التسميات

الثلاثاء، 10 مايو 2016

جزيرتا تيران وصنافير من المنظور الجيوسياسي المصري - أ.د. فتحي محمد مصيلحي ...


جزيرتا تيران وصنافير من المنظور الجيوسياسي المصري



‏الثورة والعدالة ومصر 2100‏ - المصور - الحدث - بقلم أ.د. فتحي محمد مصيلحي

  يوجد عالمان تاريخيا؛ عالم ماقبل الحرب العالمية الثانية ونشأة الأمم المتحدة وعالم مابعدها، كانت الدول قبلها(العالم القديم تاريخيا) كالكائن الحي تتمدد وتتسع وتنكمش وتذبل وفقا لظروف قوتها، وكانت حدود الدول تخوما تشغل مساحات كبيرة، لكنها أصبحت خطوط واضحة يتفق عليها وفقا للقانون الدولي المستحدث في مراحل متسلسلة.

    ولحد قريب كانت بعض الدول(ألمانيا النازية) تمارس توجهات جيبولوتيكية جائرة تقوم على التوسع ونقل حدودها نحو الخارج على حساب أراضي الجيران، وبالتالي فإن مفهوم الحدود لديها يتصف بالديناميكية وعدم الثبات، ولكنها عدائية وغير قانونية، لأنها تقوم على فروض القوة العسكرية والاعتداء على حقوق الجيران.

  وقد استعادت إسرائيل نفس المفاهيم البالية وطرحتها في شكل جديد مثل الحدود الآمنة بدون تحديد لأسس ومفاهيم واضحة للحدود الآمنة، لذا تنقل إسرائيل حدودها كل فترة بعد شن حروب دورية متتابعة من أجل التوسع والاستيلاء على أراضي جديدة وطمس معالمها الحضارية العربية وتهويدها، لذلك نجدها حدودا عدائية وغير قانونية، لأنها تفرض بالقوة تحت مغالطات الحدود الآمنة، وآخرها إعلانها ضم الجولان للأراضي التي قامت عليها بعد إغتصابها من الوطن الفلسطيني.

   وكان صدام حسين أول من إستعمل الحقوق التاريخية على المستوى العربي بضم الكويت للعراق بزعم تبعيتها السابقة للواء البصرة فتسبب في حرب الخليج الأولى والثانية وإحتلال العراق وتهديد وحدتها وإستنزاف مواردها، كما إستخدمت روسيا هذه الحقوق التاريخية لضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا بعد أن أجرت إستفتاءا بين سكانها ليكون مسوغا لضمها.

  وتملك مصر مدى واسع لإستخدام هذا الدعاوي التاريخية في ضم أراضي لدى بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث مرت مصر عبر الزمن بحالات سياسية مختلفة تفاوتت فيها أوزانها السياسية وامتداداتها الجغرافية خارج المنطقة الحيوية التى استقرت بها فترة طويلة من الزمن(النطاق الأرضى الحالى وامتداده فى فلسطين وشمال السودان) ، فقد مرت بأربع حالات: تتمثل الأولى فى حالة المد الإمبراطورى للدولة المصرية، أما الحالة الثانية فقد كانت حالة الانكماش السياسي للإمبراطورية داخل كيان الحدود الدنيا ( فلسطين وأراضى النوبة فى شمال وأواسط السودان)، والحالة الثالثة تتفق في الاستقرار السياسي داخل حدود الكيان المعترف به دولياً حالياً تقريباً بعد ثورة يوليو وانفصال السودان عن مصر واستقلاله، والحالة الرابعة والأخيرة وقد تعرضت فيها لحالة الغزو العسكري والاحتلال من القوى السياسية البرية المجاورة. 

  ويتوفر لمصر دون غيرها من القوى السياسية التى كانت تهيمن على الحالة السياسية فى الشرق الأوسط ظهير سياسي ضخم عبر التاريخ يضم عديد من التوابع الإقليمية ظلت فى كنف الدولة المصرية فى حالة الإمبراطورية لفترات زمنية طويلة تفوق تبعيتها لدول أخرى بالمنطقة ورغم هذا فإن هذا لا يعتبر مسوغا بإحتلالها حالياً وضمها بحكم الحقوق التاريخية، حتى إذا كان لمصر من خيار؛ فهل تختار من بلاد الحجاز بين جزيرتي تيران وصنافير بأراضيها الجرداء أو بين مكة المكرمة والمدينة المنورة لضمها بحكم الحقوق التاريخية ؟ .(شكل رقم 1).

  وقد إستمرت مصر في الإنكماش داخل حدودها السياسية الأخيرة ليقتصر معمورها الرئيسي والحيوي داخل الوادي والدلتا فقط في حيز مساحي لا يتجاوز ستة في المئة من حيزها الكلي الذي يتجاوز المليون كيلومتر، وإنحبس داخله 98.5% من جملة سكانها الذي يتجاوز تسعين مليونا من البشر، وأعتبرت صحراوات سيناء والصحراء الشرقية والغربية مناطق تخوم تغلف المعمور المصري الفيضي من جميع الإتجاهات بدليل تسميتها رسميا بالمحافظات الحدودية ويقوم على إدارتها محافظون من روافد عسكرية، وتخضع أراضيها للعمليات الحربية ويجب التصريح المسبق قبل إعمارها مدنيا، وكان هذا سببا لتأخر تمدد المعمور المصري خارج نطاقه الفيضي المركزي لتظل تلك الصحراوات عمقا خاليا وكافيا للدفاع من العمق ضد أي غازي يخترق الحدود الخارجية ويحتل أي إقليم متاخم للحدود دون حاجة لتنظيم الموقف الإخلائي لتلك التخوم الحدودية قبل إستخلاصها وتلك نظرية بالية وغير صالحة في الحروب الحديثة.
وأهملت الحدود الدولية لمصر دون إستكمال تعيين باقي حدودها مع دول الجوار لتظل مناطق قابلة للنزاعات كحلايب وشلاتين وجزيرتي تيران وصنافير..الخ، ولكنها اجتذبت الإهتمام مؤخرا بعد إكتشاف موارد البترول والغاز بالمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تمتد لأكثر من 200 ميل بحرى من خط الأساس، ومن ثم الحاجة إلى تعيينها وإستغلال مواردها، وكانت جزيرتي تيران وصنافير أحد تحديات تعيين الحدود الشرقية لمصر. 

  وتشتق تسمية جزيرة تيران من خلال جمع “تير” وتعني موج البحر في بعض لهجات العرب، وتبعد 6.1 كيلومتر من ساحل شبه جزيرة سيناء الجنوبية، بينما تبعد جزيرة صنافير عنها بحوالي 2.5 كيلومتر إلى الشرق منها، وتبلغ مساحة تيران حوالي 80 كيلومترًا مربعًا، بينما تقدر مساحة جزيرة صنافير حوالي 33 كيلومترًا مربعًا . وتقع الجزيرتان في مخرج خليج العقبة إلى البحر الأحمر فيما بين كلاًّ من شرم الشيخ ودهب غربا ورأس حميد شرقا بساحل تبوك شمال غرب المملكة العربية السعودية، وتصنع الجزر ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة: أولهما بين ساحل سيناء وجزيرة تيران “ممر إنتربرايز”، وهو الأصلح للملاحة وعمقه 290 مترا وهو أقرب إلى ساحل سيناء، أما الممر الثاني فهو ممر “جرافتون”، وعمقه 73 مترا بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، ويقع الثالث بين جزيرتي تيران وصنافير، وعمقه 16 مترا فقط.

  وتعود أهمية الجزيرتَيْن إلى قيمتهما الكبرى في التأمين الدفاعي الاستراتيجي للقسم الجنوبي لشبه جزيرة سيناء، ومنطقة الساحل الغربي للمملكة على البحر الأحمر بمحاذاة “راس حميد” ومنطقة “تبوك” الإستراتيجية.من خلال إغلاق خليج العقبة بالكامل في حال إندلاع أي نزاع عسكري مع إسرائيل.(شكل رقم 2).


  وكانت الجزيرتان تابعتين لمملكة الحجاز الهاشمية سابقا، و قام عبدالعزيز آل سعود بالاستيلاء عليها فى ١٩٢٦وانتقلت بذلك تبعية صنافير وتيران الى السيادة السعودية، وبعد هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين عام ١٩٤٨ وفقا لاتفاقية رودس، لكن إسرائيل احتلت بقية الأراضي المخصصة للدولة العربية بفلسطين وميناء أم الرشراش من مصر ( إيلات حاليا فى ١٩٤٩ ) وتم وضع الجزيرتين تحت الحماية المصرية في يناير1950 بطلب من العاهل السعودي الراحل “عبد العزيز آل سعود خوفا من إحتلال إسرائيل لهما بعد هزيمة 1948، وقامت الدولتان بإعلام بريطانيا في 30 يناير من العام نفسه، ثم الولايات المتحدة في 28 فبراير، وتواجدت القوات المصرية بهما دون أن يخل ذلك بأي مطالبات لأي منهما في الجزيرتين.

  وتوضح خريطة الشرق الأوسط التي أعدت عام 1955بمعرفة مكتب برنامج المعلومات والتدريب للقوات الأمريكية بواشنطن، والتي أودت بمكتبة الكونجرس الأمريكية بشكل قاطع حدود مصر والمملكة العربية السعودية بشكل قاطع حيث تظهر الحدود البحرية بينهما من خلال حد واضح وكتابة إسم الدولتين على جانبيه وتظهر الجزيرتان تابعتان للجانب الشرقي السعودية.( شكل 3-4-5)

https://www.loc.gov/resource/g7420.ct003769/.

   كما لا تقع الجزيرتان بالمياه الاقليمية المصرية لتمارس مصر سلطتها وتفرض قوانينها عليها وفقا للمادة الثانية من قانون البحار وإتفاقية 1982، والتي لا يجب أن تقل مداها عن3 أميال، وتمتد إلى 12ميلاً وفقا للمادة الثالثة من نفس القانون، ونظر لضيق مخرج خليج العقبة عند الجزيرتين ووفقا للقانون الدولي يعتبر خط المنتصف هو قاعدة الفصل في حالة الجزيرتين والذي يكشف وقوعها بالجانب السعودي .

   ولما كان تخطيط الحدود بين الدول يجب أن يمر بأربع مراحل، مرحلة التعريف والتخطيط DefinitAion من خلال معاهدة لوصف الحدود والمناطق التى يمر بها الحد السياسي ،أما المرحلة الثانية فتتعلق بالتحديد Delimitation من خلال الخرائط التفصيلية والصور الجوية التي يستعان بها في توقيع الحد السياسي ، يليها مرحلة التعيين Demarcation التي يتم فيها ترسيم الحد السياسي على الطبيعة ، وأخيرا إدارة الحد Administration بالمرحلة الرابعة من خلال وضع قواعد تكفل بقاء صفته كحاجز وخط فصل بين وحدتين سياسيتين بتزويدها بنقاط الحراسة والتفتيش والجمارك، فقد تم تشكيل لجنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990، لتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، وأخطرت بها الأمم المتحدة به في 2 مايو 1990، ولكنها لم تسلم للمملكة وقتذاك ، كما صدر المرسوم الملكي السعودي في 2010 بتحديد نقاط الأساس في ذات الشأن للمملكة العربية السعودية. ونص الاتفاق السعودي- المصري الأخير على إعتراف مصر رسمياً بأحقية المملكة العربية السعودية في جزيرتي صنافير وتيران من خلال بيان مجلس الوزراء بأن ترسيم الحدود الذي استغرق أكثر من 6 سنوات.

  وأخيرا عندما يقام الجسر بعرض أربع حارات ومرافقه والإستخدامات المرتبطة، ومدخله الشرقي والغربي سيستهلك معظم أرض الجزيرتين، وستصبح الجزيرتان والجسر حيزا أرضيا دوليا(عربيا) يخدم الشعوب العربية ويزيد من المركزية الجغرافية لمصر حيث سيولد حركة برية كثيفة على محور من الغرب للشرق لخدمة الشعوب العربية، يتعامد مع محور الحركة البحري من الشمال للجنوب عبر قناة السويس.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا