التسميات

السبت، 7 مايو 2016

تأثير التنمية الحضرية على المظهر العام للمدينة المنورة - أ.د. محمد شوقي بن إبراهيم مكي ...

تأثير التنمية الحضرية
على المظهر العام للمدينة المنورة

أ.د. محمد شوقي بن إبراهيم مكي - مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة - العدد الأول :

تقديم
كانت المدينة المنورة تقدم نسيجاً عمرانياً وحضارياً فريداً طُرِّزَ خلال مراحل متعددة من تاريخها الطويل. ولا تزال بقايا هذا التطريز تتجلى في تركيبها ومظهرها الحضاري العام.  كان هناك تناغم كبير بين تركيب المدينة Structure ومظهرها العام     Landscapeويبدو أنه خلال نحو الأربعة عشر قرناً الماضية قد أصاخ البناؤون والمخططون سمعهم وسلوكهم لما كان يهمس به هذا المظهر العام، وأن تصرفاتهم كانت تتم بناء على هذا الانسجام بين الإنسان وظروف البيئة الطبيعية والبشرية المحيطة بها. وقد أوجدت الخصائص الفريدة للمكان الملامح التي اعتمدت عليها برامج تطوير وتنمية المدينة المقدسة.
وبينما يظهر تحليل خصائص المكان بعض التناقضات الظاهرية التي تبدوا أنها معيقة لاستمرار التناغم بين عناصر المظهر العام إلا أن هناك عوامل رئيسية ثلاثة تؤكد خصوصية التجربة الحضرية للمدينة المنورة هي:
1- الاختلاف المميز بين خصائص الموضع المتمثلة في السهل والجبل والحرار المحيطة بالمظهر الحضاري العام الذي يُظهر الصبغة المحلية للامتداد المكاني، والصبغة العضوية في المخطط الذي يمثل عمراً زمنياً متفاوتاً، والصبغة العالمية المتمثلة في اجتذاب الزوار من الآفاق والتي انعكست في شبكة من الأنماط المعمارية والسلوكية في المجتمع المدني. ولقد أدت الأهمية الروحية للمكان إلى المزيد من الترابط بين السكان على الرغم من الأنماط الحضارية المختلفة التي انصهرت ضمن تعاريج المكان بين السهل والجبل والوادي. ولم تؤد هذه التعاريج والاختلافات إلى التنافر وإنما إلى التأكيد على التوجيه المحافظ على خصائص المكان والسكان.

2- ويظهر العامل الثاني في النمط المعماري الإسلامي الراقي للمسجد النبوي الشريف قبل التوسعة السعودية الأولى وبعدها، وانسجامه مع الاستخدامات السكنية والتجارية والخدمية حوله. فقد كان المسجد النبوي الشريف يمثل الصورة المركزية لهذا المظهر العام والذي كان يجذب الزائر من أي اتجاه قدم منه للمدينة ويربطه روحياً بهذا المكان. وفي الواقع يشعر الزائر أو المقيم العائد للمدينة المنورة دون أدنى شك بأن هذا المركز وجد ليكون هناك، وأن عليه أن يصل إلى هذا المكان بأي طريق. وقد لاحظ فيلبي أنه على الرغم من ازدحام المباني حول الجانب الجنوبي للمسجد النبوي إلا أنه تميز بإمكانية رؤيته من عدة أماكن خارج المدينة، وأن هذه الرمزية مهمة ليست للمدينة فقط وإنما للجزيرة العربية كلها([1]) .
ولم يكن أي مبنى في المدينة حتى الثمانينات من القرن الرابع عشر الهجري يحجب رؤية هذا المركز لمسافة تصل إلى أكثر من 20كم في الجهة الغربية، ونحو 15كم في الجهة الشرقية، ونحو 7كم في الجهة الشمالية، ونحوها في الجهة الجنوبية (صورة رقم1).
صورة رقم (1أ): المدينة المنورة وتبرز فيها منائر المسجد النبوي الشريف.
صورة رقم (اب): المدينة المنورة في سنة 1402هـ ولا تزال تبرز فيها منائر المسجد النبوي الشريف
ولقد كانت اللوحة المعمارية للمسجد النبوي ابتكاراً ونصراً هندسياً وضعت أسسه من عند الخالق عز وجل عندما أمر القصواء بالإناخة في موضع المسجد([2]). و برع المعماريون على مر الزمان في حل إشكالية الربط المتواصل بين المركز والبيئة المحيطة، بحيث أصبح هذا المركز بقبته الخضراء علامة مميزة طبيعية وحضارية وروحية تهفو إليها أفئدة كل مسلم، وتعكس مهارات عظيمة مارسها الإنسان في التخطيط والبناء والرسم والخط والربط بين عناصر استخدامات متعددة، مما يمثل تراثا إنسانياً تجب المحافظة عليه.
3- ويتمثل العامل الثالث في سيادة الخضرة في المدينة القديمة والتي تطوقها كتطويق السوار للمعصم، بل وتتخللها كتخلل الشرايين للجسم مع الأودية التي تتخلل المدينة وتسيل في الفصول المطيرة، مما يشكل صورة جانبية حادة وسطحا أفقيا منسجما يربط بين المظهر العام الممثل للمدينة والريف (صورة رقم2). فليس هناك فصل بين حياة المدينة والريف، وإنما يشكل المظهر العام كلا متكاملا مكانيا واقتصاديا واجتماعيا حتى في فترات بناء الأسوار حول المدينة خلال العصور الوسطى لغرض الحماية. لقد قامت المزارع داخل المدينة وحولها بوظائف هامة للإنتاج الاقتصادي، وكمتنفس يوفر الهواء النظيف داخل البيئة الحضرية وحولها، بالإضافة إلى أنها مكان مناسب جدا للترفيه وقضاء أيام الإجازات بأجر أو بتأثير الروابط الاجتماعية التي تربط بين أصحاب المزارع وسكان المدينة المنورة. فكما لاحظ فيلبي قيام أهل المدينة بالنزهة في البساتين المحيطة بها على ظهور الحمير والبغال، وخلال موسم الحج عندما تتوفر سيارات نقل الحجاج بين مكة والمدينة تستخدم هذه السيارات للنزهة والزيارات للأهالي والحــــجاج([3])
لقد تغيرت هذه المظاهر خلال الثلاثين سنة الماضية، فبدأت تظهر كثير من المباني المتباينة الارتفاع والمختلفة في التصميم المعماري، مما حجب هيمنة المسجد النبوي الشريف على خط الأفق، وبدأ الإنسان يسوى الأرض، وينسف الجبال، ويبني في مكانها المباني الشاهقة، ويبني في بطون الأودية بعد أن أقام السدود وحجب مرور المياه داخل المدينة، مما أفقد التناغم السابق بين البيئة الطبيعية والمظهر الحضاري العام. والأهم من هذا وذاك هو إزالة المساحات الخضراء داخل المدينة القديمة وخارجها بشتى الطرق، واستبدالها بالكتل العمرانية، مما أدى إلى تناقص هذه المساحات وأصبح يهددها بالزوال، مما يعني فقد المدينة لميزة فريدة استمرت لقرون عديدة. وأتى الإنسان المعاصر في خلال نحو ثلث قرن ليعبث ويخرب ما بني بعرق الرجال خلال مئات الـسنين، فأوجد تحولا وعزلا مفاجئا بين المدينة والريف (صـورة رقم3).
صورة رقم (2): جانب من المظهر العام في المدينة المنورة الممثل للحياة الحضرية والريفية (منطقة العوالى وقربان وقباء).
صورة رقم (3): مزارع تتحول تدريجياً إلى مباني.
وعلى أية حال، فبالإضافة إلى العوامل الرئيسية السابقة فإن تميز المدينة المنورة يبرز أيضاً من خلال التنوع في الخصائص، فهي مكان له خصوصية دينية لوجود قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجده ثاني أهم مسجد تشد له الرحال ويزوره المسلمون من كل أنحاء العالم، وهي مكان اقتصادي يشجع على الإنتاج والتجارة والصناعة لوجود الموارد المائية والتربة الصالحة للزراعة والنقل الجيد والموقع الاستراتيجي الذي يمكن من جلب المواد الخام غير المحلية وتصدير المواد المصنعة، فهي إذن مكان للطبيعة والحضارة، مكان حضري وريفي، ومكان تذكاري ومحلي تبرز فيه التقنيات الحضارية العالمية والأفكار الأصيلة التراثية المرتبطة بالحرف والصناعات المحلية. وهي مكان يرتبط بإدارة محلية، ولكنه ذو علاقات إقليمية ووطنية وقومية ودولية بارزة لأهميته الإسلامية. فهي قطب مهم للتنمية والحضارة في غرب المملكة العربية السعودية، ومن ثم فإنه ليس من المستغرب أن تبذل عناية كبيرة في تخطيط المدينة المنورة وتنميتها المتوازنة والحذرة.
إن النوعية المميزة للمظهر العام للمدينة المنورة على مدى قرون عديدة تعكس العناية التي حظيت بها المدينة طيلة هذه القرون من قبل القطاعين العام والخاص. فهذه العناية لم تقتصر على الحاكم أو الأمير، وإنما اهتم بها القاضي والمحتسب، والتاجر والمزارع، والمقيم والزائر، والموظف والعامل وغير العامل.
ومن هنا تبرز أهداف الدراسة في تحديد الخصائص الطبيعية والحضارية للمدينة المنورة، مع إبراز الثغرات التي حصلت خلال الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية على هذه الخصائص والتعرف على تأثير التفاعل البشري البيئي على احتمال تدهور خصائص البيئة المحلية، ومن ثم وضع التصورات التي يمكن أن تحفظ البقية الباقية من هذه الخصائص. ولتحقيق هذه الأهداف قد تبرز بعض التساؤلات التي يمكن أن تقود عمليات البحث وهي:
1- ما هي الخصائص الطبيعية والحضارية التي تميز المدينة المنورة؟.
2- هل كل هذه الخصائص جيدة ومساعدة على استمرار الحياة المنسجمة للسكان؟.
3- ما نوع التغييرات التي حصلت على هذه الخصائص خلال تاريخها الطويل وهل التغيرات تتجه إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟
4- هل يمكن المحافظة على الجيد من هذه الخصائص ومعالجة السيئ منها؟.
خصائص المكان وآثارها:
كان الموقع الأصلي للمدينة المنورة عدة قرى أهمها قرية يثرب التي يعتقد أنها تقع في ما يعرف الآن بالعيون والتي سكنت من قبل جماعة من العماليق يقال لهم عابيل، ثم توالت الهجرات إلى هذا الموضع والمواضع القريبة منه حتى جاء الإسلام في سنة 622م ووحدها في مدينة واحدة أصبح يطلق عليها المدينة المنورة([4]).
 وتقع هذه المدينة على خط الطول 36   39 شرقاً ودائرة العرض 38    24 شمالا.
ويمكن اعتبار المدينة المنورة من مدن الواحات المحاطة بالجبال والحرات، وتتخللها أو تحيط بها الوديان الكبيرة (بطحان، العقيق، قناة)، والصغيرة (مذينيب، مهزور، رانوناء). وتنتشر المزارع على ضفاف هذه الوديان  حيث تتوفر التربة المناسبة للزراعة، والموارد المائية الكافية في فصل الأمطار وخارج هذا الفصل الذي هو غالبا فصل الشتاء أو الربيع.
ويرتبط امتداد هذه الأودية ومظاهر السطح الرئيسية في المدينة بالتركيب الجيولوجي للمدينة. ويعكس هذا التركيب تنوعا واضحا في الخصائص الطبيعية للمكان، حيث نجد التركيبات التالية (شكل رقم 1):
1- التكوين الرباعي الذي يغطي معظم المدينة المنورة، ويمتد نحو الجنوب على شكل جيب مفتوح نحو الشمال. ويتألف هذا التكوين من الحصباء والرمل الطيني والغريني المتراكم من تفتت الصخور المنقولة من التكوينات البركانية القديمة وتكوينات ما قبل الكمبري.
2- تكوينات ثلاثية ورباعية تحيط بالجيب الرباعي من الشرق والجنوب والغرب، وتتألف هذه التكوينات من صخور بازلتية.
3- تكوينات الأندسايت القديمة وتمتد بشكل رئيسي غرب المدينة المنورة، والتي تضم التراكيت وبعض الرايولايت والفونولايت.
4- الجرانيت الأحمر الذي يمتد غربي المدينة جهة جبال الجماوات التي تعتبر مصدرا رئيسيا لتوفير الرمل والحجر الأحمر.
وبالإضافة إلى هذه التكوينات الرئيسية تتناثر تكوينات أخرى وتتداخل مع التكوينات السابقة مثل التكوينات الأسيدية النارية، والجرانيت النيسوزي، والشست السرسايني والكلورايتي، وهناك بعض الصدوع الممتدة على شكل أنصاف دوائر غربي المدينة المنورة المنحدرة نحو الشرق والجنوب الشرقي. كما توجد بعض السبخات الملحية، وخاصة في شمال المدينة.
الشكل رقم (1)
التركيب الجيولوجي للمدينة المنورة
المصدر: مكي، محمد شوقي إبراهيم، أطلس المدينة المنورة، ص13.
ومن الواضح أن هذا التعقيد في التركيب الجيولوجي لموضع المدينة المنورة أدى إلى وجود العديد من العناصر التعدينية الهامة التي استغلت منذ فترات طويلة، ويمكن أن يطور استغلالها اقتصاديا ضمن برامج تنمية المدينة المنورة، مثل استخدام المواد الحرارية (الصلصال والمغنسيوم والسيليكا)، واستخدام الطين والحجر والرخام كمواد بناء أساسية. كما أدى ذلك التعقيد إلى تكون تربة غنية ساعدت على النمو الزراعي، خاصة في جنوب المدينة المنورة حيث تختلط التكوينات الرباعية بمفتتات الصخور البركانية، مما أدى إلى تكون تربات صلصالية ثقيلة في مناطق العوالي وقربان وقباء، بالإضافة إلى التربات الصلصالية الخفيفة في مناطق العيون وسيد الشهداء شمالي المدينة المنورة. وهناك التربة الغرينية عالية الخصوبة على ضفاف وبطون الأدوية. كما توجد الترب الرملية عند أقدام الجبال الغربية في منطقة آبار علي، والشمالية الغربية في منطقة الجرف.
وتتميز المرتفعات حول الجيب الرباعي الذي تشغله المدينة المنورة بكونها مرتفعات فردية لم تستغل للسكن أو البناء، كما يحدث في المدن الأخرى إما للأهمية الدينية والتاريخية لهذه الجبال مثل جبل أحد لقوله صلى الله عليه وسلم: (هذا جبل يحبنا ونحبه) ([5])، أو لورود بعض الروايات عن عدم محبة بعض الجبال مثل جبل عير([6]) لقوله صلى الله عليه وسلم: (..وهذا جبل يبغضنا ونبغضه إنه على باب من أبواب النار) ([7]). وقد ضعف الألباني والهيثمي هذا الحديث
وتنحدر أرض المدينة المنورة بشكل عام من الجنوب إلى الشمال، حيث يبلغ معدل الارتفاع في الجنوب 620م، وفي الشمال 595م، مما جعل معظم أودية المدينة تتجه من الجنوب إلى الشمال، حيث تجتمع في مجمع الأسيال غربي جبل أحد، ثم تتجه نحو الشمال الغربي لتلتقي مع أودية النقمي والحمض الذي ينتهي على ساحل البحر الأحمر.
أما مناطق الحرات فهي أقل ارتفاعا من هذه الجبال، وتقع في الغالب في شرق وغرب وجنوب المدينة المنورة، وتتميز بهشاشة صخورها وتضرسها وكثرة الشقوق والأطراف الحادة خلالها.
ويتميز مناخ المدينة المنورة بخصائص معينة كانت لها انعكاسات عديدة. ويمكن وصف مناخ المدينة المنورة بشكل عام بأنه مناخ مداري قاري حار، يتأثر بخصائص مناخ البحر المتوسط في الشمال، والمناخ الموسمي في الجنوب، والمناخ القاري في الشرق، كونها تقع في العروض المدارية بارتفاع محدود عن سطح البحر (590-620م)، وبعيدة عن المسطحات المائية حيث تبعد عن ساحل البحر الأحمر الشرقي بنحو 240كم. ولهذا كان المتوسط العام لدرجات الحرارة مرتفعاً، يصل إلى نحو 28م، ويرتفع هذا المتوسط إلى نحو 36م في شهر يوليو، وينخفض إلى نحو 18م في شهر يناير. وقد تصل درجات الحرارة الفعلية إلى قيم تختلف كثيرا عن هذه المعدلات حيث تسجل أحيانا درجات تصل إلى 48م في شهر يوليو، كما حدث في سنة 1987م، وتمتد الفترات التي يمكن أن تسجل فيها مثل هذه الدرجات المرتفعة إلى ما بين شهري أبريل وأكتوبر (نحو 7 أشهر من السنة). كما تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من 15م في بعض أيام شهري ديسمبر ويناير، ثم ترتفع درجات الحرارة إلى أكثر من 20ْ في بقية السنة، مما يعني أن درجات الحرارة مرتفعة في معظم أشهر السنة.
ونتيجة لهذه الصفات القارية يتميز مناخ المدينة المنورة بالجفاف، إذ يبلغ متوسط التساقط السنوي نحو 42ملم يصل معظمه في أشهر نوفمبر ويناير، أو مارس وإبريل، ونادرا ما تسقط الأمطار في فصل الصيف، وهي غالبا من الأمطار الإعصارية التي تجلب السيول التي تمتليء بها أودية المدينة المنورة. وقد ترتفع معدلات المطر في بعض السنوات، كما حدث في سنة 1971م حين بلغ المعدل السنوي نحو 104ملم، وتنخفض في بعض السنوات إلى أقل من 1مم، كما حدث في سنة 1973م. ولعل هذا هو السبب الرئيسي في انخفاض معدل الرطوبة النسبية في المدينة المنورة إلى أقل من 5% في أشهر يونيو ويوليو، وارتفاعها النسبي في أشهر نوفمبر ويناير وفبراير إلى نحو 55%. والرياح السائدة في المدينة المنورة هي الرياح الغربية، والجنوبية الغربية، والشمالية الغربية، والجنوبية الشرقية، وهي رياح متوسطة السرعة تتراوح بين 20-25 عقدة/الساعة، وقد تتسرب في بعض أيام السنة الرياح الشرقية، أو الشمالية الشرقية، وهي رياح حارة تحدث غالبا في فصل الصيف. أما الرياح الشديدة التي تتجاوز سرعتها 40 عقدة/الساعة فهي نادرة وغالبا ما تأتي من الاتجاهات الغربية والجنوبية الغربية. ولعل سبب ذلك هو انخفاض الضغط الجوي بشكل عام في المدينة المنورة، فإنه يتراوح بين 932-935 مليبارا في أشهر الصيف، ويرتفع قليلا في أشهر الشتاء إلى نحو 950مليبارا.
وقد نتج عن هذه الخصائص العديد من الآثار التي صاغت تميز المدينة المنورة في نموها المحلي ومظهرها العام، وأهميتها الخارجية. فلقد أدت الخصائص الطبوغرافية للموضع إلى ظهورها النشأة الأولى للمدينة المنورة في المنطقة المنخفضة المستوية السطح، ثم نمت تدريجيا على المناطق المتوسطة الارتفاع في جنوب المدينة، ولكنها لم تتجه إلى المناطق الجبلية المرتفعة على الرغم من حدوث النزاعات العرقية والقبلية بين سكانها في الفترات السابقة للإسلام، واستخدمت بدلا عن ذلك الحصون والآطام للحماية. وبذلك بقيت بعض الجبال أعلاما ترصع محيط المدينة مثل جبال أحد، وسلع، والجماوات، وعير. ولعل تحديد نقطة الصفر الديموغرافية تظل نظرية إذ لا توجد أدلة قطعية تحدد تاريخا دقيقا لنشوء المدينة، فتنامي المجتمعات الحضرية يخضع لشروط معقدة تتصل بخصائص المكان الطبيعية والبيئية. وهناك آراء عديدة حول نقطة الصفر هذه، لعل أقربها ما ذكر من احتمال الاستيـطان الأول في المدينة في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميـلاد([8]).وقد كانت المنطقة خلال هذه الفترة تتميز بوفرة أمطار البلايستوسين، خاصة خلال الدور الرطب الثاني الذي امتد حتى الألف الأول قبل الميلاد، وربما حتى القرون الأولى من الميلاد. ولهذا وصفت الجزيرة العربية بأنها كانت كالجنات التي تجري بها المياه، وتنمو فيها النباتات الوفيرة([9]).ولهذا استغلت مجاري الوديان في المدينة وضفافها للاستخدام الزراعي. ولكن التغيرات المناخية التالية والتي جلبت الجفاف للمنطقة جعلت هذه الأودية وما تختزنه من مياه الأمطار حيوية وكافية في الوقت نفسه لذلك الاستخدام، وشكلت هذه الاستخدامات نظاما لتوزيع الأراضي الزراعية والحضرية التي توضح العلاقة القوية بين عناصر البيئة المحلية وطبوغرافيتها. ولكن مع تطور الزراعة في القرن العشرين واستخدام وسائل السحب الحديثة حدث خلل في التوازن بين ما يترشح إلى الطبقات الحاملة للمياه وبين ما يسحب منها للاستخدامات الزراعية وغير الزراعية، مما شكل بداية معاناة المدينة المنورة من شح المياه الصالحة للاستخدام الآدمي منذ السبعينات. وهذا يعني أن الخصائص الحضارية لامست وتفاعلت مع الخصائص الطبيعية في المنطقة.
وكانت مياه الأمطار تجري في الوديان فتغذي الطبقات الحاملة للمياه على طول مجاريها الجنوبية والشمالية، ويخترق بعضها المدينة، فيغير قليلاً من مورفولوجيتها ـ ولو لبعض الوقت ـ مما يشكل متنفساً ترفيهياً رائعاً لسكان المدينة. ونظرا لانسداد بعض المجاري المائية نتيجة عمل الإنسان وعدم وجود الجسور فقد كانت هذه السيول كثيراً ما تسبب عزلة بعض الأحيــــاء السكنية أو غرقها بالمياه، كما حصل لمنطقة جنوب قباء فيما يسمى بمنطقة كبري المدرج رقم (2)، ولحي المشرفية في سنة 1377هـ  
(1975م) نتيجة لفيضان وادي بطحان. كما أن تجمع المياه في برك وأحواض صغيرة بعد توقف جريان الوادي كثيراً ما يؤدي إلى انتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات التي تقتات على هذه البرك. ولكن بناء السدود علــــى مجاري الأودية الرئيسية مثل سد وادي العاقول سنة 1375هـ (1955م)، وسد وادي العقيق، وسد وادي بطحان في ســــنة 1386هـ (1966م) أوقف خطر دخول المياه إلى المدينة، ولكنه أدى إلى جفاف الآبار والعيون داخل المدينة وفي الأجزاء الشمالية منها، مما أدى إلى تدهور مساحات زراعية وغابية هامة في منطقة العيون والخليل، وتحولها تدريجياً إلى مناطق عمرانية أو شاغرة كما سنرى لاحقاً. وفي الوقت نفسه فقد حققت هذه السدود فوائد صحية كبيرة بنقل تجمعات المياه إلى خارج المنطقة السكنية المعمورة، ومع أن ذلك لم يمنع نشاط فرق مكافحة البعوض الذي قد ينقل الأمراض من مثل هذه التجمعات المائية. ولكن مع تزايد أعداد السكان أصبحت هذه الموارد غير كافية لتلبية حاجتهم من مياه الشرب أو الري، مما أدى إلى البحث عن مصادر جديدة تمثلت في جلب الماء من شرق منطقة قبـاء في حرة رهط، ومن بئر الماشي جنوب غرب المدينة على بعد نحو 20كم، بالإضافة إلى جلب مياه البحر المحلاة من ينبع. وقد انتهت حتى الآن مرحـــلتان من مشاريع التحلية في سنة 1410هـ (1980) و 1420هـ (1999م)، جلبت نحو 20مليون جالون من المياه، و25 ميجاوات من الكهرباء للمدينة في بداية المرحلة الأولي، ونحو 91 مليون جالون من المياه، و35ميجاوات من الكهرباء في اليوم في المرحلة الثانية([10])وإذا عرفنا تزايد كميات استهلاك المياه في المدينة المنورة بنسبة 1900% حيث ازدادت من نحو 12500م3 في اليوم في سنة 1393هـ إلى 250000م3 في اليوم في سنة 1420هـ لعرفنا مقدار الضغط على موارد المياه ومقدار الجهد اللازم لتوفير وتوزيع هذه الكميات الضخمة من المياه([11]) .
لقد أدت هذه الخصائص المناخية مع الخصائص الطبوغرافية إلى بقاء الوحدة العضوية للتركيب العمراني للمدينة منذ نشأتها، وزاد من هذا التلاحم العامل الأمني الذي أدى إلى بناء الأسوار، مما حافظ على المظهر العام للمدينة المنورة لقرون عديدة في شكل شبه بيضاوي تمتد أكبر محاوره من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي (شكل رقم2). وقد بنى أول سور للمدينة المنورة إسحق بن محمد الجعدي في عام 263هـ (876-877م) من قبل الخليفة العباسي المعتضد بالله. وقد رمم ووسع هذا السور عدة مرات كان أهمها البناء الضخم في عهد السلطان سليم العثماني (937-948هـ)، وقد بلغ طوله نحو 4000ذراع ([12]). وقد أزيل هذا السور في العهد السعودي خلال فترة التوسعة السعودية الأولى للمسجد النبوي الشريف (1370-1375هـ/1950-1955م)، وأزيلت بقاياه خلال التوسعة السعودية الأخيرة للمسجد النبوي الشريف (1405-1413هـ/1985-1993م).
وقد كان النمط المعماري للبناء خلال هذه القرون بين بناء السور الأول وهدم السور الأخير متقاربا تظهر فيه نماذج معمارية تمثل الطراز العمراني العربي المبكر، والطراز الأموي، والطراز العباسي، والطراز الفارسي ـ التركي، والطراز المملوكي، والطراز العثماني، والطراز الهندي ولكن بتناسق كبير نتيجة استخدم مواد بناء محلية متجانسة تتمثل في الحجر والطين. واستخدم المخطط والمعماري خصائص المكان بمهارة فائقة ظهرت بجلاء في تركيب المسكن، وتوزيع الغرف، وتصميم واجهات المباني وتوجيهها. فنتيجة لظهور النواة الأولى للمدينة في منطقة منبسطة كان من البديهي أن يظهر نظام الفناء الذي تحيط به الغرف، مما يساعد على سهولة دوران الهواء وتلطيف الجو.
وقد نجد في مساكن الأثرياء مظاهر أخرى مضافة للفناء، مثل البئر أو النافورة، أو بعض الشجيرات التي تزيد من تلطيف الجو الذي يتميز بسيادة المناخ الحار والجاف. كما عمد البناؤون إلى مراعاة العادات والتقاليد الاجتماعية بتطبيق المداخل المنكسرة للمباني حتى تعطي خصوصية أكبر لمن بداخل المسكن من الأعين الفضولية خارج المبنى. وغالباً ما توزع غرف استقبال الضيوف أو المجالس في مقدمة المسكن، وغرف النوم والطبخ والخزن في خلفية المسكن.
ولا نجد في المدينة القديمة دورة مياه تواجه القبلة أي ناحية الجنوب تطبيقا للحديث الشريف الذي رواه البخاري والترمذي عن أيوب الأنصاري: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا..) ([13]) الحديث ..ويعني ذلك تأثير جوانب العقيدة في توجيه الاستخدامات داخل المباني الإسلامية. وللأسف فإننا لا نجد تطبيق هذه القاعدة اليوم في كثير من المدن الإسلامية.
شكل رقم (2)
النمو العمراني في المدينة المنورة
المصادر:   1- Makki, Ms., 1992  2- أطلس المدن السعودية،1406هـ.
                    3- معهد بحوث الفضاء، 1421هـ.
ولسيادة الرياح الجنوبية الغربية والشمالية الغربية في المدينة فغالبا ما نجد الشوارع في المدنية القديمة تتخذ الاتجاهات الشرقية الغربية حتى تجعل المباني تواجه الواجهات الشمالية والجنوبية، مما يزيد من كسر قوة الرياح، ويسمح باستقبال الرياح الشمالية التي تلطف الجو، خاصة في أشهر اعتدال الحرارة نوعا ما وفي الصباح الباكر (شكل رقم3). وتميزت الشوارع بين الأبنية بعدم الاتساع (تتراوح بين 5، 1-4م) لتحقيق فوائد عديدة أهمها توفير الظل، وكسر قوة الرياح، وتوفير المكان للنمو الحضري داخل الأسوار. ومما ساعد على هذا النمو اختلاف ارتفاعات المباني التي كانت تترواح في الغالب بين 2-4 أدوار، وكذلك يقل عرض المبنى عن طوله (عمقه إلى الداخل)، وذلك بهدف تعريض أقل مسطح من المباني للشمس([14]).
شكل رقم (3)
اتجاهات الرياح الرئيسية في المدينة المنورة
المصدر: مكي، محمد شوقي إبراهيم، أطلس المدينة المنورة، ص9.
ومع مرور الزمن تطورت واجهات المباني فأصبحت تسود النوافذ الخشبية الواسعة البارزة وغير البارزة (المشربية والروشان) التي تسمح بدخول الهواء والضوء مع حجب الرؤية عن ما يوجد داخل الغرفة من قبل المارة في الطريق والممرات بين المساكن، وتقلل من وصول أشعة الشمس والأتربة إلى داخل المبنى. وغالبا ما نجد البنائين يحاولون ألا تكون النوافذ متقابلة تماما بين المساكن المتقابلة، وإنما تتراوح إلى جوانب نوافذ الجار حتى توفر قدرا أكبر من الخصوصية بين الجيران، ولا تمنع الاتصال كذلك بين نساء الجيران في وقت خروج الرجال إلى أعمالهم. ومن أبرز هذه الشوارع شارع الساحة شمال غربي المسـجد النبوي الشـــريف (صورة رقم 4). ويتفرع من هذه الشوارع ما يسمى بالاحوشة أو ما يمكن أن يطلق عليه ـ بمصطلح العصرـ بالمجاورات، وهي أحياء سكنية غير نافذة في أغلب الأحيان.
صورة رقم (4): واجهات المباني القديمة وتعلوها الرواشين والمشربيات.
وتميزت المدينة بظاهرة فريدة جعلتها تختلف عن كثير من المدن القديمة إسلامية كانت أو غير إسلامية. فمن المعتاد أن يوجد السوق المركزي في قلب المدينة القديمة حول المسجد الجامع أو مكتب الحاكم، ولكننا نجد في المدينة المنورة قيام الأسواق خارج المدينة القديمة حول ما يعرف اليوم بمسجد الغمامة (مصلى العيد). ولعل هذا الاختلاف يؤكد ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن العامل الديني كان أقوى عوامل ظهور الحياة المدنية، ويؤكد ذلك أن كثيراً من المدن القديمة لا يوجد السوق المركزي داخلها([15]).
  وكانت الأسواق في المدينة المنورة مؤقتة تخلو من المباني حتى عهد هشام بن عبد الملك الذي أقام أول مبان في السوق خلال فترة حكمه (724-743هـ). ولعل مرد ذلك ما ورد من أحاديث حول فضل العبادة في المساجد على قضاء الوقت في الأسواق، وذم تضييق السوق على المسلمين، والبناء حتماً سيؤدي إلى استقطاع جزء من مساحة السوق. فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال (أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) ([16]). كما روى عمر ابن شبة عن عطاء بن يسار حديثا في إسناده ضعف، قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل للمدينة سوقا أتى سوق بني قينقاع، ثم جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال: (هذا سوقكم فلا يضيق ولا يؤخذ فيه خراج) ([17])ونقل السمهودي عن ابن شبة وابن زبالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق على المسلمين بأسواقهم، واستمر المنع بصرامة عن البناء في السوق، خاصة في عهد عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، حتى أحدث إبراهيم بن هشام في عهد هشام بن عبد الملك الدور الشوارع في السوق([18]).
ومع  السبعينات من القرن 14هـ (الخمسينات من القرن 20م) حدث في المدينة نمو سريع نتيجة تفاعل عدة متغيرات تمثلت في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطبيعية. فالنمو العمراني تضمن النمو السكاني، والتوسع المكاني للمناطق المبنية ونظام ملكية الأرض وتغيير النشاطات الاقتصادية. ومع هذه التغيرات هدمت أسوار المدينة، فانفرط عقد التجمع الذي عرفت به المدينة، وخرجت من عقالها، وتوسعت في كل الاتجاهات، خاصة الاتجاهات الشمالية والشمالية الشرقية على طول طريقي أبي بكر الصديق (سلطانة) والمطار. وأدى النمو السكاني إلى زيادة الطلب على الإسكان المنخفض التكلفة، وعلى العديد من الخدمات مثل تمويل الماء والكهرباء والتخلص من النفايات([19]). وقد أدى ذلك إلى التوسع في بناء أنواع مختلفة من المساكن، وظهرت بعض المباني غير القانونية التي امتدت خارج المدينة على المناطق التي كانت في السابق تحد من النمو. ونتيجة للفجوة بين نمو الطلب على المباني السكنية داخل البيئة الحضرية وبين إمكانيات العرض المحلية حدث اختلال في العلاقة بين الاستيطان البشري والبيئة حيث كثر التعدي على جميع الأراضي التي يمكن البناء عليها، سواء كانت زراعية، أو في مجاري الوديان، أو في الحرات. وأصبحت الأراضي الحافية التي تشكل منطقة اتصال بين المركز والمناطق الزراعية مركبة من استخدامات متنوعة للأرض الزراعية والسكنية والتجارية والصناعية والخدمية. وأظهرت الاستخدامات الأخيرة تحديا للاستخدامات الزراعية إذ تفوقت قيم الأرض لتلك الاستخدامات على الاستخدام الزراعي. وبذلك بدأ المخططون والمعماريون في المدينة يتخلون عن النمط السابق المتجمع، وبدأت مشاريع توسعة الشوارع القديمة (ليصل عرض بعضها إلى 60-80م)، وبناء طرق جديدة لمرور السيارات السريعة، وبناء المساكن في كل الاتجاهات، وأخذ يتسع استخدام النوافذ الزجاجية، وتتعدد الأدوار إلى ارتفاعات لم تعهدها المدينة من قبل، وتسود أنماط جديدة من الوحدات السكنية المتمثلة في الشقق التي تتميز بصغر حجمها وتوجهها الخارجي، مما قضى على نظام الفناء الداخلي للمساكن، وظهر بدلا عنها الفناء الخارجي المحيط بالمسكن، والذي يخلو في الغالب من أي استخدام مفيد فعلا لسكان هذه المباني. وقد خططت هذه الأقنية الخارجية بطرق تمكن من احتوائها على شجيرات تقلل من درجات الحرارة حول هذه المساكن، ولكن نظرا لتعدد الوحدات السكنية الصغيرة في المبنى وشح المياه أصبح من الصعب في كثير من الأحيان إيجاد من يهتم بهذه الشجيرات فتتحول بعض هذه الأقنية إلى فراغات شاغرة قد تصبح مأوى للنفايات والقاذورات.
وأقيمت أحياء جديدة في مناطق الحرات التي كانت مناطق طاردة للسكان، فأصبحت في البداية مكانا لإيواء محدودي الدخل حيث نمت الأحياء العشوائية في الحرة الغربية من المدينة. فبنيت المساكن دون سندات استحكام وإنما تحت طائلة قاعدة إحياء الأرض الموات. وقد أدى هذا النمو العشوائي غير المخطط إلى آثار سلبية واضحة على البيئة المحلية واستغلال الموارد الوطنية بشكل عام. فقد بنيت أحياء سكنية كثيفة دون تنظيم مناسب لمرور الخدمات وتوفير البيئة الصحية المناسبة للسكان، حتى أن بعض المساكن لا يمكن الوصول إليها إلا مشيا على الأقدام. كما أن نقص المساحات الفضاء أدى إلى نقص أماكن الترويح للسكان ونقص المحلات التجارية، مما كان يعني ضرورة الانتقال لمسافات أكبر من سكان الأحياء الأخرى للحصول على احتياجاتهم اليومية، ولو أن ذلك التقارب مكن من استمرار الترابط الاجتماعي بين السكان الذين غالبا ما يكونون من أسر ذات قرابة عائلية أو قبلية. ولا شك أن معالجة هذه الإشكاليات تتطلب أموالا طائلة من خزينة الدولة لإعادة تخطيط هذه المناطق وتطويرها، مما حدا باستشاري التطوير إلى تبني سياسة خلخلة النسيج العمراني في المنطقة، مما تطلب تكاليف إضافية كان بالإمكان توفيرها لو خططت المنطقة منذ البداية (شكل رقم4). ولمقابلة هذه التحديات دخل التخطيط الحديث إلى الحرة الشرقية حيث وضعت المخططات لتستوعب أعدادا متزايدة من سكان المدينة، خاصة أولئك الذين نقلوا من مركز المدينة نتيجة أعمال توسعة المسجد النبوي الشريف وتطوير المنطقة المركزية.
وبدأت تظهر أنماط جديدة من المباني في المدينة المنورة، ويمكن تقسيم مباني المدينة بعد هدم كامل المدينة القديمة في التوسعة الفهدية الأخيرة للمسجد النبوي الشريف إلى الفئات الآتية:
1- البيت العربي التقليدي: اختفى هذا النمط من المدينة القديمة، وظهرت مبان جديدة تحاكي هذا النمط بشيء من التشويه في أحياء محدودي الدخل على أطراف المدينة، كما هو الحال مثلا في الأحياء الغربية من المدينة.
شكل رقم (4)
مخطط تطوير الحرة الغربية في المدينة المنورة
المصدر: كعكي، عبد العزيز بن عبد الرحمن، معالم المدينة المنورة، ج2، ص491.
2- مساكن انتقالية: تأخذ هذه المباني شيئاً من النمط التقليدي والنمط الحديث فيبنى الدور الأول بالحجر أو الآجر، وتبنى الأدوار المتكررة بالأسمنت مع استخدام الأسقف الخشبية والتوزيعات التقليدية للفراغات داخل المبنى (صورة رقم5).
صورة رقم (5): المساكن الانتقالية (تصميم ومواد بناء مختلطة).
3- مباني الشقق: تطلق موسوعة بريتانيكا اسم العمارة العلمانية على هذا النوع من المباني([20])والتي تتميز بالوحدات الصغيرة المتعددة في المبنى الواحد. ويتراوح عدد الغرف في الشقة الواحدة بين 2-4 غرف. وقد بدأت تظهر في العشر سنوات الأخيرة بعض الشقق الكبيرة الحجم في الأحياء الخارجية، يصل عدد الغرف فيها إلى 6 أو 7 غرف.
4- مباني الفلل والقصور: تتميز هذه المباني بالانفصالية والمساحات الكبيرة والكثرة في مناطق ذوي الدخل المرتفع، وبتوفر مساحات أكبر للزراعة خارج المبنى. وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر بعض الفلل والقصور التي بدأت في العودة إلى النمط المعماري التقليدي، وذلك بإنشاء الفناء الداخلي. وتوجد مثل هذه الوحدات في أحياء النسيم والخالدية وغيرها.
وتعتبر هذه الأنماط سجلا يعكس نمط العمارة السائد في المدينة على مر السنين. ويمكن هذا السجل من المقارنة بين خصائص مكونات هذه الأنماط. فمثلا نجد أن الأنماط التقليدية والانتقالية لم تزل تستخدم التصاميم والمواد التقليدية، مما يعني استمرار المحافظة على عناصر العمارة الأصلية في المدينة. أما مباني الشقق والفلل فقد بدأت تدخل عليها عناصر جديدة بعضها مفيد وبعضها الآخر لا يتلاءم مع الخصائص الطبيعية والحضارية للمنطقة. فمثلا نلاحظ تحول توجه هذه المساكن للخارج، وضعف الوظيفة الاجتماعية للداخل والتي كانت تؤديها المساكن التقليدية.
 وهناك تحول جذري آخر في استخدام مواد البناء إذ أصبحت تسود المواد الإسمنتية والخرسانة المسلحة، وهذه المواد قد توفر الانسجام والتناسق في سطوح جدران وأرضيات الوحدات السكنية، ولكنها من جهة أخرى تمتص الحرارة ولا يمكن للإنسان العيش داخلها إلا باستخدام وسائل تكييف اصطناعية تقلل من درجات الحرارة. وبالرغم من استخدام وسائل عزل حديثة للأسطح والجدران إلا أن هذه المواد لا تزال تستهلك طاقة أكبر من المساكن التقليدية. فنجد مثلا أن معدل قيمة فاتورة استهلاك الكهرباء في البيت التقليدي في أشهر الصيف يصل إلى نحو 70 ريالا، بينما يرتفع في الفلل التي تستخدم التكييف المركزي إلى 345 ريالا.
كما أن استخدام النوافذ الزجاجية الواسعة عزز من زيادة صرف الطاقة، وقلل من الخصوصية داخل المبنى لأن فتح النوافذ يؤدي إلى نفاذ العين الخارجية بسهولة إلى داخل المنزل، بالإضافة إلى تسرب الأتربة وأشعة الشمس إلى داخل المسكن. وحتى مع استخدام الزجاج العاكس فإن ذلك يؤدي بعض الغرض خلال ساعات النهار، ولكنه لا يقوم بالدور نفسه خلال ساعات المساء، مما يعني الحاجة إلى مصاريف إضافية لتغطية هذه النوافذ في المساء (صورة رقم 6).
صورة رقم (6أ): واجهات المباني الزجاجية تزداد اتساعا.
وقد أدرك الإنسان هذه المساوئ، ولذلك بدأ بعض مستخدمي هذه الوحدات السكنية الحديثة بتغطيتها بنوافذ خشبية على نمط المشربيات لتوفير الخصوصية وتمكين فتح النوافذ الزجاجية لتسمح للضوء والهواء بالنفاذ إلى داخل المسكن (صورة رقم 7). ولكن هذه الإضافات مكلفة، مما يعني عبئا اقتصاديا على المستخدم، الأمر الذي قد لا يتحمله إلا أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع.
صورة رقم(6ب): النوافذ الزجاجية في المباني الحديثة تزداد اتساعاً.
صورة رقم (7): رواشن خشبية تغطي النوافذ الزجاجية.
ومع امتداد النمو العمراني أصبحت الخدمات السابقة قاصرة عن تلبية حاجة السكان. فالمدينة المنورة كانت تعتمد على الآبار الخاصة والعيون، وقنوات العين الزرقاء التي مدت في عهد معاوية بن أبي سفيان (41-64هـ/661-683م) لتزويد سكان المدينة المنورة بمياه الشرب والري. ولم تكن هذه القنوات تصل إلى كل مسكن، وإنما كانت لها نقاط توزيع رئيسية في مناطق محددة داخل المدينة وينساب الفائض منها إلى شماليها حيث مجمع الأسيال. ومع التوسع الحضري، وبناء السدود، وبناء الطرق والأنفاق تحولت بعض الأرضي الزراعية إلى استخدامات سكنية وصناعية وخدمية، مما أثر على النظام الطبيعي لقنوات المياه الباطنية، وبالتالي توقف انسياب المياه في العديد من العيون، وجفاف بعض الآبار أو زيادة نسبة الملوحة في بعضها الآخر. وقد قدر علي حافظ عدد العيون والخيوف في المدينة بأربع وأربعين عينا وخيفا، توقف عدد كبير منها بعد سنة 1355هـ، وكان آخرها توقفا في سنة 1385هـ([21]).
ومع جفاف الكثير من هذه العيون والآبار مدت شبكات من الحديد الزهر والمعدن المقاوم للصدأ لتوفير ماء الشرب للسكان، ودخلت هذه الشبكة إلى داخل المساكن، كما مدت شبكة للصرف الصحي انتهت في شمالي جبل أحد بمسافة لا تزيد عن نحو 1كم. ويرجع تاريخ شبكة الصرف الصحي في المدينة المنورة إلى فترات قديمة عندما كانت هناك مراكز تسمى "الخرزات" لتصريف المياه الفائضة في قنوات العين الزرقاء (مرفق تزويد المدينة المنورة بمياه الشرب). وتتجمع هذه المياه في قنوات تصريف تسمى "دبول" تبدأ من خرزة المناخة في منطقة باب الشامي، وتتجه شمالا لتصب في مجمع للصرف الصحي في المنطقة المسماة بالبركة. وتتجمع مياه الصرف الصحي من جميع مراكز التغذية في قناة التصريف الرئيسية "الدبل" التي تتكون من جدارين من الحـجر يفصل بينهما نحو 60سم ـ 3م، ويتراوح عمقها بين 1 و 3م من سطح الأرض. وقد كان يهتم بهذه القنوات وينظم شؤونها مرفق الصرف الصحي الذي كان يتبع إدارة المرافق العامة بوزارة الشؤون البلدية والقروية حتى ضم مرفقي العين الزرقاء والصرف الصحي في مصلحة واحدة هي: (مصلحة المياه والصرف الصحي بالمدينة المنورة) في شهر رجب من سنة 1398هـ، ثم وسعت صلاحياتها في سنة 1421هـ لتشمل منطقة المدينة المنورة. وقد تم استبدال هذه القنوات والخرزات على مشاريع الصرف الصحي الحديثة ـ التي بدأت مرحلتها الأولى (1384-1395هـ) في عهد الملك فيصل رحمه الله ـ بأنابيب من الفخار المزجج أو الخرسانة المسلحة المبطنة برقائق من كلوريد البولي فينيل. ومرت هذه الشبكة بثلاث مراحل للتطوير كان نتيجتها بناء 1600كم من شبكات الصرف الصحي الرئيسية والفرعية، 24 محطة رفع من المناطق المنخفضة، ومحطتي تنقية بطاقة 120000م3 يوميا، والعمل جار في توسعتها لتستوعب 300000م3 يوميا. وتعني هذه الأرقام أن المدينة تعاني حالياً من مشكلة صرف صحي، وبعد انتهاء أعمال التوسعة يؤمل أن يحدث التوازن بين المياه المستهلكة والمعالجة في محطات الصرف الصحي.
ورغم أهمية وفائدة هذه الشبكة في تنظيم الصرف الصحي وإبعاد أخطار الصرف داخل أو جوار الوحدات السكنية إلا أن اختيار موقع محطة تجميع ومعالجة مياه الصرف الصحي لم تكن موفقة، فقد أدت إلى انتشار الروائح الكريهة في المنطقة المحيطة بجبل أحد، خاصة في مناطق العيون والخليل والجرف، مما أدى إلى تدهور أسعار الأراضي هناك([22])، ودخول استخدامات غير مرغوبة داخل المدينة مثل حراج المواد المستعملة وسوق الغنم والماشية، مما يعني التأثير في نمط استخدام الأرض نتيجة لهذه التغيرات. وكان الأولى بجبل أحد الذي أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزه عن مثل هذه الاستخدامات التي كان بالإمكان إبعادها إلى الشمال أكثر في جهات وادي النقمي، أو كما كان الحال سابقاً في منطقة البركة.
واتجهت المخططات الجديدة إلى السماح ببناء المباني الأكثر ارتفاعاً على المحيط الخارجي للمناطق السكنية الحديثة التي تطل على شوارع رئيسية تفصل الأحياء عن بعضها البعض، ولكن سرعان ما تتحول الأدوار الأرضية وربما الأولى الواقعة على واجهات هذه المباني إلى محلات تجارية وخدمية على جانبي هذه الشوارع المحيطة بالمنطقة، الأمر الذي يؤدي إلى تحول هذه الشوارع من كونها حدودا فاصلة بين المناطق السكنية إلى محاور تؤدي إلى تركز الحركة، وتحول الشوارع إلى محاور للخدمات للمناطق المتجاورة وربما للمرور العابر، وتحول جوانب الشوارع إلى مواقف للسيارات، مما يؤدي إلى خلل في وظيفة الشارع التي صمم من أجلها. ومن جراء ذلك قد تفقد منطقة الخدمات المركزية في كل حي وظيفتها وتقل الحركة والمرتادون لهذه المراكز، على عكس المناطق الهامشية التي ترتفع فيها أسعار الأراضي والعقارات، وبذلك تنقلب المعايير التخطيطية نتيجة سوء التنفيذ والتطبيق.
ولعله من الخطأ تطبيق النموذج الغربي في التنمية الحضرية على المدن القديمة لسيادة عناصر الكتل الخرسانية المسلحة، والسيارات، والأماكن الخضراء أو المفتوحة داخل المدينة، مثل الحدائق والساحات العامة التي تحاكي الطبيعة في هذا النموذج. أما المناطق الزراعية التي تعتبر مناطق هامة لتمويل المدن بالغذاء فقد أصبحت في هذا النموذج متعارضة مع نمط الحياة الحضرية المثالية لما تسببه من مخلفات تزيد من مشكلة التخلص من نفايات المناطق الحضرية، خاصة إذا اشتملت المزارع على حظائر لتربية الحيوانات، ولهذا تمنع أمانة المدينة المنورة تربية الحيوانات داخل المناطق السكنية، خاصة إذا تضرر الجيران من الروائح المنبعثة منها. ولهذا كان لا بد من العمل على تعديل النظام الزراعي التقليدي ليستجيب لاحتياجات سكان المدينة، وكذلك تبني مشاريع تدوير تستخدم نفايات المدن والمزارع كمصدر لتغذية التربة والحيوان أو النبات. وقد أخذت مثل هذه المشاريع تنتشر في العالم للتخلص من النفايات بطريقة عضوية تخرج عددا من المنتجات الثانوية مثل صنع السماد وتوفير الطاقة، بالإضافة إلى التخلص من النفايات الصلبة للتغلب على المشاكل الناتجة من تراكم نفايات المدن ([23]).ولا شك أن مثل هذه المشاريع ستوفر فرصا وظيفية لسكان المدن والريف، مما يدعم استقرار السكان، ويقلل من بواعث الهجرة إلى مركز المدينة، كما أنها يمكن أن توفر نشاطات اقتصادية تدعم الدخل المحلي والوطني بتشجيع قيام مشاريع توليد الطاقة من النفايات التي يفكر فيها العالم للتحول من استخدام المواد الأحفورية غير المتجددة إلى الموراد الطبيعية المتجددة. وكما أشار بوكشن Bookchin  إلى الحاجة إلى إدراك أهمية العلاقات الاجتماعية والأيكولوجية التي توجد داخل المدن والتي تتعدى العمليات الاقتصادية في الإنتاج والاستهلاك([24]).
الأهمية الدينية لقلب المدينة المنورة:
يمثل المسجد النبوي الشريف القلب النابض للمدينة المنورة، بل يمتد أثره إلى العالم الإسلامي، إذ يفد إليه سنويا مئات الآلاف من الحجاج والزوار للصلاة فيه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهنا ظهر أهم مظهر حضاري للعالم الإسلامي ببناء المسجد النبوي الشريف في السنة الأولى بعد الهجرة من مكة إلى المدينة. وعلى غرار هذا المسجد بنيت المساجد في مختلف أمصار العالم الإسلامي مثل مساجد البصرة والكوفة والفسطاط ودمشق والقيروان وغيرها.
وقد نقل الزركشي عن الزهري قوله: بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موضع مسجده، وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين، وكان مربدا لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الأنصار... وكان فيه شجر ونخل وقبور للمشركين([25]).فابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد (وهو الموضع الذي يجعل فيه التمر والزرع للتيبس)، وقطع الشجر، ونبش القبور، ونقل بقاياها إلى مكان آخر، وبنى مسجده من اللبن، وقيل من الحجارة، ومساكن زوجاته خلال نحو سبعة أشهر قضاها في ضيافة أبي أيوب الأنصاري([26]).
وقد بنى الرســول صلى الله عليه وسلم مسجده 70 ذراعا في 63ذراعا (35×32م)، وبنيت جدرانه الأربعة باللبن، وسقف جزء منه بسعف النخيل، وترك الجزء الآخر مكشوفا، وجعلت عمد المسجد من جذوع النخيل. ولم يتغير هذا النمط إلا في عهد عثمان رضي الله عنه حيث زاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج ([27]).
وكان للمسجد ثلاثة أبواب: باب جبريل وباب النساء وباب الرحمة، وجعل قبلته إلى بيت المقدس (الشمال)، ثم حولت القبلة بأمر من الله سبحانه وتعالى في السنة الثانية من الهجرة. وخط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطط للأرض حول المسجد النبوي الشريف، وسمح للفقراء بالإقامة في مؤخرة المسجد في المكان الذي يعرف بالصفة. وتعني هذه الخطوات أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسى الوظائف الأساسية للمكان بإعادة صياغتها بما يتناسب مع الدين الإسلامي، ووضع التصميم المناسب لعمارة المباني حسب وظائفها، ونظم طريقة البناء في العمارة الجديدة، واستعمل المواد المناسبة للبيئة المحلية.
وقد وصف السمهودي طريقة بناء حوائط المسجد النبوي حيث بناه الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: الأولى بالسميط، وهي لبنة على لبنة، والثانية بالسعيدة، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط، والثالثة بالأنثى والذكر، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنة([28]).ويدل هذا على وضع أساس المرونة في البناء والتطوير حسب الحاجة عند ما اتسع المسجد وأصبح يحتاج إلى أساليب تقوي من عمارة المسجد وتسهل من أداء وظيفته بيسر وأمان.
ولعل بناء مساكن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ملاصقة للمسجد من الجهة الشرقية، ثم من الجهة الشمالية دليل على أهمية ارتباط دار الحكم بالمسجد، والتي أصبحت قاعدة في تخطيط المدن الإسلامية كما تم في حواضر الكوفة والفسطاط وغيرها من مدن الإسلام. وسمح الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في خطط المدينة القديمة والجديدة، مما أرسى قواعد المجاورة السكنية للأعمال المحلية وربطها بالقلب حيث يمارس في هذه المساجد أداء الصلوات الخمس، ويأتي المسلمون إلى المسجد النبوي لأداء صلاة الجمعة، مما أرسى معايير تصنيف المساجد إلى مساجد عادية ومساجد جمعة.
ويتصف جميع البناء للمسجد والدور حوله بالبساطة، وسهولة أداء الوظيفة، وتوافر الخصوصية، والتوافق مع ظروف البيئة. وقد نقل محمد عزب ما أوجزه ابن قيم الجوزية من استنباط الهدي النبوي في شروط المسكن: "فلم يكن من هديه وهدي أصحابه ومن تبعه الاعتناء بالمساكن وتشييدها وتعليتها وزخرفتها وتوسيعها، بل كانت من أحسن منازل المسافر تقي الحر والبرد، وتستر من العيون، وتمنع من ولوج الدواب، ولا يخاف سقوطها لفرط ثقلها، ولا تعشش فيها الهوام لسعتها، ولا تعتور عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها، وليسن تحت الأرض فتؤذي ساكنها، ولا في غاية الارتفاع عليها، بل وسط، وتلك أعدل المساكن وأقلها حرا وبردا، ولا تضيق على ساكنها فينحصر، ولا تفضل عنه بغير منفعة ولا فائدة فتأوي الهوام في خلوها، ولم يكن فيها كنف تؤذي ساكنها برائحتها، بل رائحتها من أطيب الروائح، لأنه كان يحب الطيب، ولم يكن في الدار كنيف تظهر رائحته، ولا ريب أن هذه من أعدل المساكن وأنفعها وأوفقها للبدن وحفظ صحته([29]).
وقد استمرت المنطقة المركزية في المدينة المنورة بمسجدها ومساكنها وأسواقها تحقق هذه الشروط لقرون عديدة من البساطة والتوافق مع ظروف البيئة وتوفير الخصوصية، وتمنع من انتشار الهوام، ومقاومة الرياح الشديدة السرعة أو المحملة بالأتربة، مع الاقتصاد في المكان بالتلاحم وعدم ترك فراغات غير مستخدمة أو مفيدة للمستخدمين من المصلين والمقيمين والعابرين.
وتوالت التوسعات على المسجد النبوي الشريف من القرن الأول حتى القرن الخامس عشر الهجريين (السابع- 20الميلاديين). ولعل أضخم هذه التوسعات هي التوسعة السعودية الأخيرة (جدول رقم1). فقد أضيف للمساحة الأرضية إمكانية الاستفادة من سطح التوسعة (حوالي 7000م2)،
جدول رقم (1): توسعات المسجد النبوي الشريف.
التوسعة
التاريخ
المساحة
المساحة الإجمالية

البناء الأول في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

2هـ/624م

1060 م2

1060م2

التوسعة الأولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

7هـ/ 628م

1415 م2

2475 م2

توسعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

17هـ/638م

 

1100 م2

 

3575 م2

توسعة عثمان بن عفان
رضي الله عنه
29-30هـ
/649-650م

496 م2

4071 م2

توسعة الوليد بن عبد الملك

88-91-هـ/707-710م

2369 م2

6440م2
توسعة المهدي

158-169هـ
775-785م

2450 م2

8890 م2

توسعة الأشرف قايتباي

879-880هـ
1475-1476م

120 م2

9010 م2

توسعة السلطان عبدالمجيد العثماني

1255-1277هـ
1839-1861م

1293 م2

10303م2

توسعة الملك عبد العزيز آل سعود

1370-1375هـ
1951-1955م

6024 م2

16327 م2
توسعة الملك فيصل آل سعود

1395هـ/1975م

 
35000 م2


43000 م2
مربع نص: بنيت على شكل مظلات
خارج المسجد
51327 م2




94327 م2


98327 م2
مربع نص: دمجت هذه التوسعات في التوسعة الأخيرة




توسعة الملك خالد آل سعود

1397هـ/1977م

توسعة الملك فهد آل سعود

1405-1414هـ/1985-1994م

82000 م2

المصادر: 1- الخياري، أحمد ياسين، تاريخ معالم المدينة المنورة قديما وحديثاً، ص79.
         2- الأنصاري، ناجي محمد حسن، عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ، ص 111،97،92.
والساحات المحيطة بالمسجد النبوي (235000 م2) للصلاة، مما رفع الطاقة الاسيعابية للمسجد إلى 700000مصل، وقد تصل هذه الطاقة إلى مليون مصل في أوقات الذروة، مثل أشهر رمضان والحج. وظهرت في هذه التوسعات أنماط معمارية جديدة مثل المحراب والمئذنة اللتين أحدثهما عمر ابن عبد العزيز في عمارة الوليد، الذي جعل للمسجد محرابا مجوفا وأربع مآذن للمسجد النبوي الشريف، فجعل في كل ركن من أركان المسجد مئذنة، ثم خفضت بعد ذلك إلى ثلاث مآذن حيث هدمت مئذنة باب السلام في الركن الجنوبي الغربي، لأنها كانت تطل على منزل مروان بن الحكم([30]).ومع أن أصل هذا المظهر عرف منذ العهد النبوي، حيث كان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن على أسطوان مرتفع في دار عبد الله بن عمر في قبلة المسجد، وقيل في منزل امرأة من بني النجار، إلا أنه ترسخ واستمر رمزا من رموز المدينة الإسلامية([31]).
وقد أدت التوسعة السعودية الأخيرة إلى تغيير جذري في استخدامات الأرض المركزية، حيث ازدادت مساحة الاستخدام الديني (المساجد والمقابر) من 1082% من مجموع المساحة داخل الحلقة الدائرية الأولى في 1405هـ مــع بداية التوسعة 28 60% في سنة 1414هـ مع نهاية التوسعة (شكل رقم 5). وفي المقابل تناقصت المساحة السكنية من 5201% من مجموع المساحة داخل الحلقة الدائرية الأولى في سنة 1405هـ  إلى 41021% في سنة 1414هـ([32]) ولكن برع المصمم والمنفذ في ربط تصميم التوسعة السعودية الأخيرة بتصميم التوسعة السعودية الأولى التي اتسقت مع التصميم العثماني في قبلة المساجد المتميز بالتصميمات الموظفة للعقود المقنطرة والأسقف القبابية مع البساطة في تصميم السطوح الجدارية والأرضيات والأسقف وخلوها من الزخارف المعقدة أو الألوان الفاقعة حيث اكتست جميعها باللون الوردي والأبيض والأسود الخفيف. كما حليت إطارات مصابيح التوسعة بتصاميم تتفق مع تيجان الأعمدة والعقود المواجهة لها. واستخدمت الألوان الزرقاء الخفيفة والسماوية والخضراء في كتابة الآيات القرآنية والزخارف البسيطة التي تزين حوائط المسجد النبوي. ولهذه الألوان أبــعاد رمزية وسيكولوجية تراعي الموقف الذي يقفه الإنسان في هذا المكان([33]).وهذا امتداد آخر استمر بين العمارة القديمة والحديثة للمسجد النبوي الشريف.
وصحب هذه التوسعة أيضاً تغيير كبير في الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، حيث أدت مشاريع التطوير إلى ضعف التلاحم الكبير بين الاستخدامات الدينية والتجارية والسكنية الذي كان سائدا في الماضي، وأزيلت المجاورات السكنية القديمة (الأحواش) التي عملت على تقوية ذلك التلاحم. فأصبحت المناطق المطورة أكثر انفتاحا على الشوارع الرئيسية التي تتميز بالاستقامة، وارتفاع عدد أدوار المباني على جانبيها (تصل إلى 10أدوار فأكثر)، مما أفقد الوحدات السكنية كثيرا من الخصوصية والتقارب بين الجيران. ولقد أدى هذا التغيير إلى ضعف هيمنة المسجد النبوي الشريف بمنائره وقبته الخضراء على المظهر العام للمدينة التي اختفت خلف هذه العمائر التي أخذت تسد الأفق من بعض الجهات الرئيسية أو الفرعية للقادم إلى المدينة المنورة أو لقلبها النابض.
شكل رقم (5)
تغير استخدامات الأرض في المنطقة المركزية بالمدينة المنورة
أ- المنطقة المركزية بعد التوسعة السعودية الأولى للمسجد النبوي الشريف ( 1371-1375 هـ)
ب- المنطقة المركزية بعد التوسعة السعودية الأخيرة للمسجد النبوي الشريف (1405-1414 هـ)



المصدر : مكي محمد شوقي إبراهيم، المدينة المنورة ص33 .
اللجنة التنفيذية لتطوير اللجنة المركزية بالمدينة المنورة.
وفي هذا  إضعاف للرابط الروحي بين الزائر وعمق المكان الذي قطع مئات وربما آلاف الأميال للوصول إليه. فمع تعقيدات وماديات الحياة الحديثة ما يضطرنا إلى الحرص على هذا الرابط وإيجاد البدائل للمشاريع التي تؤدي إلى إضعافه. ولا يتصور أن يكون المخططون والمعماريون المتأخرون قاصرين عما حققه أجدادهم خلال مئات السنين.
ولقد أدت مظاهر التنمية الحديثة وإعادة البناء والخلخلة في المنطقة المركزية إلى ظهور أحياء جديدة على أطراف المدينة المنورة، مما زاد من الضغوط على الأجهزة البلدية في توفير ومد الخدمات إلى هذه الأحياء التي لا تزال تفتقد إلى بعض الخدمات، مثل شبكات المياه والصرف الصحي، كما هو الحال مثلا في أحياء الدعيثة شمالي المدينة، والهجرة جنوب غربيها.
كما أدت عمليات التنمية إلى اختفاء كثير من المعالم الأثرية والأنماط المعمارية التقليدية، سواء بالنسبة للمباني السكنية أو التجارية المتمثلة بالمباني ذات الأفنية الداخلية أو أبراج التهوية واختفاء الأسواق المسقوفة، وإن صممت بعض المباني الحديثة بمواصفات تقتبس من التراث الحضاري في تصميم النوافذ أو الأسواق المغطاة، ولكن زيادة الارتفاع خلق مشكلة كبيرة في المركز. فبالإضافة إلى حجب خط الأفق فقد أدى تعدد الأدوار إلى زيادة مساحات الاستخدام التجاري والسكني، مما يعني زيادة الحركة وزيادة الحاجة إلى مواقف للسيارات، الأمر الذي لم يتوفر بالقدر الكافي للمستخدمين والزائرين لهذه المنطقة. ومع هذا فإن هذا الاقتباس في العمارة الحديثة من التراث المعماري سيدعم ولو جزئيا التواصل بين أنماط العمارة في الماضي والحاضر. أما بناء مجمع سكني ـ تجاري (مركز طيبة السكني التجاري ـ البرج الشرقي) يضم 360 وحدة سكنية و280 محلا تجاريا، ويقيم ويعمل به نحو 1800نسمة، ونحو 500فرد على التوالي، ويتوفر به 450 موقفا للسيارات فيوضح عدم التوازن بين الاستخدام والاستعمال، إذ يعني ذلك توفر موقف واحد لكل خمسة أفراد، ناهيك عن الزوار والمتسوقين من خارج المجمع، مما يعني وجود مشكلة حادة في نقص المواقف التي لا تتناسب مع زيادة الكثافة (صورة رقم 8).
صورة رقم (8) : موقع مركز طيبة- البرج الشرقي والمباني المجاورة له والمقابلة للواجهة الشمالية للمسجد النبوي الشريف.
وما أحرانا بالمحافظة على هذه المعالم والأنماط التي تربط بين حاضرنا وتراثنا وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح، لأن كثيرا من معالم السيرة النبوية لا تعلم إلا إذا عرف موقعها. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المحافظة على معالم المدينة فيما رواه الطحاوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تهدموا الآطام، فإنها زينة المدينة)، وفي رواية أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن هدم آطام المدينة لأنها زينة لها([34]). وقد أحسن المخططون صنعا في تبني فكرة إنشاء مجمعات تجارية خارج المنطقة المركزية، مما يخفف من تركز المتسوقين في المركز وجذبهم إلى هذه المجمعات الجديدة. كما أدى تبني فكرة الحلقات الدائرية إلى ظهور طرق عريضة وسريعة تتناسب مع وسائل النقل الحديثة، وتزيح قسماً من حركة المرور من المركز إلى المناطق الخارجية من المدينة. كما أدى نقل بعض الاستخدامات المولدة للحركة مثل المستشفيات والدوائر الحكومية من منطقة المركز أو المناطق المحيطة به إلى المناطق الخارجية من المدينة إلى تخفيف الضغوط على المنطقة المركزية في الأوقات العادية. إلا أن المشكلة لا تزال موجودة في مواسم الذروة مثل رمضان والحج. وهذا أمر عهدته المدينة منذ وقت طويل. فقد لاحظ فيلبي مثلاً زيادة ازدحام شوارع المدينة في مواسم الحج والعمرة([35])

 المراجع:
- السيوطي، أبو الفضل جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر(849-911هـ)، 1417م، اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، دار الكتب العلمية، بيروت (تخريج وتعليق أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضه).
- إبراهيم، عبد الباقي، 2000م، "نحو نظرية جديدة في تنمية المجتمعات الحديثة"، المدينة العربية، ع97، ص 6-13.
- إدارة الإحصاء والبحوث، 1419هـ، إحصائيات البلديات، وزارة الشؤون البلدية والقروية، وكالة الوزارة للتخطيط والبرامج، الرياض.
- إدارة الدراسات الاقتصادية والإحصاء، 1999م، التعداد الزراعي الشامل: تقرير جمع البيانات، تقرير غير منشور، مديرية الشؤون الزراعية، المدينة المنورة.
- آل الشيخ، صالح بن عبد العزيز، 1420هـ، موسوعة الحديث الشريف، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض.
- الألباني، محمد ناصر الدين، 1399هـ، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، المكتب الإسلامي، بيروت.
- الآلوسي، محمود شاكر، دون تاريخ، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، ط3، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
- الأنصاري، ناجي محمد حسن، 1416هـ، عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ، نادي المدينة المنورة الأدبي، رقم 95، المدينة المنورة.
- ابن النجار، أبو عبد الله محمد بن محمود، 1401هـ، أخبار مدينة الرسول، ط3، مكتبة الثقافة، مكة المكرمة (تحقيق صالح محمد جمال).
- ابن شبة، أبو زيد عمر (ت 262هـ)، 1417هـ، كتاب تاريخ المدينة المنورة، دار الكتب العلمية، بيروت.
- ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله شمس الدين محمد (691-751هـ)، 1407هـ، زاد المعاد في هدي خير العباد، ط15، مؤسسة الرسالة، بيروت (تحقيق وتخريج شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط).
- حافظ، علي، 1405هـ، فصول من تاريخ المدينة المنورة، ط2، شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر، جدة.
- الخياري، أحمد ياسين، 1411هـ، تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً، نادي المدينة المنورة الأدبي، رقم 59، المدينة المنورة (تعليق وتخريج عبيد الله محمد كردي).
- الرويثي، محمد بن أحمد، 1413هـ،"جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة"، المنهل، م54، ع499، ص 84-105.
- الزركشي، محمد بن عبد الله (745-794هـ)، 1384هـ، إعلام الساجد بأحكام المساجد، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة (تحقيق أبي السقا مصطفى الرازي).
- السرياني، محمد بن محمود، 1418هـ، "المدينة المنورة: دراسة في تطور النمو الحضري"، في الرويثي، محمد بن أحمد وخوجلي، مصطفى محمد (محرران)، المدينة المنورة: البيئة والإنسان، دار الواحة العربية، المدينة المنورة، ص  158-253.
- السمهودي، نور الدين، 1393هـ، وفاء الوفاء بأخبار المصطفى، ط2، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- شعبة الإحصاء والاقتصاد الزراعي، 1382هـ، نتائج الحصر الزراعي، وزارة الزراعة والمياه، الرياض.
- الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد (ت 321هـ)، 1414هـ، شرح معاني الآثار، عالم الكتب، بيروت (تحقيق محمد زهري النجار، ومحمد سيد جاد الحق.
- طه، حاتم عمر،1413هـ،"ملامح من فن العمارة في المدينة المنورة"، المنهل، م54، عدد 499، ص 62-69.
- العزامي، خليل إبراهيم ملا، 1421هـ، ساكن المدينة المنورة منزلته ومسؤوليته، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة.
- عزب، خالد محمد، 1413هـ،"المدينة المنورة.. العمارة النبوية"، المنهل، م54، عدد 499،  ص 56-60.
- علاقات الملاك، دون تاريخ، مركز طيبة السكني والتجاري، مطابع الصناعات المساندة، الدمام.
- علي، زين العابدين، 1420هـ، مبادئ تخطيط النقل الحضري، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان.
- علي، زين العابدي، 1999م، مبادئ تخطيط النقل الحضري، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان.
- العمري، عبد العزيز بن إبراهيم، 1985م، الحرف والصناعات في الحجاز في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية، الدوحة.
- غراب، يوسف خليفة، 1413هـ،" المسجد النبوي والعلاقات اللونية"، المنهل، م54،ع499، ص ص48-54.
- المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، 1999م، مشروع محطتي التحلية بالتبخير الوميضي والتناضح العكسي ومحطة توليد الطاقة الكهربائية، المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، الرياض.
- المحرر، 1420هـ،" دراسة الخواص الجيوفيزيائية والهيدرولوجية لشمال غربي المدينة المنورة"، العلوم والتقنية، م13، عدد 50، ص54.
- المحرر، 1421،"المدينة المنورة: آفاق التنمية الإقليمية المستقبلية لعام 1450هـ"، أهلا وسهلا، م 24، عدد 12، ص ص 32-38.
- مصلحة الإحصاءات العامة، 1397هـ، التعداد العام للسكان 1394هـ/ 1974م: البيانات التفصيلية ـ منطقة المدينة المنورة، وزارة المالية والاقتصاد الوطني، الرياض.
- مصلحة الإحصاءات العامة، 1417هـ، النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن لعام 1413هـ، وزارة التخطيط، الرياض.
- مصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة المدينة المنورة، 1421هـ، معلومات عن المياه والصرف الصحي بالمدينة المنورة، تقرير غير منشور،ص 4.
- معهد بحوث الفضاء، 1987،2000م، بيانات القمر الأمريكي لاندسات، المسار170، الصف 43، المركز السعودي للاستشعار عن بعد، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض.
- مكي، محمد شوقي بن إبراهيم، 1417هـ،"النمو العمراني وتأثيره على المعالم الحضارية في المدينة المنورة"، المدينة العربية وتحديات المستقبل، المعهد العربي لإنماء المدن، الرياض،  ص 639-660.
- مكي، محمد شوقي بن إبراهيم مكي، 1408هـ، "توزيع الحدائق العامة في المدينة المنورة"، الدارة، م14، عدد 1،  ص 192-207.
- مكي، محمد شوقي بن إبراهيم، 1405هـ، أطلس المدينة المنورة، جامعة الملك سعود، الرياض.
- مكي، محمد شوقي بن إبراهيم، 1405هـ، سكان المدينة المنورة،دار العلوم، الرياض.
- مكي، محمد شوقي بن إبراهيم، 1413هـ، "الحدائق العامة في المدينة المنورة"، ملف العقيق، م2، عدد3-4،  ص 133-140.
- الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر (ت807هـ)، دون تاريخ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ط3، مؤسسة المعارف، بيروت.
- وكالة تخطيط المدن، 1409هـ، أطلس المدن السعودية: النطاق العمراني، وزارة الشؤون البلدية والقروية، الرياض.
- يوسف، درويش إبراهيم، 1999، "مدن تحل أزماتها البيئية"، المدينة العربية، عدد91،  ص 18-25.

Bookchin, M.,1987 The Rise and Decline of Citizenship, -Sierra Club Books, San Francisco.
Cooper, D., 1999, "Keeping an Eye on Nature", Durham -First, No.9,pp.10-11.
Encyclopaedia Britannica Co. Ltd., 1929, Encyclopaedia -Britannica,14th ed.,
Losada, H., et.,1998, "Urban Agriculture in the Metropolitan Zone of Mexico City:Changes over Time in Urban, Suburban and Peri-Urban Areas", Environment and Urbanization, Vol.10,No.2,pp.37-54.
Makki, M.S., 1982, Medina-Saudi Arabia: A Geographical Analysis of the City and Regions, Avebury, London.
Philby, - Philby, H.St.J.B., 1946, A Pilgrim in Arabia, Robert Hale Ltd., London. H. st. J.B., 1933, "Mecca and Medina", Jour. Of the Royal Central Asian Society, Vol.10,pp,504-518.
Roth, G.,1999, "Combating Congestion with Cash", Urban Age, Vol.7,No.2,pp.4-6

الهوامش : 
([1] )  ((  Arabia,  A pilgrim in  pp-6   1Philby, H
[2]) )   جاء في زاد المعاد في فصل " ذكرى الهجرتين الأولى والثانية" في رواية طويلة منها:" ركب ناقته وسار، وجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم، ويأخذون بخطام الناقة، فيقول: (خلوا سبيلها فإنها مأمورة) فبركت عند مسجده اليوم، وكان مربداً لسهل وسهيل، غلامين من بني النجار ( ابن قيم الجوزية، أبي عبدالله شمس الدين محمد، زاد المعاد في هدي خير العباد 1/69-856).
([3] )   .(Philby, H., Apilgrim in Arabia, p73)

([4] )   مكي، محمد شوقي بن إبراهيم، أطلس المدينة المنورة، ص30
([5])   (البخاري، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 2889/ص555)
([6])   يقع جبل أحد على بعد نحو 5.5كم من المسجد النبوي الشريف، ويرتفع عن المناطق المحيطة به بنحو 480م، ويمتد على طول نحو 8كم، أما جبل عير فيقع على بعد نحو 8 كم من المسجد النبوي، ويرتفع عن المناطق المحيطة به بنحو 955م، بطول نحو 3كم. وهناك جبل سلع الذي يبعد نحو 500م عن المسجد النبوي، ويرتفع نحو   80م عن المنطقة المحيطة به، وقد تآكلت أجزاء كبيرة من هذا الجبل نتيجة مشروعات التطوير والتنمية في المنطقة المركزية للمدينة المنورة.
([7])   (الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ج4، حديث رقم 1618، ص122؛ الهيثمي، نور الدين، مجمع الزوائد، ج4، ص13).

([8])   (مكي، محمد شوقي بن إبراهيم، أطلس المدينة المنورة، ص30).
([9])   (عبده، طلعت أحمد محمد، الجغرافيا التاريخية في البلايستوسين، ص372-374).
([10])   (الرويثي، محمد أحمد، جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة، ص95؛ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، مشروع محطتي التحلية،ص1).
([11] (مصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة المدينة المنورة، ص1،3).
([12])   (حافظ، علي، فصــول من تاريخ المدينة المنورة، ص35، 37-38).
([13])   (آل الشيخ، صالح بن عبد العزيز، موسوعة الحديث الشريف، ص 162،34،15).
([14])   (طه، حاتم عمر، ملامح من فن العمارة في المدينة المنورة، ص64).
([15])    (Bookcgin, M., The Rise of Urbanization and the Decline of Citizenship,pp.21-22)
([16])   (آل الشيخ، صـــالح بن عبد العزيز، موسوعة الحديث الشريف، حديث رقم 1528، ص782)  ذكر السيوطي ماروي عن ابن عباس:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : ( سل ربك أي البقاع خير وأي البقاع شر)، فغاب عنه جبريل، ثم أتاه فقال له: لقد وقفت اليوم موقفاً لم يقفه ملك قبلي ، كان بيني وبين الجبار تبارك وتعالى سبعون ألف حجاب، من نور، الحجاب يعدل العرش والكرسي والسموات والأرض بكذا وكذا ألف عام، فقال أخبر محمداً أن خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق، ولكن في سند الحديث عثمان بن عبدالله فإن كان هو الأموي الشامي فهو ممن يروي الموضوعات عن الثقات ( السيوطي أبي عبدالرحمن جلال الدين، اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/23).
([17])   (ابن شبة، أبي زيد عمر، كتاب تاريخ المدينة المنورة، ج1، حديث رقم 662، ص 183).
([18])   (السمهودي، نور الدين، وفاء الوفاء، ج2، ص 749،747).
([19])   تضاعف عدد السكان بين سنتي 1350-1382هـ 2.4 مرة، ثم تضاعف بين سنتي 1382-1413هـ8.5 مرة ( شكل رقم 7).

([20] )  (Encyclopaedia Britannica Co. Ltd., Encylopaedia Britannica, Vol.17, p.652
([21])   (حافظ، علي، فصول من تاريخ المدينة المنورة، ص 293-297).
([22])  يشير أحمد زعفراني أحد تجار العقار في المنطقة إلى أن سعر المتر المربع في منطقة العيون كان في بداية التسعينات من القرن الرابع عشر الهجري يساوي 30 ريالاً، ثم انخفض مع منتصف التسعينات إلى 25 ريالاً، ثم ارتفع بعد ذلك إلى أقصى حد 130 ريالاً مع أنه ارتفع كثيراً في مناطق أخرى في المدينة إلى نحو 250-350 ريالاً.


([23])   (يوسف، درويش إبراهيم، مدن تحل أزماتها البيئية، المدينة العربية، ص23).
([24])  (Bookchin,M., The Rise and Decline of Citizenship, p
([25])   (الزركشي، محمد بن عبد الله، إعلام الساجد بأحكام المساجد، ص 223).
([26])   (السمهودي، نور الدين، وفاء الوفاء، ج1،ص 265-266).
([27])  (البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم (446،ص 107).
([28])   (السمهودي، نور الدين، وفاء الوفاء، ج1، ص335).
([29])  (ابن قيم الجوزية، أبي عبد الله، زاد المعاد، ج4،  ص 328،329؛ عزب، خالد محمد، المدينة المنورة: العمارة النبوية،  ص 58-59).
([30])  (الأنصاري، السمهودي، نور الدين، وفاء الوفاء، ج2، ص525؛ ناجي محمد حسن، عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ،  ص 107-204).
([31])  (السمهودي، نور الدين، وفاء الوفاء، ج2  ص 529-530).
([32])  (مكي، محمد شوقي بن إبراهيم، النمو العمراني وتأثيره على المعالم الحضارية في المدينة المنورة، ص642).
([33])  (عزاب، يوسف خليفة، المسجد النبوي والعلاقات اللونية، ص 50-51)،
([34] )  (الطحاوي، أبو جعفر، ج4، ص 194؛ العزامي، خليل إبراهيم،  ص124-125)
([35] ) .( Medina,vol.10,p.508   Philby,st.J.B., Mecca and)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا