التسميات

الأحد، 18 ديسمبر 2016

إعادة تشكيل جغرافيا مصر الاقتصادية: تحقيق التكامل الداخلي كمنهج للتنمية ...

71249 v1
جمهورية مصر العربية 
إعادة تشكيل جغرافيا مصر الاقتصادية: تحقيق التكامل الداخلي كمنهج للتنمية 
المجلد 1 
يونيو2012 
شعبة الحد من الفقر وإدارة التنمية الاقتصادية
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 
 

  
وثيقة خاصة بالبنك الدولى

 البنك الدولي نعمل من أجل عالم خال من الفقر
جمهورية مصر العربية  
 

إعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية
لجمهورية مصر العربية 

 Image
  يونيه 2012 

شعبة الحد من الفقر وإدارة الاقتصاد
مكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
 
ملخص الدراسة
  1. يتناول هذا التقرير النمو الاقتصادي في أقاليم القطر المصري، ويبحث في أسباب التنمية غير المتوازنة جغرافياً، ويقدم خيارات في مجال السياسات العامة بغرض تحقيق التوافق بين النمو غير المتوازن والتنمية الشاملة للجميع. وقد أوضحت مطبوعة تقرير عن التنمية في العالم 2009 (WDR) كيف أن الموقع الجغرافي يعتبر أكثر العوامل ارتباطاً برفاهة أي شخص. وتنطبق هذه القاعدة نفسها على المستوى الوطني - وخاصة في مصر. فبعض الأقاليم تنمو بوتيرة أسرع من غيرها حيث يتركز الإنتاج، وتكون مستويات الأجور والدخل أعلى في تلك المناطق. في حين تعاني الأقاليم الأخرى من انخفاض مستويات الدخل وارتفاع معدلات الفقر بصفة دائمة.
  2. يمكن أن تُعزى التباينات الإقليمية في مستويات الدخل والاستهلاك إلى الفوارق في الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي، لكن السبب في النمو غير المتوازن يرجع عموما إلى عدة أسباب منها اقتصاديات الحجم (economies of scale)، الوفورات ، وانخفاض تكاليف المعاملات نتيجة للتكتلات الاقتصادية (agglomeration). وتُبيّن التجارب الدولية أن تطبيق السياسات التي تستهدف تشجيع رفع مستوى الدخل في الأقاليم المتأخرة يستغرق وقتا طويلا، وأن هذه السياسات تكون أكثر فاعلية عندما تعزز أليات السوق. وعلى الرغم من صعوبة تحقيق التقارب الكامل في مستويات الدخل والاستهلاك - بسبب المنافع الناتجة عن التكتلات الاقتصادية - يجب أن تكون مستويات المعيشة الأساسية وفرص التعليم والغذاء والصحة متاحة للجميع بصرف النظر عن المكان الجغرافي.
  3. على الرغم من التقدم السريع في معظم مؤشرات الرفاهة ، الا ان الاختلافات مازالت كبيرة بين الأقاليم المتقدمة والأخرى المتأخرة من حيث معدلات الاستهلاك والفرص الاقتصادية. و قد تحول تفسير تلك التباينات في مستوى الرفاهة مع الوقت من كون الفرقات ناتجة عن عدم العدالة في حيازة رأس المال المادي و البشري لتصبح ناتجة عن العائد على تلك الاصول المملوكة للفرد. ويرجع اختلاف العائد على الاصول من مكان لاخر في مصر الى كثافة النشاط الاقتصادي و توافر فرص اكبر للاعمال في القاهرة الكبرى وحضر الوجة البحري مقارنة بباقي الاقطار . ولذلك فان سهولة انتقال عوامل الانتاج و البضائع ستعود على كافة المصريين بالنفع من ثمار النمو ايا كان مكانة. ولكن كما يوضح التقرير ليتحقق هذا فانه يتطلب اكثر من انشاء الطرق و تحسين لوجستيات التجارة. ان الهدف المحوري لهذا التقرير هو تبني مفهوم التكامل الاقليمي الداخلي كمنهج للتنمية. ولذلك تتغير اهداف السياسة من نشر اوسع للمناطق الصناعية الى انتشار  اوسع للخدمات العامة الاساسية و انتقال اسهل لعوامل الانتاج ليصبح النمو شاملا والتنمية متوازنة. ان المناخ السياسي الجديد في مصر يخلق فرصة تلك المشاكل المتأصلة من منظور جديد. 
  4. تبني مفهوم التكامل الاقليمي الداخلي كمنهج للتنمية ليس بالعمل السهل لان التباينات الجغرافية تتجسد في ثلاث أبعاد: الانقسامات الثنائية إلى ريف/حضر، وثنائية الوجه القبلي/ البحري، والاختلافات بين الحواضر الكبيرة وبقية أنحاء البلاد. وتؤدي الأسباب والمصادر المتعددة للتباينات إلى تعقيد أسلوب التحليل، وتشكل تحدياً أمام التوصل إلى حلول بسيطة، كما تتطلب تبني مجموعة شاملة من السياسات. وعلى الرغم من تعقيدات عملية التنفيذ، يجب أن ترتكز أية حزمة شاملة من الخيارات على المبادئ الأساسية التالية: وجود مؤسسات غير منحازة مكانيا (متاحة للجميع بغض النظر عن المكان)، وتوفر بنية تحتية تربط بين المناطق والأماكن، واعتماد إجراءات تدخلية موجهة لأماكن بعينها. وتشكل هذه المبادئ الثلاثة الأساس لقائمة الخيارات التي يطرحها هذا التقرير. المؤسسات غير منحازة مكانياالمتاحة للجميع بغض النظر عن المكان مثل تنظيم سوق الاراضي والعقارات ، الضرائب على الاراضي و العقارات، تحويلات معادلة للمحاقظات والمحليات ، اعمال منظومة التعاونيات ، وفض منازعات الاراضي. وبالنسبة للبنية تحتية تربط بين المناطق والأماكن فتشير الى الاستثمارات التي من شأنها تسهيل انتقال البضائع والافراد. ويناقش هذا التقرير البدائل الاستثمارية ويقدر كمياً المنافع المترتبه على خفض وقت الانتقال للسكان والفقراء. اما الإجراءات التدخلية الموجهة لأماكن بعينها تشير الى سياسات موجهه لمجموعه بعينها في مكان محدد مثل التحويلات لأسر بعينها في ريف صعيد مصر.
  5. ويشكل هذا التصنيف لهذه المبادئ الثلاثة من ادوات السياسة قائمة الاختيارات المقدمة في ذلك التقرير كقاعدة للتكامل الاقليمي في مصر كمنهج للتنمية ولتحقيق تنمية متوازنة وعادلة دون التضحية بثمار النمو. يوضح هذا التقرير اولا حجم التباينات في الاستهلاك والفرص بين الاقاليم المختلفة وعبر عقد من الزمن. ثم يستكشف التقرير اسباب تلك التباينات وتعدد مسبباتها ومدى التعقيد. واخيرا ينصب معظم التقرير على تقديم حلول وخيارات لمجابهة تحدي التكامل الاقليمي.
أين الفجوة، وما حجمها؟
  1. ظلت الفروق في نصيب الفرد من الاستهلاك ثابتة بين الأقاليم في مصر خلال العقد الماضي، باستثناء أنها زادت في الشرائح العليا لتوزيع الدخل. ففي عام 2000، بلغ استهلاك الأسرة المعيشية المتوسطة في أفقر عشر في المائة (عُشير) في القاهرة الكبرى حوالي 1.2 ضعف مثيله في أفقر عشر في المائة في صعيد مصر، بينما بلغ استهلاك الأسرة المعيشية المتوسطة في أغنى عشر في المائة في القاهرة الكبرى ضعفي مثيله في الصعيد. ومع نهاية العِقد، ارتفع هذا المعدل إلى 1.4 فقط بالنسبة لأفقر عشر في المائة، ولكنه ارتفع بأكثر من الضعف ليصل إلى 4.2 في أغنى عشر في المائة. وبالتالي، ازداد استهلاك الأسر المعيشية في جميع المدن والمدن الحضرية مقارنة بمثيله في الأقاليم المتأخرة، وكان معظم هذا التحسّن في فئات الدخل العليا. ولكن هذه الفجوة ليست واسعة بالمعايير الدولية. ويعتبر الاستهلاك أكثر ارتفاعا في القاهرة الكبرى والمناطق الحضرية في الوجه البحري، وهذه المناطق جاذبة للمهاجرين وستظل مراكزَ للنمو الاقتصادي.
  1. تُظهر المؤشرات الأخرى لمستويات المعيشة اتجاهات متباينة. فمؤشرات الصحة والتغذية تبين أن هناك فروقا أكثر ارتفاعا تضيقُ بدرجة طفيفة بمرور الوقت. ويُظهر معدل الوفيات دون سن الخامسة فروقا كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية وعبر الأقاليم، ولكن يحدث تقارب قوي بمرور الوقت. كما أن عدد الولادات خارج المراكز الصحية يتقارب بدرجة طفيفة بين الريف والحضر وعبر الأقاليم المختلفة في مصر. وتتقارب مؤشرات التغذية ولكن في الاتجاه الخطأ؛ وهي تمثل مؤشر الرفاه الوحيد الذي يعد الأسوأ بالنسبة للتجمعات الحضرية الكبيرة، مع بقاء بقية الأقاليم متأخرة عن بلوغ المعايير.  
  2. تُظهر مستويات المعيشة الأخرى انقسامات واضحة.فنسبة الأمية بين الإناث في الصعيد (43 في المائة) تساوي ثلاثة أضعاف مثيلتها في المناطق الحضرية في الوجه البحري تقريبا (15 في المائة).ودرجات الطلبة في اختبارات التحصيل الدراسي الدولية أعلى بنسبة 9 في المائة في المدن الكبيرة منها في المدن الصغيرة. ولكن معدلات البطالة أعلى في المدن، مع وجود انقسامات واضحة بين مناطق المدن والحواضر من جهة والمناطق الريفية في الوجهين القبلي والبحري من جهة أخرى. علما بأن الانقسامات مازالت واسعة، وإن كانت أقل وضوحا على مدى السنوات العشر الماضية.
  3. لعل الفجوات الكبيرة في فرص التنمية أكثر أهمية من فجوات الاستهلاك بين الأقاليم. ويمثل هذا التقرير مرحلة متقدمة في قياس الفرص بالنسبة للأفراد، وليس النواتج مثل الدخل أو الاستهلاك، في مختلف أقاليم البلاد. ويركز التقرير على الأطفال حيث يمكن، فيما بينهم، الحيلولة دون انتقال الفقر فيما بين الأجيال. ويبحث التقرير تطور مجموعة من 17 مؤشرا معنيا بالفرص في أربعة قطاعات، هي: التعليم، وخدمات الإسكان الأساسية، وتنمية الطفولة المبكرة، والتغذية. ويوضح التقرير أن نسبة لا تتعدى 63 في المائة من الفرص اللازمة لضمان حصول عموم المواطنين على هذه الخدمات العامة كانت متاحة في عام 2000، ثم زادت إلى 73 في المائة في عام 2009. ويعتبر متوسط هذا التحسن السنوي البالغ 1.6 في المائة أعلى قليلا من معدل التحسن في أمريكا اللاتينية خلال الفترة 1995-2005. ومع ذلك، كان التحسن في مؤشرات الفرص متفاوتا فيما بين القطاعات. وعلى الرغم من التحسن الجيد في الحصول على خدمات الإسكان الأساسية (المياه، والطاقة، والانسياب المروري)، فإن مؤشرات قطاعات أخرى مثل التعليم والتغذية ظلت ثابتة أو ازدادت سوءا.
  4. في المناطق الحضرية، توفرت نسبة 80 في المائة من الفرص المطلوبة لتوفير الخدمات العامة الأساسية في القطاعات الأربعة لعموم الجمهور، مقابل نسبة لا تزيد على 69 في المائة في المناطق الريفية في نهاية العقد الماضي.وكانت أكبر فجوة في الفرص في مجال توفر خدمات الإسكان الأساسية، ولا سيما خدمات الصرف الصحي. وكانت الفجوة في فرص الحصول على خدمات تنمية الطفولة المبكرة كبيرة وملموسة، بل كانت الفجوة في الفرص بين الأقاليم أكثر اتساعا منها بين المناطق الحضرية والريفية. فعلى سبيل المثال، مع أن مؤشرات فرص تنمية الطفولة المبكرة أظهرت أن حصول أي طفل مولود لأسرة حضرية على رعاية ما بعد الولادة من المرجح أن يزيد بنسبة 40 في المائة عن الطفل المولود لأسرة ريفية، فإن الفرق بين الطفل المولود في منطقة متقدمة وآخر مولود في منطقة متأخرة كان أعلى بواقع ما يزيد على ثلاثة أضعاف. وتوضح مؤشرات الفرص الأخرى فجوات أكبر في سياق الأقاليم منها في السياق الحضري-الريفي، وإن كان نطاق البعدين يمثل حيزا معقدا لعدم تكافؤ الفرص في جميع أنحاء البلاد.
ما العوامل التي تفسر الفجوة بين الأقاليم المتقدمة والمتأخرة في مجالي الاستهلاك والفرص؟
  1. يمكن إرجاع التباينات في مستوى الاستهلاك بين الأقاليم أو مجموعات الأفراد إلى الفروق القائمة رأس المال المادي البشري أو في عائدات تلك الموارد. ويوضح هذا التقرير أن جانبا كبيرا من فجوة الاستهلاك في عام 2000 يرجع إلى الفروق في الموارد الشخصية، بينما فسرت عائدات تلك الموارد أسباب ازدياد حجم هذه الفجوة بنهاية السنوات العشر.ويرجع التغير إلى توسيع نطاق تغطية خدمات التعليم والصرف الصحي والكهرباء والإسكان، مما يحقق المساواة في الموارد المتاحة للأسر المعيشية في أنحاء البلاد. وتختلف عائدات الموارد فيما بين الأقاليم لسببين: انخفاض قدرة عوامل الإنتاج والسلع على الانتقال، واستناد تخصيص الأراضي ورأس المال إلى قرارات إدارية بدلا من واعتبارات الإنتاجية واليات السوق.
  2. يمكن لانتقال السلع أن يعوّض جزئيا عن عدم قدرة العاملين على الانتقال.1 ولكن التقرير يبيّن أن القدرة على الوصول إلى الأسواق اقل في المناطق الفقيرة والريفية. كما أن الوصول إلى المدارس ووحدات الرعاية الصحية وأماكن العمل يستغرق وقتا أطول في صعيد مصر. ويعتبر نقل السلع والبضائع لمسافات قصيرة داخل الأقاليم المتأخرة أكثر تكلفة من نقلها إلى المراكز الحضرية الكبيرة بسبب ميزة اقتصاديات الحجم. فعلى سبيل المثال، يتطلب نقل سلع عامة من أسوان إلى قنا أو الفيوم تكلفة أكبر من نقلها إلى القاهرة أو الإسكندرية رغم بُعد المسافة منهما.
  3. يؤدي ارتفاع تكاليف نقل السلع المرتفعة والمعوقات القائمة أمام انتقال العاملين وانخفاض إنتاجية العمال في الأقاليم المتأخرة إلى حلقة مفرغة يتركز فيها الفقر في بعض الأقاليم:فحجم السوق لا يزداد بنفس السرعة التي تشهدها المناطق الحضرية، كما أن تقديم خدمات معينة باهظ التكلفة عنه في المناطق ذات الكثافة السكانية الأعلى، وفرص التعليم الأساسي محدودة للغاية.ويظل الأفراد حبيسي الأقاليم منخفضة الإنتاجية بسبب ارتفاع تكاليف نقل السلع، وانخفاض مستويات التعليم، وارتفاع تكاليف الانتقال نتيجة لعدم قيام الأسواق بوظائفها بالنسبة لأصولهم (الأراضي) ولمحدودية توفر وحدات سكنية بتكلفة معقولة في المناطق الحضرية.
  4. تتمتع المناطق الحضرية في الوجه البحري، وخاصة مدن الموانئ على قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، بتقدم سريع في مستويات المعيشة والدخل، وقد ارتفع استهلاكها إلى ما يعادل مثيله في القاهرة. والواقع أن اندماج مصر في الاقتصاد العالمي منذ مطلع هذه الألفية وارتفاع نسبة السلع والخدمات القابلة للتبادل التجاري في الناتج المحلي الإجمالي يُفسران سرعة نمو الاستهلاك. وشهدت مصر خلال العِقد نفسه ارتفاع الطلب على العمالة الماهرة المتركزة في المناطق الحضرية، مما يؤدي إلى ارتفاع دخل الحاصلين على تعليم جامعي، بينما انخفض الطلب على ذوي المستويات التعليمية الأقل.
  5. يُبين هذا التقرير كيف أن عدم المساواة في الفرص يُفسره إلى حد بعيد الموقع الجغرافي والانقسامات بين المناطق الحضرية والريفية، وإن كان هناك دورٌ أيضا لمستوى تعليم الوالدين ودخلهما وعدد أفراد الأسرة - وهي عوامل خارجة عن سيطرة الأطفال.ولإزالة هذه الانقسامات تدريجيا بين المناطق الريفية في الصعيد وبقية أنحاء البلاد، ووقف عودتها بين الأجيال، وتكوين أصول منقولة للأفراد، يقترح هذا التقرير إجراء تحويلات نقدية مشروطة إلى الأسر الريفية لأغراض التعليم والتغذية، حسبما هو مُبين بالتفصيل في القسم التالي.
    ماذا يجب عمله بشأن التباينات الاقليمية في الفرص والاستهلاك؟
  1. يجب معالجة التباينات المكانية في الفرص والاستهلاك بطريقة مختلفة ولكن باستخدام المبادئ الإرشادية نفسها:وجود مؤسسات غير منحازة مكانيا (متاحة للجميع بغض النظر عن المكان)، وتوفر بنية تحتية تربط بين المناطق والأماكن، واعتماد إجراءات تدخلية موجهة لأماكن بعينها. في السابق، استرشدت السياسات المصرية في أغلب الأحيان بمبدأ التدخل الموجه مكانيا من خلال توزيع الأراضي لأغراض التنمية الصناعية. ولكن تم تجاهل المبدأين الآخرين، ولم تتم معالجة عدم تكافؤ الفرص بصورة مباشرة؛ ومن هذا المنظور، كانت هذه السياسة غير متوازنة. ويقترح هذا التقرير خيارات لمعالجة أكثر شمولية من أجل تحقيق تنمية أكثر توازنا: تحقيق المساواة في فرص الحصول على الخدمات الأساسية وإزالة المعوقات الماثلة أمام انتقال عوامل الإنتاج لجني الثمار والمنافع حيثما تكون الموارد أكثر إنتاجية. وسوف نتناول أولا قضية الفرص.
  2. تحدد الجغرافيا والمكان الفرص التي يمكن أن يحصل عليها الأفراد. والخياران المقترحان في هذا التقرير لتحقيق المساواة في الفرص عبارة عن مزيج من المؤسسات غير المنحازة مكانيا والإجراءات التدخلية الموجهة لأماكن بعينها: يهدف الخيار الأول إلى العمل على جانب العرض للخدمات الأساسية، بينما يستهدف الخيار الثاني جانب الطلب. ولم يؤد توفير الخدمات العامة إلى مساندة التكامل بين الأقاليم لأنه لا توجد علاقة واضحة بين تخصيص الموارد والنتائج، ولأن التخصيص الإقليمي للموارد من قبل الحكومة المركزية يراعي في معظمه أعداد السكان، وهو توزيع قائم على السلطة التقديرية والتسيس. ولإعطاء جميع المحافظات فرصة متماثلة لتوفير حد أدنى من الخدمات العامة، بصرف النظر عن قدرتها على زيادة الضرائب المحلية، استخدمت بلدان أخرى تحويلات لتحقيق المساواة من الحكومة المركزية.
  3. وهذه التحويلات غير مشروطة في الكثير من البلدان، وتستند قاعدة التخصيص إلى أساس دستوري وتخضع لمدى قدرة المالية العامة على الاستمرار. وترتكز هذه القاعدة على الاحتياجات، وتسيرُ وفقا لعدد السكان في المحافظة (الأجهزة المحلية) أو المنطقة ومقياس لنصيب القرد من الدخل. ويمكن استخدام مقياس الفقر في مصر نظرا لعدم وجود تقديرات للناتج المحلي الإجمالي للأقاليم. وتُظهر نماذج المحاكاة في هذا التقرير نمطا لتوزيع إقليمي للتحويلات التي تستهدف تحقيق المساواة (equalization transfer) يختلف بصورة ملموسة عن نمط التخصيص الإقليمي الراهن للتحويلات. وتتم تكملة هذا التحويل غير المشروط بتعزيز نظم إدارة الحكم المحلية في الإنفاق العام، وخاصة في مجالات التقييم والمتابعة. ومن الضروري تعزيز مساءلة الإدارات الحكومية المحلية أمام المواطنين والسلطات المشرفة على الميزانية لضمان أن يؤدي توفير الموارد وتحسين مرونة الإنفاق إلى الحد من الفقر. علما بأن كل ما سبق ذكره يتبع مبدأ وجود مؤسسات غير منحازة مكانيا من أجل تشجيع التنمية الشاملة للجميع.
  4. لتحقيق الاتساق في الفرص المتاحة للأطفال في أنحاء البلاد، يقترح التقرير إجراء تحويلات نقدية مشروطة إلى الأسر الريفية الفقيرة في الوجه القبلي، لتوفير الحافز والدخل الضروريين لمساندة الطلب على خدمات أساسية مثل التعليم والتغذية، مما يُحسّن الأصول (البشرية) المنقولة لتلك الأسر.ويستند هذا الخيار إلى مبدأ السياسة الموجهة مكانيا لمعالجة الكثافة المرتفعة للأسر الفقيرة في هذا الجزء من البلاد. وينبع هذا الاقتراح من النتائج التي يصفها هذا التقرير، وطبقا لها فإن عوامل عدم وجود دخل للوالدين والعوامل الإقليمية تؤثر على الفرص في أربعة قطاعات: التعليم، وخدمات الإسكان الأساسية، وتنمية الطفولة المبكرة، والتغذية. علما بأن البلدان الأخرى ذات الأوضاع المماثلة قد نجحت في استخدام التحويلات النقدية المشروطة وتحقيق آثار إيجابية على التغذية والتعليم والصحة.
  5. يتطلب التصميم الملائم لجمهورية مصر العربية بحث إمكانية زيادة التحويلات (إلى حد معين) تبعا لعدد الأطفال في الأسرة وما إذا كان من الممكن تضمين علاوة لتعليم البنات، في ضوء الفرق الكبير في التحصيل التعليمي بين الذكور والإناث.كما يجب أن يكون تصميم التحويلات النقدية المشروطة محققا للاستدامة المالية، بالإضافة إلى مراعاة الخصوصية الثقافية في البلاد. ونظرا للأوضاع المالية المسبقة، فإن إنشاء برامج تحويلات جديدة في مصر يتطلب تخفيض النفقات والمصروفات الأخرى. وبما أن إحدى نتائج التحويلات النقدية المشروطة في مختلف أنحاء العالم تتمثل في زيادة استهلاك الغذاء، فإن هذه التحويلات يمكن أن تحل، ولو جزئيا، محل دعم المواد الغذائية في مصر. وتوضح الشواهد المستقاة من أمريكا اللاتينية أن التحويلات النقدية المشروطة يمكنها أيضا مساندة تكوين رأس المال بين أوساط الأسر الريفية الفقيرة، ومن الضروري تجاوز نطاق زراعة الكفاف وتحسين دخل الأقاليم المتأخرة.
 
معالجة العقبات الماثلة أمام انتقال العاملين:تمكين الأسر المعيشية من تعويض ما فات في مستوى الاستهلاك
  1. تعتبر قدرة العمال على الانتقال منخفضة في مصر بالمعايير الدولية، ويمكن تفسير دورها المحدود في تحقيق المساواة في الدخل بعدة عوامل.أولا، من شأن انخفاض مستويات التعليم أن يعيق القدرة على الانتقال إلى مناطق مختلفة أو إلى أنشطة ذات مستويات أعلى للإنتاجية والدخل. ويوضح هذا التقرير أن الأفراد الأكثر تعليما وقدرة يهاجرون داخليا بدرجة أكبر. وينعكس عامل القدرة، وإن كان غير ملحوظ، في أن الذين يهاجرون داخليا يحصلون على أجور أعلى وتزداد احتمالات تشغيلهم مقارنة بالذين لا يهاجرون، بعد أخذ التعليم والخصائص الأخرى الملحوظة للأفراد بعين الاعتبار.
  2. ثانيا، تُفسر معدلات الهجرة المنخفضة أيضا بالعيش الكفاف على الزراعة المرتبطة بتدني الإنتاجية والأجور، ويؤدي هذان العاملان معا إلى استغلال الموارد فقط في الإنتاج المنزلي، والحد من العمالة المتاحة لأنشطة غير زراعية.ويرتبط انخفاض الإنتاجية بتفتت ملكية الأراضي الزراعية بشدة وخاصة في الوجه القبلي. وللتعويض عن هذا القيْد، يمكن التوسع في الزراعة التعاقدية (contract farming)، ولكن ذلك يتطلب سندات تمليك الأراضي وآليات فعالة لتسوية المنازعات. ولن تتيح سندات التمليك حيازة مضمونة فقط، بل إنها ستكون أيضا وسيلة لتوفر ضمان يُستخدم في الحصول على الائتمان. ويمكن أن يستفيد صغار المزارعين أيضا من القدرة على رهن أصول منقولة من أجل الحصول على قروض وتكوين رأس المال اللازم لزيادة الإنتاجية. ويأتي تحسين سجلات الأراضي، والآليات الفعالة لتسوية منازعات الأراضي، وزيادة القدرة على الوصول إلى أسواق الائتمان، طبقا لمبدأ وجود مؤسسات غير منحازة مكانيا.
  3. ثالثا، من الممكن أن تؤدي الهجرة دورا محدودا فقط في تسوية قيمة إنتاجية العمل طالما أنها لدواع مالية. وتستند التحويلات من الحكومة المركزية إلى أجهزة المحافظات إلى عدد السكان فقط، مما يعوق قدرة أجهزة المحافظات الصغيرة على تقديم نفس الخدمات العامة إلى مواطنيها على غرار المحافظات في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. ويوضح التقرير أن الوقت المستغرق في الوصول إلى المدارس والوحدات الصحية وأماكن العمل يتفاوت فيما بين المناطق المختلفة في البلاد. وينشأ سوء تخصيص الموارد بقدر استناد قرارات هجرة الأفراد إلى السعي للحصول على هذه الخدمات أو "مزايا مالية" بدلا من اعتبارات الإنتاجية الحدية.
  4. رابعا، يرتبط انخفاض قدرة الأسر المعيشية على الانتقال مباشرة بعدم كفاءة أسواق الإسكان في المناطق الحضرية. وقد فشلت أسواق الإسكان الرسمية في خدمة معظم المواطنين بسبب ندرة الأراضي والتدخلات من جانب الحكومة وارتفاع الأسعار، مما يؤدي إلى ضخامة ونمو قطاع الإسكان غير الرسمي. وتوجد أيضا قيود على عرض المساكن بسبب التحكم في القيمة الإيجارية (حوالي 27 في المائة من الوحدات السكنية مُغلقة في المناطق الحضرية)، وضعف أداء برنامج الإسكان العام، ونقص أمن الحيازة. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد عدد كبير للغاية من الوحدات السكنية الخالية. ويبدأ المسار نحو سوق إسكان أكثر كفاءة بإتاحة المخزون الراهن من المساكن الخالية، ويتطلب ذلك بدوره: أولا، إصلاح نظام الضريبة العقارية وإعانات دعم المساكن حتى تتوفر لدي مالكي الوحدات الخالية حوافز مشجعة على إتاحة هذه الوحدات في السوق؛ وثانيا تحسين السيولة في سوق الإيجار الضخمة في المدن. ويتطلب ذلك تعزيز التسجيل واللوائح المنظمة لسوق الإيجار التي تشمل تبسيط إجراءات طرد المستأجر وتسريع تطبيق حرية تحديد القيمة الإيجارية. وتسترشد هذه الخيارات الموجهة نحو سوق إسكان أكثر كفاءة بوجود مؤسسات غير منحازة مكانيا، وهي تعالج في معظمها مواطن الفشل في التنسيق.
 
معالجة العقبات الماثلة أمام انتقال رأس المال:تقوية اليات السوق بدلا من اختيار الأماكن
  1. لكي يتخذ رأس المال مكانا يكون فيه أكثر إنتاجية، يجب أن تستند القرارات إلى قوى السوق.وهذا لا يمثل حاليا واقع الحال في الكثير من الأوضاع في مصر.فموقع المناطق الصناعية يرتبط بصورة وثيقة بإدارة الأراضي لأن الأرض المملوكة للدولة، التي تمثل أكثر من 90 في المائة من الأراضي، يتم تخصيصها للمستثمرين بأسعار أقل كثيرا من أسعار السوق لتشجيع الاستثمار. ويتم اتباع نهج مؤسسي قطاعي ذي طابع إداري قائم على جانب العرض، ولا تؤدي أنظمة الضرائب والسجلات العقارية الحالية وظائفها تقريبا. وبما أن ذلك يشكل عقبة أمام انتقال رأس المال، فإن ثمة حاجة إلى إصلاح تلك الأنظمة.
  2. تتسم البيئة المؤسسية لإدارة الأراضي العامة في مصر اليوم بالتعقيد والتجزؤ. وهذا الوضع غير العادي هو نتيجة طبقات متراكمة من التشريعات على مدى العقود الأربعة الماضية، حيث يوجد تقريبا 45 قانونا ومرسوما يرتبط بهذا المجال بصورة مباشرة وغير مباشرة، ولم تتم مواءمة هذه التشريعات التي يناقض بعضها بعضا في بعض الأحيان. ويعكس هذا المزيج القائم عدم وجود إطار متماسك لسياسة الأراضي وإستراتيجيات لإدارة الأراضي العامة معنية بالتصرف في هذه الأصول وتسعيرها والاستفادة منها لتحقيق الأهداف الإنمائية للحكومة، وكذلك الفشل في مراجعة السياسات السابقة في ضوء التحديات والطلبات المتنافسة في الوقت الحالي. وتتفاقم هذه المشكلة نتيجة للكثير من الإجراءات التعسفية التمييزية غير الواضحة بشأن تخصيص الأراضي العامة، وضوابط التسعير والتطوير، وعدم وجود نظام عام متماسك لمعلومات الأراضي، وعدم قدرة المستثمرين على معرفة أي السلطات مختصة بالتحكم في الأراضي العامة وأين تتوفر تلك الأراضي. وبالإضافة لذلك، فإنه يتم تخطيط استخدام الأراضي العامة على نحو يفتقر إلى الفاعلية، في ظل قياس محدود للطلب وتكلفة الفرصة البديلة.
  3. دعت دراسة للبنك الدولي في عام 2006 إلى عملية من مراحل لإصلاح إدارة الأراضي العامة ومازالت المقترحات الرئيسية الواردة في تلك الدراسة صحيحة (البنك الدولي 2006ب).في المدى القصير، سيتم ترشيد الهيكل المؤسسي المعني بإدارة الأراضي العامة والرقابة عليها وذلك عن طريق توحيد وتنسيق القوانين واللوائح المجزأة وغير المتسقة فيما بينها.وتشمل هذه الخطوات إصدار حظر مؤقت قصير الأمد بشأن تخصيص أية أراض عامة للسلطات القطاعية لحين استكمال إجراء مراجعة مستقلة لمخزون الأراضي العامة وأداء إدارتها، وإنشاء لجنتين لصياغة إستراتيجية إدارة الأراضي العامة وتوحيد الإطار القانوني الذي يعتريه التجزؤ.
  4. في المدى المتوسط، يتم توحيد الرقابة على الأراضي العامة في هيئة جديدة غير قطاعية تقوم بدور الجهة الراعية للأراضي العامة وتكون بمثابة بنك لأصول أراضي الدولة.أما السياسات الحاكمة واللوائح والإرشادات الخاصة بإدارة الأراضي العامة وتخصيصها فيتم تحديدها من قبل جهاز أعلى لوضع السياسات من أجل ضمان شفافية وكفاءة التخصيص وتلبية الاحتياجات المركزية والمحلية للأراضي العامة، وتحقيق التوازن بين أهداف النمو، والاستدامة البيئية، والمساواة والتنمية الاجتماعية.
  5. في المدى الطويل، سيكون هناك تحول تدريجي نحو نموذج اللامركزية في إدارة الأراضي العامة، وتمكين المحافظات من الإدارة والتصرف في مخزون الأراضي العامة لتلبية احتياجات النمو والتنمية الاقتصادية في المناطق التابعة لها.ويتوافق نهج اللامركزية هذا، المصحوب بالرقابة من قبل الحكومة المركزية، مع التجارب العالمية وهو أفضل وسيلة لضمان أن قرارات تخطيط استخدامات الأراضي وتخصيصها سوف تعكس الاحتياجات والأولويات المحلية لتفويضات الرقابة على إدارة الأراضي العامة ووضع إستراتيجيات مكانية وطنية.
  6. تعتبر جوانب الفشل في إدارة الأراضي العامة ملموسة بصورة حادة في المناطق الصناعية في مصر.فمنذ منتصف السبعينيات، تقوم مصر بإنشاء مناطق صناعية على أراض عامة.وتتمثل المشكلات الرئيسية للمناطق الصناعية في الأماكن البعيدة وقيود المسافات، وصعوبات الترخيص وتجديد التراخيص، والافتقار إلى بنية تحتية جيدة، وعدم الكفاءة في تخصيص الأراضي، والإفراط في المساحة الممنوحة نظرا لأن المستثمرين يدفعون أسعارا أقل من أسعار السوق. وعلى أية حال، فإن إيجاد أماكن صناعية مناسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة هو أمر محفوف بالصعوبات بصفة خاصة.
  7. إن أنظمة الضرائب والسجلات العقارية الرسمية في مصر تقوم بالكاد بعملها.وفي عالم مثالي، يجب إخضاع هذه الأنظمة لإصلاح كامل للتخلص من جوانب الفشل في أداء وظائفها.والواقع أنه تم تقديم عدة مقترحات وخطط بشأن ذلك الإصلاح، ولكن دون جدوى حتى الآن. فالأنظمة الراهنة والتشريعات والاتجاهات المرتبطة بها متجذرة ولا يستطيع الإصلاح الشامل شق طريقه إليها. ومن هذا المنطلق، من المجدي بدرجة أكبر تطبيق إصلاح إضافي يستحدث تدريجيا أنظمة جديدة وحديثة للضرائب والسجلات العقارية. وبهذه الطريقة، يتم على الأمدين القصير والمتوسط أولا إصدار تشريع ينظم عمل سجل عقاري جديد قائم على سندات الملكية والضريبة العقارية المرتبطة به، ثم تطبيقه على الأماكن ذات الأهمية الإنمائية - المناطق الصناعية وأجزاء من المدن الجديدة والمناطق ذات الإمكانات في مجال التجارة وأنشطة الأعمال على وجه الخصوص. أما المناطق الأخرى، بصفة رئيسية المناطق الحضرية والريفية القديمة، فيمكن إضافتها إلى النظام بمرور الوقت فور بلوغ مرحلة التشغيل السلس لأنظمة السجلات والضرائب العقارية في المناطق ذات الأولوية.
 
معالجة المساوئ الاقتصادية للتكتلات (diseconomies of agglomeration):استخدام البنية التحتية التي تصل بين الأماكن، ووجود مؤسسات غير منحازة مكانيا، واعتماد إجراءات تدخلية موجهة لأماكن بعينها
  1. على الرغم من ارتفاع معدلات النمو والنجاح النسبي في الاندماج في الاقتصاد العالمي، لم تتمكن مصر من تهيئة البيئة المؤسسية اللازمة للتجمع المساند للنمو، والتوسع العمراني، وتركز النمو الاقتصادي دون مساوئ الازدحام المروري والتلوث وانتشار العشوائيات في المدن والمنازعات على استخدام الأراضي. وينطبق ذلك بصفة خاصة على القاهرة الكبرى والإسكندرية. وتشكل معالجة المساوئ الاقتصادية للتكتلات عنصراً ضروريا في التنمية الشاملة للجميع. وعلى أية حال، توجد المراكز الحضرية الرئيسية في الأماكن التي يهاجر الناس إليها، حيثما تتركز معظم البطالة وتكون تكاليف عامل التجمع أكثر وضوحا. ويمثل التركز الحضري في القاهرة الكبرى ومشكلاته تحديا جوهريا - كالفقر في الوجه القبلي - يجب التصدي له لتحقيق نمو أكثر اشتمالا واستدامة في مصر.
  2. لمساندة قدرة عوامل الإنتاج والسلع على الانتقال (mobility) في جميع أنحاء البلاد، من المهم اعتماد إجراءات للحد من المساوئ الاقتصادية للتجمع وما ينطوي عليه ذلك من تكاليف اجتماعية واقتصادية. وترتبط الآثار السلبية للتكتلات (agglomeration) في معظمها بالازدحام المروري الذي يؤدي إلى إهدار الوقت والوقود، وعدم دمج المناطق غير الرسمية الكبيرة والمتنامية في إطار المدينة ككل. فعلى سبيل المثال، تشير تقديرات دراسة للبنك الدولي إلى أن التكاليف الإجمالية السنوية المباشرة للازدحام المروري في القاهرة الكبرى تبلغ 13 إلى 14 مليار جنيه، أي ما يعادل 1.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
  3. يحدث الازدحام المروري لأن الطلب يتجاوز قدرات الطرق.ويجب أن يشمل الحل زيادة الأسعار المدفوعة للسفر على الطرق، بالإضافة إلى التدابير الخاصة بالطلب والعرض. فعلى جانب الطلب، يؤدي دعم أسعار البنزين إلى تشجيع الاستخدام المفرط للسيارات - وخاصة السيارات الخاصة والميكروباصات التي تسبب أكبر الآثار الخارجية السلبية على الطرق - الذي يمكن فرض ضريبة عليه باستخدام رسوم المرور في الطرق أو الفحص السنوي لعدادات السيارات والمركبات وفرض ضريبة على المسافات المقطوعة. وعلى الرغم من تحديات تطبيق رسوم المرور على الطرق، فإنه يمكن تطوير بدائل مثل أنظمة تحديد الموقع العالمي (جي بي إس) أو نظام إلكتروني لرسوم المرور على الطرق. وأخيرا، من شأن فحص المركبات بصورة أكثر انتظاما وفعالية أن يُحد من أعطال السيارات. ويجب أن يكون التحول النمطي إلى النقل الجماعي جزءا من الحل، حتى يمكن تبرير دعم أسعار النقل العام. وبدون إنفاذ القواعد السليمة لقيادة السيارات والمركبات التي تحد من الوقوف العشوائي المفاجئ والاستخدام غير القانوني لأماكن انتظار السيارات، فإنه لن يحدث تخفيض يُذكر لمستوى الازدحام.
  4. يتطلب الحد من الازدحام أيضا توفر بنية تحتية تربط بين الأماكن.ومع ذلك، تمس الحاجة إلى مؤسسات ملائمة لتحسين إمكانية أن يؤدي الإنفاق العام إلى الحد من تكاليف النقل بفعالية. وقد اتضح في بلدان أخرى أن كل دولار يتم إنفاقه على الطرق يؤدي إلى تخفيض تكاليف الازدحام بواقع 11 سنتا (ونستون وآخرون 2006). ويمكن تفسير انخفاض تأثير الإنفاق العام على تقليص التكاليف الفعلية للازدحام المروري بعدة عوامل: سوء تصميم الطرق مما يؤدي إلى تكاليف الصيانة الباهظة، والاستجابة البطيئة غير الملائمة للتغيرات السكانية في المدن، والتكاليف المتضخمة للقطاع العام، أو ببساطة تنفيذ المشروعات لاعتبارات سياسية محضة. ومن ثم فإن الإستراتيجية الفعالة لتخفيض تكاليف الازدحام المروري تتطلب، فضلا عن سياسات جانب الطلب التي ناقشناها أعلاه، التقييم والمتابعة الروتينية المنتظمة للإنفاق العام، واسترشاد عملية اختيار المشروعات بتحليل فني للمنافع والتكاليف تُعطى فيه الأولوية لتخفيض تكاليف النقل.
  5. لتوضيح تأثير البنية التحتية على تخفيض تكاليف النقل، اضطلع هذا التقرير ببحث مشروعات بنية تحتية بديلة مشمولة في خطة الاستثمار الخمسية ومقارنة تأثيرها على تقليل وقت السفر وتكاليف النقل في الأقسام والأقاليم المختلفة:تحسين طريق القاهرة- أسيوط، وتحسين طريق سوهاج البحر الأحمر، وتحسين الطريق الدائري في القاهرة. وتم تقدير منافع هذه المشروعات باستخدام وقت السفر المختصر وتكاليف النقل المنخفضة. وجرى تقدير تخفيض التكلفة الناتج عن تحسين الطرق باستخدام نموذج تكاليف الشحن الذي تمثل فيه تكاليف النقل بين جهتين (من خلال الاستقصاءات) دالة لأحجام النقل، وازدحام الطرق، ومتغيرا بديلا للتكاليف الضمنية والمباشرة يعتمد على جودة الطرق. ووجد أن المشروعات الثلاثة ذات قيمة حالية صافية إيجابية، ومن ثم يمكن تمويلها في حال عدم وجود قيود على الموارد. ولكن ترتيب المشروعات في ظل ضغوط الميزانية أمر ضروري. والمشروع المتمتع بالقيمة الحالية الصافية الأعلى هو مشروع تحسين الطريق الدائري بالقاهرة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن عدد السكان المنتفعين من هذا المشروع يبلغ حوالي ثلاثة أضعاف عدد السكان المنتفعين من مشروع طريق القاهرة- أسيوط، وأكثر من أربعة أضعاف عدد السكان المنتفعين من مشروع سوهاج- البحر الأحمر. كما أن عدد الفقراء المنتفعين من تحسين الطريق الدائري يبلغ تقريبا ضعفي عدد الفقراء المنتفعين من مشروع القاهرة- أسيوط، وحوالي ثلاثة أضعاف عدد الفقراء المنتفعين من مشروع سوهاج- البحر الأحمر.
  6. بالإضافة إلى الازدحام المروري، يُظهر انتشار الأحياء العشوائية غير الرسمية تحديات من منظور ازدياد الكثافة السكانية. فهذه المناطق الحضرية غير الرسمية "غير المخططة" لا تندرج بأي مقياس ضمن العشوائيات. وهناك أسباب كثيرة لظهورها واستمرار توسعها في أطراف المدن؛ ومن بين هذه الأسباب على الأقل أن العملية غير الرسمية تنتج حلولا إسكانية متواضعة تكون في متناول قدرة معظم الأسر في المناطق الحضرية. ويتمثل سبب آخر في أن الدولة لم تقدم بدائل عملية سليمة للإسكان. فعلى مدى 40 سنة، حظرت الحكومة البناء على الأراضي الزراعية، فكانت النتيجة البناء بطرق غير رسمية دون ترخيص وتخطيط في هذه المناطق. ويمكن على المدى البعيد إيجاد بدائل للبناء غير الرسمي في المدن إلى جانب وقف التوسع غير الرسمي. ولكن يجب في الأمدين القصير والمتوسط تضمين إدراج احتياجات هذه الممارسات غير الرسمية في سياسات التوسع العمراني. وبصورة أكثر تحديدا، يجب النهوض بالأحياء العشوائية من حيث البنية التحتية والخدمات العامة والبيئة، فهي في حاجة إلى دمجها بصورة أفضل في شبكات النقل والشبكات الاقتصادية في المدن. وبما أنها تمثل نسبة كبيرة من سكان المدن المصرية (وأن هذه الفئة السكانية أصغر سنا من المتوسط)، فمن الضروري تحسين التعليم والخدمات الأساسية الأخرى بصورة جذرية في هذه المناطق لتهيئة الشباب للانضمام إلى القوى العاملة. وعلاوة على ذلك، يجب ضمان قدرة رأس المال والسلع والعمال بصفة خاصة على الانتقال بين هذه المناطق والأحياء الأخرى في المدن من خلال التخطيط المتكامل الذي يتطلب أيضا إعادة تصنيف بعض المناطق ونقلها من الفئة الريفية إلى الفئة الحضرية. وقد جرى مؤخرا إعداد برنامج للتطوير الشامل للعشوائيات والأحياء غير الرسمية في القاهرة الكبرى.
  1. ومجمل القول إنه من أجل تحقيق تنمية أكثر اشتمالا والحد من التباينات بين الأقاليم، يجب أن تركز السياسة بدرجة أقل على تحقيق التوازن بين الموقع الصناعي والتحول نحو تخفيض الانقسامات، واختصار المسافات، وإدارة الكثافة.وللحد من الانقسامات، يقترح هذا التقرير إجراء تحويلات غير مشروطة لأغراض تحقيق المساواة من الحكومة المركزية إلى أجهزة المحافظات، وتحويلات نقدية مشروطة لأغراض تعليم وتغذية الأسر المعيشية الفقيرة في المناطق الريفية، وتسهيل قدرة عوامل الإنتاج والسلع على الانتقال، وإصلاح أسواق الإسكان في المدن ونظام ضبط الإيجارات حتى تصبح المساكن ذات تكلفة معقولة بدرجة أكبر للفقراء في المدن. وتتطلب إدارة الكثافة الحد من تكاليف الازدحام المروري في المناطق الحضرية وتشجيع أسواق الأراضي بطريقة عملية في المدن والمناطق المحيطة بها. وينطوي تخفيض التكاليف المرتبطة بالازدحام المروري على اعتماد إستراتيجية لإدارة الحركة المرورية، وتحصيل ضرائب على البنزين، وتوفير وسائل نقل عامة مريحة وآمنة. وهناك حاجة إلى تكملة أسواق الأراضي عن طريق القيام بتخطيط مكاني مستند إلى عوامل السوق، وتوفير الخدمات العامة، والبنية التحتية المحلية الملائمة التي تضع منافع المشاركة في السوق فوق التكاليف. 
 ______________ 

1 يأتي ذلك من نظرية تساوي أسعار العوامل في التجارة الدولية المطبقة على الاقتصاد المحلي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا