التخطيط التربوي في عهد الملك عبدالعزيز (رحمه الله)
وأثره في النهضة التعليمية الحديثة
١٣٤٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ
إعداد
الطالبة خلودبنت فاروق حضراوي
إشراف
الدكتور عبد القادر صالح بكر
دراسة تكميلية مقدمة إلى قسم الإدارة التربوية والتخطيط
لنيل درجة الماجستير
العام الدراسي ١٤٢٨ هـ / ١٤٢٩ هـ
نتائج الدراسة :
١- لقد كان للتخطيط التربوي المنظم في عهد الملك عبد العزيز أثره الواضح في نشأة وتطوير التعليم .
يعتبر التخطيط هو الوظيفة المحورية في العملية الإدارية، حيث تتخذ القرارات الإستراتيجية في الإدارة، على ضوء التخطيط الفعال، واتخاذ القرارات الصحيحة في التربية، هو مفتاح العمليات التربوية الأخرى.
وحين تصاغ الأهداف المترجمة للطموحات المستقبلية، على أسس سليمة، يمكن أن نتلمس النتائج في فترة قصيرة. ولكن لا يمكن القول أن التخطيط التربوي في عهد الملك عبد العزيز ، كان يأخذ الأشكال والمفاهيم الدقيقة لعملية التخطيط التربوي في الوقت الحاضر، إلا أن الرؤية الواضحة، المنبثقة عن الفطرة السليمة، والتربية الدينية الظاهرة في حياة المؤسس، تجعلنا نستطيع تأطير القرارات التي كان يصدرها رحمه الله داخل إطارات وأسس الإدارة والتخطيط التربوي الحديث، تلك القرارات التي كانت تتم بطريقة مبسطة وغير معقدة، إلا أنها سليمة وقوية في ذات الوقت .
لذلك يمكن القول أن التعليم في عهد الملك عبد العزيز، هو بداية التعليم النظامي في مناطق المملكة العربية السعودية المختلفة، وقد بدأ بداية قوية بحساب معطيات وإمكانيات ذلك الوقت .
وكان هو الأساس الذي قامت عليه صروح التعليم السعودية بكل أشكالها ومراحلها بعد ذلك، كما كان له دور واضح ومشهود في تطور المملكة العربية السعودية .
٢- ظهور النتائج الأولية للتخطيط التربوي في عهد الملك عبد العزيز، بعد فترة قصيرة من تأسيس مديرية المعارف، مما يعني صحة الأسس التي بني عليها النظام التعليمي السعودي منذ البداية .
وكما يرى خبراء التربية، فإن التخطيط التربوي من أهم عناصر تحقيق التنمية الشاملة لأي مجتمع، و هو وسيلة أي دولة للتقدم والرقي، من خلال إعداد المهارات، والإعداد المهني والكفايات الفنية التي يحتاجها المجتمع والتي تتولى تنفيذ المشاريع وتنظيم سير الأعمال بالطريقة العلمية التي اكتسبتها من التعليم، وبناء على كل تلك المهارات والكفايات يستطيع المجتمع أن يحقق ما يتناسب مع خطة التنمية .
ولا ينكر منصف، أن المملكة العربية السعودية، خطت في عهد الملك عبد العزيز خطوات سريعة وواضحة في مجال التعليم، وتبع هذا القفز الهائل، تقدم لا ينكر في مجالات أخرى قامت على التخطيط الصحيح للتعليم .
مما يجعلنا نستطيع القول إلى أن التخطيط الجيد للتربية والتعليم، يكون أداة فعالة للتنمية والتقدم ولا يمكن أن يتحقق ذلك دون دراسة واعية للأوضاع التعليمية للبلاد، بالإضافة إلى دراسة أوضاع البلاد من جميع النواحي اجتماعية كانت أو اقتصادية وسياسية؛ لأن كل هذه العوامل ستؤثر بطريقة أو بأخرى على وضع التعليم .
ومن هنا نستطيع القول أن التخطيط التربوي الجيد في عهد الملك عبد العزيز أعطى نتائج سريعة، ومذهلة في وقت قياسي، وكان ذلك نتيجة لفهم متطلبات البلاد، وإمكانياتها .
فظهرت النتائج الأولية للتخطيط بعد فترة قصيرة من تأسيس مديرية المعارف، وكان من أهم هذه النتائج، الإقبال الشديد من الشعب بكل فئاته على التعليم المنظم، وزيادة عدد المتعلمين ، وتراجع نسبة الأمية، وظهور التعليم الجامعي والمتخصص من ضمن منظومة التعليم في المملكة العربية السعودية .
٣- تأكيد سياسة الملك عبد العزيز، على أهمية التعليم، هذه السياسة المستمدة في أصولها وفروعها من معطيات الدين الإسلامي الحنيف .
يعتبر طلب العلم من فروض الإسلام على المسلم، ومن هنا جاءت سياسة الملك عبد العزيز، وحرصه على التعليم، من رؤيته المنبثقة من تعاليم الإسلام، والمستمد فكره وتوجهاته منها .
وقد ظهر اهتمام الملك عبد العزيز بالتعليم في البداية، عندما أمر بإنشاء الهجر، وترك حياة البداوة، تلك الهجر التي كانت بمثابة مدارس داخلية، تقوم على تعليم الناس فن الحياة المتحضرة، والمواطنة الصالحة، وتعلمهم واجبات المسلم، إلى جانب تعليمهم مبادئ القراءة والكتابة، بطريقة مبسطة تقليدية .
وعندما دخل مكة المكرمة، كان من أول اهتماماته إنشاء مديرية المعارف ، وتنظيم التعليم من خلالها .
مما يعطينا يقينا أن أهمية التعليم عند الملك عبد العزيز، نبعت من فطرته الدينية، وتوجهه الإسلامي، ورغبته في رفع شأن الإسلام ، والعودة به إلى ماضيه المجيد من خلال التعليم .
٤- اعتماد الملك عبد العزيز التعليم، كوسيلة حضارية، للنهوض بالمملكة العربية السعودية، وبث الاستقرار في أنحاءها المختلفة.
لقد رأى الملك عبد العزيز، أن التعليم مرادف للحياة والأمن، وأن الاستقرار في المناطق التي تسلم مقاليدها لا يمكن أن يتحقق إلا بالتعليم. لذلك جاء التعليم في بداية تأسيس مديرية المعارف، موافقا لحاجات السكان البسيطة، وهي تعلمهم مبادئ الدين الذي اندثرت معالمه بفعل الجهل والخرافات والبدع التي كانت منتشرة، والقضاء على الشركيات التي توغلت في نفوس الناس، وكانت المعاهد العلمية تعد الدعاة، والمعلمين لذلك .
وعندما تم هذا الأمر، وانتشرت الثقافة الدينية الصحيحة، بدأ الملك عبد العزيز في الاهتمام بجانب آخر، ألا وهو التعليم الحديث والمنظم، والذي كان يهدف من خلاله الملك عبد العزيز، إلى النهوض حضاريا بالمملكة العربية السعودية، فنشأت مدرسة تحضير البعثات، والتي كانت تعتبر بوابة دخول المملكة العربية السعودية إلى التعليم الجامعي، وكانت تهدف إلى تأهيل الطلاب للدراسة بالخارج، في مجالات الطب والزراعة والهندسة والطيران وغير ذلك، وبالتالي يكونوا قادرين عند عودتهم على تطوير الحياة من حولهم، ومن ثم النهوض بالمملكة العربية السعودية، كا كان يتمنى الملك عبد العزيز يرحمه الله .
لتأتي بعد ذلك مرحلة وصول المملكة العربية السعودية، إلى مرحلة التعليم الجامعي، بافتتاح كلية الشريعة في مكة المكرمة سنة ١٣٦٩هـ، ثم كلية المعلمين في مكة المكرمة أيضا سنة ١٣٧٢هـ، نهاية بتأسيس كلية الشريعة في الرياض سنة ١٣٧٣هـ . ليصل التعليم الجامعي في المملكة العربية السعودية ، إلى ما نراه اليوم، من تنظيم وتطور .
٥- تأكيد العلاقة بين التعليم، والإصلاح الديني، الذي كان يحرص عليه الملك عبدالعزيز في بداية تأسيس المملكة العربية السعودية ، وتخليص الدين الإسلامي ، مما علق به من البدع والخرافات، عن طريق التوعية والدعوة والتعليم .
لا يمكن أن يقوم أي إصلاح ديني بدون تعليم، لذلك كان من خطط الملك عبد العزيز لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، هو التركيز على التعليم ، كجانب تربوي مهم ، يساعد على تصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة، ونفض ما علق بالدين من بدع وخرافات .لذلك ركزت المناهج التعليمية الصادرة في عهد الملك عبد العزيز ،على بث تعاليم الدين الإسلامي الصحيح، من مصادره الأصلية ،وإيصالها إلى جميع أفراد المجتمع ، وإرسال المعلمين والدعاة إلى جميع مناطق المملكة العربية السعودية ، ودعمهم ماديا ومعنويا، والاهتمام بالتعليم التقليدي والتعليم في المساجد ، كركيزة من ركائز التعليم الديني .
٦- تخطي العقبات التي واجهت عمليات التخطيط التربوي في البداية، والتي كان من أهمها الصعوبات الاجتماعية، المتمثلة في عدم تقبل التعليم الحديث من فئة كبيرة من المجتمع.
لقد واجهت عملية التخطيط للتربية والتعليم العديد من الصعوبات من أهمها صعوبات في التمويل، حين كان شح المصادر ظاهرا بشكل واضح، وقد استطاعت المملكة تجاوز هذه العقبة بالتدرج في فتح المدارس، وتشجيع التعليم الأهلي ، والتعليم التقليدي.
كما أن هناك عقبة أخرى، وهي قلة الأيدي العاملة ، والكفاءات المؤهلة، لذلك اعتمدت المدارس السعودية في البداية على خريجي الحلقات العلمية، ثم على خريجي المدارس والمعاهد العلمية ، لسد حاجة البلاد من الخبرات المؤهلة ، ثم اتخذت طريقا أكثر تطورا عندما بدأت في التعليم الثانوي والجامعي، وهو الاستعانة بالمؤهلين من الدول العربية كمصر وسوريا، إلى جانب طلاب البعثات العائدين من الخارج .
ولعل أكبر العقبات، التي واجهت التعليم في البداية ، هي عزوف أولياء الأمور عن إلحاق أبنائهم بالمدارس الحكومية، رغبة في اكتسابهم مهنة، تدر عليهم ربحا ، كما أن النظرة التي كان ينظر إلى التعليم الحديث بها ، كانت نظرة شك وريبة، وخاصة من قبل بعض رجال الدين .
وقد استطاع الملك عبد العزيز، أن يقنع الأهالي بأهمية التعليم الحديث عن طريق المحاورة، والجدل من قبل المتخصصين، إلى جانب دفع مكافآت للطلاب تساعدهم على العيش، والربح دون أن يتركوا الدراسة.
٧ ـ استقطاب عدد كبير من رواد التعليم في بداية تأسيس المملكة العربية السعودية، والذين كان لهم دور بارز في النهوض بالتعليم في عهد الملك عبد العزيز .
لم تكن لدى الملك عبد العزيز، ضوابط معينة في اختيار الكفاءات، إلا أن ما عرف عنه، من براعة في اختيار العاملين معه في شتى المجالات، كان أمرا ملفتا للنظر .
إلى جانب أن النزعة الإسلامية التي عرف بها رحمه الله، كانت هي التي تملئ عليه قراراته في اختيار الأفراد للأعمال القيادية أو غيرها. كما أن قيام سياسة الملك عبد العزيز على المنهج الإسلامي وطريقته في الإدارة مستمدة من تعاليم الإسلام، فبالتالي مقياس نجاح العاملين معه، على قدر تمسكهم بهذه السياسة، وكون أعمالهم متفقة معها. إلى جانب الصفات القيادية والشخصية الأخرى، والمستمدة أيضا من المفاهيم الإسلامية للقيادة، كالصدق والإخلاص في العمل والأمانة .. وغير ذلك .
وقد كان اختيار الملك عبد العزيز لرجال التربية والتعليم مبنيا على فهمه العميق لما سيتركونه من أثر، وأهمية الدور الذي سيقومون به . لذلك كان الاستقطاب أحد السمات البارزة في الإدارة طوال عهد الملك عبد العزيز، ولعل أهم الصفات المشتركة لرجال التربية والتعليم في عهد الملك عبد العزيز هي الروح الإسلامية العالية، والاهتمام بالقضايا الوطنية والإسلامية ، والاقتناع بأهمية الدور التربوي، إلى جانب الخبرة والكفاءة ، واهتمامهم بالتجديد .
توصيات الدراسة :
على ضوء النتائج التي توصلت إليها الدراسة ، قدمت الباحثة عددا من التوصيات من
أهمها :
١. لا زال تاريخ التعليم في عهد الملك عبد العزيز، يحتاج إلى عددا من الدراسات، ومزيدا من الاهتمام .
٢. الاستفادة من منهج الملك عبد العزيز في الإدارة سواء التربوية أو العامة .
٣. تقرير بعض الدراسات عن التربية والتخطيط التربوي وتاريخ التعليم في عهد الملك عبد العزيز ، في كليات التربية السعودية .
٤. الاستفادة من الخبرات التربوية سواء المحلية أو العالمية، في النهوض بالتعليم ، أسوة بما حصل في عهد الملك عبد العزيز .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق