التسميات

الخميس، 29 ديسمبر 2016

سـيـاسـة الـتـهـيـئـة الـعـمـرانيـة في الجـزائـر ...

الــخـــطـــة:
الـمـقـدمــة. 
الـفـصـل الأول: سـيـاسـة الـتـهـيـئـة الـعـمـرانيـة في الجـزائـر. 
الـمـبـحـث الأول: أهمّ مراحل سياسة التهيئة العمرانية و توجّهاتها.
المـطلب الأول: مرحلة 62 -78 سياسة التوازن الجهوي.
المطـلب الثاني: مرحلة 78-86 الإستعمال الجديد للتهيئة العمرانية.
المـطلب الثالث : مرحلة 86-94 إنحطاط السياسة المجالية.
الـمـبـحـث الـثـانـــي: أدوات التهيئة العمرانية و التعمير.
المـطلب الأول: حسب القانون 87-03 المتعلق بالتهيئة العمرانية.
المـطلب الثاني: حسب القانون 90-29 المتعلّق بالتهيئة و التعمير.
الـمـبـحـث الـثـالـــــث: نتائج و سلبيات هذه السياسة.
المـطلب الأول: نقائص التوجّهات و تطبيقها.
المـطلب الثاني: الإختلالات المتعلقة بالإقليم و التعمير. 
الـفـصـل الـثـانـي: واقـع الـتـعـمـيـر فـي الجـزائــر. 
الـمـبـحـث الأول: إقـتـرابـات و مـفـاهـيـم الـتـعـمـيــر.
الـمـطـلـب الأول: الـتـعـمـيـر و مـفـهـومــه.
الـمـطـلب الـثانـي: الإقـتـراب الـنـوعــي.
الـمـطـلـب الـثـالـث : الإقـتراب الجـهـوي .
المـبـحـث الـثــانـي: نـتـائـج التـعـمـيـر فـي الجـزائـــر.
الـمـطـلـب الأول: الـنـتـائج الإقـتـصـاديــة.
الـمـطـلـب الـثـانـي: النـتـائج الإجتماعيـة و الثقافـيـة.
الـمـطـلـب الـثـالـث: النـتـائـج عـلـى الـبيـئــة. 
الفـصـل الثـالـث: بوادر الـتجديد و إدراج الـبعـد الـتنمـوي. 
المـبـحـث الأول: الإنـشغالات الـحاليـة و مـستـجـدّات الـقـانـون 01-20.
المطلب الأول: التوجهـات الـكـبـرى لمـا قـبل 2000 و مـا بعدهـا.
المطلب الثاني: سياسة التهيئـة العمرانيـة فـي ظـل الـقـانـون 01-20.
الـمـبـحـث الـثـانـي: الآفــاق الـمـسـتـقـبـلـيـة "2010-2020".
المطلب الأول: إعادة الإنتشـار الديمغرافي و تقليص العبء على منطقـة التـل.
المـطلـب الثـانـي : الـتـحـكّــم فــي الـعــمران.
الـمـبـحـث الثالث: خيار الـ "هضاب عليا-جنوب" دراسة حالة الهضاب العليا الغربية.
المطلـب الأول: رهـانـات المـشـروع و سـبـل مـعـالـجـتـهـا.
المـطـلـب الثاني : أبعاد التـنمية المـستدامة و التنظيـم الحضـري.
الــخــاتـــمــة. 

الفصل الأول: سياسة التهيئة العمرانية في الجزائر.
إنّ تحليل سياسة التهيئة العمرانية في الجزائر يدفعنا لا محالة إلى استعراض تلك المراحل التي مرّت عليها، حيث أنّ الوضع السائد حاليًا يُنبِئُ عن وجود تداخل أشكال مختلفة من شَغل المجال. فقبل عهدة الاحتلال كان التنظيم المجالي مبنيًا على التضامن الإجتماعي و التكامل المجالي؛ ليمحيَ المستعمر هذا المنطق و يكيِّف عمرانا حسب ما تقتضيه ظروف الاحتلال لنصل سنة 1962 إلى عمران ريفي مدمّر، و نرث غداة الإستقلال قاعدة إقليمية مختلّة نجد فيها السهول الساحلية و مناطق الإستغلال المكثّف لسكان الأوربيين تتمركز فيها معظم الهياكل الأساسية هذا من جهة، و من جهة أخرى نجد باقي البلاد موزّع بين مناطق ذات استغلال فلاحي تقليدي، و الجهات المصدّرة لليد العاملة الفلاحية الجزائرية المهمّشة و الضعيفة. هذه الوضعية المزرية ألزمت    على السلطات العمومية و الهيئات المختصّة وضع سياسة تفضي إلى تحكّم في المجال و شغله بطريقة عقلانية، نستعرضها من خلال مراحل و توجّهات هذه السياسة و الأدوات المستعملة فيها، و هذا في المبحثين الأول و الثاني، ثم نقيّم هذه السياسة و نستخرج سلبيّاتها في المبحث الثالث.
المبحث الأول: أهمّ مراحل سياسة التهيئة العمرانية و توجّهاتها.
بحكم أنّ الإختيارات الكبرى للبلاد لم تظل على وتيرة ثابتة، و إنّما لحقتها تغيرات متتابعة، فإنّنا سنستعرض أهم المراحل التي مرّت بها سياسة التهيئة العمرانية بالجزائر مبرزين خصائصها:
المطلب الأول: مرحلة 62 -78 سياسة التوازن الجهوي.
التوازن الجهوي: هو مبدأ ثابت في السياسة التنموية الجزا ئرية، يهدف إلى تحقيق العدالة الإجتماعية بين كافة أفراد الشعب، و ذلك عن طريق توزيع الدخل الوطني و توفير فرص الترقية بكيفية متساوية للجميع، و القضاء على الفوارق الجهوية الصارخة بين مختلف جهات الوطن، و بالخصوص بين مناطق الشمال و الهضاب العليا و الجنوب؛ و بين السهول و المناطق الجهوية؛ إنّ مبدأ التوازن الجهوي يعتبر عنصرا من المبادئ العامة للتنمية الوطنية حيث كان مرفوقًا بعنصر التأميم و تكوين القطاع العام.
و بظهور المخطّطين الرباعيين (1970-1973/1974-1977 ) تأكّد حقيقة و بصورة أوضح الإهتمام بإعادة التوازن الجهوي، و زيادة على مواصلة تنفيذ المشاريع الصناعية الكبرى و البرامج الخاصة خصّصت عمليات أخرى على المستوى المحلي، كالمخطّطات الولائية و المخطّطات البلديّة للتنمية و مخطّطات التجديد العمراني و غيرها.و إيضاحا لأهمّ الأعمال النجزة في تلك الفترة نذكر:
- البرامج الخاصة ابتداءًا من 1966 و هي برامج تتعلّق بعشر مناطق تتميّز بضعف الهياكل القاعديّة، و نسبة بطالة عالية، مع تزايد درجة النزوح نحو المدن الكبرى.
- برامج التجهيز المحلّي للبلديّات ابتداءًا من 1970 و ترمي إلى التنمية الصناعيةو الإقتصاديةو الفلاحية و التشغيل.
- الثورة الزراعية و برامج الـ1000 تجمّع سكني ( villages ) سنة 1970.
- المخطّط البلدي للتنمية PCD يهدف إلى تنظيم و تخطيط تغيير المدن بالربط مع التعمير و التصنيع.
- مخطّط العصرنة العمرانية PMU الذي بدأ تطبيقه في السداسي الثاني من سنة 1976 (1).
و قد أعطت هذه الأعمال نتائج إيجابية مثل التقليص من الفوارق في ميدان الشغل و بالتالي في المداخيل و في ميدان التربية و تنمية الهياكل الأساسية و التجهيزات و الكهرباء و تطوير المدن الصغرى و المتوسطة.
المطلب الثاني: مرحلة 78-86 الإستعمال الجديد للتهيئة العمرانية.
انتهت المرحلة السابقة متميِّزة بخاصية أساسية تتمثل في نقص الهيئات المنصبّ اختصاصها في مجال شغل الإقليم و تهيئته، و التي من شأنها الوقوف أمام النّزوح الريفي و البطالة المنتشرة في مختلف المنشآت العمرانية؛ فظهرت ابتداءًا من سنة 1980 التهيئة العمرانية أكثر تأكيدًا و و جلاءًا عن طريق سلسلة من الإجراءات، فظهرت ضمن صلاحيات دائرة وزارية و ذلك بإحداث وزارة التخطيط و التهيئة العمرانية.
كما تأسّست سنة 1981 الوكالة الوطنية للتهيئة العمرانية ( ANAT ) التي كُلِّفت على الخصوص بإعداد المخطّط الوطني للتهيئة العمرانية ( SNAT )، و من جهة أخرى صدر قانونان في نفس السنة يتضمّنان تعديلات و تتميمات لقانوني الولاية و البلدية ينصّان على صلاحيات الجماعات المحلية و يزوِّدانها بأدوات خاصّة كالمخطّط الولائي للتهيئة و نظيره البلدي و سيأتي الكلام عليهما في موضعه.
و تزوّدت التهيئة العمرانية أيضًا سنة 1987 بالقانون المتعلّق بالتهيئة العمرانية الذي يوضّح أدواتها على المستويين الوطني و الجهوي، و يحدّد اتّساقها و تناسقها (2).
المطلب الثالث: مرحلة 86-94 إنحطاط السياسة المجالية.
كانت سنة 1986 بداية دخول الجزائر في أزمتها على مختلف المستويات ( الإقتصادية، الدبلوماسية، المالية، و الأمنية)، فأمام أزمة مالية نجمت عن انخفاض سعر البترول و زاد من حدّتها تقلّبات سعر الدولار، لم للدولة خيار سوى الإنسحاب و التخلِّي عن كلّ عمليات التخطيط المجالي و التهيئة العمرانية.
و برزت تبعات و نتائج ذلك على الحالة الراهنة للإقليم فيما يخصّ تجهيزه و النشاطات التنموية التي أُنجزت من الإستقلال إلى تلك الفترة، و عليه ظهرت محدودية مساعي التنمية، و اثّر غياب سياسة التهيئة العمرانية سلبيًّا، حيث أفضى ذلك إلى ظهور اختلالات على المستوى الإقليمي و السكّاني. 


(1) Cherif Rahmani :La croissance urbaine en Algérie - OPU - 1982 - P229.
(2) القانون 87-03 المؤرّخ في 27-جانفي-1987 المتعلّق بالتهيئة العمرانية، ج ر 05.
المبحث الثاني: أدوات التهيئة العمرانية و التعمير.
كانت سياسة التهيئة العمرانية في بداية الثمانينات مجرّد تصوّرات محدّدة في المخطّطات الوطنية، و لم يكن في الحسبان أنّها ستدخل حيِّز التطبيق إلاّ بعد صدور نصوص قانونية تضفي عليها الطّابع التنظيمي، و بالفعل فقد عرف شغل المجال صدور أهمّ قانونين يحدِّدان أدوات التهيئة العمرانية، نتعرّض لهما في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: حسب القانون 87-03 المتعلق بالتهيئة العمرانية.
يهدف هذا القانون إلى تحديد القواعد العامة الرامية إلى تنظيم إنتاج الأراضي، و الموازنة بين وظائف السكن و الفلاحة و الصناعة و وقاية المحيط و الأوساط الطبيعية و مجالات أخرى أدرجها القانون، و ذلك على أساس إحترام مبادئ و أهداف السياسة الوطنية للتهيئة العمرانية؛ و حسب ما جاء فيه فهناك ثلاثة ( 3 ) أنواع من المخطّطات:
1- المخطّط الوطني للتهيئة العمرانية( SNAT ) :
يُعتبر المخطّط الوطني للتهيئة العمرانية المادّة الأساسية و الخام المشكّلة لهذا القانون، حيث يجسّد الإختيارات المحددة بخصوص تهيئة المجال الوطني و تنظيمه على المدى الطويل و ذلك في آفاق 2010 2025، فطُرحت من خلاله ملفات متعلّقة بالديمغرافية، الموارد الطبيعية، النشاطات الإنتاجية، المنشآت القاعديّة و البيئة؛    و يشكّل الإطار الإستدلالي لتوزيع الأعمال التنموية و توزيع أماكنها، فهو إذن بمثابة أداة استراتيجية لتطبيق مبادئ التهيئة العمرانية، و بهذا فهو يدمج بصفة إلزامية الأهداف المحدّدة للتنمية الإقتصادية و الإجتماعية.
إنّ هذا المخطّط يحدّد المقاييس التالية و ذلك اعتمادا على الأهداف الأساسية الموكلة إليه:
- الشغل العقلاني للمجال الوطني.
- وضع قنوات للهياكل القاعدية بصفة منسّقة و تعيين التجهيزات الكبرى.
- توزيع المخطّطات المعدّة للسكان، و الأنشطة الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية.             
- تقييم الإستغلال العقلاني للموارد البشرية.
- حماية التراث الإيكولوجي و الثقافي و التاريخي الوطني.
و في هذا الصدد فإنه يحدد البرامج و النشاطات الكبرى بفترات زمنية تتناسب و المجال التخطيطي الوطني، و يحدد سلّم الأولويات و تخصيص الموارد النادرة و غير القابلة للتّجديد، كما يحدّد توجيهات التنمية و التهيئة على المستوى الجهوي.
2- المخطّط الجهوي للتهيئة العمرانية ( SRAT ) :
هو أداة التطبيق المباشرة لتجسيد توجيهات المخطّط الوطني، حيث يتولّى في حدود مجاله شرح و توضيح التوجيهات و المبادئ المقرّرة في الوطني، و يُحدّد بنفس الإجراءات التي يحدد بها   SNAT ، و يتكفّل بالتنمية الجهوية عاملا على تبسيط و تكييف أعمالالتهيئة العمرانية الواردة ضمن الخطّة الوطنية قصد القضاء التدريجي على الفوارق الجهوية، و تشجيع التنمية و التكامل ما بين الجهات.
و يعمل المخطّط الجهوي على تنمية المجالات التالية:
- قواعد التنسيق الزمنية للتنمية.
- تحديد مساحات التعمير لمختلف التجمّعات الحضرية و تلك المتواجدة في الأراضي الخصبة.
- الصبغات المجالية الرئيسية و ذلك حسب القيود الطبيعية، و كذا المحاور الإنمائية كالهياكل القاعدية و مناطق الأنشطة الإقتصادية و مخطّطات استعمال الموارد الطبيعية.
- الأنشطة الواجب تنميتها لإعادة توازن الجهات.
3- مخطّطات التهيئة المحلّية: هي على نوعين
أ مخطّط تهيئة الولاية ( PAW ) : حسب توجيهات و مبادئ كل من المخططين الوطني و الجهوي تقوم كل ولاية بإعداد مخطط تهيئتها. حيث تبادر بذلك الإدارة بالتشاور مع الأعوان الإقتصاديين و الإجتماعيين للولاية و مجالس المداولة بالولاية و البلديات و ممثلي الجمعيات المهنية.
يهدف المخطط الولائي للتهيئة إلى توضيح التوجهات المعدّة في المخطط الجهوي و شرحها فيما يخصّ الإقليم الذي تشغله، بإدخال التوجهات الخصوصية لكل مساحة من التخطيط بين البلديات التي تهيكل الولاية، فهو يوضح و يضبط:
- التوجهات البلدية الرئيسية.
- توجيهات التنمية و الأعمال الواجب القيام بها من أجل إعادة التوازن لتوزيع الأنشطة و توطين السكان.
- تنظيم الهياكل الأساسية و مناطق الأنشطة الإقتصادية أو الخاصة بالإستصلاح.
- قواعد التماسك القطاعي و الزمني لتطوير الولاية من خلال علاقتها مع المخطط الجهوي.
هذا علاوة على لزوم احتواء المخططات الولائية للإنسجام بين البلديات و ذلك لفائدة التنمية المنسقة و المتكاملة للولاية من خلال تحديد التوجهات التنموية و الديمغرافية لمختلف البلديات، ويعتبر إقليم كل ولاية أيضا، مجالا لتثمين نَوْعِي لهذا الإنسجام على مستوى الخدمات العمومية خاصة التي تهمّ السكان مباشرة و التي ينبغي تكييفها ابتداءا من هذا الصعيد مع التوزيع و مع خصوصيات هؤلاء السكان.
ب مخطّط تهيئة البلدية ( PAC ) : إن البلديات باعتبارها جماعات قاعدية هي المجالات التي ينبغي أن تفضي إليها و تتجسد فيها السياسات التي تحملها التهيئة العمرانية بمختلف أشكالها، و التي من بينها نوعية إطار الحياة، و العدالة الإجتماعية، و انخراط المواطنين باعتبارهم الصانعين للتنمية و المستفيدين منها.    
و عليه كان مخطط تهيئة البلدية الخلية الأساسية لتطبيق السياسة الوطنية ل لتهيئة العمرانية بالمخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير و مخطط شغل الأراضي المحدّدان بموجب القانون 90-29 المتعلق بالتهيئة و التعمير.

المطلب الثاني: حسب القانون 90-29 المتعلّق باتهيئة و التعمير.
نصّ هذا القانون في فصل خاص من المادة العاشرة ( 10 ) إلى المادة الثانية و الأربعين ( 42 ) و المعنون بأدوات التهيئة و التعمير، على إيجاد أداتين رئيسيّتين في سبيل تحقيق ذلك هما المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير، و مخطط شغل الأراضي، و تفصِّل كل هذه المواد فيها على النحو الذي نجمله فيما يلي:
1- المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير ( PDAU ) : هو وثيقة تعرّف بأهداف التهيئة، و يهدف إلى صياغة صورة مجالية تسمح بتطبيق سياسة عامة على إقليم البلدية، و كذلك تشمل تقدير الإحتياطات في شتى المجالات الإقتصادية و الإجتماعية لفترة تتراوح مدّتها في 20 سنة بعد إعداده، فهو بذلك وثيقة مستقبلية للتنبّؤ و توجيه التهيئة، و توسّع التجمعات السكانية، كما يحدّد التوجيهات العامة للأراضي، فهو يقسم المنطقة إلى قطاعات محددة كما يلي:
أ- القطاعات المعمّرة: و تشمل كل الأراضي المبرمجة للتعمير على الأمدين القصير و المتوسّط.
ب- قطاعات التعمير المستقبلية: و هي الأراضي المخصّصة للتعمير على الأمد البعيد.
ج- القطاعات غير القابلة للتعمير: كالمواقع الأثرية، المناطق الفلاحية، حماية الثروات الطبيعية و الغابات.
و تكمن أهمية المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير كونه الوثيقة المرجعية الملزمة لكل الهيئات المتواجدة في إقليم البلدية و حتى الجهة المُعدّة له و هي البلدية؛ فهو المقسّم للعقارات على تراب البلدية و بذلك فإنّ إنشاء المخطط بمثابة تعريف للأملاك العقارية و طبيعتها، و كذا تعريف بطرق استعمالها تفاديًا للنمو العشوائي، و الإستغلال اللاعقلاني للأملاك العقارية داخل حيّز البلدية، و توفيرا لاحتياطات المواطنين الأساسية داخلها.
إنّ المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير هو تحديث لمخطّط العمراني التوجيهي ( PUD ) و يتوجّب عند إعداده مراعاة المخطط الوطني و الجهوي للتهيئة العمرانية.
2- مخطط شغل الأراضي ( POS ) : يجب أن تكون كل بلدية مغطاة بمخطط شغل الأراضي، فهو الذي يحدّد حقوق استعمال الراضي و البناء عليها، و يبيّن الشكل العمراني و حقوق البناء و كذلك استعمال عند الأراضي يحدد طبيعة و أهمية البناءات، كما يحدد القواعد المتعلقة بالمظهر الخارجي للبناءات، و يبين كذلك هذا المخطط الأراضي الفلاحية، و الإرتفاقات و الطرقات و المناطق الأثرية الواجب حمايتها.   
يحتوي المخطط على لائحة تنظيم و المتضمّنة لما يلي:
- مذكّرة تقديم يثبت فيها تلاؤم أحكام المخطط التوجيهي كذلك المعتمدة للبلدية المعنية تبعا لآفاق تنميتها.
- جانب القواعد التي تحدد لكل منطقة متجانسة و مع مراعاة الأحكام الخاصة المطبقة على بعض أجزاء التراب (1)؛ من حيث نوع المباني المرخّص بها، و حقوق البناء المرتبطة بملكية الأرض التي يعبر عنها معامل شغل  الأراضي و معامل مساحة ما يؤخذ من الأرض مع جميع الإرتفاقات المحتملة.
_____________
(1) الفصل الرابع من القانون 90-29 المتعلق بالتهيئة العمرانية و التعمير، المؤرخ في 01مبر 1990، ج ر 52   

   يحدد معامل شغل الأراضي في هذه الحالة العلاقة بين مساحة أرضية مع خالص ما يتصل من البناء و مساحة قطعة الأرض.
و يحتوي مخطط شغل الأراضي على دقائق بيانية تتضمّن مخطط بياني للموقع؛ مخطط طوبغرافي؛ خريطة تبين الكواسر التقنية لتعمير التراب المعني مصحوبة بتقرير تقني؛ مخطّطُ الواقعِ القائمُ الذي يبرز الإطار المشيّد حاليا و كذلك الطرق و الشبكات المختلفة و الإرتفاقات الموجودة؛ مخطط تهيئة عامة (يحدد المناطق المتجانسة و موقع إقامة التجهيزات، المساحات الواجب الحفاظ عليها نظرا لأهميتها)؛ و مخطط التركيب العمراني.
و للإشارة فإنه لا يمكن مخطط شغل الأراضي مراجعة جزئية أو كلّية بعد المصادقة عليه إلاّ للأسباب التالية (1):
- عدم إنجاز مخطط شغل الأراضي في الأجل المقرّر لإتمامه، سوى 1/3 من البناء المسموح به من المشروع الحضري، أو البنايات المتوقعة في التقدير الأولي.
- إذا كان الإطار المبني في حالة خراب أو في حالة من القدم تدعو إلى تجديده.
- إذا كان الإطار المبني قد تعرض لتدهورات ناتجة عن ظواهر طبيعية.
- إذا طلب ذلك و بعد مرور 5 سنوات من المصادقة، أغلبية أملاك البنايات البالغين على القل نصف حقوق البناء التي يحددها مخطط شغل الأراضي الساري المفعول. 
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
(1) المادة 37 من القانون 90-29 المؤرخ في 1 ديسمبر 1990 و المتعلق بالتهيئة العمرانية و التعمير.

المبحث الثالث: نتائج و سلبيات هذه السياسة.
رغم توجّهات تلك السياسة المنتهجة خلال ما يقارب الأربعة عقود، إلاّ أن المظاهر و الإشكالات الحالية لتهيئتنا العمرانية لا تعكس إلاّ تعقيدات مختلف أنماط شغل المجال التي تتابعت عبر الزمن، و سنبيّن هذه السلبيات من خلال المطلبين المواليين.
المطلب الأول: نقائص التوجّهات و تطبيقها.
فيما يتعلق بمرحلة التوازن الجهوي؛ فالنقائص تتمثل في محدودية الأعمال المطبقة على السلم الزمني فلم يكن لها تأثير ملموس على الخريطة الإقليمية، و الصورة التي تقدمها نتائج الإحصاء لعام 1977 خير دليل في هذا الشأن، فالفوارق بين الشريط الساحلي و باقي البلاد تزداد هوّتها، و حركات نزوح هامة باتجاه المدن انجر عنها عمران فوضوي و زاد المشاكل الحضرية تعقيدا و حدّة.
فصرنا نشهد تبديدًا أكثر لأحسن الأراضي الزراعية التي استهلكت لفائدة العمران غير المراقب و إيجاد مواقع للوحدات الإقتصادية التي خطّطها القطاع تخطيطا عموديًّا.
أما عن فترة الإستعمال الجديد للتهيئة العمرانية، فقد وُضعت قوانين و صلاحيات تتعلّق بالتهيئة العمرانية، إلاّ أنها لم تتبع بالنصوص الأساسية التطبيقة، و هكذا لم يتمّ تحديد إطار الإعداد و كيفيات اعتماد المخطط الوطني و المخططات الجهوية للتهيئة العمرانية، ولا الأدوات القانونية المحلّية طبقا لما ينص عليه القانون.
فظهرت محدودية تطبيق القرارات المنصبّة في التهيئة العمرانية للأسباب التالية:
- عدم استقرار مهمة التهيئة العمرانية و ربط عملياتها المتعاقبة بعدة سلطات وزارية(التخطيط، الإسكان...)
- إجراءات التخطيط مطبوعة بثقل القرار المركزي، و التي أحالت ضرورات التهيئة العمرانية إلى درجة ثانية.
- إعطاء الأولوية للنظرة القطاعية في التخطيط دون تولي الإهتمام بواجب التناسق إزاء التوجهات المحلّية.
- تفضيل التنمية القطاعية على حساب الجانب المجالي يؤدّي إلى التضحية بالنظرة طويلة الأمد لتحقيق نتائج في الأمد القصير.
و بالنسبة لمرحلة إنحطاط السياسة الترابية، ففيها برز تفكّك الأقاليم، و معانة الضواحي من التهميش وانعدام الأمن، و الأخطر من ذلك، أن مناطق شاسعة ريفية و جبلية (كانت لا تزال تواجه متطلّبات العيش والنزوح) تبيّن بوضوح مدى حدود نموذج التنمية القطاعية المعمول به إلى ذلك العهد و ضخامة التصدعات الإقليمية المترتبة عن حالات الفشل هذه، و لا سيما تفاقمها في الأعوام الأخيرة الناجم عن انسحاب الدولة من الميدان و عن عدم تنظيم الإقتصاد و ضبط وتيرته.
مم ترتب عن ذلك الوصول في مرحلة 1994-2000 إلى "وضعية معقدة"، حيث أن ما ينبئ عن عدم اتخاذ المسار الصحيح ذلك التعمير الفوضوي، و الإستهلاك اللاعقلاني للأراضي و بشكل فوضوي أيضا، فالأراضي التي أدخلت ضمن الإحتياطات العقارية قد استهلكت و منحت على شكل قطع للبناء، و ذلك راجع لعدم فاعلية الرقابة و احترام قواعد البناء، و لم تكن هذه التجاوزات حكرًا على الخواص (ببناء السكنات الخاصة على هوامش القواعد و التنظيمات) بل شارك عدد من الهياكل و المؤسسات العمومية في الوصول إلى هذه النتيجة.
المطلب الثاني: الإختلالات المتعلقة بالإقليم و التعمير.
1- الإختلالات الإقليمية:
خلّف المستعمر بعد خروجه، و حسب ما جاء في إحصائيات 1966 حظيرة عقّارية يتوزّع فيها السكان على النسب التالية:
- 67 % من مناطق التل تضمّ 11800000 نسمة، 25 % الهضاب العليا، و 8 % للجنوب.
- بالنسبة للجزائر العاصمة وحدها فهي تضمّ 960000 نسمة.
و لم تؤخذ هذه الإختلالات في عين الإعتبار عند وضع سياسة شغل المجال الأمر الذي يفسّر ضياع التنمية القطاعية و عدم تناسقها؛ فكانت لها آثار إقصائية للمنافع تهيئة الإقليم و حماية البيئة، و أفضت في النهاية إلى تدهور تغطية المنشآت القاعدية و توزيع النشاطات الصناعية، و على سبيل المثال نبيّن الإختلال القطاعي سنة 1987:
- مناطق الشمال بمتوسط 28.8 وظيفة في قطاع الصناعة لكل 1000 نسمة.
- مناطق الهضاب العليا بمتوسط 16.2 وظيفة في قطاع الصناعة لكل 1000 نسمة.
- مناطق الجنوب بمتوسط 18.8 وظيفة في قطاع الصناعة لكل 1000 نسمة. (1)
2- الإختلالات المتعلقة بالتعمير:
إضطربت وضعية التعمير في الجزائر نتيجة المسار الخاطئ لسياسة شغل المجال، و المنعدم فيها التخطيط العقلاني العملي، فعرفت عشرية 1966- 1977 أكبر تيارات النزوح و الإنتقال نحو المركّبات الصناعية على المناطق الساحلية (عنابة، وهران، الجزائر...)، و قد زاد ثقل هذا الإختلال سنة 1987 ممّا هدّد موارد المنطقة التل بشكل خطير؛ و نبيّن في الفصل الموالي واقع و تأثير هذا التعمير في الجزائر. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقرير اللجنة الوطنية لخبراء الجزائر 2005، أفريل 2003.

الفصل الثاني: واقع التعمير في الجزائر.
كان يغلب على الشعب الجزائري عقب الإستقلال الطابع الريفي، و بقي كذلك حتى سنة 1966 أين ارتفع معدّل التعمير- نسبيا- فيسجل 31.4 % ، و لم تُصنّف ضمن البلديات الحضرية سوى 95 بلدية حسب مقاييس المحافظة الوطنية لإحصاء السكان سابقا.
و إثر محاولة الدولة في عشرية 66-77 رفع المستوى الإجتماعي، فقد شهدت هذه الفترة عملية نزوح ريفي اتّجاه المدن بحجم كبير وصل إلى 1.7 مليون ريفي بمعدّل 130000 في العام (1).
و سنتعرض إلى التعمير بالجزائر بعرض مفهومه و تكيّفه على الواقع؛ ثم نتائجه على مختلف المستويات.
المبحث الأول: إقترابات و مفاهيم التعمير.
للتعمير اقترابان أساسيان يتمثّلان في الإقتراب النوعي و الجهوي، نتعرّض لهما كلاّ في مطلب مستقل، بعد توضيح مفهوم التعمير في المطلب الأول.
المطلب الأول: التعمير و مفهومه.
إن التعمير هو أداة لتحسين الشكل العمراني و عملية تخطيط و تنظيم تندرج في هذا الإطار، و هو يرتكز على التنبّؤات و التقديرات المبنية على الأساس الديمغرافي و السوسيولوجي، حيث أن هذا الأساس مرتبط بتلبية الحاجات المتزايدة للسكان نتيجة النمو الديمغرافي هذا من جهة، و من جهة أخرى يُبنى على الأساس الإقتصادي، لارتباط النشاطات الإقتصادية بالأساس الأول، و لارتفاع معدل العمالة و مجالية خطوط التوسع الجغرافية للمدينة و إشكال شغل الأراضي.
فالتعمير كمفهوم نظري هو مجموع العمليات المركزة و الهادفة إلى تنظيم السكان و النشاطات (المنشآت التجهيزات و وسائل الإتصال على مستوى الإقليم)؛ إذن فالتعمير عملية إدارية تقوم بها السلطات العمومية التي تفترض تخطيط المجال و تعبئة الفواعل ( السكان، المؤسسات، الجماعات المحلية و الإدارية) إذن التعمير هو فن و تقنية أكثر منه علم، لكن للتذكير فهذا من جانبه النظري المجرّد.
إن القانون 90-29 المؤرخ في 01 ديسمبر 1990 المتعلق بالتهيئة العمرانية و التعمير أشار إلى مصطلح التهيئة و التعمير في مادته الأولى و تحديد القواعد العامة الرامية إلى تنظيم إنتاج الأراضي القابلة للتعمير و التكوين و تحويل المبنى في إطار التسيير الإقتصادي للأراضي، و الموازاة بين وظيفة السكن و الفلاحة و الصناعة، و أيضا وقاية المحيط و الأوساط الطبيعية و المناظر و التراث الثقافي، على أساس احترام مبادئ و أهداف السياسة الوطنية للتهيئة العمرانية.
لقد تمّ الإشارة في المادة الأولى السالفة الذكر على مصطلح التهيئة العمرانية و الذي يشير إلى الوسيلة المثلى، التي تضمن للدولة التوزيع العقلاني للقوى الإنتاجية و الموارد الطبيعية على مستوى الإقليم، و هذا يأخذ بعين الإعتبار احتياجات السكان و توزيعهم، و في هذا الإطار التهيئة العمرانية تعمل على توفير كلّ الوسائل (1) سيأتي في المطالب اللاحقة تدقيق الإحصائيات و المعطيات في جداول خاصة.
العلمية الضرورية لتنمية المجال الإقتصادي و الإجتماعي، و بالتالي فإنّ الاستراتيجية التي تشكلها التهيئة العمرانية من الصعب إدراكها و إدراك معالمها إلاّ من خلال آفاق طويلة الأجل وهذا يقتضي أهدافا عديدة و متشعبة و هي كالآتي:
- إنشاء مناطق النشاط الإقتصادي أو ما يسمى ببعث النظرية المكانية في اختيار المكان المناسب للنشاط الإقتصادي.
- توزيع فروع النشاط الإقتصادي على كل التراب الوطني من أجل تحقيق تنمية جهوية متوازنة و شاملة للإقليم الوطني.
- تفادي و تصحيح كل الأخطاء التي قد تكون وقعت عند عملية تحديد الأهداف الإقتصادية.
الـمـطـلـب الـثانـي: الإقـتـراب الـنـوعــي.
عُرفت الزيادة السريعة في التعمير بالمناطق الحضرية في العشريات الثلاثة العاقبة للإستقلال، فبالنسبة للتجمّعات السكانية ( Agglomérations ) التي يزيد عدد السكان فيها عن 60000 نسمة فقد تضاعف عددها من 13 إلى 29 في عشرية 66-77.
و حتى المدن ذات أزيد من 100000 نسمة فقد تضاعف عددها إلى ثلاث مرات فانتقل من 4 إلى 11 مدينة تترتب حسب نسبة السكان على النحو التالي: الجزائر، وهران، قسنطينة، عنابة، البليدة، سطيف، سيدس بلعباس، باتنة، سكيكدة، شلف، مستغانم؛ لتتعدى سنة 1990 الثلاثين (30) مدينة. و توسع الجزء الأكبر من الشبكة الحضرية توازيا مع التنمية الحاصلة في الحواضر الكبرى ( Métropoles ) و المدن المتوسطة.
إكتظاظ و تمركز فائقان في الشمال:
إن التحكم في حركة التعمير من خلال توزيعها على التراب الوطني هو الأداة الأساسية لإعادة توازن الإعمار؛ و هذا الجانب لم يجد التقييم الكافي في مراحل التنمية السابقة، أو أنّ نصيبه فيها كان الإهمال و الإغفال، و لذلك كانت الإختلالات الصارخة التي حاقت بحركة التعمير و بالهيكل الحضري في البلاد، متجلّية بشكل أوضح في توزيع المدن الكبرى.( و هذا جدول للمدن التي يفوق سكانها 100000 نسمة سنة 1987 )
الــــمــــــــدن:
عـــــدد الـسكـــــــان:
الجزائر
1500000
وهران
630000
قسنطينة
440000
عنابة
305000
باتنة – البليدة - سطيف
من 170000 إلى 180000
سيدي بلعباس
150000
الشلف - سكيكدة – بسكرة - تلمسان
من 120000 إلى 130000
مستغانم - بجاية
من 110000 إلى 115000
تبسة - بشار
من 105000 إلى 110000
إنّ هذا التوزيع الذي لا يخدم الهضاب العليا على الخصوص، و لا يظهر فيها جزءها السهبي بالغ الدلالة إذا علمنا مدى الدور الفعال الذي تلعبه المدن الكبرى في التنمية الجهوية.
و لهيكلة وضعية الشبكة العمرانية في الجزائر، ندرج الجدول المبيّن أدناه،الشامل للإحصائيات العامة لأربع عشريات ابتداءًا من 1966:

1998
1987
1977
1966
حجم المدن
%
عدد السكان
العدد
%
عدد السكان
العدد
%
عدد السكان
العدد
%
عدد السكان
العدد
18,2
3 022 827
4
36,6
36,6
36,6
36,6
2 444 207
4
44,7
1 679 466
4
الحواضر الكبرى
22,3
3 705 294
29
7,4
7,4
7,4
7,4
491 254
4

-
0
100 000+نسمة
13,3
2 212 786
34
16
16
16
16
1 071 270
16
19,4
729 813
11
  100 00050-
20,7
3 434 335
114
18,4
18,4
18,4
18,4
1 232 073
38
21
786 813
26
50 00020-
16,4
 2.711755
201

15


15


15


15

 1.003845
70
10,6
395 239
29
20 00010-

9,1

 1.509677

198

5,2

5,2

5,2

5,2

  349018

47

 4

  154801

19
10 000 5-

0

 0

0

1,4

1,4

1,4

1,4

  95118

32

 0 ,3

  13696

5
5000 -

100

16.508070
158

100

100

100

100

 6 .686785

211

100

3.759932

94

المجموع

التعمير في البلديات الواقعة في ضواحي الحواضر الكبرى:
إنّ توزيع أعداد الحضريين الجدد بين المدن الكبرى و المجمّعات السكنية الأخرى التابعة لمساحات كل منها، يجسّد بالأرقام مدى ثقل الإنصبابات التي حصلت على محيط كل حاضرة من الحواضر المختلفة، و مدى الخطر الذي تمثّله العملية على الأراضي الفلاحية ذات القيمة.
و تلك النتائج تخفي مدى التهديد الحقيقي الذي تتعرّض له الأراضي الفلاحية، لأن نمو الضواحي المعروفة بالضواحي الثانوية و انبساطها على حساب الأراضي الزراعية ما يزال مذهلاً.
الـمـطـلـب الـثـالـث: الإقـتراب الجـهـوي للـتـعـمـيـر.
يبين تحليل وضعية التعمير الجهوية الثقل الذي تفرضه ثلاث (3) ولايات هي الجزائر، وهران، قسنطينة، من بين ال48 ولاية، و يفسر هذا الثقل بالحجم و الموقع الذي تشغله هذه الحواضر الكبرى، فالجزائر العاصمة لوحدها تستحوذ على 10 % من مجموع سكان الإقليم الوطني، و على 22 % من إجمالي السكان الحضري.
تطور التعمير حسب الجهات (وسط، شرق، غرب)بالنسب المئوية لعشرية 66-77:
المناطق أو المدن التي تحوي على
شرق
وسط
غرب
أكثر من 100000 نسمة
93 %
73 %
52 %
أقل من 100000 نسمة
51 %
129 %
63 %
المدن الصغيرة
126 %
214 %
77 %
من خلال هذه البيانات يتبين أن جهة الوسط عرفت تزايدا سريعا جدًا فيما يتعلق بالمدن الصغيرة (214 % )، في حين يسجَّل على الغرب زيادة بطيئة، مقابلة مع الجهة السابقة و حتى جهة الشرق التي بدورها شهدت تزيدا سريعا كذلك (126 % ).
1- جهة الوسط:
عرفت هذه الجهة خاصة نسبة تعمير عالية نظرًا لقوة الجذب التي تتمتع بها بلديات هذا الجزء الحضري، مع اجتماع عدّة عوامل أخرى كـ:
- القرب من مدينة العاصمة التي تجلب نسبة يد عاملة هامة.
- تعددية النشاطات و المهن و الصناعات.
- الثورة الزراعية و خصائص منطقة متيجة.
و بالتوازي شهدت منطقة تيزي وزو تصاعدا سريعا في التعمير، بسبب البرنامج الخاص 1970 و جهود التصنيع المتواصلة؛ منطقة المدية هي الأخرى سُجِّل فيها الزيادة في التعمير بسبب تزايد الصناعات و خاصة التقليدية منها (صناعة الأحذية، الأقمشة).
2- جهة الغرب:
تعدّ درجة التعمير فيها ضعيفة خاصة بمنطقة التل الغربي، عدى منطقة حوض معسكر و سعيدة التي تعرف سرعة التعمير، حيث تُقدّر نسبة الزيادة الطبيعية بالتل الغربي بـ 23 % ، و قد عرفت هذه المنطقة مرحلتين زمنيتين:
- مرحلة الركود في التعمير قبل 1972.
- مرحلة 1972 و ما بعدها التي سجلت فيها فتح مجال التصنيع (الزراعة الصناعية بـ: بلعباس؛ سيق؛ محمدية؛ و الصناعة البتروكيماوية بالساحل)
أمّا عن التل الشرقي (لجهة الغرب دائما) فهي على عكس السابقة، في تزايد مستمر للتعمير، فمستغانم مثلا 35 % ، غيلزان 40 % .
و تجسّدت الزيادة بمنطقة حوض معسكر و سعيدة من جراء الجهود الإستثنائية للبرامج الخاصة، وهذا رغم بقاء الريفيين بأقاليمهم نظرا لتمسكهم بنشاطهم التاريخي و الرئيسي المتمثل في الفلاحة. 
3- جهة الشرق:
عرفت نسبة تعمير عالية خاصة بالمناطق المطلة على البحر مقارنة بالأجزاء الأخرى، فعنابة 65 % ، سكيكدة 50 % ، و شهدت باقي المناطق الساحلية نفس وتيرة الزيادة من جراء قوة النزوح الريفي، و برامج التصنيع بجهة الشرق عامة.
بالنسبة لولايتي جيجل و بجاية فقد سجلتا زيادة في التعمير متوسطة بـ 37 % في جيجل و 47 % في بجاية؛و بسبب النزوح الريفي من جهة و جهود التجهيز المحلي و الجهوي سجلت الزيادة بقالمة 55 % و تبسة بـ 48 % .
إن هذا الإختلال و عدم التوازن في الشبكة التعميرية يضم في طيّاته استحالة التحكم بهذه الظاهرة، لا من حيث الرِّثْم، و لا من حيث مجال التعمير الذي عرف توزيع غير متناسق مبني على أساس النشاطات المقامة.  
المـبـحـث الـثــانـي: نـتـائـج التـعـمـيـر فـي الجـزائـــر.
أثّرت ظاهرة التعمير على عدة ميادين، و خلفت نتائج تشتمل على طرفي نقيض في آنٍ واحد؛ فهناك نتائج آنية(راهنة) وأخرى مستقبلية، منها المباشرة و غير المباشرة؛ مادي و غير مادي، نتعرض لها بالتحليل في مطالب المبحث التالية.
الـمـطـلـب الأول: الـنـتـائج الإقـتـصـاديــة.
تنصب أساسا في عامل التكاليف، فقد تسببت تلك الأخطاء المسجلة على ديناميكية التعمير- و المتعرض لها في المبحث السابق- في تعدّد أنواع التكاليف؛ فإشكالية هذه الأخيرة المتصلة بالإقليم تستمدّ أسسها من إقترابين:
- إقتراب للتكاليف من حيث أنها موجهة إلى حماية، تثمين و تقسيم الإقليم أو المحيط، فهذه تعتبر تكاليف صيانة و استرجاع إنتاجية الإقليم.
- إقتراب للتكاليف من حيث أنها موجهة إلى عمليات التحويل أو الإرتفاق، فهي تكاليف الاستخدام.
إن تكاليف الحماية تساهم في الحفاظ على المحيط المعاشي و النشاطات التي يمكن أن تهدّد أو تتعرض لحالة عدم الإستقرار من جراء ثقل التمركز السكاني في مناطق معينة و الإسراف في استهلاك الموارد الطبيعية.
و تكاليف التثمين تظهر من خلال عمليات إنجاز الأسس القاعدية، بينما وُجدت تكاليف التقسيم لمواجهة مختلف مشاكل تدهور المجال من جراء التلوث.
بالنسبة لتكاليف التحويل، فهي مخصصة لفائدة الأراضي المهملة و التي لم تعد لها فائدة إنتاجية، لبعث النشاط فيها أو إنجاز الإستثمارات أو دفع المشاريع المتوقفة منها.
أما عن تكاليف الإرتفاق فهي الأكثر كلفة كونها توجه أساسا إلى إنشاء مناصب شغل، و كذلك المنشآت القاعدية الكبرى (التعليم، الصحة،...)
الـمـطـلـب الـثـانـي: النـتـائـج الإجـتـمـاعـيـة و الـثـقـافـيـة.
1- على الصعيد الإجتماعيّ:
إن ثقل أطوار التعمير التي شهدتها الجزائر منذ الإستقلال كانت السبب الرئيسي في التغيرات الإجتماعية المتنوعة، فتظهر حركية إجتماعية ترفق التغيرات المنصبة في إرساء النشاطات محليا و على أساس مختلف شروط الحياة بين كل من الريف و المدينة.
و على مستوى التشغيل و توزيع الموارد، الفوارق الحاصلة بين الجهات و بين القطاعات هي من نتائج الإقصاء و البرامج الموضوعة و التي باءت- في أغلب الأحيان- بالفشل.
و قد أفضت التضحية بالفلاحة و النشاطات و المهن التقليدية التي يدور مدارها حول ظروف الريف إلى تفاقم نسبة البطالة و تدهور وضعية المناطق الريفية.
2- على الصعيد الثقافي:
حيث كان لإستمرارية التعمير و الحركية السكانية انعكاسات إجتماعية-ثقافية خاصة البارزة منها كـ:
- تراجع الثقافة التقليدية الريفية أكثر فأكثر.
- الميل إلى أخذ ثقافات مستوردة على حساب الثقافة الوطنية المدنية، سقطت و زالت من خلالها القيم التقليدية.
- إنتقال طابع المعاش الريفي إلى المدن بالنسبة للسكان الجدد المعتادين الحياة المعاشية شبه البدائية.
- و هيمنة الثقافات الجهوية خاصة في المناطق ذات التمركز السكاني العالي، و ما ينجم عنه من وجود فوارق ثقافية داخل المجتمع.
الـمـطـلـب الـثـالـث: النـتـائـج عــلـى الـبـيـئــة.
مجموعة من المشاريع الكبرى تماشت مع تزايد الظاهرة العمرانية، كتلك المنطلقة في عنابة، سكيكدة، أرزيو...إلخ..، لكن المشكل أنها لم ترفق بسياسة تهيئة إقليم تدرجها ضمن المسار الصحيح و العقلاني، فكان لها تأثير على المحيط و الطبيعة بالسلب. هذا بالرغم من البرامج الوقائية التي وُضعت سنة 1970، كبرامج إعادة التشجير، و برامج المحافظة على المياه الباطنية، أعمال الحدّ من التصحّر.. وغيرها، كما لا يفوت التنويه على الأعمال التي تطرح في هذا الإطار من الجانب التشريعي و المتعلقة بحماية البيئة
و تواجه الجزائر اليوم مشاكل معقدة فيما يخص مسألة البيئة تحوم حول النقاط التالية:
- تدهور الموارد الطبيعية (الأراضي، المياه) من جراء الإستنزاف الصارخ لها من طرف حركات التعمير الحادثة.
- تلوث المياه و التي من ضمنها تلك الموزعة للاستهلاك المباشر، من جراء تسارع عجلة التصنيع، و التخلّص من المياه القذرة دون معالجة مسبقة لها و بشكل مستمر.
- تقهقر المحيط الذي يفضي إلى وضعية معاشية مزرية يرجع سببه إلى المسار الخطـىء في شغل الإقليم و التسيير المتردّي لحركة التعمير في المدن.
و من أبرز ما يقف من وراء هذه الحالة الخطيرة لبيئتنا الإهمال في احترام و تطبيق قواعد التهيئة العمرانية؛ انعدام سياسة واضحة في تطهير أو تنقية المياه القذرة، و غياب مراقبة مراكز التنقية الموجودة؛ وغياب الدولة على الميدان الذي جعل من النصوص القانونية المتعلقة بحماية البيئة مجرّد شعارات لا تُطبَّق.   

الفـصـل الثـالـث: بوادر التجديد و إدراج البعد التنموي.
تفاديا لكل انحراف عن المسار الصحيح للتهيئة العمرانية، و عملا على عدم تبديد الجهودات سدى، لزم وضع قواعد تسيير صارمة من أجل تجنيد و توجيه الموارد المالية و الطبيعية و البشرية؛ و عليه فإنّ الدولة بصفتها الضامن لديمومة المؤسسات و سلامة التراب الوطني و التماسك و الإستقرار الإجتماعيين، عليها أن تسطّر سياسة جريئة للتهيئة العمرانية تتلاءم و آليات إقتصاد السوق من جهة، و تكيِّف فيها تدخلها الدائرة بين التحفيز و الردع، و بين التمويل و التقنين و التنظيم من جهة أخرى.
الـمـبـحـث الأول: الإنـشغالات الـحاليـة و مـستـجـدّات الـقـانـون 01-20.
إن الوضعية الحالية لترابنا الوطني تترجم على مستوى تجهيزها و نشاطاتها المطورة أو المحدثة منذ الإستقلال مجهودات تنموية أكيدة ذات نتائج معتبرة من الناحية الكمية؛ و إنْ كان جزء منها قد أخفي بنتيجة النمو الديمغرافي الحاد أو بسبب الأزمة الإقتصادية التي أبطأت منذ 1987 عمليات التنمية نفسها و خاصة في مستوى توفير مناصب الشغل و الإستثمارات.
المـطـلـب الأول: التـوجـهـات الـكـبـرى لمـا قـبل 2000 و مـا بعدهـا.
كما كان مسطرا له، فإنه "طرأ على المسار الاستراتيجي للتهيئة العمرانية إدراج عدة عوامل، أو على الأقل التركيز عليها"، و التي بحكم فاعليتها و ثقلها من شأنها أن تلعب الدور التصحيحي لسياسة شغل المجال بالجزائر، فمن هذه العوامل:
1- مراجعة الإطار القانوني:
إن عمليات الضبط و التعديل التي تخص هذه الفترة و التي تنصب أساسا على التطبيق الفعلي للقوانين والنصوص و الأدوات المتصلة بتسيير الإقليم الوطني و موارده، بهدف تقليص حالات تبذير الموارد المتاحة (التربة المياه، الغابات ..)
إن النصوص القانونية المتعلقة بقانون المياه؛ البيئة؛ التهيئة العمرانية؛ و بالعقّار جديرة بأن تعدّل و تتمم بخصوص بعض النقاط، و نظرا لمكانة السهوب و الجبال و المدن الجديدة فإنه ينبغي إصدار قوانين تتعلق بها، وبالفعل فقد صدر في هذا الإطار بعد سنة 2000 القوانين التالية:
- القانون 01-20 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 يتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة، ج ر77.
- القانون 02-08 المؤرخ في 08 مايو 2002 يتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة و تهيئتها، ج ر 34.
- القانون 03-10 مؤرخ في 19 يوليو 2003 يتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، ج ر 43.
2- إيقاف النزوح الريفي:
إذا كانت هذه الظاهرة تتولد عن النسبة العالية من البطالة في المناطق قليلة الحيوية (كالجبال، سفوح الجبال، السهوب..) فإن حملة التقليل و تجنب التنقلات السكانية تتمثل في العناية بالأوساط الريفية التي يمكن أن تتم لصالحها أعمال متنوعة يتحقق الإستقرار فيها ابتداءا من التوفير الواسع للخدمات العمومية، و تسيير الحصول على القروض، و الترقية الناجعة لحركة الجمعيات و التعاونيات.
3- إنعاش الهياكل الكبرى الخاصة بالتشغيل و الأنشطة:
هو جانب آخر من عمليات إحداث الإستقرار، يهم الحركات الديمغرافية بين الجهات التي لا يمكن تجنبها إلاّ من خلال عملية توازن مستمرة (مع منح امتياز نسبي للجهات الداخلية) عن طريق الأشغال الكبرى للتهيئة العمرانية، و إنعاش التشغيل و إحداث أنشطة بواسطة اللامركزية الصناعية و المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و برامج سكنية اجتماعية و التجهيزات.
إن أعمال القطيعة تهم ابتداء من الأمد القصير جميع التغييرات الأساسية للمواقف و أنماط السلوك أو الإجراءات التي هي شرط لنجاح عمليات الضبط و الإستقرار السابق ذكرها، أو التطبيق اللاحق لاستراتيجية تهيئتنا العمرانية؛ و لكي تتمّ عمليات القطيعة هذه يمكن أن نسجل ما يأتي:
- التخلي عن طرق التخطيط المركزي سواء فيما يخص التطور و تقييم المشاريع أو ما يخص إعداد المعايير.
- نبذ إعطاء الأسبقية لنتائج الأمد القصير.
- ضرورة التنسيق القطاعي الفعلي و إصدار الأحكام في كل شفافية.
- إستئناف و توسيع الأشغال الكبرى للهياكل الأساسية المخصصة لداخل البلاد على أساس هذا التنسيق الصناعي.
- و أخيرا الإلتزام الدولة و الإدارة فيما يخص التطبيق الفعلي لخيارات التهيئة العمرانية بجميع أدواتها.
و بصدد الأمد القصير المقصود، فالأمر يتعلق في الواقع و لا سيما من حيث البرامج و الأعمال بتنفيذ كل ما يحضّر لأهداف الأمد الطويل و يتوقف عليه، و من بينها تحقيقا إعادة تثمين الجهات الداخلية على الخصوص.
4- إنطلاق برنامج المدن الجديدة و سياستها:
و ذلك بانطلاق أشغال إنجاز المدن الكبرى التابعة للجيل الجديد منها، و الشروع في الدراسة لإنجاز المدن الأخرى، و كما سبق أن ذكرنا أنّه قد صدر القانون 02-08 المتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة و تهيئتها، فحسبما ورد في أحكامه أن مصطلح "المدينة الجديدة يعني كلّ تجمّع بشري ذي طابع حضري ينشأ في موقع خال أو يستند إلى نواة أو عدة نوى سكنية موجودة، و تشكل المدن الجديدة مركز توازن اجتماعي و اقتصادي و بشري بما يوفّره من إمكانيات التشغيل و الإسكان و التجهيز".
و يندرج إنشاء المدن الجديدة ضمن السياسة الوطنية الرامية إلى تهيئة الإقليم و تنميته المستدامة التي تهدف إليها أدوات تهيئة الإقليم، حيث ينص المخطط الوطني لتهيئة الإقليم على إمكانيات إنشائها و يحدد وظائفها و موقعها، و ذلك بالتقيّد بمعيار التلاؤم مع تنظيم و تنمية المنشآت القاعدية الكبرى و المرافق الجماعية ذات المنفعة الوطنية المقررة في المخططات القطاعية. و لا يمكن إنشاء مدن جديدة إلاّ في الهضاب العليا و الجنوب، غير أنه و بصفة استثنائية، و تخفيفا للضغط على المدن الكبرى: وهران و الجزائر و قسنطينة و عنابة، فيمكن إنشاء مدن جديدة في المنطق الشمالية للبلاد.
المـطلـب الثـانـي: سياسـة التهيئـة العمرانـيـة فـي ظـل الـقـانـون 01-20.
جاء القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة ليحدّد التوجيهات و الأدوات المتعلقة بذلك، و التي من طبيعتها ضمان تنمية الفضاء الوطني تنمية منسجمة و مستدامة على أساس الإختيارات الاستراتيجية. حيث تسيّر الدولة هذه السياسة بالإتصال مع الجماعات الإقليمية في إطار اختصاص كلّ منها، و بالتشاور مع الأعوان الإقتصاديين و الإجتماعيين للتنمية،و حسب خصائص و مؤهّلات كل فضاء جهوي، وذلك رميًا إلى ضمان الأمور التالية:
- تعويض العوائق الطبيعية و الجغرافية للمناطق و الأقاليم لضمان تثمين الإقليم الوطني و تنميته و إعماره بشكل متوازن.
- تصحيح التفاوتات في الظروف المعيشية من خلال نشر الخدمات العمومية و محاربة كل أسباب التهميش و الإقصاء الإجتماعيين في الأرياف و الندن على حدّ سواء.
- دعم الأنشطة الإقتصادية بحسب أماكن تواجدها و ضمان توزيعها و انتشارها و تدعيمها في كافة تراب الإقليم الوطني.
- و التحكم في نمو المدن و تنظيمه.
و يشير القانون إلى أن "الأداة الرئيسية و الإطار المرجعي لعمل السلطات العمومية في تطبيق هذه السياسة تتمثل في المخطط الوطني لتهيئة الإقليم، الذي يهدف إلى:
- الإستغلال العقلاني للفضاء الوطني و خاصة توزيع السكان و الأنشطة الإقتصادية على كافة الإقليم.
- تثمين الموارد الطبيعية و استغلالها عقلانيا.
- التوزيع الفضائي الملائم للمدن و المستوطنات البشرية من خلال التحكم في نمو التجمعات السكنية و قيام بنية حضرية متوازنة.
- دعم الأنشطة الإقتصادية المعدّة حسب الأقاليم.
- حماية التراث التاريخي و الثقافي و ترميمه و تثمينه.
- تماسك الإختيارات الوطنية مع المشاريع التكاملية الجهوية.
كما يضع المبادئ التي تحكم البنى التحتية الكبرى للنقل ة التجهيزات الكبرى و الخدمات الجماعية ذات المنفعة الوطنية، و يحدّد كيفيات ضمان المحافظة على المناطق الساحلية و الجرف القاري و حمايتها و تثمينها؛ و لم يهمل المخطط الجانب الإقتصادي حيث نصّ على ضرورة إقامة تنمية اقتصادية متكاملة تتنوّع فيها طبيعة النشاط و ذلك في المناطق الجبلية (1).
(1) و للإستزادة أكثر عن محتوى المخطط يرجع إلى المواد 07 إلى 18 من القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة .
إن استقراء و تحليل المخططات التوجيهية التي وُضعت لتطوير الإقليم و تنمية مناطقه يوصلنا إلى نتيجة أنه قد شمل اختصاص عدد كبير من الإدارات المركزية، بل و الحساسة منها، و على سبيل المثال لا الحصر نذكر: المياه، المطارات المونئ، التنمية الــزراعية، الصيد و الموارد الصيدية، التكوين، الصحة و غيرها كثير؛ و هذا ما يبرز في الحقيقة أهمية تهيئة الإقليم و اختصاصها الأفقي.
و بالموازاة مع التوجيهات المحددة في المخطط الوطني لتهيئة الإقليم وُضعت المخططات التالية:
- المخطط التوجيهي لتهيئة السواحل الذي يترجم الترتيبات الخاصة بالمحافظة على الفضاءات الهشة و المستهدفة و تثمينها بالنسبة للمناطق الواقعة على طول الشريط الساحلي.
- المخطط التوجيهي لحماية الأراضي و مكافحة التصحّر.
- المخططات الجهوية لتهيئة الإقليم المحددة للتوجيهات و الترتيبات الخاصة بكل برنامج جهة، و لتوضيح هذا الأخير نصّ القانون في طياته على مفهوم الحاضرة الكبرى، المساحة الحضرية، المدينة الكبرى، المنطقة الحساسة. و في هذا الشأن وُضعت تسع (9) فضاءات جهوية لتهيئة الإقليم و تنميته تشمل كافة التراب الوطني.
- مخططات تهيئة الإقليم الولائي التي توضح و تثمّن الترتيبات الخاصة بإقليم كل ولاية.
و في سبيل تجسيد تلك البرامج و المخططات على أرض الواقع، فإن تمويلها الذي يكون عن طريق الدولة سيكون موضوع قوانين متعدّدة السنوات، كما ستنصّ قوانين المالية على الإجراءات المحفّزة بغرض تطوير الفضاءات و الأقاليم و الأوساط الواجب ترقيتها.
كما نصّ القانون على إمكانية إبرام عقود تنمية تشترك فيها الدولة و مختلف الفاعلين من جماعات محلية و المتعاملين و الشركاء و الإقتصاديين، للقيام بأعمال و برامج المخططات التوجيهية السالفة الذكر.

الـمـبـحـث الـثـانـي: الآفــاق الـمـسـتـقـبـلـيـة "2010-2020".
هناك مسألتين يدور عليهما مدار التفكير العقلاني لتهيئة عمرانية صحيحة، تتمثل الأولى في مبدأ العبء الديمغرافي للمنطقة التلية، و التي طُرحت منذ المخطط الوطنـي للتهيئة العمرانية المعدّ في بداية الثمانينات؛ و أم الثانية فتتعلق بالتحكّم في وتيرة العمران، من أجل ذلك كُثفت الأعمال في آفاق 2010- 2020 عليهما على الشكل الذي سنتعرض له في المطلبين التاليين:
الـمـطـلـب الأول: إعادة الإنتشـار الديـمغرافي و تقليص العـبء على منطقـة التـل.
حيث تُوجَّه الأعمال إلى التصحيح التدريجي للإختلالات الخطيرة وفقا لخيار "الهضاب العليا" من خلال ترقية الجهات الداخلية (التنمية الجهوية) (1)، ببرمجة عمليات متتابعة لصاح فئة الشباب المقبلين على دخول الحياة العملية، فهذا الأفق يهمّهم و يمسّهم بالدرجة الأولى، و هذا كله ضمن استراتيجية الدولة الرامية - في إطار تحقيق التوزيع الديمغرافي المتوازن- إلى:
- إنجاز الأشغال الكبرى للتهيئة العمرانية الموجهة إلى توفير شروط الإستقبال الجذابة سواء بالنسبة للنشاطات أو بالنسبة للسكان.
- تحقيق مدن جديدة معدّة لاستقبال هذه النشاطات.
- وضع الحوافز المالية و المادية المختلفة لتسهيل إعادة الإنتشار في التراب الوطني عن طريق ترقية النشاطات و الخدمات (2).
و يوضح الجدول في الصفحة الموالية المنطلقات و الإتجاهات حسب أحجام التحويلات الديغرافية المتوقعة، و ذلك وفقا للحالات الديمغرافية الحالية الخاصة بكل جهة بالنسبة لعام 2010 و 2020.
جدول تطور السكان حسب الجهات على المدى 2010- 2020:
- بالنسبة للهدف المدرج في الجدول فالمقصود منه التقليص من العبء السكاني أو الفائض الديمغرافي.
- كما يحسن بنا التذكير أن هذه التحويلات ليست تنقلات جبرية للسكان تنظمها و تنفذها السلطات العمومية، لكن ينبغي أن تكون ثمرة الحوافز على الهجرة الطوعية نحو الجهات المراد ترقيتها
- الوحدة = بآلاف السكان. 
ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حيث وُضعت فضاءات جهوية لتهيئة الإقليم و تنميته و التي من ضمنها الهضاب العليا المضروبة على العرض الجزائري شرق- وسط- غرب، إرجع إلى المادة 48 من القانون 01-20   المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة.
(2) أنظر المادة 57 من القانون 01-20   المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة.

السنوات
الجهات
1990
السكان
2000
السكان
2010
2020
الهدف
السكان
الهدف
السكان
الشمال الغربي
4335
5444
- 500
5993
- 1000
5900
الشمال وسط
8316
10226
- 1000
10966
- 2000
10300
الشمال الشرقي
3948
4854
- 500
5188
- 1000
4700
المجموع الفرعي في التل
16599
20524
- 2000
22147
- 4000
20900
الهضاب العليا الغربية
1435
1374
+ 500
2829
+ 1500
4900
الهضاب العليا الوسطية
1218
1629
+ 1000
3066
+ 1500
5300
الهضاب العليا الشرقية
2544
1596
0
6540
0
6400
المجموع الفرعي للهضاب
6197
7599
+ 1500
11435
+ 3000
16600
الجنوب الغربي
1566
2087
+ 300
2994
+ 500
4400
الجنوب الشرقي
705
952
+ 200
1431
+ 500
2300
المجموع الفرعي في الصحراء
2271
3039
+ 500
4425
+ 1000
6700
الجــزائــــــر
25067
31162
/
38007
/
44200
و عليه فالجدول يعكس من حيث البرمجة التفاضلية تحقيقا لفائدة مناطق الإستقبال:
- أعداد إضافية بـ 736.000 و 291.000 منصب شغل على التوالي للهضاب العليا و الصحراء خلال العشرية 2010- 2020.
- أعداد إضافية بـ 819.000 و 368.000 على التوالي لنفس المناطق خلال العشرية التالية لها.
و في المرحلة الثانية، تُوجّه تقريبا غالبية مناصب الشغل المرد إحداثها إلى المناطق الداخلية.
و هكذا تقتصر المنطقة التلية في حدود 2020 على 20.900.000 نسمة أي عدد السكان الذي تكون قد بلغته من قبل عام 2000. فلن تضمّ آنذاك سوى 47 % من مجموع سكان البلاد، و يمكن أن تتواصل حركة التقليص الديمغرافي بسهولة (حسب نفس الإجراءات) حيث تستقر عند هذا السقف: 21مليون.
المـطلـب الثـانـي: الـتـحـكّــم فــي الـعــمران.
إن المدينة بعموم أحوالها و الجزائرية على وجه الخصوص لا يجب أن تكون مجلا للإقامة فقط، بل يجب أن تكون مجالا اقتصاديا يعمل على تفعيل كل العوامل المساعدة على ترقية الحياة الاقتصادية و الاجتماعية، لا بد أن تعمل المدينة على تطوير نظام شبكة تضامني يحرك عجلة التنمية المنسجمة و المستدامة.
فبالموازاة مع الأعمال المزمع إنجازها في ميدان الشغل و المنشآت القاعدية و التجهيزات، تبرز ضرورة التحكم في العمران و السير بوتيرة تعمير عقلانية. إن خيارات إعادة تنظيم دعائم العمران تُسجَّل تحت هدفين:
- التحكّم في ظاهرة التعمير الساحلي، عبر شريطٍ للمدن الجديدة المتمركزة عـلى ضواحي الحواضر الكبرى.
- إعادة تحريك المجالات الداخلية للمناطق الشمالية، و جهات الهضاب العليا و الجنوب عبر ترقية التجمعات بالتنمية الاقتصادية و التنسيق الجهوي.
و الهدف بالنسبة إلى التطور الإتجاهي لسكان المدن و الأرياف هو احتواء معدّلات العمران في مختلف المناطق بنسبة 65 و 70 % عام 2010 و معدلات العمران نفسها بنسبة 70 و 75 % عام 2020؛ فالمجهودات المطلوب بذلها في الأوساط الريفية حسب أوجهها المختلفة (الشغل و التجهيزات...) يجب الأخذ بها وفق الكيفيات الآتية:
إلى أفق 2010 محولة القيام ما أمكن و حسب المناطق بمعالجة الاحتياجات التي تقتضيها الأعباء الديمغرافية المطلوب إبقاؤها في الأوساط الريفية، و لا سيما من حيث مناصب العمل المتاحة. أي 7782000 نسمة في المنطقة التلية، و 3345000 نسمة في الهضاب العليا، و 1350000 نسمة في الصحراء.
فترة 2010-2020 يجب تلبية الطلبات الإضافية التي تنجم عن زيادة سكان الأرياف (عدى المنطقة التلية) أي 695000 نسمة في الهضاب العليا و 320000 نسمة في الصحراء، بواقع معدّل خمسة أفراد تحت كفالة منصب عمل فلاحي (بمتوسط ستة أفراد في كل عائلة) يمكن تقدير الحالة المثلى التي يجب أن تؤول إليها المناصب المتاحة في الأوساط الريفية في أفقي 2010 و 2020.
و عليه فإن الأمر يتعلق في هذه الفترة بالحث على إحداث مناصب شغل ريفية بالمناطق الـمُتطلِّبة لتطور سكاني على الوتيرة التالية:
- على مستوى المنطقة التلية يؤدي هذا الأفق إلى تقليص سكان الأرياف (1512000) و عليه يمكن التفكير في تقليص معدل البطالة بها، و تحسين الإنتاجية الفلاحية بالخصوص، و فائض مناصب العمل المراد تخصيصها للعاطلين، سيبلغ 2268000 منصب.
- بالنسبة للمنطقتين الأخريين، فإن الفائض من سكان الأرياف سيتطلّب على العكس من ذلك مناصب ريفية كثيرة خلال الفترة، أي بالإبقاء على معدل البطالة في حدود 10 % ، بتفصيل 105700 منصب للهضاب العليا و 48000 منصب للصحراء.
و هذه الأهداف قابلة للوقوع و التحقيق تماما لأن الأمر لا يتعلق بمناصب الشغل الفلاحية وحدها، ولكن بمجموع النشاطات التي يمكن تطويرها في الأوساط الريفية في ذلك الخدمات، و مختلف الأنشطة الصناعية أو شبه الصناعية الملائمة للأوساط الريفية، المدعمة و الضامنة لحالات الاستقرار المنشودة. 

الـمـبـحـث الأول: خيار "هضاب عليا-جنوب" دراسة حالة الهضاب العليا الغربية.
منطقة الهضاب العليا الغربية تؤطر في حدود خط غرينتش، من الأطلس التلي شمالا إلى الأراضي الصحراوية الغربية الجنوبية، و ترتمي من الحدود الجزائرية المغربية إلى الواد الطويل لغرداية شرقا؛ تتمثل الولايات المندرجة تحت منطقة الهضاب العليا الغربية في "تيارت، تيسمسلت، سعيدة، النعامة، البيّض؛ و تتربّع على مساحة قدرها 124000كلم 2، بـ 5.8 % من المساحة الإقليم الوطني؛ يغلب عليها طابع الجفاف الذي يكثر كلّما توجّهنا جنوبا.
و من حيث المنشآت القاعدية فهي ضعيفة بالمنطقة، يُحاول تدارك أزمة النشاطات التقليدية التي ارتكزت على زراعة الحبوب في الشمال، و الرعي في الوسط و الجنوب و بقية من الصناعات المخلفة منذ الاستقلال.و لابد لمنطقة الهضاب العليا الغربية أن توجه نحو التنمية المستدامة، حتى تسجل في آفاق سياسة تهيئة الإقليم ضمن خيار" هضاب عليا- جنوب ". و هذه الدراسة بمثابة توضيح لصورة أفق 2020 من خلال تطبيق المشروع الجهوي.
الـمـطـلـب الأول: رهـانـات المـشـروع و سـبـل مـعـالـجـتـهـا.
حسب اتجاه النمو الديمغرافي الحالي، فإن منطقة الهضاب العليا الغربية ستُعنى و تتكفّل بـ 793141 نسمة تكميلية في أفق 2020 بإجمالي 2460287، و التي ستُضاف إليها نسبة 500000 نسمة عن إعادة بسط السكان شمال-جنوب باتّجاه المنطقة. و عليه فإن الأمر يتعلق بمجموع 1300000 نسمة فعلية موجهة إلى المنطقة، و هو يشكّل هاجسا حول تشغيل هذه النسبة.

الـولايـات
تـطـور الـسـكـان الـحـضـري
1987
1998
2000
2010
2020
تيارت
275251
478273
499470
688230
1010381
تيسمسلت
56160
120750
128854
199475
310989
سعيدة
115285
191408
206579
281938
425722
النعامة
65318
92750
105471
152099
198068
البيض
62555
92825
107568
166195
259286
إجـمالي المنطقة
574569
975826
1047942
1487938
2204445
إنّ رهان الشغل يستوجب حتمية توفيره بمعدل كاف يشمل كافة القطاعات، و يعمل في آن واحد على الحد من نسبة البطالة الجامحة، و على إشباع الطلب على التعمير و تثبيت السكان بالمنطقة.
و اعتمادا في حسابنا على التقليص من نسبة البطالة إلى غاية 12 % في أفق 2020، فإن مرامي خلق مناصب عمل تكون بـ:
- 90000 منصب موجهة لسدّ الحاجة الحالية (بمعدل 30 % من البطالة).
- 300000 منصب لمواجهة الطلب الإضافي في اللاحق.
و من المفترض أن تندرج نسبة 130000 من بين 390000 منصب جديد ضمن النشاطات المنتجة (الصناعة و الزراعة) و تمثّل بذلك ثلث هيكل العمل الكلي بالجزائر (حيث يتعلق باقي الثلثين بقطاع الخدمات) بمعدل خلق 6500 منصب عمل في العام إلى غاية أفق 2020.
و بتحقيق هذه الضرورة و هذا الرهان، مع مراعاة الجانب النوعي و تلبية وسائل الراحة و الرفاهية و كافة متطلبات أطر الحياة، تسهل و تزول باقي الرهانات:
- صيانة الموارد المائية و استعمالها الدائم.
- هيكلة المنشآت القاعدية، و الخدمات الجماعية ذات المنفعة الوطنية التي تعتبر شرطا جوهريا في إقامة الإستثمارات و النشاطات المنتجة.
- التحكم في تنظيم شبكات المدن و الإطارات الحضرية، و هو دعامة ضرورية لتحقيق التنمية الإقتصادية و ترقية أسلوب الحياة.
- إعادة و إرجاع الحيوية للمناطق الريفية مع مراعاة اختلافها.
- حماية و تثمين الأملاك التاريخية و الثقافية عبر ترقية أقطاب التنمية الثقافية.
و تتمثّل عمليات تثمين احتياطات المنطقة و منشآتها القاعدية في:
تعبئة المياه:
هو بمثابة حجر الأساس لمشروع المنطقة كونه ركيوة كل نشاط إنتاجي خاصة إذا تعلّق الأمر بالقطاع الفلاحي
الموارد المائية بالهكتومتر المكعّب في العام
مـيـاه سـطـحـيـة
مـيـاه بـاطـنـيـة
الإجــمــالــي:
96.11
295.4
367.51
  و قد قُدِّرت الحاجة لهذا المورد لسنة 2020 بـ 181.5 هكم 3/عام مخصّصة للشرب و الصناعة، و 91.5 هكم 3/عام لسقي مساحة 22870 هكتار.
و هناك تسجيل لضياع نسبي لهذا المورد خاصة بولاية تيسمسلت (-6.7 هكم 3/عام) و الـبـيض (-1.4 هكم 3/عام) و لمواجهة كافة هذه الضياعات إلى غاية 2020 أُخذت الإجراءات التالية:
- تحويل 3 هكم 3/عام من منابع تيارت لفائدة تيسمسلت و 5.3 هكم 3/عام من إعادة معالجة المياه القذرة في تيسمسلت و ثنية الحد.
- معالجة المياه القذرة لمدن بوقطب، البيض، لبيوض و سيدي الشيخ.
إلاّ أن هذه الاستعدادات غير كافية لأفق 2020 إلاّ إذا أُدرجت ضمن مخطط عملي لتهيئة الموارد المائية و اقتصادها و الذي يختص بمعالجة النقاط التالية:
- الإستعمال العقلاني لمعدلات التعبئة مع استرجاع الضياعات بإنشاء شبكات بـ25 % .
- ترميم و صيانة السدود (بخدة، دحموني، بريزينة و بوقرة ) من الرواسب الووحلية و من التلوث.
- معالجة المياه القذرة.
- التحكم في معدل التعنير في حدود 70 % في ولايات الشمال الثلاثة (تيارت تيسمسلت، و سعيدة)، و30 % لولايتي الجنوب (النعامة و البيض).
- تعميم الدراسات لآفاق المياه الباطنية بالمنطقة.
تثمين الموارد المحلية:
حيث لا مناص من تطوير الموارد لاستغلالها بطريقة عقلانية و دائمة و ذلك بهدف تثبيت الصناعات المصغرة و المتوسطة.
تتمثل المواد الخام المتوفرة بالمنطقة في مواد البناء أساسا، فنجد حجر البناء، و مقالع الحصى، و الرمال، ذات النوعية الجيّدة (تيسمسلت، النعامة و البيض)، و طبقات الملح و الكبريت المتواجدة بالمنطقة و المستغلّة بطريقة يدوية (قراقدة و عين ورقة).
الطرق و بنيات النقل:
بالنسبة للطرقات فإن المنطقة بالإضافة إلى حاجتها إلى عصرنة و تقوية الشبكة الحالية، فهي في حاجة للإستفادة من الجزء المقام عليها من الطريق السريع المضروب على عرضها، و ذلك انطلاقا من الجهة الحدودية (قالول و فرطاسة)؛ إلى تمديد الربط بين (متليل و بريزينة) إلى (روقاسة و سخونة) مرورا بالتجمّع الخضري (خلف الله).  
التعليم العالي و التكوين:
تتوزّع جل مراكز التعليم العالي في المنطقة الشمالية (تيارت، سعيدة) ذات اختصـاص الزراعـة والاقتصاد، المياه و البيطرة، و المشروع يرمي إلى توسيع هذه الاختصاصات لتشمل كلّ حاجيات التكوين الحالية و المستقبلية.
هياكل الصحة العمومية:
على مستوى التجهيز الصحي فإن منطقة الهضاب العليا الغربية مجهّزة في إطار إصلاح المستشفيات المدرج من طرف الوزارة المعنية، إلاّ أنّ المشروع يطرح مسألة فعّالية هذه الهياكل في مواجهة متطلّبات السكان، حيث أنّ مظم المختصّين في مختلف أقسام الطّبّ بعيدين عن المنطقة (وهران، الجزائر).

المـطـلـب الـثـاني: أبعاد التـنمية المـستدامة و التنظيـم الحضـري.
1- حماية الموارد و التنمية المستدامة.
تنصبّ اهتمامات التنمية البيئية على الحماية و الإستعمال العقلاني لكل موارد المنطقة، و إلى وضع السياسات الضرورية المختلفة حسب تقسيم المجالات داخل المنطقة. و عليه فإن استراتيجية التثمين و العقلنة ترتكز على تقديم و إعطاء الأولوية لحماية تلك الموارد مهما اختلفت طبيعتها عن طريق الإستعمال العقلاني، مع ترقية كل الوسائل و الطرق المفضية إلى تجديدها و تحسين أحوالها.
إضافةً إلى اقتصاد موارد المياه المتواجدة و المتوفّرة، تؤخذ بعين الإعتبار حماية الأراضي و المساحات الغابية، و الإرث التاريخي و الثقافي التي تعكس شخصية مجتمعنا و في نفس الوقت تعود بالمردودية على الإقتصاد.
يتعلق الأمر بالنسبة للأراضي بالحدِّ ضدّ كوارث الإنجراف من جرّاء الزيادة في نسبة المياه في الأنحاء الجبلية الرطبة و شبه الرطبة في الشمال (جبال سعيدة، تيارت، و الونشريس بتيسمسلت)، و الحدّ من التصحّر بالسهوب الجافة؛ إن حماية المساحات الغابية تشارك فعلا في ترقية البيئة و الإقتصاد، كما تحمي الأراضي، و خاصة منها ذات الإنحدارات البالغة أو النتأثرة سلبيا بأعمال الإنجراف، و من هنا يظهر أن عمليات توفير الغابات و التشجير و حمايتها عامل من عوامل ديمومة المجتمع؛ أما عن الحماية من أعمال التصحّر فإن العملية معقّدة، لأن العودة إلى التوازن البيئي تتطلّب أشغالا تقنية تتمثل في إنشاء حواجز و القيام بعمليات إعادة التشجير و تتدخّل فيها مؤثرات أخرى تتعلق بالرعي و رعاة الغنم.
و تعتبر منطقة سفوح الجبال و المساحات الزراعية شريطا يضم أهمّ مدن المنطقة (سعيدة و تيارت) تتحكّم في الإختلالات بين التعمير و النشاط الفلاحي عبر توسيع غير المنظّم للمدن على حساب زراعة الحبوب التي أجهدت الأرض و نقصت مردوديتها (10 إلى 15 قنطار في الهكتار) و التوجّه إلى نشاط فلاحي آخر متمثّل في الأشجار المثمرة، و قد طُبِّق هذا التحول في النشاط على الميدان، و تبقى تُطرح مسألة توسيعه وتنويعه على كافة المنطقة.
2- إعادة تنظيم التجمعات و الأوساط الحضرية و الريفية:
من أجل إنجاح مختلف سياسات الترقية، لا بدّ من التفرّغ إلى الجهات التي تقسم المنطقة، و إلى التركيبة الحضرية و الريفية لها بالتنظيم و التصنيف بغية الإدماج الجهوي و الترقية النوعية للأوساط الحضري، وصولا إلى جلب الإستثمارات و الموارد و الطقات البشرية.
تتجسد عمليات إعادة التنظيم و التموقع للتركيبة الحضرية في إنشاء و تشييد أقطاب جهوية بديلة ( Métropoles ) ، تتربّع على البيض، تيسمسلت، سعيدة، مشرية و عين الصفراء (بدلا عن النعامة التي تبقى مقر الولاية الإداري). هذا يعني أن تُقابل هذه الأقطاب الجهوية بالتجهيز و الربط الإقتصادي، و تنسيق و دفع التنمية، و تُقام علاقة اقتصادية مع باقي الولايات. و هذا التجمع السكاني الحضري الكبير بمثابة مقر التجهيزات المهيكلة للمنطقة، لها مقوّماتها الثقافية و تعمل على جلب الأوساط الإجتماعية، و تكوين المشاريع الجهوية، وإنشاء المؤسسات المالية و البنوك.
كما تتطلّب هذه التركيبة الحضرية الضخمة تكميلا عبر ترقيتها و تنميتها من خلال إنجاز شبكة مدن متوسطة، تضمن فيها الخدمات الضرورية للنشاطات الريفية و الفلاحية-رعوية، كما يسعى بالتوازي مع ذلك تنمية باقي النشاطات.
أهمّ هذه الأوساط التي ستُعنى بالتنمية:
- سوق الحد، عين الذهب، قصر الشلالة؛ يتمّ فيها التركيز على تنمية الصناعات المصغّرة و المتوسطة المتعلقة بميدان الزراعة و التغذية، وما يرتبط بها من نشاطات (التجهيز بالآلات أو المكننة، الخدمات...)
- بوقطب، عين بوخليل، عين الصفرة، البيوض، سيدي الشيخ و برزينة بالنسبة لمنطقة السهوب الجنوبية وجبال القصور، يركّز فيها على ترقية السياحة في إطار الحضيرة الوطنية (المناطق المذكورة ما عدى الأوليين)،     و دعم الأنشطة الرعوية.
و أهمّ عامل مساعد على التحكم في الزيادة المحسوب لها في المنطقة هو التنظيم التسلسلي المتناسق لشبكة المدن و التجمعات السكنية، الذي يعتبر ضروري و فعّال في نفس الوقت.
و أخيرا فإنّ مشروع منطقة الهضاب العليا الغربية يعرض فرصة تهيئة إقليم واسع، بما يحتويه من الطاقات الطبيعية الهامة، لتحقيق تنمية فعالة و مستدامة في أفق 2020. 

الـخـاتـمـة:

و في الأخير يتبيّن لنا أن نموذج التنمية المعتمد منذ الإستقلال في إطار سياسة التهيئة العمرانية قد فشل في تحقيق أهدافه، و السبب في ذلك راجع إلى غلبة طابع العفوية و التسيّب، حيث لم تُطبَّق آليات الرقابة اتجاه قوة التصنيع، و لا على التدفقات السكانية المتولّدة عن النزوح الريفي، و لم تُجرَ دراسات حول تموقع كلا الظاهرتين، فأصبحت البلاد مهددة بالآثار المشؤومة لتنمية ترابية غير متحكّم فيها، و التفاقم السريع للإختلالات و التبذيرات في إطار اقتصاد سوقٍ جامح؛ غطى جميع ألوان الضياعات و ضمن التسديد الخارجي الريع البترولي، فقد كان مورد التمويل الرئيسي إن لم نقل الوحيد، لكن سرعان ما هددت مناعتَه تقلّباتُ أسعار المحروقات و قيمة الدولار، إلى جانب العجز الكبير في ميزان المدفوعات.
و من هنا يتوجّب على الدولة النهوض عن طريق انتهاج سياسة جريئة في مجال التهيئة العمرانية، تتسم بشمولية الإقليم، و ترسي دعائم التوازن الجهوي و الإستغلال الشامل لكل القطاعات الوطنية و الطبيعية و البشرية، تتطابق هذه الاستراتيجية مع الإمكانات المتاحة، و ترمي أهدافها إلى استرداد الإقليم، و تطوير المشاريع من جانب التشغيل و السكن، و إقامة الأسس الإقتصادية و توفير الخدمات.
و بالفعل فقد تجسّد ذلك من خلال إدراج التنمية المستدامة في المخطط الوطني لتهيئة الإقليم الرامية جذوره إلى آفاق 2020، و المعدّ من طرف مركزَيْ دراسات و بحوث وطنيين بالشراكة مع مركز بحث فرنسي، من أهمّ مبادئه الشمولية و تحقيق المشاركة الفعلية لكافة الأطراف الفاعلة؛ و لامركزية التسيير و تجنب و نبذ احتكار جميع المبادرات و المسؤوليات في إدارة مركزية لامفصلية.
و مما يحسن ذكره أن هناك بعض الجوانب و الأهداف العملية لا تزال تحت طور الدراسة، كإعداد المخطط التوجيهي لتهيئة الساحل، و المخطط الجهوي لتهيئة الإقليم، المخطط الولائي، و آخر متعلق بتهيئة الحواضر الكبرى؛ تقوم ورشات قطاعية (المياه، النقل، الأرياف، المدن، التربية و التكوين،.. و غيرها) بالأعمال و الإجراءات المفضية إلى إعدادها.
بالنسبة لخيار "الهضاب العليا- جنوب" فإن الغاية منه تخفيف الضغط المضروب على منطقة التل الجزائري و خاصة الشريط الساحلي، و ذلك بإعادة نشر السكان بمعدل 2.500.000 نسمة كحد أدنى في أفق 2020، تتوزع على نحو 2.000.000 نسمة بالهضاب العليا و 500.000 بالجنوب. و كما أقرّه القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة، فإن الهضاب العليا تندرج تحت أقسام ثلاثة (هضاب عليا شرق، وسط، و غرب)، تستقبل منطقة الوسط منها 1.000.000 نسمة لوقوعها تحت الكيان العاصمي و التي تشكّل خلفيةً له، و معلم أن هذا الكيان هو الوجهة الرئيسية لكل حركات النزوح و الإنتقالات، و بنسبة 500.000 نسمة تتوزع على كل منطقة من المنطقتين المتبقيتين الشرق و الغرب.
إن الدراسة التحليلية للاستراتيجية التصحيحية البديلة تَعِدُ بآفاق مستقبلية مشرقة، حتى ولو طال أمدها إلى سنة 2020؛ غير أن إرساء التوازن على الإقليم الوطني و جعل تلك الإصلاحات أمرًا محسوسًا ملموسًا يتوقف على المبادرة بالأعمال على كافة المستويات الجهوية منها و الإدارية، تحت شعار "المستقبل ينبغي عدم التنبؤ به، بل الإستعداد و التحضير له". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا