التسميات

آخر المواضيع

الاثنين، 18 مارس 2019

شخصية المكان: دراسة في الفكر الجغرافي


شخصية المكان

دراسة في الفكر الجغرافي

المدرس المساعد

عبد الرحمن علي عبد الرحمن

قسم الجغرافية / كلية الآداب

جامعة البصرة



المقدمة :

   تطرح أسئلة عديدة حول موضوع (فلسفة المكان) ومما لاشك فيه أن هذا الموضوع يدل على طبيعة العلاقة بين علمي الفلسفة والجغرافية، غير أن هذا لا يعني موضوعاً فلسفياً بحتاً بل طريقة في التفكير العلمي من خلال البحث عن المعرفة بغية الوصول إلى الحقيقة في مجالها العلمي مرتكزةً على الجانب الفلسفي، فالكثير من العلماء يعرفوا الجغرافيا بأنها فلسفة المكان، ويقف الباحث مع هذا الرأي إذ أن دراسة معظم الظواهر الجغرافية هي دراسة فلسفية مكانية صرفة.

    تأتي أهمية البحث من أن أي دراسة للظاهرات الجغرافية لا تعد دراسة جغرافية دون ربطها بالمكان الذي توجد فيه، إذ يمثل المكان العامل الأساسي في الدراسات الجغرافية والذي يتأثر بالحقائق الجغرافية بشكل مباشر وغير مباشر لوقوعه بذلك المكان ، كما أنه يشبه إلى حد كبير في سلوكه الكائن الحي حيث ينمو ويزدهر وقد يتدهور ويختفي بشكل نهائي في مرحلة ما من عمرهِ. كما أنه يورث عدة مواضع داخل الحيز المكاني أو خارجه أو يتعاقب على المكان عدة مواضع كل ذلك يقع تحت تأثير العوامل الجغرافية (الطبيعة والبشرية).


مفهوم المكان :

   درس مفهوم المكان من جوانب عديدة ولكن البحث سيدرس المكان ككائن حي إذ نعني بالمكان جغرافياً، سطح الأرض بما يحويه من الأشياء المتمكنة فيه والمستقرة عليه وبما يمتلكه من خصائص واسعة خاصة أو عامة(1)، فهو يشبه إلى حد كبير الكائن الحي الذي يمتلك شخصية تميزه عن غيرة، فلكل إنسان مفهومه الخاص وصفاته الخاصة ووظيفته التي يؤديها وهذا لا يختلف كثيراً عن المكان الذي يمتلك شخصية تميزه عن غيره من الأماكن.

  كان الصراع حول مفهوم المكان يمثل صراعاً حول شرعية علم الجغرافيا، فالجغرافيا لن تكون مستقلة جوهرياً إلا إذ امتلكت مفهوما" خاصاً بها عن المكان، وكلما برز هذا المفهوم كلما توسعت ميادين علم الجغرافيا(2). فقد لاحظ أفلاطون أن المكان غير مستقل عن الأشياء الموجودة فيه بل يتحدد ويتشكل من خلالها، أي أنه يرى شخصية المكان من خلال المحتوى العام للمكان(3)، أما فيدال دي لا بلاش وبالاعتماد على راتزل اهتم على نحو الخصوص بمفهوم المكان أو سطح الأرض باعتباره " الكائن الحي" وكذلك اوبست " Obst " وغيسلر" Geisler "، أما ساور قيري "أن المنطقة الجغرافية شيء جسدي وينبغي أن ندرس فيه تشريح المنطقة "، ولعل الجغرافيين الفرنسيين معنيون كذلك بشخصية المكان، فمنهم موسيه "Musse" الذي تحدث عن شخصية كل منطقة وكأنه ينم عن مفهوم اكثر دقة (4). أما ابن سينا فيرى " أن هذا الجسم (المكان) يكون حاضراً ثم نراه غائباً ونرى جسما" حضر حيث هو، ويعني هذا أن كل شيء يحصل من التعاقب للأجسام نسميه المكان ولكن لكل جسم شخصيته المميزة عند غيره(5).

  إن الدراسات الجغرافية الفلسفية لا تقتصر على معرفة المكان فقط وإنما تستند إلى معرفة دور المكان في الفروع الجغرافية كافة، إذ يعد المكان حجر الأساس في التفكير الجغرافي العلمي ويجب أن يكون الجغرافيون على دراية كاملة بارتباط مفهوم المكان بكل الفروع الجغرافية، إذ أن قدرة الجغرافي ودرايته التامة بالجغرافية كثير ما تكون عاملاً مهماً يدل على تمكنه من جميع فروع الجغرافية الاقتصادية والتاريخية والسياسية وغيرها.

خصائص المكان :

   أوضح استرابون أن المكان يتكون من جملة من الخصائص أو السمات المكانية، كما أوجز الجغرافي الأمريكي الكبو “Elkbaw ” ، أن الجغرافية "هي علم المكان من حيث خصائصه(6)" ، ولا يعني أن أي سمة أو خاصية لا تمتلك تمثيلاً بارزاً في اللاند سكيب هي غير مهمة للمكان، وكما لا يمكن القول أن أية سمة ذات اهمية بارزة في اللاند سكيب هي بالضرورة ذات أهمية مساوية في المكان (7)، إلا أن الأجزاء بالكامل تتخذ شخصية جديدة لا يمكن تفسيرها خارج المكان علماً أن حجم المكان ليس ذا أهمية إلا إذا كان يحتوي سمة بارزة جداً، أو عدة سمات ثانوية ارتكزت في الحيز المكاني، لذا يقع المكان ضمن حيز جغرافي ما ليؤدي دوره وخدماته، للمجتمع ولكن الذي يحدد نوع المهمة التي يقوم بها المكان هو خصائصه المكانية التي يقع عليها فهي التي تساهم في نموه وتغيير وظائفه، لذا يمكن القول أن تلك الخصائص تنقسم إلى قسمين القسم الأول الخصائص الطبيعية وتشمل السطح والمناخ والتربة والمياه والنبات فعلى سبيل المثال أن العلاقة بين المناخ والزراعة في العراق هي علاقة تتمثل في إن عيوب المناخ الصحراوي قد أصلحته الطبيعة عن طريق نهر الفرات ودجلة اللذين عوضا العراق عن مناخه، لذا غطت الأراضي الزراعية معظم الأراضي العراقية، أما القسم الثاني الخصائص البشرية وتشمل أحوال السكان وطبيعة الاستقرار والمهنة وغيرها، فعلى سبيل المثال أن العلاقة بين استقرار السكان وممارسة مهنة معينة هي علاقة ضعيفة بسبب التطور الحضاري، إذ لم يعد من الضروري السكن بالقرب من أماكن العمل الزراعية والصناعية وغيرها.

   يعد المكان جغرافيا الحيز الذي يتم فيه حدوث التبادل أو التفاعل في شتى مجالات الحياة، أما تاريخياَ فيعد المكان الحيز الذي تحدث فيه شتى الصراعات أو النزاعات التاريخية، وقد تتوفر الشروط كافة لنجاح وبروز الدور المكاني في أي مرحلة من التاريخ ولكن قد لا يحدث ذلك الظهور لتظافر أسباب عديدة تحول دون الاهتمام به على سبيل المثال عندما يحدث النزاع او الصراع بين مكانين (مدينتين او دولتين) يتأثر بهذا النزاع الحيز المكاني وما أن تزول الأسباب المؤثرة حتى تعود الحياة إلى ذلك الحيز المكاني ولكن ربما في الوقت نفسه لا يحدث ذلك الشيء بسبب ظهور عامل مؤثر آخر مثلاً حدوث ظاهرة الجفاف أو الفيضانات بعد مرحلة طويلة من النزاع بين مكان وآخر مما يعطل دور المكان في أداء فعله التاريخي.

العامل البشري في المكان :

 أن أهمية الحيز المكاني ليست مرتبطة بحيوية الموقع وخصائصه فقط وإنما مرتبطة بالعامل البشري كذلك حيث أن دراسة المكان هي حالة مستمرة من الماضي وصولاً إلى الحاضر إذ بالفعل التاريخي نستطيع معرفة الشخصية الحقيقية للمكان.

  يعيش الإنسان في الحيز المكاني ضمن محيط يتأثر به ويؤثر فيه ودون أدنى شك أن الحيز المكاني كان سابقاً في الوجود ألا أن الإنسان مارس فعله عليه، ليأخذ ذلك المكان شكلا ووظيفة خاصة به، فالعامل البشري هو المحرك الأساسي لتلك الأشياء على المكان ،إذ أن الأصل فيها الفعل البشري(النشاط البشري) فهو مستمر بالترابط بين الماضي والحاضر والمستقبل لذا يصنع وبالاستمرار شيئاً جديداً، وقد يتوقف ذلك الفعل البشري فينجم عن ذلك تدهور المكان في وقت ما من التاريخ أو ينتعش ذلك الفعل البشري، فيحدث العكس في ذلك الوقت من التاريخ،فعلى سبيل المثال يتدخل الإنسان لتغيير المجاري المائية أو بردم الأهوار وهذا ما قام به (النظام السابق) بغية تجفيف الأهوار كان الهدف السياسي دون أدنى شك خلف ذلك، إلا أن النشاط البشري متأثر في الوقت نفسه بالحقائق المكانية لا سيما الطبيعية منها، إذ أوضح جريفت تيلور أن انتقال الحضارة من بابل إلى لندن ناتج عن تغير المناخ من ظروف ملائمة لقيام حضارة زراعية في بلاد وادي الرافدين إلى مناخ يتفق ومتطلبات قيام حضارة صناعية سادت في لندن(8) ألا أنه يجب أن لا نغفل دور العامل البشري الفاعل والمؤثر في المكان، إذ أن الوجود البشري نقل بالحيز المكاني من الجمود أو عدم المعرفة إلى الحياة ودور المؤثر سواء أكان سلبا أو إيجابا،فلا خلاف في أن المكان كان موضع اهتمام الإنسان فليس هناك مجتمع يعيش في فراغ وإنما لكل مجتمع مكان خاص يرتبط به، وتحيط به ظروف بيئية معينة تؤثر في حياته الاقتصادية والسياسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة(9).

وظيفة المكان :

  تدرس الوظيفة في الجغرافية من جانبين، الجانب الأول الوظيفة العامة للمكان وتتمثل بدراسة الوظائف العامة (التجارية،الدينية وغيرها) للمكان، والجانب الثاني الوظيفة الخاصة للمكان وتهتم بدراسة استخدامات الأرض في المكان، والذي يهم البحث دراسة الجانب الأول، إذ ينشأ المكان ليؤدي وظيفة أو وظائف عديدة ضمن حيزه المكاني علماً أن الوظيفة عموماً قابلة للتغير من مرحلة زمنية إلى أخرى، ومما لا شك فيه أن طبيعة المكان هي التي تحدد شكل وظائفه أي أن المكان على جانب كبير من الأهمية من خلال ما يمتلكه من مقومات موقعيه وموضعية، فقد ينشأ المكان ضمن حيز جغرافي معين ليؤدي وظيفة رئيسة لكن الذي يحدد نوع الوظيفة التي ينشأبسببها المكان هي مقومات المكان ، لذا فأن المكان الذي يمتلك مقومات عديدة سوف يتكون لديه وظائف عديدة تساهم في تعزيز أهمية المكان، فعلى سبيل المثال تمتلك مدينة البصرة مواضع عديدة تعاقبت عليها المدينة تاريخيا ابتداء من مدينة الأبله (العشار حالياً) قبل الفتح الإسلامي انتقالا إلى مدينة البصرة العمرية (الزبير حالياً) التي تأسست في سنة 14هـ ومن ثم تأسيس مدينة الموفقية (البصرة الحالية) في العصر العباسي.

   للحيز المكاني أهمية معنوية كبيره أيضا إذ أن الكثير من الأماكن شهدت تطوراً وازدهاراً كبيرين رغم أنها نشأت ضمن حيز مكاني محدود المقومات ألا إنه استطاع أن يؤدي وظيفته بشكل حيوي وفعال مثل مدينة مكة التي استطاعت من تأدية وظيفتها الدينية على الرغم من وقوعها ضمن واد فقير بالمقومات الموقعية. وأحياناً يضعف المكان من جراء تدهور الوظيفة التي يؤديها، فمثلا مدينة الإسكندرية أحدى أهم المدن في اوائل العصر الإسلامي وذات دور إيجابي فعال ومن ثم أخذت وظيفتها تضعف تدريجيا في العهد العثماني حتى أصبحت قرية صيد بسيطة ألا أنها استعادت دورها بعد فتح قناة السويس حيث أصبحت الميناء الأول والعاصمة الثانية للدولة(.1)، لما تمتلكه من مقومات مكانيه فذة.

  يتميز كل حيز مكاني بأداء وظيفة خاصة به تميزه عن غيره من الأماكن ، ألا أنه لا يحافظ على تلك الوظيفة الأساسية طيلة تاريخه ،فعلى سبيل المثال تنشأ مدينة ما لتقوم بأداء الوظيفة التجارية تحت ظروف خاصة، فإذا تغيرت الأحوال أضمحلت تلك المدن مثل مدينة صحار في عمان بينما يتحول المكان من أداء وظيفة معينة إلى أخرى كأن تتحول المدينة من الوظيفة العسكرية بعد أن يستقر الوضع السياسي لها إلى الوظيفة التجارية كمدينة البصرة وكذلك الحال مع مدن التعدين فأذا لم تتطور أو تتغير وظيفتها قبل أن ينضب المعدن فأنها تتحول إلى مدينة أشباح " Ghost Town" ولكن إذا تحولت إلى وظيفة أخرى، فأنها تستمر في الوجود وهذا ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية، فبعض تلك المدن تحولت إلى أطلال وبعضها الآخر تحول إلى المدن الترفيهية والصناعية، فبقيت تلك المدن قائمة بعد إن تغيرت وظيفتها(11). 

  تتغير قيمة المكان على مر العصور وهذا ناجم عن تغير وظائفها التي تنعكس على المظهر الخارجي للمدينه،إذ ربما يكون مكان ما ذا أهمية محدودة ووظائف قليلة ولكن سرعان ما يزدهر لسبب ما فينتعش عمرانياً وتكثر وظائفه وهذا ما حدث لمدينة عمان إذ كانت في الماضي مدينه مهجورة وسرعان ما اكتسبت أهمية بعد قيامها كعاصمة للمملكة الأردنية الهاشمية(12)، مما لا شك فيه أن بعض الوظائف لعبت دوراً فعالاً ومؤثراً في المدينة ولكن مدن اليوم (الدول) تغير مفهوم الوظيفة لديها، إذ أن بعض تلك الوظائف لم يعد لها دور يذكر كالوظيفة العسكرية والسبب في ذلك تطور الفنون القتالية فأصبح من غير الضروري وجود الحاميات أو القلاع وكما أن النظرة إلى حجم الحيز المكاني قد تتغير، فقد أصبحت الدولة اليوم تمثل الحيز المكاني وكذلك تمثل الشيء الجسدي وليس المدينة، لذا أصبح الاستقرار اليوم في الحيز المكاني سمة العصر بينما اختلف الفعل الذي تلعبه الدولة على الصعيد السياسي والاقتصادي

أنواع الأماكن والعلاقات المكانية :

  أن الدراسات المختصة في فلسفة المكان نتجت من جراء الجدال الطويل المستمر عن ماهية المكان من جهة والدور الذي يلعبه جغرافياً وتاريخياً من جهة أخرى، فهنالك أنواع من الأماكن التي تختلف في فعلها وتحركاتها، الواقع أن مسألة تحديد المكان أمر مهم لكي نفهم أي مكان فهماً جيداً ونميزه عن غيره من الأماكن وكذلك لنعرف الإطار المكاني الأساسي الذي يعيش فيه الإنسان والذي ساعد على خلقه(13.(

  هنالك مصطلحات عديدة لتحديد صفة المكان ذكرت من قبل الجغرافيين منها المدينة والقرية والريف والبادية والبلد والبلدة، كما تتجسد تلك المصطلحات بشكل واضح بأكثر من آية في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية فقد ورد ذكر المدينة في القرآن " وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى …."(14) وأما القرية " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها"(15).

   بغية التعرف على أهمية الحيز المكاني يجب أن تكون هنالك دراية بالوقت الذي نشأ فيه المكان فعلى سبيل المثال أن المدن نشأت في أماكن لا يمكن أن نختارها اليوم لإنشاء مدن عليها، فقيمة المكان تتغير سلباً وايجاباً تبعاً لطبيعة المكان والمرحلة التاريخية التي يمر بها.

  فعندما يمر المكان بمرحلة من الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي سينتعش المكان وعندما يحدث العكس فإن المكان سرعان ما يبدأ بالانكماش والاختفاء، لذا فإن للمكان اعتبارات ورؤى عديدة تختلف باختلاف المرحلة التاريخية التي يتم فيها تشخصص فعالية المكان إذ أثبت بأنه قادر على ممارسة دوره على مر التاريخ إلا أن هذه الممارسة تكاد تختلف في مفهومها من مكان إلى آخر، فمثلاً حافظت مدينة البصرة والإسكندرية وغيرها على وجودها منذ زمن بعيد بينما لم تحافظ مدن أخرى على بقائها مدة طويلة مثلاً مدينة دارين وصٌحار وغيرها لأسباب طبيعية أو بشرية فانكمش بعضها بينما اختفى بعضها الآخر.

   وقد أشير آنفاً إلى المكان من حيث المحتوى المكاني الذي تمثل بدراسة خصائص المكان والعامل البشري ووظيفة المكان، لذا سنناقش بعض المفاهيم التي بلورت شخصية المكان على وفق نوعين :

النوع الأول / الفعل المكاني :

ويشمل ما يلي:

 -1المكان المركزي" Central place ": هو أحد أهم المفاهيم في دراسة المكان من حيث معرفة الدور الذي لعبه في تاريخه حتى أصبح يمثل مركز استقطاب لأماكن أخرى مجاورة له حتى البعيدة عنه، مثل الشمعة تضئ ما حولها لتجذب كافة الأنظار لها، فتزدهر من جراء ذلك في كافة المجالات السياسية والاقتصادية ومثال على ذلك مدينة البصرة وبغداد وغيرها من المدن .

 -2المكان الهامشي* "non – central place" : فهو احد المفاهيم التي ترمز إلى حالة الضعف أو التدهور الذي يصيب المكان في مرحلة تاريخية ما وعلى مستوى المجالات كافة، السياسية والاقتصادية …الخ، ومما لاشك فيه أن العوامل الطبيعية أو البشرية لها الدور المؤثر في ذلك التدهور وقد يختفي المكان إذ أن هناك الكثير من الأماكن لم يعد لها وجود، والملاحظ أنه عندما يمر مكان ما بهذا الفعل فلا بد أن يلعب مكان اخر دوراً بارزاً أي يتجه الفعل الى المكان الاخر بغض النظر عن طبيعة المسافة بينهما فعلى سبيل المثال عندما تعرضت مدينة البصرة العمرية إلى الحركات الداخلية (الزنج والقرامطة) برزت مدينة دارين على ساحل الغربي للخليج العربي وبشكل فعال وبارز في تلك الحقبة من التاريخ.

النوع الثاني /التحرك المكاني :

ويشمل ما يلي:

  -1المكان الحركي(الوريث) " moving place " : فهو أحد المفاهيم التي تعبر عن عملية التحرك للمواضيع من مكان إلى آخر سواء كان ذلك التحرك داخل الحيز المكاني أو  خارج حدوده إذ أن الكثير من الأماكن لا تستطيع أن تلبي مطالب العصر في مرحلة ما إلا أنها لم تهجر من قبل.

 *لا يقصد من المكان الهامشي أو المركزي الموقع بالنسبة للحيز المكاني مثلاً موقع بغداد من العراق، وإنما يقصد منه الدور الذي لعبه المكان في وقت ما.

  السكان بل تتشكل وفق إمكانيات مواضعها أي أنها في عملية حركة مستمرة للمواضع داخل الحيز المكاني وأحياناً خارجه مثلاً لعبت مدينة تريدون التي كانت تقع بالقرب من مدينة الزبير حالياً دوراً بارزاً ونتيجة لتعرضها لعوامل طبيعية وبشرية اندثرت فظهرت مدينة الابلة وريثاً لها (16).

 -2المكان المتعاقب (البديل)  " Successive place ": ويقصد بهذا المفهوم عملية التغير للمواضع داخل إطار الموضع وفق المراحل التاريخية ونتيجة تأثير العوامل الطبيعية والبشرية بالمكان، وخير مثال على ذلك مدينة الابلة التي كانت من أهم الموانئ أثناء فتح المسلمين للعراق بينما نهضت في الوقت الحاضر منطقة العشار كبديل لمدينة الابلة (17).

  يتعرض الكائن الحي لكل ما تقدم ذكره من المفاهيم السابقة إذ يعيش الإنسان تحت ظل ظروف إيجابية ليلعب دوراً مهماً ضمن محيطه العائلي العائلي أو المهني إذا ما مر بظروف قاسية حدث له العكس، وكذلك يرث الموضع موضعاً آخر داخل الحيز المكاني الأوسع، مثل الأب الذي يورث أبنائه كل ما يمتلكه من أشياء معنوية و مادية، كما أن الموضع يمكن أن يكون بديلاً لأخر، مثل لاعب كرة القدم الذي يؤدي دوره في الملعب يكمل بدله البديل.

   إن للعلاقات المكانية أهمية كبيرة في الجغرافية، فقد نشأت من جراء الاختلافات المكانية علاقات صميمية تباينت فوقها من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر، وبلغت تلك العلاقات من الأهمية بحيث عرف علم الجغرافية بعلم العلاقات المكانية وإن أي مكان سيكون له علاقات ولكن ليست علاقات متساوية دون أدنى شك.

الخلاصة :

  جسد البحث جملة من المفاهيم التي بلورت شخصية المكان إذ أن شخصيته تشبه في معطياتها وإلى حد كبير شخصية الكائن الحي، فعلى الرغم من اختلاف الأماكن من حيث مقوماتها إلا أنها تمتلك القدرة على ممارسة فعلها بما ينسجم مع طبيعة بعض تلك المفاهيم وفقاً لمتطلبات الدور التاريخي الذي يقع ضمنه المكان.

    أن للمكان حركة واضحة ضمن حدود الحيز المكاني أو خارجه بالشكل الذي يتفق مع معطياته المكانية كي يحافظ على بقاءه واستمراره، إذ يمتلك كل حيز مكاني سمة خاصة إلا أن بقاء تلك السمة ليست واحدة في كل مكان مثلما هو الحال بالنسبة للكائن الحي الذي يمتلك صفة ما ألا إنه يغيرها بما ينسجم مع معطياته الزمانية والمكانية، لذا فقيمة المكان تتغير تبعاً لتغير وظائفها وخصائصها المكانية التي تتأثر بطبيعة المرحلة التاريخية التي تقع عليها، فيزدهر المكان في وقت ما ليمارس دوره بشكل فعال ومؤثر في محيطه الجغرافي الواسع، وقد يصاب المكان بالضعف في وقت ما حتى يمسي تأثيره لا يتعدى حدود حيزه الجغرافي الضيق

الهوامش:
- فؤاد عبد الله محمد، موضع وموقع المدينة، دراسة في فلسفة المكان، مجلة كلية الآداب، وقائع المؤتمر الجغرافي الأول، البصرة، 202، ص 135-146، ص 136.

- هارتشون، طبيعة الجغرافية، ترجمة شاكر خصباك، الجزء الثاني، مطبعة الموصل، 1985، ص 14.

- فؤاد عبد الله محمد، موضع وموقع المدينة، دراسة في فلسلفة المكان، المصدر السابق، ص 137.

- هارتشون، طبيعة الجغرافية، المصدر السابق، ص 16-28.

- فؤاد عبد الله محمد، موضع وموقع المدينة، دراسة في فلسفة المكان، المصدر السابق، ص 139.

- صفوح خير، الجغرافية موضوعها ومناهجها وأهدافها، دار الفكر للطباعة والنشر، سوريا، 2000، ص 42-54.

- هارتشون، طبيعة الجغرافية، ترجدمة شاكر خصباك، الجزء الأول، مطبعة الموصل، 1984، ص 258.

-شاكر خصباك وزميله، الفكر الجغرافي/ تطوره وطرق بحثه، مطبعة جامعة بغداد، بغداد، 1983، ص 20.
- صفوح خير ، الجغرافية موضوعها ومناهجها وأهدافها ، المصدر السابق ، ص 51 .

- عبد الفتاح محمد وهيبة، في جغرافية العمران، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1980، ص 83.

- أحمد علي إسماعيل، دراسات في جغرافية المدن، الطبعة الثانية، القاهرة، 1981، ص 160-166.

- عبد الفتاح محمد رهيبة، جغرافية الإنسان، دار النهضة العربية، بيروت، 1972، ص 525.

- محمد محمد سطيحة، الجغرافيا الإقليمية/ دراسة لمناطق العالم الكبرى، دار الفكر العربي للطبع والنشر، القاهرة، بلا سنة طبع، ص 30.

- القرآن الكريم، سورة يس/ الآية 20.

- القرآن الكريم، سورة يونس/ الآية 98.

- فؤاد جميل وزميله، العراق في القرن الرابع الميلاد حسب وصف المؤرخ الروماني أميا لوس موشبليتوس، مجلة المورد، المجلد 17، الجزء (1-2)، 1961، ص 145-173، ص 149.
- جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء 7، مطبعة دار العلم للملايين، 1971، ص 275.


للتحميل اضغط           هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا