أنماط توزيع التجمعات العمرانية في الإقليم
تتناول الورقة أنماط توزيع المدن والقرى على صفحة الإقليم كأساس لمبادئ تخطيط المدن والقرى ويتعرض لمواقع التجمعات العمرانية, وتباعدها, وأحجامها, ثم تعرض لموضوع العمران الريفي وأقسامه مع ضرب الأمثلة لذلك سنتناول فيما يلي بعض أنماط توزيع المدن والقرى على صفحة الإقليم كأساس لمبادئ تخطيط المدن والقرى حيث تتطلب دراستها ثلاث موضوعات يرتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقا هي:
أولاً: مواقع التجمعات العمرانية وتشمل دراسة العوامل ذات التأثير عليها
ثانياً: تباعد التجمعات العمرانية وتشمل دراسة المسافات بين المدن في الإقليم
أولا:مواقع التجمعات العمرانية:
يختلف تحديد مواقع التجمعات العمرانية المؤدية إلى نشأة القرية أو المدينة لعدة اعتبارات منها :
1- العوامل الطبيعية
2- العوامل الاقتصادية
3- العوامل الاجتماعية
4- العوامل السياسية
5- العوامل التاريخية
حيث تتاثر كثيرا بالأتي:
1- الموقع
2-الشكل
3- الهدف
4- الحجم
ولتوضيح ذلك نجد أن تعاملات البلاد التجارية تتكامل مع بعضها البعض عندما تتواجد تجمعات سكنية تقوي من وجودها مثل وجود نهر أو بحر يسهل قيام تجمعات عمرانية علي ضفافه كما يسهل المعيشة في المنطقة وكلما تحسنت وسائل المواصلات وأنشئت المراسي والطرق البرية كلما ساعد ذلك على نمو التجمعات العمرانية"(1)
أنواع مواقع إلإنقطاع لمنشأ التجمعات العمرانية :
يوجد نوعان من الانقطاع هما:
الانقطاع الطبيعي
الانقطاع الحركي
شكل (1-1) أنواع مواقع الإنقطاع
النوع الأول الانقطاع الطبيعي:
مثل التباين الطبيعي أو تغيير التشكيل الطبيعي كالعلاقة بين الماء واليابس أو السهل والجبل وتوضح الأشكال (2-1) بعض المواقع المتميزة التي تساعد على تكوين التجمعات العمرانية و من أمثلة مواقع التجمعات العمرانية المقترنة بالعناصر الطبيعية:
الأنهار:
ــ مواقع رؤوس الملاحة :
و تعني انقطاع المرور على اليابس وبدء الانتقال الملاحي مثل قيام مدينة السويس بمصر ومدينة شيكاغو بأمريكا شكل (2-1أ).
ــ مواقع المصبات:
و تعني انقطاع الملاحة النهرية وبدء الملاحة البحرية مثل قيام مدن دمياط ورشيد شكل(2-1ب).
ــ مواقع المراحل :
و هي مرحلة للراحة والتموين والكشف الجمركي مثل قيام المدن والقرى على حددودها عند الطريق البري الموصل بينها.
ــ مواقع ملتقى الأنهار:
و تعني انقطاع اتجاه و بدء إتجاهات أخرى مثل قيام مدينة كفر اليات و مدينة بنها.
(1) د.م.فاروق عباس حيدر/ تخطيط المدن و القرى / مركز الدلتا / 1994 / الطبعة الأولى ص58
ــ مواقع المعابر :
وتكون حيث يضيق النهر و يسهل عبوره مثل قيام المدن والقرى على ضفاف نهر النيل شكل (2-1جـ)
ــ مواقع الشلالات:
"وتعني انقطاع الملاحة النهرية مثل القرى و المدن المقامة قرب الشلالات بمواقع وادي حلفا أعالي النيل" (2)
شكل(2-1) أنواع مواقع الانقطاع
المسطحات المائية:
ــ سواحل البحار والمحيطات : خط انقطاع بين الماء واليابس و تكون أهم المدن مثل الإسكندرية و بور سعيد في مصر التي بدأت كقرى صغيرة .
ــ البحيرات : هي حواجز وعقبات و بالتالي انقطاع بين الماء واليابس و أنشئت حولها مدن و قرى عند نهايات و أطراف البحيرة مثل الإسماعيلية على بحيرة التمساح كذلك قيام تجمعات عند الخلجان و التعرجات لأنها مواقع حماية طبيعية مثل المدن حول خليج العقبة.
الجبال :
ــ نظراً لوعورتها فإنها تفرض الانقطاع الحركي و من ثم تتحكم في مواقع التجمعات وبها ثلاثة أنواع:
1. مواقع داخل الجبال: في الأودية الجباية التي تمثل الحركة الأفقية أي انقطاع الحركة الرأسية.
2. مواقع أقدام الجبال : عند نقاط التجمع و بعد اجتياز الجبل و فيها انقطاع الحركة الأفقية و بدء الحركة الرأسية.
3. مواقع مقدمات الجبال : تجمعات سكنية تقوم على مسافة من الجبل تمثل القواعد الرئيسية في عبور العائق الجبلي وتعتبر نهاية كل الطرق المؤدية إلى المنطقة الجبلية." (3)
(2) د.م.فاروق عباس حيدر/ تخطيط المدن و القرى / مركز الدلتا / 1994 / الطبعة الأولى ص61
(3) نفس المصدر السابق
شكل (3-1) عناصر الانقطاع الطبيعي
النوع الثاني: الانقطاع الحركي:
و يشمل انقطاع المسار التجاري المقترن باختلاف الطرق مثل تغير حركة الإنسان بالسفينة (في الماء) عنه في القطار مثلاً (في البر)ولذلك فالعلاقة بين التجمع والطريق تكون واضحة فسهولة حركة الناس والمنتجات من و إلى التجمع من أهم عوامل نجاح التجمع و من ثم فإن التجمع العمراني يرتبط ارتباطا ًقوياً بالطرق وأي تحول أو اندثار لأيٍ منهما يؤدي إلى نفس المصير للآخرون لذلك فإن مواقعها المقترنة بهذا الانقطاع تقام عندما يحدث التالي :
1. انقطاع في مسار الطريق البري بظهور عبة جغرافية ( جبل - بحيرة .........)
2. تباين في الإنتاج مثل إقليم دلتا زراعي تحيط به الصحراء من جانبين والبحر من الثالث فإن التجمعات العمرانية تقوم على جبهة الالتحام بين الزراعة و الصحراء و بداية طرق القوافل ومن ناحية البحر تقوم تجمعات الموانئ .
3. تغيير الاتجاه مثل تلاقي الطرق أو عند تقاطعاتها .
4. مواقع بينية على مراحل من الطريق مثل الإستراحات و مراكز التموين و تغيير وسائل النقل.
......وبصفة عامة يمكن تصنيف مواقع التجمعات العمرانية كالتالي:
1. المواقع العقدية : وهي المواقع الإستراتيجية الطبيعية التي توجد عند إختناقات اليابس و الماء مثل مضيق جبل طارق-شكل (2-1)- ومدينة الخرطوم حيث وجودها عند تلاقي الأنهار.
شكل (4-1) المواقع العقدية
2. المواقع البؤرية : و تحدث عند تجميع طرق التجارة والحركة مثل مدينة طنطا.
3. المواقع المركزية : و تحدث عن مواقع التوسط الهندسي للإقليم مثل القاهرة.
4. المواقع الهامشية: وتحث على أطراف الأقاليم مثل موانئ إسكندنافيا و استراليا و نيوزيلندا فهي ليست على طرق التجارة العالمية.
5. المواقع الداخلية: و تحدث عند مداخل الأقاليم مثل المباني البحرية و نهايات وبدايات طرق القوافل من المناطق الزراعية داخل الصحراء.
6. المواقع البينية: و هي المواقع المرحلية بين موقعين هامين مثل التجمع العمراني الذي أنشئ عند الرست هاوس على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي."(4)
شكل (4-1) تصنيف مواقع التجمعات
ثانياً: تباعد التجمعات العمرانية في الإقليم:
اختلف العلماء في تنظيم تكوين شبكة التجمعات العمرانية على صفحة الإقليم حيث أن بعضهم لا يوافق على أن يكون انتشار التجمعات العمرانية خاضع لنظام ميكانيكي ثابت و البعض الآخر يرى وجود نظام يحدد تباعدها من مختلف الحجوم و المراتب و من أشهر نظريات أنماط تباعد التجمعات العمرانية في الإقليم نظرية الأماكن المركزية للعالم الألماني فالتر كريستلر.
ثالثاً: أحجام التجمعات العمرانية:
يقصد بالحجم هنا عدد السكان . فبالنسبة إلى التجمعات العمرانية فيعتبر الحجم مؤشر عام لأهمية التجمع و مكانته وخاصةً عندما يصل إلى حجم مدينة كما يقصد بالتجمعات العمرانية السكنية مساكن العائلات التي تكون الأسرة أساسها و عامة فإن متوسط عدد الأسرة المصري 6 أفراد متوسط عدد الأسرة المصري 6 أفراد وبصفة عامة يعتبر حجم السكان عنصراً هاماً في تعدد الوظائف و رقي الخدمات أساساً للنشاط الاقتصادي و الاجتماعي و فيما يلي بعض العوامل التي تصف و تؤثر في أحجام التجمعات العمرانية:
أ. المسكن: وهو الوحدة السكنية في التجمع العمراني الذي يتمثل في بناء أو جزء من بناء مخصص لعائلة واحدة بشرط أن يكون في مجموعه متمم لبعضه البعض.
ب. التخصص الوظيفي للتجمع العمراني: و يرى العالم المخطط توفلرأن التخيطيط الوظيفي للتجمعات العمرانية تأثر على مدار التاريخ بثلاث موجات.
( موجة الزراعة ــ موجة الصناعة ــ موجة الإلكترونيات)
و في المقابل نشأت التجمعات لتلبي وظائفهاالتي قد تكون:
(زراعية ــ صناعية ــ صحية ــ إدارية ــ دينية ــ عسكرية)
و على العموم فإن تخصص مدينة في الوقت الحالي يكاد يكون افتراضاً نظرياً بل وأحياناً تصل إلى حد التعقيد في الوظائف و من أمثلة ذلك:
ـ الوظيفة الزراعية تحتاج إلى أسواق.
ـ الوظيفة الإدارية تدعو إليها التعليمية......." (5).
(4) نفس المصدر السابق ص62
(5) نفس المصدر السابق ص66
ويمكن تقسيم مراكز العمران الريفي حسب النشأة إلى نوعين رئيسيين هما :
شكل (5-1) تقسيم مراكز العمران الريفي
أ – المراكز العمرانية الريفية المؤقتة
تعكس المراكز العمرانية ارتباط التركز البشرى بالموارد المتاحة فى البيئة المحلية ولذلك فإنها قد تكون مراكز عمرانية مؤقتة أو شبه دائمة ومن الطبيعي أن القرى الثابتة نتاج بيئي لتطور طويل ارتبط بتزايد الموارد الطبيعة وبعبقرية الإنسان في الحصول على هذه الموارد وزيادتها ومن ناحية أخرى فإن المراكز المؤقتة ترتبط بالمجتمعات البدائية مثل جماعات القنص والرعاة وحتى بعض المزارع البدائيين المتنقلين بل أن البداوة قرينة بالتنقل الدائم وبمضارب الخيام ويبدو ذلك بوضوح في خيام العربان و في مخيمات المغول في وسط آسيا ولدى هذه الشعوب فإن المحلات العمرانية هي إحدى مظاهر الحياة فهي انعكاس لظروف البيئة المباشرة على التركيب الاجتماعي لهم لذا فإن هناك تماسكاً اجتماعياً قوياً بين جماعات الصين والزراعة البدائية والرعي البدائي ويبدو ذلك في جماعات الإسكيمو في النطاق القطبي وكذلك لدى جماعات الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وشعوب شرق سيبريا ولعل في ظاهرة الانتقال الفصلي ما يدل على أن العمران غير مستقر حيث يشغل السكان المساكن بصفة غير دائمة بالرغم من أنها مساكن مبنية وثابتة حيث يسكونها في فصل الرعي في خلال جزء من السنة بينما على الجبال تكون المساكن الفصلية الأخرى على بعد عشرة أو ربما ثلاثين ميلاً من القرى الدائمة في الأودية السفلى وكذلك الحال لدى الزراع البدائيين الذين ينظفون مساحة من الأرض لزراعتها وعندما تقل خصوبة تربتها فإنهم يفضلون الانتقال بقريتهم إلى موضع آخر جديد عن البقاء في القرية الأصلية والعودة إليها ولذا تبدو المزارع القديمة مهجورة وكذلك القرية التي كانت مراكز عمرانية للجماعة البشرية تبدو مهجورة هي الأخرى ولا تتم إزالة القرى عشوائياً فيما عدا بعض القبائل البدائية جداً بل يتم ذلك في دورة معتدلة ومن وقت لآخر تبنى القرية في موضع سابق شغلته مراكز عمرانية مرات عديدة من قبل ولذلك فائدة كبرى تتمثل في الاستفادة من بقايا القرية السابقة في إنشاء محلة عمرانية جديدة وقد يحدث في بعض الأحيان أن تتأقلم الزراعة المتنقلة مع العمران المبعثر كما في غابات الأمازون حيث يعيش الزراع المتنقلون في قرى ثابتة مع مساكن مبعثرة جنبا إلى جنب وفي أعالي وادى نهرريوبرانكون.
فإن القبائل تتكون من عائلات صغيرة تعيش منفصلة في مجموعات صغيرة مكونة من كوخين أو ثلاثة وتتغير مواضع هذه الأكواخ كل سنتين أو ثلاثة كذلك فإن جماعات الأروكان الذين يحترفون الزراعة المتنقلة فيما بين وسط وجنوب شيلى يعيشون في مساكن مبعثرة للغاية حيث تتكون بيوتهم من الأغصان ولذلك فعند انتقالهم يأخذون معهم الإطار الرئيسي للمسكن وذلك بعكس الحال في قرى الوطنيين المندمجة فى شمال شيلى مثل قرى الأنكا القديمة .
ب – المراكز العمرانية الريفية الثابتة
من السهل تحديد تعريف المحلات العمرانية الريفية في ضوء وظيفة سكانها ومن هنا تختلف المحلة العمرانية الريفية تماما عن المحلة الحضرية(المدينة) ذلك لأن القرية هي ورشة زراعية كبرى ويتحدد شكلها بنوع العمل الذى يمارسه سكانها وأساليب الزراعة والطريقة التى تستغل بها التربة ويرتبط إنشاء المراكز العمرانية الثابتة بمجموعة من العوامل الجغرافية لعل أهمها تزايد السكان في رقعة ما وتوفير البيئة الصالحة لإنشاء هذه المراكز وعندما يتحقق ذلك فانه يعطى الفرصة لانتاج الغذاء بدرجة كافية في مساحة أصغر وهنا تحل الزراعة الكثيفة محل الزراعة الواسعة وفي نفس الوقت فإن المركز العمراني يصبح مركزاً ثابتاً ودائماً بالضرورة كذلك فإن هناك أسباباً أخرى تجعل المحلات العمرانية دائمة وغير متنقلة ومنها محاولة التجمع في محلة عمرانية ثابتة لتحقيق الأمن الجماعي وهناك أمثلة عديدة منها فعلاً ما حدث لبدو التيدا في إقليم التبستى والذين كانوا أصلاً شعباً بدوياً متنقلاً وبعد أن تعرضوا لهجمات مستمرة من الطوارق تحولوا إلى الزراعة بقدر ما تتيحه ظروف بيئتهم الصحراوية و أصبحت محلاتهم العمرانية ثابتة ومستقرة مع وجود بعض الأنشطة الاقتصادية الأخرى التي ترتبط بالبداوة والترحال في نفس الوقت وهناك مثال آخر في الأراضي الموسمية في آسيا كما في أسام مثلا التي عمرت بمعدل سكاني كبير وحدثت تغييرات كبيرة في الزراعة حيث تحولت من زراعة متنقلة إلى زراعة كثيفة .
والشعوب البدائية التي تمارس الزراعة المتنقلة لديها مساحات واسعة من الأراضي يمكنهم أن يتبعوا دورة كل عدة سنوات بها ففي الزراعة المتنقلة تزال القرى عند الانتقال إلى منطقة جديدة بعد إجهاد التربة في المنطقة الأصلية ولكن عندما يتزايد السكان تصبح الأراضي التي يمارسون فيها الزراعة المتنقلة قليلة ويصبح إزالة القرى أمراً صعباً ومن ثم تصبح محلات عمرانية ثابتة ."
وفي أفريقيا كان للنظام القبلي أقره الكبير على العمران الريفي ذلك لأن العمران كان مرتبطاً بسكن أفراد القبيلة فى مجموعات عائلية ففي مناطق البانت كان ذلك يأخذ شكل نويات مبعثرة من الأكواخ على هيئة خلية النحل فهي ذات جدران طينية أسقف مخروطية من القش وغالباً ما تكون هذه المساكن بالقرب من الحقول وحظائر الماشية وفي أفريقيا الزنجية الجنوبية تكون المساكن ذات جدران صلصالية بأسقف مستطيلة من القش حول تجمع مركزي ويحيط بها أسوار من النباتات الشوكية لحماية السكان والحيوان ويعكس هذا النمط طبيعة الاقتصاد المعاشي وارتباطه بموارد المياه والدفاع والحماية المشتركة وفي بعض الاحيان قد يكون المركز العمراني صغيرا لا يتعدى قرية صغيرة تتألف من عدة أكواخ تسكنها أسرة وفي أحيان أخرى تتجمع هذه الأكواخ على هيئة بلدة متواضعة تأخذ في النمو حول مسكن رئيس القبيلة ويقل التأثير القبلي بدرجة كبيرة بين السكان المستقرين في شمال أفريقيا ولكن تبقى ظاهرة تركز السكان الريفيين في قرى كبيرة سائدة ففي وادى النيل والدلتا في مصر تنتشر القرى ذات البيوت الطينية والأسقف المسطحة في نوبات مركزية في الأرض الزراعية أسهمت في نشاة هذه القرى عوامل متعددة أهمها الموضع حيث كانت تنشا تلال تعلو منسوب الفيضان قبل التحكم في مياه النيل منذ عهد محمد على في النصف الأول من القرن الماضي وتبدو أخر مراحل الاستقرار في زراعة الأرز فى آسيا الموسمية حيث يتطلب أيد عاملة كثيرة غالبا ما تكون مرتبطة بالحقول ومن ثم زراعة الأرز كما يقول بيربيلو والتي تعد المرحلة النهائية في التطور تعد أيضا مادة لاحمة قوية ."(6)
• عوامل التركز العمراني
الإنسان اجتماعي ولكي يعيش في إطار اجتماعي قريب فهو يفضل أن يعيش في محلات مشتركة في مختلف البيئات الجغرافية سواء كانت نامية أو متقدمة ويبدو ذلك بوضوح في المناطق المخلخلة كما في المناطق شبه الصحراوية والصحراوية ففي أودية حضرموت بالجنوب العربي يتكون المسكن الواحد من ستة إلى ثمانية طوابق فوق سطح الأرض الزراعية كذلك تسود في الصين القرى التي تبدو مساكنها مزدوجة الطوابق وفي إيران وأفغانستان تحاط قرى عديدة بأسوار تجعل القرية عالية الكثافة السكانية والعيش في قرى مندمجة عرفها الإنسان مبكرا مثل القرى القديمة في العصر الحجري في مصر والصين وكذلك في بريطانيا الرومانية في العهد الانجلوسكسونى وكان ذلك ضرورة للتعامل مع البيئة الطبيعية الصعبة التى تكثر فيها الغابات أو المستنقعات واستجابة لنظام زراعي دائم وفي مناطق التربة الخصبة يكون السكان في القرية على مقربة من حقولهم ويمارسون حياة اجتماعية سهلة كما أن العيش في قرى مندمجة له مميزات أخرى مثل سهولة الحصول على خدمات القرية المركزية كالتعليم والصحة وغيرها والتي يمكن أن تتم في القرى المندمجة أكثر منها في القرى المبعثرة .
وكانت نظم الزراعة وتنظيم العمل الريفي من العوامل التى أدت الى اندماج القرية مبكراً سواءً في المجتمعات الزراعية القديمة أو حتى في المجتمعات الحديثة التي تسير وفق سياسة مخططة كما هو الحال في روسيا والصين وفلسطين. ففي الاتحاد السوفيتي حرصت الحكومات الشيوعية على تقوية قبضتها السياسية على الفلاحين وتامين الحصص الزراعية للدولة وذلك من خلال النظام التعاوني لتحقيق هذه الغايات اعتماداً على الأساليب المتطورة والآلات وقد أدى ذلك الى التركيز على القرى المندمجة والتي كانت سائدة في روسيا قبل عام 1917 إلا أن بعض القرى السوفيتية لها توابع صغيرة حولها تتخصص في الزراعة الرعوية وفي فلسطين أنشئت قرى تعاونية مخططة ينظمها السكان وقرى جماعية الملكية فيها مشتركة ولا يملك الأفراد فيها ممتلكات خاصة بل يعيشون من العمل الجماعي ويشتركون في العائد النهائي للإنتاج وقد قامت هذه القرى على أسس دفاعية لحمايتها ولتركيز القيمة الدفاعية ويبدو في المجتمعات الأفريقية حيث القرى المسورة عند جماعات الهوسا في شمال نيجيريا والتي تتصف بضخامة الحجم السكاني إذا قورنت بغيرها من المحلات الريفية عند القبائل الأخرى كذلك تجلى عامل الحماية في نشاة القرى في العالم الجديد عندما انشا المستوطنون في نيوانجلندا مبكراً قرى مندمجة كبيرة للحماية ضد الهنود الحمر وكذلك فعل المورمون في ولاية يوتاه في القرن التاسع عشر وبالإضافة إلى هذا فإن نمط العمران المندمج أو النووي يعد أيضاً استجابة لبعض مظاهر البيئة الطبيعية فحيثما تندر موارد المياه كما في الأراضي الجافة فإن القرى المندمجة تقوم غالباً عند مورد المياه الذي يعد مصدر لحياتها وزراعتها وأن كان التطور التقني الحديث قد أدى إلى استخدام الآلات في حفر آبار للمياه فى مناطق صعبة وكان دافعاً لنشاة العمران المبعثر.
(6) د. فتحي محمد ابو عيانة / جغرافيا العمران / دار المعرفة الجامعية / 1993/ الطبعة الأولى .
والاتجاه من التبعثر نحو التركز والاندماج أصبح واضحاً قرب المدن والمجتمعات الحضرية وعلى امتداد الطرق السريعة التي تزداد عليها حركة النقل وحيث تلتهم المدن الأرض الزراعية حولها من خلال التوسع الحضري وتؤدي محاور الطرق إلى ظهور العمران الشريطي كما قد يؤدي هذا التوسع إلى ضم القرى المجاورة لتصبح ضمن أحياء المدينة بعد ذلك .
• عوامل التعثر العمراني
الحملات العمرانية المبعثرة أمر شائع في كثير من البيئات الصعبة كالمناطق الجبلية والغابية والصحراوية حيث يصعب العمل الزراعي ويقسو المناخ وتسود التربات غير الخصبة فالمرتفعات التي لا تسمح إمكانيتها سوى ببعض الحشائش التي تقوم عليها حرفة الرعي حيث يبعد الرعاة عن مساكن القرية ويمارسون أسلوب الانتقال الفصلي ويبدو ذلك واضحاً في مرتفعات البنين في إنجلترا ومرتفعات ويلز واجزاء من النرويج وبعض مرتفعات جنوب أوروبا المطلة على البحر المتوسط وتسود المراكز المبعثرة كمظهر عمراني سائد وحتى في الأقاليم وفيرة المياه والخصبة زراعياً قد توجد عوامل تساعد على التبعثر لعل من أهمها نمط الملكية الزراعية السائد والذي يساعد على انتشار مساكن الملاك كنويات صغيرة مبعثرة على صفحة الإقليم وفي العالم الجديد نجد إن المحلات العمرانية المبعثرة تمثل نمطاً سائداً في بعض السهول الخصبة التى تتخصص فى الزراعة الواسعة وفي هذه الأقاليم سادت فكرة المعزلة والخصوصية واحاط الرواد والمزارعون أراضيهم الواسعة بأسلاك شائكة وكانت مبادرتهم الفردية حافزاً قوياً على نمط التبعثر العمراني كما كانت فكرة وراء التبعثر إما بسبب عدم التوافق العرقي أو الديني أو بسبب الفوارق الاجتماعية والتخصص المبكر في الإنتاج الزراعي باتباع طرق حديثه ولاشك ان الاستقرار في بيئة زراعية على امتداد فترة زمنية طويلة يسمح للسكان بالانتشار في مساحة أوسع في الريف خاصة إذا توفرت وسائل المواصلات وأمكن تسويق المحاصيل الفائضة بسهولة وهناك اتجاه متزايد في مناطق كثيرة من العالم نحو الانتشار في أقاليم ريفية واسعة في الوقت الذي يتجه فيه تيار كبير من سكان الريف نحو المدن .
وفي ضوء التباين في أحجام المحلات العمرانية الريفية فإنه يمكن تقسيمها إلى أقسام لا حدود بينها ربما سوى الشكل و الوظيفة والحجم بطبيعة الحال وهذه الأقسام هي :
أ- المسكن المز رعى المستقل :
وهو مسكن مفرد يقوم في مزرعة بعيدة عن المحلات العمرانية الأخرى وغالباً ما يبنى لتلبية كل الاحتياجات للمزارع .
ب- النواة الريفية الصغيرة :
وهي تضم عدة مساكن للمزارعين وقد تكون تابعة لمزرعة ومنفصلة عن المسكن المز رعي.
ت- العزبة أو الضيعة :
وهي تضم المسكن المزرعي وبيوت العمال الزراعيين بالإضافة إلى عدد قليل من المباني لتلبية احتياجات المزرعة كالمخازن وغيرها .
ث- القرية الصغيرة :
وهي تجمع سكاني صغير الحجم تتعدد فيها ملكيات الأفراد وغالبا ما تكون تابعة لقرى أكبر أو متصلة بها بطريق.
ج- القرية الكبيرة :
وهي تجمع سكني سكاني كبير الحجم نسبياً يضم مساكن المزارعين وغيرهم من أصحاب الحرف الريفية وتتصف بالكثافة السكانية العالية وبوقوعها على طرق رئيسية تربطها بالمراكز المجاورة.
شكل القرية
يتأثر شكل القرية بعدد من العوامل بعضها جغرافي مثل الموقع وبعضها تاريخي مثل الحاجة المبكرة للدفاع وبعضها اقتصادي مثل نظم الزراعة وبالإضافة إلى ذلك فإنه في الوقت الذى نمت فيه القرى نموا طبيعيا عشوائيا فإن بعضها قد نشأ على أساس تخطيطي منذ البداية ومن هنا تتباين أشكال القرى ويمكن تقسيم القرى إلى عدة أشكال رئيسية .
ح- الشكل المندمج
ويرتبط هذا الشكل بإنشاء المساكن الريفية في بقعة واحدة مختارة داخل الأراضي الزراعية وبالتالي تكون الأراضي المخصصة للسكن مختلفة ومميزة تماماً عن الأرض الزراعية ويبدو هذا النمط على الخرائط في تجمعات واضحة وفي مواضع محددة تفصلها عن بعضها أراض وحقول زراعية ممتدة دون أية مساكن بها وقد ارتبطت القرى المندمجة الشكل بالظروف البيئية الأصلية فالإنسان البدائي بمفرده غير قادر على أخطار الطبيعة وتكون الأسرة أو القبيلة أولى نويات المجتمع وتقطن في مساكن متقاربة أو ربما متلاصقة طلباً للأمن وما أن تتزايد أعداد القبيلة حتى تنتشر مساكنها في مساحة أكبر حول النواة الأصلية للمحلة العمرانية .
خ- الشكل المبعثر
قد تكون المساكن في بعض الأحيان مبعثرة دون نظام يربطها وغالبا ما تكون مساكن مفردة أو مجموعة صغيرة من المساكن والتي تظهر في النهاية على شكل نسيج معقد من القرى الصغيرة (العزب) والمزارع وغالباً ما يدل هذا التبعثر على علاقة قوية للغاية بين مكان المسكن ومكان العمل حيث يوجد كل مسكن وسط الحقول او المزرعة الخاصة بصاحبه .
ويؤدي التطور الاقتصادي إلى تحديد أشكال القرى واتجاهها نحو التبعثر وليس الاندماج لعل أول عامل مؤثر في ذلك هو نظام الملكية الزراعية حيث توجد القرى الصغيرة مرتبطة بالمزارع الكبيرة والتي غالباً ما تكون مقراً لسكنى صاحب الأرض الزراعية وبعض العمال معه في مساكن مجاورة ومعنى ذلك أن القرى المندمجة إذا كانت نتاجاً لتاريخ طويل في استقلال الأرض وترجع إلى عهد قديم فإن العمران المبعثر نتاج للعصر الحديث وللتغير في نمط الزراعة والملكية واستغلال الأرض حول القرية حيث تقل مساحة الملكيات الزراعية قرب مساكنها وتميل إلى الكبر والاتساع بالبعد عنها وتلك سمة هامة تتميز بها القرى خاصة تلك الواقعة على طرق هامة وفي بيئة زراعية خصبة .
ج- الشكل الشريطي (الطولي )
يوجد هذا الشكل مرتبطاً بظروف الموضع ذاته وفيه تنشأ المباني جنباً إلى جنب على امتداد طريق رئيسي واحد ويسود هذا النوع في الريف الإنجليزي وفي فرنسا خاصة في منطقة اللورين وجافات حوض باريس ونورماندي حتى أن مساكن القرى تتصل مع بعضها على امتداد الطريق ولمسافة تصل إلى نحو 16 كيلو متر دون انقطاع والقرية الإنجليزية من هذا النوع تمتد شريطياً على جانبي طريق رئيسي والمساكن على كلاً جانبيه وكثير من هذه القرى الشريطية قديم وبعضها حديث وقد يكون نموها مرتبطاً بطرق النقل الأخرى مثل الأنهار التي تكون أساساً هاماً في نشأة القرى وامتدادها وفي تلك الحالة تنشأ القرية الطويلة على امتداد خط الينابيع وبالإضافة إلى ذلك قد تمتد مساكن القرية الشريطية على طريق يتقاطع مع الطرق الرئيسية وتبدو كشريطين متقاطعين وتحوي مركزاً حديثاً للخدمات الريفية ورغم هذه الأشكال الثلاثة للقرى فإن كثيراً منها لا يخضع لشكل محدد من الأشكال السابقة حيث لا تتميز بشكل محدد في الواقع وتخضع في نموها وشكلها لظروف الموضع الحالي وقد لا تقوم عند طريق هام وقد لا يوجد بها مظهر طبيعي مميز وتتبعثر بها الخدمات كالمسجد أو الكنيسة أو ورش الحدادة وتمتد في اتجاهات مختلفة يصعب معها وصفها بشكل معين ."(7)
(7) نفس المصدر السابق
د- القرى المخططة
تنشأ بعض القرى نتيجة تخطيط مسبق ووفق شكل عمراني معين فقد تنشأ حسب النمط الكلاسيكي القديم كالتي تقيمها الشركات للعاملين بها كما قد تنشئ الحكومة قرى مخططة تلبية لاحتياجات الزراعة ووفق نظام معين مثل الكولخوز في روسيا أو القرى التعاونية (الكيبوتز ) في فلسطين أو القرى التي أنشئت في مناطق الاستصلاح في مصر وبالإضافة إلى ذلك فإن أبرز أمثلة القرى المخططة تلك القرى السياحية التي تنشأ وفق خطة محددة لتلبية احتياجات السياحة والترويح وتخضع تماماً لذا الغرض في مبانيها وتخطيطها ومنشاتها سواء على ساحل البحر أو في المناطق الجبلية أو غيرها .
شكل (6-1) بعض أشكال القرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق