التسميات

الخميس، 29 ديسمبر 2016

تخطيط الأحياء الهامشية بالدار البيضاء - صديق عبد الوهاب ...


تخطيط الأحياء الهامشية بالدار البيضاء؟ 


صديق عبد الوهاب 

  خلال العقود الأخيرة تشهد احواز و هوامش المدن المغربية خاصة الكبرى منها (الدار البيضاء، الرباط، مراكش..) ،على غرار مدن البلدان النامية، تمدينا غير مسبوق،يتأرجح بين انتشار الأحياء السكنية العشوائية من جهة، و رغبة الدولة في التخطيط و التحكم في التمدين من جهة أخرى.هذا بالإضافة، إلى كون هذا النمو الحضري السريع،لم يواكبه مراعاة الجوانب الاجتماعية و السوسيواقتصادية و الثقافية في السياسات التعميرية، و الذي أفضى إلى استفحال معضلة السكن الهش أو السكن غير اللائق. نهدف من خلال هذا المقال محاولة رصد واقع التناقضات، الذي أصبحت تتخبط فيه المدينة، (بين التخطيط والترييف والعشوائية …)، وهذا يظهر على مستوى مورفولوجيتها وجبهات توسعها. 

   يشكل النسيج الحضري مظهراً خارجيا معقداً، إذا يلاحظ وجود أحزمة للفقر و الإقصاء و أزمة السكن بالمدن الكبرى و هوامشها. لا سيما، و أن الأحياء غير القانونية تتطور خاصة على هوامش المدن، مسببة بذلك مزاحمة لأحياء المركز، لذلك فإن، التعمير غير القانوني بالمغرب يضم أشكالا مختلفة. فرغم الاختلاف المرفولوجي و المجالي لهذه الأحياء و رغم تباين معايير تعريف السكن غير اللائق، فإن قاسمها المشترك يكمن في النقص الكبير في التجهيزات الضرورية،و في حالة الاكتظاظ التي تعاني منها الأسر داخل المسكن إضافة إلى طبيعة الظروف السوسيواقتصادية و الديمغرافية لهذه الساكنة، وكذلك ضعف الصيانة بالمساكن العتيقة. يشمل هذا النوع من السكن بالدار البيضاء السكن المتقادم و الاحياء الصفيحية المنتشرة عبر المجال الحضري و أطراف المدينة، و السكن غير القانوني أو السري. و يعد السكن الصفيحي النوع السكني الأكثر تدهوراً، من بين مجموع أنواع السكن غير اللائق، لضعف استجابته للحاجيات الدنيا في ميدان السكنى. و تعتبر الدار البيضاء موطن نشأته بالمغرب على الإطلاق. و قد ارتبط انتشاره بالموازاة مع تطور النشاط الصناعي بالمدينة و ضواحيها. 

    كما تعد أحياء الصفيح أرضية خصبة للتطرف الديني و قنابل اجتماعية موقوتة قابلة للانفجار،إذ تتوطن هذه الأحياء بهوامش المدن المغربية الكبرى، و أحيانا بوسطها، لكن رغم تواجدها بالقرب من كبريات المدن، فإنها لم تحظ بالرعايا و الاهتمام المطلوب، لذلك أصبحت قنابل موقوتة تهدد الأمن و الاستقرار الاجتماعي للبلاد، من خلال إفرازها لثالوث خطير يتمثل في " الجريمة و الفقر والتطرف ". إذ أنه ليس من المعتاد إلى عهد سابق، أن يكون الواقع المعيشي المزري لساكنة الأحياء الصفيحية،هو المسؤول عن إفراز عناصر متطرفة، إلى يوم 30 ماي2003 ، حيث قامت خلايا إرهابية بتنفيذ تفجيرات إنتحارية استهدفت من خلالها مناطق مختلفة من مدينة الدار البيضاء (فنادق و منشات متنوعة.. ) . و للإشارة، فإنها تنحدر من حي صفيحي مشهور ترجع نشأته إلى فترة الحماية " دوار طوما" .و هنا يمكننا التساؤل عن علاقة الإرهاب بالفقر و التهميش في أحياء تقع بضواحي العاصمة الاقتصادية، لا سيما و أن أغلب المتورطين في هذه العمليات الغرهابية ينتسبون إلى هذه الأحياء.. لذا يمكننا القول على أن أحياء الصفيح، بؤر لمشاكل اجتماعية واقتصادية وصحية وأمنية، حيث تنتشر الجريمة لأن البيئة مناسبة لإنتاج المجرمين و مجالاً خصباً لترويج أنواع المخدرات ، نتيجة غياب شبه تام للأمن.

   و من زاوية أخرى، فإن أحياء الصفيح تعتبر كيتوهات منعزلة و أوراق انتخابية مربحة، إذ تعيش ساكنة هذه الأحياء في عزلة و حصار مجالي و اجتماعي، بل أن الصورة النمطية للسكن الصفيحي تعتبر سكانها كالأجانب الغرباء رغم أنهم ينتمون إلى نفس المدينة، لكونهم ينحدرون من البوادي. وهذا يبرهن على التمايز السوسيومجالي بينهم، و بين ساكنة باقي أحياء المدينة، إذ أن واقعهم المنحط ومستواهم الثقافي ومكانتهم الاجتماعية وطبيعة الأنشطة التي يمارسونها، بل و حتى مظهرهم، كل هذا يفرض عليهم الإنعزال، و عدم القدرة على الإندماج مع باقي سكان المدينة، إلا إذا تعلق الأمر باستعمالهم ككتل أو أوراق انتخابية.كما تعد الأحياء الصفيحية، المجالات المفضلة لبعض الفئات السياسية، التي تخوض غمار الانتخابات، لكون هذه الساكنة تعد كتل و أوراق انتخابية مهمة، نظراص إلى الفقر و الحاجة الماسة لما قد يجود به المرشحين، من توزيع للأموال غير المشروعة، مستغليين الأوضاع الهشة لاستقطاب و ربح الأصوات.
و من جهة أخرى، ساهم توالي سنوات الجفاف، فى تنامي الهجرة القروية نحو المدن الكبرى إذ أن ارتفاع عدد النازحين الفقراء إلى الدار البيضاء أضفى مظاهر الترييف و البدونة على الحياة الحضرية. لذلك، و بهدف كبح الهجرة القروية و خلق التوازن في توزيع السكان، قام المهندس المعماري الفرنسي مشيل ايكوشار سنة 1946بأبحاث على كل التراب المغربي، لوضع برنامج إعادة تنظيم المدن و القرى، و الأحياء الصناعية . وحدد أهم مشاكلها، في اكتظاظ هوامش المدن، ونشوء الكريانات، الناجمين عن سرعة النمو الديمغرافي وحدة الهجرة القروية، ونبه إلى ضرورة تعجيل النظر في ظروف عيش هذه الفئة، التي تمثل الأغلبية الساحقة من سكان المدن .الشيء طرح مسألة إنتاج أكبر عدد من المساكن، لذلك اكد ايكوشار على أهمية توفير السكن للفئات الاجتماعية ذات الدخل المتواضع، من خلال شبكة "8X8" مستندا في ذلك، على "ميثاق اثينا". 

   و اليوم فالتخطيط الحضري بالمدن المغربية الكبرى، ما يزال يواجه مجموعة من تحديات و الإكراهات،التي تمثل العائق الرئيس أمام تحقيق التنمية و تهيئة المدن،إذ تحظى الجوانب الاقتصادية، وتدارك النقص الحاصل على مستوى التجهيزات، بالحظ الأوفر في إطار تنمية المدن، على حساب الجوانب الاجتماعية، و كذلك تحسين إطار جودة الحياة، و المحافظة على البيئة. ومن أجل خلق الشروط الملائمة لانخراطها في مسلسل العولمة،و استغلال ما يوفره من فرص و إمكانات من جهة ثانية، و بالتالي فإن المساحات الخضراء، قد تصبح مطرحاً لوضع النفايات أو مجالا لتناسل السكن غير اللائق،مما يهدد التوازنات البيئية. و على الرغم من كون الجوانب الجمالية و الصحية، تمثل أهدافا رئيسة عادة ما تعتمد أثناء تخطيط المدن ، إلا أنه لا يمكن إغفال الجوانب الاقتصادية، لأن بالمدن تركز الأنشطة الاقتصادية.كما أن غياب تصور واضح للمدينة المغربية، وضعف التخطيط الحضري،يعتبر من بين العوامل، التي لم تمكن المجال الحضري من تبؤ المكانة اللائقة به ، بل جعلته يتخبط في مجموعة من المظاهر العشوائية. لذا، فالتخطيط الحضري، يشكل عائقاً أمام المسلسل التنموي وإعداد المدن،مماجعل العديد من المجالات الحضرية، حتى داخل المدينة الواحدة، تتراوح تارة ،بين التخطيط وتارة بين العشوائية، و تتجلى أبرز هذه الاختلالات، في عدم إشراك الفاعلين المحليين في وضع مخططات التنمية الحضرية،و ما قد ينتج عنه من انعكاسات سلبية على واقع و مصداقية التشخيص المحلي؛عدم التطبيق الفعلي لمضامين لهذه المخططات ؛إنعدام التنسيق بين سياسات الدولة على المستوى الوطني و المحلي في مجال التنمية المحلية،ذلك أن التخطيط الحضري تنقصه النظرة الوطنية الشمولية و استحضار البعد الاجتماعي، كما أن عدم إيلاء أهمية لتسارع وتيرة نمو السكان، وبالتالي سرعة نشأة المدن و"تحضر البوادي"، جعل ظاهرة السكن العشوائي تتكاثر بشكل استعصى حله لاعتبارات عدة يتصدرها الاعتبار الإداري و السياسي،فضلاً عن انعدام العدالة العقارية - حسب الباحث عامر محمد -الذي يتجلى في كون مخططات التهيئة و التعمير، تقوم بالرفع من القيمة الاقتصادية للأراضي، لكن بشكل غير عادل وغير متوازن بين مالكي هذه الأراضي . وأمام واقع يقوم التعمير فيه على أسس سياسية، و ليس على أسس التهيئة، فإن التخطيط الحضري، يتم داخل الحدود الإدارية، و ليس في إطار تصور استراتيجي للمدن،أو في مناطق الإنتاج وهذا يتجلى في الأولوية التي تحظى بها الأحياء الإدارية و الاهمال شبه التام لمجالات الإنتاج على حد تعبير المصطفى شويكي . كما أنه لا يجب أن تنحصر أدوار التخطيط الحضري فقط، في تحديد استعمالات الأرض و تحديد اتجاهات التوسع العمراني، بل أن يجعل منه أداة لتأهيل المدينة من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منه؛ ثم تحسين الوضع البيئي و إصلاح الاختلالات التي تساهم في إضعاف جاذبية المدينة ؛ وتدعيم التآزر بين المجالات المكونة للمدينة. 

  يتميز التعمير بالمغرب، بغياب تصور حضري واضح، و بضعف التخطيط الحضري أو بفقدانه لخصوصياته ، وبهيمنة الجانب الإداري عليه، و بالتالي يمكن القول، على أنه يتميز بطغيان التعمير الإداري على التعمير التقني. وهذا ما جعل المجال الحضري ،لا يتوفر على شخصية متميزة، بل يتوفر على مظاهر متباينة من حيث الأشكال المعمارية و السكنية. و تجدر الإشارة ،إلى أنه يفترض في عملية التخطيط الحضري، استحضار البعد التنموي، إلى جانب الاعتماد على المقاربة الشمولية لطرق استعمالات الأرض. لذلك، فمن أجل تحقيق التماسك الاجتماعي و الاندماج المجالي، و جعل النسيج الحضري في مستوى تلبية متطلبات الحياة الحضرية، أصبح لزاماً الاهتمام بدور الجماعات المحلية، و مدها بكل ما تحتاجه من إمكانيات لتنفيذ برامجها التنموية و منحها الصلاحيات اللازمة للمساهمة في التنمية المحلية.

البيبلوغرافيا :

-DAVID HAUW , les opérations de relogement en habitat collectif a Casablanca, de la vision des aménageurs aux pratiques des habitants, thèse pour l'obtention du grade de docteur, l’université François Rabelais de Tours,2004.

- حاكمي رقية، السكن غير اللائق بالدارالبيضاء، مقاربة كمية ،منشورات الاتحاد الجغرافي المغربي، فرع الدار البيضاء، عين الشق، تنسيق، شويكي المصطفى، 2004.

- شويكي المصطفى، السكن غير اللائق، المفاهيم و الدلالات ، منشورات الاتحاد الجغرافي المغربي، فرع الدار البيضاء، عين الشق، تنسيق، شويكي المصطفى، 2004.

- العودي محمد ،فقراء زمن العولمة، منشورات دار التوحيدي، 2006.

- شويكي المصطفى التعمير بالمغرب بين اجترار رواسب الماضي و التهرب من مشاكل الحاضر )المدينة المغربية بين التخطيط و العشوائية(، تنسيق محمد حزوي، 2006، سلسلة ندوات و مناظرات، رقم .5 ،جامعة محمد بن عبد الله ،كلية الآداب سايس، فاس .

- عامر محمد، عامر محمد، التخطيط العمراني بين متطلبات التنمية و تحديات العولمة، " المدينة المغربية بين التخطيط و العشوائية " تنسيق محمد حزوي، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب و العلوم الإنسانية، سايس فاس، سلسلة ندوات و مناظرات، رقم5 .

- الطاك بوطيب، و حسن ضايض ،مدينة أو مدن مغربية تعدد المجالات الحضرية و إشكالية التخطيط و العشوائية، تنسيق محمد حزوي، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الاداب و العلوم الإنسانية، سايس فاس، سلسلة ندوات و مناظرات، رقم.5 .

- بوصفيحة صباح الدينامية العمرانية بالمراكز و المدن الصغرى بسايس : بين استراتيجية التأهيل و اكراهات التفعيل التاهيل الحضري بالمغرب منشورات الملتقى الثقافي لمدينة صفرو تنسيق محمد الزرهوني و محمد البقصي الدورة 26، 2015 .

- نجيب تقي، جوانب من ذاكرة كريان سنطرال الحي المحمدي بالدار البيضاء في القرن العشرين ، نشر جمعية الدار البيضاء ذاكرة ،الطبعة الأولى،. 2012 

- بوشنفاتي بوزيان " التحضر والثقافة الحضرية بالمغرب " القاهرة ،1987.

- صديق عبد الوهاب ،التعليم بمدينة الرحمة: هل هو عامل للاندماج أم للتمايز السوسيو مجالي؟
الحوارالمتمدن-العدد:5028-2015/12/29


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا