التسميات

آخر المواضيع

الثلاثاء، 7 مارس 2017

تاريخ مدينة سوق الشيوخ وعشائروها ج 2 - أياد علي الحسيني ...


تاريخ مدينة سوق الشيوخ وعشائروها ج 2

أياد علي الحسيني


شبكة أخبار الناصرية - مقالات -  9 - 7 - 2016 


   قامت على هذه البقعة الجغرافية التي تقوم عليها مدينة سوق الشيوخ حاليا سلالة اور واريدو وكيسيكا التاريخية، التي اكتشف آثارها الفرنسيون عام 1877, وهذه السلالات نشأت في العصر السومري، وكان لها دورٌ بارزٌ في عصر فجر السلالات. أول من أسس سلالة اور (اورنمو), ومن هنا يظهر انه في عهده نالت هذه المدينة أهمية ومنزلة وسلطة, ولا يُعرف كيف تبوأ عرش الملك أبالوراثة من احد أقاربه, أم انتهى إليه على أثر ثورة في المدينة. 


 ومن أعماله تجديد بناء سور اور لتعزيز حصونها عند نشوب الحرب, ولا يظهر هذا الملك في تاريخه بمظهر فاتح او غاز,بل تدل أعماله على انه كان مصلحا وميل إلى الحضارة وسعادة ملكه( ).وكانت اور تحت سيطرة ملك لكش عندما كانت تتبع الحكم السومري واشتهر احد حكام المملكه السومريه وهو أوركاجينا بالإصلاحات الاجتماعية, فهو أول مشّرع في التاريخ سبق حمورابي بعدة قرون، وكان من بين الحكام البارزين في هذه المدينة الملك كوديه الذي قام بأعمال باهرة ولاسيما الأبنية التي شيدها والهياكل التي جددها والمعاهد التي أقامها, ونشطت الصناعة والتجارة في عهده( ). وبعد وفاة جوديا تولى عرش لكش والبلاد السومريه ابنه أور ننكر، الذي سوّر وعمّر بعض الأبنية، ومن المحتمل انه اضطر إلى التنازل عن العرش الذي ارتقاه بعده اورابا ثم اضمحلت لكش إلى مدينة إقليمية تابعة لدولتة أكد( ).

  ويمكن أن ننوه في هذا الصدد إلى المدن السومرية التي شيدت على ارض لواء المنتفق( ) (محافظة ذي قار حاليا)، إذ كان البحر يصل بقرب الشطرة من الشمال إلى جوار الناصرية، ولا تزال أطلالها باقية تدل على قدم عهدها التي تسبق الميلاد بأربعة آلاف سنة( ).

  بحكم كل ذلك أصبح من الطبيعي أن تزخر المنطقة بمواقع أثرية مهمة، وهي تسجل الحقب الحضارية والأثرية للأقوام التي سكنت هذه المنطقة في العصر السومري، وحتى العصر الإسلامي، إذ تقع في هذه المنطقة مواقع آثارية سابقة على بابل و نينوى التي اكتشفها المنقبون في سبعينيات القرن التاسع عشر( ).

  وعندما قامت الدعوة الإسلامية انبرى المسلمون الأوائل لتحرير العراق من الهيمنة الساسانية التي دامت سيطرتها عليه مدة أربعة قرون, ونظرا لتوقع كسرى أن يتقدم الجيش العربي الإسلامي شمالاً، فقد اختار كيسيكا (تل اللحم ) قرب الخميسيه – ضمن مدينة سوق الشيوخ حاليا - لإيقاف تقدم خالد بن الوليد وتدمير جيشه، وبلغ عدد قوات المسلمين كما يقدرها المؤرخون حوالي خمسة عشر ألف مقاتل، وحدثت المعركة في الأسبوع الثالث من صفر عام 12هـ( ) ( أوائل أيار عام 633م) ( )، وانتهت لصالح العرب المسلمين، وانهزم الفرس في هذه المعركة، وقد أسهمت القبائل العربية في العراق وتحديدا في هذه المنطقة في القتال إلى جانب الجيش العربي الإسلامي.

  وخلال العصرين الأموي والعباسي كانت هذه البقعة ضمن منطقة كسكر(مدينة تقع بين الكوفة والبصرة ، وقصبتها واسط: )التي تذكر المصادر التاريخية شيئا غير قليل عنها، ثم تشكلت خلال هذه الحقبة التاريخية إمارة عمران بن شاهين( ) في البطائح أواسط القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وظلت عامرة حتى أوائل القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي( )، وفي القرن الثامن الهجري/ القرن الرابع عشر الميلادي، استوطنت قبيلة (عبادة)( ) الأراضي المسماة اليوم محافظة ذي قار, والتي كانت تمتد إلى بزايز نهر الأخيضر المشهور بنهر الدجيلة، وتعد قبيلة عبادة من أوائل القبائل التي سيطرت على هذه المنطقة( ) التي سكنتها أيضا عشائر أخرى مواليه لها.
أما بالنسبة إلى إمارة ربيعة فكانت منازلها منذ العصر الجاهلي مرورا بالعصر الإسلامي تسمى ديار ربيعة, وتسمى أحيانا أخرى بديار بكر، وهي ديار بكر العراقية الواقعة ضمن الأراضي التركية حالياً، وسكنت ربيعة هذه الأراضي حتى المرحلة التي نتحدث عنها، ثم نزحت جنوبا إلى مناطق إمارة عبادة الذين كانوا يسكنون الدجيلة. وبدأت الخصومة بين القبيلتين (عبادة وربيعة) عندما نزلت قبيلة ربيعة في أراضي قبيلة عبادة. وهذا الأمر أدى إلى اعتقاد قبيلة عبادة بأن قبيلة ربيعة تهددهم في عقر دارهم. وقد استقر أمراء ربيعة في جزيرة أم عبيدة – وهي الآن جزيرة سيد احمد الرفاعي– وهي بين فرعي دجلة (الغراف ودجلة العوراء)، الذي يسير جريانه مرورا بالعمارة . وحدثت المعركة بين القبيلتين في منطقة صدر الغراف، فكانت حرباً ضروساً بينهما. ودامت هذه المعركة عدة أيام , وانهزمت قبيلة ربيعة فيها وخسرت خسائر كبيرة من أفرادها، وانتهت بأجلاء ربيعة من ديارهم. وبعد هذه الهزيمة استقرت قبيلة ربيعة في ديار بكر منازلهم السابقة( ).

  وبعد رجوع قبيلة ربيعة إلى ديارهم السابقة شمال الموصل، أمر أمير ربيعة وهو من بيت كليب (آل سراي حالياً) بزواج رجال القبيلة، واستمروا جيلاً كاملاً حتى نشأ جيل جديد من الشباب، عندها قرر أمير ربيعة وعشيرته الارتحال لأخذ الثأر من قبيلة عبادة( )، فطلب أمير ربيعة الذهاب إلى عشيرة (بني صخر) ( ) وطلب المعونة من شيخهم عفريت بن شجير في حربهم ضد قبيلة عبادة، وهؤلاء القوم – أي بني صخر- أبلوا بلاءً حسنا في حربهم إلى جانب قبيلة ربيعة ضد عبادة.

  ونظرا لخوف أمير ربيعة من شدة بأس عبادة, وقوة مراسها بالحرب طلب المساعدة من المعز السنجري( ) رئيس عشيرة العبودة( )، التي كانت تسكن في جبل سنجار وباديته، ولم يكن طلب المساعدة هذه اعتباطا, فأن أمير ربيعة والمعز السنجري أبناء عم، لأن السنجري وعشيرته ينتسبون إلى بكر بن وائل، فيما ينتسب أمير ربيعة وقبيلته إلى تغلب بن وائل هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان المعز السنجري وعشيرته كانوا معروفين بشدة بأسهم في الحروب، وعلى أثر ذلك ارتحل السنجري وعشيرته مع ربيعة وأميرها، وقد تخلف عن الارتحال معهم بعض أبناء عمومته، متجهين إلى ارض عبادة لأخذ الثأر منهم، ويقول عبد الأمير آل عيسى:

"إن إحدى حكومات الطوائف في تلك الفترة قد ساعدت قبيلة ربيعة في هذه المعركة، إذ قامت عشائر ربيعة وعشيرة السنجري بسد نهر الأخيضر (نهر الدجيلة) من أعاليه"( ).

  وأرسل أمير ربيعة جماعات استطلاعية إلى أراضي عبادة، ووجدوها تقوم بإحداث صدر جديد للنهر المذكور. فعقد أمير ربيعة مجلسا لاتخاذ قرارا بالهجوم على قبيلة عبادة، وكان رأيه مهاجمة منازل عبادة لأنهم مشغولين بكري النهر من الدجيلة إلى أسفله. أما المعز السنجري ويلقب أحيانا "بالأجرد"( )، فكان رأيه مخالفا لرأي الأمير وهو مهاجمة رجال عبادة لأنهم جاءوا من أجل قتالهم وليس تركهم ومهاجمة منازلهم، لان السلب والنهب وملاحقة النساء يلهيهم عن الدور, أو العمل الذي جاءوا من أجله ألا وهو محاربة عبادة. وكان يقدر أعوانه بخمسمائة مقاتل، وبدأت المعركة بين الفريقين (عبادة وربيعة)، وكان المعز السنجري، بطل هذه المعركة هو أبلى بلاءً حسنا في محاربة قبيلة عبادة، ولولاه لما انتصرت ربيعة على عبادة انتصارا أدى إلى انكسارها، إذ استمرت المعركة يوما واحدا خسرت خلالها عبادة عددا كبيرا من أفرادها، لتلتجئ إلى بطيحة الحمار (هور الحمار)، وهناك استقروا حتى الآن( ).التي كانت تابعه لسوق الشيوخ آنذاك.

  لم يكن عهد ذاك طويلاً، إذ سرعان ما أخذ النهر بالنضوب وتدفقت المياه ( )، لنهر الغراف فارتحلت عشائر ربيعة السبع، واستوطنت إحداها وهي عشيرة أمير ربيعة (الإمارة) على ضفاف دجلة، أما العشائر الباقية فقد انتشرت على الغراف وسكنت عشيرة السراج أسفل عشيرة الإمارة في أعالي نهر الغراف، ويلي السراج مياح ثم بني ركاب على الغراف، أما العبودة وبني عمير والزرﮔﺎن فاستوطنوا في مكانات شتى من ذي قار واغلب هؤلاء وخصوصا الزركان سكنوا سوق الشيوخ اما اعباده بعد ان انهار سد الطوفه بالحمار نزحت عشرات الاسر والعشائر ومن بينها عباده نزحت الى سوق الشيوخ لتسكن في منطقة بعيدة عن مشاكل العشائر حيث اتخذوا غرب الناصرية سكنا لهم وشقوا ترعه من الفرات تعرف بنهر عباده ومنهم من سكن البصرة وباعداد هائله. ( ) .

  استنتج من هذه الدراسة الجغرافية التاريخية دروسا لأقول أن سوق الشيوخ مدينة صغيرة ككل مدن العراق، عدا الحواضر منها، وهي تقع الى جنوب خط عرض 32 على ضفاف نهر الفرات تحيط بها مسطحات مائية تجعلها شبه جزيرة، وترتبط ضفتا النهر بجسر خشبي ومع مرور الزمن إستمر النهر بالتقلص حتى أن المرء ليعبره الآن خوضا لضيقه وضحالته، وهو الذي كنا نراه بحرا عميقا يتبارى الرياضيون بعبوره سباحة . أقرب مدينة لها شمالا مدينة الناصرية وهي مركز المحافظة، وسوق الشيوخ إداريا قضاء تابع لها. يتبع القضاء كل من نواحي العكيكة والجبايش وكرمة بني سعيد. وقد تغير هذا التقسيم الإداري لاسيما بعد ليواكب التوسع في النواحي وتشعبها . أهل المدينة بين تاجر وحرفي يتبادلون المنافع الإقتصادية في ما بينهم ومع المجتمع الريفي المحيط بمدينة سوق الشيوخ والذي يقدر عدد أهله بأضعاف سكان المدينة.

  يقع القسم الأعظم من المدينة الى الجانب الغربي من الفرات. أما الجانب الشرقي فمقتصر على أهل السوق من الصابئة المندائيين ونسميه صوب الصبَه . والى شمال المدينة تبدأ البساتين في غرب الفرات تمر خلالها ثلاثة أنهار أو قنوات يغذيها الفرات. أولها الرزاقية الواقعة جنوب المدينة وقد سميت على إسم قائمقام المدينة حينذاك وهو عبدالرزاق حلمي. والثانية الى شمال المدينة وهي قناة الدكسنية وإسمها مشتق من ديكسون الذي كان حاكما بريطانيا للمنطقة سابقا، وقد طمرت هاتان القناتان فيما بعد. وإلى شمال الدكسنية تقع قناة البدعي والثالثة، وهي الأبعد قناة (علثة) التي تسير من الفرات الى جانب ساتر ترابي ينتهي عند طريق السوق ــ الناصرية الذي يبلغ طوله 28 كم مرورا بأم العباس فالفضلية فالخضر. أما الى الغرب من المدينة فهناك بركة واسعة من الماء. المنحسر من الفيضانات نسميها البركة وهي مرتع لقطعان الجاموس، حيث يسكن أصحابها من النواشي بالقرب منها، و الجاموس من فصيلة الابقار كأنه ثور ضخم اسود الجلد ثقيل الحركة يتواجد قرب المياه حيث يمضي معظم الوقت غاطساً لتبريد جلده، وهو مصدر مهم للحليب و مشتقاته،و المعروف ان القائد الاسلامي موسى ابن نصير(1) هو الذي ادخل الجاموس الى المنطقة حيث الاهوار خلال الفتح الاسلامي للهند الموطن الاصلي للجاموس، وقد استقر الجاموس في اهوار جنوب العراق ثم انتشر وراء مصادر المياه . أما الى جنوب المدينة فتمتد بساتين النخيل الوارفة الى النواشي وكرمة بني سعيد وآل جويبر حتى يتصل الفرات عند الطار بهور الحمّار.

  أن موقع المدينة القريب من حافة هورالحمار جعل منها شبه جزيرة في موسم الفيضان تربتها طينية إسفنجية مالحة لا تسمح بزراعة رقيقة، لهذا إستأثرت النخلة المباركة بمساحة واسعة من المنطقة بسبب تحملها و صلابة عودها.

   يضم الجانب الغربي من المدينة القديمة الديرة التي ترتفع قليلا عن حي الإسماعيلية الحديث. وفي الديره أربعة أحياء هي الحضر، الحويزة، البغادة والنجادة. أما الجانب الشرقي فهو صوب الصبّة . والقسم القديم من المدينة مكتظ بالبيوت القديمة التي تربطها أزقة ضيقة درابين ولها سبعة مداخل يتوسطها سوقها التجاري وسوق المدينة شريان حياتها ومركز الحركة الإقتصادية فيها. كنت أسمع وأنا صغير أن صاحبه رجل يهودي من أهل الناصرية أو من بغداد وإسمه دانيال وقام الناس بتحريف الإسم فكانوا يسمون السوق بأنه سوق دانير وكان الناس يصفون بالمبالغة شخصا بأنه إبن دانير للسخرية منه عندما يكون مسرفا رغم ضيق ذات يده.

  يبدأ السوق من محلة الحويزة والحضر وهي تؤدي بإتجاه معاكس جنوبا الى الثكنة وكانت الساحة تستخدم أيام الأعياد فتنصب فيها المراجيح ودولاب الهوا ويمكن لمن يرغب أن يستأجر الحمير لركوبها بأجر زهيد من هناك. يضم أحد هذين الفرعين الجامع الكبير وسوق الصفافير للذين يعنون بطلي القدور النحاسية بالقصدير. والفرع الآخر فيه بعض باعة الكتب والمجلات والصحف. وهناك قسم يتفرع الى الشمال وكان مسقوفا ويسمى قيصرية وعلى جانبيه دكاكين صغيرة ومتوسطة وبعض الخانات جمع خان وفيه أيضا مقهى ومحلات لبيع التبوغ وعطارين ومخازن لبضائع مختلفة كالملابس والأدوات المنزلية وتسمى خردة فروش وهي كلمة فارسية. في هذه المنطقة من السوق تقع تفرعات الى يمينه ويساره، أما التفرعات إلى اليمين فتؤدي إلى محلة الحويزة والى المدرسة الإبتدائية والى حمٌام المدينة الذي يزدحم بزواره في الأعياد. كنت أسمع الناس يقولون أن العيد تسبقه مناسبتان، أحداهما أم الحللٌس والثانية تسمى أم الوسخ. يقصد أن زيارة الحمٌام قبل العيد هي عادة ربما كان صاحبها يؤديها مرة واحدة في العام بهذه المناسبة .

تاريخ مدينة سوق الشيوخ في عهد إمارة المنتفق 1530 م - 1918 م

   ثم تبدل اسم السوق إلى سوق النواشي، وربما يكون محرف من كلمة (مواشي)، ان سوق الشيوخ لم تشيد الا بعد سنة( 1781 م- 1196 هـ)،أي مركزا ثابتا لمهمات الشيوخ المذكورين، ومخزنا لذخيرتهم، وملجأ حصينا يلجاون اليه عند الحاجة، وخطط لهذا الغرض عمارة على الضفة اليمنى من الفرات في موضع يبعد عن الناصرية غربا 30 كيلومترا. يذكر النبهاني في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية (((وإن أول من اختطه رئيس المنتفق، الشيخ ثويني بن عبد الله زمن إمارته الممتدة من الغراف إلى البصرة إلى قرب الكويت)). لأنه لما أصبح نفوذه سائداً على كثير من عشائر العراق ونجد. وكان معه في زواته سوق متنقل معه. وهو عبارة عن خيام فيها تجار وباعة ينزلون قريباً من الأعراب إذا خيموا. فتقوم سوقهم ويعرضون فيها ما يحتاجون إليه من الألبسة والأواني وأنواع الأثاثات. ويتعوضون بدلها (الوبر. والصوف. والشعر. والدهن) ونحو ذلك ـ وإنه يوجد مثل هذا السوق إلى يومنا هذا مع القبائل الرحل ـ ثم إن عشائر الشيخ ثويني رغبوا في أن تقام لهم سوق دائمية قريبة من الفرات. فأمر الشيخ ثويني أصحاب سوقه المتنقل معه بالإقامة في الصقع الذي يرى فيه اليوم (سوق الشيوخ) لطيب مائه في ذلك الزمن بالنسبة لما جاوره ولكثرة مرعاه فخطط السوق من ذلك الحين ونسب إليه. فما انتهت المشيخة إلى الأمير حمود بن ثامر السعدون تظإهر بالارتياب من الحواضر، وكانت الحكومة العثمانية تعمل يومئذ على توسيع الحركة العمرانية في جنوبي العراق ثم اتسعت رقعة السكن الدائم بأتساع النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتوافد التجار والحرفيين على المدينة فظهرت المحلات على الأساس المألوف في المدن الإسلامية وقسمت على أساس الانحدارات وفي القرن العشرين توسعت، فهناك عبر النهر محلة الصابئة الذين جاءوها من ميسان والعماره من الحرفيين، وعملو في الحدادة والنجارة وا الصناعات المعدنية كالحلي وصناعة الزوارق، فأنتعشت المدينة بنشاطهم، وأمست منتجة. وهناك محلة الإسماعيلية في المنخفض الغربي للمدينة.

تاريخ مدينة سوق الشيوخ الحديث

  وعين أول قائم مقام عراقي بعد تكوين الدولة العراقية عام 1921 م وهو صالح الحجاج. وما زالت المدينة تحتفظ بمسميات معالم أندثرت كما مثلا خان العجم، حيث أمه الأيرانيون على المدينة حتى أصبح لهم قنصل فخري لحكومة إيران فيها، وهو المدعو محمد علي البهبهاني. وحينما نمر اليوم في بداية الزقاق المؤدي إلى دار العرفج في محلة النجاده تجد آثار الكنيس اليهودي(التوراة)،وما زال الناس يتذكرون شيخهم المدعوا الياهو يعقوب القماش. وكان لسوق الشيوع أخبار خلال ثورة العشرين وأشتهر بعض أعلامه ممن شارك فيها مثل الشيخ باقر حيدر والشيخ محمد حسن حيدر.

  وفي عام 1935 م كانت الانتفاضة في المدينة دعما ومساندة لما حصل في الفرات الأوسط. ويصفها عبد الرزاق الحسني خلال تلك الفترة بأنها عبارة عن غابة من النخيل وبؤرة من المستنقعات تجعل الهواء فيها وخما والحا لة الصحية غير مرضية، إلا أن السلطات الإدارية قطعت في السنوات الأخيرة، ولا سيما في عام 1935 م، مساحة كبيرة من النخيل المذكور ودفنت بعض المستنقعات محولة إياهـا إلى حدائق حدائق عامة وارباض واسعة ومبان. فتحسنت البيئة ونتعشت الحالة الصحية إلى حد ما، ثم أنشأ مشروعا للكهرباء واخر للماء، ومدت جسرا عبر النهر لتسهيل المرور، وفرشت بعض الشوارع بإلاسفلت وهدم للأسف سور الطين الذي كان يحيط بها. وكانت في (سوق ا لشيوخ) سوق قديمة أحرقها الثوار في انتقاضة عام 1935 م فجددها أصحابها كما أنشئت فيها في الخمسينات دوائر حكومية للشرطة والإدارة المالية والطا بو والمحكة، ومدارس، وناديا للموظفين الخ...

  وإبان تلك الحقبة تطورت المدينة اجتماعيا ودب فيها انفتاح وعمت بها الأفكار الشيوعية، وهكذا عجت المدينة بحركة فكرية وتجاذب بين جانب محافظ وآخر ثوري منعتق. وحسبت المدينة طائفيا وسياسيا ضد سلطة البعث، حيث عانت المدينة بعدها من الإهمال خلال الحقب اللاحقة. وربما يكون هذا سببا كافيا لأن تشتعل بها شرارة انتفاضة شعبنان عام1991 م، وهكذا دفعت المدينة الثمن غاليا بأبنائها وعمرانها، حتى لنجدها خربة اليوم.

الآثار في المدينة

  تضم محافظة ذي قار كم كبير من المواقع الأثرية وبعد إجراء عمليات المسح الأثري للمحافظة في أعوام 2005 و 2008 و 2010 التي أجرتها مفتشيه أثـــــار ذي قار ’ وقد وصل عدد المواقع الأثرية إلى ما يقارب من 1200 موقع أثري.

  وعند زيارة الدكتور هنري رايت أستاذ آثار الشرق في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الناصرية في تموز 2003 قال بأن علماء الآثار في الغرب يطلقون على الناصرية أسم متحف الآثار العالمي ’ لما تضم من عدد كبير من المواقع الأثرية المهمة وعدد المواقع في ذي قار هي أكثر من أثار فرنسا و ايطاليا مجتمعتان.

  أما الحقبة التاريخية لهذه المواقع الأثرية فهي مختلفة تبدأ في أولى بدايات القرى الزراعية وعصر دويلات المدن السومرية الأولى في غضون ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد عندما كان بلاد وادي الرافدين مقسم إلى مدن ودويلات عامرة بمبانيها ومعابدها وأسوارها , وقد كشفت عمليات التنقيب التي أجريت لهذه المواقع عن أسرار وحلقات تاريخية غاية في الأهمية وعثرنا على آثار قيمة فنية وأدبية وثقافية ودينية وهذه المدن وأطلالها شاخصة إلى يومنا هذا ومن هذه المواقع

• اريدو :ـ تل أبو شهرين , والموقع يقع غرب مدينة سوق الشيوخ ب 30 كم في منخفض الصليبيات وهى أول مدينة متحضرة في تاريخ البشرية كما يعدها علماء الآثار وهي تعود إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد ويعدها السومريون في أساطيرهم من أولى المدن التي نزلت فيها الملوكية قبل الطوفان وكذلك تعد أريدو مركزا دينيا متميز وخاصة هي مركز عبادة الإله (أنكي ) اله الماء والحكمة فصارت لذلك مدينة المعابد ومركزا دينيا لا يسكنه إلا السدنة والكهنة . والموقع منقب من قبل بعثة أثـــــار بريطانية في منتصف القرن التاسع عشر من قبل ( تيلر ) وتسمية اريدو باللغة السومرية تعني المكان الضخم.

في سوق الشيوخ.. ايشان أم العباس

  أم العباس هو ايشان سومري ركام قديم يرجع الى سنة 2112 ق م ايام سلالة اور الثالثه وكانت مدينة عامره حتى سقطت على ايدي العيلاميين سنة 2000 ق م وكانت تدعى كوتالأ او تل صفر وهي بمقربه من ايشانات تعود الى مدينة سوق الشيوخ مثل ايشان ام الحلفه(سكيكه) الذي سياتي ذكره وام الودع ايشان كبير فيه ضريح السيد نعمه الرضوي الموسوي وايشان مارو(الذي انشات عليه مدينة سوق الشيوخ) وايشان كيسيكا (تل اللحم ) وتل الجديده .

(أم العباس) ساحة شهيرة وتل كبير في سوق الشيوخ ترجع جذوره التاريخيه الى الحقبه السومريه تتربع على قلب المدينه، ولهذه الساحة تاريخ غريب ومثير.

  وأنت قادم من مدينة الناصريه باتجاه سوق الشيوخ وعلى مدخل المدينه تبعد عن مركز السوق بخمسة كيلومترات شمال غرب كانت ايشان كبير والايشان في اللغه السومريه بمعنى (تل) جاءها العرب من كل حدب وصوب ليتخذوها دار استراحه قبل وبعد الفتح الاسلامي حتى فصائل من العباسيين قضوا فيها برهة من الزمن , وفي هذا التل قيل دفن فيه العديد من الرفاة حتى باتت مقبره بحالها , وجاءتها المراكب العثمانيه ليتخذوها مرسا لهم يوم كان فرع من الفرات على مقربة منها وتوالت عليها الهجرات حتى مر بها الغزاة الانكليز ذات مره فلم يخلفوا غير الاثم والعدوان واتحذوها مركزا لقيادتهم ردحا من الزمن حتى ثورة الطاعون عام 1916 التي تزامنت مع (سنة لوعه) فغادروها .

  بدأت هذه الساحة بممارسة وجودها (كمقبرة) لضحايا مرض الطاعون الذي اجتاح سوق الشيوخ وضواحيها آنذاك ، ولقد أشار الشعراء الى ام العباس كمقبرة، وفي جوعٍ أصاب العراق نهضت المقبرة من وجودها كفندق للموتي حين تناخى أخيارها من عشائر المجره وبني خيكان والتجار وحولوها إلى ساحة للطبخ , فجاءت القدور لتجتمع في هذه الساحة المقبرة، فاُشعلت النيران وفارت القدور لوأد الجوع، فانتصرت عشائر سوق الشيوخ وتحالفت فيما بينها بالامام العباس لأبعاد شبح الموت جوعاً، ومنها أخذت هذه الساحة اسمها أم العباس بشكل رسمي ، فكانت (وليمة في مقبرة) كما يصفها العلامه المرحوم عبد الرزاق الحسني كتابه (العراق قديما وحديثا)، من هذه الساحة وبأمومتها تعلّمت عشائر سوق الشيوخ درسها الأول في (الطيبة وحسن المعشر وإكرام الضيف، والابتسامة وروح المسامحة)،زيادة على كرمها السابق المميز فإذا كانت سوق الشيوخ ثغر بوابة بادية العراق فام العباس أسنانها الناصعة، لكن هذه الساحة ببعدها الهندسي على مستوي الأرض لا يمكن ان تقاوم كل هذا الزحف بأبعاده الزمنية للوصول إلى البعد الرابع لاقتلاعها من الذاكرة السوكاويه وها هي المدينه تاتي زحفا شيئا فشيئا لتقابل ام العباس من جديد نتيجة عمرانها وتطورها . الف سنة رحل عنها الفرات رويدارويدا .متجه إلى جهة الشرق بسبب الاهمال الذي اصاب ساحة ام العباس التي تحطمت الساحه الكبيره التي كانت بارزه حتى سنوات الأربعينات وإزيلت الساحة بحجة لامبرر لها. وانطوت صفحتها كساحه وبقيت مقبره الى يومنا هذا ولكن بعد قدوم السيارات بشكل واسع قام الاهالي بنقل موتاهم الى النجف الاشرف او بعض المقابرالمحليه مثل مقابر الخميسيه وتل اللحم (كيسيكا) , .. لأقتربَ اكثر فالقلم يضغط عليّ، وأنا أتابع اخبار سوق الشيوخ من بعيد ، فيما البوح في ايشان أم العباس... حيث كانت تلتقي العزاءات الحسينية لإتمام دورتها الطقسية، مواكب حسينية بالزنجيل والقامات والدماء،وتحولت هذه المراثي إلى سوق الشيوخ تلك المدينه العريقه. ولم تمانع لافي العشائر ولافي المدن لافي وقت الاحتلال الانكليزي ولا في الملكية حتى مجي البعثيين فصارت الساحة الأم شاهدة لأعواد المشانق، فاعدم في ام العباس عشرات الشباب في ابان الحرب العراقية الايرانيه وفي الانتفاضة الشعبانيه واصبحت ام العباس مقابر لهؤلاء الشباب لتكن أم العباس قلبا جامعاً لذي قار هي رحم العراق وثغره ونحره ، وجِيده الذي تؤطره حباله الُجنّب وأشرعة الحب ، لا المسد.. فأم العباس ليست حمّالة للحطب.. وما فيها قدورها نار للحرب والموت ..

إنها ساحة الحب والسلام .. فدعوها تقرع نواقيس العاشقين دوما.

آثار نجد الكرماشية

"اكتشفت نخبه من المنقبين موقعاً أثرياً جديداً في محافظة ذي قار بالقرب من قضاء سوق الشيوخ (30 كم جنوب شرق الناصرية) يحوي على آثار تعود للعصر البابلي 1700 إلى 1157 قبل الميلاد".

  أن الموقع عبارة عن "تل مقسوم إلى قسمين الأول هو نجد الكرماشية وهو موقع أثري معروف ومتثبت في جريدة الوقائع الرسمية منذ العام 1957"، مشيراً إلى أن التنقيب الجديد فيه أسفر عن "العثور على وحدة بنائية تميزت بضخامة جدرانها زينت بأعمدة حلزونية الشكل "عثرت إلى الشرق من تلك البناية على وحدة بنائية أخرى تميزت بضخامة جدرانها أيضاً"، مؤكداً أن الفرق "عثرت في إحدى غرف تلك البناية على أربع دكات مستطيلة الشكل ومجموعة من القطع الأثرية مختلفة الأشكال والأحجام تعود للعصر البابلي الوسيط" وتمتاز آثار ذي قار بتنوعها بحسب تنوع الحضارات التي سكنتها بدءاً من العصر السومري والأكدي والاخميني والفرثي والسلوقي، مروراً بالعصور الإسلامية، ولم يكتشف منها حتى الآن إلا نحو خمسة بالمئة، وتعاني من الإهمال.

تل اللحم (كيسيكا)

* تل اللحم :ـ تسمية محلية للموقع , والاسم القديم ( كيسيكا) والموقع عبارة عن مستوطنة سومرية ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ.

  لم ينقب الموقع بشكل نظامي بل أجريت به حفر أختبارية لغرض معرفة الموقع من قبل تيلر عام 1855م وأجريت مفتشيه آثار ذي قار مجسات في ذلك الموقع عام 2005م وعثرة على طبقة تعود إلى العصر البابلي القديم وبها قبور عبارة عن جرار بداخلها الجثة وإن عذا التل الاثري يقع على الحدود الغربيه لهور الحمار وعلى مسافة 38 كم جنوب شرق اور, ويعتقد انه من مخلفات مدينة (كيسيكا) السومريه, وقد وجد بين الاطلال اثار مستوطن سومري واسع يرجع الى عصر فجر السلالات, والراجح ان هذا المستوطن اقيم فوق قرية اقدم عهدا تعود الى عصور ماقبل التاريخ . وكان هذا المستوطن يقع على ضفاف نهر الفرات القديم او على احد فروعه المندرسه فرع ايدن نون الذي انشاء في حوالي الالف الثالث قبل الميلاد و الذي تصب مياهه انذاك في اهوار الكرماشيه اليوم وقد اندرس هذا النهر منذ اكثر الف سنة. . والتل يقع اليوم قرب النهر الذي عرف في العهد الإسلامي باسم (كري سعده) ويقع تل اللحم على طريق ناصريه بصره ويرتفع عن مستوى سطح البحر بثلاثين متراً وتقع بقربه مقبرة حديثه انشات في عان 1985م .

تل الجديدة

  هو ايشان بارز في الاهوار الغربية لهور الحمار قبالة تل اللحم كان مكتضاً بالسكان المهاجرين العرب قبل الاسلام واضمحل هذا الايشان قبيل دخول الاسلام والان هو مرتفع في صحراء بعد تجفيف الاهوار سنة 1991م الان تسكنه او بالقرب منه مربي الجاموس لوجود مياه قريبة إليه .

تل سكيكه(ام الحلفه)

   هو ايشان سومري كان بارزاً من بين مجاميع البردي والقصب والحلفه و ظهرت فيه التنقيبات سنة 1966م وعثر على بعض الجرار التي يعود تاريخها إلى عصور واغلة في القدم الى العهد السومري وظلت عامره حتى سنة 628/629 للميلاد حيث الفيضان العظيم الذي على المدينه وسكانها ومنها انقلبت المناطق الجنوبيه الى مستنقعات مستديمه وكان سكان هذا الايشان من الصابئه المندائيه بقوا هنا حتى فجر الاسلام وانهيار الايشان وموت جميع سكان الايشان وبعد عدة قرون , سكنت حول التل اسرة الساده ال بحر كنواة انطلق منها معظم اهالي هذه الاسره ليتفرقوا في السكن , وكانت سكيكه مجمع للجند او العراضيات العشائرية ردحا من الزمن حتى فتح مركز جديد للتجمع العشائري في منطقة المصافي قبالة ام الحلفه ثم نقل التجمع في سنة 1910م ليكون في منتصف العشائر وسمي سكيكه حتى عرف ب عكيكه. ونلاحظ اليوم الاسر المنبثقه من الساده ال بحر تعيش على مقربة من هذا التل ومنهم ال عفريت وال شهاب وال عليوي وال سفاح والموسى وال رخيص وال زغير وجعل مقبره لفتره من الزمن .

تل أم الودع

  يقع الايشان في منتصف الاهوار قرب سكة قطار بصره ناصريه وسكنته قبائل مختلفه ثم رحلة من بني خالد ومن بكر بن وائل وآخرين وفيه اليوم مقام السيد نعمه الذي بني سنة 1835م ثم اصبح مقبره للاطفال ردحا من الزمن , وفي الوقت الحاضر يرتبط بطريق مبلط من الايشان وحتى مدينة سوق الشيوخ.

تل الصخرية

  هو ايشان سومري قديم يرجع الى فجر السلالات يتكون من صخور قريبة بداخله لذا سمي بتل الصخريه ويقع على مقربه من سوق الشيوخ قرب جسر القطار الذي يربط السوق بطريق البصره , قامت نخبه من الاثاريين بزيارة التل ووجدت فيه اثناء التنقيبات بعض الجرار والفخاريات والرقم المكتوبه بالخط المسماري واللغه المستخدمه اللغة الاكديه.

  إن لهذه الايشانات او التلال مدلولات للسكن خصوصا في بيئة الاهوار وربما تسترسل اكثر وانت ذاهب من الناصريه الى البصره عن الطريق البري تشاهد على مد البصر من الجهة اليسرى انخفاض ملحوظ في الارض ليصل الى ثمانية امتار او اكثر من ذلك مما يدل ان المناطق كانت جميعها اهوار ا او مناطق مغمورة بالمياه ولم تظهر منها الا الايشانات والتنقل فيما بينها بواسطة السفن.

تل الخويسة

  ايشان وركام سومري قديم يقع في وسط اهوار سوق الشيوخ الجنوبيه , وبعد ان اضمحلت تلك المدينه السومريه وبعد عدة قرون خلت سكنت هذا الايشان جماعة من العرب اصحاب تربية الجاموس ومن عشائر حديثة العهد ومنهم الساده العكده الموسويه , وتقع الخويسه الاسم المحلي للايشان جنوب الكرماشيه وكذلك يسكن هذا التل جماعه من الصيامر .(وردت المعلومات من السيد حسين الموسوي في 1/3/2013)
(1) تاريخ حضارة وادي الرافدين د احمد سوسه
(2) دلتا وادي الرافدين الدتور احمد سوسه

أهم المواقع الأثرية في أهوار جنوب العراق

  كانت أهوار الجبايش والحمار والفهود تتبع قضاء سوق الشيوخ حتى حقبة الستينات من القرن الماضي لذا تعد الايشانات هناك هي ضمن التنقيبات الاثريه التي طهرت في سوق الشيوخ,
• تل أبو رباب :ــ التسمية محلية وهو من أبرز المواقع الأثرية الموجودة داخل هور الحمار , والتي تؤشر إلى بداية الاستيطان فيه بداية الإلف الثالث ق . م جنوب شرق سوق الشيوخ 45كم شرق المصب العام بحدود 15كم و30كم إلى الغرب من الجبايش , ويتكون التل من ثلاثة قمم عالية بارتفاع 10م وكانت تقع إلى جوار مجرى نهر الفرات القديم عند دخوله إلى الاهوار , ويعود التل من حيث الملتقطات إلى عصر أور الثالثة ( 2112 ـــ2006 ق.م ) وعصر أيسن لارسا ( 2017 ـ 1763 ق.م ) وأستمر السكن فيه إلى العصر الفرثي (250 ــ 226 ق.م )حيث وجدنا بعمليات المسح التي قامت بها مفتشيه آثار ذي قار أسس جدران مبنية بالآجر الفرشي , وكذلك اكتشفنا قبور فخارية أسطوانية ودائرية الشكل , والموقع غير منقب.

والآن إليكم جدولا بأهم المواقع الأثرية الواقعة في أهوار ذي قار :ــ

أسم الموقع المدينة الهور
أبو شعيب الجبايش هور الحمار
كباشي الجبايش هور الحمار
جرباسي الجبايش هور الحمار
حلاب
حمود الجبايش هور الحمار
العين
الحد
الشويعرية
أبو ذهب
الكبة
الداوودي
أبو السبوس
أم الودع سوق الشيوخ وفيه مرقد السيد نعمه الرضوي
الادهم سوق الشيوخ
الجديدة تقع جنوب مدينة سوق الشيوخ وفيها محطه للقطار متروكه
الحصين في غليوين كانت مساكن الساده ال بحر سنة 1680م بضواحي سوق الشيوخ

  وهناك مواقع أثرية عديدة في ذي قار خالية من أي أسم محلي ويسمى فقط التل أو الايشان أو الجميدة , وذلك بسبب وقوعها بمناطق نائية خالية من استيطان أو لصغر الموقع وانخفاضة .

  وقد اكتشفت مفتشيه آثار ذي قار مواقع أثرية عديدة لأول مرة فهي لم تثبت بجريدة الوقائع العراقية , ولم يصل إليها أي أحد.

  وضلت المواقع الأثرية في ذي قار طيلت القرون الماضية محمية وخالية من أي تجاوز وذلك بسبب أن سكان المواقع القريبة لها تسرد الأساطير والأرواح التي تحمي تلك المواقع واللعنة التي تلاحق كل من يتجاوز على الموقع الأثري , وربما هذه الأساطير حافظة على حماية المواقع الأثرية لقرون عديدة إلا إن التنقيبات التي حدثت في عشرينات القرن الماضي واكتشاف الذهب والقطع الأثرية ساهم في ظهور لصوص الآثار والمهربين , لكن تطورت عمليات السرقة للمواقع الأثرية بشكل واضح أثناء الحرب العراقية الإيرانية بسبب الضروف الاقتصادية وتنامي دور العصابات المنضمة وقيام سلطة صدام آنذاك بالمتاجرة في الآثار وتهريبها.

  وبعد 2003 حدثت أكبر عمليات لسرقة الآثار في العالم فلا يوجد أي موقع في ذي قار لم يتعرض للسرقة والتخريب ماعدا موقع أور الأثري.

  وسرقة تلك القطع الأثرية من المواقع يعد أمرا خطيرا فهي أخطر من سرقة المتحف العراقي في بغداد فأن جميع القطع الأثرية في المتحف الوطني لايمكن بيعها أو عرضها في المتاحف العالمية لأنها مثبته عالميا وعليها رقم متحفي , أما القطع الأثرية التي سرقت من المواقع الأثرية هاهي انتشرت في جميع أرجاء الكرة الأرضية , وأنا أعتقد بأنه لا يوجد متحف في العالم يخلو من قطعة أثرية سرقة من مواقع آثار ذي قار.

نبذة عن أسماء بعض المواقع الأثرية في الرقعه الاداريه لسوق الشيوخ في الخمسينيات:ــ

  تل أبو سباع ــ تل سكنه ــ تل بنات الباشا ــ تل أبو ريحه ــ تل عبلة ــ تل عصام ــ تل الصفر ــ تل الطاسة ــ تل حمرة ــ تل سمرة ــ تل الأبيض ــ تل الزجع ــ تل التويم ــ تل المنصورية ــ تل الثكل ــ تل بريدية ــ تل الناصريات ــ تل العلوة ــ تل أبو طريف ــ تل أبو غريب ــ تل هليل ــ تل أم الحلفة(سكيكه) ــ تل الكبة ــ تل المدفار ــ تل المنفش ــ تل السحرة ــ تل أبو ضبع ــ تل الزجرية ــ تل العطيشية ــ تل الزوير ــ تل كليب ــ تل أم ألحصاني ــ تل الصعابية ــ تل خيبر ــ تل أبو ذيب ــ تل مطرود ــ تل عباس الكردي ــ تل الصريفة ــ تل أبو طبيرة ــ تل أبو جرن ــ تل العشاري ــ
تل أبو كروف ــ تل أبو صخير , تل البرتقالة ــ تل الدحيلة ــ تل أم الجماجم ــ تل الحزم ــ تل حميمات ــ تل الطويل ــ تل أم الدراهم ــ تل الديمة ــ تل عريبي ــ تل اللبادية ــ تل شكان ــ تل أم العشرة ــ تل العلوية ــ تل الكيارات ــ تل الوزنية ــ تل بنات الشيخ ــ تل عتوة ــ تل صاحب الزمان ــ تل الدسم ــ تل العشاري ــ ........... هذه اليشن ضمن الرقعه الجغرافيه لقضاء سوق الشيوخ كانت مماليك تابعه للمملكه الكبيره سومر وعاصمتها اور.

الفصل الثاني : الحركه الادبيه في سوق الشيوخ

   لا أدري سبب إنتعاش الحركة الثقافية في مدينة صغيرة منعزلة نوعا ما كسوق الشيوخ . علماً بأن أول مكتبة أنشأت خلال الحرب العالمية الثانية. فلقد كثر فيها المثقفون من دبلوماسيين وأطباء و رجال قانون ومربين وفنانين وأدباء وشعراء ، بل وحتى رواد حركات سياسية . فأنت تجد فيهم القومي والشيوعي وفيما بعد البعثي. ربما كان لبساطة الحياة وجمال الطبيعة حولها أثر بالغ في ذلك. لقد كان عبدالرقيب اليوسف وحمدي الحمدي ومجيد النجار وسلمان عبدالرحمن ومعن العجلي و إبراهيم عثمان و شاكر حيدر ومصطفى جمال الدين وغيرهم أدباء و شعراء و خطباء ، كنت ترى لفيفا من هؤلاء الطيبين يجوبون محيط المدينة عصرا يتطارحون الشعر أو يلجون أبواب السياسة و الفلسفة ، فما أشبههم بالمشٌائين من الفلاسفة اليونان أتباع أرسطو، وهم يقرأون كل ما تقع عليه اليد من نتاج أدبي عربي أو عالمي وبالأخص من الأدب المصري كمجلة الرسالة و تراجم المنفلوطي لعيون الأدب الأوروبي الرومانسي كروايات ماجدولين و سيرانو دوبرجراك و ألام فرتر.

   ولقد أعطت مدينة سوق الشيوخ للعراق فنانين مثل الملحن عازف القانون الماهر سالم حسين. والمطرب ناصر حكيم من منطقة الثامريه واصدقائهم من الشطره حضيري ابو عزيز وداخل حسن وهم رواد الأغنية الريفية. و لفن التصوير باسم محمد عارف . ليس هذا حسب فقد كنا ونحن صبية نستمع إلى برامج الموسيقى الكلاسيكية من إذاعة لندن التي تبث باللغة العربية ، وكنا نسميها الموسيقى الغربية، فكنا منجذبين اليها دون فهم ، وكان فريق من أقراننا يسخرون منا وينعتوننا (بالمتفرنجين) وإعتقادي أن السبب هو تخلفهم عن تذوق هذا الفن العالمي الذي هو ملك للبشرية عبر المكان و الزمان ، كما أن إذاعة بغداد كانت فيما بعد تذيع أمسيات يعزف فيها كل من ساندو ألبو على الكمان وجوليان هرتز على البيانو ،وهما فنانان هنغاريان إنتدبا للتدريس في معهد الفنون الجميلة الذي كان يديره الشريف محي الدين حيدر، ومن هناك خرجت الفرقة السمفونية العراقية للوجود وأنجبت موسيقيين كبار في مقدمتهم بياتريس أوهانسيان وغيرها.

  نعود لحالنا نحن الصبية ، فقد كنا الى جانب ما تقدم نحفظ ونقلد أغاني محمد عبد الوهاب حين كنا نمضي أمسيات الصيف جالسين على الجسر تتدلى أرجلنا في مياء الفرات المنعشة ونحن نتبارى بأغنية ( عندما يأتي المساء) وغيرها يشهد علينا القمر من عليائه مضيئا صفحة النهر، ألا سقى الله تلك الأيام الجميلة التي مرت كحلم صيف ومن اصدقاء الصبيه سامي عزيز صفوك وخضير عوض هلال وناظم عبد حسن مشري وعبد الحسين ابو تيجان وسعد الحربيه وفاضل جبار وانعام البطاط (والي) وشعبان عبد الله عاتي ومجيد مبدر ياسين ومصطفى فشسيل آخرين ومن الاعتذار لأن الذاكره تخونني لاسيما والعمر قارب الخمسين ولقد ظلت سوق الشيوخ أماً ولوداً لشخصيات ثقافية متميزة في خدمة العراق ، فقد أعطت للسلك الدبلوماسي العراقي من السفراء كلا من السادة عبدالغني الدلٌي وعبدالجبار الهدٌاوي و إبراهيم ألولي و يعقوب الحمداني وجعفر العيد وحسن خيون ال شهاب ، ومن القضاة والمحامين السادة راجي يونس الهداوي وهداوي محمد الهداوي وحسن محمد الهداوي وكاظم يونس الهداوي وعبدالله محمد العرب وإبراهيم عثمان العثيم و عبود جايد العلوان وعبدالجبار الدلٌي وعبدالكريم الدلي ومحمد جواد حيدر ومجيد حمد النجار وطالب بدر و شاكر الحمداني وحسين الحجامي. ومن الإقتصاديين والعلماء ، كان السادة د.عبدالله أبا الخيل ، رجل ألأعمال و عالم الفيزياء النووية، ود. محمد علي العبدالله أبا الخيل “ الإقتصادي المتميز الذي تولى وزارة المالية و الإقتصاد للمملكة العربية السعودية بكفاءة مشهودة لفترة ممتدة “ ود. محمد علي العيد ود. عبدالقادر اليوسف ود. جواد الهداوي ود. طالب العيدي، ود.عبد الفتاح المطلك ود عادل الشاهر. ومن المهندسين الإستشاريين السادة محمد علي العبد وعبدالكريم على الولي . ومن المربين الأفاضل كان السادة عبدالمنعم سعدون حسين القطان وحسين حسن وسالم البراك ونعيم حداد” الذي دخل فيما بعد معترك الحياة السياسية فكان وزيراً و رئيساً للبرلمان وقيادياً ” ومهدي راضي وراضي على العبد وعبدالعزيز عثمان وسلمان عبدالرحمن وحسين الراضي وحسين عبدالرزاق و الزعيم الركن ناجي طالب والفريق الركن عبد الحسين ثامر حسن الصافي.

  معذرة فأنا أذكر بعض هذه الأسماء التي عايشتها فبالستينات والسبعينات ومابعدها من القرن الماضي . ولست أشك في أن هذه الشجرة المباركة قد انتشرت فأثمرت حتى الآن بأكثر مما أنجبت قبلا .

  بالرغم من هذه الصورة المشرقة عن الحياة الثقافية في سوق الشيوخ إلا إأنها لم تكن لتخلو من السلبيات التي مردّها الجهل والتعصب، فلا بد من الإعتراف بأن المجتمع بغالبيته كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب. ولم يكن النظام التربوي المركزي للدولة قد عمّ البلاد فلم يكن لسوق الشيوخ وحتى لإخواتها المدن المماثلة سوى مدارس أولية ، أي ذوات أربعة صفوف ثم نمت حتى إكتملت الى الستة صفوف. فقد كنا نذهب الى الملاّ حنتوش ، رحمه الله، ليعلم بطريقة لا منهجية بعض سور القرآن الكريم من الفاتحة حتى سورة الفجر، وهنا يقام لنا إحتفال بهذه الختمة . وحتى ذلك الحين لم تكن في سوق الشيوخ مدرسة متوسطة أو ثانوية ،الا في باكورة الخمسينات لهذا كان أهلنا يرسلون اسلافنا الى الناصرية لإكمال الدراسة المتوسطة والثانوية وكان ذلك يشكل عبئا ماليا كبيرا على العائلة يقول الاستاذ رياض جهاد العلوان: في سوق الشيوخ حركة جبارة تدفع الناس الى نشاط ادبي شامل لمعالجة شؤون الحياة بشكل جذاب وناجح جذاب لجودة الانتاج وناجح لان ارباب القلم هناك قد اعتادوا على العيش من كد يمينهم وعرق جبينهم ولم يروا في ممارسة الادب مهنة منها وعليها يعيش الاديب فهناك في سوق الشيوخ لايدهشك ان يكون –البقال ـوالصباغ ـوالكاسب ـوالخياط ـ هو الشاعر الذي يثير العواطف ويهز المشاعر وهكذا ادباء سوق الشيوخ كلهم انصرفوا الى الحياة الادبية ومناقشة القضايا العامة باسلوب شائق وروح سامية وبين هذا وذاك هدوء واطمئنان مصدره راحة البال بالنسبة الى الاديب والتزامهم بالتقاليد العربية الاصيلة التي يراعيها في المجتمع ان الحركة الادبية كاي حركة من الحركات التي تحمل بين طياتها عناصر الحياة والنمو وتختلف مراحلها الزمنية شدة وصعفا لانها تخضع للمؤثرات الطبيعية والبيئية والزمنية فهذه الارض المنبسطة ذات الغابات الكثيفة من النخيل والاشجار الملتفة حول فراتها الفياض المنساب .

    ويذكر السيد ابراهيم عبد الحسن وكان والده من وجهاء المدينة عن ذكرياته في سوق الشيوخ في أوائل ستينيات القرن الماضي أنتقلت عائلتنا الى مدينة سوق الشيوخ أثر تعيين أخي الكبير الأستاذ سمير عبد الحسن علوان ظابطا لتجنيد سوق الشيوخ .. وحللنا في منطقة الفرهه قريبا من ثكنة الشرطة حيث تقع دارنا التي هي مخصصة إلى وزارة الدفاع يوم ذاك .. كان البيت بمساحة واسعة له حديقة أمامية كبيرة وأخرى خلفية صغيرة مع مرآب للسيارات وكانت مصممة على طراز حديث وقد خصص فلاح خاص للحديقة داره يجاورنا وقريبا منه تقع بيوت لدائرة الري التي سرعان ما تعرفت على عائلة المرحوم شهاب الموظف في دائرة الري وأولاده عماد ونهاد وفؤاد الذي هو بعمري وأياد الذي توفي اثر حادث مؤسف...

كانت المدينة هادئة أو في أريافها تعرفت لاحقا تموج حركة المناضلين من القوى الوطنية وخصوصا الشيوعيون ونشاط المعلمين المبعدين او الذين للتو تم تعينهم وهم ينقلون أفكارهم للناس البسطاء هناك وقد أخطأ من قال انها مغلقة للبعث المنحل ويكفي منها المناضل طعمة مرداس ورفاق آخرين .

  كانت الحركة الأدبية والثقافية ميزة للمدينة حيث خرج من معطفها العديد من الأعلام الثقافية والأدبية والفنية وسجل المدينة لازال يحتفظ بهم كما كان دور واضح للمكتبة العامة فيها التي كانت منتديا للأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي لازال جسرها الجميل ولو أكل منه الدهر اليوم كثيرا لكنه ظل يحتظن الفرات بقوة هذا الجسر الذي اشتهر بحادثة سقوط طالبات إحدى السفرات المدرسية وظل الحديث عنها طويلا .

  الثكنة العسكرية أو مخفر الشرطة حي شيد على شكل مخفر لصد الانتفاضات والثورات التي شهدتها أرياف المدينة والذي كان يومها ذو طراز مميز قبل ان طالته يد الإهمال الآن إنها دعوة للمهتمين بالتراث للاهتمام بهذا المبنى الجميل وشهدت الساحة الترابية التي أمامه لعبنا لكرة القدم.

   أنهيت سنتين دراسيتين في مدرسة الكمال الابتدائية لمرحلة الثالث والرابع الابتدائي ولازلت أتذكر لفقر الحال لدى اغلب الطلاب فقد كانت ثيابهم العادية (الدشداشة ) هو زيهم الرسمي وشهدت ساحة المدرسة الواسعة تمارين الإحماء البسيطة التي يشجعنا عليها المعلمين وقاية من برد الشتاء القارص رغم ان زجاج شبابيك صفوفها عامرة لاتشبه شبابيك مدارس اليوم.

  كان الطريق الذي يربط الناصرية بها من اجمل الطرق حيث تحفه أشجار البساتين من الجانبين ويستقبلك في مدخل المدينة مرقد أم العباس الذي هو قائما الى اليوم وكنت استمتع بهذا الطريق الذي نستقل فيه باص مصلحة الركاب وعرفت لاحقا ان المقاعد الأمامية يختلف أجورها عن المقاعد الخشبية الخلفية والرهبة التي نصيب بها عندما يصعد مراقب الجابي فقد اختفى اليوم الجابي والمراقب وباص مصلحة نقل الركاب ، لازالت أتذكر الصورة المرسومة في ذاكرتي لمهرجانات الفرح الشعبية التي تحتضنها بساتين المدينة حيث تخرج العوائل ابتهاجا بفرحة الزهرة (فاطمة الزهراء ع ).

   كان عيد الفطر الأول الذي شهدناه في المدينة قد أثار الرعب فينا حيث جرت العادة في المدينة وبعد الاتصال بالمرجع الديني في النجف والتأكد من مكتبه عن أول أيام العيد يبدأ إطلاق النار وبشكل كثيف تعبيرا عن الفرح بقدوم العيد واشارة للآخرين على ان غد هو أول أيام العيد لندرة وسائط الاتصال يومها ولم يزول هذا الرعب الا في الصباح الباكر حيث زارنا الفلاح وهو يقدم لنا العيدية التي هي عبارة عن عدد من البيض المسلوق واخبرنا عن سر هذا الرمي الكثيف حيث توجهت مبكرا الى دواليب الهوى والمراجيح التي هي كانت تقام قريبا من دارنا التي تقع في الفرهة التي يسكنه أفراد الشرطة ومراتب الجيش والكسبة وكانت البيوت جميعها من القصب والبردي.

  لازال منظر القصب لنادي الفرات الرياضي وهو النادي الوحيد يومها وقد تخرج منه العديد من الأسماء الرياضية من بينها لاعب كرة السلة المعروف لطيف عبد الرزاق وشقيقه واخرين حيث كانت المباراة النهائية التي تجري بين نادي الفرات ونادي الجزائــــر (الناصرية ) بكرة السلة من اجمل المباريات التي تشهدها المدينة والتنافس على اشده للحصول على لقب بطولة المحافظة بكرة السلة وكثيرا ما شهدت المباريات أحداث شغب بين جمهور الفريقين.

  ولازالت ذكريات شعائر محرم الحرام ومواكب العزاء والتطبير التي تخرج من دار قريبة على مدرسة الإسماعيلية الابتدائية ولسياج المدرسة طرفة لنا نحن الأطفال بثها اهلنا لتخويفنا على ان لا نتأخر ليلا بأن هناك طنطل يجلس على سياج المدرسة عند حلول الظلام ليخطف الأطفال وكلما ازور المدينة ألان أسير بجانب السياج واضحك في سري عن برائتنافي تلك الأيام ، هذه ذكريات سجلتها الذاكرة عن مدينة غافية على الفرات يبهرك منظر بساتينها وريفها الجميل في تلك الأيام ولعل المفارقة الجميلة التي نختتم فيها ذاكرتنا هذه أني في أوائل عام 2006 كلفت بمهمة حزبية وبعد ان أتممتها في عدد من الدور بما فيها في كرمة بني سعيد عدت الى المدينة حيث كان موعد الغذاء في بيت أحد الرفاق يا للهول انه نفس الدار التي كنا نسكنها ودونا منها ذاكرتنا هذه أحسست وانا أدخل غرفة الاستقبال بشعور غريب وعدت شريطا من الأحداث التي جرت في طفولتي في هذه لدار ورحت ارسم خريطة الدار للرفيق صاحبها وأنا أقول في سري يا للعجب كيف لا يمكنني ان ادخل في تفاصيل الدار بحرية مثلما كانت لي في تلك الأيام.

شعراء وأدباء من سوق الشيوخ

  بعد البحث والتنقيب، أشارت أغلب المعلومات المتوفرة لدينا، إلى جملة شعراء يمكن أن نطلق عليهم(رواداً) أثّروا بشكل أو بآخر في المشغل الشعري لمدينة الناصرية. بعض منهم كان يكتب القصة والشعر معا، كما أن بعضهم تواصل في الكتابة والنشر، بينما انقطع الآخر عن الكتابة لأسباب شتى. من هؤلاء نذكر:
1- اسد الله
2- ميرزا عناية
3- باقر حيدر
4- جميل حيدر
5- د مصطفى جمال الدين
6- جعفر حيدر
7- يعقوب الحمداني
8- ثامر حموده المزيعل
9- عبد الرقيب احمد اليوسف /من مؤلفاته عواطف هائمه
10- جبار حسين
11- جعفر الخياط
12- عبد الصاحب جعفر
13- محمد حسن الهادي
14- شهد مجيد
15- هلال جاسم
16- ناظم جواد الجراح
17- علي فرهود ال مغشغش
18- حمدي ال حمدي عضو المجلس البلدي بسوق الشيوخ , رابطة شعراء النجف
19- احمد حميد عباس / مجموعته الشعريه والصبح اذا تنفس
20- عبد الرحمن رضا /والد الممثله سناء عبد الرحمن
21- سلمان عبد الرحيم
22- خضر الياس
23- فاهم العفريت
24- عبد الامير محسن
25- منصور نهيب الديوان
26- محمد جواد حيدر
27- شاكر حيدر
28- جميل حيدر
29- عباس مله علي
30- حمدي ال حمدي
31- عبد القادر رشيد الناصرية
32- رشيد مجيد
33- عامر طاغي ال
34- فاضل سيد مهدي
35- عناية الحسيناوي
36- قيس لفته مراد
37- سالم حسون السالم
38- فاضل سيد مهدي
39- وحيد الهلالي
40- حميد السنيد
41- حسون البحراني
42- خيون راشد
43- جابر السيد غانم الياسري
44- هادي الحمداني
45- عبد الحسين الجاسم
46- فاضل عباس هادي
47- محسن الطيوش
48- عبد اللطيف الطيمش
49- خالد الامين
50- عبد الرزاق رشيد
51- اسعد محمد جعفر الخفاجي
52- محمد الفايز
53- قاسم دراج
54- طالب مشتاق
55- طالب الحاج فليح
56- لبيب الحمداني
57- سيد حميد المفظر
58- عبد المحسن القصاب
59- عبد الجبار القصاب
60- عبد الامير الحيدر
61- معاذ عبد الرحيم
62- احمد عبد الحسين الرفاعي
63- كمال السعدون
64- فرقد الحسيني

وهناك أدباء كتبوا في جنسي القصه والشعر مثل :
1- عبد الرحمن مجيد الربيعي
2- القاص احمد حميد النجار
3- القاص صبري حامد
4- بلقيس السنيد
5- محمد سلمان عبد الرحمن
6- عزيز الرسام الحجامي
7- معن العجلي
8- مجيد النجار
9- عبد الكريم محمد علي
10- يعقوب الحمداني
11- عكاب سالم طاهر

ومنهم من كتب الشعر الحر والابوذية مثل:
1- حافظ محسن مري
2- عامر ضايف السلمان
3- مجيد ناصر الحسيني
4- امير السلمان
5- ماجد السفاح
6- اثير السلمان
7- ميثم ناصر
8- ماجد ال شهاب
9- منصور الديوان
10- رعد مطر
11- عارف مأمون العبد الله

ومن الشعراء الشعبيين :
1- علي فرهود ال مغشغش
2- حواس العطشان
3- سعود دخيل
4- عميته جارالله
5- ابو معيشي

  الحقيقه نعتذرعن ذكر جميع شعراء سوق الشيوخ الشعبيين وغير الشعبيين.لعدم ورودها إلينا.

الحركة الأدبية في مقهى كاظم يوسف ومقهى جاسم دبه في بداية الانتعاش الأدبي

   اشتهرت مدينة سوق الشيوخ, برواج الثقافة والادب فيها منذ عقود مبكره من القرنين الماضيين حتى عدها البعض نضيره لمدينة النجف في هذا المضمار , وكانت متميزه عن المنطقة الجنوبيه بحيوية الحركه الادبيه نثرا وشعراً وفاعليتها في المنطقه , وتتمثل ميزاتها , بكثرة مافيها من مجالس للمناظرات في المناسبات , وثمة تقاليد يتمسك بها ادباء سوق الشيوخ ومازالوا عليها وهي سر تفوقهم واستمراريتهم, وكانت المضايف في الارياف الدور الكبير للمناظرات الشعريه وتطورها وفي المدينة كانت مجالس المقاهي لها الدور الكبير والبارز لتجمع الشعراء وذلك لعدم وجود أندية خاصة بهم آنذاك. فكان لمقهى جاسم دبه وكاظم يوسف في الستينات الأثر الكبير والبالغ في تنمية الحركه الأدبية فكان من حضور تلك المقاهي الجيل الثاني من رواد الشعر ومنهم محمد جواد حيدر و وسلمان عبد الرحمن ومعن العجلي ومجيد النجار وعبد الكريم محمد علي ويعقوب الحمداني وعبد المنعم حسين القطان وخضر سلمان الحسيني و حسن خيون ال شهاب وعكاب سالم الطاهر وجعفر علي العيد وآخرين. وهذه الحركه الادبيه ظهرت بعد ثورة 14 تموز 1958 م عندما انفتح العراق الى العالم اكثر من قبل وانتشار وسائل الاعلام كالراديو والتلفزيون ولو أن أهل القرى لم تصل اليهم الكهرباء إلا في نهاية السبعينات من القرن الماضي.

  مرت الأيام والليالي والسنين ولم نرى أحد من هؤلاء لا في شوارع المدينه ولا في المقاهي ولكن بعد البحث وردتني أخبارا عن بعضهم اذكر الشاعر محمد جواد حيدر وعبد المنعم حسين القطان وجعفر العيد وخضر السلمان وعبد الكريم محمد علي ويعقوب الحمداني في ذمة الخلود واما حسن خيون و عكاب سالم الطاهرفهم في الغربه وغيرهم ومن بعض المقاهي التي اشتهرت انذاك وظلت شاخصة حتى مطلع الثمانينات هي :-
1- مقهى الحاج عبد /داخل السوق
2- مقهى غضبان/ عمارة الحميضي
3- مقهى سعدون/ عمارة الحميضي
4- مقهى الحاج لطيف/ شارع الكورنيش
5- مقهى عظيم /شارع لطفي
6- مقهى كاظم يوسف/ الشارع الرئيسي
7- مقهى شوني /الشارع العام

  أما المقاهي هذه فقد اندثرت ولم يبقى منها إلا القليل ,وأما المضايف أيضا في طريقها إلى الاندثار لتحل محلها البرانيات أو الديوانيات على لهجة أهل الجنوب وظهرت مجالس للمساجلات وللمناظرات الشعرية هي الأندية أيام السبعينيات أو المراكز الثقافيه التي تم انشاؤها وتسميتها بالمراكز الثقافيه في الوقت الحاضر.

الفن في سوق الشيوخ

  برز من مدينة سوق الشيوخ العديد من الفنانين كبقية أقضية ومدن الجنوب العراقي بسبب الحيف الذي مرت به بلدانهم آهات الزمن المر والحكومات المتعاقبه التي لم تعطي للجنوب حقه وكان نصيب مدينة سوق الشيوخ هو كنصيب المدن الاخرى من البلاد الجنوبيه للعراق ومن هؤلاء النخبة الاولى من فنانين باغناء والتمثيل والموسيقى والرسم:
1- سالم حسين
2- حسون الشنون
3- جميل الماهود
4- ستار دلي
5- جواد الدلي
6- انعام البطاط
7- سناء عبد الرحمن
8- حمدي خيون
9- نعيم كنو
10- قيصر محسن
11- سالم ياسر
12- ناظم مزهر
13- محمد عيسى القماش

وصف المدينة بأسواقها ومحلاتها

  يمتد السوق الذي يستدير إلى اليسار بزاوية حادة ليضم محلات البزازين باعة الأقمشة ويتفرع منه الى اليمين سوق الخياطين الى أن يصل الى نقطة الى اليمين منه فتجد سوقا صغيرأ للخرٌازين، أي من يتعاملون بالجلود، ويؤدي الى محلة البغاده فمنi وإستمراره الى الشمال يدخل منطقة باعة التبوغ ثم يؤدي الى دائرة البريد والى نهر الفرات. ومن هذا الفرع يخرج فرع الى اليسار منه يضم سوق الصاغة للذهب والفضة. وفي آخره بعض الحدادين ثم سوق القصابين. وينتهي السوق المسقوف بساحة واسعة مكشوفة هي الصفاة حيث يكون البقالون ومحلات بيع الخضراوات والفواكه في دكاكين غير ثابتة. فتجد القرويات يبعن منتجات الحليب من زبدة وروبة لبن وفي طرف الصفاة هذه وقفة واسعة للحيوانات. وأكثر هذه الحيوانات من الحمير أو الجمال أو الغنم والماعز و الدواجن وهي إما أن تكون معروضة للبيع أوأنها بإنتظار أصحابها للعودة بهم الى مناطقهم وفي الصفاة مقهيان واسعان أو ربما ثلاثة، أذكر أن أحدهما يملكه علي المظلوم والآخر طعمه بن مرداس، ويبدأ العمل بهما عصرا حين تكون أشعة الشمس قد بدأت تميل الى الغروب، فترصٌ الكراويتات المقاعد ومعها كراسي الخيزران وترش الأرض المتربة بالماء تخفيفا للحرارة وتثبيتا للتربة. وكان كل ما تقدمه هذه المقاهي لزبائنها الشاي بالإستكان أكواب صغيرة تميز أهل العراق بإستخدامها لشرب الشاي . كما توفر الدومينو والطاولي النرد لمن يطلبها.

  للمدينة ثلاثة مقاهي تفتح صباحاً لكونها تقع في الظل وهي مقهى الشكرجي و مقهى سلمان الداوود، وقد كان هناك مقهى كبير يملكه ويديره المرحوم ناصر الولي، كان يغني فيه أحيانآ المطرب الشعبي المشهور ناصر حكيم،وكزار تبينه حتى طرق سمعي ذات مره كانت تبث من إذاعة بغداد أغنية لهذا المطرب كان يردد فيها القول آه يا ناصر الولي .واغلق هذا المقهى بعد ثورة السوق عام 1935م وإلى شمال الصفاة تقع مخازن الحبوب (السيف) بكسر السين. وأشهرها سيف الذرب وسيف الدهش. وإذا ما تركت السيف وراءك فستكون قد وصلت الى مرآب (كراج) المدينة حيث تقف سيارات الأجرة لنقل الركاب الى الناصرية و ربما إلى ما بعدها. وإلى شمال ذلك بمحاذاة نهر الفرات توجد علوة الأسماك حيث تعرض الأسماك التي تم إصطيادها من النهر أو من هور الحمّار القريب من المدينة.

  تقع بعد هذه العلوة محلة النيايير (النجارين) الذين يصنعون البسيط من الأثاث من سعف وجريد النخيل كالكراسي وأسرة النوم ومهود الأطفال وأقفاص الطيور . الملاحظ أن سوق الشيوخ لم تكن مؤهلة لزيارة السياح سواء من العراقيين أو من غيرهم فهي تخلو من المطاعم والفنادق، عدا محلات الكباب ومسافرخانة إستخدمت كمدرسة أولية لبعض الوقت وكان في المدينة خان العجم الذي يأوي اليه عمال ايرانيون وغيرهم من الحرفيين .

  تمثل في وصول قوافل البدو القادمين من البادية للتبضع من سوق المدينة من الحبوب والتمر. وكنا نشتري منهم (المكل) بتضخيم الكاف، وهو حليب الناقة المجفف وهو غذاء جيد يتميز بحموضة مستساغة.

  وإضافة لهذا فهم يحملون معهم الحطب الصحراوي الجاف من الغضا(جذوع الشجيرات ) والرمث” بكسر الراء و الميم “ وهي الفروع الرفيعة من تلك الشجيرات الصحراوية و تكون سريعة الإشتعال. وكانت القافلة تستقر في منطقة البدعي الى أن ترحل بإبلها المثقلة بما إشترت من خام وطعام خصوصا الحبوب والتمور كما أن المثقف هو من يدرك ويعرف متى يكون حيث هو من سير الزمن، ماضيه وحاضره ومستقبله ، بمثل ما يدرك ذلك ألحدث أو الظاهرة التي يبحث عن الحقيقة فيها ، فذلك لعمري هو التاريخ, فبهذا المفهوم للمنهج العلمي، نرى أن تاريخ مدينة سوق الشيوخ يقدر بأكثر من مائتين وخمسين عام “١٧٦١م” حين أعلنت عن وجودها كمركز حضري يعتمد عليه .

الفصل الثالث : التركيبة السكانية للمدينة وما حولها

  أهل سوق الشيوخ الطيبين خليط من أعراق عدة يشكل تجمعا بشريا هو حصيلة هجرات متعددة ومتنوعة إستقرت بدوافع إقتصادية بالدرجة الأساس منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر. فكانت هذه البقعة من الأرض مركز جذب لهجرة ريف مدينة تتسع بمرور الوقت.وقد ترى أن هجرات اخرى قد وقعت لكن مصدرها هده المرة من مدن الى مدن و إن كان الدافع إقتصادي أيضآ، فقد جاء من بغداد من إستقر في محلة البغادة ، ومن الأحواز فكانت الحويزة ، ومن العمارة فكانت محلة الصابئة ، ومن الجزيرة العربية و من الخميسية المجاورة فكانت محلة النجادة و الإسماعيلية ،ومن العشائر ومدن أخرى فكانت محلة الحاضر ، أن غالبية هؤلاء القوم عرب مسلمون ينتمون الى عشائرعربية قربت أو بعدت عن المنطقة ، ربما كان عدد المحيطين بالمنطقة منها أضعاف سكان المدينة ممن ينتمون في غالبيتهم الى حجام وبني خيكان وتميم وبني ركاب والمنتفك وبني أسد والعساكرة وآل نجي و اصول قبلية اخرى وغيرهم. رجال هذه العشائر شجعان معتدٌون بأنفسهم ، لدرجة أن أتباع الشيخ نجي العودة، شيخ المطيرات، عندما بادرته المنية، كانوا يهوسون (يهتفون) خارج البيت ويطلقون الأعيرة النارية مرددين ياموت إسترخص من شيخك ! أي إستأذنه ، وكانٌي بهم وقد ورثوا تفاخر عمرو بن كلثوم بقوله في اخر معلقته “ إذا بلغ الفطام لنا صبي تخرٌ له الجبابر ساجدينا.

  أما الفئة الأخرى من أهل السوق فهم النجادة الذين إستوطنوا أول الأمر منطقة الخميسية على حافة البادية الجنوبية ، الى الجنوب الغربي من السوق على بعد ١٧ كم، ومنها إنتقلوا الى سوق الشيوخ ، فهم أول من إستوطنها في رأي معظم المحققين، رغم حنينهم للخميسية فقد كانوا يرددون في رقصة (الهلاي) بتضخيم اللام، في المنابسات السعيدة ، نعبر الهور ونسكن بالخميسية حتى سموها ديرة العز. والنجادة الطيبين المسالمين هم من هاجر من أرض نجد وقد حلٌ معظمهم في الخميسية اولاٌ قادمين من القصيم و بريدة ، أو من أقطار الخليج العربي المجاورة للعراق طلبا للرزق أو بدوافع أخرى، وهم في غالبيتهم يمارسون التجارة وفيهم أسر عريقة من الشيوخ والعوام .وقد تركز تواجد هذه الفئة في محلة واحدة هي محلة النجادة ولو أن سكان هذه المحلة ليسوا بالضرورة جميعم بالنجادة بل أن ما يجمعهم هو أنهم يتبعون مذاهب الأئمة إبن حنبل أو الشافعي أو المالكي او ابو حنيفة النعمان عليهم السلام ، وغالبيتهم العظمى عرب ، وفيهم كما في المحلات الثلاث الأخرى ، بعض من هو من أصل كردي أو تركي وآخرون سود البشرة من بقايا الزنج ممن جلبوا إلى جنوب العراق أيام الخلافة العباسية ، عندما فتحت الدولة الإسلامية الساحل الشرقي لآفريقيا الممتد من تنجانيقا وزنجبار(تنزانيا حاليآ ) إلى كينيا والصومال. وقد إستقر هؤلاء في حوض دلتا دجلة والفرات جنوب العراق وكانوا يعملون بالسخرة في ظروف عمل قاسية كالممالح جنوب البصرة وشق قنوات الري ، الى ما شابه. تراكمت على هؤلاء القوم صعوبات الحياة حتى أعلنوا ثلاث ثورات على الحكومة ، وكان عددهم حوالي المائة وسبعين ألفا ، بين القرنين السابع والتاسع. إلا أن أعظم تلك الثورات الثلاث كانت بين الأعوام 868 ــ– 883م ، وهي فترة حكم الخلفاء العباسيين : المعتز والمهتدي والمعتمد . ثم أخمدت في النهاية فإنتشر السكان إلى جهات عدة من العراق والخليج العربي والجزيرة . وهكذا كان نصيب سوق الشيوخ بعض أسر من بقايا الزنج :ـ هم عائلة الكبسو وكنيهر، وكريم و سلمان العبد وأبوقارم وعبد عويٌد وفاطمة العبيد ، وهي التي تحيي طقوسآ في حفلات نسائية فيها رقص إيقاعي يدعى الهيوا على نقر الدفوف او الطبل.

  لم يكتب كثيرا عن ثورة الزنج سوى بعض البحوث التاريخية . وبهذه المناسبة أذكر أن الدكتور فيصل جرىء السامر– الباحث العراقي– كان قد حصل على الماجستير من جامعة فؤاد الأول في القاهرة في نهاية أربعينات القرن الماضي على رسالته “ثورة الزنج”............................. أعود للحديث عن الخميسية ، لاهميتها في كل مناحي الحياة في سوق الشيوخ ، فقد ظهرت الخميسية للوجود في اواخر ثمانينات القرن التاسع عشر علي يد مؤسسها عبد الله محمد الخميس الذي اعطاها اسمه ، والذي اتاها قادماً من بريدة في نجد وقد شجعه شيوخ السعدون على هذا المشروع فانتعشت الخميسية خصوصاً في فترات فيضانات عظيمة عزلت سوق الشيوخ عن طرق المواصلات التجارية ، فاصبحت مركزاً مهماً وهمزة وصل بين غرب العراق وشرق نجد مما شجع العديد من العوائل النجدية من منطقة القصيم على الاستقرارفي االخميسية، على ان هذا قد تراجع بسرعة بسبب استعادة السوق لدوره في التجارة بعد انحسار مياه الفيضان عنه و حلول بريطانيا محل العثمانيين في نهاية الحرب العالمية الاولى الامر الذي حمل معظم الاسر النجدية على الانتقال بمالهم وخبراتهم الى سوق الشيوخ التي اصبحت منطقة جذب لهم ، وهكذا بدأت الخميسية المزدهرة تذبل و تتراجع بعد ان كانت المقر الحربي لآل السعدون وقد ضمٌت مدرسة دينية مشهورة لتعليم فقه الامام احمد ابن حنبل .وقد شاهدت الخميسيه ذات مره في سفرة مدرسيه ذهبنا لهذا الغرض والاطلاع على ابرز معالمها سنة 1978م ركبنا مع آخرين في السياره من منطقة الصلبة حتى وصلنا الخميسية وبالسفينه عبر هور نجي  فبقينا فيها ثلاثة أيام غادرناها إلى تل اللحم (كيسيكا)وقد سارت بنا السياره الفولكا في ظلام دامس بضعة كيلومترات حيث أخذنا القطار إلى الناصرية ومنها العودة إلى السوق كان برفقتي جلال نوري فشاخ السعدون (دكتوراه في القانون)وعلي طاهر العسكري(عميدحالياً) وعلي مزهر العتابي (عميد متقاعد) وآخرين الذي دلني على معالم المدينة الآفلة نصف الخربة ،كما اخذني خارج المدينة ليريني حفرة كبيرة تحرق فيها الحامية العسكرية البريطانية المتمركزة في تل اللحم المهملات ،وهكذا كتب لي أن أشهد ذبول تلك المدينة العزيزة مع الأسف.. أعود للحديث عن أحياء السوق..

  فإذن نجد أن المسلمين الإثنا عشرية ،أتباع الإمام جعفر الصادق عليه السلام،وانا منهم بصرف النظر عن العرق . قد تمركزوا في ثلاثة أحياء من المدينة، هي محلة الحويزة ومحلة الحضر و بعض من محلة البغادٌة .. أما المسلمون السنٌة، بصرف النظر عن العرق، فقد تمركزوا في محلة النجادة . وبعد بدء توسع المدينة نشأ حي جديد هو الإسماعيلية. وسكانه مسلمون من جميع المذاهب الإسلامية ، فهو لم يخضع للفصل المذهبي الطوعي الذي صبغ المحلات الأربع الأخرى واقول قولي بهذه اللهجه ليس اريد بها التمييز الطائفي انما اردت ايصال فكرة التعاون بين المذاهب ولااعتبار لها عندما تطلب المساعده من أي من هؤلاء.

   ولقد تميزت هذه المحلة بحداثة عهدها فكانت شوارعها عريضة متوازية ليس كمثل المحلات الأربع في مركز المدينة التي نسميها (الديرة) والتي ترتفع عن الإسماعيلية وهي ذات أزقٌة ضيقة (درابين) توحي للمرء بأن مصممها كان يفترض وقوع هجمات على المدينة بقصد الغزو مما يسهل حمايتها من خلال تلك الأزقة الضيقة. والفكرة في التصاميم واحدة. والحق أن هاجس هذا المخطط قد تحقق حين هاجمت العشائر المدينة في ثورة سنة 1935 ، مما سيأتي ذكره عند الحديث عن هذه الثورة .

  ولكي ما تكتمل صورة سكان سوق الشيوخ ، نعبر الفرات الى الجانب الأيسر من المدينة الذي إعتدنا على تسميته (صوب الصبّة) يعني ضفة الصابئة المندائيين. وهم قوم مسالمون لهم طقوسهم الدينية الخاصة، خصوصا ما يتعلق منها بمراسم الزواج حيث كان العروسان يغمران في مياه نهر الفرات الى وسطهما ومعهما رجل الدين المكلف بإجراء مراسم الزواج. ولست أريد الخوض بأصل الديانة الصابئية الا أن المعروف أنهم من أتباع نبي الله يحي إبن زكريا عليهما السلام وهم عادة ما يعملون في صياغة الذهب والفضة في داخل السوق. وقد نلاحظ أن أبناء هذه الطائفة متميزون في ذكائهم وجديتهم في الدراسة وهم مبرزون بصورة خاصة بالرياضيات وعلوم الفلك. ويسرني أن أستحضر هنا بعض أسماء من أبناء هذه الطائفة، وإن كانوا من مناطق أخرى من العراق، لأنهم رفعوا إسم بلدهم العراق بإنجازاتهم. أول هؤلاء عيدان غانم عكيلي وداخل حاضر وحميد رشيد والدكتور عبدالجبار عبد الله والدكتور عبد العظيم سبتي الذي كان يظهر في برنامج العلم للجميع للمرحوم كامل الدباغ وحاليا يقيم في شيفيلد في بريطانيا والاستاذ فيصل السبتي كان مديرا لتربية العماره في بداية الثمانينات هاكم من برز منهم :

(1) ان الصابئة المندائيه هي من الاقوام الآراميه القديمه التي قدمت الى سوق الشيوخ قبل مئتي سنه بعد جفاف نهر الطيب فهم من السكان الاصليين للبلاد العراقيه
(2) موسى بن نصير القائد العربي هو الذي قام بجلب الجاموس من الهند الى العراق سنة 640هـ كالشاعر عبدالرزاق عبدالواحد والدكتوره لميعة عمارة كما برع عديد منهم في علوم الطب ولا أشك أن هناك اخرين ممن برعوا في مجالات متعددة ممن لم يسعدني الحظ للتعرف عليهم.

  ولا بد لي أن أبين أني لم أر من أتباع الديانات الأخرى في سوق الشيوخ غير شخص مسيحي إفتتح محلا لبيع الخمور وهو من عائلة طوبيٌة في الناصرية ، ثم أجبر على إغلاقه وهاجر. و آخر من الكلدان يدعى ابو سالم بقي في سوق الشيوخ حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي , كما أن عائلة يهودية من المعلمين مكثت في سوق الشيوخ لمدة عام أو أكثر ثم إنتقلت الى الناصرية، وهي عائلة موشي. علماً بأن كنيسا يهوديا (توراه) كانت قائمة في المدينة في زمن غابر ،فقد عاشت في المدينة جالية يهودية ربما في القرن التاسع عشر تتعاطى التجارة و الصيرفة ثم هاجروا قي اوائل القرن الماضي وكان آخرهم تاجر الآقمشة الياهو يعقوب . وقد بقي أثر المبنى وهو بيت قديم مهجور كتب على بابه الخارجي باللغة العبرية ما يشير الى أنه كان معبدا يهودياً واقع في محلة النجادة مقابل بيت العرفج..

  إن هذه الجغرافية المعقدة لمدينة سوق الشيوخ والمتناقضة فيما بينها في احيان كثيرة ، ربما هي أحد مشكلي الأسرار لهذه المدينة والمدنّية الصغيرة والفقيرة ايضا ، بل وهي ان اردنا النظر بعمق للتركيبة السكانية في هذا الحيز الإنساني من مدينة سوق الشيوخ أحد بناة الإنسان في هذه المدينة ، الذي قسّم طبقات هذه المدينة وأمزجة أهلها الفكرية والروحية والنفسية بشكل عجيب وغريب ، وعلى الشكل التالي :-

  تعد الهجرة من الأمور الحميدة التي حث عليها الإسلام، واعتبرها مصدراً من مصادر السعة التي تسهم في رقي الشعوب ونموها، وهذا ليس فقط على المستوى الفردي بل وحتى على المستوى الجماعي يقول تعالى: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾، كما في الهجرة نوع من التبادل الثقافي من حيث العادات والتقاليد، واكتساب الخبرات التي يحملها المهاجر معه.

  إلا أنه تختلف قابلية الشعوب من منطقة إلى أخرى في التفاعل مع الهجرة وإمكانية الإنخراط مع المجتمع الجديد بين من يحافظ على هويته الأصلية مهما طالت الهجرة واستمرت، وبين من يذوب حتى لا يبقى من هويته الأصلية شيء يذكر، ومن بين هذا وذاك يأتي شعوب تجمع بين أصالتها فتحافظ على تقاليدها وعاداتها وتعتز بانتمائها وأصالتها، كما أنها تتمكن من التكيف مع المجتمع الجديد والاستفادة من إيجابياته.

  وإذا كان حديثنا عن المجتمع الأحسائي فإنه يعد من أكثر شعوب الجزيرة العربية قابلية للهجرة، والتفاعل مع البيئة الجديدة لدرجة قد تستمر أجيالاً متعاقبة ولقرون عدة، إلا أنها في غالب الأحيان تبقى محافظة على طبيعتها الأحسائية بعاداتها وتقاليدها وحتى بساطتها التي عرفت بها، أما أهم أسباب كثافة الهجرة الأحسائية خاصة في القرن العاشر و الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر وأهم العوامل التي أدت إلى استمرارها فإننا يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:

أولاً: الاضطراب السياسي

   فقد حفلت الساحة الأحسائية خلال القرون العاشر والحادي والثاني والثالث عشر بالكثير من الصراع بين الرؤوس المتنازعة إما على السلطة داخل الأسر الحاكمة أو بسبب الغزو الخارجي أو الهجمات المتلاحقة التي يقوم بها البدو من العجمان وغيرهم في تلك المنطقة، مما دفع في هجرة العديد من الأسر والعلماء إلى جنوب العراق ووسطها، والساحل الفارسي على منطقة الخليج العربي وخوزستان، والدورق، وعبادان، والكويت وبلاد الشام وغيرها.

ثانياً: السعي في طلب الرزق

  يظهر أن الأحساء مرت في بعض مراحلها التاريخية بسنوات جدب شديدة مما دفع إلى تتالي الهجرات منها إلى الخارج، وكان التوجه في الغالب إلى المناطق التي تتمتع بخصوبة زراعية شبيهة بالأحساء كجنوب العراق وهذا يفسر الكثافة غير الطبيعية من الأحسائيين في البصرة وسوق الشيوخ والزبير، أو التي تتوافر فيها فرص عمل كثيرة تتناسب مع طبيعة المهن التي كانوا يعملونها وهذا نراه في دول الخليج القريبة من الأحساء كالكويت والبحرين وقطر والإمارات.

ثالثاً: الهجرة العلمية

  من المتعارف عليه في الأوساط العلمية منذ القديم وحتى اليوم أن كثيراً من طلاب العلم يهاجرون عن وطنهم للتزود علمياً إلى المراكز العلمية كمكة والمدينة والعراق وإيران كي يعود لخدمة بلده، ولكن ما يلبث أن ينسى الهدف الذي خرج من أجله ويتكيف مع البيئة الجديدة ويصبح جزءاً من تركيبتها الاجتماعية لا ينفك عنها ثم يتبعه ذريته التي لم تعرف سوى بلاد المهجر، وعن وطنهم الأصلي ما يتغنى به آباؤهم عن الوطن الأم من شوق وحنين هذا إضافة إلى بعض العوامل الثانوية التي لايمكن تجاهلها من بينها هجرة بعض العلماء من أجل الأرشاد الديني وتوجيه المجتمعات كهجرة آل الصحاف إلى الكويت في مطلع القرن الثالث عشر الهجري، أو الهجرة بسبب المشاكل الداخلية في المجتمع إلا أنه أكبر هجرتين من الأحساء كما تثبته المصادر هما كما يلي

الهجرة الأولى كانت قبل عام 967هـ، إذ تشير الوثائق العثمانية أنه بعد الأحتلال العثماني للأحساء في مطلع العقد السابع من القرن العاشر الهجري، وما سببوه من ضغط على الأهالي في معاشهم ومصادرة أراضيهم الزارعية التي هي المصدر الوحيد لرزق الكثيرين منهم وعدم توزيعها عليهم تسبب في هجرة أعداد كبيرة من الأهالي على شكل جماعات، فكانت الهجرات نحو البصرة، والبحرين، ونجد، وهرمز، وعمان.

الهجرة الثانية كانت في بدايات القرن الثالث عشر الهجري بعد أحداث سنة 1210هـ، وبدء الزحف السعودي الأول، فكانت هناك معارك طاحنة أتت على الكثير من السكان، مما تسبب في حث العلماء للأهالي على الهجرة وترك الوطن للحافظ على حياتهم وأمنهم، فتوجه عدد كبير منهم إلى جنوب العراق للتشابه البيئي بين البلدين.

وقد ساهم في استمرار هذه الهجرة عاملان أساسيان

العامل الأول: ضعف العصبية الوطنية

  فالأحسائي رغم اعتزازه بوطنه وشوقه وحنينه الذي لاينتهي بوطنه الأحساء، وكما يقول الشاعر الأحسائي علي الرمضان (1185 - 1265هـ) الذي إضطرته الظروف التغرب في بلاد فارس
تحملت الهوى وبه فسادي
وأهملت الحجى وبه رشادي
وقادني الغر...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا