التسميات

آخر المواضيع

السبت، 5 يناير 2019

آثار زيادة الكثافة السكانية على نوعيه الحياة في مصر


آثار زيادة الكثافة السكانية
على نوعيه الحياة في مصر

د. علي نويجي

2002م


مدخل:

الحديث عن آثار زيادة الكثافة السكانية فى مصر ينبغى أن يحدد بالأرقام أبعاد هذه الآثار، كما ينبغى فى نفس الوقت أن يصف الآثار الخارجية التى تظهر على سطح المجتمع، والتى تبدوعلى مخايل الأفراد.

الأول يتطلب الاطلاع على الدراسات المنهجية التى أجريت فى هذا الصدد والقيام بدراسات ميدانية إذا تطلب الأمروالثانى يستوجب زيارة ميادين الحياة المصرية المختلفة والحملقة فى الناس والأشياء.

وهذا جهد كبير لا يمكن للأفراد القيام به، وإنما يجب أن تقام له مؤسسات، وتخطط من أجله المناهج. وهذا غير متاح وخاصة بالنسبة للماثل أمامكم.


والكثافة السكانية هى تعبير عن وجود الإنسان فى المكان؛ فى وقت محدد؛ كما هى مقياس لهوتعرف الكثافة السكانية بأنها عدد السكان فى الكيلومتر المربع من المساحة المأهولة فى سنة محددةوقد حدد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تلك المساحة فى مصر بأنها تبلغ 35188 كيلومتر مربعوماعليك إذا أردت أن تتعرف على الكثافة السكانية إلا أن تقْسم عدد المصريين فى أى وقت تراه على تلك المساحة فتصل إلى ما تبتغىويبدو من الوهلة الأولى أن أمر الدقة المطلوبة فى أية دراسة جادة للكثافة السكانية يسير ومُيسّر، يسير لأنه لا يتطلب سوى عملية حسابية فى غاية البساطة، ومُيسّر لأن الدراسات والإحصاءات تملأ المجلدات، وهى موجودة فى دور الكتب العامة والخاصة، كما هى موجودة فى بيانات الدولةعلى أنك ما إن تقترب قليلاً من المسألة حتى ترى إلى أى حد كنت مخدوعاً.ذلك أن المصادر المتعددة تورد أرقاما مختلفة، وأحياناً يبلغ اختلافها درجة تجعلك غير مطمئن إليها إذا كنت تنشُد الدقة.

وقد روى دجمال حمدان قصة المساحة المأهولة التى ينسب إليها السكان، وكيف قدّرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بنحو35 الف كيلومتر مربع، ثم رأى نفس الجهاز دون مبرر حقيقى أنها أكثر من 55 ألف كم مربع، ثم توصل البعض إلى حل وسط وهواعتبارها 40 ألف كم مربع. مع العلم بأن أدبيات المساحة المصرية للمناطق المأهولة تشير إلى أن المساحة المأهولة فى مصر، وهى الوادى والدلتا تبلغ 34 ألف كم مربع، على اعتبار أن مساحة الدلتا تبلغ 23 ألف كموالوادى11 ألف كم2.

وقد رأى حمدان أنه من الأحوط أن ينسب الكثافة وتطورها إلى الأرقام الثلاثة على النحوالتالى:
جدول رقم (1)
تطور الكثافة السكانية على أساس المساحات المختلفة
المساحة المقدرة

عدد السكان

السنة
55 ألف كم2
40 ألف كم2
35 ألف كم‌2
690
955
1100
38228000
1976
727
1000
1143
40000000
1978
760
1045
1200
41800000
1980
836
1150
1300
46000000
1983
المصدرحمدان، شخصية مصر، ج 4، ص:120

هذا مع استبعاد سكان المناطق الصحراوية الذين كان يطلق عليهم من قبل سكان الصحراوات والواحات، ثم أطلق عليهم سكان محافظات الحدود بعد تقسيم مناطق الصحراء إلى محافظات متعددة، فسيناء بها محافظة شمال سيناء وجنوب سيناء، وقسمت الصحراء الغربية إلىالوادى الجديد ومطروح، وأطلق اسم محافظة البحر الأحمر على القسم الأكبر من الصحراء الشرقية (جدول رقم2 ).

ولعل هذه الأرقام توضح لنا ضآلة عدد سكان تلك المناطق مع اتساع مساحتهاعلى أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء قد وضعها على خريطة الكثافة السكانية المتوقعة عام 1996 وعام 2002 فى كتابه لعام 1995 (جدول رقم 3 ).

وقد عُنيت مصادر أخرى بالكثافة السكانية وتطورها عبر القرنين الأخيرين وتطوراتها المرتقبة فى المدى القصير، وأشارت إليها كما تبينها الجداول (4،5،6).

وما تكاد تلتقط أنفاسك من هذا اللهاث حول الأرقام، حتى تفاجأ بعالم من علمائنا المرموقين يخبرك بأن دلالة الأرقام المطلقة للكثافة السكانية غير كافية للتعبير عن الحالة المصرية، فيحدثنا دإبراهيم العيسوى بأن الأرقام السابقة لا تظهر مدى التكدس السكانى فى بعض المدن والمناطق والأحياءويؤيده فى هذا مؤخراً الجهاز المركزى للإحصاء.
   
جدول رقم (2)
تطور تعداد سكان محافظات الحدود
المجموع
شمال وجنوب سيناء
الوادى الجديد ومطروح
البحر الأحمر
السنة
109600
18000
81600
99000
1937
160900
37700
107300
15900
1947
382800
157100
169500
56200
1976
564056
179835
+28929
113405
+161163
89724
1986
818076
252160
+45826
141774
+212001
157315
1996
المساحات بالكيلومتر المربع:
853016
60714
376505
+212112
203658


جدول رقم (3)
الكثافة السكانية فى محافظات الحدود
مقارنة بمثيلتها على المستوى القومي
الكثافة عام 2002
الكثافة عام 1996
المنطقة
1668
1493
الجمهورية بدون محافظات الحدود
93 , -
83 ,-
محافظات الحدود

جدول رقم(4)
تطور الكثافة السكانية (1897 ـ 1927 )
1927
1917
1907
1897
السنة
403
362
318
247
الكثافة
المصدرحامد السيد عزمي، مصر المعاصرة، فبراير 1936، ص: 292



جدول رقم (5)
تطور الكثافة السكانية (1937 ـ 1986 )
1986
1976
1966
1960
1947
1937
السنة
1300
1055
8453
7547
5464
4661
الكثافة
المصدردوداد مرقص، السكان والتنمية فى مصر، ص: 99

جدول رقم (6)
تطور الكثافة السكانية (1996 ـ 2017 )
2017
2001
1996
السنة
25,2590
25,1930
15,1722
الكثافة السكانية (تقدير )

وفى تقدير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، للكثافة التفاضلية المتوقعة، فى بعض مناطق الجمهورية عامى 1996و2001 فى كتابه لعام 1995، كما يتضح من الجدول رقم (7).

جدول رقم (7)
الكثافة السكانية فى محافظات الجمهورية
الكثافة السكانية فى الكيلومتر المربع
سنة 2001
سنة 1996
المحافظة
35686
32955
القاهرة
5915
5006
الجيزة
9186
7812
بورسعيد
2002
1798
المنوفية
1983
1799
الغربية
2136
1931
سوهاج
1986
1779
أسيوط











   على أنك إذا أردت أن تتأكد من المسار التاريخى للكثافة السكانية فسوف تتجه إلى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى طبعاته المتتالية من(الكتاب الإحصائى السنوىلتفاجأ بسلوك غريب غير متناسق من ذلك الجهاز. فقد سبق له أن اهتم بالكثافة السكانية وأولاها قدراً من الدقة والتدقيق، ثم ازوّر عنها فى سنوات لاحقة فلم يبد عنها إلا إشارات عابرة كما فعل فى طبعة عام 1995، ثم ما لبث أن أغفلها تماما فى طبعة 1999. ولا يعرف أحد لماذا فعل ذلك وهوأحد الأجهزة الهامة فى الدولة، وتعتمد عليه الحكومة فى تخطيط سياساتها. كما يعتمد عليه الباحثون كمصدر رئيسى من مصادرهم فى دراسة الشئون المصرية، ونختم هذه الملاحظة بالقول المصرى لعل المانع خيراً.

من جانب آخر فإن المقارنة بين الكثافة السكانية فى مصر وبعض دول الجوار توضح لنا إلى أى مدى خرجت الكثافة السكانية فى مصرعن المألوف والمعتاد.

وقبل أن نغادر تقديرات الكثافة السكانية نضع أمام الأنظار رأياً يقول باعتبار المساحة الكلية لمصرأساساً لتقدير الكثافة السكانية، والمبررات التى يسوقها أصحاب هذا الرأى تنطلق من أن صحراوات مصر مليئة بالمناطق التى توجد بها مستوطنات، كما يوجد بها العديد من الطرق الصحراوية وتنتشر بها مناطق عدة لاستغلال الخامات، وتبلغ الكثافة السكانية لمصر طبقاً لهذا المعيار 64,19.

على أنك سوف تكتشف أنه حتى بهذا المعيار فإن الكثافة فى مصر تزيد كثيراً عن كثافة العالم طبقاً للمعيار نفسه والتى تبلغ 41,36 فى عام 2000 باعتبار أن سكان العالم فى منتصف عام 1997 يبلغون مليار نسمة، وأن مساحة اليابسة فى العالم كله تبلغ1450,04مليون كيلومتر مربع. غير أن اعتبار مساحة مصر كلها أساساً لتقدير الكثافة السكانية يعطى انطباعاً خاطئاً عن الحياة الواقعية لنشاط السكان كما لايكشف عن بعض الأسباب الرئيسية لتعثر السياسات وتدهور حال السكانويرى حمدان أن ذلك لا يصلح لمصر التى ( يمثل المعمور منها 3,5% من المساحة الكلية، واللامعمور يمثل 96,5%. ولن نخرج منها إلا بصورة محض تجريدية لا معنى لها تقريباً).
(شخصية مصر، حمدان، ج 4، ص: 118).

على أنه يبقى فى صفها أنها تعطينا انطباعا عما يمكن أن يؤول إليه الحال فى الكثافة السكانية إذا نحن انطلقنا إلى ذلك اللامعمور وحولناه إلى معمور.


فى أثر الكثافة السكانية فى مصر:

ويمكن أن نرى أن الكثافة السكانية لها حدود دنيا قد تجعل الحياة عسيرة إذا نقصت عنها، وأن لها حدوداً قصوى، إذا تعدتها قد تجعل الحياة ذات نوعية رديئةوقد خبرت مصر هذين الحدين من الكثافة السكانية، فقد خبرت الحد الأدنى لها خلال القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر تحت تأثير الحكم المدمر المشترك للمماليك والعثمانيين، حينما انحدر سكان مصر إلى أكثر قليلاً من المليونين، وهوعدد غير كاف بكل المقاييس للقيام بأعباء الزراعة فضلاً عن احتياجات الحرف الصناعية اللازمة للزراعة والحياة والقوى البشرية اللازمة للخدمات العامة والخاصة.

والواقع أن أعباء زراعة الرىْ الحوْضى كانت ـ على غير الرأى السائد عنها ـ تتطلب عمالة دائمة وكثيفة.

وقد حدثنا ابن عبد الحكم فى كتابه فتوح مصر وأخبارها (مكتبة مدبولى ص:151) عن الزراعة ومتطلباتها من العمالة:
"كانت فريضة مصر لحفر خلجها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفاً، معهم الطور والمساحى والأداة يعتقبون ذلك، لايدعون ذلك شتاءً ولا صيفاً.."

  وهذا العمل الذى يقوم به 120 ألف عامل يتعلق فقط بصيانة مجارى المياه للرى الحوْضى، ولا تزال هناك بعد ذلك أعباء تسوية أرض الحياض؛ وإقامة الأسوار حولها؛ ثم الزراعة، ثم رعاية المحاصيل، ثم الحصاد؛ ثم استيلاد الحيوان. فإذا لم يتوفر هذا العدد من العاملين فإن الزراعة سوف تفشل، وسوف يعانى القوم من الجوع وما يستتبعه من أحواللذلك فإن هناك حداً أدنى من السكان لابد من توفره لاستمرار الحياة، فإن لم يتوفر هذا الحد الأدنى فإن نوعية الحياة تتدهور.

  وقد حدث هذا مرات متعدده بتأثيرالغزوات الأجنبية، حتى وصل سكان مصر إلى نحو مليونىْ نسمة، وتدهورت حالة الزراعة وغيرها من المهن والحرف، ووقف المصريون على حافة الجحيم، وانطبق على مستوى حياتهم تعبير الاستاذ محمد منير الزلاقى أستاذ زراعة الإسكندرية (مستوى المعيشة الجحيمي)، وهكذا كانت حالة مصر فى مطلع القرن التاسع عشر.
  

جدول رقم (8)
الكثافة السكانية فى بعض دول الجوار
الكثافة السكانية
بى لكيلو متر المربع
مساحة المأهول
بالكيلو متر المربع
السكان بالمليون نسمة
منتصف عام 1997

الدولة
7,95
324000
31
السودان
8,164
54621
9
تونس
2,155
193277
30
المغرب
5,57
504201
29
الجزائر
5,297
33613
10
البرتغال
5,165
336134
58
فرنسا
8,92
420168
39
أسبانيا
9,124
84034
5,57
إيطاليا
3,115
537815
62
تركيا
238
75630
18
العراق
2,114
105042
12
سوريا
8,175
36555
64
مصر















المصدرأطلس القرن الحادى والعشرين، دار ترايدنت، 1998
ـ وأطلس أكسفورد، جامعة أكسفورد، 1970.

   وعلى الجانب الآخر تعيش مصر اليوم فى ظل كثافة سكانية غير مسبوقة، لا فى تاريخها ولا فى تاريخ العالم، ولا فى حاضر العالم الذى نعيش فيه كما تشير إليه الأرقام السابق تقديمها.

تطورات منتظرة:
   هناك من المؤشرات ما ينبئ عن تفاقم الزيادة فى الكثافة السكانية وبالتالى زيادة آثارهاومن هذه المؤشرات أنه بالرغم من النجاح الجزئى لتحديد النسلسواء بفعل ما تقدمه الدولة من مساعدات، أوبفعل اقتناع المصريين بجدوى تحديد النسل إلا أن الخصوبة لا تزل مرتفعة، ولم تنخفض بالقدر الذى يأمله المخططون، فقد هبطت بما يعادل 1.8 طفل لتصل إلى 5.3 طفل للمرأة وهوهبوط لا يؤدى إلى هبوط كبير فى معدل زيادة السكان، وقد أشار دمحمد السيد غلاب الىهذا: "إذ هبطت الخصوبة الكلية من 7.1 إلى 5.3 طفل بين عامى 1960و1980". وذلك طبقا للمسح القومى للخصوبة الذى أجرى عام1980. وقد أدى نقص وفيات الأطفال إلى الإقلال من أثر انخفاض الخصوبة.

وتحدثنا دنادية فرج فى الفصل الذى حررته فى كتاب "السكان والتنمية فى مصر"، الصادر عام 1994، ص 64/ قائلة: إنه "على الرغم من هذا الانخفاض النسبى فى معدلات الخصوبة الإجمالية، إلا أن تلك المعدلات ما زالت مرتفعة، وبالتالى سيستمر معدل النموالسكانى السريع لمدة طويلة قادمة...". وقد أشارت بيانات الأمم المتحدة السكانية عام 1995 إلى الزيادة الطبيعية فى مصر فقدرت أنها وصلت إلى 2.3% سنوياً، وعلى هذا الأساس فإن معدل التضاعف وصل إلى 31 سنة. وينتظر أن يبلغ السكان 8.07 مليون نسمة عام 2010، وفى عام 2025 سوف يبلغ 97,9مليون نسمةولا شك فى أن ذلك سوف يؤدى إلى زيادة أخرى فى الكثافة السكانية.

هذا عن الكثافة السكانية  فماذا عن آثارها ؟
   وفى هذا الصدد ينبغى أن نشير إلى أن هناك نقصاً واضحاً فى الدراسات المنهجية حول آثار الكثافة السكانية الراهنة واحتمالات زيادتها كما هومتوقع، وفى ظل هذا النقص فإن الآراء التى تقدم فى هذا الصدد لاتتمتع بالوضوح الذى تتطلبه المعالجةوينبغى هنا أن نشير إلى قدر من الاشتباك المتوقع بين بعض المفاهيم فى المعالجة التالية، ومن هذا القبيل الاشتباك بين مفهوم الكثافة السكانية وزيادة السكان، وكذلك بين الكثافة السكانية وزيادة السكان والفقر، فبينما يمكن أن يكون لكل منها مفهوم مستقل فى غير بلادنا إلا أنها فى مصر تشير إلى معان متقاربة قد تفيد فى شرح أبعاد المسألةوفيما يلى بعض الإشارات إلى بعض الآثار الناجمة عن زيادة الكثافة السكانية فى مصر:

أثر الكثافة السكانية على استخدام الموارد الزراعية:
   على الرغم من ضآلة نصيب المصرى من المصادر الزراعية كما توضحه الأرقام التى سنعرض لها تواً، فإن الكثافة السكانية المتزايدة لا تزال تتحيف هذه الموارد الضئيلة وتهددها بمزيد من التدهور.

   ولا يجب الخلط بين زيادة السكان وزيادة الكثافة السكانية، إذ أن أحدهما لا يعنى الآخر إلا فى حالة واحدة هى ثبات المساحة المأهولة مع نموالسكان، فهنا فقط تعنى الزيادة فى السكان زيادة فى الكثافة السكانية، وهذه هى الحالة فى مصر، ولذلك فإن آثار زيادة السكان فى مصر تناظر آثار زيادة الكثافة السكانيةوالجدول رقم (9) يبين بعض هذه الآثار المشتركة. وقد زاد عدد المصريين منذ مطلع القرن العشرين، وتحديداً منذ عام 1902 من عشرة ملايين نسمة إلى 65 مليون نسمة فى مطلع القرن الواحد والعشرين، وفى نفس الوقت فإن الأرض الزراعية قد زادت من 5,3 مليون فدان إلى 8.7 مليون فدان طبقاً للأرقام الحكومية، وعلينا أن نتأمل هذا الوضعزيادة فى السكان مقدراها 55 مليون نسمة مقابل زيادة فى زمام الأرض الزراعية تبلغ 3.4مليون فدانهذا بفرض صحة أرقام المصادر الرسميةأما الجدول رقم (10) فيحوى مقارنة مع بعض البلدان المجاورة.

جدول رقم (9)
التباين بين نموالسكان ونموالموارد الأرضية
الموارد المائية
مليون م2
المساحة المزروعة
مليون فدان
السكان
مليون نسمة
السنة
لا تزيد هذه الموارد عن 65.9مليار م3، منها 55.5 مليار م3هى نصيب مصر من مياه النيل، و1.4 مليار ممن الأمطار التىتسقط على الساحل الشمالي.
4,943
9,717
1897
5,347
11,190
1917
5,312
15,921
1937
5,761
18,967
1947
5,900
26,85
1960
6,000
33,200
1970
7,000
50,000
1986
7,400
56,434
1993
7,700
63,868
1999
8,700
65,000
2001

   كما يوضح الجدول رقم (11) إلى أى مدى تدهور نصيب الفرد من الموارد الزراعية الأرضية والمياه العذبة المتجددة، فى الوقت الذى تزعم فيه مصادر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاوأن الفرد يحتاج كى يفى باحتياجاته الغذائية إلى ثمانية آلاف متر مربع من الزمام المزروع، وإلى 1000 متر مكعب من المياه العذبة، فها نحن طبقاً لتلك المقاييس الدولية فى عمق الأزمة.

  ورغم هذا التدهور فى نصيب الفرد من الموارد الزراعية، فإن الزيادة فى السكان دفعت وما تزال تدفع إلى إخراج مزيد من الأراضى الزراعية الخصبة من مجال الإنتاج الزراعى إلى مجالات الاستخدامات الأخرى التى زادت وما تزال تتزايدوربما نتيقن من ذلك بعد مطالعتنا للصفحات التالية.


جدول رقم (10)
مساحة الأرض الزراعية فى بعض البلدان المجاورة

المراعي
مليون فدان
الأرض المزروعة
مليون فدان
السكان سنة 1989
مليون نسمة
الدولة
57
20
25
السودان
-
13
8
تونس
103
18
25
المغرب
25
21
25
الجزائر
-
8
10
البرتغال
29
51
56
فرنسا
56
45
38
أسبانيا
12
38
57
إيطاليا
12
8
10
اليونان
92
36
55
تركيا
3
15
18
العراق
15
10
12
سوريا
المصدر: تقرير عن التنمية فى العالم 1991، البنك الدول أطلس أوكسفورد.


تزايد استهلاك الأرض الزراعية فى أغراض غير زراعية:
   تستخدم الأرض الثمينة فى بناء المساكن والمرافق، وشق الطرق اللازمة للامتداد العمراني، والتجريف لضرب الطوب، وشتى الأغراض، وهناك تقديرات متعددة للمساحات التى تعرضت لذلك تتراوح بين مليون فدان و0,7 مليون فدان.


جدول رقم (11)
تدهور نصيب الفرد فى مصر من الأرض والمساحة المحصولية والمياه
متوسط نصيب الفرد

السنة
المياه (م3)
المساحة المحصولية
(م2)
الأرض الزراعية
(م2)
5084
2914
2226
1897
4414
2876
2017
1907
3854
2575
2575
1917
3484
2556
2556
1927
3484
2556
2556
1937
2604
2004
1275
1947
1893
1656
950
1960
1713
1373
759
1970
1183
1080
588
1986
1016
967
550
1993
890
887
506
1999


  وقد استصدرت الحكومة من مجلس الشعب القانون رقم 116 لسنة 1983 لمواجهة ذلك الوضع، ولما لم يفلح القانون فى ذلك أصدرت الأمر العسكرى رقم فى 11 مايو1996 كإجراء حاسم وسريع لمعالجة استهلاك ما يعد أثمن الأصول الاقتصادية.  غير أن القانون والأمر العسكرى لم يفلحا فى وقف هذا الاتجاه، وعلى أية حال، فقد انتهى القانون إلى تجميد عملى فى المعالجات القضائية، أما الأمر العسكرى فقد انتهى أمره بالحكم مؤخراً بعدم دستوريتهوليس لنا أن نأسى على الحكم بعدم الدستورية هذا، فقد وجه إلينا وزير الزراعة والإصلاح الزراعى حديثاً حزيناً فى جريدة الأهرام يوم 3 مايو2001 عن آثار تطبيق الأمر العسكرى يتضمن أنه منذ صدور الأمر العسكرى حتى منتصف مارس2001، قامت الإدارة المركزية لحماية الأراضى بتحرير 294 ألف مخالفة قانونية، وتم التصرف فيها على النحو التالى:

  أدانت المحكمة 21546 متهماً بالتعدى على الأراضى الزراعية، وحفظ القضاء 362 قضية، وينظر الآن فى 47016 قضية، وتمت الإزالة فى 202 ألف حالة شملت مساحة 16 ألف فدان.

  لقد اتضح فى نهاية الأمر أن ضغط الكثافة السكانية أقوى بشكل مطلق من كل القوانين والأوامر العسكريةوتعترف إدارة المجتمع بأن الوادى والدلتا اليوم يضيقان بالسكان بحيث وصل عدد سكان العشوائيات إلى 7,2 مليون نسمة، ووصل عدد العشوائيات نفسها إلى 901 (من تقرير للدكتور محمود شريف فى مجلس الشورى فىمايو1994 ).

  وفى حديث د.محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان أمام السيدة سوزان مبارك بمناسبة الاحتفال بتسليم 2000 شقة فى المرحلة الأولى لإحلال العشوائيات ذكر أنه يوجد فى مصر 1119 منطقة عشوائية فى 21 محافظة تضم 25% من سكان الحضروقد أوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أن مسطح العشوائيات يبلغ 344 كيلومتر مربع، وعدد سكانها يبلغ 11,مليون نسمة، يمثلون 37% من سكان الحضر، ويحتاجون لميزانية تقديرية تبلغ 5267 مليون جنيه.
( جريدة الأهرام/ 27 نوفمبر 2000).

  وفى تطور أخير نشرت تفاصيله مجلة المصور عدد 4006 فى 20 يوليو2001، ص16 وردت تلك العبارة الموحية: "
فى طى الكتمان تجرى فى مجلس الوزراء والمحافظين دراسة فنية بهدف توسيع الحيز العمرانى للقرى وكوردونات المدن لإتاحة البناء على الأرض الزراعية فى الدلتا والوادى".

  ولم يقتصر الأمر على الأفراد، بل اضطرت الحكومة إلى الاعتداء على الأراضى الزراعية استجابة لمطالب المواطنين الملحة والعاجلة المتعلقة بحاجاتهم الحيوية.

حاجات التعليم (المدارس والجامعات):
المدارس:
   تحدث دكمال الجنزورى أمام مجلس الشعب فى 16 فبراير 1999 قائلاً إنه قد تم إنشاء 4500 مدرسة جديدة بمعدل 1500 مدرسة سنوياً، كما تم تنفيذ 1521 مدرسة فصل واحد فى المناطق المحرومة من التعليم تحقيقاً للمشروع القومى لتعليم الإناث فى المحافظات المختلفة، ويهدف المشروع إلى إنشاء 3000 مدرسة ذات فصل واحد.

   وتحدث دعاطف عبيد إلى رؤساء الصحف فى 19 أغسطس عام 2000 قائلاً: "سوف نطرح مشروعات من الشهر القادم وحتى آخر يوليوبمقدار 20 مليار جنيه لإنشاء 5000 مدرسة".
  ومن الجدير بالذكر أن هناك بالإضافة إلى المدراس المزمع إقامتها، توجد فعلاً فى الوقت الحالى أكثر من31 ألف مدرسة ذات فصل واحد.

  هذا إذا أردنا فقط المحافظة على الوضع الراهن المتردى من حيث كثافة الفصول وأيام وساعات الدراسةوقد حدثنا وزير التعليم (الأهرام 21 أكتوبر 1996) قائلاً إن أيام العام الدراسى فى العالم تتجه إلى الزيادة، ففى الصين يبلغ العام الدراسى 252 يوماً، وفى تايون222يوماً، وفى اليابان242 يوما، ًوفى ألمانيا 220 يوما، ًوفىإسرائيل215يوماً، أما فى مصر فهولا يتعدى 179 يوماً.

ولايوجد فى العالم ما هو أدنى من ذلك سوى فى البلدان التى لا يوجد بها سوى التعليم البدائىوإذا أردنا أن نحقق اللحاق بالعالم المتقدم فسوف نحتاج إلى المزيد من المدارس، وهذا يعنى فى ظل الاتجاه الحالى مزيداً من استهلاك التربة الزراعية، وهى أثمن الأصول الاقتصادية المصرية.

  وقد حدثتنا نفس الجريدة فى نفس اليوم بأن خطة الوزارة تتضمن أن تكون مدة الدراسة 34 أسبوعاً، وأن تبلغ ساعات الأسبوع لرياض الأطفال والمرحلة الابتدائية 45  47 ساعة أسبوعياً، وللمرحلة الإعداية 42 ساعة أسبوعياً.

  وإذا نحن تذكرنا أن أيام الإجازات تبلغ ثلاثة أسابيع فسوف تكون الدراسة الفعلية 31 أسبوعاً فقطوهكذا سوف تبلغ ساعات الدراسة فى المرحلة الابتدائية، وهى مرحلة البناء الحقيقى للتعليم طبقا لخطة الوزارة 1457 ساعة سنويا، أى 33% من ساعات النهار، وهى نسبة ضئيلة بكل المقاييس، فإذا أردنا زيادة عدد ساعات الدراسة فلابد من زيادة المدارس، وذلك باقتطاع أرض زراعية جديدة.

الجامعات:
 توجد فى مصر 12 جامعة، كما أن هناك فروعاً لبعض هذه الجامعات يبلغ عددها فروع. ويبلغ عدد الكليات والمعاهد العليا نحو600 كلية ومعهد، وهى تقع فى المدن الرئيسية، وبنيت (فى أغلب الحالات)على أرض زراعية. وكلما زادت الكثافة السكانية زادت الحاجة إلىالمزيد من تلك المعاهد والكليات، وجرى استهلاك مزيد من الأرض.

مزيد من استهلاك الأرض الزراعية:
   وكلما زادت الكثافة السكانية تطلب ذلك مزيداً من الخدمات الأخرى الحيوية إضافة إلى التعليم والعلاجومن ذلك السكك الحديدية والطرقوحتى اليوم بلغت أطوال الطرق 45 ألف كيلومتر تجرى عليها 3.4 مليون مركبة حتى 31 ديسمبر 1998، كما تبلغ أطوال السكك الحديدية 5000 كيلومتر نقلت 56667 مليون راكب/ كيلومتر عام 1998. وهذا يعكس كثافة الاستخدام، مما أدى إلى انخفاض مستوى الخدمة فى المواعيد ونوعية المركبات التى لا يوجد وقت لصيانتها، كما أن كثافة الاستخدام هذه لا تتيح الفرصة لصيانة الطرق أوالسكك الحديدية، مما كان عاملاً فى كثرة الحوادث والضحاياوفى بحث صادر عن (وحدة بحوث الأزمات بتجارة عين شمس) ورد أن عدد ضحايا حوادث الطرق السريعة يبلغ ستة آلاف قتيلاً وثلاثين ألف جريحاً سنويا خلال السنوات الأخيرة، كما تبلغ الخسائر المادية ثلاثة مليارات جنيه سنويا ً(المصور، عدد 4011، 24 أغسطس 2001، ص 57). وقد استهلكت الطرق والسكك الحديدية من الأرض الزراعية 2100 كم2، أى 500 ألف فدان.

التلوث:
ونحن هنا لا نتحدث عن تشويه اتساق وقائع الحياة ورشاقة المنظر، ولا نحن بصدد تدهور الذوق الرفيع ورقة السلوكإننا بصدد اختلاط مواد الحياة الأساسية، وهى الماء والهواء، بعناصر فاسدة ومفسدة تخل بالشروط الأساسية اللازمة للجسم كى يقوم بالوظائف الحيوية لاستمرار حياة الأفراد، كما تخل بالتوازن الوراثى فى عملية انتقال الصفات الوراثية اللازمة لبقاء الأمة المصريةوهذا الإخلال يحدث على المستويينالمستوى الوظيفى الفردى، والمستوى الوراثىوينتج عن هذا الإخلال أثران على درجة كبيرة من الخطورةففى حياة الأفراد سوف يتدهور أداء أعضاء الجسم لوظائفه الحيوية، فيصبح الأفراد ضعفاء فى مواجهة المرض وغير قادرين على أداء ما يمكن أن يكون ضرورياً لهم وللمجتمعأما إخلال التوازن الوراثى فإنه سوف ينقل إلى الأجيال القادمة عناصر وراثية غير مواتية للحياة فى عالم الأقوياءوهذا معناه أننا قد نصبح فنجد أنفسنا وقد صرنا أناساً من الدرجة الثانية.

مصادر التلوث فى مصر:
  ومن الأسف أن خطر التلوث فى مصر ناجم عن عملنا بالدرجة الأولىوهوناجم ـ فى أغلب الأحيان ـ عن العمل المنظم لا عن العمل العشوائىويمكن أن نرى ذلك على النحوالتالى:

تلوث المياه:
   تقيم مصر بأجمعها تقريباً على ضفاف النهروفروعه وترعه وقنواته، ومن ثم فإن كل نفايات الإقامة من صحية وزراعية وصناعية، ونفايات الحياة اليومية تجد طريقها إلى تلك المياه، وكلما أوغلنا شمالاً زادت النفايات التى تحملها المياه، وعلينا باستمرار أن نتذكر أنه لا توجد قرية أومدينة فى مصر ـ فيماعدا الصحارى ـ لا تقوم على ضفاف ترعة، كما أن علينا أن نتذكر أن أطوال شبكة الرىْ فى مصر تبلغ أكثر من 50 ألف كيلومتر.

مياه الصرف الزراعى:
  ورد فى دراسة قام بها فريق بتكليف من المجلس القومى للخدمات بالمجالس القومية المتخصصة أقرها المجلس فى جلسته يوم 22 فبراير 1992 أن عدد المصارف التى تصرف فى النيل من أسوان حتى القاهرة وصل إلى 72 مصرفاً. تلقى فى النهر بنحو2.5 مليار متر مكعباً من المياه سنوياً، وإلى جانبها هناك مصارف تصب فى فرع رشيد، ومصارف تصب فى فرع دمياط، بخلاف المصارف التى تصرف فى بحيرات مريوط وإدكووالبرلس والمنزلةومياه هذه المصارف خليط من الصرف الصحى والصرف الزراعىهذا فضلا عن أن قسماً مرموقاً من مياه الصرف الزراعى ينساب إلى مياه الترع عبر الأرض نفسها دون المرور فى المصارف.وتحمل مياه الصرف الزراعى قسماً كبيراً من المخصبات الزراعية والمبيداتومن الجدير بالذكر أن مصر تعتبر من أكبر البلاد استهلاكاً للأسمدة الصناعية، فهى تستهلك سنويا أكثر من مليون طن، أى أن كل فدان من الأرض المزروعة يتلقى أكثر من 700 كجم من تلك الأسمدة سنوياًوكى نتبين فداحة الأمر، قد يكون من المفيد أن نرجع إلى تلك الدراسة التى نشرها البنك الدولى فى 14 فبراير 2001، والتى يتبين منها أن معدلات ما تستهلكه دول العالم من الأسمدة الصناعية هى على الوجه المبين بالجدول رقم (12).

جدول رقم (12)
معدلات استهلاك الأسمدة الصناعية فى العالم
المنطقة
كجم/ هكتار
كجمفدان
شرق آسيا
265
111,3
أوروبا
158,4
66,5
أمريكا الشمالية
101,8
42,8
جنوب أسيا
88,8
36,6
جنوب شرق أسيا
82,8
36
أمريكا الجنوبية
62,1
26
غرب أسيا وشمال أفريقيا
61,1
25,7
الاتحاد السوفيتى سابقا
20,8
8.7
أفريقيا جنوب الصحراء
11.6
0.5
المتوسط العالمى
89.7
37.7

  ولعل هذا يوضح لنا فداحة التلوث بالمخصبات الصناعية فى مصر، وهوتلوث اضطرارى لأنه تلوث لا بد منه للحصول على المحاصيل الزراعية اللازمة لغذاء عدد متزايد من السكانوتحتوى المخصبات الصناعية على كيماويات ضارة بالجسم البشرى، ولها تأثير على المورثاتوقد يبدوالأمر أكثر خطورة عندما نعلم أنالحكومة خططت لاستخدام مياه الصرف الزراعى ذات الملوحة المقبولة فى الرىْ بعد خلطها بالمياه العذبة بنسبة 1:1

  وتبلغ كمية مياه الصرف الزراعى المستخدمة حالياً فى الرىْ 3066 مليون متر3، وتخطط الوزارة لزيادتها إلى 6900 مليون متر3بزيادة المستخدم منها فى الوجه البحرى والفيوم،غير أن المخطط القومى للمياه (Water Master Plan, 1998) يقدر ما يمكن استخدامه من مياه الصرف الزراعى بما يعادل 5.4 مليار متر3. وتحمل مياه الصرف الزراعى المستخدمة مخاطر عدة منها مخاطر التلوث بمياه الصرف الصحى، وهى مخاطر قائمة بسبب عدم الفصل بين شبكتى الصرف الزراعى والصحىومنها كذلك زيادة ما تحمله مياه الرىْ المخلوطة من أملاح ناجمة عن الأسمدة الصناعية، وهذا سوف يؤدى إلى زيادة ملوحة الأرض المروية بالمياه المخلوطةوقد أشارت إلى هذا دراسة أجريت فى معهد بحوث الصرف أسفرت عن البيانات الواردة بالجدول رقم (13)، والتى تبين أن هناك خطراً جدياً من استخدام مياه الصرف الزراعى دون معالجة.

جدول رقم (13)
متوسط الملوحة فى المناطق المختلفة
بين سنتى 1984و1990
المكان
عام 1984
عام 1990
وسط الدلتا
782
1587
شرق الدلتا
833
1094
غرب الدلتا
955
1143
المصدرحسن عامر،"مشروع إعادة استخدام مياه الصرف للرى".معهد بحوث الصرف،1992

مياه الصرف الصناعى:
   وتلقى المصانع فى النيل بأكثر من 500 مليون متر3سنوياًوقد أثبت الفريق أن المصانع كلها تلقى بصرفها فى النيل مباشرة أوعبر المصارف العموميةفمصرف خور السيل يحمل مياه صرف مصنع كيما، كما يحمل مياه الصرف الصحى والزراعى شمال أسوان. وتلقى مصانع السكر كلها بنفاياتها فى النهر(كوم أمبووأرمنت وقوص ودشنا ونجع حمادى ). كما تلقى مصانع الألمونيوم بنجع حمادى، ومصانع الكوكا كولا والصابون وزيت الطعام بسوهاج، ومصانع الحديد والصلب قرب القاهرة، تلقى كلها بصرفها فى النيل مباشرةكما تلقى مصانع كفر الزيات للصابون والزيت والملح والصودا بصرفها فى فرع رشيدوتلقى السفن السياحية، ويبلغ عددها300 سفينة بصرفها مباشرة فى النيل.
وتحتوى مياه الصرف الصناعى على قدر كبير من الكيماويات التى تؤثر تأثيراً سيئاً على أداء وظائف الجسم، كما أنها تحتوى على كميات كبيرة من المعادن الثقيلة التى فضلاً عن تأثيرها الضار على الوظائف إلا أنها أيضا تؤثر على المورثات. وقد حاولت الحكومة معالجة ذلك بإصدار القوانين التى تحرم إلقاء المخلفات الصناعية إلا بعد معالجتها، إلا أنها تعرضت لضغوط بالغة من رجال الصناعة، فأجلت التنفيذ أكثر من مرة، ورغم محاولات وزارة البيئة إلا أن الأحوال لازالت كما كانت عليه عام 1992.

الصرف الصحى:
   توجد فى مصر213 مدينة كبيرة، و4215 قرية كبيرة، و21 ألف قرية صغيرة تابعة، كلها تقع على النيل وفروعه وشبكة الرىوتغطى شبكة الصرف الصحى67 مدينة فقط، أى بنسبة 32 %من عدد المدن المصرية، ويقال إن هناك 146 مدينة كبرى ينتظر أن تقام فيها شبكات للصرف الصحى، أما عدد القرى المتصلة بشبكة الصرف الصحى فلا تعدو170 قرية، أى بنسبة 4%، وهناك 4045 قرية محرومة من الصرف الصحى بالإضافة إلى التوابع البالغ عددها 21 ألفاًفأين تصرف المدن والقرى وتوابعها التى لا تغطيها شبكة الصرف الصحى؟ إنها تصرف فى مياه الترع والمصارف التى بدورها يجرى استخدامها فى الرى.

آثار تلوث المياه:
   لن نتحدث هنا عن الأمراض الطفيلية التى تنتشر فى مصر، فلذلك حديث آخر سوف نعرض له فى حينه، وإنما سوف نتحدث عن الأحوال الناجمة عن تلوث المياه بنتائج الصرف الصحى والزراعى والصناعىوهنا يجب الانتباه إلى أن الماء هوالحامل الرئيسى للمادة الملوثة، وأن هذا الماء هوالذى يوصل لنا هذه المادة، وما دام الأمر كذلك فإن درجة تعرضنا للملوث هى التى تحدد تأثرنا بهومن هذا المنطلق يشيرعلم الطب إلى أن الماء يكون 65% من وزن الجسم، وأن الأعضاء الأكثر حيوية ـ إذا جاز التعبير ـ تحتوى على نسبة أكبر من الماء، فمثلا يشكل الماء 68% من وزن الكبد، و80% من وزن الكلى، و75 % من وزن المخفالماء أذن يتخلل الجسم البشرى كله، والقسم الأكبرمنه موجود داخل الخلايا، والقسم الأقل يوجد خارج الخلايا ويحيط بها، ومع هذا فإن القسمين دائما التبادلوتقوم الكلى بتنقية الدم من آثار التمثيل الغذائى، لذلك يجب أن يمر الدم فيها بسرعة حتى يمكن التخلص من هذه المواد الضارةوقد قدر حجم الدم الذى يمر فى الكلى بنحو1700لتراً فى اليوم، أى أن كمية دم الإنسان ـ وهى نحولترات ـ تمر فى الكلى 300 مرة فى اليوم الواحد لتخليصها من السموم الداخلية الناجمة عن العمليات الحيوية فى الجسم.

   ويتعاطى المصرى نحو2.9 لتراً من الماء يومياً فى طعامه وشرابهفإذا كان هذا القدر يحتوى على درجة من التلوث، فإن على الكلى أن تتعامل مع هذا التلوث بالإضافة إلى ناتج التمثيل الغذائىلذلك فإنها قد تنوء بهذا الحمل الثقيلوفى نفس الوقت فإن الكبد يقوم بدمج بعض الكيماويات الضارة مع بعضها كى تصبح أقل ضرراً وكى تتمكن الكلى من إفرازها مع البولوهكذا يضاف عبىء التلوث إلى عبىء المواد الضارة الناجمة عن التمثيل الغذائىفلا غروإذا أصبحنا فى مصر نواجه بحالات متزايدة من القصور الكلوى والكبدى التى تتطور سريعاً إلى حالات من الفشل الكلوى والكبدىولعل كثرة هذه الحالات ملحوظة عند المصريين هذه الأيام، ويدعم هذه الملاحظات ما نشرته مؤخراً مجلة المصور (عدد4001 فى 24 أغسطس 2001) نقلاً عن مصادر وزارة الصحة بشأن انتشار أمراض الالتهاب الكبدى الوبائى والفشل الكلوىفإذا عنّ لأحد أن مياه الشرب النقية قد امتدت إلى أغلب المناطق، فإن تقريراً للمركز القومى للبحوث الطبية منشور فى نفس العدد من المجلة يشير إلى أن أغلب شبكات مياه الشرب متآكلة وتتعرض للكسر مما أدى إلى تسرب مياه الصرف الصحى إليها.


البعد السلوكى لزيادة الكثافة السكانية:

  لم ينل هذا الباب حقه من العناية المدققة، وهوباب ذوشقين: شق ينشأ مع الطفولة، أى ينشأ لأول مرة عند الطفل لدى معاناة زيادة الكثافة السكانية، وآخر يحدث للكبار بعد طول تعرضهم للكثافة السكانية الزائدة.

أثر زيادة الكثافة السكانية عند الأطفال:
  وقد عرفنا علماء نفس الأطفال بأن هناك أزمات متتالية يمر بها الطفل حتى يصل إلى كمال النضج العقلى والجسدىومن أهم تلك الأزمات أزمة سن الثالثة، وأزمة سن الخامسة، والأزمة الخاصة بفترة المراهقةوالأزمة الأولى تتعلق باضطراد استقلال الطفل عن اليافعين من أسرته، والذى يكون قد بدأ فى مرحلة سابقة مع تطور قدرته على الكلام والسير والحركة المستقلة، وبدء العلاقة مع الأطفال الآخرين، وبدء التطور من اللعب المنفرد إلى القبول بجماعات اللعب بين الأطفال، وبزوغ ظاهرة الرفيق الخيالى، وهورفيق وهمى يخترعه الطفل ليلعب معه ويحاوره، وهذه المرحلة تتميز بنموخيال الطفل واتساع آفاقه وتكون وجدانه، وهذه المرحلة ذات أهمية بالغة فى تطور الطفل، إذ هى تدخلة إلى عالم الآخرين المغايرين، ويحدث المزج بين أفراد الأسرة والآخرين بطريقة خلاقة وإن تكن خيالية، كما يدخل الطفل من خلالها إلى عوالم أخرى تتشكل خلالها بوادر وأجنة سلوكه حينما ينضج، وقد أشار بعض علماء النفس إلى أن طفل سن الخامسة يكاد يكون نسخة مصغرة لليافع الذى سيكونهفإذا أدخلت عوامل التشوه إلى شخصية الأطفال فى هذه المرحلة، فإن ذلك سوف يؤدى إلى جيل من الأطفال ناقصى الخيال ومشوهى الوجدان.

   وإذا كان لهذه المرحلة تلك الأهمية القصوى فى تطور سلوك الطفل، فإن العامل الأول فيها هوبدء انفصال الطفل عن الأسرة ليقع فى شبكة المجتمع، وهذا أثر يعتمد إلى حد كبير على إمكانية وجود بيئة خارجية ينتقل إليها الطفل جزئياً. وإذا كان المنزل هومقر المراحل السابقة، فإن الخارج هومسرح ما يلى ذلك من تطور.

  ولا نستطيع أن نستوعب الآثار السلوكية لزيادة الكثافة السكانية إلا إذا كنا ملمين ببعض الأحوال السلوكية للأطفال المصريين فيما قبل انفجار الكثافة السكانية إلى هذه الدرجةحيث كانت هناك فى تلك الأزمنة فراغات بين مساكن القرى والمدن، وكانت هذه الفراغات هى أماكن لعب الأطفال وتجمعاتهم، وإلى جانبها كانت تلك الشوارع فى المدن المصرية ذات الحركة القليلة نتيجة لقلة المركبات السائرة فيها. وبعد زيادة الكثافة السكانية إلى الأبعاد التى سبقت الإشارة إليها، استهلكت كل الفراغات فى القرى فى بناء المنازل، كما أن تلك الكثافة أدت إلى زيادة أعداد المركبات التى تجوب شوارع المدن، ولذلك ندر اللعب فى الشوارع، وبذلك حرمت الأغلبية الساحقة من الأطفال المصريين من ذلك المسرح الذى كانت تتفجر فيه طاقاتهم وتتطور شخصياتهم فى بداية تكونها.

  وإذا عنّ لامرء أن يقول إن دور الحضانة بديل حضارى لما افتقدناه، فإن ندرتها ونظم إدارتها لا تجعل منها هذا البديلوقد أتيح لكاتب هذه السطور أن يحملق فى بعض دور الحضانة الموجودة فى بعض القرى والتى أنشئت بها حلاً لمشاكل الأمهات العاملات، وكانت نتيجة المشاهدة سلبية للغاية، فهى فى أغلب الأحيان تدار بمن يضيق ذرعاً بالأطفال، فقد كلفت بها فتيات صغيرات لا دراية لهن بالمهنة، ولا صبر لديهن على سلوك الأطفال فى سن يتوجب أن يوضعوا خلالها بين أيدى عالمة ومدربةولا يعنى القول السابق أن الساحات والشوارع هى الحل الأمثل، بل هولمجرد لفت الأنظار إلى التدهور الحادث لأطفالنا خلال مرحلة حاسمة فى تطورهم، مما يجعلنا ندرس المسألة لا بحسبانها مسألة خاصة بالأمهات والأسر التى تريد التخلص من عبيء أولادها، بل باعتبارها مسألة خاصة بمستقبل الأمة الذى يمثله الاطفاللذلك لا ننتظر فى ظل الكثافة السكانية الراهنة أن يحصل طفل المرحلة التى وصفناها على ما يساعده على النموالصحى والتطور السليمبل سوف يشب الطفل فى الأغلب على قدر من التشوه يتطلب رعاية أكبر مما نقدر عليه فى مثل ظروفنا الراهنة.

أزمة المراهقة:
  أما الأزمة الثانية فهى أزمة المراهقة، وهى كسابقتيها ـ أزمتى الثالثة والخامسة ـ أزمة ارتقائية، وهى تأتى نتيجة لتغيرات حيوية (بيولوجية)شاملة، كما تؤدى إلى تغيرات فى الشخصية والسلوك الفردى والنشاط الاجتماعىوإذا كانت التغيرات الحيوية تحدث باستقلال نسبى عن المجتمع، فإن التغيرات السلوكية والاجتماعية للمراهقين تحدث فى إطار المجتمع وتتأثر بما فيه من ظروف مادية وثقاية وتنظيمات رياضية واجتماعية وثقافية وسياسية.

  والواقع أن هذه التنظيمات تلعب دوراً هاماً فى تطور أزمة المراهقة، وتمثل الأطر التى يتطور خلا لها نشاط المراهقينوعلينا هنا أن نتذكر حال المدارس خلال الفترة التى كانت تموج فيها بالأنشطة الرياضية والثقافية، وتزدهر فيها الألعاب المختلفة وجمعيات الثقافة والتمثيل والخطابةوكان النشاط المنظم مجالاً لطاقات هذه السن المتفجرة والثرة والدفاقة، كما كان عاملاً هاماً فى تنمية المواهب والقدرات التى ينتظر أن تعطى نتائجها فى المراحل التالية.

  وكان هذا النشاط من عوامل النضج التى تتاح للمراهقين وتوجه نشاطهم لكى يعمق الانتماء فى المجتمعناهيك عن طوابير الصباح وتحية العلم وما تحدثه من شعور بالانتماء للوطن.

  وحينما كان هذا النشاط متاحاً فى المدارس كانت هناك فرصة لتطور المواهب وممارسة المراهق لدوره فى المجتمع، كما كانت هناك فرص عديدة من خلال عضوية الجماعات الرسمية وغير الرسمية لارتباط المراهق بالمجتمع، لأنها كما يقول الأستاذ الدكتور مصطفى سويف: "الوسائط التى من خلالها يتم تقطير قيم المجتمع وتقاليده وعاداته فى نفس الفرد، وبعبارة أخرى هى الوسائط التى يتم من خلالها تطبيع الفردلهذا السبب كان لزاماً على الباحث فى السلوك الاجتماعى أن يهتم بهذه الجماعات، فعن طريقها يمارس الفرد عضويته فى المجتمع، ولا يمارسها بطريق مباشر".

  وتحت وطأة الكثافة السكانية قامت المؤسسة التعليمية لا بانقاص وقت الدراسة فقط كما سبق أن رأينا، بل أيضا ببناء الفصول الجديدة فى المساحات التى كانت مخصصة لممارسة الرياضة ونشاط فرقها، وألغت النشاط الفنى والثقافى الذى كان من أسباب حب المدرسة لدى الطلاب، بل وألغت طابور الصباح فى كثير من المدارس، ذلك الطابور الذى كان رابطة الطلاب ببعضهم، كما كان رابطتهم بالوطن بما كان فيه من كلمات وأناشيد وأخبار الصباحكما تم إلغاء فرق الكشافة والجوالة التى كانت تستجيب استجابة صحية لميل الشباب فى مرحلتهم هذه إلى التنظيمات العسكريةوأصبحت المدارس قاعات جافة خالية من أى شىء يغرى الطلاب بالبقاء فيها، وتحول اليوم المدرسى إلى قزم وعبىء، وحل محله نشاط آخر فاسد ومفسد هوالدروس الخصوصية التى استهلكت وقت الطلاب وأموال أسرهم، غير أن الأثر الأكثر أهمية هوفقدان الأطر التى كان المراهق يتطور خلالها وتتم فيها عملية الاندماج الخلاق فى المجتمعوبدلا من التطور الخلاق والارتقائى لفترة المراهقة، تحولت إلى فترة نضج مشوه يخلق لنا عنصراً قليل الكفاءة ضعيف الانتماء محدود الآفاق والأحلامولعل هذا هوسبب ما يلاحظه الكثيرون من نقص المواهب فى مختلف نواحى الحياة المصرية فى العلوم والفنون والصنائع، من تدهور فى أداء الجميع.

هذا عن الشق الإنشائى لآثار زيادة الكثافة السكانية، فماذا عن الشق التعديلى لسلوك البالغين؟


أثر زيادة الكثافة السكانية على سلوك البالغين:
  فى واقع الأمر يجد الإنسان صعوبة بالغة فى تقصى أثر الكثافة السكانية على سلوك هؤلاء البالغين، فهم يشكلون القسم الأكثر نضجأ ونشاطاً فى المجتمع، وهم الذين يقومون بالإنتاج السلعى والخدمي، وهم الذين يشرعون للمجتمع، وهم الذين يديرون الجهاز الإدارى للدولة الذى يشرف بدوره على إنتاج السلع والخدمات، وهم يديرون الجهاز القضائى المشرف على علاقات المجتمع بأفراده ومنظماتهويعتبر جهاز الدولة الإدارى المصرى أضخم جهاز دولة فى العالم، بل وفى التاريخ، ويتخلل الجهاز كل أنحاء مصر ويقوم بمهام عديدةوهناك نظرات تقول بأن جهاز الدولة قد تضخم إلى حد كبير، وأنه لا يقوم بمهام جادة، ويقول وزير التنمية الإدارية فى حديث يتسم بالموضوعية ـ وإن كان يفتقر إلى الدقة ـ فى مجلس الشعب يوم 21 ابريل 1998: "يبلغ عدد الخدمات التى يؤديها الجهاز الإدارى للدولة 728 خدمة "، ولم يحدد الوزير المعيار الذى اتخذه لإحصاء هذه الخدمات، فهناك من يختزلها إلى خدمة واحدة شاملة هى إدارة المجتمع، كما يمكن أن يبلغ عددها أكثر من3000 خدمةوفى أحد البحوث بشأن وزارة الصحة أتخذ فيها معيار واحد هوالإجراءات المستقلة التى تقدمها الوزارة وفروعها المختلفة، بلغت هذه الإجراءات 378 خدمة، وذلك فى وزارة واحدة.فما بالك بجهاز الدولة كله؟.

   الواقع أن جهاز إدارة جهاز المجتمع فى مصر يتخلل المجتمع كله من العاصمة إلى أصغر قرية، بل ربما إلى ما هوأدنى من القرية، فوزارة الرىْ وصلت إلى مستوى قطاع فى ترعة، وما الذى يمثله البحار (خفير المياه )، كما أن وزارة الزراعة قد وصلت إلى ملاحظة الحوض، ويمكن أن نرى فى كل ناحية من نواحى الخدمات التى تقدمها الدولة ذلك التسلسل من قمة الهرم الإدارى إلى أصغر نجع، والسؤال الأهم هو: " هل لهذا الجهاز المتشعب مهام يؤديها؟". واعترف أنه من الصعوبة بمكان الإجابة على هذا السؤال إن بنعم أولاوهناك صياغة أخرى للسؤال وهى كالآتي: "هل يمكن لأداء الدولة أن يتحسن إذا تقلص جهازها، أم أنه يمكن أن يزداد تدهوراً؟". الحقيقة أنه يجب النظر إلى عملية التطور الا جتماعى على النحوالتالى: "حينما يتطور المجتمع تتحول كثير من واجبات الأسرة والأفراد التى كثيراً ما تندرج تحت الصفات الأخلاقية إلى مهام تقوم بها الدولة، وتنشأ لها أجهزة وإدارات، وتشرع لأدائها قوانين، وتفرض لها قرارت وزارية للتنفيذ، ولوائح لتنظيم ذلك التنفيذ.غير أن هذه الوظائف التى كان يقوم بها الأفراد وتولتها الحكومات ما تزال لها سمات فردية استقرت فى ذهن المواطن علاقتها بالأخلاق التى هى فردية، بينما هى قد اتنقلت إلى الإدارة وتحولت إلى وظيفة إدارية، وهذا ما عبر عنه حديث وزير التنمية الإدارية زكى أبوعامر فى حديثه لجريدة الأسبوع (19 يناير 1998 ): "
لا أعتقد أن هناك شعباً يلتزم بالقواعد والأصول لمجرد أن لديه أخلاقاً، فالأخلاق وحدها لا تكفى لوضع نظم، وإنما لابد أن يلتزم الإنسان بالنظم والقواعد، وأرى أن كل الأعراض التىأشرت إليها الآن ستقل حتماً حينما يتم العمل فى إطار تنظيم منطبق ودقيق ".

   فحينما يتعثر الجهاز الإدارى للدولة ولذلك أسباب كثيرة يبدوالأمر وكإنما ألمت بالقوم كارثة، ويتحول تدهور الأداء مباشرة إلى صورة التدهور الخلقى وسوء السلوك، أى إلى الصورة المناظرة له فى النظم السابقة فى سلم التطور.

لماذا نَسوقُ هذا الحديث؟ إننا نسوقه لأنه عندما تعجز الدولة عن تمويل الخدمات وجهازها الإدارى، وعندما تضطرب القوانين نظراً للتسرع فى إصدارها، وعندما تختل قواعد العدالة بسبب بطىء الإجراءات المتعلقة بالقضاء أوغير ذلك من الأسباب، عند ذلك يحدث اضطراب عام فى الدولة، ويلجأ الأفراد إلى وسائلهم الخاصة للحصول على الخدمات التى لابد منها وللحصول على الحقوق التى يرونها لأنفسهم، هذا الاضطراب يظهر فى صورة تدهور خلقى، فالأطباء ليسوا على مستوى المهنة، ويبدوالمدرس أنه قد نسى أنه كاد أن يكون رسولاً "،ويصل الأمر إلى حصول الموظف الإدارى على أجره عن طريق آخر وهوالجمهورويستجيب التجار والمهنيون والحرفيون لمبالغة الدولة فى تقدير ما تفرضة من ضرائب بعدم دفعها نهائيا، وبرفع الأسعار بطرق ملتويةوتلجأ الحكومة إلى وسائل غير دستورية فتفرض ـ مثلاً ـ قانون الحجز الإدارى الذى يتيح لها تحصيل ما تقدرهويلجأ الجميعالأفراد وجهاز إدارة المجتمع بقسميه الأهلى والحكومى إلى الاعتماد على الخارج ليس لتمويل نشاطه فقط بل لتمويل وجوده ذاته.

   على هذه الصورة يبدو سلوك البالغين، فما علاقة ذلك بزيادة الكثافة السكانية؟ العلاقة واضحة ومحددة ووثيقةواضحة لأنه فى الحالة المصرية تتلازم زيادة الكثافة السكانية مع الفقر، فقر إدارة المجتمع، الإدارة الأهلية والإدارة الحكومية على السواء، ومحددة لأنه فى ظل هذا الفقر يلجأ الكل إلى وسائل غير مقبولة، فيلجأ الأفرادإلى مخالفة القواعد والقوانين، وتلجأ الحكومة إلى الوسائل الإدارية فى أداء وظيفتها بدلاً من الوسائل القانونية، كما تبدو العلاقة وثيقة لأنه لا يمكن القضاء على السلوك الحالى للأفراد وإدارة المجتمع إلا بالتخفيف من الكثافة السكانية الراهنة.


وضع الخدمات الحيوية:
   تتأثر جميع الخدمات بكثافة السكان تأثراً واضحاًولا نستطيع فى هذا المجال أن نعدد كل الخدمات ومدى تأثرها بزيادة الكثافة السكانية، ولكننا سنختار أوسعها شمولاً وأكثرها حيوية، وإن كنا نقر سلفاً بترابط تلك الخدمات، مما يتيح للآثار فى خدمة ما أن تنتقل إلى غيرها بسرعة وعمق.

فى رغيف الخبز:
   خلال السنوات الأخيرة لاقى المصريون صعاباً عسيرة التحمل من جراء ما يمكن أن نسمية جوازاً "السلوك المنحرف لرغيف الخبر"، إنتاجاً وتوزيعاً.  فكان هناك الرغيف البلدى والرغيف الشامى والرغيف المحسن والرغيف الطباقى، وغير ذلك من الرغفان، وعليك إذا كنت تريد رغيفاً بلدياً أن تبكر فى النهوض إلى المخبز البلدى بحيث تكون على بابه فى السادسة صباحاً لتتخذ مكاناً مناسباً فى الطابور، وعليك أن تعرف أن هذا المخبز البلدى يغلق أبوابه قبل انتصاف النهاروعليك كذلك أن تصطحب معك مفرشاً من الجرائد أوالبلاستيك كى تنشر عليه ماتحصل عليه من تلك الرغفان، ذلك أنها لم تأخذ حظها من النضج، وإذا لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك إذا وجدت كل أرغفتك وقد التصقت ببعضها البعض التصاقاً يأبى الافتراقأما الرغيف المحسن فلن تجده مختلفاً عن ذلك البلدى إلا فى قدر أكبر من النضج، أما الرغيف الطباقى، وهوالذى يخبز فى المدة بين خبزتين، فهوأكثر نضجاًأما إذا كنت من أهل اليسار فليست هناك مشكلة، ذلك أن هناك فى مصر من يأكل خبزاً باريسى الصنع بعد ساعات قليلة من صنعهوفيما يختص بالتوزيع، فليست هناك أماكن محددة لذلك، فربما وجدت الخبزمفروشاً فوق الأرصفة على قارعة الطريق أومعروضاً فى محلات البقالة.

  خلاصة القول أن رغيف الخبز أصبح معضلة فى مصر، والحصول على رغيف الخبز البلدى يتطلب مشقات بالغة، وقد يقتضى الدخول فى مشاحنات تشيع فى النفوس ما يكره المصريون أن يشيع، وهم المعروفون بدماثة الخلق.

تجارة التجزئة:
   وتجارة التجزئة فى مصر لها تاريخ، وهى محفوفة برعاية الدولة التى اتخذت كل ما يمكن اتخاذه كى تكون التجارة قائمة على أسس سليمة. فإذا عن لأحد أن يحترفها فان عليه أن يقدم للوحدة المحلية طلباً مستوفى من 12 جهة حكومية، وعليه أن يقدم رسماً هندسياً للمحل ورسماً هندسياً آخر للعقار الكائن به المحل، ورسماً آخر للحى الكائن به العقار، ويجب أن تكون هذه الرسوم معتمدة من مهندس حر، غالباً ما تكون زوجته أوأحد أقاربه من العاملين فى الوحدة المحلية، هذا فضلاً عن "حلاوة الحنكالتى يتوجب دفعها للموظف المسئول. أما إذا كان المواطن ـ بداية ـ من أصحاب الدكاكين، فإن عليه فضلاً عن ضرائب مصلحة الضرائب العامة أن يتحمل حجز الضرائب العقارية المستحقة على مالك العقار، غير أن القانون يحتم على شاغل العقار أن يدفعها، وعليه أن يتحمل نقل العبئ إلى مالك العقار، وعليه أن يواجه رجال التموين للتحقق من مطابقة المواصفات، ورجال الحكم المحلى الذين يقومون بتحصيل ضرائب غير شرعية ولا دستورية، وعليه إذا عن له اعتراض أن يوكل محامياً أمام المحكمة الدستورية العلياوهناك رجال الصحة للتحقق من المواصفات الصحية للمكان، ورجال وزارة الصناعة للتأكد من شروط الأمانوهناك أيضا رجال مؤسسة التأمينات التى تريد أن تطمئن إلى عدد العاملين فى المحل، وإذا ما كان هناك تهرب من التأمين عليهم. لذلك كله اخترع المصريون تجارة أخرى استغنوا فيها عن المحلوتلك هى تجارة الأرصفة، فلا رخص ولا تعامل مع مؤسسات الدولة التى ذكرت، وليس على ذلك التاجر إلا أن يحصل على عربة يستأجرها أويشتريها، وأن يحصل من تجار الجملة على السلع التى سوف يعرضها، ويحصل على ميزان غالباً ما يكون غير رسمى، أما إذا كان صاحبنا أقل من أن يحصل على عربة فإنه يفترش أرض الرصيف الخاص بالمارة ويعرض بضاعته على أقفاص أوعلى مفرش من خيش الأجولةوليس هناك من خطر سوى خطر رجال الوحدة المحلية الذين يمرون بين حين وآخر، ويتظاهرون بمصادرة البضاعة أوالميزان، وهناك باستمرار طريقة لاسترداد ما تظاهروا بمصادرتهومن الطريف أن كل هذا يجرى بسلاسة ودون معارك، وكأنها مسرحية يعرف الجميع دورهم فيها، ويعرف كذلك ما علية، ونادراً ما تحدث مشاجرات إلا فى الحالات التى يكون فيها تاجر الرصيف مستجداً وغشيماً، إلا أنه سرعان ما يتعلمومن قبل قال نجيب الريحانى: "أكل العيش يعلم النملة الكلام".

   ولا يحسبن أحد أن تلك التجارة ليس لها قواعد وتقاليد، ذلك أنها ذات تقاليد راسخة، فليس من حق أحد أن يجلس مكان أحد آخر، وإنما قد يجاوره "وربنا يرزق الجميع". وحينما يتعدى أحد على مكان آخر يعامل وكأنه اغتصب دكاناً. وهناك تطور أخير، وهونشأة الأسواق الصغيرة، وهى تجمعات فى أماكن معينة من الأحياء تجمع الباعة المتجولين، وقد اعترفت الوحدات المحلية بهذه الأسواق، إلا أنها لم تقض على باعة الأرصفة الذين اكتسبوا وجوداً شرعياً باعتراف أصحاب المحلات التى يوجدون على الأرصفة المجاورة لهم مقابل دفع أى شيئ يتفق عليهوإذا عن لأحد أن يقلل من أهمية الظاهرة فعليه أن يرجع إلى دسلوى شعراوى جمعة التى أدارت ملتقى لبحث المسألة نشرت ملخصه فى ملحق الأهرام فى 17 أغسطس 2001 حيث بينت أن حجم هذا القطاع يبلغ 3.8 مليون وحدة توفر ملا يين فرصة عمل أومايعادل 36% من إجمالى قوة العمل، وأنها قد زادت بنسبة 50% خلال السنوات العشر الأخيرة. أما وزير المالية دمدحت حسانين فقد أطلق على هذا القطاع اسم"الديناصور النائم". وليس من شك فى أن الكثافة السكانية قد أسهمت فى حدوث هذا التطور المثير فى تجارة التجزئة، ولعل التعبير الأكثر ملائمة أن نقولفى حدوث هذا التدهورذلك أن خروج تجارة التجزئة من عالم الاقتصاد الرسمى إلى عالم الاقتصاد الخفى بفعل الكثافة السكانية قد أدى إلى مجموعة من الآثار لكونها لم تعد خاضعة لأى قدر من التنظيم أوالتخطيط، مما يفقد المجتمع أية قدره على تنظيم أموره، فالكشف الطبى على البائعين لم يعد ممكناً مما يهدد مستنقبلهم ومستقبل عملائهم، وإتاحة وتنظيم الائتمان لهم يبدوأبعد الأشياء عن التصور، مما يجعل مستقبلهم مشكوكاً فيهوتنظيمهم فى منظمات للدفاع عنهم لا يبدوسهلاً مما يحرمهم من وسائل الدفاع عن أنفسهم.

النقل والانتقال:
   ونعنى هنا انتقال المصريين العاديين، فقد أدت الزيادة فى الكثافة السكانية إلى تدهور وسائل النقل والانتقال. لقد سبق الحديث عن عدد المركبات المسجلة لدى إدارات المرور،غير أن هذا التسجيل لم يوضح حقيقة هذه المركبات، ففى كثير من محافظات مصر يجرى تهيئة المركبات نصف النقل المخصصة لنقل البضائع لكى تصير سيارات لنقل الركاب بتغطيتها بكراسى فى غاية الرداءة والقسوةوكثيراً ما تترك قيادتها لصبية غير مرخص لهم بالقيادةبل كثيراً ما يجرى نقل عمال الزراعة والمقاولات بواسطة عربات نقل دون أن تكون مجهزة بأى شىء، مجرد عربة نقل يجلس فيها العمال. غير أن المثير للغضب ليس سلوك هؤلاء السائقين أو ملاّك السيارات، وإنما هوسلوك إدارت المرور فى كل المحافظات، فقد ألغيت نقاط المرور التى كانت موجودة على الطرق لضبط الحركة والمخالفات، واستبدلت بها وسيلة حضارية مدهشة هى المراقبة بالرادار والدوريات الراكبة،غير أن كلتيهما قلما وجدتا، والأكثر إثارة للدهشة أنه فى حال الحوادث قلما انتهت سلطات التحقيق إلى ما جرى من مخالفات فى استخدام وسائل نقل البضائع لنقل الأفراد.

التعليم:
   ذكرنا كيف أن عدد أيام العام الدراسى فى مصر أقل من كل الدولوإذا كنا نظن أن الجهود التى بذلت لتخفيف كثافة الفصول قد أثمرت، فإن الدكتور حسام بدراوى رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس الشعب يحدثنا بعد جولة قامت بها اللجنة لمدينة الإسكندرية التى سوف تشهد احتفالية عالمية بمناسبة افتتاح مكتبة الاسكندرية، فاجأ الجميع بتقرير اللجنة التى سجلت أنها لاحظت ارتفاعاً فى كثافة الفصول تصل أحياناً إلى 80 طالباً وطالبة، وأنه فى بعض المدارس لازالت تتعدد فترات الدراسة. ويعتبر التعليم المصرى كارثة ليس كمثلها كارثة، وفداحة هذه الكارثة هى أن آثارها لن تظهر إلا بعد أن تكون قد أحدثت دماراً عميقاً وواسع النطاق فى عقلية المصرى وسلوكه بحيث لا يستطيع مواجهة التطورات التى يموج بها العالم، بل لايستطيع الصمود فى أية منافسة على مستوى دائرته الإقليميةومن المثير أنه على بعد أميال من الحدود المصرية تقبع مدينة تل أبيب كمنافس جدير لسيليكون فالىSilicon Valley.

العلاج:
القوى البشرية طبقا لإحصاء عام 1997: يبلغ حجم القوى البشرية العاملة فى مجال الصحة فى مصر عام 1997 نحو125561 طبيباً من كل التخصصات، و5855 طبيب أسنان، و36617 صيدليا،ً و152741 ممرضة من مختلف المستويات وفى كل المؤسسات الصحية فى مصروالعاملون من هؤلاء فى وزارة الصحة،منهم من يقوم بالعمل فعلاً، ومنهم من لا يعمل (فى المعاش أوالإعارة أوفى إجازة بدون مرتب ). وذلك كما هومبين بالجدول رقم (14 ).

جدول رقم (14)
القوى البشرية العاملة فى وزارة الصحة
ممرضات
أطباء أسنان
صيادلة
أطباء
المهنة
65731
5607
2490
42503
من يعمل بالفعل
9103
2209
876
18951
خارج العمل
74804
7816
3366
61454
المجموع




الاستخدام:
   سوف نخص فى هذا الصدد المستشفيات العامة والمركزية فى المحافظات والمراكز، والتى يبلغ عددها 223 مستشفى، بها 32714 سريراً، وذلك بتقدير ما تؤدية من خدمات الفحص فى العيادة الخارجية والذين قبلوا بالاقسام الداخلية:

عدد زيارات العيادات الخارجية:
   يبلغ عدد الفحوص فى العيادات الخارجية لهذة المستشفيات سنوياً 52 مليون فحصا،ً أى 670 فحصاً يومياً فى المتوسط فى كل مستشفى عام أومركزى، وهذا مما تنوء به هذه المستشفيات، هذا بالإضافة إلى ما أوكل إليها أخيراً من خدمات التأمين الصحى، وهوغير معروف، ولم تجر دراستهوهذا العبىء هوالسبب الرئيسى لتدهور الخدمة فى مستشفيات الدولة، وليس إهمال الأطباء الذين يقعون فريسة للجهاز الإدارى للدولة الذى لا يجد مبرراً يسوقه لتدهور مستوى الخدمة إلا إهمال الأطباء، فعقابهم سهل وميسور، ثم يتنفس المسئول الصعداء عند توقيع العقاب، معتبراً أنه قد انجز مهمته، وبغض النظر ـ بطبيعة الحال ـ عن النتائج.

مسألة البلهارسيا:
   يظن كثير من المصريين أن مشكلة البلهارسيا قد قاربت الانتهاء، وأن المصريين قد استطاعوا ـ أخيراً ـ أن يتغلبوا عليهاغيرأن الحقيقة أبعد عن هذا كثيراً، بل إن تطوراً مثيراً قد حدث فى المشكلةوهناك فى هذا الصدد ملاحظتان:

الملاحظة الأولى:
   هى أن الكثافة السكانية وما يرتبط بها من الإقامة على شواطىء الترع والقنوات قد أدت إلى اتساع انتشار البلهارسيا، خاصة وأن كل القرى والنجوع التى سبقت الإشارة إليها محرومة من الصرف الصحى، ولا ينتظر لها أن تتمتع به فى المستقبل المنظور.

الملاحظة الثانية:
  هى أن العلاج الحديث للبلهارسيا، وهى أقراص سهلة التعاطى، لا يجرى استخدامها بالطريقة العلمية وبالجرعات المناسبة، كما لا تجرى اختبارات الشفاء المقررة بعدهاونتيجة لذلك يتأثرالطفيلى تاثراً مؤقتاً بالعقار، ويحدث تحسن مؤقت فى الأعراض، غير أن الطفيلى ما يلبث إلا قليلاً حتى يستعيد حيويته، ثم يحدث آثاره المدمرة فى الجسم دون أن يحدث الأعراض الظاهرة التى تدل على وجوده، مثل البول الدموى وآثاره فى الأمعاءوتشير كثير من البحوث الطبية إلى أن كثيراً ممن تبدوعليهم مخايل الصحة، يحدث لهم فى سنوات لاحقة تدهور تدريجى، ثم يتحول سريعاً إلى كوارث صحية مثل تليف الكبد ودوالى المريىء واستسقاء البطن والأورام الخبيثة،بل وجدت آثار للبلهارسيا فى الأنف وحول النخاع الشوكىوفى بحوث كثيرة وجدت المواد المضادة للبلهارسيا بنسبة عالية فى دماء بعض من يبدون فى حالة صحية جيدةومن المعروف أن المواد المضادة للبلهارسيا التى يفرزها الجسم فى مقاومته للطفيلى لا تمكث وقتاً طويلاً بعد القضاء على الطفيلى، وما ذكرناه يوضح أن هؤلاء الأصحاء يعيش داخلهم طفيلى حىوهناك ما هوأهم، وهوأن مريض البلهارسيا تتدهور قدراته العقلية والبدنية، فإذا كانت تلك الإصابات على نطاق واسع بين المواطنين، فكيف نتصور مستقبلنا وسط الأصحاء والأقوياء فى عالم المنافسة الذى تدخله كل الأمم؟ولعل الصفوة القومية تدرك فى غمار معاركها ضد العولمة أن المعركة الجديرة بالاعتبار هى المعركة ضد مرض البلهارسياغير أنى أظن أنها لن تعدم حجة لبيان أن استشراء البلهارسيا ماهوإلا بفعل مؤامرات الشركات الدولية والإمبريالية، ربما لأن محاربة تلك الشركات لا يكلفها إلا الكلام، بينما المعركة ضد البلهارسيا سوف تكلف الكثيرمن الجهد، وهى فى النهاية معركة لا تمارس عبر الفضائيات العربية وغير العربية.


مسألة حضارية أخيرة:
  أثيرت منذ سنوات مناقشات واسعة حول أحقية ورثة بعض زعماء مصر فى مختلف الميادين فى التصرف فى ممتلكات مورثيهم دون اعتبار لدلالاتها الحضارية التى يمكن ان تكون تراثاً جديراً بأن يحفظ للأجيال القادمة، وفى كثير من الأحيان كان تصرف هؤلاء الورثة غير جدير بالاحترام، فقد تحولت منازال هؤلاء المورثين إلىغابات خرسانية بفعل أزمة الإسكان التى أشعلتها الكثافة السكانيةولم يكن ذلك مقصوراً على القاهرة والإسكندرية، ذلك أن كثيراً من المدن المصرية كانت تحفل بقصور لقادة الحركة السياسية المصرية، كما كانت لكثير من تلك المنازل طرز معمارية راقية.

خاتمة
     ليس فى وسع السطور السابقة أن تصور حقيقة الآثار الناجمة عن الكثافة السكانية، فذلك يتطلب دراسات منهجية يقوم بها علماء لديهم مشاعر أرقى من المشاعر الفردية والرغبة فى الترقية والوظائف العليا فى المجتمعكما أن المعالجة الرئيسية للكثافة السكانية تتطلب رجالاً وخبراء يستطيعون أن يقودوا الأمة إلى الخروج إلى تعمير الصحارى المصرية، ولا تترك لرجال الأعمال الذين يمكن أن تكون لهم مهام أخرى أكثر جدوى لهم.

حمدان ج 4 ص20
(... مصر كمبدأ عام بأى مقياس وعلى أى تقدير كتلة سكانية ضخمة وإرسابة بشرية كثيفة يندر مثيلها فى الماضى وذلك رغم كل ما تعرضت له من ذبذبات عنيفة. بل أن فون لانج لا يجد فى كل التاريخ سابقة للثورة الديموجرافية الحديثة التى اجتاحت العالم منذ الانقلاب الصناعى ولا استثناء لها إلا فى مصر وحدها فيما يبدو له...)

حمدان ج 4 ص125
(... فلا يمكن أن يكون لهذا الرقم المفزع من معنى سوى أن الكثافة السكانية إذا لم تنفجر خارج الوادى إلى الصحراء، فلا مفر من أن تنفجر على نفسها من الداخل وهو انفجار لا يمكن إلا أن يكون مدمرا.... وهنا تبرز الصحراء كصمام الأمان الأخير، بل المجال الحيوى الوحيد وها هنا مرة أخرى تبدو الصحراء الغربية بالدقة وهى امل المستقبل فى أكثر من معنى، عمرانيا كما هى معدنيا وسكانيا كما هى اقتصاديا ومن هنا أخيرا انبثقت مؤخرا شعارات الخروج من الوادى الضيق وغزو الصحراء وسياسات نقل الكثافة السكانية إليها وإنشاءالمدن الجديدة....)
  

التحميل من     هنا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا