التسميات

الجمعة، 21 أبريل 2017

دراسة تطبيقية في الجغرافيا التاريخية لشبه الجزيرة العربية للمحاضرات 12و13و14 ...


المحاضرة الثانية عشر

          دراسة تطبيقية في الجغرافيا  التاريخية 

                     لشبه الجزيرة العربية  للمحاضرات 12و13و14     صفحة 279   
   أولاً: تعريف وتحديد شبه الجزيرة العربية:  
                  1- حدود شبه الجزيرة العربية في العصور القديمة 
                         عند: الآشوريين والبابليين والآراميين واليونان والرومان                   
                  2- حدود شبه الجزيرة العربية في العصر العربي. 
                  3- التحديد الحالي لشبه الجزيرة العربية. 
    ثانياً:  الموقع والعلاقات المكانية. 
    ثالثاً:  التغيرات المناخية في الزمن الرابع والنتائج 
          المترتبة عليها لشبه الجزيرة العربية.  
  رابعا:  تطور الحضارة في العصور المختلفة لشبه الجزيرة العربية.



تمهيد: تشغل شبه الجزيرة العربية القسم الجنوبي من النطاق الأوسط للإقليم الحضاري الرئيسي في العالم القديم الذي شهد فصول الحضارات البشرية، والذي يمتد من الهند شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً. 

     أولاً: تعريف وتحديد شبه الجزيرة العربية 
      اختلف المفهوم الجغرافي لشبه الجزيرة العربية من فترة تاريخية إلى أخرى، فقد تصورت شعوب العالم القديم شبه الجزيرة العربية في أقسام  تتفق مع اهتماماتها السياسية أو الاقتصادية أو الجغرافية، ويمكن تتبع حدود شبه الجزيرة العربية خلال العصور المختلفة على النحو التالي:  
1- حدود شبه الجزيرة العربية في العصور القديمة.  
    تعود أول الإشارات في كتابات الجغرافيا التاريخية لشبه الجزيرة العربية إلى: 
-1 الأشوريين (القرن التاسع ق.م.) وكانت تسمى بلاد العرب ويقصد بها القسم الشمالي من شبه الجزيرة الحالية، اي القسم الشمالي الذي يمتد بين واديي دجلة والفرات في الشرق وسوريا في الغرب.


-2     من بعدهم جاء البابليون الذين وسعوا المجال الأرضي لشبه الجزيرة العربية جنوبا ليشمل حدود المدينة المنورة. 
   -3 جاءت النصوص الآرامية وأسفار العهد القديم بإشارات عن شبه الجزيرة 
       العربية لا تختلف في تحديدها كثيراً عن الحدود التي أوردها الآشوريون والبابليون . 
   -4 العهد اليوناني يمكن البدء ب:  
     أ -الإشارات الواردة في ملحمة الأدويسا لهوميروس وأشعار هزيودوس في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد. ومع ذلك لا يولي المؤرخون لهذه  الإشارات أي أهمية. 
       ب- يمكن اعتبار كتابات هيرودوتس البداية الحقيقة لتحديد شبه الجزيرة العربية في العهد اليوناني، وهو أول من دفع بالحدود نحو الجنوب، وان كان قد ضم لها مناطق خارجها مثل شبه جزيرة سيناء وصحراء مصر الشرقية، وفي رأيه أن بلاد العرب  هي أقصى البلاد المعمورة في العالم نحو  الجنوب،.

كما وصف الأهمية الاقتصادية لشبه الجزيرة العربية وشهرتها في إنتاج الألبان والمر والقصيعة والقرفة واللادن والمستكة.  

ج- وعندما غزا الإسكندر الأكبر المشرق العربي، أورد بعض قادة جيوشه معلومات عن شبه الجزيرة، فهي حسب  
    تقديرهم تقارب مساحة الهند، وساحلها المطل على البحر الأحمر الذي يبلغ طوله من رأس الخليج (خليج العقبة  
   الحالي) شمالا إلى مدخل البحر الأحمر عند طرفه الجنوبي حوالي 14ألف ستاديوم (1 ستاديوم=185متر،1كم=5,4ستاديوم)،  
   أي حوالي 2590 كيلومترا *، وسواحله  تصلح لإقامة المدن  وإنشاء المرافق. 
      * (طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر حوالي 2800كم)

د- وتظهر أول ملامح تقسيم شبه الجزيرة العربية إلى أقاليم جغرافية من خلال كتابات ايراتوستين باعتباره 

    أحد الجغرافيين البارزين في عصره،وتتلخص أفكاره أنه : 
  1- ميز بين  إقليمين جغرافيين في شبه الجزيرة العربية: 
     الأول، هو إقليم بلاد العرب الصحراوية، والثاني إقليم العرب الميمونة أو السعيدة، هذا التقسيم له مغزاه الجغرافي،حيث يعكس الملامح الجغرافية لشبه الجزيرة العربية خاصة الأحوال المناخية حيث يزيد المطر بالاتجاه جنوبا 
      نحو بلاد العرب السعيدة، مما يسمح بتنوع الموارد الاقتصادية. 
س)اشرح كتابات ايراتوستين الجغرافية حول شبه الجزيرة العربية.

ويفصل بين بلاد  العرب الصحراوية وبلاد العرب السعيدة خط يبدأ عند هيروي قرب ميناء السويس الحالي، ويتجه شرقاً مارا بعدد من الأقوام قبل أن يصل إلى نهايته عند بابل. وحدد طول هذا الخط بحوالي 1018 كيلو متر. 

2- حدد ايراتوستين أنماط النشاط الاقتصادي في الإقليمين والتي تجمع بين الزراعة والرعي ثم الزراعة المكثفة،  
3- كما حدد المجموعات السكانية التي تقطن الإقليمين    وهي: المعينيون، والسبئيون، والقتبانيون، والحضارمة.

5- العصر الروماني: شهد مزيدا من المعرفة الجغرافية لشبه الجزيرة العربية من خلال عدد من الكتابات بعضها تاريخية والبعض الآخر جغرافية، وكان اهتمام الرومان بشبه الجزيرة العربية لعدة أسباب، أهمها تعرض الطريق البري الذي يصل أوروبا بشرق آسيا لهجمات الفرثيين في إيران، وبالتالي تغيير التوجيه الجغرافي للرومان بالاهتمام بالطريق البحري الذي يمر بالمياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى زيادة استهلاك الطيوب التي اشتهرت بها شبه الجزيرة من جانب سكان روما عاصمة الدولة الرومانية. 

س: اشرح أسباب اهتمام الرومان بشبه الجزيرة العربية
ومن أهم الكُتاب الذين اهتموا في دراساتهم بالجزيرة العربية، استرابون وبطليموس. أما عن استرابون فقد قدم وصفاً لشبه الجزيرة العربية ضم أسمائها ومساحتها وثرواتها الاقتصادية، وما فيها من المدن والمواقع والرؤوس والخلجان والقبائل والأقوام والطرق.                وكانت معظم هذه المعلومات تهدف إلى خدمة رجل السياسة في المقام الأول، ولذلك كان اهتمامه واضحا ومميزا بالمدن ذات النشاط التجاري، مثل جرهاء التي تبعد في رأيه عن خط الساحل بحوالي 60 ميلا، كما ذكر مدينة مكاي والتي يرجح أنها رأس الخيمة الحالية، حيث تقترب من ساحل إيران وتواجهه، كما اهتم بمحطات الملاحة ما بين جزيرة العرب وبلاد العراق القديم وبين بلاد فارس، وأشار إلى جزيرتي دلة والمحرق
وكان بطليموس أكثر جغرافية من استرابون، فقد قسم شبه الجزيرة العربية إلى أقسام طبيعية ثلاثة هي:  

      أ- بلاد العرب الصحراوية 
    ب- بلاد العرب الصخرية 
     ج- بلاد العرب السعيدة 
     ويلاحظ من هذا التقسيم اتفاقه مع تقسيم ايراتوستين وإن زاد عليه بلاد العرب الصخرية، كما اختلفت المعلومات التي ضمها كل قسم عند كل منهما. 
ص282

ولعل أهم ما يسترعي الانتباه في دراسة بطليموس عن شبه الجزيرة العربية، هي محاولته لضبط الحدود والتقسيمات والأماكن عن طريق خطوط الطول ودوائر العرض. وإن جانبه الصواب في بعض الحالات فعلى سبيل المثال ترك الركن الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة خاليا من أي موقع، بينما كدس المواقع في القسم الجنوبي الشرقي بشكل يلفت الانتباه وبعيدا عن الواقع، وربما يعزى ذلك إلى أخطاء في الرسم أو النسخ بعد ذلك، كما أنه وضع نهاية الخليج العربي في مكان قريب من مدينة النجف الحالية، وربما لجأ إلى ذلك على اعتبار أن جنوب العراق كانت تشغله الأهوار والمستنقعات، وبالتالي فقد اعتبر هذا الجزء قسما من الخليج العربي
وقد يكون من المفيد الإشارة إلى الأقسام الطبيعية التي أوردها بطليموس في العهد الروماني، ومن قبله ايراتوستين في العهد الإغريقي، لبيان أهمية كل قسم في الشخصية الحضارية لشبه الجزيرة العربية. 

أ- العربية الصحراوية: 
        يشغل هذا القسم الجزء الشرقي من الصحراء الواقعة بين وادي الفرات شرقا وسوريا غربا، ويفصله دائرة عرض 33 شمالا عن العربية الصخرية من ناحية الجنوب، وفى رأى البعض أن هذا القسم هو بداية الشام وفى رأى أخر بادية السماوة (محمد بيومي مهران، 1996، ص235)، ويذهب ديودور الصقلي إلى أنها المناطق الصحراوية التي كانت تسكنها القبائل البدوية وإن سكانها من الأراميين والنبط وأنها تقع بين سوريا ومصر.

ب- العربية الصخرية: (موطن الأنباط)  

      اختلفت الآراء حول تحديد هذا القسم، فالبعض يرى انه يشغل القسم الغربي من النطاق الصحراوي الشمالي أي الامتداد الغربي للقسم السابق ليشمل أيضا شبه جزيرة سيناء، وقد قصد بطليموس بهذا القسم شبه جزيرة سيناء وما يتصل بها من فلسطين والأردن . 
     وفى رأى ديودور الصقلي، أنها تقع إلى الشرق من مصر، والى الجنوب والجنوب الغربي من البحر الميت، وفى شمال العربية السعيدة وغربها. ومثل هذه الآراء تعكس صعوبة تحديد هذا القسم، فلا يمكن اعتباره إقليميا عرضيا يمتد من الشرق إلى الغرب. وربما اعتمد على أساس المظهر الجبلي بشكل عام، بحيث حدث الخلط بين المفهوم التضاريسي والمفهوم الجيولوجي في تسميته بالصخرية.

فضلا عن ذلك فهذا القسم هو موطن الأنباط الذين اتخذوا من البتراء عاصمة لهم في القرن الأول قبل الميلاد، ولما كانت حدود دولة الأنباط دائمة التغير من فترة إلى أخرى كانت حدود هذا القسم تتغير بدورها، ما بين تقلص واتساع، فقد وصل نفوذ الأنباط إلى دمشق أحيانا في الشمال، كما امتدت منطقة نفوذهم الجنوبية إلى المنطقة التي تعرف بمدائن صالح في الوقت الحالي في شمالي غربي المملكة السعودية، 

      وبعبارة أخرى لم يكن تحديد هذا القسم قاصراً على النواحي الطبيعية بل تعداه إلى أسس سياسية، وقد عاش في هذا القسم قبل الأنباط عناصر سكانية عرفوا بالأدوميين، استقروا في القرى والمدن واختلطوا مع الأنباط في مرحلة لاحقة، وفي المناطق التي خلت من الأنباط عاشت قبائل عربية أطلَق عليها الكتاب اليونانيون والرومان قبائل سبئية ويعنون بهم القبائل الجنوبية.
ج- العربية السعيدة: 

     وصف هذا القسم بصفات أخرى كلها تدل على ظروف جغرافية مواتية لصفات سكانها بمعيشة أفضل من معيشة سكان القسمين السابقين، ومن هذه الصفات الميمونة والمباركة، ويعد هذا القسم أكثر الأقسام الثلاثة اتساعاً، وتحديده واضح، فالحد الشمالي يمتد من الطرف الشمالي للخليج العربي في الشرق إلى خليج العقبة في الغرب، وكان ذلك يتوقف على مدى قوة أو ضعف الكيانات السياسية التي تقع إلى الشمال من هذا القسم.   (محمد بيومي مهران، 1996، ص222)،
ويلاحظ بشكل عام أن هذا القسم اتصف بوفرة موارده، تلك الموارد التي تجمع ثنائية واضحة، حيث الموارد الزراعية في الجزء الجنوبي الغربي (اليمن) - حسب تقسيم بطليموس!- والموارد في باقي هذا القسم والتي تستمد من عائد نقل التجارة على الطرق التي تخترق هذا القسم وتصله بباقي مناطق شبه الجزيرة.    

نقد تقسيم بطليموس 
    وبالرغم من كل هذا فإن تسمية هذا القسم بالعربية السعيدة فيه شيء من المبالغة أو ربما جهل القدماء بكل جغرافيته، إذ تشغل الصحاري جزءا كبيرا منه، وإذا صح هذا التقسيم يمكن استبعاد الصحاري منه  لتضم إلى العربية الصحراوية.

العصر العربي:                                                  ص284 

       أطلق العرب على شبه الجزيرة العربية اسم جزيرة العرب، وهى تسمية مجازية لأن بلاد العرب ليست جزيرة وإنما هي شبه جزيرة، وربما كانت مستمدة من إحاطة بلاد العرب بالبحار من جهات ثلاث، ونهر الفرات من الجهة الشمالية (الرابعة). 
     وذكر ابن خلدون أن جزيرة العرب بين فارس والقلزم داخلة من البر في البحر، يحيط بها البحر الحبشي من الجنوب، وبحر القلزم من الغرب، وبحر فارس، وتفضي إلى العراق فيما بين الشام والبصرة على ألف وخمسمائة ميل بينهما.(ابن خلدون، المقدمة، ص 821- 882). 
       وكانت التقسيمات التي أوردها الكُتاب العرب عن شبه الجزيرة العربية أكثر تفصيلا وأكثر دقة من التقسيمات التي ظهرت في العهدين اليوناني والروماني، وإن كان القسم الذي عرف بالعرب السعيدة أكثر الأقسام حظا في التقسيم والمعرفة.

واتفقت معظم الآراء على أن بلاد العرب تضم خمسة أقسام رئيسة هي:  

   ( تهامة – الحجاز – نجد – العروض – اليمن كما يتضح من الشكل التالي ). ويزيد ابن حوقل على هذه الأقسام قسمين آخرين هما: بادية العراق وبادية الجزيرة فيما بين دجلة والفرات وبادية الشام (ابن حوقل، 1938، ص29)، وقد أضاف البعض قسماً أخر هو البحرين، وهو في نظر البعض من العروض، وفى نظر آخرين جزء من العراق. 
     وأخيرا فهناك من قسم بلاد العرب إلى قسمين اثنين هما: اليمن والحجاز – تهامة ونجد والعروض (محمد بيومي مهران، 1996، ص238). ويمكن الإشارة إلى الأقسام الخمسة، الأولى فهي شاملة بشكل عام للأقسام الأخرى التي أضيفت إلى بلاد العرب.

1-  وأول هذه  الأقسام الخمسة هو القسم الذي  تشغله منطقة الحجاز، التي تقع بين نجد وتهامة، وهي منطقة يخترقها من الشمال إلى الجنوب سلسلة جبلية تمثل العمود الفقري لإقليم الدرع العربي في الغرب وتحمل اسم المنطقة، وإن كان لها أسماء عديدة تختلف من جزء إلى آخر لا يسمح المجال هنا بتتبعها، وما يهمنا هو مدى معرفة العرب بهذا القسم إذ حددوا بعض الأودية التي تخترق المنطقة، بعضها يتجه نحو الشرق وهي الأطول، والبعض الآخر نحو سهل تهامة والبحر الأحمر وهي الأقصر والأعمق، ومن أهم هذه الأودية وادي نخال الذي ينبع بين مكة والمدينة، ووادي القبري بين المدينة والعلا وغيرها من الأودية (عبد الرحمن الشريف، 1982، ص ص 44- 45) ويضم هذا القسم عددا من مدن بلاد العرب الشهيرة أهمها المدينة والطائف وخبير وتيماء.
2- وبعد تجاوز  حاجر جبال الحجاز أو السراة  يظهر القسم الثاني وهو تهامة، وهو عبارة عن منطقة سهلية توازي ساحل البحر الأحمر من خليج العقبة عند حدود الأردن شمالا حتى اليمن جنوبا، وقد كانت تهامة عند العرب تعني الأرض المنخفضة، وهي كلمة يبدو أنها مأخوذة من طبيعة المنطقة، ووردت في النصوص العربية الجنوبية السابقة للإسلام في صورة "تهمت" أو "تهتم"، وربما كانت لها علاقة بكلمة "تيهوم" العبرانية (لطفي عبد الوهاب، 1997، ص101).
يشير اسم تهامه إلى الخصائص التي تتصف بها منطقة الساحل، وقيل أن تهامة ذلك من التهم وهو شدة الحر وركود الرياح، وقيل سميت كذلك لتغير هوائها.(السيد عبد العزيز سالم، 1973، ص15) 

   ويتألف إقليم تهامة من عدة تهائم داخل اليمن، ومنها ما يدخل في الحجاز وتختلف الأولى عن الثانية، فتهامة اليمن   تكثر فيها الأودية التي تنحدر من مرتفعات عسير وبذلك تكثر بها الزروع على عكس تهامة الحجاز، وعلى الساحل تقوم بعض المدن مثل الحديدة ومخا والقنفذة وجدة، ومن المدن الداخلية مكة والحديبية.


المحاضرة الثالثة عشرة
دراسة تطبيقية في الجغرافيا التاريخية لشبه الجزيرة العربية 

       أولاً :  تكملة حدود شبه الجزيرة العربية في العصر العربي
               والتحديد الحالي لشبه الجزيرة العربية

       ثانياً: الموقع والعلاقات المكانية
3- أما عن منطقة نجد فهي خاصرة بلاد العرب تفصل بين الأجزاء الواقعة في الغرب وتلك التي تقع في الشرق، ويحدها من الشمال بادية السماوة ، ومن الجنوب الربع الخالي، ومن الشرق هضبة الصمان ومن الغرب مرتفعات الحجاز.
   ترتفع نجد في الغرب وتقل(تنحدر) نحو الشرق، ويتوسطها جبل طويق، وفي شمالها جبال شمر، كما يقطعها مجموعة من الأودية أهمها على الإطلاق تلك الثلاثية البلايستوسينية: الرمة في الشمال، وحنيفة في الوسط، والدواسر في الجنوب.
    ونجدٌ عند العرب قسمان هما، نجد العالية(المرتفعة) ما وَلِيَ الحجاز وتهامة، ونجد السافلة(السفلى) ما وَلِيَ العراق، وكانت حتى القرن السادس الميلادي ذات أشجار وغابات خاصة في الشربة جنوب وادي الرمة وفي وجرة.                            ص287

  4- وبالنسبة للقسم الرابع والذي يسمى بالعروض، فقد اختلفت الآراء حول تحديده أو ما يتضمنه من مناطق أخرى، وحدده العرب من الأطراف الشرقية لليمن ثم يستمر في اتجاه الشرق والشمال الشرقي حتى اليمامة وشواطئ  البحرين، وربما جاءت تسمية هذا القسم بالعروض لأنه يعترض بين اليمن ونجد والعراق (السيد عبد العزيز سالم، 1973، ص18).
       ومع ذلك فمن الصعب اعتبار هذا القسم إقليماً جغرافيا، فالخصائص الجغرافية جد مختلفة بين أجزائه، فهو يجمع بين السهول الساحلية والصحاري والهضاب، وإن كان مناخه حارا بشكل عام في كل أجزائه.
    وفي العروض مجموعة من الواحات تضمها في الوقت الحالي منطقتا الإحساء والقطيف.
  وقامت في هذا القسم مجموعة من المدن بعضها على طول الساحل ومعظمها موانئ والبعض الآخر في الداخل كانت بمثابة عِقدٍ على امتداد طرق التجارة، فعلى ساحل الخليج قامت "هَجر" والتي عرفت بإجرا ثم العُقير، والتي كانت تسمي "جرهاء" أو "جرعاء" (لطفي عبدالوهاب، 1997، ص102).
أما البحرين فهي إقليم فسيح قريب من الخليج العربي وكانت قاعدتها هجر، وإلى الغرب من اليمامة تمتد منطقة صحراوية فيها من الأدلة التي تثبت أنها كانت مأهولة بالسكان في العصور السابقة، إذ وجدت في بعض جهاتها مواقع أثرية مهمة، بالإضافة إلى ذلك اختراق هذه المنطقة الصحراوية خط تجاري كان يمر عبر اليمامة هو درب اليمامة. (اليمامة جنوب نجد وتقع في منطقة الخرج).
      وفي هذه المنطقة أيضا آثار البلايستوسين ممثلة في مجموعة من الأودية مثل: العرض والفقي وحنيفة.                   ص287
       وفي شمال العروض تقع الكويت ، وهي منبسطة السطح وسواحلها رملية وتكثر فيها التلال والهضاب قي الغرب،وكانت من المدن المأهولة منذ عصر ما قبل الإسلام.

5- وتمثل اليمن آخر أقسام بلاد العرب وتمتد حدودها من تهامة إلى العَروض ، وسميت كذلك لتيامن العرب إليها، لأنها أيمن الأرض وعرفها العرب بالخضرة لكثرة مزارعها ونخيلها وأشجارها وثمارها، ويؤكد هذا المعنى تسمية اليونانيين والرومان لها بالعربية الخصبة أو السعيدة أو المباركة.   ص288

   التحديد الحالي لشبه الجزيرة العربية         ص288

      من الصعب وضع تحقيق دقيق لشبه الجزيرة العربية، فهي وحدة جغرافية تختلف حدودها وفقا للأساس الذي يتخذ في تحديدها، وإذا اعتمدنا على الأساس الجغرافي العام، يحد شبه الجزيرة العربية من الغرب البحرين الأحمر والمتوسط، ومن الشرق خليج عمان والخليج العربي بل والساحل الغربي الإيراني، والحوض الأدنى والأوسط لدجلة والفرات، ومن الشمال السفوح الجنوبية لهضبة كردستان وهضبة الأناضول ، ومن الجنوب البحر العربي وخليج عدن.
      وفى حال اتخاذ الصحراوية والجفاف  كمعيار للتحديد، سنجد أن الحدود  الشمالية ستمتد لتشمل كل المناطق  الصحراوية بحيث تمتد حدودها  مع الحافة الغربية لشط العرب  ووادي الفرات  حتى دائرة العرض 34 شمالاً، ثم تمتد الحدود شرقا  حتى دجله لتضم ارض الجزيرة،  ثم تتجه شمالا مع دجله حتى  التقائه بالزاب الصغير. وفى هذا  التحديد سنجد أن العمود الفقري  لشبه الجزيرة العربية هو سلسلة  الجبال التي تمتد من جنوب  سوريا في الشمال إلى اليمن  في الجنوب وهى جبال السراة.
     وقد فرض التقسيم الحالي لشبه الجزيرة العربية مفهوما مختلفا لحدودها،  ويضم الوضع الحالي سبع دول(المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمانـ والإمارات، والكويت، وقطر ، والبحرين، واليمن)، بمساحة تعادل 3,1مليون كم.

   ثانياً: الموقع والعلاقات  المكانية  289 
     تقع شبه الجزيرة العربية في أقصى جنوبي غربي أسيا، وهذا الموقع له مغزى، جغرافي وتاريخي، فهي تتوسط العالم القديم، وتتصل برا بآسيا وإفريقيا وأوروبا، فعن طريق شبه جزيرة سيناء تتصل بشمال أفريقيا،وعن طريق باب المندب تتصل شبه الجزيرة العربية بشرق قارة أفريقيا.
    وتقع أيضا بين مسطحين مائيين كبيرين هما: المحيط الهندي في الجنوب، والبحر المتوسط في الشمال الغربي، وفيما بينهما تمتد اذرع مائية تتغلغل في اليابس في طرفي شبه الجزيرة، هما الخليج العربي والبحر الأحمر الذي زادت أهميته بعد شق قناة السويس.
ويتكامل موقع شبه الجزيرة مع مناخها وتضاريسها  في إكسابها الشخصية الجغرافية المميزة، فالمرتفعات غير بعيدة من سواحل شبه الجزيرة العربية الشرقية والغربية ، وأهم ما يميز هذه الشخصية هو اتجاه سكان شبه الجزيرة للاشتغال بالنشاط البحري، وان يولوا وجوههم إلى خارج شبه الجزيرة إلى الإقليم الأسيوي والشواطئ الشرقية لإفريقيا.
ولا شك أن لموقع شبه الجزيرة العربية نتــــائــــج عديدة، خاصة ما يتصل بالعلاقات وأقسامها الجغرافية والأقاليم الجغرافية المجاورة وفيما يلي عرض لأهم هذه النتائج:
  1- لم يكن في استطاعة التجارة الشمالية البعيدة أو الجنوبية البعيدة أيضا أن تدور البحر دورانا كاملا متجاهلة موانئ وشواطئ شبه الجزيرة العربية وشواطئها، فالتاجر البحري القادم من الجنوب يجب أن يتوقف عند الساحل، وأن يعهد إلى وسيط بحري ينقل ما يحمله من سلع الجنوب على ظهر بعير عربي يحدوه حاد عربي من ميناء الجزيرة حتى يبلغ الشواطئ الشمالية، فيعود ليسلم ما حمل إلى ملاح آخر، وهكذا بالعكس بالنسبة للتاجر البحري القادم من الشمال، وبهذا ساعد الموقع الجغرافي وطبيعة الجزيرة العربية أهلها على التجارة والنقلوالوساطة بين شواطئ الجنوب وشواطئ الشمال، وكان ذلك مدعماً بالجَمَل الذي حمل لواء التجارة في بيئة جافة بسبب ما يتميز به من تحمل العطش والجوع وقطع الفيافي.              ص290
2- تمتد في  جنوب غربي شبه الجزيرة العربية  هضبة بركانية مرتفعة، تسقط  عليها كميات وفيرة من المطر  في فصل الصيف تسمح بنمو عدد  كبير من النباتات الطبيعية  والمحاصيل الزراعية.
       وإلى الشرق من هضبة اليمن يمتد وادي حضرموت الذي كان مجالا لامتداد حضارات اليمن: معين وسبأ وحمير. وكان لوادي حضرموت شهرته في إنتاج البخور الذي حمله تجار اليونان وروما للاستخدام في معابد البحر المتوسط وكنائسه المسيحية. (سليمان حرين، 1988، ص15)
        وتشير الأدلة الأركيولوجية إلى أن اليمن وعدن كانتا في العصور الحجرية القديمة مأهولتين بالسكان، حيث انتقل قسم منهم إلى عمان ومناطق الخليج العربي، وإلى شبه جزيرة سيناء وإلى فلسطين والأردن، والبعض الآخر عبروا مضيق باب المندب إلى الصومال وكينيا وإثيوبيا، وإلى الشرق من وادي حضرموت تظهر المرتفعات المتوسطة مرة أخرى.
وتظهر أيضا الموانئ وترجع أهمية القسم الجنوبي من شبه الجزيرة بشكل عام في قيامه بالوسيط التجاري بين الهند وشرق أفريقيا أو بين الهند ومناطق الشمال، وهنا تتدخل الرياح الموسمية لتكون لها الكلمة في الحركة التجارية بين الجزيرة العربية وشرق أفريقيا أو بينها وبين الهند، فالرياح الموسمية الصيفية تدفع بالسفن نحو الشرق إلى الهند، ثم تعود الرياح الموسمية الشتوية لتدفع بالسفن نحو الغرب.
    وعلى السواحل الجنوبية للجزيرة العربية قامت مجموعة من الثغور والموانئ أهمها من الغرب إلى الشرق بوديمون (ميناءعدن الحالي)، وقنا (ميناء بير علي الحالي)، والمكلا (حضرموت) وظفار (صلالة). وكان ميناء بوديمون  أهمها لقربه من مدخل البحر الأحمر ولانتهاء الطريق الرئيسي الذي ربط سواحل البحر المتوسط بالبحر العربي والذي كان يقطع الجزء العلوي  من شبه الجزيرة.
3- يفصل الخليج العربي  بين أرض شبه الجزيرة العربية وأرض فارس القديمة، ويتميز ساحل الخليج العربي في جانبه العربي بكثرة الجزر والرؤوس، وبالقرب من الساحل تتفجر المياه الجوفية في عدد من الينابيع، بلغ عددها 40 عينا في منطقة العروض (لطفي عبد الوهاب، 1997، ص102) في هذا الجزء قام النشاط الاقتصادي معتمدا على اقتصاد البر ممثلا في الرعي والزراعة وأضيف البترول إليه في الوقت الحالي، واقتصاد البحر متمثلا في صيد الأسماك واللؤلؤ والتجارة أيضا.
     هذه الظروف أسهمت بشكل مباشر أو شبه مباشر في قيام مراكز حضارية قديمة تعود إلى العصور الحجرية حتى عصر المعدن وفي العصر التاريخي، وهناك من يرى أن هذا الجزء هو الوطن الأصلي للفينيقيين الذين تعلموا حياة البحر في الخليج العربي قبل أن يهاجروا إلى وطنهم الثاني على الساحل الشرقي للبحر المتوسط .
                                                          ص291
ولم يقتصر النشاط التجاري لشواطئ العرب على الخليج العربي على توجيهها نحو البر العربي، إنما انتشر مع الساحل إلى أرض العراق الأدنى حيث استقر الملاحون العرب الأقدمون مع التجار اليونانيين فيما يطلق عليه ميناء المحمرة(شمال شرق الخليج العربي) (شاراكسي سيازينو القديمة). وقد انتهى الأمر باستقرار العرب على الشاطئ الشرقي للخليج العربي في المنطقة التي عرفت بعربستان.
       ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل استقر العرب في عدة نقاط على سواحل فارس خاصة في منطقة ميناء سيراف الذي لعب دورا مهما في التجارة القديمة خاصة في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وكان نقطة ارتكاز للتجارة العربية مع شواطئ الهند.
وكما هي الحال بالنسبة للسواحل الجنوبية للجزيرة العربية، قام على سواحل الخليج العربي عدد من الموانئ لعبت دورا مهما في عالم التجارة القديمة، أهمها جرا أو جرها والتي تقع بالقرب من ميناء العقير الحالية، وتيريدون Teredon وتقع على رأس الخليج بالقرب من بلدة القصر الحالية في العراق.
  4- إلى الشمال من شبه الجزيرة العربية تمتد سلاسل جبال طوروس والأناضول تتجه من الشرق إلى الغرب وكانت بمثابة حاجز  لتوسع القبائل العربية نحو الشمال، وبالرغم من ذلك فقد استطاعت بعض الجماعات وبأعداد قليلة من عبور هذه السلاسل الجبلية حيث  كان لها تأثير حضاري محدود في أرمينيا، ومن بعد ذلك انتشار البعثات الإسلامية  التي وصلت إلى البلقان.
5- تمتد في شمال غربي الجزيرة العربية المنطقة المعروفة بالهلال الخصيب، وهذه منطقة تشبه الهلال الذي ينفتح نحو الجنوب، وله قرنان أحدهما أرض العراق والآخر بلاد الشام وتجمع هذه المنطقة العديد من المظاهر التضاريسية التي تعكس التاريخ الجيولوجي للمنطقة، ففي الجنوب بادية الشام، وفي الوسط مجموعة من السلاسل الجبلية تمتد متوازية لتحصر بينها أخدودا تشغل أعمق أجزائه البحر الميت وامتداده نحو الجنوب في خليج العقبة، وفي شمال الأخدود سهل البقاع وامتداده نحو سهل العمق، وإلى الغرب من السلال الجبلية  تمتد سهول البحر المتوسط من الشمال إلى الجنوب، وعند الاقتراب من مياه البحر تمتد مجموعة من الرؤوس والخلجان التي أسهمت في قيام مجموعة من الموانئ لعبت دورا مهما في التاريخ الفينيقي وفي تجارة البحر المتوسط.
وفي هذه المناطق (الهلال الخصيب) قامت مجموعة من الحضارات تعود إلى العصور الحجرية القديمة والحجري المتوسط والحجري الحديث وعصور المعدن.
   كما أمكن تتبع الأصول الأولى للمحاصيل المزروعة في العصر الحجري الحديث داخل هذا الإقليم، واتفقت معظم الآراء على أن هذا الإقليم كان هو الوطن الأصلي للزراعة واستئناس الحيوان، ومنه انتشرت حضارة العصر الحجري الحديث إلى الشمال من أفريقيا وجنوب أوروبا وإلى شرق آسيا وجنوبها.
وقد كان لهذا القسم –الهلال الخصيب-من الجزيرة العربية علاقاته المتميزة مع مناطق داخل الجزيرة العربية أو مناطق مجاورة، وتتحدد هذه العلاقات بينه وبين تلك المناطق من خلال ثلاثة محاور ( ثلاثة محاور للعلاقات بين الهلال الخصيب مع مناطق داخل الجزيرة العربية أو مناطق مجاورة ):
المحور الأول بينه وبين مصر عن طريق شبه جزيرة سيناء خاصة في قسمها الشمالي حيث يتوافر الماء وينبسط السطح، فعن طريق سيناء اتصلت منطقة الشام بالوادي الأدنى للنيل ودلتاه منذ العصر الحجري القديم الأعلى ثم في العصر الحجري المتوسط، وتشير الأدلة إلى العلاقة التي ربطت بين الحضارة الناطوفية بفلسطين بحضارة حلوان في مصر، بل وامتدت هذه العلاقة نحو الغرب إلى المغرب العربي حيث اتصلت الحضارة القفصية بالحضارة الناطوفية، واستمرت هذه العلاقة في العصر الحجري الحديث وعصر المعدن وفي العصر التاريخي، إذ انتقلت الزراعة من منطقة الشام إلى مصر خاصة زراعة القمح والشعير، وكان أهل الشام ينتقلون إلى مصر ومعهم الزيوت المعصورة من الزيتون والمحفوظة في جرار فخارية في الألف الرابع قبل الميلاد فيبيعوها لأهل وادي النيل كما تشهد بذلك أثار حضارة المعادي التي تنسب إلى عصر ما قبل الأسرات المتأخر.
 
 

وعن طريق الشام وفد الهكسوس إلى مصر، ثم الفرس وبعد ذلك العرب، وفي العصر الحديث جاء الأتراك وفي الجانب المقابل خرجت من مصر جماعات في فترات متعاقبة، فقذ وصل الفراعنة إلى الشام، بالإضافة إلى جيوش المصريين التي قاومت الغزو التتري.                                                                  ص292و 293 
أما المحور الثاني، فيتمثل في علاقة الفينيقيين بعالم البحر المتوسط، حيث امتلكوا طرقه التجارية، وأسسوا العديد من المراكز التجارية في شمال أفريقيا واليونان وايطاليا وجزر البحر المتوسط.
    ومن خلال المحور الثالث، الذي ربط بين العراق وإيران من ناحية والأناضول من ناحية أخرى، قامت منطقة الشام بدور الوسيط الحضاري بينهما، إذ استطاع أهلها استيعاب الحضارات العراقية والإيرانية لتجد طريقها وتأثيرها في حضارات الأناضول، أضف إلى ذلك فقد تميزت منطقة الأناضول بتوافر المعادن والتي أسهمت في قيام المدنيات المبكرة في العراق والشام، وعن طريق الغزو الحضاري استطاع أهل الشام نقل حضارة عصر المعدن إلى أوروبا.            ص293 و   نص ص28
ونصل بعد ذلك إلى الطرف الجنوبي للهلال الخصيب في الشمال إلى الأطراف الجنوبية لشرق الأردن وإلى الشمال من الحجاز حيث عاش الأنباط (312ق.م-106م)، الذين لعبوا دورا مهما في تاريخ الجزيرة العربية، وكانت البتراء Petra أو مدينة الصخر عاصمة الأنباط التي نحت أصحابها بيوتهم في واجهات جبال الحجر الرملي الملون بأطراف وادي موسى.
      وبسبب أهمية موقع البتراء اهتم الرومان بها فاحتلوها بالإضافة إلى أرض الغساسنة، وكان ذلك أيام تراجان في أوائل القرن الأول بعد الميلاد (سليمان حزين، 1988، ص23) . وكان ميناء العقبة وميناء إيلونا(ام الرشراش) من المراكز التجارية المهمة عند الأنباط، فهما نهاية الطريق لخليج العقبة، وفوق كل ذلك تشير كل الدلائل إلى أن أرض الأنباط قد شهدت أساس الكتابة العربية الأولى.


المحاضرة الرابعة عشر
دراسة تطبيقية في الجغرافيا التاريخية لشبه الجزيرة العربية                               تكملة الموقع والعلاقات المكانية 
       

              ثالثاً: التغيرات المناخية في الزمن الرابع وأهم النتائج المترتبة عليها

              رابعا: تطور الحضارة في العصور المختلفة في شبه الجزيرة العربية

6◄تمتد على طول الساحل الشرقي  للبحر الأحمر سلسلة جبلية تبدأ  شمالاً من جبال مدين فجبال  الحجاز إلى جبال عسير وحتى  هضبة اليمن في أقصى الجنوب،  ولمنطقة الحجاز أهميتها الخاصة،  فموقعها الجغرافي جعلها وسط  منطقتين حضاريتين متميزتين، الأولى  في الشمال ممثلة في منطقة  الأنباط وامتدادها في حضارات  الشام، والأخرى في الجنوب وتمثلها  حضارات اليمن، فهي إذن قامت  بدور الوسيط بين هاتين المنطقتين  كما قامت منطقة الشام بين  العراق وإيران من ناحية، والأناضول  من ناحية أخرى، ورحلة الشتاء والصيف خير دليل على دور الحجاز في الربط بين هاتين المنطقتين الحضاريتين، وفيها أيضا قامت مراكز حضارية وثقافية لعبت دورا مهما في التاريخ الحضاري خاصة في العصر الإسلامي أهمها على الإطلاق مكة والمدينة.
7 في أقصى جنوب غربي الجزيرة العربية تمتد أرض اليمن المرتفعة والتي تشرف في الغرب على سهل تهامة، ويتدرج سطحها في الانخفاض التدريجي نحو الشرق، يقطعها مجموعة من الأودية التي تنحدر نحو الشرق أو نحو الغرب، وفيها يسقط المطر في فصل الصيف، ودون الدخول في تفاصيل البيئة الطبيعية لليمن، يمكن الاكتفاء بأثر هذه البيئة في نشأة الحضارات التي هي جزء مهم من حضارات شبه الجزيرة العربية، فعلى أرض اليمن قامت حضارات قديمة كان لها شأن كبير أهمها مَعين، وسَبَأ، وحِمْيَر وقَتَبان والتي قامت أول الأمر في المناطق المنخفضة، ثم أخذت تنتقل تدريجيا نحو أعالي المناطق الجبلية بسبب الجفاف، وهذا أمر له دلالته المناخية والحضارية، بل لعله كان السبب في تيسر استقرار الحياة المستقرة فوق أرض اليمن حتى الوقت الحالي (سليمان حزين، 1988، ص ص 24-25).
ولم يكن اليمن مجرد ممالك قديمة، بل كان تأثيره الحضاري واضحاً ومميزاً، فهو باستمرار مصدر الهجرات الثانية في شبه الجزيرة العربية بسبب ما كانت تتعرض له من ظروف طبيعية غير مواتية، وكان سكان اليمن يتجهون نحو الشرق إلى حضرموت أو إلى سواحل الخليج العربي وأرض العراق، والحالة الأخيرة جعلت البعض يفترض أن اليمن مهد العرب والعراق (سليمان حزين، 1988، ص25).
   وامتد تأثير حضارات اليمن إلى مناطق مختلفة نحو الجنوب إلى شواطئ خليج عدن وإلى سومطرة في جنوب شرقي آسيا وإلى بلاد بونت (في الصومال)، كما اتصلت في الغرب مع الأحباش الذين كان لهم دور واضح في تاريخ اليمن في عهد دولة حِمْير، كما اتصلت بمصر في العهد الفرعوني، وامتد تأثير حضارات اليمن نحو الشمال إلى نجران حيث تركزت المسيحية القديمة ونحو الشرق إلى حضرموت.

8◄- اتضح مما سبق أن مناطق شبه الجزيرة العربية المختلفة كان لها دور حضاري واضح، كما كان لها دور أيضا في عالم التجارة بين الشرق والغرب، وعلى اعتبار أن الطريق وسيلة نقل الحضارة، كما يعبر عن محاور اتصال أجزاء شبه الجزيرة العربية بالمناطق المجاورة، لذلك تَحْسن الإشارة إلى محاور الطرق التي عبرت شبه الجزيرة العربية واتصلت بها بالمناطق الحضارية المختلفة، وثمة بعض الملاحظات عن هذه الطرق أهمها:
  أ- وجود مراكز رئيسة كانت بمثابة نقاط انطلاق للطرق، هذه المراكز تمثلت في الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية وجنوبها لتنتهي إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط وخليج العقبة في أقصى جنوب بلاد الشام، وتمثل المحور الثاني أو نقاط البداية في مواني الخليج العربي حيث امتد شعاع الطرق منها إلى غرب شبه الجزيرة العربية، والى جنوبها وشمالها الغربي.
ب- الملاحظة الثانية، تتمثل في تكامل الطرق البحرية مع الطرق البرية، هذا التكامل جاء نتيجة الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة بين مسطحين بحريين، وامتداد عدد من الأذرع المائية داخل أرضها، ومع ذلك فقد حدث التنافس بين الطرق البرية والبحرية.
ومن أهم الطرق القديمة في شبه الجزيرة العربية:      ص295
  1 - الطريق البرى الغربي: وكان يخترق شبه الجزيرة من الجنوب إلى الشمال، وكما كان ينافس الطريق البحري في البحر الأحمر، وإن تفوق عليه لعدة أسباب ،أهمها أن العرب ليسوا تجار بحر بل هم تجار بر، بالإضافة إلى عدم صلاحية سواحل البحر الأحمر لقيام الموانئ بسبب الاستقامة ووجود الشعاب المرجانية.

     ويبدأ الطريق من الموانئ الجنوبية خاصة عدن وقنا، ويمتد نحو الشمال مارا بعدة مراكز عمرانية والواحات خاصة شبوه وتمنع ومارب ونجران ومكة ويثرب والعلا (محمد بيومي مهران، 1996، ص276)، وعند البتراء يتفرع الطريق إلى فرعين، يتجه الأول إلى تدمر، والأخر نحو الغرب حتى غزة والعريش. وبالإضافة إلى سلع الهند وشرق آسيا أسهم هذا الطريق في نقل تجارة اليمن من اللبان والبخور إلى حوض البحر المتوسط.
2-  طريق مأرب  – جرها: ويربط هذا الطريق مأرب بميناء جرها على الخليج العربي، ويقطع في جزء منه وادي الدواسر ويمر بالهفوف.
3-  طريق جرها – البتراء: ويبدأ من جرها إلى الهفوف، ثم إلى شمال اليمامة بالقرب من الرياض مارا ببريدة وتيماء.
4-  طريق حضرموت - اليمامة: حيث ينتهي في العراق والشام بعد التقائه بالطريق الشرقي وبفرع الطريق الغربي.
5- الطريق البحري في البحر الأحمر الذي يعبر باب المندب وينتهي عند العقبة والسويس الحالية، وكان هذا الطريق يخدم عدداً من الموانئ أهمها على الساحل المصري خاصة عيداب وليكوس، وعلى ساحل الحجاز ميناء لويكي.
6- طريق الخليج العربي الذي تسلكه مجموعة من الطرق البرية تصل الخليج العربي بالعراق والشام
ثالثاً: التغيرات المناخية في الزمن الرابــــــــــــــــــــــــــــــع
        وأهم النتائج المترتبة عليها  في شبه الجزيرة العربية

    تعرضت شبه الجزيرة العربية لتغيرات مناخية في البلايستوسين ولذبذبات مناخية في الهولوسين ، وقد ارتبطت تلك التغيرات المناخية بأدوار الجليد والدفء البلايستوسيني في مناطق العروض العليا،
وأهم ملامح  التغيرات المناخية البلايستوسينية في شبه الجزيرة العربية، أنه قد أمكن التعرف على دورين للمطر يتخللهما فترة جفاف وذلك على النحو التالي:   ص297

الدور المطير الأول: ويتفق حدوثه مع البلايستوسين الأدنى، ويرجح معظم الدارسين أن الشبكة القديمة التي لازالت تقطع شبه الجزيرة العربية تنسب إلى هذا الدور، ومن أهمها وادي الرمة، ووادي حنيفة، ووادي الدواسر.
الدور المطير الثاني:
      
يتفق مع البليوستوسين الأعلى، حيث عاد المطر بعد فترة جفاف أولى أعقبت الدور المطير الأول، ويقف شاهدا على هذا الدور عدة أدله أهمها:
     أ◄ المدرجات النهرية التي تختلط برواسبها بقايا نباتية تدل على ظروف مناخية رطبة.
  ب◄ عثر على تربة قديمة تمتد أسفل رمال الدهناء، يبلغ سمك طبقتها العلوية من 20-30 سم، وطبقتها السفلية من 30-40 سم.
   ج◄  وجود بقايا أثار بحيرات في منطقة الربع الخالي تحمل أدله على ارتفاع مناسيب مياهها مرتين، الأولى خلال هذا الدور والثانية عقب انتهاء البلايستوسين.
فترة الجفاف: نشطت فيها عوامل التعرية الهوائية، وأعادت ترسيب تكوينات الرمال، كما أزالت جزء من مدرجات الأودية، وأرسبتها في بطون هذه الأودية.
وبعد انتهاء الدور المطير الثاني، عاد الجفاف  ونشطت الرياح مرة أخرى، وأرسبت المفتتات الصخرية في أحواض الربع الخالي والنفود والدهناء والجافورة.
أهم النتائج المترتبة على التغيرات المناخية:        ص299
أ- التغيرات الفيزيوجرافية: 
     
ترك المطر والجفاف بصمات واضحة فوق سطح شبه الجزيرة العربية في الزمن الرابع من خلال عدة أدله فيزيوجرافية(طبيعية) أهمها
● الأودية ( الرمة - الباطن  وحنيفة – السهباء والدواسر  وحمض)،
● البحيرات الجافة أو ما يعبر عنها بالسبخات أو البلايا وأهمها بحيرة لسان في شمال شبه الجزيرة، وتقف شاهدة على تعرض شبه
    الجزيرة العربية لأدوار مطيرة إبان البلايستوسين.
● الشطوط البحرية والشعاب المرجانية،  والتكوينات الرملية التي تنتشر في مساحات كبيرة من الجزيرة العربية وتعد أهم مظاهر الجفاف على سطح شبه الجزيرة العربية، وتظهر في صحراء النفود شمالا، والدهناء في الجنوب الشرقي ، ثم منطقة الربع الخالي.

ب- التغيرات الحيوية: أثر تتابع فترات المطر في توزيع النبات الطبيعي والحيوان البري وتكوينات التربة، فكل فترة من فترات المطر أو الجفاف تميزت بتوزيع خاص للغطاء النباتي والحيوان البري.
● ففي فترات المطر زاد نمو الأشجار في القسم الغربي بينما ظلت المناطق الداخلية صحراء، وتكونت التربة الحمراء واللومي والتي
    اتخذت كمقياس لحدوث المطر في مناطق تواجدها، وعاشت حيوانات الجاموس البري وفرس النهر والبقر البري والوضيحى والغزلان.
● أما في فترات الجفاف فكان النبات الطبيعي فقيرا ، وكانت الحيوانات من الأنواع صغيرة الحجم، وانتشرت التربة الملحية
     حول البحيرات القديمة التي تكونت في فترات المطر.
ج- الهجرات البشرية:                                  304
     بعد انتهاء الدور المطير الثاني، وحلول الجفاف، بدأت شبه الجزيرة العربية تشهد تحركات سكانية إلى المناطق المجاورة أو داخل شبه الجزيرة ذاتها.
    أما عن الهجرة الخارجية، فقد ارتبطت بالبوابات التي ربطت شبه الجزيرة بالأقاليم المجاورة حيث خرجت الجماعات من باب المندب غربا باتجاه إفريقيا إلى الحبشة ومنها إلى السودان. كما خرجت جماعات عبر سيناء في العصر الإسلامي إلى مصر ومنها إلى السودان، وكانت السودان هي المستودع للهجرات البشرية من شبه الجزيرة العربية.  
أما بشأن الهجرات أو التحركات الداخلية، فقد بدأها الكنعانيون حين خرجوا من شبه الجزيرة ليستقروا في فلسطين، ثم العموريين الذين رحلوا لفلسطين أيضا، وهناك الغساسنة الذين استقروا في الشام على تخوم الإمبراطورية الرومانية، وقد كان انهيار سد مأرب سببا في هجرتهم، كما كان سببا في الهجرة من أقصى جنوب غرب شبه الجزيرة إلى الحبشة ومنها إلى السودان.
رابعا: التطور الحضاري في شبه الجزيرة العربية       306
1- حضارات العصر الحجري القديم:
   
عثر على بقايا محدودة للحضارة الشيلية ( أقدم الحضارات) في بعض مواقع المملكة العربية السعودية، كما عثر على مخلفات الحضارة الأشولية من الفأس اليدوية والمطارق في الدوادمي، وعفيف والطرف الجنوبي لحوض سكاكا. وعثر على مواقع لحضارات العصر الحجري القديم في الإحساء وقطر والبحرين.  عثر على أدله للحضارة اللفواظية بالقرب من الوديان في وسط المملكة، وأيضا في الربع الخالي إلى الغرب من الدوادمي، وفى غرب الطائف وفى البحرين.
2- حضارات العصر الحجري المتوسط:
    يعد العصر الحجري المتوسط من الفترات الغامضة في التطور الحضاري لشبه الجزيرة العربية، وربما يعزى ذلك للظروف المناخية غير المواتية، إذ يبدو أن مناخ شبه الجزيرة العربية قد أصبح جافا منذ العصر الحجري القديم الأعلى، بحيث استمرت حضارات هذا العصر إلى العصر الحجري الحديث، ولم تظهر حضارات للعصر الحجري المتوسط في شبه الجزيرة العربية الا من محجر للأدوات الحجرية ينسب إلى العصر الحجري المتوسط في الطرف الجنوبي لحوض سكاكا شمال المملكة العربية السعودية.  
3- حضارات زراع ورعاة  العصر الحجري الحديث:
     من ابرز ملامح هذا العصر في شبه الجزيرة العربية، هو معرفة الزراعة، واستئناس الحيوان، والاستقرار في قرى صغيرة وجدت بقايا مبانيها في أكثر من موقع حضاري بالإضافة إلى معرفة صناعة الفخار، وتنفرد شبه الجزيرة في هذا العصر بحضارة رعوية خاصة الإبل  في نجد والمناطق الشمالية، وبشكل عام اقتصر توزيع حضارات العصر الحجري الحديث على القسمين الشمالي والأوسط، فقد عثر على مباني حجرية وأمكن موازاتها بحضارة العبيد في العراق. وقد توافر في الكويت عدة مواقع حضارية لحضارات العصر الحجري الحديث، خاصة في جزيرة فيلكا، وجزيرة أم النمل، والصليبخات والبرقان وكاظمة.
قامت المواقع الحضارية في البحرين بدور حضاري مميز في عصر المعدن، ولاشك أن هذا الدور يستند على تاريخ أقدم يعود إلى العصر الحجري الحديث كما في (باربار  ودراز).
وتعد الإمارات من أغنى مناطق شبه الجزيرة في البقايا الأثرية، التي تتواجد مبعثرة وتتميز بالانتشار حول أبو ظبى وعلى طول سواحل الخليج، ومن اهم المواقع الحضارية ( أم النار ، هيلي ، جبل حفيت، بديع بنت مسعود، القطارة ، المليحة ، مصفولة ، تل الأبرق، الدورة ، الدربحانة.
4-حضارات عصر المعدن في شبه الجزيرة العربية، فأهم ما يميزها الاتصال الحضاري بالمناطق المجاورة خاصة المواقع الحضارية في القسم الشرقي أو الجنوب الغربي.



 ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا