التسميات

السبت، 27 فبراير 2016

التنظيم المكاني للمجتمع الليبي المعاصر : كلمة افتتاح ندوة التخطيط المستدام لإعمار ليبيا - أ. د . منصور البابور ...


الجمعية الليبية للتخطيط العمراني


كلمة افتتاح ندوة التخطيط المستدام لإعمار ليبيا

بنغازي: 18 أبريل 2012

التنظيم المكاني للمجتمع الليبي المعاصر

Spatial organization of the contemporary Libyan society

أ. د . منصور البابور

رئيس مجلس إدارة الجمعية الليبية للتخطيط العمراني

السيدات والسادة الكرام

   أرحب بكم باسم الجمعية الليبية للتخطيط العمراني ويسعدني أن أقف بينكم اليوم لتبادل الآراء حول قضايا هامة وعاجلة تتعلق بالتنظيم المكاني لمدننا وقرانا وبمستقبل التخطيط العمراني في بلادنا بوجه عام. يراودني أمل كبير أن يكون للتخصصات المختلفة للمشاركين في هذه الندوة وخبراتهم القيِّمة أثر كبير في إثراء النقاش حول مستقبل المشهد الحضري في ليبيا.

  ولعله من المناسب في هذا المقام أن أبدأ بلمحة سريعة عن مشكلة النمو الحضري السريع الخارج عن السيطرة وغير المقنن في ليبيا والتنبيه إلى عواقبه السالبة على المراكز الحضرية ذاتها وعلى البيئة الطبيعية على حد سواء.

  تتضح صورة هذا المشهد التنموي الحضري ذو الطبيعة غير المتوازنة بوجه عام فيما يلي:

• توزيع غير مقنن وغير متكافئ للسكان 

• نقص حاد في توفير الإسكان داخل المخططات بتكلفة تناسب المواطنين ذوي الدخل المحدود.

• عجز واضح في توفير المرافق العامة والوحدات الخدمية المختلفة.

• اختناقات مرورية في المدن لا مبرر لها.

• البناء المبعثر للمساكن في مناطق تخوم المدن 

• مشاكل ايكولوجية لا حَصر لها 

حدود النمو الحضري في ليبيا

   عندما نتبادل مثل هذه الآراء، تبرز للوهلة الأولى صورة التركّز السكاني الواضح في مجتمعاتنا الحضرية. فبلادنا تُصنّف اليوم في عِداد الدول الأكثر تحضراً في العالم حيث يعيش ما يزيد على 85% من سكانها في مراكز حضرية تتفاوت بدرجة كبيرة في أحجامها وأشكالها ووظائفها .

  وقد حبانا الله بوفرة من الإرث الحضاري وتنوع في الإرث الطبيعي (آثار ما قبل التاريخ، ومدن حضارات حوض البحر المتوسط القديمة، وبقايا من نموذج المدينة الإسلامية التقليدية وبعض العمارة العثمانية والأوربية الحديثة، وتنوع هائل في عناصر البيئة الطبيعية) وجميعها متاحة لمواطينينا ومواطني الأمم الأخرى لزيارتها والاستمتاع بها واكتساب العلم والمعرفة عن طريقها.

  ولكن عندما يتمعن المرء في أثر الطفرة الهائلة للتحضر على بلادنا، تبرز مخاطر شديدة تتعلق بمستقبل النمو الحضري المتزايد بوتيرة سريعة جداً على اللاندسكيب الحضرية في مدننا وبلداتنا وقرانا، وكذلك عواقب هذا النمو على المناطق الريفية التي تفصل فيما بينها بما في ذلك عناصر اللاندسكيب الطبيعية – تلك الواقعة في المرتفعات والسهول الساحلية على وجه الخصوص (يشمل ذلك أيضاً إدارة المياه والضغوطات الشديدة على مستودعات المياه الجوفية الشمالية والجنوبية وخاصة أن النمو الحضري في ليبيا أصبح يعتمد بدرجة كبيرة على مياه منقولة من مصادرها الجوفية التي تبعد مئات الأميال عن أماكن استهلاكها).

   ولكنني سوف أقتصر فقط على مشكلة التمدُّد الحضري والتعارض في استخدام الأرض

   تحدث ظاهرة التمدُّد الحضري مصاحبة لنمو المدن والبلدات الليبية في شرق البلاد وغربها مُنذ عقود طويلة. فبينما تضاعفت أحجام المناطق المبنية في المدن الليبية مُنذ ستينيات القرن الماضي بمعدلات كبيرة جداً نجد أن سكانها زادوا بدرجة أقل نسبياً.

   يتزامن مع النمو الحضري المتزايد تغيّرات سريعة متعارضة في استخدام الأرض نرى آثارها في إعادة تشكيل اللاندسكيب الحضرية والريفية (أي في المدن ومناطق تخومها) وذلك بصورة لم يسبق لها مثيل. فقد صِرنا نشاهد أوجه كثيرة لتعارضٍ مثير للقلق في استخدامات الأرض داخل المدن وفي مناطق تخومها، حيث تتأثر اللاندسكيب سلباً بظاهرة اكتساح المناطق الحضرية لما جاورها من أراض زراعية وموارد طبيعية.

  فمُنذ بداية عقد تسعينيات القرن الماضي، ﺘﻤﻴﺯ التنظيم المكاني في ليبيا ﺒﺘﻀﺎﻋﻑ ظاهرة البناء المتناثر في شكل مساكن وإنشاءات حضرية أخرى معزولة تُقام في مناطق تخوم المراكز الحضرية، حيث يشجع تدني قيمة الأراضي بعيداً عن حدود المخططات العمرانية المواطنين على بناء مساكنهم، راضين بتحمل مسافة أطول للوصول إلى مقار أعمالهم ومدارس أطفالهم … الخ بالمدينة.

  يخلق هذا النوع من البناء غير المتصل للمساكن والإنشاءات العمرانية مشاكل عديدة وتكلفة مرتفعة من أجل التهيئة العمرانية الضرورية لمثل هذه المناطق المستحدثة، ويشمل ذلك متطلبات تمديد شبكات البنية التحتية، المياه والكهرباء والطرق على وجه الخصوص، وكذلك توفير الخدمات التعليمية والصحية وغيرها.
ولكن الأهم في تصوري هو استهلاك مُفرط وغير مبرّر لمساحات كبيرة من الفضاء الجغرافي وإحداث تغييرات سلبية في منطقة الحد الفاصل بين الحضر والريف في صورة تعدي جائر على التربة الصالحة للزراعة والغطاء النباتي الطبيعي والأراضي الرطبة (البحيرات والمسطحات السبخية ) والكثبان الرملية الشاطئية والمناطق الأثرية ومواقع المحميات الطبيعية القائمة وتلك المرشّحة للحماية.

التغّير في أنماط الاستهلاك في المجتمع الليبي

  دوافع التمدُّد العمراني في المناطق المحيطة بالمدن والبلدات الصغيرة، لا يمكن تعليلها فقط بتزايد عدد السكان، بل يمكن تفسيرها أيضاً بالتغيّر في أساليب المعيشة وأنماط الاستهلاك في المجتمع الليبي.

  فقد وفّر شيوع استخدام السيارات الخاصة وشق الطرق الممهدة والترابية وسط المناطق الزراعية والطبيعية سهولة النقل والاتصال بين المراكز الحضرية وجِوارها الريفي.
كما أدت التغيرات في حجم الأسرة الليبية ونمط استهلاكها (أصبحت أصغر حجماً ومعدّل استهلاك أفرادها أعلى) إلى زيادة الطلب على الأراضي لإنشاء أنواع متعددة من المساكن المنعزلة من نوع الفيلا.
 
  يحدث ذلك في ظل سياسات تخطيطية أحادية الاتجاه، غير مندمجة مع البيئة وتعوزها الرؤية الايكولوجية الخلاّقة، تنزع إلى الترويج للإستثمار الاقتصادي ذو العائد السريع غير آبهه بحماية الإرثين الحضاري والطبيعي، أو ربما غائبة تماماً عن ما يجري من تعدٍ سافر على مقدّراتهما.

  يتميّز البناء المتناثر في الغالب بإنشاءات سكنية متباعدة عن بعضها تشيّد على قطع أراضي منفردة كبيرة الحجم نسبياً تتحول مع مرور الوقت إلى زحف عمراني متصل ذو كثافة منخفضة، ويضطر ساكنيها إلى استخدام السيارة الخاصة للوصول إلى المراكز الخدمية بالمدينة للحصول على احتياجاتهم اليومية.

  نمو المدن الليبية تحول إلى نمو متناثر، بحيث ربما فاقت المساحات المبنية التي أضيفت بصورة عشوائية وغير قانونية خلال العقد المُنصرم المساحات المعتمدة في المخططات الحضرية في كثير من الحالات.

   تحول نمط المدينة الاسلامية المتراص التقليدي إلى مساكن منفصلة وزاد معدل استهلاك الفرد من الفضاء الحضري بشكل كبير… أصبح توفير كثافة سكنية منخفضة في ضواحي المدن هدفاً رئيساً يميز جل المخططات المعمولة حتى الآن!

  تتحول اللاندسكيب الريفية والطبيعية بشكل سريع جدا إلى لاندسكيب حضرية، ويستمر انتهاك التمدّد العمراني للمناطق الغابية والغطاء النباتي الطبيعي بمنطقة الجبل الأخضر، على سبيل المثال، نتيجة استبدال الوظائف ذات الطابع الحضري بالوظائف الزراعية والريفية السابقة.

  التغيّر الطارئ، غير المدروس في استخدام الأرض مهما صغر حجمه، يشكل بداية تغير أكبر وتعارض مُعيب بين أشكال الاستخدام المختلفة قد يصعب تفاديه وعلاجه.

الاستخدام غير المستدام للأرض

  غني عن البيان التذكير بأن استمرار التوسع الحضري المبني على استخدام الأرض الحالي وبناء الأنماط السكنية ذات الكثافة المنخفضة ينبئ عن سلوك مكاني تعوزه مبادئ الإستدامة في أبسط صورها!

• فالضرر الذي تحدثه مثل هذه التغييرات على مناطق تخوم المدن والبيئة الريفية واللاندسكيب الطبيعية بشكل عام سيكون مكلفاً وكبيراً .

• يلزمنا تغيير أنماط التصميم الحضري التقليدية بحيث يحصل دمج أكبر لاستخدامات الأرض المختلفة، واللجوء إلى التصميم المعتمد على كثافات استخدام مرتفعة نسبياً حرصاً على مواردنا المحدودة، تلك الواقعة في سهولنا ومرتفعاتنا الشمالية على وجه الخصوص.

• ولعل من بين الخيارات الواعدة في هذا السبيل، التفكير في استغلال أمثل للأراضي الحضرية القائمة وإعادة الاستثمار داخل حدود المراكز الحضرية الحالية وإعادة تأهيلها وتطويرها لاستيعاب الزيادة السكانية وما يتبعها من احتياجات تجارية وخدمية وإدارية وغيرها.

  إذن، يتجاوز حجم ومخاطر مشكلة التحضر حدود المدن ويطغى على مناطق التخوم الفاصلة بينها وبين الريف، وهي المناطق التي توفر الموارد المختلفة التي يجري استهلاكها في المدن.

  قد يسعفنا استخدام بيانات التغير في مساحات المناطق المشيدة في المدن والبلدات الليبية، وهي متوفرة من خلال الصور الفضائية التاريخية لبعض المناطق، كمؤشر على عواقب التحضر:

  فقد تضاعفت مساحة المنطقة المبنية في مدينة طرابلس، على سبيل المثال، خلال فترة ربع قرن من 11,600 هكتار سنة 1976 إلى 22,500 هكتار سنة 2001.

   وتقلّصت تبعاً لذلك المساحات المشجّرة في محيط المدينة (ويشمل ذلك الأشجار المثمرة وغير المثمرة) بشكل لا يصدق خلال هذه الفترة (1976-2001). ضاعت مساحة ليست بالصغيرة (حوالى 6 آلاف هكتار) خلال عقدي السبعينات والثمانينات.

   ولكن الكارثة التي حلّت بالغطاء النباتي الشجري في محيط مدينة طرابلس حصلت خلال عقد التسعينات من القرن الماضي حيث ضاعت شجرتين من بين كل ثلاثة أشجار متبقية في بداية ذلك العقد، حيث تقلّصت المساحة الشجرية من قرابة 20,000 هكتار سنة 1989 إلى حوالى 6,000 هكتار سنة 2001. وهذا يعني في المتوسط ضياع ما يزيد على ألف هكتار من الأشجار سنوياً! وإذا ما أخذنا فترة الربع الأخير من القرن العشرين بأكملها، فإن ثلاثة أرباع الأشجار التي كانت تشكل أحد أهم عناصر اللاندسكيب في محيط مدينة طرابلس قد تلاشى
بالكامل. أنظر
FAO, United Nations, Global Land Cover Network (GLCN).

   إذن، يتجاوز حجم ومخاطر مشكلة التحضر حدود المدينة ويطغى على مناطق الحدود الفاصلة بين الحضر والريف، وهي المناطق التي توفر الموارد المختلفة التي يجري استهلاكها في المدن.

   وتحولت تبعاً لذلك مناطق الحد الفاصل بين الحضر والريف إلى مناطق غير حضرية بالكامل ولا ريفية بالكامل، بل تمثل خليط من استخدامات الأرض المتعارضة تفتقر في مجملها إلى كثير من الخدمات الحضرية الأساسية، كما تفتقر إلى الطابع الريفي الأصلي على حد سواء.

  وللأسف، صارت مناطق تخوم المراكز الحضرية تمثّل أيضاً الفضاء الجغرافي الذي تلفظ فيه المدن مخلفاتها الصلبة والسائلة وما يعنيه ذلك من مخاطر لا حصر لها تهدد البيئة والإنسان! وهذا جانب آخر ناتج عن الاهمال لدواعي التخطيط المندمج مع البيئة والنظرة الايكولوجية طويلة الأمد.

  يمكنني الحِجاج إذن، بأن إرجاع النمو السريع غير المقيّد وغير المستدام للمراكز الحضرية يعود بالدرجة الأولى إلى عِدَّة عوامل رئيسية من بينها:

- محدودية المخططات الحضرية، ويشمل ذلك ممارسات التخطيط العمراني المتبعة في السابق والتشريعات المنظمة للنمو الحضري وآليات استيعاب زيادة السكان وتوفير متطلبات البنية التحتية وتوزيع الخدمات.

- غياب نَهْج يُدمج التخطيط العمراني والبيئي الذي يميّز جُل المخططات المعاصرة في كثير من دول العالم التي وضعت سياسات رادعة تنحو للإستدامة وتهدف إلى الحد من ظاهرة البناء في مناطق تخوم المدن (البناء خارج المخططات)، من ذلك تحميل من قاموا بالبناء (مستثمرون ومقاولون وملاك أراضي) مسؤولية البناء غير المرخص وعواقبه الاقتصادية والبيئية.

- ضعف الإدارة المحلية وغياب مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في متابعة مجريات التخطيط في أماكنها المحلية وإبداء الرأي في المخططات المعمولة لها.

- القصور الشديد في تطبيق تشريعات التخطيط العمراني للحد من التعدي على المناطق الفاصلة بين الحضر والريف ومن ثمّ وقف زحف المدن على جِوارها الريفي والطبيعي.

- ارتفاع مخاطر التوسع الحضري غير المقنن وتكلفته لا يقابله اهتمام مماثل من صنّاع القرار والأكادميين الذين يجب أن يوكل لهم واجب مساندة المسؤولين المحليين في تحقيق أهداف تخطيطية طويلة الأجل و اعدادهم بشكل علمي فعّال لمواجهة التأثيرات العديدة السالبة للتوسع العمراني.

   إذن، يلزمنا توجيه الاهتمام إلى صياغة نموذج تخطيطي جديد تطرح من خلاله استراتيجية إقليمية مبتكرة تمكّن كل إقليم من استغلال موارده الطبيعية وخصوصياته البشرية إلى حدودها القصوى، وذلك بشكل مستدام ضمن سياسة مكانية وطنية استشرافية متكاملة.

وفي هذا الصدد:

- يجب أن تكون لدينا خطة (استراتيجية) مدروسة تخصص بمقتضاها الأراضي المطلوبة لتلبية احتياجات التنمية المكانية للأغراض السكنية والتجارية والخدمية وغيرها.

- كما يجب أن يصاحب تخصيص الأراضي للأغراض السكنية اهتمام بتوفير المرافق الخدمية اللازمة مثل المدارس والمراكز الصحية، وكذلك توفير مرافق البنية التحتية (الطرق وشبكات مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي وغيرها من الإنشاءات الأساسية (إضاءة الشوارع، مواقف المركبات الآلية، الحمامات العامة ….الخ).

-  إن نمو السكان ونزوعهم إلى الهجرة من منطقة إلى أخرى، ومشكلة توفير أراضي البناء واستخدامها بما لا يتعارض مع البيئة الطبيعية، واستهلاك المياه، وافراط استخدام السيارة الخاصة، وغياب نظام عصري للنقل العام داخل المراكز الحضرية وفيما بينها، وتوفير المساكن للمواطنين بتكلفة معقولة … جميعها تشكل قضايا ملحة تواجه التنظيم المكاني لمجتمعاتنا الحضرية والريفية على حد سواء وربما يتوقف على كيفية مواجهتها مستقبل هذا النمو بالكامل.

- لزوم مشاركة مؤسسات المجتمع المدني والحكم المحلي في التخطيط المستقبلي للتنمية الإقليمية والنمو الحضري في مجتمعاتها وذلك بما يتوافق مع الاستراتيجيات الوطنية المكانية والتقافة البيئية المنشودة.

- كما يجب أن تكون المخططات الوطنية والإقليمية واضحة المعالم وقابلة للتفعيل وفق المعطيات التالية:

- ربطها بصورة واضحة بالتنمية الاقتصادية المنشودة.

- العمل على توفير المساكن بما يتناسب مع الزيادة المتوقعة في عدد السكان وبأسعار تتناسب مع متوسط دخل الأسرة الليبية؛
إدراج النمو المتوقع في السكان والعمالة في كافة الاستراتيجيات التنموية (الاقتصادية والمكانية).

- توضيح الأهداف (الاحتياجات) المستقبلية للطاقة والمياه .

- يجب أن تتضمن المخططات المكانية المعدّة للأقاليم الحضرية تفاصيل واضحة للمناطق المستهدفة بالتنمية الإسكانية والتجارية والخدمية والصناعية بما يتوافق مع شبكات الطرق وخطوط المواصلات الحالية والمستهدفة بالتطوير مستقبلا (البنية الأساسية المادية والاجتماعية اللازمة لدعم استراتيجيات التخطيط) .

- وكذلك تبين بوضوح المناطق المستهدفة بالحماية من بين عناصر الإرثين الطبيعي والثقافي .

- وأخيراً، يجب أن لا يُعيق نظامنا التخطيطي الروتين الإداري والانتظار الطويل وخاصة إذا ما تعلق الأمر بإحداث تغييرات طفيفة في مخططاتنا الجاري العمل بها.

  نعلم جيداً من خلال بحوثنا وبحوث غيرنا من المهتمين بالموازنة بين مواردنا البشرية والطبيعية أن هناك ضغوطاً على بيآتنا الحساسة جداً تأتي في صدارتها ضغوط شديدة على موارد المياه والتربة الصالحة للزراعة والغطاء النباتي الطبيعي وجميعها كما تعلمون موارد محدودة جداً.

   يجب أن نفكر بشكل جاد في كيفية تلبية احتياجات النمو المكاني المفرط من مصادر آمنة من المياه. وهنا، وجب التذكير بأن اقتصادنا يعتمد بشكل شبه كامل على مورد أحفوري، أي النفط وهو مورد ناضب، فهل يجب أن يعتمد نمونا المكاني أيضاً على مورد أحفوري آخر متمثلاً في المياه المستجلبة من خزانات المياه الجوفية في صحراءنا الشاسعة؟ أترك هذا السؤال الأخير مفتوحاً دائماً للنقاش!

   لدينا بعض الخيارات التي قد توجِّهنا في مكافحة التعارض في استخدامات الأرض والمحافظة على مواقع الإرث الطبيعي:

- القيام بحصر الأراضي الزراعية والرعوية ذات الملكية الخاصة والواقعة في مناطق تخوم المراكز الحضرية للحفاظ على طابعها الأصلي ومنع التصرف فيها وبيعها لأغراض البناء والتوسع العمراني؛ وينطبق ذلك أيضاً على الفضاءات ذات الطبيعة البيئية الحسّاسة القريبة من المدن والمهددة بالتلوث ومخاطر التوسع العمراني الأخرى.

- وضع حدود صارمة طويلة الأجل للمناطق الحضرية بحيث يمنع منعاً باتاً تجاوزها بأي شكل من الأشكال لأغراض البناء والتطوير العمراني.

- إعادة الاستثمار داخل حدود المراكز الحضرية القائمة وإعادة تأهيلها وتطويرها لاستيعاب الزيادة السكانية وما يتبعها من احتياجات تجارية وخدمية وإدارية وغيرها. وهذا يتطلب التفكير في استغلال الأراضي الحضرية القائمة (تلك الواقعة ضمن بيئة حسّاسة جداً مثل مدن وبلدات الجبل الأخضر، على وجه الخصوص)

   في ختام هذه العرض السريع عن ضرورة التفكير في مستقبل التنظيم المكاني لمجتمعاتنا الحضرية والريفية، أود أن أشير إلى النقاط التالية:

- التكنولوجيا الحديثة (صور فضائية ونظم معلومات جغرافية …) متاحة للمخططين الحضريين وغيرهم من الباحثين للقيام بالدراسات التحليلية التي لا تغفل التفاصيل الدقيقة عن الأراضي الحضرية وتلك الواقعة في تخوم المدن والبلدات الليبية، ويشمل ذلك امكانية التعرف على اتجاهات استخدامات الأرض ورصد التغير المستمر في حالة الغطاء النباتي الطبيعي والأراضي الزراعية والرعوية.

- تفسح التقنية الحديثة المجال لإجراء تقييم شامل لعناصر البيئة المختلفة (البشرية والطبيعية) والوصول إلى وضع سياسات تخطيطية مستدامة وهادفة.

   آمل أن تُسهم هذه الرؤى الاستشرافية التي تنادي بها الجمعية الليبية للتخطيط العمراني في توضيح القليل من القضايا العاجلة والصعوبات المزمنة التي تواجه التنظيم المكاني في بلادنا.

أشكركم على حسن استماعكم وأتمنى لكم التوفيق في مسعاكم.

منصور البابور

بنغازي: 18 أبريل 2012

مداخلة عادل سلطان

بعث لنا المخطط الحضري الأستاذ عادل سلطان (عضو هيئة التدريس بقسم التخطيط الحضري بكلية الهندسة – جامعة بنغازي، والقائم حالياً بالتحضير لدرجة الدكتوراه بالمملكة المتحدة) بمداخلة قصيرة على هيئة تعريف بمصطلح (Urbicide) الذي أصبح مستخدماً ضمن أدبيات التخطيط العمراني في الآونة الأخيرة، وذلك بهدف اثارة موضوع الفضاء الحضري العام ودوره في الحراك الاجتماعي وكيف أصبح مستهدفاً من الانظمة التي تخشى المعارضة السياسية.

الاخ د.منصور

اتمني لكم النجاح بهذه الندوة وبمشروع جمعية المخططين الليبية تحياتي الي كل الزملاء والمشاركين في الندوة واود من خلال التعريف المرفق ادناه اثارة موضوع الفضاء الحضري ودوره في الحراك الاجتماعي وكيف اصبح مستهدفا من الانظمة التي تخشى المعارضة السياسية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عادل

————

الصراع علي الساحات العامة

  إن تدمير البنية الحضرية خصوصا الساحات العامة هو اعتداء فعلي علي القيم الحضرية والهوية.

  المصطلح (Urbicide) الذي استُحدث بعد الحرب البوسنية خلال التسعينات من القرن الماضي للتعبير عن أحد اشكال العنف والمتمثلة في التدمير المتعمد والموسع للمباني والبيئة الحضرية, نعتقد إنه يصف نزعة متجذرة ليس فقط لدى النظم المتطرفة عرقيا مثل الصهيونية والسربية ولكن أيضا لدي أنظمة استبدادية كما كانت ليبيا اللجان الثورية وسوريا البعثية. في هذا السياق تُستهدف المباني المكونة للفضاء العام بالتدمير لأنها أماكن للتجمعات البشرية المعارضة للإرادة السياسية المسيطرة. أحيانا قد ينظر , وبشكل غير دقيق, إلى هذا الطابع من التدمير الموسع على أنه من دواعي العمل العسكري أو تُختصر باعتبارها تعدي على مباني مهمة وتاريخية أو نزعة عرقية متطرفة. في الواقع تؤكد الأحداث أنه كثيرا ما كان تدمير البنية الحضرية غير مهم عسكريا ونظرية إزالة المباني التاريخية والمميزة وإستهداف الأشخاص لا يمكن أن تبرر التدمير الواسع والمنظم. إنها عملية تدمير غير مبررة للمباني التي تشكل الظروف المناسبة وتسمح بإمكانية التفاعل مع المكان. إنها عملية الاعتداء على المباني الحاضنة للفضاء العام المشترك حيث امكانية التفاعل الاجتماعي - السياسي. عموما الأشياء القائمة تخلق التكوين الفراغي الذي يشكل الاطار للنشاطات اليومية العامة. انها الكتل التي تخلق المكان المعرﱠف بشبكة علاقات ذات أبعاد ومحاور واتجاهات محدده. كذلك هذه المباني هي تكوينات عامة في الأساس ومتاحة لكل الناس كنقاط بالشبكة الحضرية وتخلق مناطق مشتركة للتجمعات العامة.

  من خلال تعريف العلاقة الخاصة ما بين “الحرب والبيئة الحضرية والتفاعل الاجتماعي”, يمكن القول أن التدمير الذي هو من خواص هذه العلاقة لا يمكن إلا أن يُعرف علي إنه نوع خاص من العنف ضد المدينة والذي أشير إليه بالمصطلح “URBICIDE”.

See: Urbicide- the politics of Urban Destruction, Martin Coward, 2009.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا