التسميات

السبت، 7 مايو 2016

المدينة المنورة في كتابات الرحالة العرب - أ. ليلى سعيد سويلم الجهني ...

بسم الله الرحمن الرحيم

مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة  العدد الأول 

المدينة المنورة

 في كتابات الرحالة العرب

أ. ليلى سعيد سويلم الجهني

محاضرة  بكلية التربية للبنات بالمدينة المنورة

توطئة :
الرحلة نشاط حيوي عريق عرفه الإنسان منذ بداياته الأولى على وجه الأرض؛ إذ ارتحل من جهة إلى أخرى بحثاً عن الكلأ، أو سعياً وراء الرزق، أو طلباً لسلعة لا يجدها في موطنه.
وقد عرف العرب – مثلهم مثل غيرهم من الأمم – الرحلة، وجالوا في الأرض بهدف التجارة، وكان من أشهر رحلاتهم : رحلتا الصيف والشتاء اللتان ذكرهما الله عز وجل في قوله : { لإيلاف قريش  إيلافهم رحلة الشتاء  والصيف} [ قريش : 1 – 2 ].
وعندما جاء الإسلام ظهرت بواعث جديدة للرحلة منها:

الدعوة إلى الله وتبليغ رسالة الإسلام للمجتمعات القريبة والبعيدة، والجهاد في سبيل الله، وطلب العلم، وتدبر آيات الله ونواميسه في الكون، والحج والعمرة، وزيارة المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى... وغير ذلك من البواعث، فازدادت الرحلات، وظهر الرحالة الذين يكتبون عن رحلاتهم رسائل وكتباً تجمع بين الأسلوب الأدبي الممتع والتعريف ببلدان ومجتمعات لايبلغها المرء آنذاك إلا بشق الأنفس.
والحقيقة أن الإسلام قد أضفى على الرحلة من خلال رحلة الحج بالذات صبغة دينية متميزة عندما جعلها الركن الخامس من أركانه، والفريضة الحتمية على كل من استطاع إليها سبيلاً، كما أضفى عليها أبعاداً أخرى: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية عندما فتح المجال للحجيج ليشهدوا منافع لهم، وقد تنامت هذه الأبعاد مع الأيام، وأَثْرَت في جانبها الثقافي أدب الرحلة، وإن لم تكن قد صنعته، فلم يقتصر كثير من العلماء في رحلاتهم على أداء الفريضة وحسب، بل سعوا إلى لقاء العلماء الآخرين في الأمصار التي يمرون بها أولاً، وفي الحرمين الشريفين من ثمّ، وكان بعضهم يمضي في رحلته الشهور والسنين ليحضر مجالس العلم حيثما يمر، أو يجاور في الحرمين الشريفين ويلقى من فيهما ومن يأتيهما من الشيوخ، ويسجل ذلك في مؤلفات خاصة تعد من صميم أدب الرحلات.
وقد ساهم اتساع الدولة الإسلامية في نمو هذا النوع من الأدب، حيث ارتحل المسلمون في أرجائها وجاب بعضهم بقاعاً مختلفة وسجلوا ملاحظاتهم ومشاهداتهم منهم : المسعودي صاحب كتاب : مروج الذهب، الإدريسي صاحب كتاب : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، الاصطخري صاحب كتاب : المسالك والممالك.
وقد ازدهر أدب الرحلات في العصور المتأخرة من عمر الدولة الإسلامية عندما اعترى الجمود مختلف مناحي الحياة الثقافية فيها. وكان ذلك – بصورة خاصة – دافعاً للعلماء الذين تبعد بلادهم عن مراكز الإشعاع الثقافي آنذاك – وأهمها القاهرة وبغداد – إلى الارتحال لتحصيل العلوم في طريقهم للحج؛ مدونين تفاصيل رحلاتهم، وما رأوه ومن قابلوه وأخذوا عنه من علماء. وكانت رحلاتهم تلك بمثابة وثائق علمية تشهد لهم بما جنوه من معارف.
وقد استأثر الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة باهتمام معظم الرحالة الذين زاروهما، على تباين توجهاتهم ومقاصدهم. كما شغلت أوصاف المدينتين المقدستين حيزاً مهماً في معظم – إن لم يكن كل – تلك الرحلات. والحقيقة أن أهمية تلك الرحلات تنبع – في تصورنا – من أنها معين ثر يمدنا بقدر من المعلومات التي نستشف منها الأحوال السياسية والثقافية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي سادت تينك المدينتين في فترات تاريخية متباينة. كما أنها تتيح لنا فرصة لرصد التغيرات التي طرأت على أوجه الحياة فيهما، خلال الفترات الزمنية التي تغطيها. وتقدم لنا الرحلات في الوقت نفسه، زاداً وفيراً من التراجم لكثير من العلماء الذين غفلت عنهم كتب التراجم أو لم توفِهم حقهم من العناية.
وسوف أعرض في الفصول التالية عدداً من الرحلات لنستشف من خلالها صورة المدينة المنورة في عصر الرحالة الذي زارها والتغيرات التي طرأت عليها مابين رحالة وآخر، وهذا أهم ماقصدناه في هذا العرض.



أولاً: رحلة ابن جبير
لأبي الحسين محمد بن أحمد بن جبير
(سنة580هـ )
محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي، أبو الحسين: رحالة أديب، ولد في بلنسية ونزل بشاطبة. برع في الأدب، ونظم الشعر الرقيق، وحذق الإقراء، أولع بالترحال والتنقل، فزار المشرق ثلاث مرات إحداها عام 578-581هـ وهي التي ألف فيها كتابه: رحلة ابن جبير، ومات في الإسكندرية في رحلته الثالثة، يقال: إنه لم يصنف كتاب رحلته، بل قيد معاني ماتضمنته فتولى ترتيبها بعض الآخذين عنه. من آثاره: نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان؛ وهو ديوان شعره. ونتيجة وجد الجوانح في تأبين القرن الصالح: وهو مجموع مارثى به زوجه أم المجد().
في يوم الجمعة المتمم للثلاثين من شهر شوال، عام 578هـ، بدأ ابن جبير رحلته إلى الديار الحجازية : مكة المكرمة والمدينة المنورة على متن سفينة تمخر عباب البحر بمقابلة جبل شُلَيْر ()، أحد جبال الأندلس. وقد دون الرحالة الأندلسي تفاصيل رحلته تدويناً مباشراً يوماً بيوم الأمر الذي أسبغ عليها حيوية وميزها عن رحلات تلتها سنعرض لها فيما بعد. 
استمرت الرحلة أكثر من عامين وثلاثة أشهر، مرَّ خلالها وأقام في عدد من المدن والحواضر من أهمها بالإضافة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة : الإسكندرية، القاهرة، جدة، بغداد، دمـشق، عكا، أطرابينش فـي
جزيرة صقلية التي انطلق منها عائداً إلى مدينته غرناطة في الأندلس.
وقد تفاوتت مدة إقامته بين مدينة وأخرى؛ فكانت أطول فترة إقامة له في مكة المكرمة التي مكث فيها ثمانية أشهر وثلث الشهر؛ تليها دمشق التي ظل فيها شهرين متتالين؛ ثم بغداد التي قضى فيها ثلاثة عشر يوماً، أما المدينة المنورة فمكث فيها خمسة أيام فقط.
قدَّم ابن جبير في رحلته وصفاً ممتعاً لكل ما شاهده في المدن والحواضر التي مرَّ بها. وتباين وصفه، بين الإجمال والتفصيل، كما زخر باللمحات التي تدل على قوة ملاحظته، إضافة إلى ذكائه وصفاء ذهنه، وسعة اطلاعه.
ولعل أول ما يلفت النظر في رحلته دقة وصفه، واهتمامه بالتفاصيل مهما صَغُرت. ويتجلى هذان الأمران؛ الدقة والاهتمام؛ في وصفه للنواحي العمرانية في الحواضر والمدن التي مرَّ بِها. والحقيقة أنه لم يبدع في وصف شيء؛ على امتداد رحلته؛ قدر إبداعه في وصف المباني والمنشآت، يستوي في ذلك المباني القديمة مثل : منارة الإسكندرية بمصر، أو الحديثة آنذاك مثل: جسر الحلَّة بالعراق. وتلك التي أنشئت لأغراض دينية مثل : جامع الكوفة بالعراق، أو لأغراض دنيوية مثل : القصر الأبيض في مسينة بجزيرة صقلية. وتلك التي تخص المسلمين مثل : مشاهد العلويين في القاهرة بمصر، أو غير المسلمين من النصارى مثل كنيسة الأنطاكي ببَلاَرمة في صقلية().
عدا عن ذلك، فإن ابن جبير يفيض بعاطفة دينية متقدة، تظهر في مواقف كثيرة متباينة خلال الرحلة. فهو؛ مثلاً؛ لا يكف عن أن يدعو الله في كل مراحل الرحلة كي يسهلها وييسر مشقتها عليه وعلى من رافقه. كما أنه يدعو لما يمر به من حواضر ومدن بأن يحرسها الله، أو يكلأها، أو يحميها، أو يعمرها. وربما سأل الله أن يدمرها إذا كانت واقعة تحت يد الصليبيين().
ولا يمرُّ ابن جبير بمنكر إلا واستقبحه بحدة أحياناً. فهو؛ على سبيل المثال؛ يستنكر ما يفعله محصلو الزكاة في الإسكندرية وغيرها من المدن المصرية عندما يعمدون إلى المراكب فيوقفونَها، ويفتشونَها، ويفتشون راكبيها وما يحملونه من متاع؛ ليحَصِّلوا الزكاة دون أن يراعوا ما أدركه النصاب مما لم يدركه، كما أنه يستنكر أموراً أخرى كثيرة ليس هذا مجالها().
ومن ناحية أخرى نجده يستحسن ما يصادفه من أمور وعادات ومواقف حسنة، حيث يحمد لأهل دمشق وما جاورها وقوفهم يوم عرفة في مساجدهم وجوامعهم بعد صلاة العصر؛ التماساً لشيء مما يفيض به الله من خيرات على أهل هذا الموقف لبركة الساعة التي يقف فيها الحجيج في عرفات().
يصوغ ابن جبير رحلته في لغة سلسة واضحة لا تكلف فيها. وهي؛ إضافة إلى ذلك؛ لغة تنسجم مع المواقف المتباينة التي يمر بِها، والأمكنة المختلفة التي يعبرها، فعندما يكون الأمر متعلقاً بوصف مبنى أو مشهد أو مَعْلَم تنحو تلك اللغة نحو دقة اللفظ، بحيث لا يحتمل أكثر من معنى. ويظهر ذلك في وصف ابن جبير للأهرام؛ إذ يقول إنَّها مربعة الشكل " كأنها القباب المضروبة قد قامت في السماء … في سعة الواحد منها من أحد أركانه إلى الركن الثاني ثلاثمائة خطوة وست وستون خطوة. وقد أقيمت من الصخور العظام  المنحوتة. ورُكِّبَت تركيباً هائلاً بديع الإلصاق دون أن يتخللها ما يعين على إلصاقها، محدودة الأطراف في رأي  العين "(). وفيما عدا ذلك، فإن تلك اللغة تغدو لغة أدبية خالصة، يُعْنَى فيها بالسجع، والتشبيه، وتضمين آيات من القرآن الكريم أو بعض الأمثال أو الأبيات الشعرية. فعندما يصل حلب؛ مثلاً؛ يسترسل في وصف طويل مسجوع يقول في بعضه : " بلدة قدرها خطير، وذكرها في كل زمان يطير، خُطَّابها من الملوك كثير، ومحلها من التقديس أثير …الخ "().
أخيراً، تكمن أهمية رحلة ابن جبير في الصورة التي ترسمها للحياة في كثير من المدن والحواضر الإسلامية وغير الإسلامية التي مرَّ بِها الرحالة خلال الربع الأخير من القرن السادس الهجري. وتعد؛ على نحو خاص؛ وثيقة حافلة بمعلومات قيمة لا يمكن إغفالها عن الحياة في المدن الحجازية في ذلك الوقت خاصةً مكة المكرمة والمدينة المنورة.            
تفاصيل زيارة ابن جبير للمدينة المنورة :
وصل ابن جبير إلى المدينة المنورة قادماً من مكة المكرمة، يوم الاثنين المصادف للثالث من المحرم عام 580هـ عقب أدائه مناسك الحج. وما أن دخل المدينة المنورة حتى سارع بالذهاب إلى الحرم النبوي الشريف للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والصلاة بالروضة الشريفة. ثم صلى صلاة المغرب جماعةً، ورجع بعد ذلك إلى رحاله. وكما يظهر من الرحلة، فإن ابن جبير ومن معه أقاموا مضاربهم على أطراف المدينة – داخل سورها الخارجي – وكانوا يقضون حوائجهم ثم ينصرفون إلى تلك المضارب. وقد مكث الرحالة في المدينة خمسة أيام فقط؛ إذ غادرها يوم السبت المصادف للثامن من الشهر والعام نفسيهما.
المدينة المنورة كما تبدو في الرحلة
( 1 – 1 ) اهتم ابن جبير في الصورة التي رسمها للمدينة المنورة في رحلته بنواحٍ معينة من أهمها الحرم النبوي الشريف، والمساجد، والمشاهد في البقيع()وأُحد(). ورغم ذلك، فإن ما كتبه عنها لا يخلو من إلماحات صغيرة متفرقة عن عمرانها. فالمدينة المنورة – كما يصف – محاطة بسورين. والحقيقة أن أول إشارة إلى هذين السورين ترد قبل أن يصل إلى المدينة المنورة بمراحل وهو في مكة المكرمة وذلك أثناء حديثه عن آثار ومناقب جمال الدين الأصفهاني()، حيث يقول : " ومن مفاخره ومناقبه [جمال الدين ] أيضاً أنه جعل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم تحت سورين عتيقين أنفق فيهما أموالاً لا تُحصَى كثرةً"(). وإن لم يٌعْنَ بإيراد تاريخ إنشاء هذين السورين، إلا أننا نفهم من قوله : عتيقين أن وقتاً طويلاً قد مرَّ على بنائهما.
وللسورين أربعة أبواب، ففي كل سورٍ بابٌ يقابله باب آخر في السور الثاني، وربما كان ذلك لتسهيل حركة الدخول والخروج. والأبواب كلها؛ كما يصفها؛ مصفحة بالحديد. ولكل باب اسمٌ؛ فأحدها : باب الحديد، وثانيها : باب الشريعة، ثم : باب القِبْلَة، وهو مغلق كما يشير دون أن يوضح الأسباب، وأخيراً : باب البقيع، ومنه يخرج المرء إذا قصد زيارة البقيع.
ويبدو أن ابن جبير ذكر الأبواب حسب ترتيب الجهات الجغرافية بدءاً بالشمال وانتهاءً بالشرق عكس عقارب الساعة؛ وبناءً عليه يكون باب الحديد في الشمال، وباب الشريعة في الغرب، وباب القبلة في الجنوب، ثم باب البقيع في الشرق. ويُرجِّح ذلك أن قبلة المدينة المنورة إلى الجنوب، كما أن البقيع يقع شرق المدينة. ولعله كذلك بدأ بذكر أسماء أبواب السور الداخلي، ثم انتقل إلى أبواب السور الخارجي؛ وعليه يكون بابا : الحديد والشريعة في السور الداخلي، فيما يقع بابا : القبلة والبقيع في السور الخارجي. 
وكما نلاحظ، فإن ابن جبير مهتم بما داخل الأسوار لا بالأسوار نفسها، إذ لا يُعْنى بوصف هيئة السورين، ولا يذكر مادة بنائهما، ولا طول كل سور منهما بحيث يمكن تقدير مساحة المدينة المنورة آنذاك، ولا يوضح ما إذا كان السوران منفصلين؛ بحيث يحيط السور الخارجي منهما بالداخلي أم لا، وليس فيما يورده من معلومات ما يحدد ما إذا كان السوران يتخذان شكلاً هندسياً منتظماً أم لا. ويبدو أن ابن جبير لم يرَ في سوري المدينة من غريب العمارة وبديعها ما لفت نظره، واستدعى اهتمامه بتدوينه.
ويصف لنا الرحالة، على صعيد آخر، شارعاً مُبَلطاً بالحجر المنحوت المفروش يحيط بالحرم. وهو الشارع الوحيد الذي يصفه. وتدل إحاطته بالحرم على أن البيوت والأسواق كذلك كانت تحيط بالحرم باعتباره محوراً أساسياً في حياة المدنيين؛ ذلك أن المسلمين قد دأبوا منذ أيام الهجرة الأولى على بناء بيوتهم قرب الحرم؛ وهكذا أحاطت بالحرم كتلة معمارية تجاورت مبانيها().
( 1 – 2 ) لا يغفل ابن جبير عن تتبع مصادر المياه في المدينة المنورة؛ إذ يشير إلى أربعة آبار يُستقَى منها. أولها : بئر تقع داخل مسجد قباء، في الجهة الغربية منه. ويذكر الرحالة هذه البئر دون أن يُعيِّن لها اسماً.
وثانيها : بئر أَرِيْس، التي تقع إزاء دار عائشة قرب مسجد قباء، وسأعرض لهذه الدار بعد قليل، وثالثها : بئر بُضَاعة، وتقع قرب حجر الزيت داخل سور المدينة المنورة. وآخرها : بئر رُومة، التي تقع في الشمال الغربي خارج السور.
إضافة إلى ما سبق، يذكر ابن جبير عيناً منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم(). وتقع، كما يذكر ابن جبير، بين المدينة المنورة  والخندق  ويحيط بِها جدار عظيم مستطيل، ولم تكن العين تستخدم لغرض غير الاستقاء
صوناً لها، ومحافظة عليها؛ ولعل ذلك لنسبتها  للرسول صلى الله عليه وسلم()
وفي المدينة المنورة ثلاث سقايات أخرى (). اثنتان منها ملحقتان بالعين السابق ذكرها، تقعان تحت الجدار المحيط بها. وهما مستطيلتان كذلك، وينزل إليهما المرء على أدراج عددها نحو 25 درجة. أما السقاية الأخيرة فتقع قرب الحرم النبوي الشريف، من جهة باب الحديد، أحد أبواب سور المدينة المنورة. ولها درج كذلك، وماؤها؛ عذب. ويبدو أن هذه السقايات الثلاثة فروع للعين الزرقاء(). ومما يثير الاستغراب أن الرحالة لم ينتبه إلى ذلك، ولم يكن لديه معلومات عنها رغم تاريخها العريق ورغم كونها المصدر الرئيسي للمياه في المدينة المنورة.
 ( 1 – 3 ) أما أهل المدينة فإن ما يقدمه ابن جبير في رحلته عنهم لا يخلو من طرافة خاصة فيما يتعلق ببعض عاداتهم. وجل ما يرد في الرحلة من معلومات يجيء عبر إلماحات تسبق دخوله المدينة المنورة، أو أثناء تواجده فيها. وهي إلماحات يتحدث فيها عن الحجاز عامة، أو ينطلق فيها من جزء من الحجاز ليعمم على باقي نواحيه. فعند وصوله إلى مدينة جدة؛ مثلاً؛ يذكر أن أكثر سكانها مع ما يليها من الصحراء والجبال أشراف عَلويونَ : حَسَنيونَ وحُسَينِيون وجَعْفَريونَ(). والمدينة المنورة أولى من جدة بأن يكون
أكثر سكانِها من الأشراف العلويين؛ لأنَّها مقرهم ومنبت بذرتَهم الأولى.
وكما يشير ابن جبير، فإن أهل الحجاز؛ وسكان المدينة المنورة من ضمنهم؛ يعتمدون على الحجاج في معاشهم، فيؤجرون لهم الجمال، ويبيعونَهم اللبن والماء والتمر والحطب. ولا شك أنهم كانوا يتبادلون مع أولئك الحجاج السلع فيوفرون بذلك ما ينقصهم. إضافة إلى أن المدينة المنورة كما ورد من قبل، منطقة زراعية، وقد اشتهرت بذلك على مرِّ التاريخ. ولا شك أن الزراعة كانت طريقة من الطرق التي اعتمد عليها أهل المدينة المنورة في كسب عيشهم متميزين في ذلك عن غيرهم من أهل الحجاز خاصة في جدة ومكة المكرمة، وإن لم يكن ابن جبير قد أشار إلى ذلك.
أما فيما يتعلق بعادات أهل المدينة فإن ابن جبير يذكر؛ عند حديثه عن دخول شهر جمادى الآخرة من عام 579 هـ؛ أن لأهل المشرق العربي – والمدينة جزء من هذا المشرق – عادة حسنة، إذ  يتصافحون، ويهنيء  بعضهم بعضاً، ويطلب بعضهم من بعض السماح، ويدعو بعضهم لبعض عند مستهل كل شهر من أشهر العام. ولا يتتبع ابن جبير مبدأ هذه العادة؛ لكنه يستحسنها، ويستحسن وقعها الجميل في النفس وما يرافقها من دعاء ومصافحة.
ويسجل لنا ابن جبير أثناء تواجده في المدينة المنورة ملاحظات يلمس القارئ من خلالها رقة قلوب أهلها التي تتجلى في تأثرهم بِما يُلقى على أسماعهم من وعظ، ومسارعتهم إلى إعلان التوبة. فما أن يلقي رئيس الشافعية صدر الدين الأصبهاني موعظته ليلة الجمعة المصادفة للسابع من المحرم من عام 580 هـ، حتى تضطرب أحوالهم، وتمتلئ قلوبِهم خشية، ويعمهم الذهول. بل إن بعضهم لشدة تأثره يسلِّم ناصيته لصدر الدين كي يجز شعره معلناً بذلك توبته.
وتكاد تكون رقة القلب هذه منْزعاً طبيعياً لدى عدد غير قليل من الناس، بحيث يؤثر فيهم ما يلقى عليهم من وعظ ونصح؛ حتى إن كان ذلك التأثير وقتياً لا يلبث أن يزول؛ فكيف بِمن جاوروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاينوا دروباً وبيوتاً ومساجد وأسواقاً شهدت فصولاً من حياته صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف إذا كان ذلك الوعظ على مقربة من قبره صلى الله عليه وسلم، وفي مسجده الحرام؟
فيما عدا ما سبق فإن رحلة ابن جبير تخلو من أي تفاصيل أخرى عن سكان المدينة المنورة، إذ لم يُقِمْ فيها أكثر من خمسة أيام، انشغل أثناءها بزيارة الحرم النبوي الشريف وما حوله من مشاهد في البقيع  وأحد. والأيام الخمسة فترة غير كافية لتتبع شئونِ الحياة اليومية التي يتطلب الإلمام بِها وقتاً طويلاً واختلاطاً بالناس وذلك ما لم يتوافر له. ومما يؤكد ذلك أنه قدم رصداً قيمـــاً لحياة الناس في بعض المدن التي طال مكثه فيها فتجاوز الأسابيع أو الأشهر. ومن تلك المدن على سبيل المثال مكة المكرمة؛ إذ لم يغفل عن شيء من مناشط الناس فيها وعاداتِهم إلا مرَّ عليه ().
( 1 – 4 – أ ) قدم ابن جبير في رحلته وصفاً ممتعاً للحرم النبوي الشريف، يتميز بدقته وثراء   تفاصيله، إذ لم يغادر صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها؛ وعلَّق عليها إن لزم الأمر. ويسهل – من خلال ذلك الوصف – تكوين صورة ذهنية واضحة لما كان عليه الحرم عندما شاهده. بل إن ذلك الوصف يمكن أن يكون قاعدة بيانات لرسم مخطط للحرم النبوي الشريف آنذاك؛ خاصة فيما يتعلق بطوله، وعرضه، وعدد أعمدته وأروقته، وموقع المحراب والمنبر، وصفة الحجرة الشريفة، وعدد الأبواب والمآذن ومواقعها. ونشير هنا إلى أن البناء الذي شاهده الرحالة كان بناء التوسعة الخامسة التي أمر بـها الخليفة العباسي المهدي()في عام 161 هـ، وانتهت في عام 165 هـ. ولم يزد أحد في مساحته بعدها حتى عام 886 هـ ().
والحرم كما يصفه ابن جبير، مستطيل طوله مائة وست وتسعون خطوة، وعرضه مائة وست وعشرون خطوة. يتوسطه صحن مفروش بالرمل والحصى، زُرِعَتْ فيه خمس عشرة نخلةً. ولا يعلق الرحالة على وجود ذلك النخل داخل الحرم، ولا يذكر مبدأه، ويشير كذلك إلى أن الصحن محاط بأروقة من جهاته الأربع كلها؛ خمسة منها في الجهة  الجنوبية، وخمسة في الشمالية، وثلاثة في الشرق، وأربعة في الغربية.
وقد اتخذت جدران الحرم زينتها؛ فكُسِي النصفان السفليان من الجدارين الجنوبي والشمالي برخام ملون بديع الصناعة. فيما غُطي نصفاهما العلويان بقطع الفسيفساء الذهبية التي تصور أشجاراً مختلفة الأشكال تميل أغصانُها بثمارها. أما الجداران الشرقي والغربي فمجردان – أي بلا رخام – أبيضان عَلَتْهما مقرنصات ذات رسوم وألوان متباينة.
ويبلغ عدد أعمدة الحرم مائتين وتسعين عموداً، تتصل بالسقف مباشرة؛
وقد بُنيت تلك الأعمدة من حجارة منحوتة متداخلة أنثى في ذكر()، يُفرَغ بين كل حجرين الرصاص المذاب حتى تتصل الأحجار وتستوي عموداً قائماً، ثم تُكسى بالجير، وتُصقل، وتدلك حتى تبدو كما لو كانت مكسوة برخام أبيض(). وقد جُعل في أحد تلك الأعمدة؛ وهو الذي يقع إزاء الروضة الشريفة؛ بقية الجذع الذي حنًّ للنبي صلى الله عليه وسلم عندما فارقه واتخذ منبراً(). وبقية الجذع، كما يصف ابن جبير، ظاهرة في وسط العمود. ولا يورد الرحالة هذا الخبر بصيغة الجزم بل يسبقه بكلمة: يقال؛ رغم أنه ذكر في بداية سرده لتفاصيل زيارته المدينة أنه استلمه بصيغة لا تشكك فيها. ويشير في موضع آخر إلى أن عدداً من أعمدة الحرم قد دخلت في بناء الحجرة الشريفة على النحو التالي: عمودان وما يقارب أربعة أشبار من العمود الثالث من الأعمدة التي تلي صحن الحرم؛ وعمودان من أروقة الجهة الشرقية.
أما المحراب فيقع في مقصورة() تحفُّ جدار القبلة من غربه إلى شرقه. وعلى رأس المحراب في الجدار الجنوبي ثُبتَ حجر مربع أصفر طوله شبر وعرضه شبر كان مرآة كسرى، كما ثُبتَ مسمار عُلِّق فيه وعاء صغير لا يُدرى مما صُنع كان كأس كسرى. ويورد ابن جبير خبر المرآة والكأس بصيغة متشككة مستخدماً كلمات مثل : الله أعلم، ويُزعَم(). ونشير هنا إلى أن الحرم لم يكن له محراب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه. وأول من بنى محراباً كان عمر بن عبد العزيز()أثناء التوسعة الرابعة للحرم في عهد الوليد بن عبد الملك (). والراجح أنه هو الذي رآه ابن جبير ووصفه، لأن توسعة المهدي من بعده لم تمس المحراب().
وعن يمين الروضة المشرفة يقع منبر الرسول صلى الله عليه وسلم. والمسافة بينه وبين الحجرة الشريفة اثنتان وأربعون خطوة. ويقع المنبر وسط حوض مُرَخَّم طوله أربع عشرة خطوة، وعرضه ست خطواتٍ، وارتفاعه شبر ونصف. ويبعد المنبر عن الروضة ثماني خطوات. ويبلغ ارتفاع المنبر نحو القامة أو أكثر، وعرضه خمسة أشبار، وطوله خمس خطوات. وللمنبر ثماني درجات، وباب على هيئة الشباك مقفل، يفتح يوم الجمعة؛ للخطبة. وطول ذلك الباب أربعة أشبار ونصف شبر. والمنبر مُغشَّى بخشب الآبنوس، ويظهر في أعلاه مقعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد وُضِعَ فوقه لوح من الآبنوس غير متصل به يحول بين الناس وبين القعود عليه. وعلى الجهة اليمنى منه، حيث يضع الخطيب يده إذا خطب، حلقة مجوفة من الفضة تتحرك في موضعها إذا حُرِّكت؛ يزعم الناس – كما يذكر ابن جبير – أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يلعبان بِها عندما كان جدهما صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس.
أما الحجرة الشريفة؛ حيث قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فتقع في الجهة الجنوبية على امتداد جدار الحرم الشرقي. وهي ذات شكل خماسي، وقد حرَّف عمر بن عبد العزيز جدرانَها " مخافة أن يتخذها الناس مصلى " (). ويبلغ عرض جدارها الجنوبي أربعة وعشرين شبراً، والشرقي ثلاثين  شبراً، والشمالي الشرقي خمسة وثلاثين شبراً، والشمالي الغربي تسعة وثلاثين  شبراً، أما الجنوبي الغربي فيبلغ أربعة وعشرين شبراً.
وتنقسم جدران الحجرة الشريفة إلى ثلاث طبقات. الطبقة الأولى مما يلي الأرض مغطاة بالرخام البديع المتراكب قطعة فوق قطعة. والطبقة الثانية جدار أبيض تشقق لطول العهد؛ وقد اسوَدَّ ما يقارب نصف شبر منه لكثرة ما علاه من تضميخ المسك والطيب. أما الطبقة الأخيرة فشبابيك من الخشب متصلة بسقف الحرم.
والحجرة مغطاة بأستار لازوردية اللون عليها نقوش بيضاء ثُمانية، ورُباعية، تتوسطها دوائر، وتحف بِها نقط بيض. وفي أعلى الأستار رسم يميل لونه إلى البياض، لعله كان زخرفة نباتية. وكانت الحجرة الشريفة محاطة بشباك من حديد يطل عليها.  وفي جدار الحجرة الشمالي الغربي؛ كما يورد؛ موضع أُسبل عليه سِتر، يقال إنه مهبط جبريل عليه السلام. كما يوجد في جدارها الجنوبي مسمار من الفضة مثبت أمام موضع وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، وأمامه يقف الناس للسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ثم على صاحبيه رضي الله عنهما. وقد عُلِّق أمام هذا الجدار عشرون قنديلاً، اثنان منها من الذهب، أما البقية فمن الفضة.
وفي شمال الحجرة، حوض صغير مكسو بالرخام، وفي قبلته ما يشبه المحراب، يقال إنه كان بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو هو قبرها (). وفي الجدار الغربي الجنوبي من الحجرة صندوق من الآبنوس المختوم بخشب الصندل والمكسو بطبقة من الفضة يقع في مقابل رأسه صلى الله عليه وسلم، طوله خمسة أشبار وعرضه ثلاثة وارتفاعه أربعة. ويكتفي ابن جبير بوصف هذا الصندوق دون أن يبين سبب وضعه في ذلك الموضع الكريم، أو وجه استخدامه إن كان له استخدام؛ ولعله الصندوق الذي كانت توضع فيه الرسائل المبعوثة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من بقية الأمصار كما سنرى في رحلة السبتي. 
وبين الروضة والحجرة الشريفة، ثَمَّ محمل كبير مدهون، عليه مصحف كبير في غشاء مقفل عليه، هو أحد المصاحف التي أرسلها عثمان ابن عفان رضي الله عنه إلى الأمصار. كما توجد خزانتان كبيرتان تحويان كتباً ومصاحف موقوفة على الحرم النبوي الشريف. وأمام الروضة صندوق كبير توضع فيه الشموع والأنوار التي توقد أمام الروضة كل ليلة.
ويوجد إلى شمال صحن الحرم قبة كبيرة جديدة() تُسمى : قبة الزيت، يُخْزَن فيها جميع آلات الحرم وما يحتاج إليه.
وللحرم تسعة عشر باباً، أُغلِق معظمها، ولم يبقَ منها مفتوحاً إلا أربعة أبواب()؛ اثنان منها في الغرب هما : باب الرحمة، وباب الخشية، واثنان في الشرق هما : باب جبريل، وباب الرجاء. أما الأبواب المغلقة فتتوزع على النحو التالي :
- باب صغير جهة القبلة، أي الجنوب.
- أربعة أبواب جهة الشمال.
- خمسة أبواب جهة الغرب.
- خمسة أبواب جهة الشرق.
وهناك دفة مطبقة على وجه الأرض مقفلة تقع في الرواق الثاني من أروقة الجهة الشرقية، تُفْتَح على سرداب يقود إلى خارج الحرم إلى دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وعبر ذلك السرداب؛ كما يورد ابن جبير؛ كانت عائشة رضي الله عنها تخرج إلى دار أبيها. ويؤكد ابن جبير أن تلك الدفة هي الخوخة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسد ما عداها(). وقد ورد خبرها في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أنه صلى الله عليه وسلم :   ( خَرَجَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِباً رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلامِ أَفْضَلُ سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ ) (). ولسنا نشكك في وجود تلك الخوخة في مسجده صلى الله عليه وسلم، غير أننا نشكك في أن تكون تلك الدفة التي وصفها ابن جبير هي الخوخة المقصودة في الحديث الشريف. فالخوخة ودار أبي بكر التي تقود إليها الخوخة تقعان – حسبما يصف في رحلته – شرق الحرم النبوي الشريف، فيما تقع الدار والخوخة – في الواقع – غرب الحرم. وقد دخلت الدار في التوسعة التي أحدثها عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وهي توسعة تسبق رحلة ابن جبير بأعوام طويلة. أما الخوخة فقد تحولت إلى باب لأحد مخازن الحرم، قرب باب السلام – وهو أحد أبواب الحرم كما سيتبين لنا في الرحلات المقبلة، ويقع جهة الغرب – على يسار الداخل منه(). ويبدو أن الرحالة قد وهم في أمر هذه الخوخة، أو أنه نقل أخباراً دون تمحيص.
وللحرم كما يذكر ابن جبير ثلاث مآذن، الأولى منها في الركن الشرقي الجنوبي، أما الأخريان ففي ركني الجهة الشمالية؛ أي في ركني الجدار المواجه للشمال؛ وهما صغيرتان على هيئة برجين().
وكان للحرم أكثر من مؤذن. نستشف ذلك من عبارة موجزة وردت في الرحلة يقول فيها " فلمَّا أذن المؤذنون "(). وفي العبارة كذلك إشارة لطيفة إلى أذان المدينة المنورة الذي اشتهرت به، حيث كان يرفعه أكثر من مؤذن في آنٍ معاً، وسيتبين لنا ذلك بالتفصيل من خلال الرحلات القادمة. ويخص ابن جبير أحد أولئك المؤذنين بالإشارة إلى أنه كان من سلالة بلال بن رباح رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويبدو أن المذكور كان رئيس المؤذنين أو كبيرهم. إضافة إلى ما سبق فقد كان يقوم على خدمة الحرم فتيان() ذوو هيئات حسنة، وثياب نظيفة. وهم أحباش وصقالبة، ولهم بيت من خشب، يقع في الجهة الشرقية من الروضة المشرفة، يبيت فيه المكلفون بحراسة الحرم النبوي الشريف ليلاً.
ولا يقف ابن جبير عند ما يورده عن الحرم النبوي الشريف وهو يصفه، بل يعقد المقارنات بينه وبين غيره من المساجد والجوامع التي يزورها أثناء رحلته؛ سواءً كان ذلك في مرحلة متقدمة قبل أن يصل إلى المدينة المنورة، كما يفعل عند الحديث عن طول الحرم المكي الشريف وعرضه؛ مثلاً؛ فيورد معلومات عن طول الحرم النبوي الشريف، وعرضه، وعدد أعمدته ومناراته. أو في مراحل متأخرة عقب مغادرتِها. كما يفعل عندما يقارن بين الحرم النبوي الشريف وجامع الكوفة، فأعمدة الجامع كما يذكر : " لا قسي [ عقود ] عليها، على الصفة التي ذكرناها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم " ().
والحقيقة أن وصف ابن جبير للحرم يكتسب أهمية بالغة تنبع من كونه يعطي تصوراً دقيقاً لما كان عليه الحرم قبل احتراقه للمرة الأولى، وذلك بعد مرور ما يربو على سبعين عاماً على رحلة ابن جبير؛ في الليلة الأولى من رمضان عام 654 هـ. إذ سيغدو هذا الوصف – كما سيتبين من خلال الرحلات   المقبلة – مرجعاً هاماً، ومصدراً لا غنى عنه لعقد المقارنات في هذا المجال.
( 1 – 4 – ب ) يذكر ابن جبير أثناء وصفه للمدينة المنورة ستة من مساجدها هي حسب ترتيب  ورودها : مسجد ذي الحُلَيفة، مسجد حمزة رضي الله عنه، مسجد قباء، مسجد علي رضي الله عنه، مسجد سلمان رضي الله عنه، مسجد الفتح. ويشير ابن جبير لتلك المساجد إشارات عابرة، تكاد تنحصر في بعض الأحيان في ذكر اسم المسجد عند المرور على موقعه. ويُستثنى من ذلك مسجدا : حمزة رضي الله عنه، وقباء؛ إذ يسرد بعض التفاصيل المتعلقة بِهما.
يقع مسجد حمزة؛ كما يشير ابن جبير؛ جنوب جبل أحد. وبداخل المسجد قبر حمزة رضي الله عنه. ويبدو أن المسجد كان صغيراً، ولم يكن زاخراً بفنون العمارة حتى أن الرحالة لم يُعنَ بوصفه. ولعل ذلك لكونه يقع خارج أسوار المدينة المنورة، وتفصل بينها وبينه مسافة().
أما مسجد قباء، فيذكر ابن جبير أنه جُدِّد()، ولا يرد في سياق حديثه ما يدل على تاريخ هذا التجديد(). والمسجد مربع طوله مثل عرضه. وله مئذنة طويلة بيضاء تُرى من مسافة، وباب واحد يقع جهة الغرب. وفي المسجد سبعة أروقة يتوسطها صحن فيه ما يشبه المحراب مرتفع عن الأرض؛ يذكر ابن جبير أنه أول موضع ركع فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الصحن كذلك مَبْرَكُ ناقته صلى الله عليه وسلم، وقد أُحيط بجدار قصير تمييزاً له.
وفيما يتعلق بالمساجد الباقية فإن ابن جبير يكتفي بذكر أسمائها ومواقعها دون أن يصفها ولو وصفاً عابراً. فعن مسجد ذي الحليفة يقول " فنَزلنا ضحى يوم الاثنين … بوادي العقيق، وعلى شفيره مسجد ذي        الحليفة " (). وعن بقية المساجد يقول : " وفي طريق أُحُد مسجد علي، ومسجد سلمان رضي الله  عنهما، ومسجد الفتح " (). ويخطئ ابن جبير حين يورد أن مسجد الفتح سُمي بذلك لنزول سورة الفتح فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. والواقع أن المسجد يقع ومسجدي : علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسلمان الفارسي رضي الله عنهما على سفح جبل سلع()من جهته الغربية. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في هذا الموضع على الأحزاب أثناء غزوة الخندق؛ فاستجاب الله دعاءه، وأرسل عليهم ريحاً كفأت قدورهم وقلعت خيامهم؛ فانخذلوا ورحلوا. وسمي باسمه لقوله صلى الله عليه وسلم لما صلى ودعا : أبشروا بفتح الله ونصره؛ وليس لأن سورة الفتح نزلت فيه. فقد نزلت هذه السورة من أولها إلى آخرها بين مكة والمدينة في شأن الحديبية().
ونذكر هنا أن معظم تلك المساجد كان مواضع صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عليها بناء، وظلت هكذا إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز أثناء ولايته على المدينة المنورة؛ فبنى عليها مساجد حفظاً للمواقع التي صلى فيها صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم(). ولعلها كانت صغيرة خاصة مسجد علي رضي الله عنه، ومسجد سلمان رضي الله عنه، ومسجد الفتح(). وربما لم يكن في بنائها ما يثير الانتباه؛ بحيث يهتم ابن جبير بوصفها. ولعل السبب الأهم في عدم اعتناء ابن جبير بوصف تلك المساجد أنه لم  يزرها، وذلك ما يمكن استشفافه من خلال حديثه عنها.
( 1 – 5 ) كان ابن جبير واحداً من الذين اهتموا بمشاهد المدينة وآثارها؛ فمرَّ على عدد منها محدداً موقعها، وواصفاً هيئتها(). وقد بدأ ذلك بمشهد حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ويقع في رحبة()مسجد حمزة الذي عرضنا له قبل قليل. وكما يصف الرحالة فقد كانت قبور الشهداء إزاءه. ولا يتبيَّن من وصفه ما إذا كان ثم قباب أو شواهد مبنية على قبر حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وما حوله من قبور أم لا.
ويشير ابن جبير كذلك إلى الغار الذي أوى إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقع قرب قبور الشهداء، أسفل الجبل. والحقيقة أنه لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوى إلى غار يوم أحد، بل انتهى إلى شعب أحد، وأُسنِد هناك، ثم جلب له علي بن أبي طالب رضي الله عنه ماءً من المهراس()وجد له  صلى الله عليه وسلم ريحاً؛ فعافه ولم يشرب منه، بل غسل به الدم عن وجهه الكريم وصب بقيته على رأسه().
وحول الشهداء، كما يذكر ابن جبير، ثَمَّ تربة حمراء هي التربة التي تنسب لحمزة رضي الله عنه ويتبرك الناس بها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان ألماً، أو كانت به قرحة أو جرح، بَلَّ بريقه سبابته ثم وضعها على الأرض وقال : ( بِسمِ اللَّهِ، تُرَبةُ أَرْضِنا، بِرِيقِة بَعْضِنا، لِيُشْفَى بِه سَقِيمنا، بإذْنْ رَبِّنا  ). ولم يخصص صلى الله عليه وسلم تراباً على وجه التقييد؛ إذ أخذ صلى الله عليه وسلم تراباً من بُطحان، فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء، وصبه على ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه عندما عاده وهو مريض. وقال صلى الله عليه وسلم : ( اكشِفِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، عَنْ ثَابتِ بنِ قَيسِ بن شَماسٍ ) (). ولم ترد إشارة لتربة حمزة المذكورة في رحلة ابن جبير في أي حديث. ولعل الناس كانوا يتداوون بها بالطريقة التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يستندون في ذلك إلى أن تراب المدينة شفاء كله، ثم إنها قريبة من جبل أحد وقد تواترت الأحاديث عن فضله وحب الرسول صلى الله عليه وسلم له، وأخيراً قربها من قبور شهداء أحد الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالفضل والسبق.    
انتقل ابن جبير بعد ذلك لزيارة مشاهد البقيع الذي يقع خارج أسوار المدينة المنورة، يدل على ذلك أن الخروج إليه يكون عبر أحد أبواب السور وهو باب البقيع().
وقد دفن في البقيع عدد غير قليل من الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم وعنهن أجمعين. ويسرد الرحالة أسماء عدد منهم مُحدداً موقع قبر كل من يذكر، ومنهم : صفية ([56])عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم([57])ابنه صلى الله عليه وسلم، وعبد الرحمن الأوسط([58])أحد أبناء عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وعقيل بن أبي طالب([59])رضي الله عنه، وعبد الله بن جعفر الطيار([60])رضـي الله عنه، إضافة إلى قبور أزواجه صلى الله عليه وسلم، وبقربها قبور أولاده صلى الله عليه وسلم، ولعله يقصد بناته إذ لم يمت ويدفن بالمدينة من أولاد الرسول الذكور عدا إبراهيم. وهناك أيضاً قبرا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، والحسن بن علي رضي الله عنهما.
ويصف ابن جبير هيئة بعض تلك القبور بين فينة وأخرى([61])؛ فعلى قبري العباس والحسن رضي الله عنهما قبة عالية الارتفاع([62])، والقبران مرتفعان عن الأرض، متسعان، تغطيهما ألواح مثبتة بالمسامير  بإتقان، ومصفَّحة بالصُّفر ([63]). ولا يختلف قبر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم في صورته عن صورة قبري العباس والحسن رضي الله عنهما. أما قبر إمام المدينة مالك بن أنس فعليه قبة صغيرة مختصرة البناء لا تكلف فيها ولا زخرفة، مثلها في ذلك مثل القبة المبنية على قبر عثمان بن عفان رضي الله عنه.                    
في حين كُتِب على قبر فاطمة بنت أســـد ()رضي الله عنها :
"ما ضمَّ قبرُ أحدٍ كفاطمة بنت أسد " (). ويذكر ابن جبير أن هناك بيتاً لفاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم بقرب القبة المبنية على قبري العباس والحسن رضي الله عنهما، يُعرَف ببيت الحزن، أوت إليه، والتزمت فيه الحزن عقب موته صلى الله عليه وسلم. ولا يعلق ابن جبير على هذا  الخبر؛ غير أن مما يثير الدهشة أن تلجأ فاطمة الزهراء رضي الله عنها لبيت في البقيع حزناً على أبيها فيما كان بيتها أقرب الدور لحجرة عائشة حيث دفن صلى الله عليه وسلم.
يعرج ابن جبير عقب ذلك على عدد من آثار المدينة المنورة، ويبدأ بذكر عدد من دور الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم وعنهن التي بقيت أطلال بعضها، من بينها : دار أبي بكر  رضي الله عنه التي تقع شرق الحرم. وكنا قد أشرنا لها من قبل، وأوضحنا أنها قد دخلت في توسعة الحرم التي أحدثت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويبدو أن ابن جبير لم يتثبت من الخبر، أو أن ثم داراً تقع في تلك الجهة تعارف الناس على أنها دار أبي بكر الصديق فأثبت الرحالة موقعها دون أن يمحص خبرها. وبقرب تلك الدار دار عمر، ودار ابنه عبد الله رضي الله عنهما. ويقابل باب جبريل – أحد أبواب الحرم – أي في جهة الشرق كذلك دار عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهي التي استشهد فيها. إضافة إلى ما  سبق، هناك : دار أبي أيوب الأنصاري، ودار عائشة، ودار عمر، ودار فاطمة، ودار أبي بكر رضي الله عنهم وعنهن. ويذكر ابن جبير أنه شاهد تلك الدور في قباء قرب مسجدها()، لكن المعروف أن أولئك الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم وعنهن قد قطنوا دوراً تحيط بالحرم النبوي الشريف؛ خاصة : عائشة وفاطمة وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم وعنهن أجمعين.
ومن الدور التي يذكر ابن جبير أنه شاهدها : دار مالك بن أنس([67])التي تقع قرب الحرم النبوي الشريف باتجاه الجنوب. وهناك كذلك : دار الصفة وتقع؛ كما يورد؛ في آخر قباء قرب تل عرفات. وتثير هذه المعلومة الحيرة قليلاً؛ لأن الصفة مكان مظلل في مؤخر الحرم النبوي الشريف. وربما يكون أهل الصفة قد اتخذوا تلك الدار في وقت متأخر فاشتهرت الدار الجديدة بذلك(). أو أنها دار أنشئت على غرار الصفة ولخدمة أغراضها نفسها؛ فسُميَّت باسمها نفسه. وربما التبس الأمر على ابن جبير، أو اختلطت عليه الأمكنة، وهو ما يمكن أن يقع لمن يزور مكاناً للمرة الأولى.
وعلى مسافة غير بعيدة من سور المدينة المنورة؛ من جهته الغربية؛ يقع الخندق الذي حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أثناء غزوة الخندق. ولا يصف ابن جبير هيئة الخندق؛ ولعل أجزاءً منه قد رُدِمت لطول العهد. وعلى حافة الخندق قام حصن العزاب الذي بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعزاب المدينة. والحصن؛ كما يصف ابن جبير؛ خَرِبٌ تَهدَّم أكثره بفعل السنين  والإهمال. وأخيراً، هناك قبة الزيت التي بُنِيت على الحجر الذي رشح منه الزيت للنبي صلى الله عليه وسلم،وتقع على مسافة من الخندق، ويبدو أنَّها كانت داخل نطاق السور الخارجي.
وابن جبير مدرك لقلة ما ذكر عن مشاهد المدينة المنورة وآثارها؛ لذا يعتذر في آخر ما يورده عنها قائلاً : " فهذا ذكر ما تمكن على الاستعجال من آثار المدينة المكرمة ومشاهدها على جهة الاقتضاب والاختصار " ().
ويُستشف مما أورده ابن جبير أن جُلَّ عناية المدنيين قد انصرفت آنذاك إلى قبور السلف الصالح من الصحابة والتابعين وغيرهم؛ فبنوا فوقها الشواهد والقباب. ولا تسعى هذه الأوراق للتبرير أو التماس الأعذار، فالنصوص الواردة في النهي عن البناء على القبور واضحة صريحة، لكن الأمر يبدو للمتأمل – بعيداً عن الحكم عليه – كما لو كانت تلك العناية طريقة المدنيين في إظهار محبتهم للسلف الصالح؛ خاصة الصحابة وآل البيت. وقد شاركهم في ذلك عدد من الولاة والحكام والسلاطين. ولعل مما يلفت النظر؛ مع عنايتهم بالقبور؛ أنهم لم يعنوا بكثير من الآثار المرتبطة بالسيرة النبوية في المدينة، وعلى رأسها الخندق؛ إذ لم يهتموا بتحديد مكانه. وقد شاركهم في هذا الرحالة الذين مروا بالمدينة. وإن كان ابن جبير قد أشار إلى الخندق – ولم يصفه – فإن ذكره سيغيب في رحلات تالية.
( 1 – 6 ) يعطي ابن جبير تفاصيل قليلة جداً عن الحياة العلمية في المدينة المنورة إبان زيارته لها. ولعل ذلك يرجع أول ما يرجع إلى أنه قصد برحلته زيارة الأمكنة المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولم يقصد طلب العلم. ويُرجِّح ذلك أن كل لقاءاته بأهل العلم في المدينة وغيرها كانت لقاءات عابرة غير مقصودة لذاتِها، وهي فوق  ذلك قليلة.
ولم يلقَ ابن جبير من أهل العلم في المدينة المنورة عدا صدر الدين الأصبهاني رئيس الشافعية. الذي رآه في مجلس وعظ في الحرم النبوي  الشريف، ولو لم يكن ذلك لما أورد ابن جبير شيئاً عنه. وكان الأصبهاني إضافة إلى علمه الذي ورثه كابراً عن كابر : رجلاً موسراً، ذا جاه وثراء، طلق الوجه، مستبشره، يُكرم زائريه ويبرهم. وقد زاره ابن جبير واستجازه()؛ فأجازه نثراً ونظماً. وكان، كما يقرر الرحالة، أعظم من شاهد في الحجاز علماً ومعرفة. وكان الأصبهاني هذا زائراً ولم يكن مقيماً بالمدينة، إذ زاره ابن جبير في مِضرَب؛ أي خيمة عظيمة؛ أطال التعجب من فخامتها وغرابة شكلها وهيئتها، وبديع صنعتها.
وقد قدم ابن جبير وصفاً مفصلاً لموعظة الأصبهاني؛ فما أن استوى على كرسٍ أُعِدَّ له بجوار الحجرة الشريفة؛ على ساكنها السلام؛ حتى شرع قراؤه في تلاوة القرآن بنغمات عجيبة، وألحان مطربة   شجية، فيما الأصبهاني يرنو إلى الحجرة الشريفة ويبكي. وعندما انتهى قراؤه، بدأ في خطبة بليغة، وكان يخطب بلغتين إحداهما العربية، والأخرى الفارسية. وكان يختم كل جزء من خطبته ببيت شعر من نظمه استحسنه ابن جبير يقول فيه :
هاتيك روضته تفوح نسيما       صلوا عليه وسلموا تسليما
وقد ظل الأصبهاني يعتذر من تقصيره، ويعجب من اجترائه؛ وهو الأعجم الألكن؛ على أن يخطب في حضرة أفصح العرب صلى الله عليه وسلم. وبلغ من قوة خطبته وبلاغتها أن سارع بعض الحاضرين إلى إعلان  توبتهم، كما ورد في موضع سابق، مُسلِّمين نواصيهم له كي يجز شعورهم. ولم يكتفِ الأصبهاني بذلك، بل كان يعمد إلى عمامته التي على رأسه فينْزِعها كي يضعها على رأس ذاك الذي جز ناصيته. وكما يورد ابن جبير، فإنه لم يطلب من وراء وعظه أمراً دنيوياً. وكل ما طلبه من الناس عقب انتهائه أن يضرعوا داعين كي يرضى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم()؛ فيسترضي الله عزَّ وجلَّ له. وقد سارع الناس بتلبية حاجته.
( 1 – 7 ) يسرد ابن جبير في رحلته موقفاً شهده في اليوم الأخير من أيام إقامته بالمدينة المنورة – في حرمها الشريف – أثار سُخطه، وبلغ من شناعته أن نادى : يا لله؛ يا للمسلمين. وبدأ الموقف – كما يحكيه الرحالة – بوصول خطيب الحرم يوم الجمعة السابع من المحرم عام 580هـ : " فصعد منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو [ الخطيب ]، على ما يُذْكَر، على مذهب غير مرضي، ضد الشيخ الإمام العجمي [ صدر الدين الأصبهاني] الملازم صلاة الفريضة في المسجد المكرم. … فلما أذن المؤذنون قام هذا الخطيب المذكور للخطبة، وقد تقدمته الرايتان السوداوان، وقد رُكِزتا بجانبي المنبر الكريم، فقام بينهما، فلما فرغ من الخطبة الأولى، جلس جلسة خالف فيها جلسة الخطباء المضروب بها المثل في السرعة، وابتدر الجمع مَرَدَةٌ من الخدمة يخترقون الصفوف، ويتخطون الرقاب، كُدْيةً()على الأعاجم والحاضرين لهذا الخطيب القليل التوفيق، فمنهم من يطرح الثوب النفيس، ومنهم من يخرج الشقة()الغالية من الحرير فيعطيها، وقد أعدها لذلك، ومنهم من يخلع عمامته فينبذها، ومنهم من يتجرد عن بُرْده()فيلقي به، ومنهم من لا يتسع حاله لذلك فيسمح بفضلة من الخام()، ومنهم من يدفع القُراضة من الذهب، ومنهم من يمد يده بالدينار والدينارين إلى غير ذلك، ومن النساء من تطرح خلخالها وتخرج خاتمها فتلقيه ….   والخطيب، في أثناء هذه الحال كلها، جالس على المنبر يلحظ هؤلاء المستَجْدين … إلى أن كاد الوقت ينقضي … وقد ضج من له دين وصحة من الناس … فاجتمع له من ذلك السحت المؤلف كوم عظيم أمامه، فلما أرضاه قام وأكمل الخطبة بالناس"().
ينم الموقف؛ الذي أوردناه كما جاء في الرحلة؛ عن جملة من الأشياء :
-أولها تديّن ابن جبير العميق الذي تجلى في أكثر من موضع من رحلته؛ إذ لم يصادف معروفاً إلا استحسنه وحمد أهله، ولم يرَ منكراً إلا استقبحه بحدة – أحياناً – وحمل على أهله. ويمكن أن   نلحظ؛ بالنسبة للموقف السابق؛ تلك الحدة النابعة من غضب الرحالة ماثلة في الكلمات التي صاغ بها الموقف فالخطيب : على مذهب غير مرضٍ، وهو قليل التوفيق، أراق عن وجهه ماء الحياء. أما الخدم الذين شرعوا في الاستجداء فكانوا مَرَدة، فيما سمى ما جمعه الخدم بـ : السُّحْت. ولم يكتفِ ابن جبير بذلك، بل رأى في الموقف نذيراً بضياع الدِّين وعلامة من علامات الآخرة.
-الأمر الثاني أن ابن جبير وإن كان أشار إلى أن الخطيب كان على مذهب غير مرضٍ؛ أي أنه كان شيعياً؛ فإنه لم يركز على الصراعات المذهبية، أو لم ينتبه لها. ولعل ذلك يرجع إلى أن تلك الصراعات لم تكن ظاهرة بدرجة كبيرة في مواسم الحج لغلبة الزوار من أهل السنة. وربما كان السبب في ذلك أن ابن جبير نفسه لم يختلط بأهل المدينة بحيث يلحظ مثل هذه الأمور فيكتب عنها. إضافة إلى أن أمير المدينة المنورة آنذاك القاسم بن مهنا كان على صلة بالسلطان صلاح الدين الأيوبي كما سيتبين في نقطة تالية، وقد كان لهذه الصلة أثرها القوي؛ حتى أن الأمير أسقط من الأذان عبارة : حي على خير العمل التي كانت تقال على مآذن المدينة المنورة().
-الأمر الثالث أن هذا الموقف يدفعنا للتساؤل عن الدوافع الحقيقية وراءه. فلا يبدو مما ورد في الرحلة عن المدينة المنورة أنها كانت تعيش ضائقة اقتصادية، أو ظروفاً صعبة اضطرت هذا الخطيب لبث أعوانه كي يستجدوا له من الحاضرين. ولا ندري إن كان يقتسم ما يجمع معهم أم أنه يحوزه وحده ! وإن كان الطمع هو الدافع الرئيس لتصرف الخطيب كما يظهر من وصف ابن جبير؛ فإن من المستغرب أن يسكت الناس عنه؛ خاصة وأن الأمر؛ كما ظهر في الرحلة، كان عادة جارية وليس حدثاً طارئاً بدليل أن بعض الحضور قد استعدوا لهذا الاستجداء فحملوا معهم ما يقدمونه. ويبدو أن هذا الصمت هو الذي دفع الخطيب إلى التمادي إلى حد تعطيل الفريضة حتى يجتمع له أكبر قدر ممكن من المال.
-الأمر الأخير أن ابن جبير؛ وإن لم يُعنَ بالحياة السياسية في المدينة المنورة
آنذاك؛ فإن سرده للموقف تضمن إشارة لطيفة إلى طرف من تلك الحياة؛ إذ
يقول : " وقد تقدمته [ الخطيب ]  الرايتان   السوداوان"(). ونفهم من هذه
الإشارة أن ولاء المدينة المنورة في ذلك الوقت كان للخلافة العباسية التي اتخذت السواد شعاراً لها. وقد كان هذا الولاء ولاءً صورياً لا تترتب عليه التزامات تمس الحياة العامة، ويكاد ينحصر في ذكر اسم الخليفة والدعاء له في الخطبة. واستمر ولاء المدينة المنورة للعباسيين حتى عندما اتصل أميرها آنذاك : القاسم بن مهنا بالسلطان صلاح الدين الأيوبي فزوده بأموال كثيرة لإصلاح مرافقها. ساعد على ذلك أن صلاح الدين نفسه لم يفكر في تغيير الإمارة في المدينة، أو ضمها إلى سلطنته؛ لانشغاله بمواجهة الصليبيين من جهة، ولمكانة الحرمين الشريفين : مكة والمدينة في نفسه من جهة أخرى. فاكتفى بذكر اسمه بعد اسم الخليفة في الخطبة وأقر أميرها على إمارتها ().




([1])( الأعلام 5/319-320)
([2]) يعرف اليوم بـ : سيرا نيفادا Sierra Nevada؛ انظر : شمس العرب تسطع على الغرب : 526
([3]) انظر: الرحلة : 14 – 15، 21 – 22، 189، 187 – 188، 298، 306 - 307 .
([4])انظر الرحلة : 187، 219، 230، 254، 277.
([5]) انظر: الرحلة : 13، 38، 39، 48، 268 – 269، 279 – 280.
([6])انظر: الرحلة : 264.
([7]) انظر: الرحلة : 280.
([8])انظر: الرحلة : 225 .
([9]) يقع البقيع شرق المدينة المنورة، وهو مقبرة أهلها. وأصل البقيع كل موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى؛ انظر: وفاء الوفا: 4/1154.
([10])أُحُد : جبل من جبال المدينة، يقع إلى شمالها على مسافة ثلاثة أميال منها تقريباً، وفيه قال الرسول صلى الله عليه وسلم لما بدا له وهو عائد من غزوة خيبر : ( هذا جبل يحبنا ونحبه )؛ وفاء الوفا : 3 / 925.
([11])محمد بن علي جمال الدين أو الجواد الأصفهاني ( الأصبهاني ) ( … - 559هـ):
 كان وزيراً في عهد الأتابك زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل. ولي نصيبين، ثم ولي الإشراف على المملكة كلها. تولى الوزارة في عهد سيف الدين غازي، قبض عليه قطب الدين مودود عام 558 هـ ، وسُجن بقلعة الموصل حتى مات، ونُقِل إلى المدينة المنورة حيث دُفِن في رباط أقامه لنفسه هناك. كان من الأجواد المبالغين في الإنفاق، وقد بنى سور المدينة؛ الأعلام : 6 / 278.
([12])الرحلة : 102-103.
([13])انظر : المدينة المنورة " البيئة والإنسان " : 170؛ التاريخ الشامل للمدينة المنورة : 1 / 249.
([14]) أورد الفيروز آبادي خبر هذه العين برواية عن الزبير بن بكار عن طلحة بن خراش قال: كانوا أيام الخندق، يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخافون البيات، فيدخلون به كهف بني حرام، فيبيت فيه، حتى إذا أصبح هبط. وقال: ونقر رسول الله صلى الله عليه وسلم- العيينة التي عند الكهف، فلم تزل تجري حتى اليوم. وهذا الكهف الذي ذكره معروف في غربي جبل سلع، على يمين السالك إلى مساجد الفتح، من الطريق القبلية، وعلى يسار السالك إلى المدينة، إذا زار المساجد وكرَّ راجعاً إلى المدينة، مستقبله للقبلة، تقابله حديقة نخل تُعرف بالغنيمة في بطن وادي بُطحان، غربي جبل سلع، وهذه العين التي ذكرها الزبير من جملة ماذهب ودثر، لايعرف لها اليوم عين ولا أثر، والله تعالى أعلم. وهذه الرواية لا يأخذ بها أهل الحديث لأن في سندها ابن زبالة وهو متهم بالكذب. انظر المغانم المطابة في معالم طابة 3/974.
([15]) الرحلة: 175-176 .
([16]) مفردها سقاية : بكسر السين أو فتحها موضع السقي، أو ما يبنى لجمع الماء. القاموس المحيط ، (سقي) ص1671.
([17]) المستقى الرئيسي لأهل المدينة خلال القرون الماضية، وأصلها بئر يقع غربي مسجد قباء، تجري في قناة تحت الأرض أنشئت بأمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان وأشرف على إنشائها مروان بن الحكم الذي كان أميراً على المدينة، وتمتد هذه القناة إلى شوارع المدينة المنورة الرئيسية وتجري بمحاذاتها قناة أخرى لصرف المياه المستعملة وتصب شمالي المدينة وقد تحول مسماها إلى ( مصلحة مياه ومجاري المدينة المنورة عام 1378). انظر: وفاء الوفا : 3 / 985 – 987. التحفة الشماء في تاريخ العين الزرقاء .
([18])الحسنيون هم الذين ينتسبون للحسن بن علي رضي الله عنه؛ والحسينيون هم الذين ينتسبون للحسين بن علي رضي الله عنه؛ أما الجعفريون فهم الذين ينتسبون لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
([19]) انظر:  الرحلة : 101-153.
([20])المهدي أبو عبد الله محمد بن عبد الله ( 127 – 169 هـ ) : تولى الخلافة بعد أبيه المنصور في ذي الحجة عام 158هـ، وأقام في الخلافة عشر سنين وشهراً. مات في ماسبذان صريعاً عن دابته في الصيد، وقيل مسموماً. كان محمود العهد والسيرة محبباً إلى رعيته؛ الأعلام :6 / 221.
([21])تاريخ المسجد النبوي الشريف : 49.
([22])إحدى طرق بناء الطوب وهي لَبِنتان مختلفتان؛ انظر : المدينة المنورة تطورها
العمراني وتراثها المعماري : 60.
([23]) انظر:  الرحلة : 171 .
([24])انظر : وفاء الوفا : 2 / 394 – 395، إذ يورد السمهودي تعليقاً جيداً حول هذا الموضوع.
([25])قَصَر الشيء : حبسه، ومنه مقصورة المسجد. وقد اختلف في أول من اتخذ مقصورة؛ فقيل عثمان بن عفان رضي الله عنه مخافة أن يقتل عندما ولي الخلافة بعد مقتل عمر رضي الله عنه. بناها من اللَبِن، فجعلها عمر بن عبد العزيز من خشب الساج حين بنى الحرم في عهد الوليد بن عبد الملك. وقيل إن أول من اتخذها مروان بن الحكم بعدما عدا عليه رجل فحاول قتله بسكين كان معه؛ فبنيت من الطين وجعل فيها شبك، وقد احترقت في حريق الحرم الأول سنة 654هـ؛ انظر : وفاء الوفا : 2 / 510 – 512.
([26]) انظر:  الرحلة: 172.
([27])عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أبو حفص ( 61 – 101 هـ ) : أحد خلفاء بني أمية. ولد ونشأ بالمدينة وولي إمارتها في عهد الوليد بن عبد الملك، ثم استوزره سليمان بن عبد الملك بالشام. ولي الخلافة بعهد من سليمان عام 99 هـ، ودامت خلافته عامين ونصف العام. قيل دس له السم وهو في دير سمعان من أرض المعرة فتوفي ودفن هناك، وأخبار عدله وحسن سياسته كثيرة؛ الأعلام : 5 / 50.
([28])وفاء الوفا : 1 / 370، أما الوليد بن عبد الملك ( 48 – 96 هـ ) : فأحد الخلفاء الأمويين، ولي الخلافة بعد أبيه عام 86 هـ. امتدت في عهده حدود الدولة إلى بلاد الهند فتركستان فأطراف الصين شرقاً. كان ولوعاً بالبناء والعمران توفي في دير مران ودفن في دمشق؛ الأعلام : 8 / 121.
([29]) انظر: عمارة المسجد النبوي ص  47  محمد عبدالغني إلياس.
([30]) الرحلة  169 .
([31])هذا واحد من الأمور التي وهم فيها كثيرون، ففاطمة رضي الله عنها دفنت في البقيع. انظر وفاء الوفا : 2 / 901
([32])بنيت هذه القبة عام 576 هـ، أي قبل وفود ابن جبير بأربعة أعوام، ولعل هذا ما جعله يصفها بالجدة، انظر : وفاء الوفا : 2 / 600.
([33]) انظر:  الرحلة : 172.
([34]) انظر:  الرحلة : 171.
([35])متفق عليه، واللفظ للبخاري، كتاب الصلاة ، رقم الحديث: 447.
([36])وفاء الوفا : 2 / 473 – 474؛ تاريخ المسجد النبوي : 144 – 145.
([37]) انظر:  الرحلة : 173.
([38])الرحلة : 179.
([39]) تذكر بعض المصادر أن صلاح الدين الأيوبي هو أول من أوقف خدماً مخصوصين على الحرمين، وأنهم كانوا من الخصيان الأحباش والصقالبة. انظر: مخطوط : ( تحفة المحب للمحبوب في تنزيه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل خصي ومجبوب ص7 . لشمس الدين محمد بن زين الدين.
([40])الرحلة : 188.
([41])لا يذكر السمهودي في وفاء الوفا شيئاً عن هذا المسجد عند تعداده لمساجد المدينة المنورة. والمساجد الموجودة قرب أحد ويذكرها ثلاثة : مسجد القبيح [ هكذا ولعله مسجد الفسح ]، ومسجد في ركن جبل عينين الذي وقف عليه الرماة في غزوة أحد، ومسجد العسكر؛ والأخيران كما يذكر متهدمان. ومما يورده السمهودي يتبين أن قبر حمزة رضي الله عنه قائم دون أن يكون عليه مسجد. وربما اختلط الأمر على ابن جبير، أو أن المسجد الذي شاهده على قبر حمزة رضي الله عنه قد هُدِّم. انظر: وفاء الوفا:3/848.
([42]) انظر:  الرحلة :174.
([43])جدده جمال الدين الأصفهاني عام 555 هـ، وفاء الوفا : 3 / 810.
([44])الرحلة : 167.
([45])الرحلة : 176.
([46])سَلْع : أحد جبال المدينة، ويقع غربها بسوق المدينة. والسلع في اللغة الشق وربما سمي بذلك لكثرة شقوقه. المغانم المطابة 2/846 .
([47]) انظر: المساجد الأثرية في المدينة النبوية : 138 – 139.
([48])السابق : 11 – 12.
([49])تقع هذه المساجد على السفح الغربي من جبل سلع، وتعرف اليوم مع مسجدين آخرين بالمساجد السبعة. انظر: المساجد الأثرية ص131.
([50]) انظر:  الرحلة : 173-176.
([51])رَحَبَة المسجد ساحته وتجمع على رَحَب ورَحَبَات. انظر: القاموس المحيط ، رحب ص113-114 .
([52])المِهْراس : ماء بجبل أحد يجتمع في نُقَر كبار وصغار، والمهراس اسم لتلك النقر؛ وفاء الوفا : 4 / 1315.
([53])انظر : السيرة النبوية لابن هشام : 3 / 32؛ وفاء الوفا : 3 / 930، 4 / 1243.
([54]) انظر: فضائل المدينة المنورة : 3 / 225 - 231.
([55]) انظر:  الرحلة : 173.
([56])صفية بنت عبد المطلب بن هاشم ( … - 20 هـ ) :  إحدى عمات النبي صلى الله عليه وسلم، أسلمت قبل الهجرة. تزوجت الحارث بن حرب بن أمية، ثم العوام بن خويلد ومنه أنجبت الزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة. توفيت  في المدينة في خلافة عمر بن الخطاب. لها مراثٍ رقيقة وفي شعرها جودة؛ انظر : المعارف : 57؛ الأعلام :  3 / 206.
([57])ولدته أمه مارية القبطية في عام 8 هـ، وعاش سنة وأربعة أشهر وتوفي في شهر ربيع الأول من عام 10 هـ ودفن بالبقيع، انظر : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 367؛ وفاء الوفا : 3 / 891.
([58])عبد الرحمن الأوسط هو : أبو شحمة الذي ضربه أبوه حداً في الشراب وفي أمر آخر فمات؛ المعارف : 81.
([59])عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ( … - 60 هـ ) : كنيته أبو يزيد. أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها  وأنسابها. صحابي فصيح اللسان، شديد الجواب. أُسر يوم بدر ففداه عمه العباس بن عبد المطلب. أسلم بعد الحديبية، وهاجر إلى المدينة عام 8 هـ. عمي في أواخر حياته، وتوفي في أول أيام يزيد وقيل في خلافة معاوية؛ الأعلام : 4 / 242.
([60])عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ( 1 – 80 هـ ) : صحابي  ولد بالحبشة لما هاجر أبواه إليها، وهو أول من ولد بها من المسلمين. وكان كريماً يسمى بحر الجود وللشعراء فيه مدائح. وكان واحداً من أمراء جيش علي رضي الله عنه يوم صفين. توفي ودفن بالمدينة؛ الأعلام : 4 / 76.
([61]) انظر:  الرحلة : 173-174.
([62])معلوم أن بناء الشواهد والقباب على القبور من الأمور التي نهى عنها الشرع.
([63])الصُّفر : النحاس.
([64])فاطمة بنت أسد بن هاشم ( … - نحو 5 هـ ) : أم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. نشأت في الجاهلية بمكة، وتزوجت بأبي طالب. وقد أسلمت بعد وفاته، وهاجرت إلى المدينة مع أبنائها. ألبسها الرسول صلى الله عليه وسلم لمَّا ماتت قميصه، وكان قبرها واحداً من خمسة قبور نزلها الرسول صلى الله عليه وسلم واضطجع فيه، وقال بعد دفنها: جزاك الله من أم وربيبة خيراً، فنعم الأم ونعم الربيبة كنت  لي، وفاء الوفا : 3 / 898؛ الأعلام : 5 / 30.
([65])الرحلة : 174.
([66]) انظر:  الرحلة : 175.
([67])مالك بن أنس بن مالك الأصبحي ( 93 – 179 هـ ) : إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة، وإليه تنسب المالكية. ولد وتوفي في المدينة. كان صلباً في دينه بعيداً عن الأمراء والملوك. صنف الموطأ وعدداً من المصنفات الأخرى؛ الأعلام : 5 / 257 – 258.
([68])وفاء الوفا : 2 / 453 – 454.
([69])الرحلة : 176.
([70])الإجازة شهادة قيمة يعطيها أحد العلماء لطالب العلم تشهد على صحة رواية ما تلقاه الطالب عنه من علم، انظر : تاريخ النظم والحضارة الإسلامية : 254 – 256.
([71]) يطلب الرضى من الله عز وجل وليس من خلقه.
([72])الكدية : الاستجداء والاستعطاء بإلحاح وما جمع من طعام أو شراب؛  وتجمع على كُدًى. القاموس المحيط ( كدى) ص1711 .
([73])الشِّقة : ما شُقَّ من ثوب أو نحوه مستطيلاً، وتجمع على شِقَق وشِقَاق. القاموس المحيط ( شقق) ص1159 .
([74])البُرد : كساء أسود مربع تلبسه الأعراب ويجمع على بُرَد. القاموس المحيط ( برد) ص341.
([75])الخام : الجلد لم يدبغ أو لم يبالغ في دبغه. القاموس المحيط ( خيم) ص1427 .
([76]) انظر: الرحلة : 179 – 180.
([77]) انظر: التاريخ الشامل للمدينة : 2 / 182 – 183.
([78])الرحلة : 179.
([79])التاريخ الشامل للمدينة المنورة : 2 / 169 – 170، 182 – 183، 191 – 192.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا