التسميات

الأربعاء، 23 مارس 2016

جغرافيا حقوق الإنسان بالمغرب من خلال تقطيع الجهوية المتقدمة المقترح ...


جغرافيا حقوق الإنسان بالمغرب من خلال تقطيع الجهوية 

المتقدمة المقترح

العيون بريس - 12 أكتوبر 2011 - لحسن ايت الفقيه :

  لما كان جائزا توزيع حقوق الإنسان مجالاتها، أصنافها، أجيالها، مستوى إعمالها توزيعاً في المجال الجغرافي قياسا على الجغرافيا الثقافية، فإنه من الجائز أيضا النظر في ما إذا كان التقطيع الإداري الجهوي المقترح يتناسب والجغرافيا الحقوقية. ويمكن ابتغاء القياس فقط اعتماد البرهان بالخلف بالانطلاق من افتراض مفاده أن التقطيع الإداري المقترح لما بات يسمى في المغرب بالجهوية المتقدمة متناسب والخصوصيات الحقوقية للجهات، وإن إدارة الشأن الحقوقي، أو بالأحرى الإشراف على تتبعه قد يستقيم في تناسبه والتقطيع الإداري الجهوي المنتظر. 


   فمن ذلك أن التقطيع الإداري الجهوي المتقدم انطلق من مسلمات يفهم منها، لأنها غير معبر عنها بالحرف، أن للمجال سلطته، وبالإمكان صنع الحدث التنموي و( الرفع من نجاعة الفعل العمومي)، إن أحسن التحكم في المجال أو، على الأقل، إن تم (أخذ البعد الترابي بعين الاعتبار في السياسات العمومية، وفي تدخلات الدولة والجماعات الترابية) كما هو مضمن في التقرير حول الجهوية المتقدمة الذي ظهر على الأنترنيت، مساء يوم الخميس 10 مارس 2011. وإنه من الممكن، بموازاة ذلك، (إرساءعلاقات جديدة بين الدولة والجماعات الترابية، مبنية على الشراكة وعلى الإشراف والمراقبة المرنة عوض الوصاية).

   وكيفما كانت الانتقادات التي رافقت التقرير بعد تمييز متنه، والنظر فيه، من لدن المطلعين على الخبر من مصدره، فكلنا يجمع أن التقرير حول الجهوية الموسعة أحدث، إن أُحسن في تنفيذه وتنزيله، انقلابا في الجغرافية الإدارية المغربية، وأسس لمجالية علمية مغربية، مجالية تأخذ، ولأول مرة، بعين الاعتبار الإنسان في علاقته بالأرض، وما راكمته هذه العلاقة من ثقافة مجالية. وحسبنا أن العلاقة بين الإنسان والمجال، وبينه وبين الحدث التاريخي، هي التي تسبب طغيان مجال حقوقي على آخر، فأصبح ممكنا منذ الوهلة الأولى، ودون استنطاق ما يحويه التقرير المذكور من تعليل، تلوين مجالات حقوقية في الخريطة الإدارية الجهوية المقترحة:

- مجال الذاكرة المادية بحوض درعة والحي المحمدي، وجزء من الأطلس الكبير الشرقي (كرامة/ تزممارت).

- مجال الذاكرة الرمزية وينحصر في منطقة الريف، والأطلس المتوسط الهضبي (خنيفرة)، والأطلس الكبير الشرقي (إميلشيل)، والأطلس الكبير الأوسط (أزيلال)، وواحات غريس (كلميمة، أملاكو، تودغة)، وفيجيج.

- مجال الحقوق البيئية بمنطقة سوس وجبال الريف والأطلس والمحمدية، وواحات جنوب جبال الأطلس، وسهل تادلة.

- مجال الحقوق الثقافية بجبال الأطلس والريف والصحراء.

   إن هذه المجالات، وإن كانت تشكل وحدات سوسيومجالية متجانسة، فإن التقطيع الإداري المنتظر لم يستوعبها ولن يستوعبها. ذلك أن هناك في التقرير ما يجب ذكره لسقوطه عن غفل أو تغافل، وضمنه ما يفيد التركيز عليه من المواقف وتثمينه، ولو لعدم تجانسه وتوزيع الشأن الحقوقي على المجال، أوما يستوجب النقد والتصحيح، إن أمكن ذلك. وفوق ذلك، فمتن التقرير في حاجة إلى تفسير، أو بالأحرى، إلى حواش متعددة، تكون بمثابة قراءات فيه – التقرير- تمكن من إنشاء تمثل واحد، لا يختلف عنه اثنان، حول الجهوية المتقدمة وعلاقتها بحقوق الإنسان.

   ومن جانب آخر فإن الانطلاق من التقرير الجهوي لمعالجة الخريطة الحقوقية يتناسب والبرهان بالخلف الذي أشير إليه. وسنقتصر في هذه المساهمة على بعض الجوانب التي تسترعي الانتباه، من المنظور الوظيفي والانسجام الثقافي الحقوقي، مركزين في الاستشهاد على بعض المناطق ذات تراكم في التجربة الحقوقية وضمنها  وضمنها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في تاريخ المغرب الراهن، ونخص في ذلك الأطلس الكبير الشرقي وأعالي ملوية التي ضمنت في التقرير المذكور كنقط تستدعي المزيد من الحفر، لوقوعها في الخط الفاصل بين المجال الشمالي والجنوبي وهو الخط الممتد من سيدي إفني إلى تازة.

1- حوض الحياة الاجتماعية معيار للتقطيع الجهوي

  استعمل مصطلح حوض الحياة الاجتماعية قياساً على الحوض الهيدرولوجي في انسجامه ونسقيته. والحوض مصطلح هيدرولوجي، يفيد مجموعة من الجداول التي تغذي مصبا مشتركا، وتكون مجرى رئيسيا يسمى في الجغرافيا قناة الجريان. 

  ينقسم الحوض إلى أحواض فرعية. وهو مجال متجانس، أو يحمل نطاقات متجانسة من حيث التربة والسكان والنباتات، ومتدرج تجانسه طوبوغرافيا، من القمة إلى القعر، من الجبل إلى السهل. فالحوض يمتاز بالنسقية والتجانس الوظيفي والثقافي وضمنه. ولأن السكان مكون رئيسي من مكونات تجانس الحوض الهيدرولوجي، ولأن للحوض نظاما وظيفيا يفرضه على الإنسان ويخضع له هذا الأخير ويدمجه في وظيفته، ولأنه مصدر لمعظم الموارد الضرورية للحياة، الماء، والتربة، والنبات، فإنه وحدة سوسيومجالية متجانسة، أساسية في التقطيع الإداري الإقليمي أو الجهوي، وقد اعتمدته الحماية الفرنسية في تحديد القيادات التقليدية والمشيخات، مستعينة إلى جانب الماء، (مقسمات الماء بين الأحواض النهرية)، بالنطاقات البيومناخية، ومعالم السطح الطوبوغرافيا.

   ويعنينا أن الحوض مصطلح مجالي يمكن أن يحتضن ظاهرة جغرافية موزعة في المجال، ويصح تمثيلها كارتوغرافيا. ولقد انتقل مصطلح الحوض إلى حقل التربية، فأضحى رجال التربية يستعملون الحوض المدرسي اسما ليعينوا به مجموعة من المدارس الابتدائية التي تشكل روافد لثانوية إعدادية ما وهي بمثابة قناة رئيسية تصب في ثانوية تأهيلية (المصب). فالجهة حوض - أحواض -  للحياة الاجتماعية بامتياز، قياسا على وظيفة الحوض الهيدرولوجي تجانسه وانسجامه، لذا يمكن نعت حوض الحياة الاجتماعية بالوحدات السوسيومجالية المتجانسة التي (ترمي إقامةأحواض من الحياة الاجتماعية، ومن العمل الديمقراطي، المفضي إلى تدبيرفعال لسياسات التنمية المندمجة ونشر العمل باللامركزية الفعلية المقرونة بلا  تمركز مناسب.) (الفقرة 31- 2 من الكتاب الأول). فما هي أحواض الحياة الاجتماعية التي اتخذها التقرير حول الجهوية المتقدمة أساسا للتقطيع؟ وما علاقة هذه الأحواض بمجالات حقوق الإنسان؟

  حمل التقرير المذكور إحداث جهات مركبة من أحواض سليمة من حيث التجانس والنسقية، وأحواض ناقصة، لأسباب مضمنة في التقرير وأخرى غير مضمنة لارتباطها بخصوصيات إثنوغرافية تندرج ضمن التعدد الثقافي، وقد ينجر عنها في الغالب الميز الجغرافي لبعض المناطق.

2- أحواض الحياة الاجتماعية السليمة والناقصة
 
   من بين أحواض الحياة الاجتماعية السليمة الموظفة في تركيب جهات اقترحت لتندرج في خريطة الجهوية الموسعة المراد تشريعها بالتصويت عليها في المستقبل القريب، نجد تافيلالت، درعة، منطقة الدير، حوض إيناون وأعالي سبو، سوس، أم الربيع، تانسيفت، ملوية، وهي أحواض طبيعية هيدرولوجية ذات تجانس وظيفي مؤثر على الحياة الاجتماعية لسكان الحوض. 

  وهناك إلى جانب الأحواض الهيدرولوجية، المذكورة على سبيل المثال، وحدات مجالية ذات تجانس طوبوغرافي، السهول الساحلية والهضاب الداخلية، ووحدات تقوم على العناصر الوظيفية الأخرى (والأنماط المعيشية (الرعي) وأنواع الاقتصاديات التي طالما ميزت التاريخ الاجتماعي والسياسي للمغرب وساكنته) كالزراعة المسقية على طول الأنهار الصحراوية، أو العيون كما هو حال واحة فيجيج. ومن بين الأحواض المهملة، أو لم يحسم في توظيفها في التقطيع، زيز الأعلى، حوض كير، أسيف ملول الذي لم يستقر سكانه على قرار. إنها أحواض متجانسة من حيث البيئة الطبيعية ونمط العيش(وظروف العمران البشري والتراث الثقافي واللغوي وملابسات التاريخ) بالتعبير المضمن في التقرير المذكور. وباختصار كل حوض هيدرولوجي (نهري) يحوي، في الغالب، أحواضا من الحياة الاجتماعية المتجانسة بأعلى الحوض وبوسطه وبأسفله، كما هو حال ملوية، وسبو، وأم الربيع، وتانسيفت، تشكل وحدة أساسية لإنشاء التقطيع الإداري الجهوي، ويمكن توظيف الوحدات السوسيومجالية القائم تجانسها على الطوبوغرافيا، أو نمط آخر من أنماط الحياة للغاية ذاته. لكن تركيب هذه الأحواض الصغرى والوحدات المجالية المتجانسة وتوظيفها من أجل تقطيع جهوي سليم، لم يتم بنجاح، لا لشيء سوى أن التقطيع الجهوي استند (على الشبكة الإدارية الإقليمية الحالية من منطلق البناء على التراكم القائم، وللاستفادة من تقاليد عريقة من اللامركزية الإدارية في المملكة. لذلك اعتمد التقطيع على الجمع بين كتل إقليمية متماسكة، عملا بمقتضيات ثلاثة، الاستمرارية، والتجاوز، والإبقاء على الكيانات الإدارية الإقليمية على ما هي عليه)،(الفقرة 32-2 من الكتاب الأول).

     ولأنه لم تتم مراجعة التقطيع الإداري الإقليمي الحالي ليشتمل على وحدات متجانسة سليمة، قبل الإقدام على إعداد خريطة للتقطيع الإداري الجهوي، فإن عمل اللجنة المكلفة بالتقطيع الإداري الجهوي ولد ناقصا لما صادفت اللجنة استثناءات، من ذلك مثلا، الاستثناء الذي أنشأه التحاق أعالي زيز (منطقة الريش) وأعالي واد كير (منطقة كرامة) بإقليم ميدلت. ذلك أن إقليم سجلماسة (تافيلالت) بما هو حوض الحياة الاجتماعية المتجانس غير تام لما اقتطعت أجزاء منه وألحقت بإقليم ميدلت، في التقطيع الإداري الأخير، كما ألحق رافد من روافد حوض كير وهو واد أيت عيسى (واد حيبر أو واد مسري سابقا) بإقليم فيجيج، منذ إحداثه.

   ولقد أدرك في التقرير النشاز الذي فرضته منطقتي الريش وكرامة، لتعذر التحاقهما بجهة بني ملال خنيفرة، من جميع الجوانب.إن النشاز الذي شكلته منطقتا الريش وكرامة سيؤثر سلبا على الخريطة الحقوقية، علما أن المنطقتين كانتا تحتضنان معتقلي تزممارت وكرامة. ولا شك أن إلحاقهما بجهة تافيلالت درعة يعني إحداث جهة متجانسة تستغرق مجال الذاكرة المادية الحقوقي المذكور. وكان أولى بواضعي التقرير لو رجعوا إلى تجربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وقبلها تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال التنظير لجبر الأضرار الجماعية، للاستئناس بخريطة جبر الضرر الجماعي في إنشاء خريطة الجهوية المتقدمة في المغرب تنصف جهة تافيلالت درعة. ويمكن قبل فوات الأوان الاستشارة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهيئات حقوقية ومنظمات ذات دراية واسعة في العمل الميداني / المجالي، فوق أن للتقطيع الإداري علاقة بحقوق الإنسان الجماعية. هنالك، ومن جانب آخر، يسجل على التقرير المذكور أنه اعتمد على معايير علمية، وذلك هو سر نجاحه. فمن الجهات التي ولدت بما هي مركب من أحواض متجانسة للحياة الاجتماعية، الجهة المركبة من حوضين متجانسين، تافيلالت ودرعة. فكلنا يعلم العلاقة الوطيدة بين إقليمي سجلماسة وسوس الأدنى عبر تاريخ المغرب، وكلنا يعلم أن الجهة موطن لخمس معتقلات سرية، تزممارت، كرامة، قلعة مكونة، أكدز، تكونيت، وتلك بلا شك قيمة إضافية تدعم التجانس العام بالجهة. وركبت جهة بني ملال خنيفرة من أعالي أربعة أحواض هيدرولوجية، أم الربيع، وملوية، وأسيف ملول، وزيز[ أسلاتن]، في حال التحاق الريش وكرامة بتافيلالت، ومن وحدة سوسيومجالية متجانسة وهي هضبة الفوسفاط، وهي جهة يدعم تجانسها الهيدرولوجي والسوسيولوجي تجانس آخر، بيانه أن الجهة تستغرق مجال الذاكرة الرمزية بإقليم خنيفرة، وأسيف ملول، وأزيلال، ومجال الحقوق البيئية بسهل تادلة، وآخر يخص الحقوق الاقتصادية بهضبة الفوسفاط (خريبكة). صحيح أنها جهة سليمة من حيث التركيب، لكنها أحوض من الحياة الاجتماعية غير متجانسة لعلاقة أعالي زيز وأعالي كير بإقليم تافيلالت، ولعلاقة هضبة الفوسفاط بالشاوية. وقد يكون مفيدا، وفي درجة ثانية، لو ألحقت أعالي زيز وكير بجهة فاس مكناس، لوجود روابط تاريخية وثقافية، صنعها المحور التجاري سجلماسة فاس عبر التاريخ وعمقتها الهجرات البشرية من الحوضين زيز وكير إلى سايس، كروان، بني مطير، الدخيسة، ايت عياش، مجاط، لكنها ستضرب التجانس الحقوقي تمتعت به جهة تافيلالت درعة إن أريد إلحاق منطقتي الريش وكرامة بها.

3- تراكمات الميز الجغرافي

   تبين في التقرير المذكور بأن (لا داعي إلى الاقتباس الحرفي من المعاييرالأكاديمية المحددة للجهات) سوى أن من ( مميزات المملكة أنها كانت، ولاتزال، قائمة على بنية ترابية موحدة وعلى درجة عالية من الاندماج) فوق أن المملكة في حاجة إلى جهات تشكل (أحواضا لنشرالاختيار الديمقراطي ومجالات ملائمة لتفعيل مخططات التنمية بمشاركة فعلية للسكان ولمنتخبيهم في وضع وتفعيل  هذه السياسات. كما لامناص لها (المملكة) من تمكين البلاد من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية (سكان في تزايد ومدن تمتدّ باطراد وخلق فرص الشغل للجميع، وتدارك العجز في التجهيز والاقتصاد في تدبير الموارد،(وكل ذلك في سياق التنافس الدولي والانفتاح المستمر على الخارج.) (الفقرة 31-4 من الكتاب الأول)، لكن أعضاء اللجنة لم يبينوا في التقرير وبشكل واضح ما في بعض الأقاليم من التباين في التنمية القائمة على الميز الجغرافي، مما يطرح سؤالا حول التوزيع العادل للثروات، في المستقبل، إن استمر الميز في التقطيع الجهوي الجديد، وهو ميز قد يمس مدى (تعزيز المشاركة الديموقراطية في أعمال التنمية المندمجة) (الفقرة 23-2  من الكتاب الأول)، وقد يمس المقاربة الحقوقية التي باتت، على الأقل شعارا في كل شأن ذي علاقة بالإنسان. فلما نقول، مثلا، جهة مكناس تافيلالت، فإننا نخص بالفعل نطاقين جغرافيين، نطاق مكناس، ونطاق تافيلالت، وما بينها نطاق عنوانه تهميش مقصود وإقصاء بيّن، وهو نطاق ظل يشكو من إرث انتهاك حقوق الإنسان بالمناطق، أملاكو، إملشيل، خنيفرة، كرامة، تزممارت. ويمكن القياس على جهة سوس ماسة درعة، لبيان الوضع المتخلف عن الركب لدرعة، في تلك الجهة، والقياس على يصح الجهة الشرقية إن ميزنا فيها وضع إقليم فيجيج. ففي كلتا الجهتين نطاق مهمش يشكو من إرث انتهاكات حقوق الإنسان، في السنوات الماضية، اكدز، تكونيت، قلعة مكونة، في جهة سوس ماسة درعة الحالية، وفيجيج والناظور في الجهة الشرقية.

    صحيح أن التقرير ميز مبدأ (التكامل داخل الجهة الواحدة، المعتمد في التقطيع الجهوي لسنة 1971، والذي جعل لكل جهة نصيبا من مختلف مظاهر الجغرافيةالسهل    والجبل   والساحل) وانتقده، وقدر التقرير في ذلك المبدأ شيئا من الوجاهة (في ظروف وّلتكانتمطبوعة بقلة الوسائل وباقتصاديات منغلقة نسبيا تسيطرعليها المبادلات المحلية)، وانتقد التقرير هذا المبدأ لأنه لم يعد صالحا اليوم لأن(سداد هذه الاعتبارات يتلاشى، نظراللانفتاح الاقتصادي وللعولمة وتطور بنيات التواصل بين البشر وتنقل الخيرات والأفكار)، (الفقرة 31-5 من الكتاب الأول )، وبالتالي اختفت بعض الجهات كجهتي مكناس تافيلالت وسوس ماسة درعة. ولما لا تختفي هذه الجهات وقد تأكد عدم جدواها إذ (لم يتولد عما جرى سابقا مندمج مناطق متفاوتة المؤهلات في كيانات جهوية واحدة أية فوائد ملموسة على غرار تافيلالت المعتبرة ملحقة بعيدة لسهل سايس  وأقاليم درعة التي لا داعي لإلحاقها بسوس) (انظر الفقرة 32- 6 من الكتاب الأول). وفي ذلك إشارة، غير مباشرة، لسياسة الميز الذي عانت منه جهتي مكناس تافيلالت، وسوس ماسة درعة، رغم أننا لا نتفق على أن تافيلالت كانت ذيلا لمكناس وملحقة لها، لأن الميز مس ما بين المنطقتين سايس وتافلالت، وهي خنيفرة وميدلت والريش، وأزرو، كما سلفت الإشارة إلى ذلك. وفي جميع الأحوال فقد اختفت الجهتان في التقرير المذكور وولدت جهة تافيلالت درعة، واقترح وسط جهة مكناس تافيلالت ليشكل الجزء الشرقي لجهة بني ملال خنيفرة، ولم يختف مع اختفاء الجهتين بعض الجهات، لتوفرها على معالم التجانس السوسيوثقافي والوظيفي بعيدا عن معيار التجانس القائم على الماء كجهة الداخلة واد الذهب. وبموازاة ذلك أحدثت جهات ذات تجانس معين، لذلك لم يمسسها تغيير في التقطيع المقترح. فإذا كان التقرير قد أشار إلى التبعية والذيلية في جهوية تقطيع سنة 1971، ولم يشر إلى الميز الناتج عن هذه التبعية، فإنه لم يعمق البحث لملامسة أسس التباين في توزيع الإمكانيات التنموية داخل إقليم واحد، وهو وجه من أوجه الذيلية والتبعية. فإذا أخدنا إقليم الرشيدية كمثال، قبل إحداث إقليم ميدلت، فالميز الجغرافي بين واحات تافيلالت وجبال الأطلس الكبير الشرقي بيّن. ففي هذه الجبال شريط حقوقي أنشأته الانتهاكات الماضية بكل من أملاكو، وإملشيل، وكرامة، وتزممارت، وهو شريط مهمش بامتياز. وما كنا هنا لنقدم الإحصائيات، فوضع مدينة الريش رغم إمكانياتها التنموية لم تحظ بقسط وافر من التنمية إذ لا تزال تحتضن أكبر إعدادية على الصعيد الوطني (إعدادية أبي سالم العياشي) التي يتردد عليه حوالي 3000 تلميذ. وقد يكون ذلك مرتبطا بعلاقتها بمعتقل تزممارت، لاحتضانها مراقد جنود/حراس السجن السري في السنوات الماضية، مما يحتم مقارنتها بمدينة كلميمة، التي تعد ضمن خريطة جبر الضرر الجماعي، لبيان وقع التمييز الجغرافي، (علما أن كلميمة تشكو هي الأخرى من الميز الجغرافي في الإقليم المذكور). وقد نتجاوز سنوات الانتهاكات الماضية، ونناقش وضع المنطقة ضمن المشاريع التنموية المهيكلة، لنستشف أن المشاريع المخصصة للواحات تقصى منها منطقة الريش، لأنها لا تنتمي إلى نطاق الواحات، وتستثنى من الاستفادة من المشاريع المخصصة، في الغالب، للجبال لأنها كانت تنتمي إلى إقليم الواحات. صحيح أن منطقة الريش تنتمي سوسيوثقافيا إلى إقليم تافيلالت، لكن المعيار الثقافي غير صامد لإلحاق منطقة الريش مستقبلا بإقليم الرشيدية. ذلك أن تصحيح وضعها يستدعي طرح السؤال، حول الضمانات الضرورية للتخفيف من وقع الميز الجغرافي، إن أرجع القديم إلى قدمه. ذلك أن النظر إلى الخريطة الجهوية من منظور إصلاح ما أفسدته سنوات الجمر والرصاص، ليس بالضرورة إنصافا للجهة من منظور حقوق الإنسان الجماعية، فالجدلية بين المركز والهامش يمكن أن تفرز نطاقا سوسيومجاليا مهمشا يشكو من ضعف حصته في التنمية ومن ضعف الخدمات في مجال الحقوق الاجتماعية كالصحة والتعليم والشباب والرياضة والثقافة.

4- الوظيفة والتجانس


   (تمتعدي لهذا التقطيع اعتمادا على قاعدتي الوظيفية والتجانس نظرالضرورة اعتبار التباين الجلي الذي يفصل في التراب الوطنيبين مجالين كبيرين من حيث الجغرافية والاقتصاد والوضع الجيوستراتيجي، حسب خط ينطلق من سيدي إفني إلى تازة مستندا إلى السلاسلال جبلية من الأطلس إلى الريف الشرقي جنوب وجدة. فهناك، من ناحية، المجالان الأطلسي والمتوسطي وما بينهما، مما يحتوي على%  87 من السكان، وهناك، من ناحية أخرى، المجال شبه الصحراوي والصحراوي في الجنوب والجنوب الشرقي والشمال الشرقي) الذي لا يحتسب أكثر من% 13 من السكان. لذلك تطرح إشكالية الجهوية بصيغ مختلفة في كل واحد من هذين المجالين )، ( الفقرة 32- 4 من من الكتاب الأول)، فالمجال شبه الصحراوي، والمجال الصحراوي يقع في ظل المطر، جنوب شرق خط التساقطات المطرية الممتد من سيدي إفني إلى تازة. وذلك ما وضحته الفقرة الموالية من التقرير المذكور(الفقرة 32- 5 من الكتاب الأول). وبالفعل فالخط المذكور يفصل بين مجالين غير متجانسين وظيفيا، لكن التقطيع لم يحسم في النطاق شبه الصحراوي، إقليم ميدلت أو بالأحرى نطاق سهوب الحلفاء الذي يغطيه جزء كبير من الدائرة الإدارية ميدلت. فإذا كان الأطلس المذيل للتقرير يحوي جهة بني ملال خنيفرة في نسختين نسخة تضم إقليم ميدلت ونسخة أخرى تخلو منها، وإذا كانت هناك نسخة لجهة فاس مكناس تضم إقلي ميدلت (الخيار الثانوي لإقليم ميدلت ص222 من الكتاب الثاني)، فإن واضعي التقرير لم يحفروا قليلا في التاريخ لبيان أن إقليم ميدلت جزء من إقليم تافيلالت، سابقا، وهو منطقة كان انطلق منها عصيان القائد عدي وبيهي وتمرده، والذي شكل واحدا من السياقات التاريخية لانتهاكات السنوات الماضية، فوق أن سكان الإقليم كلهم من أصل صحراوي، أيت يزدك، أيت مرغاد، أيت حديدو، أيت يحيى، أيت عياش، لذلك فارتباط الإقليم بمنطقة تافيلالت والجنوب الشرقي ثابت صامد لا يقبل النقاش، فالارتباط بجهة تافيلالت درعة يضمن تجانسا يخص التعدد الثقافي الذي قد يصمد إذا استحضرنا أن معظم سكان مدينة ميدلت فمعظمهم من عمال مناجم ميبلاتن وأحولي، وجلهم ينحدر من كلميمة، أسول، الريش، أرفود. وإنه من الجائز إلحاق الإقليم بجهة تافيلالت درعة، عملا بمبدأ الانسجام الذي يروم (إبرازها[ هذه المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية كجهات] في حد ذاتها)، ويجعلها وهذا هو الأهم (تستفيد من تطبيق مبدأ التضامن حيالها…) (الفقرة 32- 6 من الكتاب الأول)، ويشترط في ذلك الإلحاق توفر ضمانات لحمايتها من الميز الجغرافي، وإلا  فجهة فاس مكناس أقرب إلى الإقليم من حيث الثقافة والإثنوغرافيا، من جهة بني ملال خنيفرة، كما ورد في الخريطة المعنونة الخيار الثانوي لإقليم ميدلت المشار إليها أعلاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا