التغيير في
التنظيم الفضائي لمدينة بغداد
عباس علي حمزة بسمة أسامة محمد علي
الجامعة التكنولوجية
/ قسم هندسة العمارة
b_usama@yahoo.com Dr_abbasali1972@yahoo.com
مجلة جامعة بابل / العلوم الهندسية / العدد ( 4 ) / المجلد (23) : 2015 - ص ص 821 - 838:
الخلاصة
تواجه المدينة عدد من العوامل والقوى المؤثرة على
مكوناتها وعناصرها التي تعمل على احداث صفة التغيير في التنظيم الفضائي للبيئة
الحضرية، فالمدينة عبارة عن كيان عضوي له القابلية على التغير والتغيير مع ما
يتوافق مع القوى المحركة له، مما يؤدي الى اظهار انماط مختلفة من التنظيمات
الفضائية تبعاً لكل مدة زمنية .
درس البحث صفة التغيير التي يمر بها الهيكل الفضائي
للمدينة على وفق مراحل زمنية متعاقبة، حيث حُلل التنظيم الفضائي لمدينة بغداد منذ تأسيس
المدينة وحتى الوقت الحالي، والتي حُددِت بخمس مراحل زمنية، التي تظهر فيها خمسة
انماط من التنظيم الفضائي للمدينة، وكل تنظيم يظهر في مرحلة زمنية محددة يتسم
بالديمومة والاستمرارية في المراحل التي تليها وبنسب متفاوتة .
الكلمات المفتاحية : التغيير، التنظيم
الفضائي الحضري، مدينة بغداد، العلاقات الفضائية، الزمن
Abstract
The city is an organic entity that certainly affected by number of
factors and/or forces, as such, are known to be the acting components and
elements that bring change on the status of the urban environment, space, and
organization, and has the ability to be changed consistently by the driving
forces, ended to lead (depending on the time-space relationship) towards
different types of space organizations.
This paper tackles the change experienced by the space
organization/structure of the city according to the successive stages of time,
as the case for the space organization of Baghdad is analyzed since the
founding of the city , up to the present time, identifying five stages of time, and showing five
types of the city's space organization , as each space organization type
figures out itself to appear by a specific point in time that is characterized
by permanence and continuity in the stages after, with a varying degree of
appearance.
Key words: Change, Space
organization, Baghdad city,
Space relationships, and Time
1- المقدمة
تُعد المدينة كائناً عضوياً له القابلية على النمو
والتطور والصيرورة مع مرور الزمن، فالمدينة لها القابلية على الحركة والتغير على
وفق الظروف والعوامل المؤثرة فيها، ولا يمكن تحديدها في اطار جامد او ثابت لانها
تمثل انعكاساً للفكر الانساني المكون للمجتمع الحضري. تتكون المدينة من مفردات
وعناصر تمثل بمجموعها الهيكل الحضري، وترتبط هذه المفردات مع بعضها بعضاً بعلاقات
تفاعلية لها القابلية على التغير والتحول والانقلاب لتنتج بذلك انواع مختلفة من
التنظيمات الفضائية .
يهدف البحث الى التعريف بحالة التغيير التي طرأت على
التنظيم الفضائي لمدينة بغداد خلال مراحل زمنية متعاقبة، منذ نشوء المدينة وحتى
الوقت الحالي، وقد اعتمد البحث المنهجية التالية لتحقيق الهدف:
1- التعريف بمفهوم التغيير واختلافه عن مفهوم (التغير) .
2- التعريف بمفهوم التنظيم الفضائي الحضري وانواعه المختلفة .
3- ثم الوصول الى بناء العلاقة بين التغيير والتنظيم الفضائي الحضري لمدينة
بغداد وفق خمس مراحل زمنية متعاقبة .
2- مفهوم التغيير والتغير
من الثابت ان دلالة الاصطلاح لا تبتعد عن الدلالة
اللغوية له او لاصله، فقد جاء في المعجم اللغوي(لسان العرب):"تغير الشئ عن
حاله: تحول، وغير الشيء:حوله وبدله، وكأنه جعله غير ما كان عليه، وغير الامر:حوله،
وتغايرت الاشياء: اختلفت". فيظهر لنا وجود مفهومين او اصطلاحين وهما التغير
والتغيير. وثمة فرق كبير وواضح بين البعدين الدلاليين لكل من التغير والتغيير، وإن
كانا مرتهنين لأصل لغوي واحد. للتعريف بمفهوم التغيير واختلافه عن مفهوم التغير،
نستعرض فيما يلي بعض التعاريف الخاصة لكلا المفهومين:
·
التغير: ظاهرة طبيعية تخضع لها ظواهر الكون وشؤؤن الحياة بالاجمال، وهو من اكثر
مظاهر الحياة الاجتماعية وضوحاً، اما التغيير: فهو ممارسة قام بها الانسان
في مختلف الميادين منذ القديم، في الطبيعة والاخلاق والسياسة والاقتصاد وغير ذلك. (احمد،2011)
·
تحدد
كلمة تغيير (Change) خاصية اعم واوضح للخواص
المرتبطة بتجاربنا الحسية العميقة المرتبطة بموضوع التعدد أو التنويع. (Edwards,1967) ويأتي التغير من معنى
الاختلاف، هو تحول صفة او اكثر من صفات الشيء او حلول صفة محل اخرى. (الرازي،1950م)
· ويرتبط التغيير كعملية بالتحول في
الشكل أو النوعية أو الحالة بالانتقال من ضد الى آخر، ويطلق على معنيين هما:-
· التغير الدفعي: وهو ان يتغير الشيء في ذاته.
· التغيير التدريجي، وهو ان يتغير في كيفيته
مع بقاء صورته النوعية.
·
ان الخروج من
القوة الى الفعل تدريجا، هو بمثابة (تغير الشيء تدريجياً)، والتغير اما دفعي او
تدريجي، والثاني هو (الحركة)، فكل ما يحدث من تغيير تدريجي للشيء وانتقاله
او تبدل احواله، ما هو إلا حركة لذلك الشيء من القوة الى الفعل(الطباطبائي ،1997)
·
ان التغيير
الآني هو التغيير الذي يقع في آن واحد، اي في مقطع من الزمان، وذلك خلافاً للتغيير
الزماني (او الحركة)، والتي- على الرغم من كونها تغييرا- تقع في مدة ولو كانت
قصيرة جداً. بمعنى أخر ان مدة التغيير الآني هي صفر، خلافا للتغيير الزماني او الحركة
فإن مدة زمانها ليست صفرا، مهما كانت قصيرة، بنحو تتجاوز فيه الصفر(النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية،2010) هناك صورتان للتغيير الزماني والحركة الخارجية :
-
التغيير
التدريجي: يطلق على التغيير
الزماني المنطبق على الزمان، تسمية (التغيير التدريجي) أو(الحركة القطعية)، والتغيير
التدريجي او الحركة القطعية هو تغيير واحد، ولكنه لانطباقه على الزمان يمتاز
بأمتداد سيال كالزمان، ونتيجة ذلك فإنه من غير الممكن وجود مجموعه في آنٍ واحد، بل
وجود تمامه يتحقق في مجموع مدة زمان الحركة.
-
التغيير
المستمر: يُطلق على التغيير الزماني، أو
التغيير الذي يقع في مدة زمانية ممتدة، دون مطابقة له مع الزمان، تسمية (التغيير
المستمر) او(الحركة التوسطية). وخلافا للحركة القطعية، فالحركة التوسطية هي
التغيير الذي يكون موجوداً بتمامه في كل آن من آنات زمان الحركة،أي اننا في كل آن
نجد نفس التغيير الذي كان في الآن السابق، والذي سوف يتحقق في الانات اللاحقة، دون
ان يكون التغيير الواقع في هذا الآن مغايراً للتغيير في الآن الثاني او في الآن
الثالث وهكذا .
· إن
التغيير بحسب الجرجاني هو كون الشيء بحال لم يكن له قبل ذلك، أو هو انتقال الشيء
من حاله إلى أخرى فمن التغيير ما يكون في الجوهر وهو الذي يسمى الكون المطلق، ومنه
ما يكون في الكيف وهو الذي يسمى استحالة، ومنه ما يكون في الكم وهو الذي يسمى
نمواً ونقصاً، ومنه ما يكون في المكان وهو الذي يسمى انتقالاً ومنه ما يكون في
الزمان وهو الذي يسمى تتابعاً، فإذا تغير الشيء في ذاته دفعة واحدة كان تغييره
دفعياً وإذا تغير في الكم أو الكيف شيئاً فشيئاً كان تغييره تدريجياً(وهبة ،2007)
وعلى وفق المقدمات السابقة نصل الى النتيجة
التالية :
التغير: هو ظاهرة طبيعية تتسم بالشمولية والكلية،
وهو التحول الذاتي في صفة الشيء (او اكثر) الى صفة اخرى مختلفة عن الاولى. اما
التغيير: هو خروج الشيء بصورة تدريجية من القوة الى الفعل وانتقاله وتبدل احواله،
ويكون ملازماً (للحركة)، ويكون التغيير في مستويين: مستوى الجوهر، ومستوى العرض (الكم
والكيف والاين والمتى)، ويمكن تحديد ثلاث درجات من التغيير:
-
التغيير الاني: وفيه مدة التغيير= صفر.
-
التغيير التدريجي: وفيه مدة التغيير >
صفر، وهو التغيير الزماني المنطبق على الزمان= الحركة القطعية.
-
التغيير المستمر: وفيه مدة التغيير ممتدة،
اي غير منطبقة على الزمان= الحركة التوسطية .
اذن التغير
يمثل المرحلة التي تتحول فيها صفة الشيء الى صفة اخرى بصورة دفعية وليست تدريجية،
بمعنى ان الجسم يتحرك تدريجيا من آن الى آن ويتغير في حاله الى ان يصل الى نقطة
(الصفر)، حيث ينقلب في صفته الى صفة اخرى وهي التي تمثل حالة التغير .
|
مفهوم التغيير
|
هو خروج الشيء بصورة تدريجية من القوة الى الفعل وانتقاله
وتبدل احواله، ويكون ملازماً (للحركة)
|
مستويات التغيير
|
مستوى الجوهر، ومستوى العرض ( الكم والكيف والاين والمتى)
|
درجات التغيير
|
التغيير الآني، التغيير التدريجي، التغيير المستمر
|
|
|
3- مفهوم وأنواع التنظيم الفضائي الحضري
تتسم المدينة- فضلاً عن كونها كائن عضوي قابل للحركة
والتغيير- انها كيان متعدد المستويات. فالمدينة ذات تنظيم معقد ومتداخل من مجموعة
من المنظومات المختلفة والمترابطة فيما بينها بعلاقات معينة. للتعرف اكثر على ما
يعرف (بالتنظيم الفضائي الحضري) والكيفية التي يتغير ويتحرك فيها على وفق كل مرحلة
زمنية، سيتم التطرق الى بعض المفاهيم والخصائص المتعلقة بالتنظيم الفضائي:
·
يعرف قاموس
اوكسفورد (التنظيم organization) بأنه الطريقة التي تنتظم بها
مجموعة مختلفة من الاجزاء، او نوعية الانتظام بصورة مرتبة ودقيقة ومنطقية، لذا فأن
التنظيم الحضري يمكن ان يعرف على انه الطريقة التي تنتظم بها المدن على وفق علاقات
مترابطة ضمن منطقة معينة، وان هذا الانتظام يعتمد على مدى توافق كل مدينة ضمن
التنوع الحضري والذي يشكل التدرج الهرمي للتنظيم الحضري اعتمادا على الحجم
الديموغرافي، الوظيفة الحضرية، البعد السياسي او الاقتصادي للمدينة .
·
يمكن تحديد ثلاث
مستويات للتنظيم الحضري[Pumain.2006]:( micro-level)، ويمثل الوحدات الاساسية للبيئة الحضرية (السكن،
الفعاليات،الانشطة ..) والتي تتكون منها المدينة،(
meso-level) ويمثل المدينة نفسها ككيان مادي موجود، (macro-level) وهو التنظيم الذي يتكون من مجموعة المدن المترابطة فيما بينها
على وفق تنظيم موحد (سياسي او اقتصادي) .
·
يمكن تمييز
نوعين من التنظيم الفضائي للمدينة العربية الاسلامية (لكندي،2012):(التنظيم الفضائي ذو النمط العضوي)، وهو نموذج المدن التقليدية ذات النمو
المتسلسل والمتطور طبيعياً مع احتياجات المجتمع بشكل تراكمي الذي يشترك ويتناغم مع
اغلبية الانظمة في تحقق فكرة التضام،لانه يمتلك خواص التنوع الايكولوجي ويحافظ على
التنظيم الفضائي الشمولي للمدينة.(التنظيم الفضائي ذو النمط الهندسي الشبكي)،
ويتميز هذا النوع من التنظيم بالتقسيم الهندسي المتكرر للاراضي الحضرية على وفق
شبكة التخطيط المتعامد، فالعنصر الاساسي المهيمن على هذا التنظيم هو الشارع، فضلاً
عن التغيير في استعمالات الارض من سكني الى تجاري وفقدان التراتبية في الاستعمالات
الحضرية، وزيادة الانفتاحية في الفضاءات الخارجية العامة .
·
اما بالنسبة
للتنظيم الفضائي على مستوى المبنى المفرد، فيطرح (Ching) خمسة طرق اساسية التي يمكن منها
تنظيم وتوزيع فضاءات المبنى، تبعاً لوظيفة الفضاء ولمرونة في الاستعمال والخصوصية
والمتطلبات البيئية والنفاذية، وسهولة الوصول. وهذه التنظيمات هي:(التنظيم
المركزي، والتنظيم الخطي، والتنظيم الشعاعي، والتجميعي والشبكي) (Ching,1979).
وعلى وفق ما تقدم من خصائص وانواع ومستويات للتنظيم الفضائي بشكل عام،
والحضري بشكل خاص، نصل الى النتيجة التالية:
(التنظيم الفضائي الحضري Urban Spatial
Organization):هو
الطريقة او العلاقة التي ترتبط وتنتظم فيها عناصر ومكونات المدينة مع بعضها بعضاً،
ويمكن تمييز نوعين من العلاقات الحضرية للتنظيم الفضائي:
1- العلاقات الداخلية:وتمثل طبيعة الارتباط والتداخل ما بين اجزاء المدينة
نفسها، بمختلف مقاييسها الحضرية (الابنية والفضاءات الخارجية ووحدات الجيرة
والمحلة السكنية والقطاعات والمركز الرئيسي والمراكز الثانوية..).
2- العلاقات الخارجية: وهي علاقة ارتباط المدينة مع ما يحيط بها من مدن او
مستقرات حضرية تقع خارج حدودها .
|
التنظيم المركزي
CENTERALIZED
|
فضاء مركزي مهيمن وتحيط به مجموعة من الفضاءات
الثانوية
|
التنظيم الخطي
LINEAR
|
فضاءات مكررة وفق تسلسل خطي
|
التنظيم الشعاعي
RADIAL
|
فضاء مركزي تنتظم من حوله فضاءات تمتد بشكل شعاعي
|
التنظيم التجميعي
CLUSTERED
|
مجموعة الفضاءات المتقاربة والمتشاركة بميزات وعلاقات
بصرية
|
التنظيم الشبكي
GRID
|
التنظيم الفضائي على وفق شبكة هندسية ثلاثية الابعاد
|
|
|||
المصدر: من اعداد الباحثان
4- التغيير في التنظيم الفضائي الحضري لمدينة بغداد
أنشأ الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (ثاني خلفاء بني
العباس وأقواهم) مدينة بغداد، في سنة 762م (145هـ) لتكون عاصمة للدولة العباسية.
وكان اختيار موقع المدينة على بطحاء من الارض عند أعوجاج نهر دجلة عند ألتقائه مع
نهر الصراة ودار حولها نهر كرخايا (ثويني)،
وقد سميت هذه المدينة (مدينة المنصور) و(مدينة السلام) تفاؤلا بالسلامة والامان من
الخطر والعدوان، وقد تسمى (دار السلام) وهو أسم مقتبس من القران الكريم (سوسة،2009).
ولغرض دراسة وتحليل التغيير الذي مرً به التنظيم الفضائي
الحضري لمدينة بغداد منذ نشوؤها وحتى الوقت الحالي، قُسمت المدة على خمس خمسة
مراحل، كل مرحلة تتسم بنوع مختلف من التنظيمات الفضائية، وفق الآتي:
1-4 التنظيم الفضائي في المرحلة
الزمنية الاولى
وهي المرحلة الممتدة منذ تأسيس مدينة بغداد عام 762م وحتى
عام 776م. ان السبب الرئيس لبناء مدينة بغداد في العصر العباسي هو جعلها عاصمة
للدولة ومركزً للخلافة العباسية، وايضاً ابتعاد الخليفة ابي جعفر المنصور عن مدينة
الهاشمية (المركز الاول للدولة) بسبب الخلافات والمشاكل التي واجهها من اهل
المدينة وما يحيط بها.
وتماشياً مع وضع الدولة الاسلامية حينما بلغت الذروة،
فقد أُريد لبغداد ان تكون استثنائية في كل شيء، الصفة والموقع والتصميم والملكة،
وأختير لها موقع وسطٌ بين البلدان موحيا بوسطية الدين الاسلامي مستوحيا من قوله
تعالى(كذلك جعلناكم أمة وسطاً) .
يمكن تأشير ابرز السمات التي تظهر في التنظيم الفضائي لمدينة بغداد في
المرحلة الزمنية الاولى :
·
ان التنظيم
المستخدم في تخطيط المدينة هو التنظيم المركزي الدائري، والذي يشير الى الاستقرار
والاتجاه نحو المركز، فهو يتضمن عدد من الفضاءات الثانوية المتجمعة حول فضاء كبير
مركزي ومهيمن.
·
الفضاء المركزي
الموحد للتنظيم يتخذ شكلاً منتظماً، وبمقياس
كبير ليساعد على تجميع الفضاءات الثانوية حول تكوينه.
·
اما الفضاءات
الثانوية فقد تكون متساوية بشكل عام من حيث وظائفها واشكالها، ومقاييسها، وذلك
لتكوين اشكال هندسية منتظمة حول أثنين او اكثر من المحاور. او قد تكون مختلفة عن
بعضها الاخر شكلاً وحجماً بما يتلاءم ومتطلباتها الخاصة .
·
بما ان مركز التنظيم
(النقطة) يكون لا اتجاهي، لذا يكون النمط الحركي متجهاً دائماً نحو المركز،
فالمحاور الحركية على نمطين، الاول: الحركة المركزية المتعامدة، الثاني: الحركة
الحلقية التي تربط بين القطاعات الاربعة للدائرة.
·
اعتمد المخطط
على السور الحصين والخندق في العلاقة مع المحيط لتعزيز الحماية والامن من البيئة
الخارجية، وهذا يدلنا على قوة الاواصر والعلاقات الداخلية للمدينة، وضعف العلاقة
مع الخارج، حيث تكون العلاقات الخارجية تحت السيطرة والرقابة لدرء التهديدات
الخارجية.
·
التدرج الهرمي
في توزيع عامة الشعب حول الفضاء المركزي لقصر الحاكم والمسجد الجامع، حسب قوة
العلاقة ما بين النواة من جهة وبقية افراد الشعب من قواد الجيش او افراد العائلة
او عامة الناس من جهة اخرى.
·
تمركزت كثافة
الحركة على المحاور الرئيسة للحركة، حيث تم تجميع الفعاليات التجارية وبوابات
المدينة على تلك المحاور لتحقيق العزل ما بين الفعاليات العامة والخاصة .
·
تعد مكونات
الفضاء المركزي اعلى ارتفاعاً ضمن خط البناء للمدينة والتي تؤكد على قوة العلاقة
العمودية مع السماء.
·
وجود الفضاء
الواسع المحيط بالنواة المركزية يشير الى وجود قوة مسيطرة تضع حدودا في علاقتها مع
العناصر الجزئية والمتمثلة بمكونات الشعب المختلف.
·
ان المشكلة التي
واجهها التنظيم الفضائي والهيكلي للمدينة هو قوة علاقاته وثبات مساحته وعدم قدرته
على الاتساع او المرونة في استيعاب النمو والتطورات التي تمر بها المدينة عبر
الزمن، لذا بدأ الضيق يظهر على المدينة وارباضها، مما تسبب في نمو الاسواق وبعض
الدور العشوائية خارج حدود المدينة واسوارها .
شكل (3) التنظيم الفضائي المركزي لمدينة بغداد المدورة المصدر: من إعداد الباحثان |
شكل
(4 )التنظيم المركزي
المصدر: Ching ,1979
|
2-4 التنظيم الفضائي في المرحلة الزمنية الثانية
تمتد هذه المرحلة الزمنية منذ حوالي (عام 786م حتى عام
892م)، وتتميز بأنها تعد البدايات الاولى لنشوء نواة جديدة للمدينة على الجانب
الشرقي من نهر دجلة، والذي نما وتوسع حتى وصل الى ما يُعرف (بجانب الرصافة) في
مركز مدينة بغداد. وقد تبين لنا ان بدايات نشوء مدينة بغداد
كانت على الجانب الغربي من نهر دجلة بشكلها الدائري ذي
التخطيط الهندسي المركزي ، لكن مع تطور حاجات المجتمع ونموها وتوسعها اصبحت
المدينة غير قادرة على استيعاب هذه الحاجات، لذا بدأ تطور العمران وتوسعه يمتد
خارج حدود اسوار المدينة، وتعداها الى الجانب الشرقي من نهر دجلة، حيث ظهرت البذور
الاولى لنمو مركز جديد (مراكز) لمدينة بغداد في موقع آخر مبتعداً عن المركز الاول
(مرحلة النشوء) .
يمكن تحديد اهم النقاط التي يتميز فيها التنظيم الفضائي لمدينة بغداد في
تلك المرحلة، كالاتي :
·
التغير في خصائص
وبنية التنظيم الفضائي السابق للمدينة، حيث كان المخطط يعتمد على المركزية
المتفردة والمتمثلة بقصر الحاكم والجامع الكبير، ومركز التنظيم يتمثل ببؤرة لا
أتجاهية، والتي تقابل(النقطة) وفق الاشكال الرئيسة للعمارة (Ching,1979)، اما التنظيم الجديد فتميز بتعدد النوى، حيث ظهرت عدد من مراكز
السلطة (القصر والجامع) فضلاً عما كان موجوداً سابقاً، فتغير التنظيم المركزي
وأنشطر الى عدد من المراكز الثانوية .
·
النقطة
المهمة في تغير التنظيم الفضائي للمدينة (فضلاً عن المركز)، هو ظهور (الاتجاهية)،
فالانتقال الى الجانب الشرقي لنهر دجلة جعل المدينة تنقسم الى نصفين (شرقي وغربي)
بعد ان كانت كتلة واحدة وشكل واحد متكاملة ومترابطة بقوة، ان هذا الانقسام جاء
نتيجة وجود النهر ذو الاتجاهية الخطية، بمعنى ظهور تنظيم تخطيطي جديد يبتعد عن
(اللاتجاهية) ويقترب من (الاتجاهية)، فالخط على وفق الاشكال الاساسية المعمارية يعد
محور ذو اتجاهية طويلة لا نهائية (Ching,1979)
·
التنظيم الخطي
يحتوي على سلسلة من الفضاءات الاساسية، والتي لاحظنها في تجمع القصور والجوامع
والابنية المهمة بمحاذاة النهر، وارتباط هذه الفضاءات والكتل قد يكون بشكل مباشر
بعضها مع بعضها الاخر، او بأرتباطها مع محور عام .
·
من الخصائص
المميزة للتنظيم الخطي هو تعبيره عن الاتجاهية، الحركة والاضافة والنمو، فهو تنظيم
مرن ويستطيع الاستجابة لمختلف الظروف الطارئة عليه.
·
ان الانتقال في
مركز التنظيم من نقطة الى اخرى (من جهة الغرب الى جهة الشرق) يتمثل بخط مستقيم
ينتهي بنقطتين، وفي الوقت نفسه يعبر هذا الخط المقترح عن وجود محور عمودي عليه
يربط بين النقطتين من حيث مدى التناظر بين هاتين النقطتين (مركزي التنظيم القديم
والجديد)، وهذا المحور العمودي قد يكون ذا طول لا نهائي واكثر هيمنة وسيطرة على
الخط المتكون من نقطتي المحور الافقي.
3-4 التنظيم الفضائي في المرحلة
الزمنية الثالثة
عند رجوع الخلافة الى مدينة بغداد، آثر الخلفاء العائدون
من سامراء الاقامة في الرصافة، عندها بدأت ملامح مرحلة جديدة من تاريخ بغداد
التخطيطي والحضري ، استمرت تلك المرحلة مع سقوط بغداد على يد الاحتلال المغولي
الايلخاني عام 1258م (سوسة، جواد ،2013 ).
وفيما يلي ابرز الجوانب التي تميز بها التنظيم الفضائي في المرحلة الزمنية
الثالثة :
·
التغير الذي حدث
في التنظيم التخطيطي للمدينة في هذه المرحلة الانتقالية هو الانتقال من موضع الى
آخر، فبعد ان كان مركز الخلافة السابقة في التنظيم الخطي في الجهة الشرقية
المقابلة لمدينة بغداد المدورة (المركز الناشئ)، انتقل في هذه المرحلة الى الجنوب
مع امتداد نهر دجلة، فأصبح المركز الجديد للتنظيم التخطيطي لمدينة بغداد متجمعاً
في منطقة مركزية ذات نويات متعددة (تعدد قصور الحكام والاجوامع) فضلاً عن بعض
المراكز المتناثرة على اطراف المدينة بعيداً عن المركز، أي ظهر المحور العمودي
الاتجاهي بقوة في هذه المرحلة التخطيطية (من التحليل السابق)، واستمرار التنظيم
المركزي بشكل مراكز متعددة وليس مركزاً واحداً متفرداً ومهيمناً.
·
النقطة المهمة
الاخرى التي ظهرت في هذا التنظيم هي ارتباط البؤرة المركزية بعدد من البوابات
والمحاور الحركية (تسعة بوابات)، فظهر التنظيم الفضائي الشعاعي( (Radial Organization كأتجاه جديد في هذه المدة الزمنية،
حيث اُحيط مركز الخلافة بسور نصف دائري يرتبط بالمناطق العامة المحيطة به من خلال
البوابات التسعة. فضلاً عن الاحاطة بسور خارجي للمدينة والذي اتخذ شكلاً غير هندسي
مع بوابات اربع، أي يقارب ما كان معتمداً في التنظيم التخطيطي الاول والثاني .
·
يتميز التنظيم
الفضائي الشعاعي بأنه خليط ومزيج من التنظيم المركزي والخطي، فهو يحتوي على فضاء
مركزي مهيمن (وليس نقطة) وترتبط به عدد من الفضاءات المنتظمة خطياً بأتجاه شعاعي،
فبينما يركز التنظيم المركزي على الاتجاه نحو المركز (اتجاه داخلي)، يركز التنظيم
الشعاعي على الاتجاه نحو الخارج أنطلاقا من الفضاء المركزي، فهو يربط المركز
بالمحيط الخارجي، حيث تشكل الخطوط الشعاعية علاقة ارتباط تصل بين المركز والعناصر
الاخرى الموجودة في الموقع المحيط به (Ching,1979).
·
التنظيم الشعاعي
يتميز بقدرته على احتواء مختلف المتطلبات والحاجات الخاصة من حيث الوظيفة والسياق،
وامتداد الاذرع الشعاعية من المركز يحقق نمط متحرك بصريا(Dynamic Pattern) فيعطي ايحاء بالحركة الدورانية حول الفضاء المركزي .
|
المصدر : من إعداد الباحثان
شكل (12) التنظيم الشعاعي لمركز مدينة بغداد في المرحلة الثالثة
4-4 التنظيم الفضائي في المرحلة الزمنية الرابعة
كان لاحتلال هولاكو
لمدينة بغداد أثره المدمي لقلب العالم الاسلامي، فأنها فقدت بعد الاحتلال منزلتها
من حيث كانت عاصمة للخلافة ومركزا للدين الاسلامي، ولم تصبح بعد الاحتلال اكثر من
مركز لولاية العراق العربي، لا تستحق الا اسم (بغداد) بعد ان كانت اهلاً لأسم
(مدينة السلام) مدة خمسة قرون.
ان استيلاء المغول كان
سبباً في هدم الكثير من المباني العظيمة والمعاهد الجسيمة والمدراس الجليلة ودمروا
عددا وفيراً من المدن العامرة والقرى الزاهرة، والضياع الفاخرة، فلم يبق من بغداد
من الجانب الغربي إلا محال متفرقة وخرب من الجانب الشرقي من الشماسية الى المخرم (سوسة،2013).
ظلت بغداد تتقاذفها امواج الحروب فتتناوبها أيدي الحكم
من احتلال الى آخر زهاء اربعة قرون متتالية الى ان جاء الاحتلال العثماني في سنة
1638م وبقيت منذ ذلك الزمن تحت السيطرة العثمانية حتى الاحتلال البريطاني لها سنة
1917م.
ويمكن تأشير اهم الملامح التي امتاز بها التنظيم الفضائي
في المرحلة الزمنية الرابعة، كالاتي:
·
في الجزء
الزماني الرابع لتنظيم مدينة بغداد، يمكن تحديد مرحلتين حركيتين متمايزتين: الاولى،
هي مرحلة الانحدار والسقوط والخراب الذي اصاب مدينة بغداد في زمن الغزوات الاجنبية
المتعاقبة على المدينة، فتميز تنظيم المدينة (بشكل عام) بالتراجع وانحسار النمو
والتقدم المدني والعمراني لاجزاء المدينة (إلا في بعض المكونات المفردة). اما
المرحلة التي تلتها ( مع نهايات الحكم العثماني)، فتميزت ببدايات لنهضة اصلاحية
على المستوى التنظيمي والاداري العمراني (كما تقدم)، فكانت البذرة الاولى للنظم
والقوانين التخطيطية التي تأسست بعدها.
·
من ابرز خصائص
وميزات المرحلة الثانية هو الترابط والتجمع لاجزاء ومكونات المدينة المختلفة، وضعف
(او انسحاب) الفضاء المركزي ذو السلطة المهيمنة على مكونات المدينة الاخرى، فظهر (التنظيم
التجميعي Clustered Organization) بشكل مؤثر ومسيطر على نسيج المدينة، وتراجع التنظيم
الشعاعي(من المرحلة السابقة) بشكل ملحوظ، بينما بقي المحور الاتجاهي الافقي المتمثل
بالنهر ذو تأثير مهم في تجميع اجزاء المدينة
بجانبيه الشرقي والغربي.
·
بقيت المدينة منقسمة
الى قسمين (الرصافة والكرخ)، مع امتداد الجزء الشرقي بشكل اكبر من الجانب الغربي،
والاحاطة بالسور مع بواباته الاربع، والذي كان معتمدا منذ زمن نشوء المدينة
المدورة (الجزء الزماني الاول).
·
تتميز هيئة
النسيج الحضري لمدينة بغداد بالاشكال العضوية غير المنتظمة، وهي اشكال متباينة
ومختلفة في طبيعتها ومرتبطة مع بعضها البعض بعلاقات خاصة غير متشابهة او مكررة،
وان هذه الاشكال التجميعية انعكاس لبدايات ايجاد النظم التخطيطية والادراية لمجتمع
المدينة، ومن جهة اخرى تشير الى الادارة الذاتية لتلك التجمعات السكانية (المحلات
السكنية)، فكل واحدة منها ذات شكل خاص ومرتبطة بعلاقات مختلفة مع بعضها بعضاً.
·
ان ضعف المركزية
في التنظيم التجميعي يُشير الى ضعف السلطة المركزية المتمثلة بالفضاء المركزي لقصر
الحاكم او الجامع، وبالمقابل ظهور المنظومات المتجمعة يُشير الى علاقات الترابط ما بين المكونات
الخلوية للتنظيم ذات الوظائف المتشابهة، او التي لديها قواعد اجتماعية او مذهبية
او فكرية مشتركة.
·
التنظيم
التجميعي لديه القدرة على استيعاب الانواع المختلفة من الفضاءات والكتل بأحجام
واشكال و وظائف متباينة وفي الوقت نفسه هناك علاقات قوية ومتجاورة بصريا وحركياً.
ان هذا النمط من التجميع يمتاز بالمرونة والقابلية على النمو والتغير دون المساس
بخصائص التنظيم، على العكس من التنظيم الهندسي الشبكي، حيث نلاحظ ظهور بدايات التنظيم
الشبكي اللاحق من خلال شق شارع الرشيد مع نهايات هذه المرحلة.
5-5 التنظيم الفضائي في المرحلة
الزمنية الخامسة
بعد ان شهدت بغداد زمن الحكم العثماني الذي استمر حوالي
أربعة قرون بداية للنمو الحضري والعمراني، واجراء الاصلاحات لتحسين الاوضاع
الحضرية والعمرانية للمدينة، بدأت بغداد مرحلة جديدة في اعقاب سقوطها أثناء الحرب
العالمية الاولى تحت الاحتلال البريطاني عام 1917م، وما تلاها من تعاقب الحكومات
العراقية المختلفة على مدينة بغداد، استمراراً حتى نهاية القرن العشرين .
نستعرض فيما يلي اهم الخصائص التي امتاز بها التنظيم
الفضائي للمرحلة الزمنية الخامسة لمدينة بغداد :
تتميز هذه المرحلة الزمنية من مراحل حركة مدينة بغداد
بتغييرات كبيرة وواسعة في هيكل وتنظيم المدينة من جهة، ومن ناحية طبيعة العلاقات
الجزئية والكلية من جهة ثانية، ويمكن تأشير ابرز خصائص هذه المرحلة، بالآتي :
·
اتسمت مدينة
بغداد بالنمو والتوسع الحضري من كلا الجهتين (الشرقية والغربية)، وظهرت احياء
ومناطق سكنية جديدة ذات ميزات وخصائص مختلفة عن الاحياء التقليدية السابقة، مثل:
المناطق السكنية الحديثة ذات الشوراع والمساحات الواسعة، والمجمعات السكنية المتعددة
الاسر ذات الارتفاع العمودي، مما يؤشر بداية التوسع بالاتجاه العمودي فضلاً الى
التوسع الافقي للمدينة.
·
نتيجة لهذا
التوسع الحضري وتزايد استخدام السيارات وتطورها، ظهرت الحاجة الى شق الشوارع
المتعامدة والواسعة لاستيعاب هذه التطورات، فظهر التنظيم الشبكي(Grid Organization) الهندسي ذو العلاقات المنتظمة والمباشرة بين اجزاء المدينة
وقطاعاتها.
·
يتميز التنظيم
الشبكي بأحتوائه على كتل وفضاءات ذات مواقع وعلاقات تنظيمية من خلال الشبكة
الثلاثية الابعاد المكونة لهذا التنظيم، تظهر الفضاءات المتكونة امكانية التخصيص
او العزل الوظيفي بالاضافة الى التكرار كوحدات منمطة، وهناك امكانية التحول في
الصورة البصرية للشبكة ضمن محيطه الى النمط النقطي والخطي والمساحات، واخيراً
الحجوم (Ching,1979).
·
ان ما يميز هذه
المرحلة الزمنية من مراحل التغيير الحضري لمدينة بغداد هو الاتجاه نحو وضع مخططات
لتصاميم أساسية للمدينة لمعالجة مشاكلها المتعددة، ومحاولة السيطرة عليها في
المستقبل، وتعد هذه اضافة مختلفة ومميزة عن ما سبقها من مراحل، ومن الملاحظ ان
الرؤيا اصبحت اوسع واكثر شمولية، حيث بدأ الاتجاه نحو دراسة الاطار الاقليمي
للمدينة، وتعدد مستويات الدراسة، أي الاهتمام بالمستوى الافقي والمستوى العمودي
للمكون الحضري.
·
اشتملت المخططات
الاساسية على مختلف انواع الانظمة التي مرت بها المدينة، فهناك التنظيم المركزي من
حيث وجود مركز رئيس للمدينة (تجاري اقتصادي)، فضلاً عن مراكز ثانوية متعددة
والاحاطة بحزام أخضر عوضاً عن السور الحصين، والتنظيم الشعاعي، متمثلاً بشبكة الشوراع
الحديثة التي تخترق المدينة، واصبح التنظيم التجميعي اكثر انتظاماً من حيث اعتماد
الشبكة الهندسية في تقسيم قطاعات المدينة، بالاضافة الى الامتداد الخطي مع نهر
دجلة.
·
من المؤشرات
التي بدأت بالظهور تزامنياً مع نمو وتوسع المدينة وتطورها، هو نشوء بدايات لبؤر
سكنية مهمشة ذات مستويات متدهورة وغير لائقة، والتي نمت وتوسعت في المدد الزمنية
اللاحقة واصبحت مناطق سكنية عشوائية ذات كيان واسع .
يمكن القول ان ابرز التغيرات التي حدثت في المرحلة الزمنية الخامسة لمدينة
بغداد هي: التوسع الافقي والعمودي، التحول من المستويات السطحية ذات البعدين الى
المستوى الحجمي الثلاثي الابعاد، وظهور التنظيم الشبكي على المستوى التخطيطي
للمدينة، والنقطة الاخرى هي محاولة الانسان للسيطرة على بيئته الحضرية، وذلك بوضع
الرؤى والمخططات المستقبلية .
5- الخلاصة والاستنتاجات النهائية
1- ارتبط مفهوم التغير بالظواهر الكلية والشمولية التي تتحول فيها الصفات
من حالة الى اخرى بصورة دفعية، اما التغيير فهو حركة الشيء وخروجه تدريجيا من
القوة الى الفعل وعلى وفق مستويين (الجوهر والعرض)، وبثلاث درجات (آني وتدريجي
ومستمر).
2- يشير مفهوم التنظيم الفضائي الحضري الى الطريقة او العلاقة التي تنتظم
فيها مفردات ومكونات المدينة على اختلاف مقاييسها، وتتميز طبيعة العلاقة
بنوعين:(العلاقات الداخلية والعلاقات الخارجية)، ويظهر التنظيم الفضائي بخمسة
انماط: المركزي، الخطي،الشعاعي،التجميعي،الشبكي.
3- ظهرت صفة التغيير التدريجي على التنظيم الفضائي الحضري لمدينة بغداد على
وفق خمس مراحل زمنية، لكل مرحلة خصائص وسمات يمتاز بها التنظيم الفضائي للمدينة عن
المرحلة الاخرى، وان ظهور هذه التنظيمات جاء بصورة تدريجية تراكمية، اي ان ما جاءت
به مرحلة زمنية، استمر وجوده في المراحل التي تلتها، وهكذا فصفة التغيير الحضري تظهر بشكل واضح على
التنظيم الفضائي لمدينة بغداد، ويمكن ايجازه بالاتي:
·
المرحلة الاولى:
تكونت مدينة بغداد عند نشوئها من ثلاثة عناصر رئيسة، هي: سور خارجي و بوابات اربعة
تربط الداخل بالخارج وفضاء مركزي رئيس، اما الفعاليات العامة فتوزعت بشكل هرمي حول
الفضاء الرئيس.
تميزت المدينة بتنظيم مركزي احادي النواة، مع شكل دائري
منتظم الشكل، وفضاءات ثانوية متشابهة بأشكالها وحجومها، مع علاقات داخلية قوية بين
مكونات المدينة، يقابلها علاقة ضعيفة مع البيئة الخارجية المحيطة بالمدينة. يشير التنظيم
المركزي الى الاستقرار والثبات والاتجاهية تكون نحو المركز، وهذا ما يقابل
(النقطة) كأحد العناصر الاساسية في العمارة. اما اهم القوى المؤثرة على تنظيم
وتخطيط المدينة، فهما القوى السياسية والقوة الدينية .
مدينة ذات تنظيم مركزي مع سور خارجي واربعة بوابات وتدرج وظيفي هرمي والاتجاهية
نحو المركز
المرحلة الثانية: صورة المدينة
في هذا الجزء الزماني ذات خصائص وسمات مقاربة للجزء السابق من حيث التوزيع الفضائي،
اي وجود فضاء مركزي وتحيط به مكونات المدينة الاخرى، إلا ان الاختلاف في هذه المدة
هو الحركة الانتقالية لمركز المدينة الرئيس من موضع الى آخر، فأصبحت المدينة تقع على
نهر دجلة، وذات قسمين (شرقي وغربي)، ويربط بينهما جسر، حيث بلغت المدينة في ذلك الوقت
اوج ازدهارها وتوسعها. اما تنظيم المدينة فتحول الى التنظيم الخطي وذلك بعلاقته مع النهر، واصبح تنظيم يعبر عن الاتجاهية
والنمو والحركة، وظهور علاقة ربط بين مركزي المدينة القديم والجديد. من اهم القوى المحركة
لتنظيم وصورة المدينة هي القوة العسكرية والسياسية والقوى الطبيعية، المتمثلة بالنمو
السكاني والعوامل البيئية (الفيضانات).
|
·
المرحلة الثالثة
:في هذه المرحلة الزمنية تحرك المركز الرئيس للمدينة حركة انتقالية ثانية ولكن
بمحاذاة نهر دجلة، وتكون مركزاً جديداً مكوناً من عدد من النويات (القصور)،وتعددت
البوابات المحيطة بالفضاء المركزي ، مع وجود سور نصف دائري يحيط بمنطقة الخلافة، فضلاً
عن السور الخارجي الخاص بالمدينة ذو البوابات الاربعة، فتحول التنظيم الخاص
بالمدينة من التنظيم الخطي الى التنظيم الشعاعي، ان هذا التنظيم هو مزيج بين التنظيم
المركزي والتنظيم الخطي، فبقي تأثير النهر على نمو وتوسع المدينة، وايضا بقاء
المنطقة المركزية ولكن بشكل نصف دائري، تحيط به بقية مكونات المدينة، يتميز التنظيم
الشعاعي بقدرته على احتواء مختلف المتطلبات والحاجات الوظيفية والسياقية. ابرز
القوى المؤثرة في ذلك الوقت هي القوى السياسية والقوى الطبيعية ( الهجرة السكانية
المضادة والفيضانات).
|
·
المرحلة الرابعة
:مرت مدينة بغداد في هذا الجزء بمرحلتين اساسيتين، المرحلة الاولى: هي مرحلة تدمير
وخراب وانحدار عمراني وثقافي واجتماعي..، المرحلة الثانية: بداية لمرحلة نهضوية
واصلاحية، فظهرت التنظيمات الادراية والقوانين الاصلاحية لاول مرة والتقسيمات
البلدية، وتشييد مؤسسات ومدارس حديثة، تم وضع اول خارطة للمدينة، بالاضافة الى فتح
شارع الرشيد في الجانب الشرقي للمدينة، وكانت المناطق السكنية تُدار ذاتياً.
ونتيجة لهذه العلاقات الجزئية، ظهر التنظيم التجميعي على هيكل المدينة، فأصبحت
مكونات المدينة عبارة عن اشكال عضوية تربطها انواع خاصة من العلاقات غير المتشابهة
وغير المكررة، وكذلك فقدان المركزية في التنظيم الجديد، واصبح التمركز حول قواعد
اجتماعية او مذهبية او وظيفية مشتركة. وتعد القوة السياسية العسكرية، القوة التنظيمية
الادارية وقوة المجتمع، من اهم المحركات المؤثرة على تكوين صورة المدينة.
|
·
المرحلة الخامسة:
تفكك النسيج التقليدي وشق الشوارع الحديثة والعريضة، التوسع الافقي للمدينة
والتوسع العمودي للبيئة المبنية، من ابرز خصائص صورة مدينة بغداد وملامحها، وشهدت
هذه المدة الزمنية وضع عدد من التصاميم الاساسية لمدينة بغداد ضمن اطار اقليمي، واعتماد
مختلف الانظمة التخطيطية ذات المستويات المتعددة من المركزي والخطي والتجميعي
والشعاعي، فضلاً عن التنظيم الشبكي المتعامد ذي العلاقات الهندسية التنظيمية،
وامكانيات التكرار والتخصص والعزل، وايضا التحولات في الصورة البصرية، والقابلية
على الانتقال الى البعد الثالث من خلال الحجوم. اما اهم القوى المؤثرة على حركة
المستوى المادي للمدينة، فهي: القوة التنظيمية الادارية والديموغرافية والاقتصادية
وقوة التطور التكنولوجي.
مدينة ذات تنظيم شبكي ومركزي وخطي وشعاعي وتجميعي له القابلية على التكرار والتنميط والتخصص والتحول الى البعد الثالث
|
6- المصادر
ثويني،علي، موسوعة المدائن العراقية،ص112.
جواد، سوسة، مصطفى،احمد،2013، دليل خارطة بغداد
المفصل.
د.أحمد، عزت السيد، 2011، القيم بين التغير
والتغيير- المفاهيم والخصائص،مجلة جامعة دمشق، المجلد27،العدد الاول.
د.سوسة، د.جواد،احمد،
مصطفى، بغداد، محمد مكية،2009.
الرازي، محمد بن أبى بكر بن عبد القادر، طبعة
1950م، مختار الصحاح، دار الكتاب العربي، شركة ومطبعة مصطفى البياتي الجلبي وأولاده،
مصر.
ساجدة كاظم
الكندي،2012، اثر الاستدامة والتنظيم الفضائي لوحدة الجيرة في البيئة السكنية، قسم
الهندسة المعمارية، جامعة بغداد، مجلة الهندسة .
السيد الطباطبائي،1997،بداية
الحكمة ، ص 89.
عبوديت، عبد الرسول،2010،
النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية،الجزء الثاني، تعريب:علي الموسوي، بيروت.
وهبة، مــراد،2007م، المعجم الفلسفي، دار قبــاء الحديثــة للطبــاعة والنشــر
والتوزيــع، القاهـــرة،
Ching
, Architecture: Form, Space& Order, 1979.
Edwards,
the encyclopedia of philosophy, vol. (1),1967.
Pumain, D. (ed.), 2006, Hierarchy in Natural and Social Sciences. Springer,
Methodos Series, 3.
The
organisation of urban systems, Anne
Bretagnolle,Denise Pumain, C_eline Vacchiani-Marcuzzo,
2010.
Urban
System and Primate City in Oman, Belgacem
Mokhtar, Geography Department,
College of Arts and Social Sciences, Sultan Qaboos University،Muscat، Oman.
للتحميل اضغط هنا
للقراءة و التحميل اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق