التسميات

الأحد، 5 فبراير 2017

التسويق الترابي ورهان التنمية المحلية المندمجة بالمغرب (المقومات - التحديات - الرهانات) ملخص البحث...


ملخص البحث

التسويق الترابي ورهان التنمية المحلية المندمجة بالمغرب
(المقومات - التحديات - الرهانات)

إعداد : نجيب المصمودي




جريدة أطلس 24 - نقلا ً عن مجلة جغرافية المغرب (magazinegeo) - أضيف في 28 أكتوبر 2015 :

https://drive.google.com/file/d/0B3_0MxSwg-e5X0VFeTFhbDF0aUk/view?usp=sharing

فهرست مواضيع البحث  

مقدمة عامة........

   التسويق الترابي ورهان التنمية المحلية المندمجة بالمغرب (المقومات - التحديات - الرهانات)
 
 [1] الحكامة 
التعريفات
التسويق
وترتكز التعريفات التي تتناول مفهوم التسويق على بعدين:

المفهوم التسويقي 
التسويق الترابي
يمكن تعريف التسويق الترابي 
1- التشخيص الترابي
2- التقسيم الترابي
3- التموقع الترابي

ثلاث جوانب أساسية:
أهمية الموضوع
إشكاليات البحث
صعوبات البحث
المناهج المعتمدة
تصميم البحث
المراجع والهوامش

فهرست مواضيع البحث

مقدمة عامة

  المغرب شأنه شأن دول العالم الثالث يطمح إلى تحقيق التنمية المحلية الشاملة والمندمجة، الأمر الذي يجعله مطالبا بتوفير وتهيئة الجو المناسب لاستقطاب رؤوس الأموال والإستثمارات الكبرى التي من شأنها إنجاز المشاريع العملاقة في كافة المجالات سواء ما تعلق بالبنية التحتية أو ما تعلق بالخدمات أو ما يهم مجال الدراسات، بيد أن جلب الإستثمارات يستلزم توفير شروط وظروف اقتصادية وسياسية وقانونية تمنح المستثمر ضمانات حقيقية تشجع على استثمار أمواله خاصة إذا ما ربط علاقات تعاقدية مع الدولة أو الجماعات الترابية، ذلك أن قيامها بالوظائف التي أصبحت تضطلع بها سواء من حيث النهوض بالأوضاع الإقتصادية أو الإجتماعية لا يمكن أن يتم دون اللجوء إلى آليات الجماعة المقاولة وعلى رأسها آلية التسويق الترابي، لتمكين الدولة والجماعات الترابية من إشباع حاجياتها المختلفة، فالتسويق الترابي يشكل الأداة الجديدة التدخلية التي تساهم في ترسيم ملامح السياسات العمومية وتترجم توجهات الإستثمار والإنفاق العمومي [1].



  خلال فترة الحماية أصبح الإستثمار الأجنبي جزءا من المشهد الإقتصادي الوطني، لكن مع حصول المغرب على الإستقلال بدأت وتيرته تتراجع، فعلى امتداد المراحل الأولى للإستقلال، وبالرغم من السياسة الليبرالية التي اتبعتها الدولة، ومع كل التشجيعات التي قدمت للقطاع الخاص، تراجع حجم استقطاب الإقتصاد المغربي للإستثمارات الأجنبية، ففي سياق هذا الواقع ونتيجة لطبيعة المتغيرات الداخلية والخارجية أسست الدولة لأسلوب جديد في تدبير الإقتصاد، وتماشيا مع هذه الإختيارات تم إدخال إصلاحات هيكلية، هدفت إلى الحد من تأثيرات المرحلة الإستعمارية، وتغيير أنماط التنمية التي اتبعت خلال هذه المرحلة، تمثلت التدابير المتخذة في إلغاء ضمني لسياسة الباب المفتوح التي فرضت بموجب اتفاقية الجزيرة الخضراء، كما اتخذت تدابير نقدية ومالية بهدف الخروج من منطقة الفرنك ومراقبة تحويل الأموال، كما تم في سنة 1959 إنشاء مؤسسة وطنية للإصدار (بنك المغرب) الذي عوض في هذه المهمة شركة مجهولة الإسم، كان المساهم الأكبر فيها هو بنك باريس والأراضي المنخفضة [2].

  فأهم التدابير التي نهجتها الدولة المغربية خلال مرحلة الستينيات: مغربة مجموعة من القطاعات الفلاحية والصناعية والتجارية... حيث صدر ظهير 2 مارس 1973 الذي نص على مغربة المؤسسات التجارية والصناعية، فبموجب هذا التشريع لم يعد بإمكان المستثمرين الأجانب أن يستحوذوا على أكثر من 50 % في مقاولة ذات طبيعة تجارية أو صناعية [3].

  لكن، ومع بداية الثمانينيات، ستدخل علاقة الدولة باللإستثمارات منعطفا جديدا، فمنذ انخراط المغرب في برنامج التقويم الهيكلي، أصبح جلب الإستثمارات الأجنبية، من أهم محددات السياسة الإقتصادية.

  لقد تأثر تطور السياسة الإقتصادية تأثرا عميقا بما حدث من تغييرات في الإقتصاد العالمي، ترافق هذا التحول مع السياق العالمي الذي تميز بهيمنة الليبرالية، وسعي الإستثمارات الأجنبية [4]، هذا التحول تفاعلت معه مختلف الدول، فمنذ أزمة المديونية لسنوات الثمانينيات أصبح من الصعب إتباع سياسة لا تقوم على مبادئ التوازنات الماكرواقتصادية، أو تتعارض مع الإستثمار الخارجي.

  كما أن الظروف العامة التي طغت على المشهد السياسي والإقتصادي والإجتماعي في عالم ما بعد حرب الخليج الثانية (ابتداء من سنة 1990) والتي نجملها فيما يلي:

- ظهور بوادر أزمة اقتصادية عالمية، وازدياد التنافس الدولي على الموارد والطاقات؛

- عولمة الإقتصاد العالمي، وتكريس سيطرة الدول العظمى على حساب الدول النامية؛

- تراجع مفهوم الدولة الوطنية من خلال التنازلات التي قدمتها الدول لصالح الشركات العابرة للقارات؛

- نهج سياسات إصلاحية إدارية وسياسية على مستوى دعم اللامركزية واللاتمركز الإداري واعتماد مبادئ الحكامة؛

- تصاعد وثيرة الضغط الإجتماعي بتزايد أعداد العاطلين في العالم، ونذرة فرص الشغل.

 كانت دافعا للعديد من الدول، ومنها المغرب، للبحث عن مخارج للأزمة التي بدأت تتشكل في الأفق، وهي ظروف عامة تمكنت من غالبية الدول إن لم نقل كلها، فيما تبقى المعطيات الخاصة بالدول التي تبنت مفاهيم الجماعة المقاولة ومنها التسويق الترابي كالوضع السياسي والإقتصادي وتأثيرات الوضع الإقليمي والموقع الجغرافي وغيرها، الركائز الأساسية لوضع رؤى هذه الدول تصوراتها حول استراتيجيات التسويق [5].

  كما أصبح التصور الجديد للمؤسسات الدولية يقوم على وضع طريق جديد للتنمية يرتكز على مقومات تنبني على الحد من التعريفات الجمركية، وإلغاء دعم المستهلك، والحد من تدخل الدولة في الإقتصاد، وتشجيع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، والأموال الوطنية، و هو ما تبلور في البداية فيما يعرف بوفاق واشنطن، الذي عرض مخططا لسياسة اقتصادية تدعو لتجاوز التوجهات الإقتصادية القائمة على التخطيط المركزي، وذلك باعتماد سلسلة من الإصلاحات تروم تحقيق استقرار الإقتصاديات، وإنعاش القطاع الخاص، والعمل على تطوير الترابط الدولي [6].

 إضافة إلى التدابير الإقتصادية، القانونية والتشريعية من أجل تدعيم دولة الحق والقانون، فالتعديلات التي عرفها النظام القانوني بالمغرب، وخصوصا فيما يتعلق بالمجال الإقتصادي والإستثمارات، والتسويق الترابي، لم تكن وليدة عوامل خارجية فقط، ولكن أيضا نتيجة أسباب داخلية وطنية أيضا، ووفقا لذلك، ضاعفت الدولة جهودها لتطوير البنية التشريعية المرتبطة بالأعمال وفق توجه يروم توسيع الليبرالية، وإعطاء المزيد من الضمانات للمستثمرين الأجانب، والمغاربة، والتقليص من المعيقات التي تصادفهم عند مباشرة استثماراتهم [7].

  كما أن الإدارة أو المؤسسات العمومية احتلت مركزا حيويا في إستراتيجية للتنمية الإقتصادية والبشرية، حيث تشكل الأداة المحورية لتحقيقها، ومنذ الإستقلال شكل الإصلاح الإداري أحد المحاور المهمة في المخططات الوطنية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية فهناك إجماع لدا أصحاب القرار والمتخصصين على أن المغرب لن يستطيع مواجهة التحديات المطروحة عليه بفعالية إذا لم يتوفر على إدارة عصرية وفعالة [8].

 وفي خضم التحولات الكبرى التي تشهدها بنيات الدولة وتجدد أدوارها، تعالت الدعوة إلى تطوير النظام اللامركزي، ونظام اللاتمركز واللذان يستندان على الشرعية الإدارية والعقلانية والقانونية، وذلك بتبني منظور جديد ومقاربة مغايرة تتوخى البعد التدبيري، من خلال ترسيخ مفاهيم: "إدارة القرب"، "الحكامة الجيدة"، "المقاربة التشاركية"، "التدبير والتخطيط الإستراتيجيين"، "المقاولة المواطنة"، "الجماعة المقاولة"...[9].

 وفي ظل تراجع الوظيفة التنموية للدولة في إطار ما يعرف بدولة التخلي أو دولة الحد الأدنى، مقابل تنامي دور الجماعات الترابية، لدرجة جعلت بعض الباحثين يقول بأنه إذا كان القرن العشرين عرف قوة وهيمنة الدولة، فإن القرن الحادي والعشرين سيعرف تعاظم دور الجماعات المحلية [10]، ومن خلال هذا التطور والتقدم المستمر، وبالأخص في الوسائل التكنولوجية، أصبحت الميزة التنافسية تقاس بمدى القدرة على الإبداع والإبتكار والتجديد الذي يتماشى في نفس الوقت مع متطلبات عولمة الأسواق [11].

  فتجلت كل هذه الإكراهات والتحولات - السابقة - في الإصلاحات الإقتصادية والسياسية والقانونية والمؤسساتية والترابية، التي عرفها المغرب، والتي تمثلت في التعديلات الدستورية والتشريعية المتتالية وإصلاح نظام اللامركزية وعدم التركيز والجهوية...، إضافة إلى إصلاح المنظومة القضائية والمؤسسات المالية واعتماد الحكامة الجيدة المتعددة الإسقاطات والإهتمامات...

 إضافة إلى اعتماد إمكانيات وسائل الإعلام والتواصل المتنوعة، والتي تعتبر أهم الآليات الحديثة لتوجيه مقومات التنمية الشاملة واعتبارها من أسس ومجالات التسويق الترابي، وهي آليات معتمدة بشكل أساسي من طرف المقاولات الخاصة.

يستلزم البحث عن انجاز تنمية ترابية قوية إعداد خطة لإعادة تشكيل التراب انطلاقا من مسلسل منهجي جديد للتنظيم والأداء الترابي، ترتكز على منح استقلالية ومسؤولية أعمق لمجموع الفاعلين العموميين المحليين و تحفيزهم للدفع بالعملية التنموية إلى أقصى حدودها.

  من هنا تبرز ضرورة إخضاع الشأن الترابي للمبادئ الحديثة للتدبير والتسويق، وذلك من خلال اعتماد نموذج إداري فعال أكثر تأقلما مع متطلبات المغرب المعاصر وقادرا على تبني تصورات مرجعية جديدة وترك مجال واسع للتفاوض والمشاركة الجماعية.

  إن منطق العولمة وما يحيل إليه من إكراهات وتحديات أبرزها المنافسة، والتي لم تقتصر على المقاولات الخاصة، بل امتدت إلى الجهات والجماعات الحضرية والقروية وكل التراب. هذا الواقع فرض تجاوز الطرق التقليدية للتخطيط والتدبير المحلي، وقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة للإتصال والتواصل إلى حد كبير في ذلك، خاصة في الدول الأنكلوساكسونية، من أجل الرفع من إنتاجية التراب، من خلال مستوى الخدمات التي تقدمها سواء الجماعات الحضرية والقروية أو الجهات عبر وسيلة التسويق الترابي.

التعريفات

التسويق

 التسويق مصطلح أنجلو- سكسوني أدخل إلى فرنسا في الخمسينيات، ويعرف بأنه كل ما يساهم في جذب واستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن الجدد والحفاظ على ولاء زبائن المؤسسة، والتسويق هو مجمل الوسائل التي تستخدمها المؤسسة بفعالية لبيع سلعها: «إنه مسعى يرتكز على الدراسة العلمية لرغبات المستهلكين، ويسمح للمؤسسة، في الوقت الذي تحقق فيه أهداف المردودية المنشودة، بعرض سلعة أو خدمة نهائية في سوقها المستهدفة.

 وترتكز التعريفات التي تتناول مفهوم التسويق على بعدين:

- البعد الأول منهما: يوصف بالحالة التسويقية، وتتمثل في التوجه نحو كسب رضى المستهلك؛ فالتسويق مقاربة توجه نحو الزبون، إذ أن عملية المتاجرة بمنتج تتطلب فهما عميقا لآليات السوق وسلوك المستهلك؛

- أما البعد الثاني: فيركز على استخدام الوسائل والتقنيات، وقد تم إدخال مصطلح المزيج التسويقي، منذ نهاية الأربعينيات للإشارة إلى مجموعة من المتغيرات التجارية التي يمكن أن تتوفر لدى المؤسسات. وفي الستينيات (1960) اقترح ماك كارثي جمع هذه المتغيرات في أربعة أبعاد، وهي ما سماها ب "أربعة P": المنتج (Product)، السعر (Price)، الترويج (Promotion)، والتوزيع (Place)»؛ ويطابق المزيج التسويقي مجمل الأدوات التي توضع تحت تصرف المؤسسة للوصول إلى أهدافها المتعلقة بالسوق المستهدفة. وعلى الرغم من كون مصطلح السوق[12] مرادفا للتوجه نحو المستهلك إلا أنه يدمج أيضا مصلحة المؤسسة في ما يتعلق بمفاهيم حسن الأداء والربح. فإرضاء الزبون ليس المؤسسة بحد ذاته بل هو وسيلة لضمان بقائها ونجاحها. وهدف التسويق ليس إرضاء حاجة المستهلك فحسب بل هو وسيلة لتحقيق أهداف المؤسسة [13].

 فالمفهوم التسويقي يكمن في فلسفة الإدارة التي تدرك كيفية إشباع الحاجات والرغبات، من خلال تنظيم الأنشطة، والتي يمكن من خلالها أيضا تحقيق أهدافها، ولهذا فإن المفهوم التسويقي يتأثر بالبيئة الخارجية التي تضم العديد من المتغيرات والمؤشرات، سواء الإقتصادية أو القانونية والتكنولوجية، الأمر الذي يتطلب ضرورة التفاعل والإستجابة المطلوبة لذلك [14].

  تأسيسا على ما سبق، فالتسويق هو خلق ديناميكية للسوق سواء على الصعيد المحلي، أو الوطني وحتى الدولي، ولهذا الإعتبار، فقد أصبح التسويق بدوره من الأدوات والآليات التي عرفت طريقها من القطاع الخاص إلى القطاع العام وتحديدا في الجماعات الترابية، وبهذا أصبح التسويق الترابي عنصرا محددا للتدبير المحلي، وأحد مداخل التميز والإبتكار [15].

- التسويق الترابي

  يمكن تعريف التسويق الترابي بأنه «مجموع الأنشطة التي يقوم بها الخواص أو الجماعات نفسها بغاية توسيع شبكة الوحدات الإقتصادية المتواجدة بالجماعة عبر جلب أنشطة اقتصادية جديدة» [16] ويعرف بأنه «منهجية تدبيرية حديثة لجلب المقاولات لتراب الجماعة وكذا تسهيل أنشطة المقاولات وتسويق صورة جيدة عن الجماعة المعنية بالأمر ساء كانت جماعة حضرية أو قروية، وهو يساعد على وضع إستراتيجية تنموية وتشكيل شخصية اقتصادية للجماعة» [17].

  ويعرف فانسون كولان Vincent Gollain رئيس نادي المطورين الإقتصاديين في فرنسا، التسويق الترابي على أنه «الجهد المراد به تقييم التراب وإمكاناته في الأسواق التنافسية، لجعله - أي التراب - ذو مؤهلات جذب فعالة، وهذا النشاط يدبر عموما من طرف وكالات التنمية لصالح السلطات العمومية والقطاع الخاص»[18].

  كما ينظر للتسويق الترابي باعتباره المجهود المبذول لإضفاء قيمة أكبر على المجال، في الأسواق التنافسية للتأثير في سلوك المستثمرين عن طريق تقديم عرض تظهر قيمته أفضل من تلك المقدمة من طرف المنافسين الآخرين.

  فهو بذلك يهتم بشكل أساسي بوضعية ومكانة المنتوج أو الخدمة في نطاق استراتيجي يأخذ بعين الإعتبار وضعية المنافسين والشركاء.

 ليشكل بذلك التجسيد الجغرافي للعولمة وليبرالية الإقتصاد العالمي، من خلال كونه يدعو إلى اعتماد مفاهيم السوق المعمول بها لبيع المنتوج الإستهلاكي، مما يفرض على الجماعات الترابية أن تتعامل مع ترابها كمنتوج يحتاج إلى تسويق لدى المستثمرين من خلال إبراز خصائصه والإمكانيات التي يتيحها لكونه يشكل الفضاء الأكثر اندماجية للمستويات الموضوعية والإنسانية والإجتماعية وأصبح يشكل كذلك الإطار الأكثر إجرائية لتنفيذ السياسات العمومية ومتابعتها سواء تعلق الأمر بالمجال الإقتصادي أو الإجتماعي أو البيئي، الأمر الذي يفرض على الجماعات إعطاء صورة تتسم بجودة التراب وذلك باستغلال خصوصياتها الثقافية والجغرافية وكذا المؤهلات البشرية والإقتصادية، التي تجعل منها قطبا سياحيا أو فلاحيا أو صناعيا... [19]

  يكاد يجمع أغلب الباحثين في مجال التسويق الترابي أنه إذا كان الهدف الأساسي من هذا التسويق للوحدات الترابية سواء كانت مدنا، جهات أو جماعات ترابية أخرى، هو جذب الإستثمارات الأجنبية، وخلق نوع من الدينامية التنموية التي تعيد رسم معالم المجال، وجعله في الإتجاه الصحيح الذي يخدم الإنسان بالدرجة الأولى ويضمن له الرفاه والطمأنينة، فإن هذه الإستراتيجية تقوم على جملة من المرتكزات والقواعد المضبوطة ذات الأسس العلمية التي تجعل منه خطة ميدانية وورشا مفتوحا وليس مجرد شعارات سياسية كنقل العناوين من التجارب المقارنة وتتجاوز التفاصيل [20].

  وتتجلى هذه المرتكزات والقواعد في ثلاثة عناصر أساسية على الشكل الآتي:

1- التشخيص الترابي: يتمثل في تقييم التراب وتشخيصه بناء على مؤهلاته الجغرافية والجيواستراتيجية والطبيعية والمناخ السياسي والبشرية والثقافية، والتي تندرج ضمن ما يصطلح عليه بالثوابت المجالية، فمن خلال تحديد الرأسمال الترابي يمكن تكوين نظرة شاملة عن وضعية العرض الترابي وتقييم مدى قدرته على المنافسة مقارنة بعروض المجالات الأخرى، وبالتالي تشكيل بطاقة تعريفية تشمل كل المؤهلات وتهم مختلف الفئات [21]؛

2- التقسيم الترابي: يتجلى في التعرف على الأسواق التنافسية في المحيط ورصد إمكانياتها وخصوصياتها وهذا لا يقتصر فقط على السوق الدولية بل يتجاوز ذلك إلى الجهات داخل التراب الواحد، والهدف من ذلك هو تحديد الأسواق التي تحضى باهتمام أكبر بطريقة تمكن من الحصول على مجموعات متنافسة تستجيب لمتطلبات ورغبات الزبناء بطريقة أفضل من تلك التي تقدمها المجالات المتنافسة باعتماد معايير عملية دقيقة تساعد على تحليل السوق الكبرى؛

3- التموقع الترابي: وهو بحث إمكانات تطوير العرض الترابي وتموقعاته داخل السوق الدولية من خلال آليات الجذب التي تتخصص فيها الوكالات والمؤسسات المهتمة بجذب الإستثمارات وتنمية المجالات الترابية [22]، وتتميز هذه الإستراتيجية التسويقية بالتموقع والتميز داخل أسواق المنافسة والتعريف بالتراب، كما تعرف هذه المرحلة باختيار علامة للمجال الترابي، تمكنه من التعبير عن هويته، تنافسيته وأصالته، وتساعده على التموقع [23].

  وبالمزاوجة بين المصطلحين "تسويق"، "التراب" والذي يفيد مبدئيا حسن تسويق المنتوج الترابي، والذي يعني استعراض كل جماعة ترابية ما لديها من مقومات ومؤهلات لجب الرساميل العالمية، وبالتالي البحث عن آليات جديدة لإنعاش الإقتصاد المحلي الذي سوف ينعكس بدوره على مصالح المواطنين، وذلك في ظل سيادة منطق السوق وتقليص مفهوم مجانية الخدمات العمومية أو بالأحرى تآكلها والسير نحو اندحارها.

  وتكمن أهمية التسويق الترابي في كونه يجعل من الجماعات المحلية مقاولات حقيقية ذات مردودية مباشرة تمكن من مجاورة الدولة في حل الرهانات المطروحة عليها، وهذا لن نصل إليه إلا باعتماد مقاربات أكثر نضجا وفعالية في صياغة مفهوم نموذجي للمجال ومظاهره، غير أن أهمية تدبير التسويق الترابي لا يجب أن تقف عند هذا الحد، بل عليها أن تنخرط في مسلسل التفاعلات العالمية وما يطبعها من استقطاب الرساميل، لذا فإنه يجب أن يراعى في تدبير التسويق الترابي السهر على تأهيل الجماعات المحلية، وذلك بإظهار مالها من مؤهلات طبيعية، خاصة وأن المغرب يشهد تنوعا قل نظيره من شواطئ، غابات، جبال، شلالا، وواحات...؛ وتقنية كتوفر المطارات والموانئ، الطرق السيارة...؛ وكذلك العنصر البشري وتحديدا اليد العاملة النشيطة [24].

  كما أن التسويق الترابي يتقاطع مع مفهوم الجماعة المقاولة من خلال، أولا: التشخيص الحقيقي لواقع التراب المحلي ومعرفة حاجيات وانتظارات المواطن الزبون، كما يجب عليها ثانيا: أن تأخذ موقفا إيجابيا للملتمسات، فهي مدعوة لوضع رقم أخضر أو موقع إلكتروني يسمح بتطوير سياسة القرب. فبفضل التسويق الترابي تتحسن إمكانية التواصل داخل التراب المحلي الذي ينبغي تحقيق هدفين موضوعيين [25]: هدف خارجي (اقتصادي) يركز على تنمية الجماعات الترابية لجذب المستثمرين، وهدف داخلي (سياسي) يفسر ويشرع لعمل المجالس الجماعية. وهو بذلك يطال الذكاء الترابي للجماعة الترابية - الذي يعتبر بمثابة استراتيجية عمومية جماعية لدعم الإنتاج المشترك للتنمية الترابية بواسطة المقاولة [26] - تستعمله كأداة للتحليل العملي من أجل تدبير جيد وتحسين عرض التراب، وهو أيضا آلية للإعلام الجغرافي، فيدخل إذن ضمن استراتيجية التنمية المحلية، ويتعلق الأمر بالتموقع الفعال للمجال المحلي داخل السوق الدولي لهدف جذب الإستثمارات الصناعية والسياحية والتجارية...[27].

 فالتسويق الترابي كسلسلة من الإجراءات العملية يهدف إلى إبراز المعالم القوية للتراب وإعطاء صورة إيجابية عن مكوناته والإرتقاء به من رقعة مجالية إلى فضاء للتفاعلات وإيواء السياسات التنموية التي تصبوا إليها كل التوجهات والأوراش الإصلاحية وما يفرضه ذلك من ضرورات إشراك كافة الفاعلين والمستويات الترابية، وإبرام اتفاقيات الشراكة والتعاون، والإكثار من فرص الإصغاء وتبادل الآراء واستعمال أفضل للموارد [28].

- التنمية المحلية (التنمية الترابية)

 حظيت قضايا التنمية باهتمام كبير لدى الكثير من العلماء والمفكرين والمخططين، وأصبحت البرامج التنموية هي محور اهتمام الدوائر العلمية والأكاديمية في جميع بلدان العالم، بشكل عام والدول النامية أو الأقل نموا [29] بشكل خاص. خاصة وأن هذا الإهتمام ازداد بعد حصول معظم هذه الدول على استقلالها الإقتصادي والسياسي، ولكن تصاعد هذا الإهتمام خلال العقد الأخير من القرن العشرين في المنظمات الدولية والمحافل العلمية، حيث اهتمت تقارير التنمية البشرية بالتأكيد على ضرورة وحتمية الإرتقاء بالإنسان ورفع مستوى معيشته، وتنمية قدراته وتوسيع نطاق الخيارات المتاحة لديه [30].

  كما ارتبطت التنمية لوقت طويل بمفاهيم تخصصية تتعلق أساسا بالتنمية الإقتصادية وتحقيق النتائج المالية والمحاسبية لتدخل المنظمات العمومية في إطار تأهيل الوحدات المجالية التي تعمل فيها، قبل أن تنتقل إلى مختلف أوجه ومجالات تدخل هذه الهيئات لإحداث تغييرات إيجابية وتطور نوعي في الحياة الإقتصادية والإجتماعية، وكمرحلة لاحقة تحقيق تنمية إنسانية أو بشرية شاملة مستدامة ومندمجة.

  وإذا كانت التنمية قد ارتبطت في السابق مع مجهود محاربة التخلف ومعالجة آثاره والتخلص من "الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المزرية" عبر بناء "قاعدة إنتاجية ذاتية قابلة للتطور والنماء"، فإن حصر التنمية في هذه المجالات تعتبر تضييقا من مجالات تطبيق التنمية الشاملة والمستدامة والمندمجة.

  بالموازاة مع تطور اختصاصات الهيئات اللامركزية ومجالات تدخلها، توسع مفهوم هذا المصطلح وتنوعت مدلولاته المادية والعملية، مما أدى إلى تطور مفاهيم ومضامين التنمية بشكل عام والتنمية المجالية بشكل خاص، وتطورت معها الأسس القانونية والعملية والمجالية لتحقيق التنمية المحلية بمختلف معالمها وأهدافها [31].
وإذا كانت فترتي الستينيات والسبعينيات تميزت بهاجس الإنخراط في ركب التنمية، فإنه منذ الثمانينيات أصبحت الأضواء تسلط على التنمية المحلية من طرف الباحثين ، وبدأت تتصدر اهتمامات المسؤولين نظرا للفوارق المجالية الصارخة خاصة بين المركز والهامش، لأن التنمية لا تتحقق إلا بالنسبة للجماعات التي تتوفر على مؤهلات وقادرة على استقطاب المشاريع الإنمائية، وحيث تكون فرص الإستثمار والربح أسرع.

  وفي محاولة لتعريف التنمية المحلية، نذكر بعض التعاريف ومنها ما جاء به تقرير التنمية البشرية لسنة 2003، والذي عرفها على أنها: «إنجاز عمليات كمية أو نوعية هادفة إلى تحسين مستديم للظروف المعيشية لسكان مقيمين في مجال محدد على الأصعدة المؤسساتية أو الجغرافية أو الثقافية» [32].

  أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فيعرف التنمية المحلية على أنها «ثمرة إنجاز يهدف إلى تحسين ظروف عيش السكان القاطنين في فضاء معين، وذلك بكيفية مستدامة على المستويات المؤسساتية أو الجغرافية أو الثقافية».

في حين يعرف كسافيي غريف التنمية المحلية بأنها: «عملية تنويع وإغناء الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية على مجال ترابي معين، من خلال تعبئة وتنسيق مواردها وطاقاتها» [33].

 فانطلاقا مما سبق، يمكن القول أن التنمية المحلية هي عملية مركبة تهدف إلى الرفع من المستوى المعيشي للسكان في مجال ترابي معين، وذلك عبر تنويع وتطوير الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية بواسطة تفعيل وتنسيق موارد وطاقات هذا المجال الترابي، وبهذا فهي عملية ليست عفوية بل منظمة ومخططة، تهدف إلى الإنتقال من وضع إلى وضع أحسن من سابقه، ولتدقيق هذا المفهوم أكثر لابد من استحضار ثلاث جوانب أساسية:

 الجانب المؤسساتي: ويهم طبيعة التنظيم الإداري والسياسي للبلاد، ففي المغرب على سبيل المثال، يتم الحديث عن المحلي على صعيد الجماعات الترابية؛

 جانب الإمكانيات والمؤهلات: سواء منها الطبيعية أو كل مايتعلق بالخصائص والموارد الجغرافية والإقتصادية لجماعة ترابية ما، على اعتبار كون هذه المعطيات هي التي تعطي للجماعات شخصيتها، وعلى أساسها يمكن التمييز بين جماعة قروية وجماعة حضرية؛

 الجانب التاريخي: و يتعلق بالعناصر المشتركة لجماعة ترابية معينة كالتقاليد، الأعراف، الثقافة والهوية الإجتماعية.

  كما أن مفهوم التنمية المحلية يعتبر عملية وحركة ديناميكية يجب الأخذ بناصيتها وتوجيهها نحو خدمة المتطلبات الإجتماعية والإنسانية العاجلة، وفي هذا الصدد يمكن التمييز بين ثلاثة خاصيات للتنمية المحلية [34]:

 التنمية المحلية الداخلية: تحدد وتنظم انطلاقا من الخصوصيات والموارد والطاقات المحلية؛
 التنمية المحلية القائمة على مبدأ الإعتماد المتبادل: تقوم هذه التنمية المحلية أولا على حقيقة هي أن أية جماعة ترابية لا يمكن لها أن تنمو دون أن تأخذ بعين الإعتبار الجماعات الترابية المجاورة، وكذلك المحيط السوسيو- سياسي أو الجغرافي أو الجهوي الذي تنتمي إليه، ويرجع ثانية إلى أن أية جماعة ترابية لا يمكنها أن تتخيل بأنها ستنمو على حساب الجماعات الترابية الأخرى، فالإعتماد المتبادل يفترض التكامل والتشارك والإندماج الشامل؛

 التنمية المحلية المندمجة: تقوم على أساس الإندماج بحيث لا يمكن إطلاقا فصل التنمية الإقتصادية الترابية عن التنمية الإنسانية، ولا تصور تنمية دون مراعاة الأسس الثقافية [35].

 فالتنمية المحلية Le Développement Local أو التنمية الترابيةLe Développment Territorial): هي آخر إنتاج في الأدبيات المرتبطة بمفهوم التنمية ككل في أهميتها، فإن دوافعها ومضمونها يختلفان عن التنمية الوطنية لتجاوز السلبيات السياسية السابقة، فمضمون التنمية المحلية (الترابية) ينبع من مبادئ أساسية تتضمن الإهتمام بجميع مناطق وأقاليم الدولة الواحدة واعتبارها أجزاء مترابطة، إذا نما الجزء انتعش الكل.

  ومما لاشك فيه أن تحقيق التنمية المحلية في سياقها العام تستدعي توفر شروط معينة يمكن إجمالها فيما يلي:

 وجود هيئات محلية فعالة تتقاسم الإختصاصات التنموية مع الدولة، أي وجود سلطة محلية مستقلة الإختصاص عن الدولة ومزودة بالإمكانات القانونية والبشرية والمالية الكافية؛

 وجود مصالح ومتطلبات للساكنة المحلية؛

 اعتماد المقاربة المندمجة والمقاربة التشاركية باعتبارهما آليتين تسمحان بتعدد الفاعلين وتدخلهم وفقا للتشخيص التشاركي لإحتياجات الساكنة المحلية [36].

  وانطلاقا من ذلك، يمكن القول أنه من أجل كسب رهان التنمية الترابية وتحقيق شروطها، لابد من تعبئة تضافر جهود مختلف الفاعلين المحليين الرسميين وغير الرسميين، وذلك باعتبار التنمية الترابية، هي عملية متكاملة لا تتم بواسطة تدخل فاعل محلي دون آخر، وإنما تتم بواسطة سياسات متكاملة ومندمجة، تأخذ بعين الإعتبار المحيط والإعتبارات السوسيواقتصادية والإختلالات المجالية، وذلك في إطار من التكامل والتشارك بين مختلف هؤلاء المتدخلين. فالهدف من التنمية الترابية هو العمل على تحسين الأحوال الإقتصادية والإجتماعية والثقافية للجماعات الترابية، عن طريق العمليات التي توحد بين جهود سكان تلك الجماعات وجهود السلطات الإدارية في إطار التعاون والتكامل، من أجل حياة أفضل للمواطنين [37].

  فمنطلق التنمية الترابية إذن، هو تبني مبدأ البناء من الأسفل، وذلك بجعل تنمية الجماعات الترابية نقطة الإنطلاق الأساسية لتنمية شاملة مستدامة ومندمجة [38].

  فمن أجل مساهمة فعالة في التنمية الترابية الشاملة والمندمجة، يحتاج التسويق الترابي إلى إعادة وتهيئة المجال الإقتصادي والإجتماعي والسياسي والمؤسساتي لضمان توزيع أفضل لكل هذه الموارد (طبيعية، بشرية واقتصادية...) اعتمادا على آليات السوق، من أجل تجاوز الفوارق بين الجماعات الترابية قصد تحقيق عدالة اجتماعية على كافة القطاعات، وهو ما يجعل التسويق الترابي آلية للتضامن الترابي يتحدد دورها في كل تدخل أو سياسة اقتصادية واجتماعية معقلنة تهدف إلى تحسين جودة المجال وتوزيع أفضل للسكان والأنشطة والتخفيف من التباينات المجالية دون إغفال الخصوصيات المحلية أو الإمكانات المادية لكل جهة والحفاظ على البيئة [39].
وإذا كان التسويق الترابي أحد المداخل الأساسية لتنفيذ السياسات العامة في سبيل تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية، فإنه يسمح بإعادة توزيع الأدوار بحيث يعترف للفاعلين المحليين كمؤسسات جديدة تعتمد تقنيات التدابير الحديثة التي تأخذ بالمبادئ الكبرى للحكامة الترابية، فإن الأمر يقتضي مراجعة مجموعة من الركائز التي يقوم عليها التسويق الترابي [40].

أهمية الموضوع

  يتبين لنا من خلال ما سبق أن التنمية الشاملة والمندمجة وخصوصا التنمية الترابية
أصبحت خيارا لا رجعة فيه، وذلك لمجارات التحولات العالمية السريعة والمتنوعة، كما أن
التنمية الوطنية الشاملة تقتضي لزاما وجود تنمية شاملة ومندمجة على صعيد القواعد أو على
الصعيد المحلي، كما أن للقضاء على كل المشاكل أو التقليل منها سواء كانت اقتصادية أو 
اجتماعية، لم تعد تنفع معها المقاربة الأمنية المحضة، بل أصبح نهج التنمية هو الدواء الشافي.

  ولذلك أصبحت الدولة وجماعاتها الترابية مطالبة للبحث الحثيث عن أدوات ووسائل 
حديثة، والإنفتاح على مجالات موازية أخرى من أجل استخدامها وتسخير إمكانياتها مثل الآليات 
التقنية والفنية والتدبيرية والتكنولوجية... وهو ما حذى بها للإنفتاح على إمكانية القطاع الخاص 
وخصوصا آليات المقاولة الخاصة وعلى رأسها تقنيات التسويق.

  وبذلك التأسيس للتسويق الترابي، وتحديد أسسه ومقوماته القانونية والسياسية والمؤسساتية،
الإقتصادية والمالية، الترابية والبشرية...

  إن دراسة التسويق الترابي، وإبرازه وخصوصا من جوانب التدبير وعلم الإدارة، هو 
إضافة نوعية، في توسيع آفاق التدبير وعلم الإدارة، وخاصة الإنفتاح المتبادل بين العلوم المختلفة 
والذي يعطي نتائج إيجابية جديدة تخدم المجالات المستهدفة، خاصة من أجل التأسيس لتسويق 
ترابي فعال من أجل التشجيع على الإستثمارات الأجنبية والوطنية، الأمر الذي يساعد في تعميق 
صلة الدولة بالمجموعات الإقتصادية الكبرى، وبين الدولة وجماعاتها الترابية.

  كما أن الأهداف التنموية تفرض على الدولة وجماعاتها الترابية بحث سبل متنوعة لإضفاء 
مشروعيتها، ولمعالجة الصعاب والمشاكل المتنوعة، وكذا إشراك الفاعلين الأساسيين من أجل 
تحقيق التنمية الشاملة المندمجة المنشودة، خاصة وأن الجماعات الترابية أصبحت اليوم تقوم 
بأدوار جديدة مهمة بعد تخلي الدولة عن مجموعة من الإختصاصات.
  إضافة إلى أن موضوع التسويق الترابي من الآليات والوسائل المؤسسة، للمقاربات  التشاركية، والحكامة الترابية الجيدة، والتدبير المقاولاتي، والجماعات المقاولة...
ومن ذلك تبرز أهمية اختيار هذا الموضوع سواء نظريا أو عمليا.

إشكاليات البحث  

  يتناول هذا البحث بالدراسة والتحليل إشكالية العلاقة بين التسويق الترابي ومتغير التنمية  المحلية المندمجة، ويرصد آثار سياسة الدولة والجماعات الترابية والمتدخلين الآخرين في خلق  مقومات ودعائم التسويق الترابي الذي سيعمل على التعريف بالمؤهلات والقدرات الترابية وجلب  الإستثمار الخارجي وتشجيع المستثمر الوطني كما أن التسويق الترابي آلية من آليات الجماعة المقاولة المنشودة بالمغرب.

  يقدم البحث أربعة عناصر محورية للإشكالية وهي: 

أولا: ما مدى مساهمة التسويق الترابي في التعريف بالمكونات والقدرات الترابية؟ 

ثانيا: ما مدى مساهمة التسويق الترابي في الإقناع وجلب المستثمر الأجنبي وتشجيع المستثمر  الوطني؟  

ثالثا: ما مدى مساهمة التسويق الترابي في تفعيل إمكانيات ومقومات الجماعة المقاولة بالمغرب؟  

رابعا: ما مدي مساهمة التسويق الترابي في التنمية الترابية الشاملة والمندمجة بالمغرب؟  

  ولمناقشة ذلك ارتأينا طرح التساؤلات  التالية:
  
 ما هي الإصلاحات والإجراءات القانونية التي أسست للتسويق الترابي الفعال بالمغرب، خاصة  القوانين الخاصة بالنظام الإجتماعي، الجبائي، الجمركي، الأعمال، الإستثمار...؟  

 ما هي الإصلاحات السياسية والدستورية التي عرفها المغرب والتي أسست لتسوق ترابي تطبعه  الثقة والمصداقية والأمان؟  

 ما هي الإصلاحات الترابية والمؤسساتية التي عرفها المغرب من أجل خلق مجال ترابي مؤهل،  ومؤسسات لامركزية وعدم التركيز ومؤسسات مؤهلة للتشجيع على الإستثمار الخارجي  والوطني؟  

 ما هي المقومات الإقتصادية والمالية التي أقدمت عليها الدولة المغربية وجماعاتها الترابية لخلق  جو اقتصادي  ومالي محفز ومشجع لدخول رؤوس الأموال والإستثمارات ؟

كلها إشكالات وتساؤلات سنعمل على معالجتها في هذا البحث.

صعوبات البحث  

 يعرف بحث موضوع التسويق الترابي عدة صعوبات تتمثل أهمها في:  تقاطع تحليلاته في أكثر من حقل معرفي، ولذلك فإن التفكير والبحث في إشكالاته وقضاياه  العامة تصادف جملة من الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع الذي يتطلب وقتا كبيرا نظرا  لصعوبات الوصول لانتشال الأفكار الأساسية التي تهمه من المراجع المتنوعة في الموضوع،  وكذا لتحديد مختلف المواضيع ذات الصلة.
المناهج المعتمدة  

  لمناقشة موضوعنا هذا ارتأينا استعمال:  

 المنهج القانوني المؤسساتي، لدراسة الآليات القانونية والمؤسساتية المعتمدة في التأسيس وتفعيل  التسويق الترابي وتقوية دوره في الجماعة المقاولة والتنمية الترابية المنشودتين؛  

 المنهج الوظيفي الذي نرصد من خلاله دور الدولة والمؤسسات والجماعات الترابية في إعمال  آليات التسويق الترابي، والقطاع الخاص المتمثل في المقاولة الخاصة؛  

 المنهج البنيوي الذي نتطرق من خلاله إلى تكوين بعض المؤسسات الوطنية والترابية، ودورها  في تفعيل آليات التسويق الترابي؛  

 المنهج التاريخي الإستقرائي، الذي نتطرق من خلاله إلى التطور الإصلاحي والتقويمي للإقتصاد  والمؤسسات والسياسات والدساتير والقوانين ذات الصلة... التي عرفها المغرب وخصوصا بعد  عهد الإستقلال وحتى الوقت الراهن؛  

 إضافة إلى بعض المناهج الأخرى المكملة كالمنهج الوصفي، الإستقرائي، ومنهج تحليل  المضمون عند استقراء الخطابات والنصوص، المنهج الإحصائي للوقوف عند المؤشرات الرقمية ورصد آثارها...

  ولمحاولة الإجابة عن الإشكالات السابقة عمدنا إلى تصميم البحث على الشكل التالي:  

الفصل الأول: المقومات القانونية والترابية للتسويق الترابي في المغرب، ورهان التنمية  المجالية  
المبحث الأول: الإطار القانوني للتسويق الترابي  
المطلب الأول: تحديث التشريع الإجتماعي  
المطلب الثاني: تطوير المنظومة التشريعية لمجال الأعمال  
المطلب الثالث: التسيير عن طريق التدبير المفوض وعقود الإمتياز وعقود الشراكة  
المبحث الثاني: الإطار الترابي والمؤسساتي للتسويق الترابي                     المطلب الأول: تطور اللامركزية وعدم التركيز الإداري التأسيس للتسويق الترابي المطلب الثاني: التسويق الترابي كآلية إستراتيجية للجماعة المقاولة  
الفصل الثاني: المقومات الإقتصادية والسياسية للتسويق الترابي، ورهان التنمية المحلية  
المبحث الأول: المقومات الإقتصادية والمالية للتسويق الترابي  
المطلب الأول: التقليص من السياسة الحمائية  
المطلب الثاني: نهج سياسة الخوصصة، والحد من الإحتكارات العمومية  
المطلب الثالث: الإصلاحات الضريبية، وتحديث المنظومة المالية المحلية  
المبحث الثاني: المقومات السياسية للتسويق الترابي  
المطلب الأول: التعديلات الدستورية والإصلاحات السياسية  
المطلب الثاني: استتباب الأمن والإستقرار آلية للتسويق والإستثمار  
المطلب الثالث: الدبلوماسية السياسية والإقتصادية آلية للتسويق الترابي

المراجع والهوامش  
[1]- هناء العلمي العروسي الإدريسي الحنسي وكوثر أمين، منازعات الصفقات العمومية على ضوء النص القانوني ووقائع الاجتهاد  القضائي المغربي، ط. 1، مطبعة طوب بريس الرباط، 2010، ص. 5.  

[2]- د. جواد النوحي، مقاربة سياسية للاستثمارات الأجنبية في المغرب، ط. 1، منشورات مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود، مطبعة  عكاظ، الرباط، 2010، ص. 18.  

[3]- نفس المرجع السابق، ص. 19. 
 
[4]- فيليب ماكمايل، العولمة أساير وحقائق، في: من الحداثة إلى العولمة رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغيير الاجتماعي، الجزء  الثاني، تأليف: ج. تيمونز روبيرتس أيمي هايت، ترجمة: سمر الشيشكلي، عالم المعرفة، العدد 310، ديسمبر، 2004، ص. 152-  153.  

[5]- ياسين الأندلسي بندحمان، حكامة التسويق الترابي وإشكاليات التدبير المجالي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الإدارية للتنمية،  كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة ، جامعة عبد المالك السعدي، السنة الجامعية: 2009-2010، ص. 19.  

[6]- د. جواد النوحي، نفس المرجع السابق، ص. 20. 
 
[7]- د. جواد النوحي، نفس المرجع السابق، ص 135.  

[8]- د. محمد بن هلال، المؤسسات والتنمية وصيرورة الإصلاح المؤسساتي بالمغرب، طنجيس، مجلة القانون والاقتصاد، العدد 10/  2011، ص. 82، 83.
 
[9]- بهيجة هسكر، الجماعات المقاولة بالمغرب (الأسس، المقومات والرهانات) ط. 1، مطبعة طوب بريس، الرباط، 2010، ص. 3.  

[10]- محمد اليعكوبي، المبادئ الكبرى للحكامة، مساهمة في الندوة التي نظمتها كلية الحقوق بطنجة، يوم 21 و22 مارس، حول موضوع:  من الحكومة إلى الحكامة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 56، 2004، ص. 13.  

[11]- بهيجة هسكر، نفس المرجع السابق، ص. 68.  

[12]- يعرف الإقتصاديون السوق بأنها مكان نظامي أو فرضي يتم فيه تبادل السلع والخدمات المختلفة. إلا أن هذا التعريف ليس كافيا  بالنسبة لعملية التسويق، إذ أنه يستحيل تعريف السوق بمعزل عن الفعاليات التي من شأنها أن تتدخل في هذه السوق. وتكون هذه  الفعاليات كثيرة وقليلة التجانس، تشمل: المنافسين، الموزعين والمستهلكين....، وفي التسويق تستخدم كلمة السوق للدلالة على معنيين  مختلفين لكن متكاملين: المعنى الضيق والمعنى الواسع. يستخدم الضيق مصطلح السوق لوصف مبيعات سلعة أو خدمة، بينما يشير  المعنى الواسع إلى مجمل الفعاليات التي تتدخل في السوق، بما أن حالة التسويق ترتكز على إرضاء الزبون فمن الضروري أن تعرف  مجلة جغرافية المغرب  المؤسسة سوقها سواء بالمفهوم العام أو المفهوم الضيق.

المرجع: 

كاترين فيوم، التسويق، ترجمة وردية واشد، ط. 1، مجد  المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2008، ص. 15.  

[13]- كاترين فيوم، التسويق، ترجمة وردية واشد، نفس المرجع السابق، ص. 7- 8.  

[14]- بهيجة هسكر، نفس المرجع السابق، ص. 69. 
 
[15]-  نفس المرجع، ص. 70. 
 
[16] - Chakor (A), Le Marketing territorial au servies de la bonne gouvernance locale, REMALD, série :  Managements Stratégiques, n° 5, 2004, p. 165. 

[17] - Ben Abdelkader (M), La Communication des collectivités locales, REMALD, n° 19, décembre,  2004,  P. 117.  

[18]- Vincent Gollain, Réussir son marketing en 9 étapes, aout 2008, P. 4.  

[19]- آمال بلشقر، التسويق الترابي دعامة أساسية للتنمية الجهوية المندمجة، مجلة دراسات ووقائع دستورية وسياسية، العدد التاسع،  2013، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ص. 72- 73.  

[20]- بهيجة هسكر، نفس المرجع السابق، ص. 16.  

[21]- آمال بلشقر، التسويق الترابي دعامة أساسية للتنمية الجهوية المندمجة، نفس المرجع السابق، ص. 78.  

[22]- ياسين الأندلسي بندحمان، حكامة التسويق الترابي وإشكاليات التدبير المجالي،نفس المرجع السابق، ص. 15- 16.  

[23]- آمال بلشقر، نفس المرجع السابق، ص. 79.  

[24]- د. كريم لحرش، مغرب الحكامة، التطورات، المقاربات والرهانات، ط. 2، مطبعة كوب بريس، الرباط، 2011، ص. 195- 196.  

[25]- Hassan Azouaui, Le Marketing Territorial et Gouvernance Locale au Maroc, publication de la revue marocaine d’audit et de dévloppemet, série : management stratégique N° 7, 2005, p. 190.  

[26] - إدريس الكراوي وفيليب كليرك، مقدمة عامة لؤلف جماعي: الذكاء الترابي، والتنمية الجهوية بواسطة المقاولة، تجارب دولية مقارنة،  إشراف إدريس الكراوي وفيليب كليرك، ط. 1، مطبعة البيضاوي، 2012، ص. 12. 
 
[27]- Intelligence Territoriale, dossier de veille, Aquitaine Europe Communnicatin, N° 24, 2006, p. 1. Sur :  www.aecom.org/glog.  

[28]- آمال بلشقر، نفس المرجع السابق، ص. 76.  

[29]- د. نصر محمد عارف، نظريات التنمية السياسية المعاصرة، دراسة نقدية مقارنة في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، منشورات  الدار العالمية للكتاب الإسلامي بالرياض و المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفيرجينيا، سلسلة الرسائل الجامعية، عدد 6،  ط. 2، 1994،  ص. 57.  

[30]- د. محمد ياسر الخواجة، علم اجتماع التنمية المفاهيم والقضايا، ط. 1، دار ومكتبة الإسراء للطبع والنشر والتوزيع ، 2009، ص.5. 
 
[31]- د. عبد اللطيف بروحو، مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات الساعة، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية  والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، العدد 70، ط. 1، مطبعة دار النشر المغربية، 2011، ص. 305- 306. 

[32]- جواد أبو زيد، قراءة في مفهوم التنمية، نقلا عن الموقع الإلكتروني:     www.nibrasschabab.com. 

 [33]-  نقلا عن الموقع الإلكتروني:     www.tanmia.ma  

[34- د. المهدي بنمير، الجماعات المحلية بالمغرب ومسألة التنمية المحلية، سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية، المطبعة والوراقة  الوطنية، مراكش، 1995، ص. 4.  

[35]- يونس سلامي، الشراكة قطاع عام - قطاع خاص، (التوجه المغربي على ضوء التجارب المقارنة)، ط. 1، مطبعة طوب بريس،  الرباط، 2001، ص. 7.  

[36]- منير الحجاجي، التنمية المحلية التشاركية، مقاربة لدور المشاركة في إحداث التنمية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون  العام ، وحدة: تدبير الإدارة المحلية، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم  القانونية والإقتصادية والإجتماعية، سطات، السنة الجامعية:  2006-2007، ص 42.  

[37]- منير الحجاجي، التنمية المحلية التشاركية، مقاربة لدور المشاركة في إحداث التنمية، نفس المرجع السابق، ص. 24.  

[38]- الرابط الإلكتروني:
http://hadrani- gouvernancelocaledvp.blogspot.com/2010/10/blog- post_23.html  

[39]- Abdelhay Benabdelhadi et Sanaa Moussalim, Le Marketing territorial Ca de la région de l’Oriental,  REMAD,  collectin Manuels et Travaux Ubiversitaires, n° 93,1 er  édition, 2012, p. 25- 30.
  
[40]- د. كريم لحرش، نفس المرجع السابق، ص. 169.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا