وقف دعم الدولة للقطاع الزراعي وإلى التقليص من استعمال المواد الكيماوية في المجال الزراعي، وكذا إلى التخلي عن العديد من مشاريع الري إضافة إلى التقليص من عدد رؤوس الماشية، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في الإنتاج الزراعي العام بالمنطقة.
  أصبح ارتفاع نسبة ملوحة المياه وتلوثها معضلة كبرى في بلدان آسيا الوسطى التي قامت بإنجاز مشاريع ري كبرى لكنها عانت من ضعف في التسيير. ويعد مصير بحر الآرال من أكبر المشاكل البيئية التي تعرفها المنطقة نتيجة مشاريع ري ضخمة قصيرة الأمد. إلا أن ذلك لا يحجب المصادر الأخرى لتلوث المياه والتربة، ووجود نسب عالية من المعادن الثقيلة في محيط المراكز الحضرية بها والمشاكل الصحية التي تسببها لساكنة هذه المناطق. كما تعاني البلدان المنتجة للنفط في آسيا الوسطى من مشاكل تلوث مرتبطة بهذا النشاط، مثلما تعاني غابات المنطقة من ويلات ظاهرة الأمطار الحمضية.
المياه العذبة :
  كان للأنشطة الإنسانية وقع كبير على مجال المياه العذبة بمنطقة آسيا الوسطى تجلت بالأساس في الاستغلال المفرط لهذه المادة الحيوية وفي نضوب مصادرها وتلوثها بشكل عام في بلدان المنطقة مما يؤدي إلى نشوب نزاعات خطرة بين مستعملي هذه المياه.
   وعرف استهلاك المياه بعض التراجع خلال العقد الأخير بفعل إعادة الهيكلة الاقتصادية بالمنطقة. ونتيجة لذلك، انخفضت كميات المياه التي يستهلكها القطاع الصناعي، غير أن طلب الحواضر من المياه قد سجل ارتفاعاً مطرداً نتيجة اتساع ظاهرة التمدن وتحسن مستوى العيش ببلدان المنطقة تحسناً نسبياً.
  إن انعكاسات التلوث متعددة الجوانب، لاسيما وأن الموارد المتوفرة بآسيا الوسطى محدودة. كما أن مياه معظم الآبار بالمنطقة لا تصلح للشرب. وينضاف إلى هذا تدهور وتقادم شبكات توزيع المياه التي تتسبب في ضياع كميات لا يستهان بها من هذه المادة الثمينة إضافة إلى أخطار إصابتها بالتلوث. وتنشب نزاعات عدة بين ساكنة المناطق المرتفعة التي تنبع منها المياه وسكان المناطق المنخفضة التي تستفيد من هذه المياه.
المجالات البحرية :
  تتعرض البحار المغلقة (كبحر قزوين وبحر الآرال) لخطر التلوث بمياه الصرف المفرغة فيها وكذا بفعل بقايا المحروقات. فشبكات الري والسدود المقامة بالمنطقة أدت إلى جفاف بحر الآرال بسبب نضوب الروافد التي كانت تصب فيه. كما أن بحر قزوين يضم 85% من الاحتياطي العالمي من سمك الحفش ( Esturgeon )، ومن ثم يكون لتلوث هذا البحر وقع خطير على اقتصاد المنطقة.
الأجواء بآسيا الوسطى :
   اعتمدت التنمية الطاقية للمنطقة على النفط والغاز الطبيعي والطاقة النووية، وذلك ما يفسر درجة التلوث المنخفضة نسبياً للأجواء بالمنطقة. غير أن العامل الأساس في انخفاض تلوث الأجواء هذا يعود إلى التراجع الاقتصادي الذي سجلته بلدان آسيا الوسطى منذ بداية الثمانينات.
المجالات الحضرية :
  اتسع نطاق المجالات الحضرية بآسيا الوسطى بشكل كبير خلال القرن العشرين، مسجلاً نسبة نمو سنوية بلغت 3% خلال الستينيات قبل أن تستقر في 2% خلال الثمانينيات لتتراجع تراجعاً طفيفاً بعد ذلك مسجلة نسبة 1.2% منذ هذه الحقبة.
الآفاق :
    لقد بدأت تتضح آفاق التطور في بلدان آسيا الوسطى التي ما زالت تحمل آثار النظام السوفياتي. فقد شرع في خوصصة الأراضي الفلاحية واعتماد الليبرالية في الخيارات الفلاحية، وهي إجراءات من شأنها أن تمكن من تنويع الإنتاج. أما في مجال الطاقة والإنتاج الصناعي، فإن التكنولوجيا الحديثة والتحولات التي تطرأ على المؤسسات المتقادمة الحالية تتيح فرصة تحسين مستوى العناية بالبيئة. كما أن الاستعمال المتزايد للغاز والطاقة التي تكاد تكون غير ملوثة تمثل بديلاً مناسباً في المستقبل. غير أن أهم ما يمكن القيام به هو تحسين مستوى تطبيق مخططات التنمية وتدبير المجالات في المدن والمناطق الصناعية وتطوير وسائل النقل.

الجزء الرابع
التقدم الحاصل في المجال البيئي :  الإنجازات و العراقيل
   عقد مؤتمر ريو دي جانيرو في عام 1992 في ظل تغيرات إيجابية للنظام الدولي نتيجة نهاية الحرب الباردة واقتناع المجتمع الدولي بضرورة الالتفات لاحتياجات البلدان النامية.
  غير أن جو العلاقات الدولية السائد حالياً متكدر بعض الشيء بفعل الصعوبات السياسية التي تتخبط فيها البلدان المتقدمة والتي تحول بينها وبين الوفاء بما تعهدت به، وكذا بفعل النظام الاقتصادي العالمي الجديد وتكاثر النزاعات بين البلدان المتقدمة من جهة والبلدان النامية من جهة أخرى.
  وازداد وضـع العلاقات الدولية تكهرباً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001 حينما تم توجيه اتهامات  خطيرة للإسلام الذي اعتبره البعض "منبتاً خصباً" للإرهاب. وإنه لمن شأن الجهود التي تبذلها منظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ أن تدحض هذه الاتهامات الباطلة. بل إن هذه الجهود يمكنها، إذا ما تم بذلها بحزم على صعيد إقليمي، أن ترسخ في الأذهان الدور الطلائعي الذي يضطلع به الدين الإسلامي والقيم التي يدعو إليها، وما يمكن أن يساهم به في سبيل تحقيق تنمية مستدامة للبلدان المسلمة بل وحتى لباقي بلدان العالم، بما أن مشاكل التلوث والأوبئة لا تعترف بالحدود القائمة بين مختلف بلدان البسيطة.
  ثمة وعي حقيقي في العالم الإسلامي بأهمية عامل البيئة، وإزاء هذا الوعي هناك أيضاً اعتراف بالعلاقة القائمة بين الصحة والمستوى الاجتماعي والبيئة. ويتضح ذلك بجلاء في التصاريح الوزارية ولا سيما منها :
ـ القرار 28-E/6 للمنظمة العالمية للتجارة حول القضاء على الفقر؛
ـ القرار 28-E/40 حول مشاكل البيئة؛
ـ القرار 28-E/45 حول البيئة والتنمية المستدامة وسبل معالجة المشاكل المرتبطة بالبيئة والصحة.
  ويكرس القرار الأخير ضرورة العمل على تحقيق النمو الاقتصادي مع الحرص على المحافظة على البيئة وعلى توفير ظروف عيش كريم للساكنة. كما يؤكد أيضاً على أن تحقيق هذه الأهداف يتطـلب تعاونا دولياً واحـتراماً للتعـهدات التـي التـزمت بها البلدان المتقدمة عند مصادقتها على الأجندة 21.
   إن مبادئ التنمية المستدامة وحماية البيئة مبادئ أساس نرثها عن الحضارة الإسلامية والتطور التاريخي  للعالم الإسلامي. فالمناهج الاقتصادية والمواقف الثقافية المستوحاة من ديننا الحنيف وكذا تصرفاتنا سواء منها الاستهلاكي أو تلك التي تمس البيئة لها وقع إيجابي ملموس إذا ما نفذت فعلياً على أرض الواقع.
غير أن الطابع الجذاب لآسيا الوسطى (والمتمثل في موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية المتنوعة) جعل منها عبر التاريخ قبلة للعديد من حركات الاستعمار حالت  دون مواجهة بلدان المنطقة لمشاكل التنمية بها بشكل مستقل.
وكان للاستعمار دور سلبي مزدوج :
ـ إذ أنه نهب الكثير من خيرات بلدان العالم الإسلامي والتي كانت ستعزز بكل تأكيد جهود التنمية بهذه البلدان؛
ـ كما أن غزو قيم جديدة لهذه المناطق واختلاطها بالقيم المستوحاة من الثقافة الإسلامية لهذه الأقطار جعل هذه الأخيرة تعيش تناقضات واختلالات انعكست على الحياة العصرية لمجتمعاتها، وظهرت في شكل لا مبالاة وعدم اكتراث بالتهديدات التي تمثلها مشاكل التلوث والتبذير وتدهور الموارد.
    ومع حصول بلدان المنطقة على استقلالها، مكنت الجهود المبذولة من أجل تحقيق تنمية تعتمد على إمكانيات هذه البلدان من تغيير المعطيات بها، إذ تم وضع مخططات استهدفت تهيئ الموارد المتوفرة والمحافظة عليها وتحسين الأوضاع الاجتماعية بها والرفع من مستوى عيش ساكنتها.
   غير أن القدر الأكبر من اهتمام بلدان المنطقة انصب على القطاع الإنتاجي (الصناعات والزراعة والنهوض بالسياحة)، على حساب مستوى عيش السكان بها. ولم تول حكومات المنطقة بعض الاهتمام بموضوع البيئة إلا في أواسط الثمانينات. واعتباراً من تاريخ انعقاد قمة الأرض لعام 1992 تعددت المبادرات الهادفة إلى التقليل من آثار التلوث، وذلك في سياق سياسة واضحة المعالم وبإشراف مؤسسات تعمل على ترجمة مبادئ الأجندة 21 إلى واقع ملموس.
    كما عرف القرن الماضي في عقده الأخير ظهور العديد من البرامج المبنية أساساً على المقاربة التشاركية التي تعتمد على المبادرات والاستراتيجيات الجماعية.
1 . التحديات التي تواجه بلدان المنطقة
  من أجل تحقيق التنمية المستدامة يتوجب على بلدان المنطقة أن تواجه بحزم جملة من التحديات الكبرى.
  أولى هذه التحديات وأهمها هو العامل الديموغرافي، فنمو الساكنة بمعدل 2% يجعل من الأمر أكبر تحد يواجه بلدان المنطقة لأنه يحتم عليها تحقيق نسبة عالية من النمو الاقتصادي تمكنها من تلبية الاحتياجات في مجال التغذية، والبنى التحتية المائية لتلبية المتطلبات الفلاحية والحضرية، والحيلولة دون اتساع المجالات الحضرية بشكل عشوائي، إضافة إلى تطوير وسائل جمع الأزبال لتفادي انتشار الأوبئة... الخ.
   وتشكل نسبة الفقر العالية بين ساكنة بلدان آسيا الوسطى تحدياً اجتماعياً كبيراً لكونها تتسبب في العديد من مظاهر تردي الأوضاع البيئية بالمنطقة. كما أن المخاطر الصحية الناجمة عن تردي الأوضاع البيئية المذكورة تزداد حدة في المناطق المهمشة وبالخصوص بين صفوف الطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً. ولم تمكن المبادرات المنجزة لحد الآن في المنطقة والهادفة إلى التقليص من مستوى الفقر من تحقيق الكثير في هذا المجال بسبب ضعف جرأة برامج التشغيل ببلدان المنطقة رغم الخطاب السياسي في هذا المجال.كما أن نسب النمو الديموغرافي العالية بالمنطقة تلقي بالآلاف من طالبي العمل في سوق الشغل كل سنة وإن كانت نسبة النمو الاقتصادي لا تسمح بتوفير فرص شغل للجميع، مما يؤدي إلى مظاهر تهميش تطال حالياً حتى الشباب الذين تلقوا مستوى لا بأس به من التكوين بل وحتى الحاصلين على شهادات عليا. وتفرز هذه الوضعية مآسي كبيرة لأنه زيادة على عامل الفقر الناتج عن عدم الحصول على عمل يتكون ثمة شعور نفسي بالإحباط يحبط جميع جهود التنمية المرغوب تحقيقها.
   ثم نجد تحدي العولمة الذي فرض نفسه على المنطقة في وقت زالت فيه أغلب بلدانها تتخبط في مشاكل إعداد اقتصادها لمواجهة متطلبات هذه العولمة من حيث تحسين تنافسيتها التكنولوجية، وإصلاح مؤسساتها القضائية، ومناهج حسن التدبير بها، وضمان التسيير المحكم في كل مجالاتها. كما أن فرص التبادل التجاري الأفقي بين بلدان العالم الإسلامي مازالت ضعيفة ولا تسمح بخلق مجالات تعاون داخلية بينها. ويتعين النهوض بمستوى هذا التعاون الإقليمي إذا ما أرادت بلدان المنطقة تحقيق مستويات عالية من تبادل الخبرات والمنتجات والمناهج التكنولوجية بحيث تتمكن من تعزيز قدرات كل بلد من بلدان المنطقة في خضم محيط اقتصادي يتسم باحتدام المنافسة مع التكتلات الإقليمية الأخرى.
2 . الإنجازات في المجال البيئي
   حققت بلدان العالم الإسلامي الواقعة في آسيا الوسطى تقدماً اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً ملحوظاً. فالبلدان المنتجة للنفط (مثل بلدان الخليج وليبيا والجزائر) تتوفر على إمكانات تنموية هائلة بالمقارنة مع بلدان آسيا الوسطى. غير أنه بدا جلياً أن البلدان التي استثمرت في مواردها البشرية (مثل إندونيسيا وسنغافورة وتونس وتركيا) هي التي حققت أحسن النتائج على درب التقدم.
   تم تسريع وتيرة نمو بعض القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص منذ انعقاد مؤتمر ريو. إلا أن القطاعات الأخرى عرفت صعوبات متعددة حالت دون تحقيقها لمستوى النمو المرغوب فيه.
   كما بذلت جهود كبيرة في مجال النمو الديموغرافي حققت نتائج إيجابية نسبياً وإن قارب معدل النمو الديموغرافي في المنطقة أو فاق بقليل نسبة 2% (وهي نسبة تظل أعلى من معدل النمو العالمي البالغ 5.1%). غير أن معدل النمو الديموغرافي ببعض بلدان المنطقة يبقى من بين أعلى المعدلات في العالم، مما يشكل أكبر تحد لاقتصاد هذه البلدان وتنميتها الاجتماعية.
   وتم تحقيق إنجازات مهمة في بلدان آسيا الوسطى على صعيد بعض المؤشرات الاجتماعية الأخرى. فمتوسط العمر بالمنطقة ارتفع من 51 سنة إلى 65 سنة، وذلك ما يوحي بتحقيق إنجازات في المجال الصحي ببلدان المنطقة؛ كما أن معدل وفيات الأطفال انخفض بنسبة النصف، وتم التقليص بشكل كبير من ظاهرة الأمية ببلدان آسيا الوسطى ولاسيما في صفوف النساء. و تعتبر العلاقة بين    مستوى المؤشرات الاجتماعية المذكورة وتحسن المستوى الصحي للساكنة ودرجة وعيهم بمحيطهم البيئي ثابتة ولا غبار عليها.
 غير أن الجهود المبذولة للتقليص من مستوى الفقر نالت حظاً أقل من النجاح خلال العقد الأخير في الوقت الذي حققت فيه الجهود المبذولة في الثمانينات بعض التقدم على هذا المسار. وتظل المعضلة الكبرى هي الهوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء، وبين ساكنة الحواضر وساكنة الأرياف، فالفقراء الذي يقطنون الأرياف بالخصوص لا يتوفرون على الماء الصالح للشرب بالكميات الكافية. كما أن مشاكل صرف المياه المستعملة مازالت مستعصية على الحل في هذه المناطق ولا يستفيد من خدمات صرف المياه إلا ثلث ساكنة هذه الأخيرة. ويطرح من ثمة بإلحاح مشكل الإنصاف في التوزيع المجالي للتجهيزات التنموية في بلدان المنطقة.
   يميل الإنفاق الحكومي في مجالي التعليم والصحة عن كل فرد في بلدان آسيا الوسطى إلى الانخفاض نسبياً وإن كان إجمالي النفقات عالياً جداً، وينطبق نفس الشيء على مستوى الإنفاق العمومي في المجال البيئي. ويجد هذا الوضع تفسيره في الخيارات المعتمدة في مجال السياسة الاقتصادية لبلدان المنطقة (التقويم الهيكلي وتحرير الاقتصاد).
 وقد كانت هذه البلدان مضطرة إلى إعادة التوازن لاقتصادها لتسوية مشاكلها الاجتماعية الكبرى وبالخصوص مشكل التشغيل. فالجهود المبذولة في إطار التقويم الهيكلي للاقتصاد والعمل على التقليص من التضخم أدت إلى تحسين الوضع الاقتصادي للعديد من بلدان المنطقة خلال العقد الأخير. غير أن نسبة الناتج الداخلي الخام عن كل نسمة لم تتحسن في جميع البلدان المسلمة، وبالخصوص في البلدان الإفريقية.
   قامت جميع بلدان العالم الإسلامي بإدخال إصلاحات على نظمها الاقتصادية وإعادة هيكلة جميع قطاعاتها مع عملها على النهوض باقتصاد السوق، وتعزيزها للامركزية والخصخصة. وتجلت أولى نتائج هذه الإصلاحات في قطاع الطاقة التي ارتفع استهلاكها بشكل ملموس (وبالخصوص الاستهلاك من الكهرباء). كما عرف قطاع الاتصالات طفرة كبيرة صاحبت جهود تعزيز الشبكات الهاتفية، ويصدق الشيء نفسه على القطاع الصناعي الذي شهد تطورات مهمة رافقها تنويع في المنتوجات المصنعة.
   غير أن التقدم المسجل  في المجال الاقتصادي يحجب التأخر الذي مازالت بلدان المنطقة تعرفه في المجال البيئي. فالمشاكل التي تكتسي طابعاً استعجالياً بالنسبة لهذه البلدان هي نفسها التي واجهت هذه الأخيرة خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين، إن لم تكن قد ازدادت حدة. فارتفاع وتيرة التصنيع واتساع المجالات الحضرية انعكس سلباً على الأوضاع البيئية والصحية بهذه البلدان. كما تدهورت حالة تجهيزات هذه الأخيرة مما أدى إلى ظهور مستويات جد عالية من التلوث في العديد من بلدان المنطقة، الشيء الذي أضر براحة الساكنة وبوضعها الصحي.
   ويعرف الوضع المائي في بلدان العالم الإسلامي مشاكل عدة رغم الإنجازات المحققة في هذا الإطار، إذ تم وضع مخططات وطنية همت بالأساس مجالي الري والوقاية من التلوث. كما تم تجريب المبادرات التشاركية بين القطاعين العام والخاص في إطار مشاريع أنجزت في مجالي توفير المياه (بجهود الجمعيات المحلية ومقاولات تسيير الماء على الصعيد الحضري) والصرف الصحي، وتم إدخال إصلاحات على القوانين المنظمة لهذين القطاعين باعتماد العديد من بلدان العالم الإسلامي لتشريعات تعنى بقطاع الماء أساساً. كما أن اعتماد دراسات تقييم وقع المشاريع يلعب دوراً حاسماً في تتبع الأوضاع البيئية بهذه البلدان. أما في المجال الحضري فقد تم وضع برامج لتدبير النفايات وكذا أنظمة لمراقبة تلوث الهواء.
   لقد شكل اعتماد الأجندة 21 بداية تنفيذ الإجراءات التنظيمية على الصعيدين الوطني والمحلي قصد تعزيز السياسات الوطنية في المجال البيئي. فالمؤسسات البيئية عرفت تنامياً ملحوظاً منذ بداية عقد التسعينات، كما أن المنظمات العاملة في هذا القطاع اكتسبت مزيداً من الأهمية حيث حظيت بدعم الهيئات البيئية العليا ومجالس التنمية المستدامة في جميع بلدان العالم الإسلامي.
  ويرتكز التقيد بالإجراءات البيئية واحترام التشريعات الخاصة بهذا المجال على آليات المراقبة التي تنص عليها القوانين. وتُعتمد في هذا الصدد رسوم وآليات ضريبية لمراقبة التشريعات البيئية وتفادي وقوع حالات تلوث بمحيط الساكنة وصحتها.
  غير أن ثمة اتجاهاً متزايداً نحو اعتماد آليات اقتصادية لمكافأة الجهود المبذولة في المجال البيئي بدل الاعتماد فقط على نظم "التقنين والمراقبة". كما سيتم إلغاء العديد من أشكال الدعم العمومي لبعض القطاعات الصناعية تطبيقاً لبرامج التقويم الهيكلي، حيث لوحظ أن الدعم المذكور شجع الاستغلال غير العقلاني للموارد الطبيعية (من مياه وطاقة ومواد بناء) وأدى إلى هدر الموارد دون تحقيق مستويات معادلة من المردودية.
  إن إشراك المنظمات غير الحكومية والنساء والشباب في مختلف التنظيمات التعاونية أضحى أمراً واقعاً منذ انعقاد مؤتمر ريو. مما ساعد على تدبير أفضل للقضايا البيئية بمختلف بلدان العالم الإسلامي. غير أن مستوى المشاركة هذا يظل دون المستويات المسجلة في بلدان الشمال.
  تحتل بلدان العالم الإسلامي وضعاً مشرفاً يعادل وضع البلدان المتقدمة من حيث توقيعها على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة والمصادقة عليها، ويترجم ذلك وجود رغبة أكيدة للمساهمة في الجهود الدولية لحماية البيئة. لكن ذلك لا يعني أن جميع البلدان تلتزم تمام الالتزام بالتوصيات والتعهدات التي تقطعها على نفسها في إطار هذه الاتفاقيات.
   إن تطبيق بنود برتوكول مونتريال قطع أشواطاً مهمة على درب التقليص من إنتاج المواد الضارة بطبقة الأوزون. ويعود ذلك إلى الضغط الدولي الكبير الممارس بهذا الصدد، لاسيما المساهمات المالية العامة المقدمة لتسريع إخراج بنود الاتفاقية المذكورة إلى حيز الوجود.
  كما تكتسي البروتوكولات الإقليمية، ولا سيما منها الاتفاقيات البحرية أهمية بالغة بالنسبة لمختلف البلدان الأطراف فيها، ولذلك تحظى بنودها بتطبيق واسع، معززة بذلك سبل النهوض بالتعاون على الصعيد الإقليمي.
3 . العراقيل التي تواجهها بلدان العالم الإسلامي
   يواجه مسار التنمية المستدامة في بلدان العالم الإسلامي الكثير من القيود وبالخصوص ما يتعلق بتنفيذ إجراءات تحسين الأوضاع البيئية بهذه البلدان ومستوى العيش بها. إلا أن جهوداً عديدة بذلت لتجاوز هذه القيود، أفلحت بعضها في بلوغ الأهداف التي تطرقنا إليها سابقاً، بينما لم يحالف الحظ البعض الآخر لكونها لم تكن مناسبة لمعاجلة نوعية المشاكل البيئية المطروحة على أرض الواقع. ويتطلب هذا الوضع اعتماد مقاربة جديدة لبلوغ الأهداف المسطرة في هذا المجال.
تتمثل المشكلة الأساس في التوزيع غير المتكافئ للموارد الطبيعية، ولا سيما الموارد المائية فبعض هذه البلدان تعيش وضعاً مائياً حرجاً مثل الجزائر والأردن وفلسطين وبلدان الخليج العربي، في حين تعرف بلدان أخرى وضعاً مائياً مناسباً مثل مصر والعراق وبنغلاديش وأندونيسيا. غير أن توفر هذه البلدان على موارد طبيعية من هذه المادة الحيوية لا يكفي لكي تكون في مأمن من حيث إمكانية استغلال هذا الماء وتسخيره لتحسين مستوى عيش السكان وتحقيق التنمية المستدامة.
  ثمة تباين كبير بين وضع البلدان التي تعيش وضعاً مائياً حرجا والتي لا تتوفر على إمكانات مادية تخولها معالجة هذا النقص والبلدان التي تتوفر على إمكانات مادية مهمة تمكنها من الحصول على الماء بطرق حديثة أو من تكثيف عمليات التنقيب على الماء رغم التكاليف الباهضة لهذه العمليات.
   وثمة كذلك تباين في وضع البلدان التي تحظى بوفرة المياه، إذ نجد بلداناً تتوفر على شبكات صرف صحي مناسبة في حين أن بلداناً أخرى تعاني من تجمع المياه السطحية وركودها، مما يؤدي إلى انتشار الأوبئة (كما هو الحال في بنغلاديش ومصر وشط العرب والسودان).
  وتفسر التباينات من حيث وفرة الموارد المائية وإمكانية استغلال هذه الموارد الفوارق الكبيرة في الأوضاع البيئية لمختلف المجالات الحياتية، فعدم التكافؤ بين الطلب الذي ما فتئ يتزايد على الموارد المائية التي ما فتئت بدورها تتقلص كان أهم عائق أمام التنمية في بلدان العالم الإسلامي. ويحتم ذلك على البلدان التي تعيش وضعاً مائياً حرجاً أن تقوم بإصلاحات جذرية على الصعيد المؤسساتي تهم بالخصوص قضايا تدبير المياه وتغيير أنماط السلوك بمجتمعات هذه البلدان.
   المشكلة الثانية التي تواجه في بلدان العالم الإسلامي تهم إدراك المجتمع لطبيعة القضايا البيئية وإعلامه بما يمت لهذا القطاع بصلة، والرفع بذلك من مستوى وعيه بالجوانب البيئية في حياته. فبنود الأجندة 21 ومفهوم التنمية المستدامة وكذا العلاقة بين مستوى حماية البيئة والوضع الصحي للساكنة تبقى حكراً على طبقة صغيرة من الخبراء في حين مازال مستوى المشاركة في آليات التنمية وعملياتها ضعيفاً ويعود ذلك إلى مستوى الأمية المرتفع في بلدان العالم الإسلامي ومحدودية تأثير وسائل الإعلام وقلة الحملات التربوية في هذا المجال وعدم ملاءمة برامج التكوين للمتطلبات الفعلية للساكنة.
   صاحب النمو الاقتصادي والعمراني لهذه البلدان تبني أنماط استهلاك المجتمعات الغربية ومناهجها الحياتية. فأصبحت مجتمعاتها تخلف بدورها كميات هائلة من النفايات يكلف تدبيرها ومعالجتها مبالغ طائلة يصعب تغطيتها بعائدات التنمية المنجزة في هذه البلدان.
  غير أن المسار التنموي لبلدان العالم الإسلامي لم يشمل مجال الإعلام الذي ظل يعرف قصوراً فعلياً حال دون توعية الشعوب.
   يعد التدبير السليم للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية أساس التنمية المستدامة ببلدان العالم الإسلامي. إلا أن نظم التدبير السائدة بهذه البلدان غالباً ما تكون غير مناسبة لها بفعل طغيان نظام الإدارة المركزية المبالغ فيه ومنع الفاعلين المحليين من تحمل مسؤولياتهم. ورغم صحوة المجتمع المدني في العديد من هذه البلاد، إلا أن مشاركته في أمور تسيير حياته تظل رمزية، أما القطاع الخاص فيعاني من ثقل المساطر البيروقراطية، كما تعوق المحسوبية والفساد معالجة الملفات بالشفافية وروح المسؤولية الضروريتين لضمان نجاعة الإجراءات المنجزة وفعاليتها. كل هذه العوامل السلبية تثبط المشاريع الجادة إن لم تقم بإفشالها كلياً.
  تشكل الصبغة القطاعية الضيقة لمؤسسات بلدان العالم الإسلامي عائقاً آخر أمام تحقيق التنمية المستدامة. فغياب مؤسسات التنسيق يحول دول تظافر جهود مختلف القطاعات ويقلص من فاعلية العمليات المباشرة، حيث سجلت حالات عديدة لمشاريع متعارضة تنجز من طرف أقسام كان من المفروض أن تنسق فيما بينها.
  وهناك في الأخير قيود ذات طابع عام تعيشها دول العالم الإسلامي بنسب متفاوتة بحسب مستوى تقدمها وحجم مواردها المالية. ويتعلق الأمر أولاً بثقل المديونية التي تنهك ميزانيات العديد من هذه البلدان، وثانياً بمشكل هجرة الأدمغة نحو بلدان الشمال، فعدم الاستقرار السياسي وغياب الأمن يعصفان للأسف الشديد بعدد من بلدان العالم الإسلامي.

الجزء الخامس
استراتيجية التنمية المستدامة

1 . الأهداف الاستراتيجية
تتمثل أهداف استراتيجية بلدان العالم الإسلامي في المجال البيئي فيما يلي :
ـ وضع بلدان العالم الإسلامي على درب تنمية مستدامة، وذلك ما يستوجب تحقيق مستوى من النمو يمكنها من تجاوز الهوة الفاصلة بينها وبين البلدان المتقدمة. كما يستوجب تهيئ بلدان العالم الإسلامي لأن تكون عناصر فاعلة لا غنى عنها في الساحة الدولية بفضل الوعي الذي سيتكون لديها بمدى الإمكانات التي تمتلكها هذه البلدان، وقدرتها على تجنيد كل طاقاتها اعتماداً على تراثها ورصيدها المتمثل في قيمها الموحدة، ألا وهي الإسلام الدين الحنيف بركنيه الأساسين : كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووحدة التاريخ.
ـ تطوير تكنولوجيات خاصة بالمناطق الإسلامية من شأنها توفير إنتاج كاف من حيث الكم والكيف ورفع التحديات البيئية التي تواجهها هذه المناطق.
ـ اعتماد استراتيجية لحماية البيئة وتطبيق مبدإ الحيطة كلما تعلق الأمر بأخطار قد يكون لها انعكاس على تنمية هذه المناطق عموماً. ويستوجب ذلك عدم الاكتفاء بمعالجة المشاكل البيئية التي يمكن أن تنجم عن كل تصرف بيئي ضار. كما يستوجب ذلك بذل جهود متواصلة في مجال الأبحاث لتفادي الآثار السلبية المتوقعة بالاعتماد على الدراسات الاستشرافية المرتكزة على تحاليل دقيقة وتحريات ميدانية. ويستوجب ذلك في الأخير الاهتمام بالجانب الاجتماعي للتقليص من حدة الفوارق في مجتمعات دول العالم الإسلامي وتقويم حالات التهميش بفضل اعتماد مقاربة تشاركية تؤلف بين استراتيجيات الفاعلين المحليين وتعتمد على خبراتهم المكتسبة في إطار يولي كامل الأهمية للإنسان الفرد كما تحث على ذلك  قيمنا الإسلامية وتقاليدنا.
2 . خطة عمل
2. 1. المحور الاقتصادي :
   يشكل النمو الاقتصادي قاعدة أساساً في استراتيجية التنمية المستدامة وفي العمل البيئي. كما أن تسريع وتيرة النمو الاقتصادي المذكور عبر تكثيف الاستثمارات هو السبيل لتلبية الاحتياجات المتزايدة للساكنة.
   ويوفر النمو الاقتصادي أيضاً الموارد المالية الكفيلة بالقضاء على الفقر وتمويل جهود حماية البيئة، وكذا المبادرات الهادفة إلى إعادة توجيه الأنشطة قصد التقليل من التلوث، ثم جهود الإعداد المجالي والتعمير قصد الفصل بين المجالات الإنتاجية والمجالات السكنية وتلك المخصصة للأنشطة الترفيهية. كما تمكن هذه الموارد من إعداد مجالات العيش الملائمة.
   ويتطلب تحقيق النمو الاقتصادي السريع إدخال جملة من الإصلاحات السياسية والقانونية والاجتماعية وبالخصوص بناء الثقة لدى المستثمرين، وتوفير الأمن ووضع أسس دولة القانون، والاعتناء أساساً بالموارد البشرية وتعزيز الطاقات المتوفرة وتوفير العدالة الاجتماعية واهتمام الدول بتلبية احتياجات ساكنتها.
2. 2. المحور الاجتماعي :
   تعد التنمية الاجتماعية نتيجة النمو الاقتصادي (تقليص البطالة وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين) وشرطاً ضرورياً لاستمرارية هذا النمو الاقتصادي على المدى البعيد، وإن كان النمو الاقتصادي لوحده ليس كفيلا بالقضاء على الفقر، نظراً  للحجم الهائل من المتطلبات الناجمة عن الضغط الديموغرافي والاحتياجات الإنسانية من جهة، وللفوارق الطبقية الكبيرة وحالات التهميش الاجتماعي من جهة أخرى.
   غير أن الفقر وتردي أوضاع بيئة مجتمع من المجتمعات هما أمران متلازمان، لذلك يتعين وضع خطة عمل خاصة تتبنى مقاربة جديدة وآليات متطورة لمعالجة معضلة الفقر والتهميش. وقد أظهر نظام الدعم العمومي محدودية نتائجه بل وآثاره السلبية. لذا يتعين على الطبقات الاجتماعية المحرومة أن تتولى الاهتمام بمشاكلها بشكل مباشر لمعالجة معضلة الفقر التي تطالها وذلك بفضل تعزيز الوسائل المتاحة لديها وفي إطار تشاركي فعال.
  ولبلوغ هذا الهدف، يجب استيفاء شرط متمثل في النهوض بالسياسة السكانية، وبالأساس توعية الساكنة ورفع مستوى التواصل والتعليم. إذ أن تردي الأوضاع الاجتماعية ينتج في جزء منه عن كثرة الاحتياجات الملحة (من مياه وتغذية وسكن وصرف صحيين...) بفعل التزايد الديموغرافي الهائل. مما يتطلب تخصيص مزيد من الجهود و الوسائل لمواجهة متطلبات هذا التزايد الديموغرافي. و قد أثبتت تجارب الحد من النسل فشلها في معالجة استفحال النمو الديموغرافي، ومن ثم فإن التربية والتوعية هما السبيل الأمثل لتمكين السكان من أخذ زمام أمورهم بأنفسهم وتجنيد كل طاقاتهم لتحقيق التكافؤ بين متطلباتهم ومواردهم المتاحة.
  أما الشرط الثاني في مسار مكافحة الفقر فيتمثل في الاعتناء بالعنصر البشري وتعزيز طاقاته ولا سيما طاقات الأجيال الصاعدة. فضمان التربية الحسنة والناجعة عبر الإصلاح الجذري للأنظمة التعليمية الحالية يبقى السبيل الأفضل لتكوين الأطر القادرة على مواجهة المشاكل البيئية و الاقتصادية والاجتماعية التي تعترضها. ويبقى إصلاح النظم المسيرة لمختلف أوجه الحياة في بلداننا الإسلامية رهين الإرادة السياسية.
2. 3. المحور السياسي :
  يتعلق الأمر بمجموعة من الخيارات السياسية الكفيلة بضمان شروط تحقيق تنمية مستدامة. وتهم هذه الخيارات بالأساس تبني إصلاحات سياسية وقانونية وإدارية يمكن اختزالها في إقامة نظام ملائم لحسن التدبير.
   فاعتماد نظام لا مركزي على الصعيد السياسي إضافة إلى تطوير الأداة الديمقراطية يمكنان من تحسيس الفاعلين على جميع المستويات بأعباء المسؤولية، ومن إشراك كل المعنيين في مسار التنمية وحماية البيئة وتحسين مجال عيش المواطنين. كما أن فسح المجال أمام المجتمع المدني كي يأخذ زمام أموره بيده يشكل سلطة مراقبة إضافية.
   إن تعزيز دور القطاع الخاص يخلق الظروف المناسبة لاقتصاد السوق والمنافسة ويساعد على نجاح المشاريع الخلاقة، أما الأنشطة المتطفلة على قطاع الاقتصاد، فإنها تجد نفسها مضطرة للزوال. وتضطلع الرقابة القضائية في هذا الإطار بدور المساعد للمجال الاقتصادي، بما أن مختلف معايير هذا المجال كفيلة بتوجيه الآليات الإنتاجية نحو تحقيق نتائج إيجابية وتشجيع قطاع الخدمات العمومية المهتم بتوزيع الماء وتوفير الصرف الصحي ومعالجة النفايات، على تبني نظم عقلانية للتدبير. ويمكن للصحة العامة أن تتحسن في هذا الإطار بصفة تلقائية في سياق وجود تقنين قضائي واضح ومراقبة المجتمع المدني والمواطنين وكذا في إطار عمل سليم لآليات السوق في هذا المجال.
   إن دعم مجال البحث والتنمية يأتي مكملاً للجهود الرامية إلى تحقيق حسن التدبير في دول العالم الإسلامي، لأن أعمال البحث تقرب من معايير ونماذج وآليات تكنولوجية جديدة ومدارك تعمل التربية على مواكبتها وتعميمها. ويمكن ذلك من الرفع من درجة الوعي العام ومن تعزيز الشعور بالمسؤولية.
2. 4. محور البيئة و تدبير الموارد الطبيعية :
   تعتبر الموارد الطبيعية  والبيئية ثروة يجب استغلالها  بشكل معقلن بدل اعتبارها حاجزاً أمام التنمية. و لقد ساعد خطاب المدافعين عن البيئة على الوعي بأن المواد البيئية إنما هي ثروة قابلة للنضوب و أن تدهورها يؤدي إلى الفقر الاقتصادي و البيئي على حد سواء.
   وفي هذا الصدد، يجب البحث عن قطاعات تحمل معها حركية تنموية جديدة في إطاراستغلال الرصيد الطبيعي في مجهود التنمية. و لهذا يجب أن تكون حماية الموارد الطبيعية و التنوع الحيوي متلازمة مع احترام المواقع البيئية و حسن استغلالها، وذلك باعتماد طرق مختلفة كالسياحة البيئية و تشجيع المنتوجات البيولوجية الجيدة داخل مساحات محدودة تتميز بإنتاجيتها المرتفعة. كما يجب أن يشكل تدبير الموارد الطبيعية الأساس الذي تستند إليه التنمية و ليس حاجزاً أمامها.
  إن انقراض النظم البيئية يشكل خسارة كبيرة، حيث يؤدي إلى التبدد الداخلي لهذه النظم و تناقص الرصيد الحيواني و النباتي، واختلال النظام الديمغرافي واهتزازالحركية البيئية مما يفضي إلى التصحر مثلاً. و لهذا المنحى تأثير جد سلبي على جودة الأوساط البيئية يحول دون قيامها بدورها مما يؤدي إلى اندثار الموروث الطبيعي.
  وتخضع الأوساط الطبيعية إلى ضغط كبير من قبل الإنسان الذي يشغل جل الأراضي ويستغل الموارد الطبيعية بشكل مستمر مما يقلص من المساحات الأرضية التي سلمت من الضرر.
  وغالباً ما تُستغل هذه المساحات الطبيعية من قبل الساكنة الريفية و السياح مما يعقد عملية إنشاء محميات طبيعية لا تخضع لتأثير الإنسان. و عليه، فقد بات من الضروري اعتماد تقنين صارم ينظم استغلال هذه الموارد وفق خطة تعنى بتدبير هذه المساحات و تهيئتها على المدى البعيد.
  ويتعين على المسؤولين الدوليين و الإقليميين المحافظة على هذا الموروث الطبيعي و جعله ثروة مستدامة تستفيد منها الأجيال القادمة. و لهذا الغرض، لابد أن ترتكز هذه السياسة الوقائية على تنظيم المساحات المستغلة حسب الأهداف المسطرة و حسب الإكراهات المحلية و المعطيات البيئية و البشرية و الاقتصادية. و في هذا الباب، لا مناص من استشارة الساكنة المحلية و الأخذ برأيها لأن المراد في نهاية الأمر هو "خلق مجال للحوار والتفاوض"  و ليس فرض رؤية تقنوقراطية ضيقة.
  إن حماية الموروث الطبيعي يدخل في إطار رؤية شمولية يتم من خلالها تحديد الأصناف الطبيعية المهددة و البنايات ذات القيمة التاريخية و الاعتناء بالأحواض و النظم المائية و المناطق الساحلية و الغابات و الأراضي و الطبقات المائية و الجوفية، وكل إجراء من شأنه الحفاظ عن التوازنات البيئية العالمية التي هي أساس التنمية المستدامة للمجتمع البشري.
   و بقدر ما تساهم الموارد الطبيعية في تنمية الاقتصاد و النهوض بالعالم القروي، بقدر ما تمثل التعرية مشكلاً حقيقياً و مكلفاً للمجتمع القروي. فمحاربة التعرية لن تؤتي أكلها إلا إذا نالت المناطق الريفية حظها من التنمية و طُوّرت أساليب تدبير الرصيد الغابوي و المائي . و إذ تعتبر المراعي ثروة لا تقدر بثمن، فإن الإفراط في استغلالها سيؤدي إلى أزمة اقتصادية و اجتماعية على المدى القصير. و من هذا المنطلق، لابد من حماية هذه الموارد باعتماد سياسة لتهيئة الأراضي تعتبر فيها الأصناف المنقرضة من جهة و الاراضي المحمية من جهة أخرى العنصران المحركان لهذه الرؤية الشمولية، لأن تجنيد الطاقات البشرية  والمادية من أجل هذا العمل الوقائي من شأنه أن يخلق حركية محلية مؤثرة في مختلف القطاعات.
إن برامج التهيئة الهادفة إلى حماية البيئة و إعادة الأصناف الحيوانية إلى موطنها الأصلي تتم بالضرورة عبر النهوض بقطاع السياحة البيئية، و إن كانت آثارها لن تظهر إلا على المدى البعيد. و في هذا المجال، يجب التذكير أن المقاربة التي تنجرف كلياً وراء العاطفة لم تكن فعالة. وعين العقل هو اعتماد حل وسط يجمع بين إرادة المحافظة على الموروث البيئي مهما كلف ذلك و بين تطوير مقوماته بحيث يتم تحقيق نوع من الاندماج داخل النسيج الاجتماعي و الاقتصادي.
  أما في ما يخص القطاع الغابوي، فقد أدت التكتلات الريفية إلى التمادي في اقتلاع الأشجارإلى درجة تقلصت معها المساحات الغابوية مما يؤثر سلباً على التنوع الحيوي و على توازن الدورة المائية و الارتفاع الحاد في مستوى المياه  وانجراف التربة و ترسب المواد داخل المياه . و يبقى حل هذه المشاكل متوقفاً على تطبيق قوانين زجرية في حق من يقوم باستغلال الموارد الطبيعية بما لا تمليه الحاجة. أما بالنسبة للاستغلال الذي يدخل في إطار الممارسة الاجتماعية فمن اللازم إيجاد حلول للقضاء على التهميش باعتماد تنمية قروية متكاملة. و في مجال تدبير الأراضي يجب الاعتناء بالغابات و بالمناطق المحيطة بها بشكل شمولي، و النهوض بالأنشطة الجديدة التي تدر مداخيل مهمة و ذلك من أجل التخفيف من الضغط الحالي.
  إلا أن الحلول الزجرية لا تستطيع وحدها حل مشكل تدهور الموارد الطبيعية ما دامت المشاكل الاقتصادية للسكان لم تطرح بالشكل الصحيح و مادامت التعويضات العادلة لم تقترح على الساكنة. إن حماية المناطق المهددة كالمناطق الجبلية و السهول المتاخمة للمناطق الصحراوية و الواحات لن تتم إلا إذا بذلت الساكنة المحلية مجهوداً متواصلاً في هذا الاتجاه. كما تجدر الاستفادة من الأخصائيين الذين لهم معرفة بخصائص هذه المناطق. و التدبير المناسب لهذه الموارد يتطلب مساهمة العالم القروي في ضوء  تحديد المسؤوليات المنوطة به.
   وتعتبر المناطق الساحلية مجالاً آهلاً بالسكان و تتركز فيه الأنشطة الاقتصادية المتنوعة والأساس. إلا أن هذه المناطق تمثل كذلك موروثاً ثقافياً وتاريخياً مهماً لما تزخر به من مناظر فريدة و مواقع ذات قيمة بيولوجية و أثرية.
وتتكون المناطق الساحلية  من عنصرين أساسين :
ـ الثروات المادية و البيولوجية التي تعد من الأهمية بحيث يجب التعجيل بحماية بعض الأصناف النادرة و حسن تدبير الثروات الساحلية الأخرى كالشواطئ و المستنقعات و الحيوانات المرجانية (في البحرالأحمر على سبيل المثال).
ـ الأنشطة البشرية والاقتصادية المتركزة في المناطق الساحلية باعتبارها مواقع مفضلة أحياناً وضرورية أحياناً أخرى (الموانئ، الصيد البحري، الزراعة المائية، الصناعة التكريرية والبيتروكيماوية، المفاعلات الحرارية الحديثة، السياحة الساحلية والموانئ الترفيهية...)
  وتتحول المناطق الساحلية شيئاً فشيئاً لتصبح مجالاً مكتضاً بفعل حركة التمدين والصناعة و التجارة والصيد البحري و الأنشطة الترفيهية. و تسفر هذه الأنشطة المبالغ فيها في أغلب الأحيان إلى تردي الوضعية المادية للمناطق الساحلية، مما يبدد الآمال فيما يتعلق بتحسين طريقة تدبير المجال الساحلي  والبحري في المستقبل.
  و لقد أدى التكتل الكبير للمجموعات البشرية و الأنشطة الاقتصادية  في المناطق الساحلية إلى اختلال التوازن الذي تقوم عليه تهيئة الأراضي مما يتناقض مع مبدأ التنمية المستدامة. كما أن صرف النفايات الحضرية و الصناعية في السواحل، و التكتل المستمر في المناطق الساحلية و نضوب بعض الموارد البحرية وتعرية الشواطئ الرملية (وهي أساس التنمية السياحية) يحدو بنا إلى طرح إشكالية الوسط البحري، و تحديد الخيارات الأساسية التي تقودنا نحو سياسة تدبيرية فعالة لهذا الوسط الثمين.
  و لا يمكن للتدابير الحمائية و الإصلاحية  و التسييرية أن تتم إلا ضمن رؤية شمولية و متكاملة تحدد بوضوح المبادئ في إطار القانون و المساواة و التوعية البيئية و الأخلاقية.
  إن التصدي للعوامل المهددة للبيئة لا يجب أن يخضع للاعتبارات الاقتصادية وحدها، فالمقاربة الناجعة في هذا المجال تضع الإنسان ومحيطه في مركز الاهتمام، وتشرك المواطن في تدبير مجاله الحيوي وتعمل على توفير إطار للعيش ملائم للجميع. فالإطار الصحي المناسب يعد شرطاً أساساً لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة. كما أننا نذكر من جهة أخرى بأن العيش في إطار بيئة صحية هو أحد الحقوق الأساس من حقوق الإنسان.

الخلاصة
   كان الهدف من هذا التقرير تعريف مفهوم التنمية المستدامة بشكل يتلاءم مع واقع دول العالم الإسلامي السائرة في طريق النمو. و قد اتضح أن هذه الدول تعاني من الآثار السلبية لعدة مشاكل مرتبطة أساساً بالديمغرافية و بحركة التمدين وتهميش مساحات واسعة من الأراضي.
  وما من شك في أن التنمية المستدامة تعنى أولاً و قبل كل شيء بتطوير آليات الإنتاج و أساليب الإدارة و طرق تدبير الشأن العام و تغيير السلوك الاجتماعي. إلا أن مفهوم الاستدامة يعني كذلك أن الأهداف المذكورة لا بد أن تتلازم مع إبراز قيمة الموروث الثقافي والبيئي وتنميته.
  لقد أضحت التنمية المبنية على الانفتاح النموذج المناسب الوحيد الذي يمكن اعتماده نظراً لعدم ملاءمة النماذج الأخرى، بل وتعارضها مع الطبيعة الإنسانية. غير أن الانفتاح التجاري وحده من شأنه أن يؤدي إلى طريق مسدود إن لم يكن مدعوماً بالتعاون الدولي والإقليمي.
  وتعـتبر الخـصائـص المـحــلية لكــل منطـقة ثـروة يـجب الحفـاظ علـيـها، ومعـنى ذلك أن العولمة يجب ألا أن تفرض نماذج نمطية على العالم. فلا يمكن اختزال التنمية و الحداثة في نموذج واحد و فريد، فإذ كان البحث العلمي والابتكارالتقني ضروريان للتطور، فإن الابداع الفكري كفيل أيضاً بتحقيق التقدم. هذا هو السياق الذي يجب أن نبني فيه التنمية المستدامة على أسس ثقافتنا الإسلامية.
  وتعتبر الإرادة الجماعية والعزم القوي على ركوب قاطرة التنمية المستدامة مبدءا أساساً، بل مشروعاً مجتمعياً و ليس فقط خطاباً مستهلكاً، مما يستدعي اعتماد استراتيجية واضحة و تدابير دقيقة تتجاوز التوجهات الحالية. و من ذلك تطبيق التوصية الأساس لخطة العمل 21 (الأجندة 21) التي تدعو إلى منح المزيد من المسؤوليات على مستوى المناطق و الجماعات المحلية في الوقت الذي تلعب فيه الدولة دور المنسق. و في هذا الإطار، سيساهم الفاعلون المحليون بشكل أكثر فاعلية و ستقوم بين الدولة و المنتخبين و المواطنين علاقات جديدة  تسودها  ثقافة التنمية المستدامة من خلال البرامج و الأعمال.
   و يعد تدبير الوضعية البيئية المتردية من أولويات دول العالم الإسلامي التي تضع من بين أهدافها تغيير الوضعية الحالية التي قد تسفر عن كوارث بيئية و اقتصادية و صحية  تؤدي بشكل عام إلى تردي ظروف العيش، مما يستدعي بعد النظر و التفكير في تحسين ظروف عيش الأجيال الحالية و القادمة.
  و من اللازم القيام بدراسات و أبحاث من أجل تحديد الانعكاسات البيئية المحتملة التي قد تخلفها المشاريع التنموية.
إلا أن الأهم بالنسبة  لدول العالم الإسلامي يظل هو قيامها بإصلاحات اقتصادية وقانونية واجتماعية تحفز الجميع على التجند لتحقيق الأهداف المرجوة. و يتعين في هذا الإطار أن تستنير بقيم الثقافة الإسلامية و تعاليمها وأن تلتزم بها في نظم تكوين شبابنا وفي قيمنا التربوية بشكل عام وكذا في نظمنا الاقتصادية والتشريعي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا