جيومورفولوجية مستنقعات المانجروف على ساحل البحر الأحمر
في مصر جنوب رأس جمسة
د. أحمد زايد
مدرس الجيومورفولوجيا بكلية الآداب – جامعة أسيوط
مقدمه: تلعب جيومورفولوجية السواحل دوراً مهماً في تحديد مواضع مستعمرات المانجروف، فليست كل سواحل العالم من الناحية الجيومورفولوجية مهيأة لخلق بيئة مناسبة لنشأة مستعمرات المانجروف، فقد تتهيأ الظروف الهيدروجرافية والبيئية والمناخية لنمو أشجار المانجروف، ولكن تقف الخصائص الجيومورفولوجية عائقاً يحول دون نمو تلك الأشجار. وتتمثل الخصائص الجيومورفولوجية التي تميز السواحل التي تنمو عليها غابات المانجروف في كونها سواحل محمية من التيارات البحرية والأمواج، وذات طاقة منخفضة، وفارق مدى مدى كبير. وتعد هذه الخصائص الجيومورفولوجية لازمة لنمو غابات المانجروف. وبصورة منعكسة نجد أن لغابات المانجروف دوراً فاعلاً في تعديل جيومورفولوجية السواحل، حيث تعمل تلك الأشجار على تصيد الرواسب، جراء تقليل نظامها الجذرى لطاقة الأمواج والتيارات البحرية، ومن ثم جنوح المياه المحملة بالرواسب إلى الإرساب، وبالتالى حدوث تغيرات موجبه في أغلب الأحوال في مواضع غابات المانجروف، ونظراً لكون جيومورفولوجية خط الشاطئ عاملاً يمثل تأثيراً على مواضع مستعمرات المانجروف إلي جانب تأثر خط الشاطئ بتلك المستعمرات لهذا كان اهتمام الدراسة الراهنة.
المشكلة البحثية: ترتبط غابات المانجروف في نشأتها بمواضع ساحلية لها خصائص جيومورفولوجية محددة - مع اختلاف أشكالها الجيومورفولوجية بين قنوات مدية أو مصبات أودية أو خلجان صغيرة- تُتيح بيئة صالحة لنمو غابات المانجروف. إلا أنه أصبح من الضروري معرفة دور تلك الغابات في إعادة تشكيل جيومورفولوجية خط الشاطئ ودورها الفاعل في عملية الإرساب البحري.
تساؤلات الدراسة:
- ما العوامل الطبيعية المؤثرة في نمو وتوزيع غابات المانجروف ؟
- ما الصورة التوزيعية لغابات المانجروف بمنطقة الدراسة؟
- ما الظاهرات الجيومورفولوجية المرتبطة بمستنقعات المانجروف؟
- إلى أي مدى تتباين معدلات الإرساب البحري باختلاف الأشكال الجيومورفولوجية للمواضع التي تنمو فيها غابات المانجروف؟
- ما الخصائص الكيميائية والعضوية لرواسب مستنقعات المانجروف؟
- ما أسباب التصحر البحري لغابات المانجروف؟
أهمية الدراسة: تكمن أهمية الدراسة في أهمية الموضوع الذى تناولته حيث تتميز غابات المانجروف بكونها من النظم البيئية ذات القدرة الإنتاجية العالية، فضلاً عن قيامها بعديد من الأدوار من الناحية الجيومورفولوجية والبيئية خاصة فيما يتعلق بحماية خط الشاطئ. هذا بالإضافة إلى كونها مصدراً للغذاء لبعض الحيوانات الصحراوية، كما أنها مصدراً جيداً للأخشاب، كل هذه الأدوار عظمت من أهميتها من الناحية الطبيعية والاقتصادية بالإضافة إلى أهميتها للحياة البشرية والبرية، وكذلك بالنسبة للحياة البحرية حيث تمثل هذه الغابات بيئة صالحة لتكاثر الكثير من الأسماك والقشريات والسلاحف البحرية. وسوف يتم التركيز في هذه الدراسة على أهميتها من الناحية الجيومورفولوجية والبيئية فقط حتى يظل سياق البحث قابع في نقطة المركز وبعيداً عن منطقة التخوم.
أهميتها الجيومورفولوجية: تتمتع غابات المانجروف بنظام جذري يسمح بالتنفس بشكل جيد، فضلاً عن أنه يضمن لها درجة أكبر من الاستقرار المكاني، هذا النظام الجذري المعقد يعمل على خفض سرعة المياه القادمة باتجاه اليابس، وبالتالي يساعد على جنوح المياه نحو الإرساب (Khalil, 2004,pp.1-2)، وتمارس تلك الجذور نفس الدور مع مياه الأمطار القادمة من اليابسة عبر الأودية أو الأنهار، حيث تعمل على تصيد الرواسب وعدم السماح لها أن تختلط بالمياه بصورة كاملة، فضلاً عن قيامها بدور دفاعي عن الشواطئ وحمايتها من التعرية. فغالباً ما تزرع أشجار المانجروف لمكافحة تآكل خط الشاطئ، حيث توفر منطقة عازلة بين الأراضي والمجتمعات البحرية الضحلة مثل الشعاب المرجانية والحشائش البحرية وتوفر لها الحماية من تهديد الأراضي. وتتعدد أوجه التهديد التي تتعرض لها تلك المجتمعات البحرية الضحلة من جهة اليابسة لكن تعمل غابات المانجروف من الحد من بعض تلك التهديدات خاصة تهديدات الرواسب القارية والمياه العذبة القادمة عبر الأودية الجافة أو الأنهار(Gowan,2006,p.9).
أهميتها البيئية: تقوم غابات المانجروف بدوراً حيوياً في الحياة البحرية وإثراء الثروة السمكية من خلال توفير الغذاء لمجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات البحرية بما فيها الأسماك والمحار، حيث تسهم في توفير الغذاء لما يقرب من 1000 نوع من الأسماك، خاصة الأسماك ذات الأهمية التجارية ضمن الشبكة الغذائية البحرية في البيئات الساحلية (Khalil, 2004,p1-2). فضلاً عن توفير الحماية والبيئة المثلى لعدد هائل من القشريات خاصة الروبيان، لذلك فإن أي تدهور يصيب تلك الغابات ينعكس بدوره على تدهور الموائل البحرية المجاورة، كما تلعب دوراً مهماً في البيئة البحرية بصفة عامة من حيث توفير الأوكسجين اللازم لتنفس الكائنات الحية (Kholeif,2007.p5) . كما تمثل هذه الغابات مصدراً لطاقة الأحياء البحرية التي تعيش بعيداً عن الشاطئ أو حتى القريبة منه من خلال أوراقها الميتة والمتحللة إلى جانب أهميتها كعنصر مهم للتنوع الاحيائى بالمنطقة، نظراً لاحتوائها على مجموعة حيوانية لا تعيش في البيئات الإحيائية الأخرى (الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بإمارة منطقة جيزان، 2006، ص57).
مراحل الدراسة : تنقسم مراحل الدراسة إلى خمسة مراحل يمكن إيجازهم فيما يلي:
المرحلة الأولى: مرحلة جمع وتصنيف التراث البحثي حول موضوع الدراسة، وتهدف هذه المرحلة إلي: تكوين تصور كامل حول ما انتهت إليه الدراسات السابقة فيما يخص مستنقعات غابات المانجروف، إلي جانب الإلمام الكامل بهذا النظام الايكولوجي، ومعرفة الظروف الطبيعية المرتبطة به، وتحديد مواضع غابات المانجروف على ساحل البحر الأحمر.
المرحلة الثانية: مرحلة معالجة الصور الفضائية، حيث تم الاستعانة بصورتين لعامى1984 م – 2013 م. وقد تم أخذ هاتين الصورتين من خلال القمر الصناعي Land sat بخصائص تصويرية7 باند. وروعي أن تكون الفترة الزمنية الفاصلة 30 عاماً حتى نكشف عن حجم التغيرات التي طرأت على مواضع غابات المانجروف وذلك باستخدام برنامج Erdas imagine .
المرحلة الثالثة: مرحلة الدراسة الميدانية، واستمرت من 27/5/2013- 30/5/2013 ، بهدف المرور على بعض مواضع المانجروف لإجراء بعض القياسات الجيومورفولوجية للظاهرات الدقيقة المرتبطة بمستنقعات المانجروف، بالإضافة إلى رصد لحالة الغابات، مع سحب ست عينات من رواسب مستنقعات المانجروف، بهدف تحليلها والكشف عن الخصائص الميكانيكية للرواسب، وأخيراً التقاط بعض الصور الفوتوغرافية التي تجسد حالة تلك الغابات ونظامها الجذري وبعض الظاهرات الجيومورفولوجية المرتبطة بتلك المستنقعات.
المرحلة الرابعة: مرحلة تحليل العينات؛ حيث تم تحليل ست عينات من رواسب مستنقعات المانجروف بمعمل معهد البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، بهدف التعرف على الخصائص الميكانيكية لرواسب مستنقعات المانجروف.
المرحلة الخامسة: مرحلة كتابة البحث، ورسم الخرائط والأشكال البيانية وتحليل البيانات، وروعي في ذلك أن تكون الكتابة مركزة، مع الإلمام بعناصر الموضوع قدر الإمكان.
وترى الدراسة الراهنة أنه لتحقيق الهدف المنشود منها أن تسير في ضوء بنية بحثية مفادها:
أولاً: لمحة تاريخية
لغابات المانجروف.
|
ثانيا: الصورة التوزيعية
لغابات المانجروف.
|
ثالثاً: العوامل المؤثرة
في نمو وتوزيع غابات المانجروف.
|
رابعاً: جيومورفولوجية
مستنقعات المانجروف.
|
خامساً: تصحر غابات
المانجروف.
|
سادساً: النتائج.
|
أولاً: لمحة تاريخية لغابات المانجروف
تعتبر أشجار الشورى معروفة منذ القدم. فقد وصفها ثيوبراتس (Thwopratus) في كتابه المعروف "بتاريخ النبات" عام 350 ق.م. كما ذكر(Pliny) عام 77م في كتابه "تاريخ الطبيعة" وجود أنواع من هذه الأشجار على ساحل البحر الأحمر. وتعرض عالم النبات العربي أبو العباس النبطي لأشجار الشورى في كتاباته عن رحلاته في جزيرة العرب حيث ورد وصف نوعين منها أبن سينا والريزيفزرا (الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، 2006، ص53).
يعتقد أن نباتات الشورى نشأت في العصر الطباشيري من حقب الحياة المتوسطة الذي يقدر عمره بنحو 65 مليون سنة. وقد نشأت هذه النباتات في مستنقعات وشواطئ بحار المناطق الاستوائية. وظهرت آنذاك على ساحل البحر الأحمر في زمن مقارب لزمن تكوّن هذا البحر عندما انفصلت قارة أفريقيا عن شقيقتها آسيا (محمد عبد القادر ،2012، ص3).
ثانياً: الصورة التوزيعية لغابات المانجروف على ساحل البحر الأحمر
تنمو أشجار المانجروف على مستوى العالم في المياه الغدقة بالمناطق المدارية وشبه المدارية فيما بين دائرتي عرض 25 ش و25 ج (Kumar, et al ,2010.p28). إلا أنها تتوزع بمنطقة الدراسة إلى الشمال قليلاً خارج هذا النطاق حيث تتسم صورتها التوزيعية بالاستقرار، على هيئة تجمعات منفصلة (كما يتضح من الشكل رقم (1) ). وهى بهذه الصورة تختلف عن باقي الصور التوزيعية للغابات في شتى أنحاء العالم، والتي تظهر في شكل نطاقات متصلة ولكنها تتشابه في توزيعها مع الصورة التوزيعية للغابات في ساحل أفريقيا الشرقي، وسواحل الجزيرة العربية (Yoshikawa et al,2011,p.39).
تتوزع غابات المانجروف على ساحل البحر الأحمر في نطاق المد والجزر فى ست وعشرون منطقة جدول (1) فيما بين دائرتى عرض 40 27 شمالاً و 33 22 شمالاً، وخطى طول 42 33 شرقا 17 36 شرقا (كمال حسين،2003، ص173)، ممثلة في نوعين من النباتات؛ يعرف النوع الأول باسم Avicennia marina وينتشر بين دائرة عرض 40 27 و 50 23 ، وهذا النوع واسع الانتشار في معظم سواحل البحر الأحمر، نظراً لقدرته التكيفية الكبيرة، بينما النوع الثاني يعرف باسم Rhizophora mucronata وينتشر جنوب دائرة عرض 50 23. ويتجاور جغرافيا مع النوع الأول، ويعد هذا النوع أقل انتشاراً؛ نظراً لارتباط نموه بظروف أقل ملوحة (Khalil,2004.p12-15). تخضع الصورة التوزيعية لهذه النباتات لضوابط نمو محددة منها ما هو مناخى؛ مثل الحرارة والأمطار والرطوبة، وآخر هيدروجرافى مثل الملوحة والأوكسجين، وثالث مرتبط بنواحى جيومورفولوجية مثل ارتباطها بأشكال جيومورفولوجية معينة، تتصف بكونها أشكال تضمن الحماية من تهديدات الأمواج.
ولكى تكتمل الصورة التوزيعية لغابات المانجروف على ساحل البحر الأحمر وضوحاً يجب أن نتناول العوامل المؤثرة في هذا التوزيع .
شكل (1) مواقع غابات المانجروف على ساحل البحر الأحمر
جدول (1) مواقع توزيع غابات المانجروف على ساحل البحر الأحمر
الاسم
|
الموقع الفلكى
|
الخصائص الجيومورفولوجية للمواقع
|
الأنواع
|
ارتفاع الشجيرات
|
التهديدات
|
جزيرة جيسوم
|
(27 40 N 33 42E )
|
جزيرة (خليج)
|
ابن سينا
|
أكثر من2 م
|
التلوث البترولى والمخلفات الصلبة
|
الجونة
|
(27 24 N 33 41 E)
|
خليج
|
ابن سينا
|
-
|
التنمية السياحية
|
جزيرة أبومنقار
|
(27 13 N 33 52E)
|
جزيرة (قنوات مدية)
|
ابن سينا
|
-
|
التلوث البترولى والمخلفات الصلبة
|
جزيرة سفاجا
|
(26 45 N 33 59 E)
|
جزيرة
|
ابن سينا
|
أكثر من 4.8م
|
المخلفات الصلبة
|
جنوب سفاجا
|
(26 38 N 33 59 E)
|
مناطق محمية
|
ابن سينا
|
المخلفات الصلبة
|
|
وادى أبو حمرا
|
(26 21 N 34 09 E)
|
وادى
|
ابن سينا
|
2.8-4.2م
|
|
شرم البحرى
|
(25 52 N 34 24 E)
|
شرم
|
ابن سينا
|
التنمية السياحية والمخلفات الصلبة
|
|
شرم القبلى
|
(25 50 N 34 26 E)
|
شرم
|
ابن سينا
|
3-4.5م
|
الرعى الجائر
|
مرسى شجرة
|
(25 40 N 34 35 E)
|
مرسى
|
ابن سينا
|
السياحة البيئية
|
|
وادى الجمال
|
(24 40 N, 35 05’E)
|
وادى
|
ابن سينا
|
||
جزيرة وادى الجمال
|
(24 40 N 35 10 E),
|
جزيرة
|
ابن سينا
|
||
رأس بغدادى
|
(24 49 N 35 06 E)
|
وادى
|
ابن سينا
|
||
وادى مستورة
|
(24 23 N 35 16E),
|
وادى
|
ابن سينا
|
||
وادى القلعان
|
(24 21 N 35 19 E),
|
وادى
|
ابن سينا
|
||
وادى روادع الضايعة
|
(24 20 N 35 20 E)
|
وادى
|
ابن سينا
|
||
وادى ربيعة
|
(24 19 N 35 20 E)
|
وادى
|
ابن سينا
|
2.8-5.5 م
|
الرعى الجائر
|
جزيرة شويرات
|
(24 21 N 35 26 E)
|
جزيرة
|
ابن سينا
|
المخلفات الصلبة
|
|
وادى لحمى
|
(24 13 N 35 26 E)
|
وادى
|
ابن سينا
|
2.8-5.6 م
|
الرعى الجائر و السياحة البيئية
|
كويرات
|
(24 06 N 35 30 E)
|
قنوات مدية
|
ابن سينا
|
1.5-3.4 م
|
الرعى الجائر
|
مرسى الحميرة
|
(23 29 N 35 29 E)
|
مرسى
|
ريزفيرا- ابن سينا
|
3-5.8 م
|
الرعى الجائر
|
جزيرة شلاتين
|
(23 08 N 35 41 E)
|
جزيرة
|
ابن سينا
|
المخلفات الصلبة
|
|
شرم المدفع
|
(22 57 N 35 40 E)
|
شرم
|
ابن سينا
|
2-6 م
|
|
مرسى شعب
|
(22 50 N 35 45 E)
|
مرسى
|
ريزفيرا- ابن سينا
|
4.8-6 م
|
المخلفات الصلبة
|
مرسى أبو فاسى
|
(22 41 N 36 00 E)
|
مرسى
|
ريزفيرا- ابن سينا
|
الرعى الجائر
|
|
وادى الحور
|
(22 38 N 36 13 E)
|
وادى
|
ريزفيرا- ابن سينا
|
5.8 -7 م
|
الرعى الجائر
|
ادليدب
|
(22 33 N 36 17 E)
|
قنوات
|
ريزفيرا- ابن سينا
|
4.5 -7 م
|
الرعى والقطع الجائر
|
المصدر: Khalil,2004,p12-14
ثالثاً: العوامل المؤثرة في نمو وتوزيع غابات المانجروف
هناك مجموعة من العوامل المؤثرة في نمو غابات المانجروف بصفة عامة، وعلى سواحل البحر الأحمر بصفة خاصة. ويمكن إجمال هذه العوامل في العوامل الهيدروجرافية، والعوامل المناخية، والعوامل الجيومورفولوجية. وفيما يلى عرض لهذه العوامل:
أ- العوامل الهيدروجرافية(·): ويقصد بها عوامل الملوحة والأوكسجين المذاب في المياه اللازمان لنمو المانجروف.
1- الملوحة: تعد غابات المنجروف من الموائل الفريدة من نوعها حول العالم؛ فهى تتكيف وتنمو بشكل جيد في بيئة قليلة الملوحة خاصة في مصبات الأودية والأنهار، وتتباين أنواع أشجار المانجروف فيما بينها من حيث درجة تحمل الملوحة، حيث تتراوح درجة الملوحة التي تتحملها أشجار المانجروف ما بين 40-65 جزء في الألف حسب كل نوع، حيث نجد أن نوع الرازيفورا يتحمل ملوحة تتراوح ما بين (40-50) جزء في الألف بينما ينمو نوع ابن سينا في ملوحة تتراوح ما بين (60-65) جزء في الألف. وهذا لا يعنى عدم حاجة النبات للمياه العذبة؛ فعلى الرغم من المنافسة الشديدة لهذه الأشجار في قدرتها العالية على التكيف مع المياه المالحة إلا أن المياه العذبة تعد بمثابة طوق النجاة لمثل هذه الأشجار خاصة في مراحل البادرات. ومن ثم فإن وجود أي إنشاءات -مثل السدود - تفضي إلى حدوث تغيرات في كميات المياه العذبة المنصرفة لمستنقعات المانجروف، ومن ثم تؤثر بالسلب على تلك المستنقعات (Gattenlöhner,et al., 2007.p5).
على الرغم من حاجة أشجار المانجروف للمياه العذبة حتى تنمو بشكل أمثل، إلا أنها تستطيع التكيف في المياه المالحة، نظراً لمقدرتها الكبيرة في التعامل مع الأملاح بالطرق الثلاثة مجتمعة، أو بإحداهم، والتي اكتسبتها من العيش في تلك البيئات. فقد تعمل الجذور على إبعاد الأملاح عنها وتركزها بجوار الجذور، أو تقوم بفصل جزيئات الأملاح الموجودة بالمياه وترشيحها خارج النبات من خلال الغدد الملحية المنتشرة على أسطح أوراق النباتات، وأخيراً قد تركز الأشجار الأملاح الزائدة في الأوراق القديمة والمعرضة للتساقط، ومن ثم تتخلص الأشجار من الأملاح الزائدة . الأمر الذى يعكس قدرتها على التكيف حتى في البيئات التي تشتد فيها نسبة الملوحة. ومن تحليل بيانات الجدول (2) يتضح أن نسبة الملوحة في مياه البحر الأحمر داخل الحدود المسموح بها لنمو غابات المانجروف.
2- الأوكسجين: نظراً لنمو المانجروف في المناطق الضحلة التي تشبه المستنقعات، حيث التربة رديئة التهوية، فلا تجد جذور هذه النباتات كفايتها من الأوكسجين اللازم لتنفسها، وبالتالي تسعى للتكيف مع هذه الظروف من خلال نمو جذور عرضية تنفسية فى الأجزاء السفلى للنبات تتجه إلى أعلى، وتظهر فوق سطح التربة كسيقان نامية، يبلغ طولها بضع سنتيمترات حتى نصف متر. وتحتوي أنسجة هذه الجذور التنفسية على عديسات كثيرة (عبارة عن فتحات تنفسية) تعمل على تبادل الغازات، وتوصل الهواء الجوي بالفراغات الهوائية (Kholeif,2007.p.5). ويعد الأوكسجين من العناصر المهمة أيضا لنمو البادرات؛ والذي تحصل عليه من الغلاف الجوى مباشرة عبر الثغور الموجودة على الأوراق وذلك خلال فترات الجزر (وفاء محروس، 2003، ص 124).
جدول (2) الخصائص الهيدروجرافية لمياه البحر الأحمر
المحطة
|
الملوحة جم/لتر
|
الأوكسجين المذاب ملي جرام/لتر
|
الغردقة- أمام شيراتون الغردقة
|
40
|
7.8
|
سفاجا- امام شركة فوسفات البحر
الأحمر
|
40.3
|
6.7
|
الحمراوين- شمال الميناء
|
39.4
|
7
|
القصير- أمام منطقة استخراج
الفوسفات
|
40
|
6.8
|
مرسي علم- أمام الميناء
|
40
|
6.7
|
بئر شلاتين – أمام ميناء صيد
الأسماك
|
43
|
6.8
|
المصدر: جهاز شئون البيئة، 2012،
ص ص 2-5
|
ب- العوامل المناخية: تعد العوامل المناخية من العوامل المؤثرة في نمو غابات المانجروف، ويمتد تأثيرها إلى زيادة كثافة وارتفاع أشجارها، فدرجة الحرارة والرطوبة والأمطار من العناصر المناخية المؤثرة بقوة في نمو غابات المانجروف.
1- درجة الحرارة: نجد أن النشأة الأولى – المنطقة الاستوائية- لغابات المانجروف تشير إلى أهمية توافر درجة حرارة مرتفعة لنمو أمثل لغابات المانجروف (وفاء محروس ، 2003، ص 121) وتؤكد دراسة طارق كامل (طارق كامل،2005، ص270-271) أن هناك علاقة طردية بين درجة الحرارة وازدهار غابات المانجروف، حيث تنخفض الكتلة الحيوية فوق سطح الأرض مع زيادة دوائر العرض، بينما تزداد الكتلة الحيوية للغابات في العروض الدنيا. كما تؤكد دراسة الونجي (Alongi,2002,p331) أن الكتلة الحيوية لغابات المانجروف تنافس الكتلة الحيوية للغابات الاستوائية في دوائر العرض الدنيا، فضلاً عن زيادة أنواعه. لنجد نمو وازدهار 30 نوعاً في المناطق الاستوائية، في حين يقل العدد إلى نوع واحد في العروض الأكثر اعتدالاً شمالاً وجنوباً، حيث نجد سيادة نوعاً واحداً عند دائرة عرض 27 درجة شمالاً شمال البحر الأحمر. ويبدو أن هذه العلاقة واضحة جداً على ساحل البحر الأحمر في مصر؛ حيث يزدهر نوعين من المانجروف في المنطقة الجنوبية من الساحل (كما هو مبين في جدول (1))، في حين يزدهر نوعاً واحداً شمال منطقة الدراسة. وربما يعلل ذلك بارتفاع درجة الحرارة في المنطقة الجنوبية عنه في المنطقة الشمالية بمقدار 3.7 درجة مئوية.
جدول (3) المتوسطات الشهرية لبعض عناصر المناخ خلال الفترة من (1990-2010)المؤثرة في نمو غابات المانجروف على ساحل البحر الأحمر
المحطات
|
عناصر المناخ
|
ديسمبر
|
يناير
|
فبراير
|
مارس
|
أبريل
|
مايو
|
يونيو
|
يوليه
|
أغسطس
|
سبتمبر
|
أكتوبر
|
نوفمبر
|
الغردقة
|
درجة الحرارة ع
|
22.7
|
20.9
|
21.6
|
23.7
|
26.9
|
30
|
32.3
|
33
|
33.4
|
31.1
|
29.2
|
25.8
|
درجة الحرارة ص
|
11.6
|
9.6
|
10
|
13
|
16
|
20.5
|
23.9
|
25.2
|
25
|
23.2
|
19.8
|
15.6
|
|
أمطار
|
1.3
|
0.2
|
0.5
|
0.6
|
0.4
|
0.3
|
0
|
0
|
0
|
0
|
0.6
|
0.4
|
|
رطوبة
|
50
|
50
|
48
|
45
|
47
|
39
|
38
|
45
|
43
|
45
|
55
|
51
|
|
القصير
|
درجة الحرارة ع
|
23.7
|
22.4
|
22.9
|
24.6
|
27.2
|
30
|
32.1
|
32.9
|
33.3
|
31.7
|
29.8
|
26.8
|
درجة الحرارة ص
|
15.6
|
13.8
|
14.3
|
16.5
|
19.5
|
22.8
|
25.4
|
26.2
|
26.2
|
25.2
|
22.8
|
19.1
|
|
أمطار
|
0.2
|
اثر
|
0.1
|
0.9
|
1.1
|
2.1
|
0
|
0
|
0
|
0
|
1.9
|
2.5
|
|
رطوبة
|
51
|
49
|
48
|
47
|
47
|
46
|
45
|
50
|
50
|
52
|
55
|
54
|
|
رأس بناس
|
درجة الحرارة ع
|
26.1
|
24.8
|
26.1
|
28.6
|
32
|
35.4
|
38.4
|
38.5
|
38.7
|
34
|
29.5
|
26.1
|
درجة الحرارة ص
|
14.1
|
12.5
|
14.4
|
15
|
18
|
21.2
|
24.2
|
24.2
|
25.1
|
24.3
|
20.7
|
17.7
|
|
أمطار
|
0.3
|
اثر
|
0.2
|
0.7
|
1.7
|
1.9
|
0
|
0
|
0
|
اثر
|
1.7
|
13.1
|
|
رطوبة
|
59
|
57
|
55
|
48
|
40
|
34
|
30
|
37
|
37
|
37
|
51
|
59
|
المصدر: هيئة الأرصاد الجوية، بيانات غير منشورة
تنمو غابات المانجروف بصورة مثلى في درجة حرارة تتراوح ما بين 25.3-26.3، كما يجب ألا يزيد التغير الفصلى في درجة الحرارة عن 5 درجات، وإذا انخفضت درجة الحرارة إلى عشرة درجات عن الدرجة المثلى لنمو المانجروف فإنه لا يحول دون نموها بل يؤثر في تنوع وكثافة وحجم غابات المانجروف (كمال حسين ، 2003، ص 175). وبتطبيق ذلك على منطقة الدراسة نستخلص الحقائق الآتية من بيانات الجدول (3).
- تنخفض درجة الحرارة الصغرى بمحطات منطقة الدراسة إلى أكثر من عشرة درجات مئوية عن الحد الأمثل لنمو غابات المانجروف، حيث تنخفض في الغردقة إلى أكثر من 15 درجة، والقصير 11.5 درجة، ورأس بناس 12.8 درجة مئوية.
- كبر المدى الحرارى الشهرى والسنوى الذي تعيش فيه غابات المانجروف بالمقارنة بالمدى الحرارى الأمثل لنموها، والذى لم يتجاوز 1 درجة.
- زيادة التغير الفصلى لدرجة الحرارة عن الحد المسموح به لنمو غابات المانجروف بصورة مثلى حيث تراوح التغير الفصلى في محطات منطقة الدراسة ما بين 4.2-7 درجات بمحطة الغردقة، و 4.3-6.4 درجة بمحطة القصير، و 4.2-8.6 بمحطة رأس بناس.
- تتطابق النتائج المستخلصة من الجدول السابق الخاصة بوجود علاقة ارتباطيه بين درجات الحرارة وكثافة وارتفاع أشجار المانجروف مع الواقع الميداني حيث تزداد كثافة وأطوال الأشجار كلما اتجهنا جنوباً، نظراً لاقتراب درجات الحرارة المسجلة بالمناطق الجنوبية عنه في المنطقة الشمالية لدرجات الحرارة المثلى لنمو غابات المانجروف وهذا يظهر بصورة جلية في شكل (2).
شكل (2) العلاقة بين أطول شجيرات المانجروف ودوائر العرض
2- الرطوبة والأمطار: فهما عاملان شديدا الصلة ببعضهما باعتبارهما من العوامل المناخية اللازمة لنمو وازدهار المانجروف، فهناك علاقة طردية قوية بين توافر المياه العذبة وازدهار المانجروف، ليس هذا فحسب بل أيضاً مهمة لازدهار الشتلات وإنبات البذور، لنجد هذه النباتات قد زُوّدت بآلية خاصة تساعدها على استخلاص الماء العذب من المياه المالحة، ومن ثم إفراز الأملاح وطرحها خارج النبتة أو الشجرة عن طريق أوراقها. وذلك عبر آلية تلقائية لذا من الضروري لهذه النباتات الحصول على كمية من الماء العذب، والذي يصل إليها عن طريق الأمطار أو الجليد أو الندى أو الضباب، حيث تساهم هذه الكميات الضئيلة من الماء العذب في غسل أوراق الشجرة مما علق بها من أملاح نتيجة لعملية النتح وإخراج الأملاح . كما يتميز نبات القرم بأن بذوره تنبت وهي على النبات قبل أن تسقط على الأرض. وهذه الظاهرة الشاذة لنمو البذور يعطيها ميزة نمو الجذور قبل سقوطها مباشرة على البيئة المائية المالحة، غير المناسبة لنمو البذور مباشرة، ولن يتأتى ذلك بدون نسبة كافية من الرطوبة في الغلاف الجوى المحيط.
لذلك فلا يمكن تفسير العلاقة السابقة الموضحة بالشكل (2) بمعزل عن الظروف المناخية المحيطة بساحل البحر الأحمر. حيث نجد أن ساحل البحر الأحمر يعد منطقة نفوذ لمسار الضغط المنخفض السوداني - لا سيما المنطقة الجنوبية منه في مصر- المسئول عن خلق حالة عدم الاستقرار في الجو، وبالتالي يرتبط بمروره سقوط أمطار تُوصف بالفجائية، مسببة جريانات سيلية (احمد زايد،2006،ص35 ).
ومن تحليل بيانات جدول(3) يتضح أن الرطوبة النسبية تتسم في جميع محطات منطقة الدراسة بكونها ذات نسبة قليلة، فلم يصل المتوسط العام أكثر من 50%، كما أنها تتسم بأنها تتناقص كلما حلت شهور الربيع، لتصل النسبة إلى أدنى مستوياتها في شهور الصيف. ويعد شهر يوليو هو نقطة التحول نحو ارتفاع الرطوبة النسبية. أما فيما يتعلق بالأمطار باعتبارها المصدر الأوفر بالنسبة للمياه العذبة اللازمة لنمو المانجروف فتشير الدراسات إلى أن كميات الأمطار المناسبة لنمو المانجروف تتراوح ما بين 8.7- 20 ملليمتر سنوياً. وبملاحظة مجموع المطر السنوي بمحطات منطقة الدراسة يتبين أن محطتى القصير ورأس بناس يسقط بهما مطر سنوي يتناسب وكمية المطر اللازمة لنمو غابات المانجروف، حيث يسقط بهما مطر سنوي 8.8-19.6 ملليمتر على الترتيب بينما جاءت محطة الغردقة لتسجل مجموع مطر سنوي أقل بكثير من كمية المطر السنوي المسموح به لنمو غابات المانجروف.
وتشير أحدي الدراسات (طارق كامل، 2005، ص 371) إلى أنه ليس كافياً توافر المياه العذبة لفترة من الفترات، بل يجب أن تكون متوافرة على مدار العام، فالمناخ الجاف يقلل من فرص ازدهارها وكثافتها، وهذا ما نجده واضحاً بصورة كبيرة بمنطقة الدراسة فقد تمر شهور عِجاف عديدة دون أن يسقط ملى متر واحد من المياه خاصة شهور فصل الصيف.
ج- العوامل البحرية: يقصد بها دراسة الفارق المدى وطبيعة حركة وارتفاع الأمواج أمام شواطئ غابات المانجروف.
1- الفارق المدى: تنمو غابات المانجروف بصورة مثلى في السواحل ذات الفارق المدى الكبير؛ حيث يسمح هذا بتكون شواطئ رملية وطينية متسعة تسمح لتثبيت جذور النباتات بصور جيدة. وتزداد هذه الشواطئ اتساعاً على طول الساحل خاصة في مناطق الخلجان ومصبات الأودية والشروم البحرية نظراً للانحدارات الهينة التي تميز تلك المواضع، فضلاً عن ضيقها ومن ثم تتجمع المياه داخل هذه المناطق الضيقة، وينعكس ذلك على المدى المدى داخل هذه الخلجان. والذى يقدر بأربعة أضعاف المد في السواحل خارج نطاق الخلجان. وبالنظر لخصائص حركة المد والجزر بمنطقة الدراسة نجد أن الفارق المدى في البحر الأحمر يتراوح ما بين 1.2 متر 1.4 متر بمتوسط 1.3 متر، ويزداد الفارق المدى كلما اتجهنا جنوباً ( هيئة موانئ البحر الأحمر، 2007، ص ص3-5)، وهذا يعنى أن الفارق المدى في مواضع غابات المانجروف قد يصل إلى أكثر من 5م، الأمر الذي يسمح بتكون مستنقعات طينية أكبر، ومن ثم توفير مساحات مكانية أكبر لنمو أمثل لغابات المانجروف. أما فيما يخص طبيعة المد بمنطقة الدراسة، نجد أن ساحل البحر الأحمر يتميز بكونه من أنظمة المد نصف اليومى، الأمر الذى يسمح لنمو أفضل لغابات المانجروف بالمقارنة بالسواحل التي يوجد بها المد يومى، حيث لا يسمح طول الفترة الزمنية (12ساعات) للمد اليومى من تنفس النبات بشكل جيد نتيجة غرق جذوره التنفسية لفترة طويلة.
2- الأمواج: تعد الأمواج إحدى أشكال حركة المياه، والتي تؤثر في استيطان غابات المانجروف من عدمه وذلك وفقاً لطاقتها، حيث تعد الشواطئ التي تتسم بطاقات منخفضة من الشواطئ المفضلة لنشأة واستعمار غابات المانجروف (Alongi,2002,p.331)، وذلك لما تتسم به هذه الأمواج من خصائص بنائية للشواطئ، وعلى النقيض من ذلك تعمل الأمواج القوية على هدم الشاطئ من جهة، ومن ثم عدم تكون إرسابات تمكن أشجار المانجروف من تثبيت جذورها بها، ومن جهة أخرى تشكل تلك الأمواج تهديداً آخراً يتمثل في جرف بادرات المانجروف بعيداً وتمنعها من إقامة مستعمراتها.
وبالنظر لطبيعة الأمواج أمام خط الشاطئ، نجدها ذات طاقة منخفضة (وذلك كما يتضح من بيانات جدول(4)). حيث تشكل الأمواج ذات الطاقة المنخفضة أكثر من 50% من أيام السنة وترتفع النسبة قليلاً خاصة في المنطقة الوسطى والجنوبية من منطقة الدراسة، بينما تتراوح الأمواج المتوسطة ما بين 19.4%-26.4% من أيام السنة وتشكل الأمواج القوية نسبة قليلة تسجل أثناء فترات الجشنات البحرية، حيث تراوحت نسبتها ما بين 18-22.7%.
ومن هذا التحليل يتبين أن ساحل البحر الأحمر من السواحل الملائمة لنمو غابات المانجروف من حيث العوامل البحرية.
جدول (4)
ارتفاع الأمواج بمحطات منطقة الدراسة اعتماداً على مقياس بيوفورت
المحطة
|
صفر- أقل من 1.5م
|
1.5- أقل من 4 متر
|
4 متر فأكثر
|
الاجمالى %
|
الغردقة
|
51.8
|
26.4
|
21.8
|
100
|
القصير
|
59.1
|
22.9
|
18
|
100
|
رأس بناس
|
57.9
|
19.4
|
22.7
|
100
|
المصدر: من عمل الباحث اعتماداً على بيانات سرعة الرياح
عام 2010
د- العوامل الجيومورفولوجية: يقصد بها دراسة الخصائص الجيومومورفولوجية المميزة للسواحل المرتبطة بها مستنقعات المانجروف ودورها في خلق بيئة مثلى لنمو غابات المانجروف، ودراسة انحدارات خط الشاطئ وخصائص التربة.
1- الخصائص الجيومورفولوجية للسواحل: تنمو غابات المانجروف في سواحل تتسم بكونها سواحل محمية بحكم مورفولوجيتها، حيث يرتبط وجودها بمناطق مصبات الأودية والشروم والمراسى والخلجان، فضلاً عن كونها مناطق تتسم بطاقة مدية كبيرة بالمقارنة بالسواحل المستقيمة (كمال شلتوت، 2003، ص 173). ولم تقتصر سبل الحماية لهذه المناطق من الأمواج العاتية على مورفولوجيتها، بل تمتد إلى إحاطتها بأشكال جيومورفولوجية عديدة من الشعاب المرجانية بين أطر وحواجز وبقع مرجانية، كما هو الحال في موضع الشرم البحرى؛ حيث لا يبعد الحاجز المرجانى عن الشاطئ أكثر من 890م (محمد إبراهيم، 2007، 241). كما أكدت دراسة صبري محسوب (محمد صبرى محسوب، 2006، ص 156) أنه لا توجد أي جزيرة على ساحل البحر الأحمر في مصر إلا وترتبط بأشكال مرجانية تطوق كل أو بعض قطاعات من سواحلها. حيث تسهم الأشكال الجيومورفولوجية للشعاب المرجانية بدور كبير في تكسير الأمواج قبل دخولها للمياه الشاطئية.
صورة (1)
نمو غابات المانجروف على سواحل محمية بإحدى الخلجان البحرية أمام جزيرة سفاجا
ناظراً اتجاه الشمال الشرقى
2- إنحدارات الشواطئ: ترتبط دراسة انحدارات الشواطئ ارتباطاً وثيقاً بحركة المياه أمام الشواطئ خاصة خلال فترات المد والجزر، حيث تتمتع الشواطئ ذات الانحدارات الهينة بفرص أكبر من تلقى كميات كبيرة من الرواسب الناعمة والطين والطمى، والتي تعد بمثابة الودائع اللازمة لنمو غابات المانجروف. بينما الشواطئ ذات الانحدارات الحادة تقلل من فرص تلقيها كميات من الرواسب خلال فترات المد لذلك (كمال شلتوت، 2003، ص175).
جدول (5)
فئات ودرجات انحدار الشواطئ الأمامية في بعض قطاعات مستنقعات المانجروف
فئات الانحدار
|
طبيعة الانحدار
|
أطوال القطاعات
|
من إجمالي القطاعات%
|
صفر- أقل من 2
|
مستوى
|
6.3
|
21.3
|
2- أقل من 5
|
هين
|
8
|
27
|
5- أقل من 10
|
متوسط
|
10.8
|
36.5
|
10- 18
|
فوق متوسط
|
4.5
|
15.2
|
الاجمالى
|
29.6
|
100
|
المصدر: القياسات الميدانية
يتضح من بيانات جدول (5) أن شواطئ المانجروف يغلب عليها طابع الانحدارات المتوسطة، حيث شكلت 36.5% من إجمالي القطاعات. ولكن يجب ألا نغفل أن القطاعات المستوية، وهينة الانحدار معًا يشكلا النسبة الأكبر من أطوال القطاعات، حيث يمثلا معاً 48.3%، أي قرابة نصف أطوال القطاعات، تتسم بالانحدارات الهينة والمستوية الأمر الذي يؤشر على أن سواحل المانجروف تمتلك انحدارات تسمح بتكون مساحات أكبر من شواطئ رملية وطينة وذلك خلال فترات المد .
3- التربة: تعد التربة من الخصائص الطبيعية المهمة لنمو المانجروف حتى يتمكن من تثبيت جذوره وإتمام دورة حياته. فخلو الساحل من هذه الرواسب يعنى عدم إمكانية توافر إحدى العوامل المساهمة في نمو أفضل لتلك الغابات. فقد تتوافر التربة الملائمة لنمو غابات المانجروف، ولكن قد تتعرض للانجراف بفعل عوامل التعرية الأمر الذي يؤثر بالسلب على حياه المانجروف ويعرضها للهلاك، وذلك كما حدث على ساحل ولاية جيانا الفرنسية حيث تشير دراسة جارديل وجراتوت (Gardel & Gratiot,2006,p1502) إلى تآكل ما مساحته 60كم2 من مستنقعات المانجروف إثر حدوث هجرة لبنوك الطين أمام مصب نهر الأمازون وذلك خلال الفترة من 1982-2002 حيث تأثر الساحل بطول 60كم. حيث كانت تمثل هذه البنوك الطينة بمثابة التربة الخصبة لنمو غابات المانجروف.
وتعد تربة غابات المانجروف تربة رطبة تحت تأثير المد والجزر وينمو المانجروف فى تربة رملية مع خليط من الطين غير جيدة التهوية (Gattenlöhner, et al, 2007,p.41) . ويمكن له أن يعيش في الرمال الخشنة ، حتى لو كانت مغطاة بطين قليل المسام، بفضل جذوره المتحورة (محمد عبد القادر ،2012، ص8). وتحتوى تربة المانجروف على نسبة مرتفعة من المواد العضوية جراء تحلل الأوراق المتساقطة من النباتات بواسطة البكتريا اللاهوائية. ويحدد نوع التربة أيضا النباتات التي تعيش فيها؛ فعلى سبيل المثال فإن القرم يفضل التربة الرملية، بينما الريزيفورا يفضل العيش في التربة الطينية اللينة ( (Gattenlöhner,et al, 2007,p.41.
ومن التحليل السابق يتبين أن غابات المانجروف تخضع لضوابط نمو عديدة وغاية في الصعوبة والتعقيد يصعب توافرها في مناطق كثيرة حول العالم، ويتحدد على إثرها نمو الغابات من عدمها، وإن أى خلل في أي منها يؤثر بالتبعية في كثافة نموها وحجمها. وهذا ما نجده واضحاً بصورة جلية بمنطقة الدراسة، فعلى الرغم من توافر أغلب عوامل نمو المانجروف، بصورة كبيرة، إلا أن غابات المانجروف تنمو بكثافات قليلة وبانتشار محدود على شكل مساحات صغيرة متفرقة. ويؤكد هذا الدور الكبير للعوامل المناخية في إثراء تلك الغابات، فقد جاءت العوامل المناخية من حيث المطر والرطوبة والحرارة بعيدة كل البعد عن الحدود المثلى لنمو غابات المانجروف، وهذا ما يبرر قلة كثافة الغابات على ساحل البحر الأحمر في مصر باعتباره من السواحل المدارية الجافة.
رابعاً: جيومورفولوجية مستنقعات المانجروف
تصنف مستنقعات المانجروف ضمن البيئات الرطبة، التي تشكل القطاع الأكبر منها في مناطق توزيعها بالسواحل الاستوائية والمدارية (Hegazy,2003,p2)، حيث تتكون البيئات الرطبة من ثلاثة قطاعات رئيسة موازية لخط الشاطئ، تتخذ صورة توزيعية من البحر باتجاه اليابس على النحو التالى: قطاع المانجروف الهامشى، قطاع شجيرات المانجروف، قطاع المستنقعات الملحية ومسطحات السيانوبكتريا (البكتريا الزرقاء). وتعد القطاعات الثلاثة مجتمعات نباتية متعايشة مع بعضها، ولكنها متباينة فيما بينها من حيث مناسيبها ودرجات انحدارها ومدى تعرضها للغمر -أثناء فترات المد- وحجم الترسيب (Adame,2010, p21). حيث تتميز المناطق الهامشية بمناسيب منخفضة وانحدارات هينة وغمر شبه دائم ومعدلات ترسيب أكبر، بينما القطاع الأوسط يتميز بالوسطية من حيث مناسيبه وانحداراته ومعدلات الإرساب، وأخير يتميز القطاع الثالث بارتفاع منسوبه، وانحداره النسبى، وتعرضه للغمر أثناء فترات المد الربيعى، ومعدلات الإرساب أقل. هذه السمات التي تميز القطاعات الثلاثة للبيئات الرطبة تميز السواحل التي تقع تحت تأثير مياه المد والجزر. وتختلف بعض هذه السمات (معدلات الترسيب) في السواحل التي تهيمن عليها الأنهار لنجد أن معدلات الترسيب تزداد بالاتجاه نحو اليابس.
وتصنف بيئات المانجروف على مستوى العالم من الناحية الجيومورفولوجية إلى خمسة بيئات: بيئات تهيمن عليها الأنهار، وأخرى تهيمن عليها تيارات المد والجزر، وثالثة تهيمن عليها الأمواج ، ورابعة تهيمن عليها الأمواج والأنهار معاً، وأخيراً مناطق يهيمن عليها مستوى سطح البحر تتمثل في مصبات الأودية الغارقة (Ellisson,2009,p567). وبتطبيق هذا التصنيف على مواقع المانجروف على ساحل البحر الأحمر نجد أن جميع المواقع تقع في أربعة فئات من التصنيف السابق، وذلك فيما بين الفئة الثانية حتى الخامسة، موزعين طبقاً لبيانات الجدول(6).
جدول (6)
تصنيف مواقع المانجروف على ساحل البحر الأحمر طبقاً لخصائصها الجيومورفولوجية
التصنيف الجيومورفولوجى لسواحل المانجروف
|
عدد المواقع
|
سواحل تهيمن عليها الأنهار
|
-
|
سواحل تهيمن عليها تيارات المد والجزر
|
4
|
سواحل تهيمن عليها الأمواج
|
5
|
سواحل تهيمن عليها الأمواج والأنهار
|
10
|
السواحل الغارقة
|
7
|
الاجمالى
|
26
|
المصدر: من عمل الباحث
اعتماداً على تصنيف Ellisson,2009,p567 وبيانات جدول
(1)
ويتضح من بيانات الجدول رقم (6) تمثيل أغلب سواحل المانجروف بمنطقة الدراسة من الناحية الجيومورفولوجية في معظم فئات التصنيف السابق، فضلاً عن أن أغلب مواقع المانجروف تقع في السواحل التي تهيمن عليها الأمواج والأنهار، والتي تتمثل في مناطق مصبات الأودية الجافة، الأمر الذى يعكس أهمية وجود رواسب تشكل التربة الأولية لاستعمار الغابات. فضلاً عن أن هذه المواقع تعتبر أكثر المواضع التي تستقبل مياه عذبة قادمة عبر الأودية الجافة خلال فترات السيول، أو من خلال تسريبات تحت سطحية. وبهذا يبرز دور الرواسب والمياه العذبة باعتبارهما أحد الخصائص الطبيعية الهامة لاستيطان مستعمرات المانجروف. ويأتي في الترتيب الثانى مناطق الشروم البحرية، وهى أيضاً مناطق لمصبات أودية غارقة. وتكشف بيانات الجدول السابق إلى أنه على الرغم من توافر معظم الخصائص الجيومورفولوجية لاستيطان مستعمرات المانجروف بمنطقة الدراسة – والذى ربما قد لا يتوافر بهذه النسبة في سواحل أخرى- إلا أن هذه المستعمرات صغيرة الحجم وقليلة الكثافة كما اتضح من الدراسة الميدانية؛ الأمر الذى يبرز دور العوامل المناخية في حدوث نمو أمثل واستعمار لغابات المانجروف بشكل كثيف، كما هو الحال في المنطقة الاستوائية (Yoshikawa, et al,2011,p39).
تتميز أشجار المانجروف بارتباطها بعمليات الترسيب على السواحل المدارية المنخفضة، لذلك فإنها تعد عاملاً مهماً و مؤثراً في تطور خط الشاطئ إلى جانب حمايتها للسواحل من التآكل بفعل عمليات التعرية فضلاً عن تميز مستنقعاتها بملامح جيومورفولوجية مميزة وبرواسب لها خصائص ميكانيكية وكيميائية ومعدنية مختلفة. لهذا يمكن تقسيم الخصائص الجيومورفولوجية لمستنقعات المانجروف إلى الأقسام الثلاثة الآتية:
أ- تطور خط الشاطئ بمواضع غابات المانجروف
يعد نشاط عمليات الترسيب المرتبطة بمستنقعات المانجروف واحدًا من أفضل المؤشرات الجغرافية للكشف عن تعديلات في ديناميات المنطقة الساحلية (Lignon et al,,2009,p162)، حيث تعمل شبكة الجذور المعقدة لغابات المانجروف على تصيد الرواسب القادمة من البحر، عبر تيارات المد والجذر وذلك بفضل ما تحدثه هذه الجذور من اضطرابات فى طاقة الأمواج جراء احتكاكها بالجذور الكثيفة وبالتالي جنوح تلك التيارات لإرساب الحمولة العالقة بتلك التيارات أو الأمواج (Furukawa,&Wolanski,1996, pp 3-10).
ونظراً لدور غابات المانجروف في حماية خط الشاطئ من عوامل التعرية فقد قام الباحث باختيار ستة مناطق مختلفة فيما بينها من حيث خصائصها الجيومورفولوجية (وذلك كما هو مبين في شكل (3)) لرصد تغيرات خط الشاطئ بتلك المواضع والكشف عن دور تجمعات المانجروف في حماية خط الشاطئ من عدمه وذلك بمقارنتها بمناطق خالية من المانجروف. وقد اعتمد الباحث على صورة فضائية لعامى 1984 و2013 بفاصل زمنى 30 عاماً. وقد جاءت نتائج القياسات علي النحو الموضح في جدول رقم (7)
شكل (3)
مواقع المانجروف بالمناطق المختارة
جدول (7)
مساحات تراجع خط الشاطئ خلال الفترة من 1984-2013 على مسافة 2كم بطول خط الشاطئ
المنطقة
|
مواضع غابات المانجروف
|
مواضع خالية من غابات المانجروف
|
جزيرة ابو منقار
|
25م2
|
150م2
|
الجونة
|
100م2
|
100م2
|
جزيرة سفاجا
|
75م2
|
130م
|
شرم البحرى
|
42.5م2
|
85م2
|
جنوب سفاجا
|
35.5م2
|
61م2
|
وادى ابو حمرا
|
55م2
|
100م2
|
المصدر: قياسات من الصور الفضائية عامي 1984و 2013.
- يشهد خط الشاطئ بصفة عامة تراجعاً بمعدل يتراوح ما بين 10-80م خلال ثلاثون عاماً بمتوسط عام 1.5 سنوياً.
- يتراجع خط الشاطئ بمعدلات كبيرة، تقترب إلى الضعف في المناطق الخالية من غابات المانجروف، بالمقارنة بمعدلات تراجع خط الشاطئ في مواضع المانجروف التي سجلت معدلات تراجع قليلة. الأمر الذى يعكس دور المانجروف في حماية خط الشاطئ من التراجع بمعدلات كبيرة.
- ثمة تباينات في معدلات تراجع خط الشاطئ باختلاف الخصائص الجيومورفولوجية لمواضع غابات المانجروف؛ حيث نجد أن معدلات تراجع خط الشاطئ تقل في مناطق القنوات المدية وتزداد في مناطق الخلجان ومصبات الأودية بينما تكون بصورة متوسطة في مناطق الشروم.
- يتراجع خط الشاطئ في منطقة الجونة بمعدلات تزيد على ضعف معدلات تغير خط الشاطئ في باقى المواضع. وهذا يرجع بشكل أساسى للتدخلات البشرية واستغلال المنطقة في إقامة منشآت سياحية وما ترتب عن ذلك من إنشاء بحيرات صناعية متصلة بالبحر.
- يعتقد الباحث أن حجم التغيرات التي شهدها خط الشاطئ بمواضع غابات المانجروف لم تنجم بشكل رئيسي عن سيادة عمليات التعرية، خاصة وأن هذه السواحل محمية من الأمواج الهدامة بحكم موفولوجيتها، وأيضاً إحاطتها بأشكال جيومورفولوجية تعمل كحواجز صد للأمواج، وتضعف من طاقتها. ولكن ربما يستند هذا التراجع –خاصة وأنه على طول خط الشاطئ- إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بصفة عامة جراء الاحتباس الحرارى أو ارتفاعه ارتفاعاً مؤقتاً خلال فترات الجشنات البحرية، والتي يتولد عنها أمواج مرتفعة حتى في المنطقة الشاطئية. وقد يكون تزامن فترة التقاط الصورة الأحدث مع هذا الارتفاع المؤقت لمستوى سطح البحر المتمثل أيضاً في فترات المد العادي أو المد الربيعي، وبهذا لا يمكن أن نستنتج أن هناك تراجعات لخط الشاطئ -بمواضع غابات المانجروف بصورة خاصة وعلى السواحل بصفة عامة- مبنياً على قياس من الصور الفضائية إلا بشروط محددة تتمثل في الحصول على صور فضائية متزامنة في التقاطها على مستوى الشهر واليوم والساعة حتى نتفادى أي مؤثرات بحرية أو مناخية وهذا ما صعب على الباحث الحصول عليه.
شكل (4) تغيرات خط الشاطئ بمنطقة الجونة وجزيرة أبو منقار
شكل (5) تغيرات خط الشاطئ بمنطقة سفاجا
شكل (6) تغيرات خط الشاطئ بمصب وادى حمرا وشرم البحرى
ب- الظاهرات الجيومورفولوجية الدقيقة المرتبطة بمستنقعات المانجروف
يرتبط نمو غابات المانجروف بنطاق المد والجزر، وهو ذلك النطاق الذى تغمره المياه في فترة المد وتنحصر عنه أثناء فترة الجزر ويحدث ذلك مرة أو مرتين حسب نوع المد والجزر السائد (يومى- نصف يومى) بالمنطقة ، ويرتبط بتلك النطاقات مجموعة من الظاهرات الارسابية تتباين فيما بينها من حيث أحجامها وفترات بقائها حيث تظهر بعضها في فترات الجزر، وتختفى في فترات المد أو العكس وفيما يلى تلك الظاهرات:
1- مسطحات المد والجزر الطينية: هي عبارة عن مسطحات ساحلية ذات رواسب مفككة ناعمة وطينية تمتد بين أعلى مد وأدنى جزر لذلك تتوقف مساحتها وعرضها على الفارق المدى، ونظراً لارتباط غابات المانجروف في نموها بمناطق الخلجان والمصبات الخليجية والتي تتسم بكبر الفارق المدى بها ، حيث يصل إلى أكثر من 4 أمتار- بالمقارنة بالسواحل المفتوحة –والتي يصل الفارق المدى بها إلى 1 متر. وبالتالي يكون فرص تكون مسطحات المد والجزر بهذه المواضع أكبر وأكثر وضوحاً (محمد صبرى محسوب، 1991، ص ص 57-64).
ولما كان الفارق المدى يلعب دوراً مهماً في تحديد حجم تلك المسطحات، فهو أيضاً له تأثير واضح في تحديد قوة تولد التيارات المدية التي تنشأ عن حركة المياه بين الارتفاع والانخفاض، حيث تلعب تلك التيارات دوراً مهماً في توزيع الرواسب وتصنيفها على طول خط الشاطئ باتجاه اليابس (تامر عمرون، 2001، ص167)، حيث تترسب التكوينات الأكبر حجماً باتجاه اليابس، بينما تترسب التكوينات الأدق حجماً باتجاه البحر، وبالتالي يؤثر ذلك في تباين درجة انحدار تلك المسطحات كلما ابتعدنا عن خط الشاطئ، لنجد أن درجة الانحدار تزداد كلما ابتعدنا عن خط الشاطئ (محمد إبراهيم، ص213). وهذا كشفته الدراسة الميدانية. وترتبط تلك المسطحات المدية بصفة عامة بمصبات الأودية والخلجان واللاجونات والحواجز الشاطئية، وتتلقى تلك المسطحات كميات من الرواسب بواسطة التيارات المدية التي تنقلها إليها من مصادرها المختلفة سواء كانت من قاع البحر أو نتاج عمليات النحت الساحلى أو عمليات نقل الرواسب الفيضية عبر الأودية، أو نتاج لتفتت الرواسب في موضعها، وتعمل غابات المانجروف بواسطة جذورها الشبكية شديدة التعقيد على خفض سرعة تلك التيارات المدية الحاملة لهذه الرواسب وبالتالي جنوحها للإرساب، ومع تكرار عمليات المد والجزر وجنوح تيارات المد للإرساب يزداد سمك تلك المسطحات المدية (أحمد فوزى،2004، ص 125-126).
ونظراً لما تتصف به تلك التيارات من الضعف نتيجة مواجهة المجموع الجذرى لغابات المانجروف لها، فضلاً عن الانحدار الهين للشاطئ الأمامى، وبالتالي تغلب على هذه المسطحات التي ترتادها أمواج المد والجزر سيادة التكوينات الطينية خاصة في نطاق الشاطئ الأمامى، وتسهم الأوراق المتساقطة لغابات المانجروف هي الأخرى في زيادة سمك المسطحات الطينية حيث يؤدى سقوطها إلى ترسيب كميات من الطين والطمى عليها ومن ثم تضيف تجمعات طينية أخرى. (Hegazy,2003,p2) .
2- الجسور الطميية: هي عبارة عن جسور من تكوينات مختلطة من الرمل والحصى والطين السائل تظهر خلال فترات الجزر وغالباً ما تتعرض هذه الجسور الطميية للتلاشى جراء قدوم تيارات مدية أو أمواج شديدة كما أنها تتعرض للهجرة كما حدث ذلك قرابة مصب نهر الأمازون حيث تعرضت الشطوط الطميية للهجرة لمسافة 1500متر خلال ستة عشر سنة (Gardel, et al, 2011,pp)، وتشير دراسة أخرى أن هذه الجسور تعرضت للهجرة لعديد من الكيلومترات على مسافة تقدر 30 كيلو متر وذلك خلال فترة نصف قرن (Fromard, et al, 2004,p265) هذه الهجرة للجسور الطميية تؤثر بالسلب على معدلات نمو المانجروف بصورة طبيعية حيث تكشف الدراسة عن أن هناك علاقة طردية بين تدهور حالة المانجروف و هجرة الجسور الطميية على سواحل مصب نهر الأمازون معللاً ذلك بأن تلك الجسور تعمل على تهدئة التيارات المدية والأمواج وتخلق بيئة محمية تسمح لنمو أمثل لغابات المانجروف فضلاً عن أن تكويناتها طميية تسمح لبادرات المانجروف أن تنمو بصورة أمثل.
صورة (2)
تجمعات الطين أسفل الجذور الدعامية بمنطقة خليج فول جنوب رأس بناس
ناظراً اتجاه الجنوب
تنشأ هذه الجسور بصورة مثلى على مستنقعات المانجروف التي تتخذ من مصبات الأنهار أو الأودية الجافة موضعاً لها وهى تظهر في شكل تموجات من الطين ، تتعرض إلى التجفيف في مرحلة لاحقة جراء عمليات التبخر ومن ثم تشققها فيما يشبه الشقوق الطينية وتلعب تلك الجسور دوراً مهما في الاستعمار السريع والواسع من أشجار المانجروف حيث تعد هذه الشقوق بمثابة الفخاخ الميكانيكية لإكثار المانجروف في مرحلته الأولى.
3- القنوات المدية: هي عبارة عن شبكة من الفروع المتشابكة تقطع الأسطح المدية على سواحل المصبات الخليجية المدية كما هو الحال في سواحل غرب استراليا وسواحل غرب إفريقيا والقنوات المدية بدلتا نهر النيجر. (أحمد فوزى ، 2004، ص127) وتعد تيارات المد والجزر هي المسئولة عن تكونها، وتسهم دورة المد والجزر المنتظمة في الحفاظ على شكل القنوات وعمقها (Aucan & Ridd,2000,p223)، تمتد القنوات المدية تاركة مساحات واسعة لتنمو فوقها النباتات التي تعمل بدورها على تماسك جوانبها بما تضيفه إليها من رواسب عضوية، إلى جانب بقايا الأحياء الحيوانية النباتية التي تختلط بالتكوينات الطينية التي تأتي من مياه المد والرياح. وتتحرك المياه داخل قنوات المد في شكل تيارات مدية مركزة تعمل على زيادة تعميقها وتوضيح مجاريها فوق أسطح المستنقعات حيث تتميز سرعة المياه داخل تلك القنوات بعدم التماثل حيث تعد من الخصائص الهيدروديناميكية البارزة خاصة القنوات المدية المرتبطة بمستنقعات المانجروف، وفي كثير من الأحوال تحاط المداخل المدية للبحيرات الساحلية بسبخات ملحية ومستنقعات المانجروف التي تتعرض للغمر المدي بشكل منتظم بفعل تقدم المياه عبر القنوات المدية، وترتبط أحجام القنوات المدية بأحجام المستنقعات المحيطة بها وأيضاً كثافة الأشجار، وتتسم القنوات المدية بصغر أبعادها وعدم وضوح جوانبها بمنطقة الدراسة وربما يفسر ذلك بقلة الفارق المدى على ساحل البحر الأحمر.
صورة (3)
نمو غابات المانجروف فى قنوات المد، ويتضح نموها فى المناطق المحمية من الأمواج بمصب وادى أبوحمرا
ناظراً اتجاه الجنوب الشرقى
4- برك المد والإذابة: من الملامح أيضا برك الإذابة التي تبدو أكثر وضوحا وأكبر مساحة من مثيلاتها بالسبخات الملحية وتنشا هنا عن عملية إذابة وتجوية في مواضع الضعف الصخري من شقوق وفجوات تتميز بها السواحل المدارية وخاصة تلك التي تقل بها الأمطار أو تكون فصلية في سقوطها، وترتبط هذه البرك بشكل رئيسي بمسطحات الشعاب المرجانية، باعتبارها المسرح الرئيسى لنشاط عمليات الإذابة نظراً لارتفاع نسبة الكربونات، فضلاً عن نشاط الكائنات الحفارة التي تعيش فوق هذه المسطحات، أما فيما يخص برك المد فهى عبارة عن تجمعات من المياه ذات مساحات قليلة تظهر بعد انحسار مياه المد وذلك لتستقر في المناطق المنخفضة على طول المسطحات المدية، وتعد هذه الظاهر من الظاهرات المؤقتة التي تختفى بحلول مياه المد، وتنفصل هذه البحيرات عن بعضها بواسطة بعض الظاهرات المؤقتة الأخرى مثل جزر المد.
ج- خصائص رواسب مستنقعات المانجروف
تعد مستنقعات المانجروف من بيئات الإرساب البحرى، حيث تعتبر مخزناً للرواسب ويمكن تحديد ثلاثة مصادر لتلك الرواسب التي تتشكل منها جيومورفولوجية مستنقعات المانجروف وهى الرواسب القارية القادمة بواسطة الأنهار أو عبر الأودية الجافة خلال فترات السيول، أو بواسطة الأمواج والتيارات المدية حيث تعمل الأشجار العالية بجذورها الهوائية المتشعبة إلى الحد من سرعة المياه المحملة بالغرين مما يجعلها تجنح إلى الإرساب، فضلا عن مقدرة تلك الجذور على تصيد الرواسب القادمة من البحر عبر تيارات المد والجذر وذلك بفضل ما تطفيه هذه الجذور من حدوث اضطرابات فى طاقة الأمواج جراء احتكاكها بالجذور الكثيفة(Furukawa &Wolanski, ,1996, pp 3-10) . ومن ثم ترشيح المواد العالقة في عمود الماء مثل الطمي أو الرمل الناعم، فتترسب بين الجذور الهوائية لتزيد من رقعة اليابسة في بيئة القرم، ومن هنا جاءت تسمية القرم بباني الجزر (محمد عبد القادر ،2012، ص10). أما عن آخر تلك المصادر يتمثل فيما يضاف إلى السطح من أوراق أغصان وجذور تتحلل لتضاف كمادة عضوية في التربة ويظهر شكل (7) الذى يوضح ميزانية الرواسب بمستنقعات غابات المانجروف.
المصدر: نقلاً عن Ellison,2009,p574 بتصرف
شكل (7) ميزانية الرواسب بمستنقعات المانجروف
نظراً لتعدد مصادر الرواسب بمستنقعات المانجروف، فضلاً عن استيطان هذه الغابات في سواحل لها خصائص جيومورفولوجية متباينة كما يتضح من جدول (8) لذلك فإنه ثمة اختلافات لهذه الرواسب من حيث كميتها وطبيعة ترسيبها وخصائصها الكيميائية والحجمية والعضوية.
جدول (8)
الخصائص الجيومورفولوجية لسواحل المانجروف حول العالم
الخصائص الجيومورفولوجية
|
سواحل تهيمن عليها الأنهار
|
سواحل يهيمن عليها المد والجزر
|
سواحل تهيمن عليها الأمواج
|
سواحل تهيمن عليها الأنهار والأمواج
|
سواحل الوديان الغارقة
|
خصائص الموضع الجيومورفولوجية
|
فروع الدلتا
|
مصبات الأنهار والجزر المستطيلة
|
الجزر الحاجزية واللاجونات
|
الفروع واللاجونات
|
مصبات الأنهار المفتوحة
|
الرواسب
|
منقولة
|
منقولة
|
محلية (أصلية)
|
منقولة
|
محدودة
|
معدل المد والجزر
|
منخفض
|
عالى
|
جزئى
|
جزئى
|
جزئى
|
موقع المانجروف
|
باتجاه حافة البحر والفروع
|
القنوات المدية والجزر
|
على جانب اللاجونات
|
الفروع المهجورة واللاجونات
|
أفواه روافد الأنهار
|
العمليات المهيمنة
|
تصريف المياه العذبة
|
تيارات المد والجزر
|
طاقة الموجة
|
طاقة الموجة وتصريفات الأنهار
|
مستوى سطح البحر
|
نماذج لمواقع المانجروف
|
لا يوجد
|
جزيرة أبو منقار
|
جزيرة سفاجا
|
وأدى الجمال
|
شرم البحرى
|
المصدر: Ellison,2009,p.567 بتصرف
وبالنظر للمواقع الخمسة يمكن تصنيفهم إلى ثلاثة مستويات طبقاً لطبيعة واتجاه التدفق، فهناك مواقع تسيطر عليها تدفقات أحادية الاتجاه مثل المناطق التي تسيطر عليها الأنهار، بينما هناك مناطق تسيطر عليها تدفقات ثنائية الاتجاه مثل المناطق التي تقع في الفئات الثانية والثالثة والرابعة، بينما الموقع الخامس يتميز بالثبات من حيث طبيعة التدفق، هذه المستويات المتباينة من حيث طبيعة واتجاه التدفقات تكشف ثمة تباينات في طبيعة الرواسب، وذلك من حيث كونها رواسب منقولة أم رواسب محلية.
أما فيما يخص الخصائص العضوية والمعدنية لعينات الرواسب فيتراوح الرقم الهيدروجينى لتربة غابات المانجروف ما بين الدرجة المحايدة إلى الحموضة العالية جداً وذلك وفقاً لحجم المواد العضوية المحللة من قبل البكتريا، ووصل الرقم الهيدروجينى بعينات الرواسب إلى نسبة تتراوح ما بين 6.9-7.9، وتباينت نسبة المعادن باختلاف الملمح الجيومورفولوجى التي أخذت منه العينة حيث ارتفعت نسبة معادن الكربونات ذات الأصل العضوى (الأرجوانيت والكالسيت) في مناطق القنوات المدية والخلجان، بينما سجلت معادن السليكات (الكوارتز والفلسبار) نسب مرتفعة تقترب نسبتها من نسبة معادن الكربونات في المناطق المرتبطة بمصبات الأودية وهذا يعكس أصول هذه الرواسب حيث ترتبط الرواسب التي ترتفع فيها نسبة الكربونات بأصولها للشعاب المرجانية، بينما ترتبط الرواسب التي ترتفع فيها نسبة السليكات بأصولها لرواسب الأودية التي قدمت إلى المنطقة الشاطئية عبر مياه السيول.
أما فيما يتعلق بتجانس الرواسب ونوعيتها نجد أن الخصائص الجيومورفولوجية لبيئات المانجروف تؤثر في طبيعة تجانس الرواسب، لنجد أن الرواسب في بيئات المانجروف النهرية أكثر تجانساً من رواسب بيئات المانجروف التي تسيطر عليها مياه المد والجزر، كما تؤثر أيضاً في نوعية الرواسب حيث نجد أن بيئات المانجروف النهرية تتركز المواد العضوية بشكل أكبر في النطاق الأوسط (نطاق الشجيرات) بينما تتركز المواد العضوية في البيئات التي تسيطر عليها مياه المد والجزر في القطاع الهامشى.
أما فيما يتعلق بالخصائص الحجمية للرواسب يتضح ارتفاع نسبة الطين في جميع العينات حيث تشكل النسبة السائدة وتراوحت أحجامها ما بين 25.2- إلى 37.2% من حجم العينات، وتتناقص كميات الرواسب بصورة مضطردة كلما كبرت الفئة الحجمية للرواسب وصولاً لفئة الجلاميد والتي تمثل أقل الفئات الحجمية حيث تراوحت أحجامها ما بين 0.2 -1.8% من حجم العينة، ويتضح بصورة جلية وجود تباينات كمية في الفئة الحجمية الواحدة باختلاف الملمح الجيومورفولوجى حيث ترتفع نسبة الطين في العينات المأخوذة من القنوات المدية أكبر من باقى العينات المأخوذة من ملامح جيومورفولوجية أخرى وبالمثل نجد انخفاض نسبة الجلاميد في العينات المأخوذة من تلك القنوات المدية بالمقارنة بباقى العينات وهذا يفسر بأن أغلب الرواسب بحرية بالإضافة إلى سيادة نشاط البكتريا في تحليل الأغصان والأوراق المتساقطة وتحويلها إلى طين، فضلاً عن قلة الرواسب القارية.
جدول (9)
الخصائص الحجمية لرواسب مستنقعات المانجروف
رقم العينة
|
مكان العينة
|
الملمح الجيومورفولوجى
|
جلاميد
|
حصى
|
رمل خشن جدا
|
رمل خشن
|
رمل متوسط
|
رمل ناعم
|
رمل ناعم جدا
|
طين
|
الاجمالي
|
أكبر من 4مم
|
2-4مم
|
1-2مم
|
0.5-1
|
0.25-0.5مم
|
0.125-0.250مم
|
0.63-0.125مم
|
أقل من 0.63
|
||||
1
|
الجونة
|
خليج
|
1.8
|
3
|
7.5
|
9.2
|
11.7
|
17.5
|
22.1
|
27.2
|
100%
|
2
|
ابومنقار
|
قناه مدية
|
0.2
|
1.6
|
3.9
|
4.2
|
9.8
|
16.7
|
26.4
|
37.2
|
100%
|
3
|
جنوب سفاجا
|
خليج
|
1.7
|
3.3
|
7.2
|
9.3
|
11.2
|
16.7
|
23.1
|
27.5
|
100%
|
4
|
وادى ابوحمرا
|
وادى
|
1.8
|
4.2
|
5.8
|
11.2
|
13.4
|
17.8
|
20.6
|
25.2
|
100%
|
5
|
الشرم البحري
|
شرم
|
1.4
|
2.4
|
5.3
|
7.4
|
11.4
|
15.8
|
22
|
34.3
|
100%
|
6
|
مرسى شجرة
|
مرسى
|
0.4
|
1.1
|
3.1
|
8.9
|
12.9
|
17.2
|
26.4
|
30
|
100%
|
المصدر:
الدراسة الميدانية نتائج تحليل العينات
خامساً: تصحر غابات المانجروف
على الرغم من الفوائد البيئية لأشجار القرم وأهميتها الاقتصادية ودورها الحيوي لسكان المناطق الساحلية إلا أنها تواجه عديد من المخاطر الرئيسية التي تتعرض لها تلك النباتات والتي تهدد وجودها واستمراريتها. ففي كثير من المناطق الساحلية بالعالم، تتعرَّض غابات القرم للتدهور والاندثار على الرغم من صمود غابات المانجروف عبر آلاف السنين أمام كثير من التهديدات التي تواجهها بمرونة عالية حيث صمدت أمام العواصف الشديدة والتغيرات في مناسيب المد والجزر، إلا أنها –الآن- تواجه تعديات ضخمة تفوق قدرتها الاستيعابية على التحمل الأمر الذى يفسر تناقص مساحاتها على مستوى العالم من 181000كم2 إلى مساحة تتراوح بين نصف وثلثى المساحة السابقة في غضون خمسون عاماً، وهذا يعنى أن هذه الغابات من أكثر الموائل المهددة في جميع أنحاء العالم (Alongi,2002,p331)، ويفوق تهديدها التهديات التي تعرضت وتتعرض لها الغابات الاستوائية (Gattenlöhner,et al, 2007,pp.44-46). وتتمثل هذه الاجهادات في جوانب عديدة منها ما هو طبيعى أو بشرى، وتقتصر الدراسة الراهنة على عرض هذه الاجهات التي تتعرض لها غابات المانجروف بمنطقة الدراسة فقط دون الإشارة إلى الاجهادات التي تتعرض لها الغابات بصفة عامة.
أ- الاجهادات الطبيعية:
تُعد الاجهادات الطبيعية سببا رئيسيا لتدهور نمو نباتات القرم، فلا يقل دورها من حيث التأثير على النباتات عن تأثير الاجهادات البشرية. وتتعد الاجهادات الطبيعية التي تشكل تهديداً صارخاً على بيئة المانجروف ولكنها تقتصر في منطقة الدراسة على الجوانب الآتية:
1- قلة المياه العذبة: يأتي نقص المطر والرطوبة على رأس هذا العامل. فندرة الأمطار تؤدي إلى نقص إمداد الماء العذب اللازم لنمو هذه النباتات مما يسبب زيادة في ملوحة البحر، وفقد كميات الطمي الغنية بالمواد الغذائية التى كانت ترفد إلى شاطئ البحر حيث ينمو النبات، وهذا يؤدى بدوره إلى عدم قدرة البادرات على اختراق التربة لتثبيت نفسها ومواصلة النمو (محمد عبد القادر ،2012، ص21)، أيضاً تسهم ملوحة البحر في تدهور نمو البادرات بعد أن تنبت، نظراً لحاجتها لكميات مناسبة من المياه العذبة وعدم قدرتها على استخلاصها من المياه المالحة في فترة النمو الأولى. كما أن نقص الرطوبة في الجو يقلل من فرص حدوث نضج كامل للبذور أثناء وجودها بالأشجار الأم حيث تحتاج هذه البذور لتوافر نسبة رطوبة مرتفعة في الجو حتى تمكنها من النضج نظراً لحاجتها لنسبة من المياه العذب في فترة النضج وتقوم تلك البذور باستخلاصها من الغلاف الجوى، بالنظر لكميات المطر والرطوبة بمنطقة الدراسة نجدهما عند درجة الندرة بما لا يكفى بشكل جيد لنمو غابات المانجروف، والتي تقع في واجهة ساحلية لمنطقة صحراوية قاحلة نادرة المطر إلا ما ندر في المنطقة الجنوبية، وعلى الرغم من أن ساحل البحر الأحمر هو نطاق نفوذ الضغط المنخفض الاستوائى والذى يصاحبه غالباً تساقط كميات من الأمطار الفجائية الغزيرة والتي ينجم عنها سيول عارمة، إلا أنه بالنظر للسجل التاريخى للسيول بمنطقة الدراسة نجده سجل لم يخلو من سيول ولكنها تأتى على فترات متباعدة تتراوح في أغلب الأحوال ما بين أربعة إلى عشرة سنوات، وهذا لا يتوافق بيئياً مع نبات القرم الذى يحتاج بشكل مستمر –دون انقطاع- للمياه العذبة على الرغم من تفوقه على كثير من النباتات من حيث تحمله لدرجات مرتفعة من الملوحة (Gattenlöhner,2007,p.46).
2- تذبذب درجات الحرارة: يشير التراث البحثى إلى أن أشجار المانجروف تنمو بصورة مثلى في درجات حرارة متوسطة الارتفاع، وتميل في نموها إلى عدم حدوث ذبذبات كبيرة في درجات الحرارة على المستوى اليومى والفصلى أيضاً ، وبتحليل عنصر الحرارة وجد أن بيانات الحرارة سواء كانت العظمى أو الصغرى والمدى الحرارى بعيدا كل البعد عن الخصائص الحرارية المثلى لبيئة المانجروف، وهذا ربما يعكس قلة كثافته وانتشاره على هيئة مناطق منفصلة غير نطاقية.
3- الطحالب: تتسبب الطحالب الخضراء (خلال فصل الشتاء) والطحالب البنية (خلال فترة الربيع) في تغطية الشتلات الصغيرة، مما يؤدي إلى إعاقة عملية التمثيل الضوئي. كما أن تغطية تلك الشتلات بالطحالب يؤدي إلى تمايل تلك الشتلات على الأرض، ومن ثم تتمزق أوراقها بفعل حركة المد والجزر. وفي كثير من الأحيان تموت الشتلة الصغيرة من جراء ذلك، فضلاً عن ذلك فإن هذه الطحالب تمنع النباتات من التنفس بشكل طبيعى حيث تقوم بحجب الجذور التنفسية عن الأوكسجين الموجود بالغلاف الجوى.
صورة (4)
نمو الطحالب الخضراء على الجذور التنفسية لغابات المانجروف جنوب سفاجا
ناظراً اتجاه الجنوب الشرقى
ب- الاجهادات البشرية: تتعدد الاجهادات البشرية التي تؤثر بالسلب على حياة المانجروف بين أنشطة ترتبط بالتنمية العمرانية والصيد والرعى الجائر وقطع الأشجار وإلقاء المخلفات الصلبة والملوثات النفطية، وتصبح أشجار المانجروف أمام تهديد كبير يواجهها من قبل تعدد الأنشطة البشرية، حيث تتميز هذه الأشجار بقدرتها على تنظيف البيئة واستيعاب الملوثات ولكن إذا ما زادت تلك الملوثات عن الحد المسموح به تؤدى ذلك إلى دمار لهذه الغابات، وفيما يلى التهديدات البشرية التي تواجه غابات المانجروف بمنطقة الدراسة.
1- التجمعات العمرانية والمشروعات السياحية: تشهد منطقة الدراسة تنمية عمرانية ضخمة في مجال التنمية السياحية خاصة المنطقة الشاطئية وذلك نحو الاستفادة القصوى من المسطحات المائية، ويترتب عن ذلك حدوث عمليات ردم لبعض المستنقعات والبيئات الرطبة ورصف لطرق موازية للساحل مما يؤدي إلى قطع الطريق أمام مياه الأمطار التي تتساقط على المناطق المجاورة، فلا تصل إلى السواحل حيث تنمو نباتات القرم. كما تتسبب التجمعات العمرانية التي تشيد على السواحل في تغيير الملامح الطبيعية للأودية، ومن ثم لا تصل المياه العذبة إلى السواحل حيث ينمو القرم. وينتج عن تلك المشروعات والتجمعات - التي تقام على السواحل - كميات كبيرة من المخلفات التي تضر ببيئة القرم. حيث شاهد الباحث أثناء الدراسة الميدانية مخلفات صلبة وأكياس بلاستيكية تطوق جذور بعض النباتات مما تمنع من حدوث تنفس طبيعى لهذه النباتات.
صورة (5)
إلقاء المخلفات الصلبة على مستنقعات المانجروف مما تُعيق الجذور التنفسية عن أداء وظيفتها بمنطقة الجونة
ناظراً اتجاه الشرق
صورة (6)
إنشاء الطرق الساحلية المتعامدة على مجارى الأودية مما تمنع وصول المياه العذبة لمستنقعات المانجروف
ناظراً اتجاه الشرق
2- الرعى والقطع الجائر: تعد أشجار المانجروف "الشورى" نباتًا مفضلا للجمال خاصة الثمار الصفراء الأمر الذى يضر كثيراً بالنباتات (عادل مجاهد ،2004،ص23)، وتنتشر مهنة تربية الجمال انتشارًا واسعًا في المنطقة الصحراوية المحاذية للشريط الساحلي، وهي منطقة ذات مناخ صحراوي جاف، لا توجد بها أشجار أو مراعي مناسبة للجمال، فإن الرعاة يقومون برعيها في المنطقة الساحلية على أشجار المانجروف "الشورى"، كما يعد القطع الجائر للأشجار من الأخطار التي تواجه مستعمرات المانجروف على الساحل حيث يلجأ السكان لقطع الأشجار لاستخدامها في جوانب عده منها ما يتم استخدامه كوقود أو فى صناعة قوارب الصيد أو سقف منازلهم بأغصان هذه الأشجار .
صورة (7)
قطع جائر لأشجار المانجروف ويتضح بروز سيقان أشجار المانجروف المتبقية بالشرم القبلى
ناظراً اتجاه الجنوب الشرقى
صورة (8)
رعى الجمال بمستنقعات المانجروف بالشلاتين
ناظراً اتجاه الشرق
3- التلوث النفطي: يتسبب التلوُّث النفطي في إتلاف العديد من أشجار القرم. فالأنشطة المرتبطة باستخراج البترول والغاز الطبيعي ينتج عنها زيوت وشحوم وأبخره تلوث مياه البحر، وتؤدي إلى موت البادرات. وتتصلب الزيوت النفطية السميكة حول جذور نبات القرم، مما يؤدي إلى منع تكاثره ومنع تنفسه، كما أظهرت الدراسات الحديثة أن الوسط الترسيبي لهذه النباتات يقوم بدور كبير كمصدر للمواد السامة إذا ما تعرّض للتلوث النفطي، حيث يقوم بتجميع نواتج تكسير وتحلل النفط. ويظهر تأثير هذا بشكل كبير في مرحلة لاحقة)بعد عدة سنوات( حيث يؤدي هذا التلوث إلى القضاء تدريجياً على أشجار القرم التي كانت في حالة جيدة قبل حدوث ذلك. (محمد عبد القادر ،2012، ص25). وأظهرت دراسة (Chindah, et al,2011,pp 275-284) تعرض غابات المانجروف للتدهور في مصب نهر النيجر بنيجيريا إثر تعرض الشواطئ لانسكاب النفط الخام حيث تعرضت مساحات كبيرة للتلف وتساقط أوراق النباتات.
وعلى الرغم من أن مواضع المانجروف بمنأى عن مواضع استخراج البترول التي تتركز في الجزء الشمالى من البحر الأحمر خاصة خليج السويس إلا أنها تتأثر بدرجة كبيرة بحوادث التلوث البترولى التي تقع بالمياه الشاطئية أو حتى العميقة والتي تنقلها الأمواج إلى الشاطئ، والسجل التاريخى لحوادث التلوث النفطي بالبحر الأحمر حافل بتلك الحوادث (أحمد زايد، 2006، ص ص 101-115). كما حدث لأشجار المانجروف جنوب سفاجا من تسرب لزيوت البترول مما أدى إلى تصلبها حول جذور النباتات الأمر الذى حال دون تكاثره وتنفسه بشكل طبيعى .
سادساً: نتائج الدراسة
- تتباين العوامل المؤثرة في نمو وتوزيع غابات المانجروف فيما بينها من حيث درجة تأثيرها في نمو غابات المانجروف حيث نجد تأثر نمو غابات المانجروف بمعدلات أكبر بالعوامل المناخية والجيومورفولوجية بالمقارنة بدرجة تأثره بالعوامل الهيدروجرافية والفزيوغرافية .
- ثمة تباينات مكانية في خصائص الرواسب من حيث أحجامها وخصائصها العضوية والمعدنية باختلاف الملمح الجيومورفولوجى التي ترتبط به غابات المانجروف.
- حدوث تراجعات لخط الشاطئ حتى في المواضع التي تستعمرها غابات المانجروف.
- انخفاض معدلات تراجع خط الشاطئ في المواضع التي تستعمرها غابات المانجروف بالمقارنة بمعدلات تراجع خط الشاطئ في المناطق الخالية من المانجروف.
- تعد التهديدات البشرية (خاصة التنمية السياحية) أكثر التهديدات التي تواجه غابات المانجروف والتي ربما قد تودى بها خلال فترة زمنية قصيرة.
المراجع والمصادر
1- أحمد زايد، (2006)، المخاطر الجيومورفولوجية بمراكز
العمران الرئيسية على ساحل البحر الأحمر، دراسة في الجيومورفولوجيا التطبيقية،
رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الجغرافيا، كلية الآداب جامعة القاهرة.
2- أحمد فوزى (2004) الأشكال الارسابية على ساحل البحر
الأحمر فيما بين رأس أبو سومة شمالا وحنكراب جنوبا: دراسة جيومورفولوجية،
رسالة دكتوراه غير منشورة، قسم الجغرافيا، كلية الآداب، جامعة جنوب الوادي.
3- تامر عمرون (2001) جيومورفولوجية أحواض التصريف
النهرى والنطاق الساحلى للبحر الأحمر فيما بين رأس العش ومصب وادى الملاحة،
رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الجغرافيا، كلية الآداب ، جامعة القاهرة.
4- جهاز
شئون البيئة، (2012)، التقرير السنوي لرصد نوعية المياه الساحلية في البحر
الأحمر و خليجي السويس والعقبة خلال عام 2011، القاهرة، متاح على الموقع
الالكترونى http://www.eeaa.gov.eg/eimp/coastalwater_reports.html
5- الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئية، (2006) الإدارة
المتكاملة للمناطق الساحلية بجيزان، الوضع الراهن، المملكة العربية السعودية،
متاح على الموقع الالكترونى http://www.pme.gov.sa/Jazan-Report/Part-01/Part-04.pdf، إمارة منطقة جيزان.
6- طارق كامل (2005) جيومورفولوجية الشعاب المرجانية في
البحر الأحمر بمصر، رسالة دكتوراه غير منشورة، قسم الجغرافيا، كلية الآداب،
جامعة حلوان.
7- عادل مجاهد (2004) تحليل الأوضاع الاجتماعية
والاقتصادية في المنطقة الواقعة بين مدينتي ميدى واللحية، الجمهورية اليمنية،
الهيئة العامة لحماية البيئة، برنامج الأنشطة النموذجية، متاح على الموقع
الالكترونى http://www.yemen-nic.info/contents/Fish/ez7.pdf
8- كمال حسين، (2003) الأيكات الساحلية في المنطقة العربية،
مجلة أسيوط للدراسات البيئية، العدد 25 ص ص173-180.
9- محمد إبراهيم، (2007) جيومورفولوجية السهل الساحلي
للبحر الأحمر بين القصير ومرسى علم وأثرها على السياحة، دراسة تطبيقية، رسالة
ماجستير غير منشورة، قسم الجغرافيا، كلية الآداب جامعة القاهرة.
10-محمد صبرى محسوب (2006) ، الجزر العربية، مكتبة
الأنجلو المصرية، القاهرة.
11-محمد صبرى محسوب، (1991) جيومورفولوجية السواحل،
دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة.
12-محمد عبدالقادر (2012) أشجار القرم (الشورى)، المنظمة
الإقليمية لحماية البيئة البحرية، سلسلة البيئة البحرية العدد2، ص ص 1-27.
13-هيئة موانئ البحر الأحمر(2007) ، حركة مياه المد والجزر،
البحر الأحمر، تقارير غير منشورة .
14-وفاء محروس (2003) أهمية استزراع المانجروف للتنمية
المستدامة على ساحل البحر الأحمر، مجلة أسيوط للدراسات البيئية، العدد 25 ص
ص121-128.
15-هيئة الأرصاد الجوية، بيانات غير منشورة، خلال الفترة من
1990-2010.
16-
Adame,
M., Neil, D. , Wright,S., Lovelock, C. (2010), Sedimentation within and Among
Mangrove Forests along Agradient of Geomorphological Settings, Estuarine,
Coastal and Shelf Science Vol. 86 pp 21–30.
17-
Alongi, D.(2002), Present state
and future of the world’s mangrove forests, Environmental Conservation,
Vol. 29 No.3, pp. 331–349.
18-
Aucan,J. & RiddTidal,P.
(2000) Asymmetry in Creeks Surrounded by Saltflats and Mangroves with Small
Swamp Slopes, Wetlands Ecology and Management, Vol.8pp.
223–231.
19-
Chindah A.C., etal (2011) Effect
of Crude Oil on the Development of White Mangrove Seeding (Avicennia Germinans)
in the Niger Delta, Nigeria, journal of Environment Study. Vol.20
No.2 pp 275-284.
20-
Ellison, J. (2009) Geomorphology
and Sedimentology of Mangroves,(pp565-591) in G. Perillo, E. Wolanski, D.
Cahoon, M. Brinson,(eds) Coastal Wetlands: An Integrated Ecosystem
Approach, Available on the website: www.elsevier .com/ locate/
permissionusematerial.
21-
Fromard, F. et al.(2004)
Half
A century of Dynamic Coastal Change Affecting Mangrove Shorelines of French
Guiana. A case Study based on Remote Sensing Data Analyses and Field Surveys , Marine
Geology, Vol.208 , pp. 265–280.
22-
Furukawa,
K.&
Wolanski,
E.(1996) Sedimentation in Mangrove Forest, Mangarove
and Salt Marshes , vol. 1 Issue 1 pp 3-10.
23-
Gardel, A. & Gratiot, N.
(2006), Monitoring of Coastal Dynamics in French Guiana from16Years of SPOT
Satellite Images, Journal of Coastal Research, Special Issue
39,pp 1502 - 1505 .
24-
Gardel, A. et al, (2011) Wave-Formed Mud Bars: their Morphodynamics and Role in Opportunistic
Mangrove Colonization, Journal of Coastal Research, Special Issue
64,pp384
– 387.
25-
Gattenlöhner, U.,Lampert,
S.,Wunderlich, K. (eds) (2007), Mangrove
Rehabilitation Guidebook ,Reestablishment of Livelihoods in Sri
Lanka, Germany: Global Nature Fund.
26-
Hegazy,A.K (2003) Rehabilitation,
Conservation and Sustainable Utilization Of Mangroves In Egypt, Cairo: Ministry of Agriculture and
Environment, FAO.
27-
Khalil,A.S.M. (2004) Status
of Mangroves in the Red Sea and Gulf of Aden, The Regional
Organization for the Conservation of the Environment of the Red Sea and Gulf of
Aden, Saudi Arabia: Technical Series No. 11.
28-
Kholeif,S.E.A. (2007) Palynology
of Mangrove Sediments in the Hamata Area, Red Sea Coast, Egypt: Vegetation and
Restoration overview, Restoration of Coastal Ecosystems,Coastline
Reports 7 ,pp. 5 – 16.
29-
Kumar, A., Asif Khan,M.,
Muqtadir,A. (2010) Distribution of Mangroves along the Red Sea Coast of the
Arabian Peninsula: Part-I : the Northern Coast of Western Saudi Arabia, Journal
Earth Science India, Vol. 3 No I, pp. 28-42.
30-
Lignon, M. et al, (2009) Analysis
of Mangrove Forest Succession, Using Sediment Cores: A case Study In the
Cananela- Iguape Costal System, Saopaulo- Brazil, Brazilizn Journal Of
Ocenography, Vol. 57 No 3pp161-174.
31-
gowan, T. (2006), An
Assessment of Mangrove Forest Structure in the Las Perlas Islands,Panama, Submitted
as part assessment for the degree of Master of Science in Marine Resource
Development and Protection, School of Life Sciences Heriot-Watt University,
Edinburgh.
32- Yoshikawa,
K. et al, (2011) Forest Structure of
Gray Mangrove (Avicennia Marina) along Egyptian Red Sea Coast, Science Faculty
Agriculture, Okayama University.
Vol. 100 pp39-51.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق