التسميات

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2019

جغرافية المدن بين النظرية والتطبيق (محاضرات) - أ.م.د. محمد الموسوي


جغرافية المدن بين النظرية والتطبيق (محاضرات)


أ.م.د. محمد الموسوي


أهميتها وأهدافها:
   المدينة مستوطنة حضرية ذات كثافة سكانية كبيرة ولها أهمية معينة تميزها عن المستوطنات الأخرى. يختلف تعريف المدينة من مكان إلى آخر ومن وجهة نظر إلى أخرى.
   تعد ظاهرة نشوء المدينة من الظواهر التاريخية القديمة حيث نشأت دويلات المدن في بلاد وادي الرافدين, منذ عصر فجر السلالات  (300-2500 ق. م) ، ثم انتشرت في الهند والصين بعدها انتقلت هذه الظاهرة إلى الإغريق والرومان  ثم إلى الدولة الإسلامية ، وقد استرعى انتشار ظاهرة بناء المدن اهتمام المخططين والجغرافيين  الأوائل، لما لها من مقومات مناخية وطبوغرافية وعسكرية وإنسانية عند شروعهم في تمصير مدنهم الأولى .

   تعد جغرافية المدن أحد فروع الجغرافية البشرية ، وهي فرع حديث في حقل الجغرافية ولم يحتل المكانة المناسبة له إلا في أربعينيات القرن المنصرم, وذلك لتعدد مشاكل المدن وتزايدها نتيجة لتزايد سكان المدن, وبأعداد كبيرة متتالية, بشكل لم يسبق  له مثيل، جعل من الجغرافيين لما درسوه نظريا من تحليل العلاقات بين المكان والإنسان عنصرا فاعلا في المساهمة بالدراسات التي تساهم بشكل أفضل في حل مشاكل المدن وعلاقاتها الإقليمية، ونظرا إلى أن أي علم من العلوم ينقسم إلى قسمين نظري وتطبيقي وكل منهما يكمل الآخر، فإن الجغرافي المتخصص بدراسة جغرافية المدن بشكل خاص يكون قد قدم مادة دقيقة عن المدينة, وقدّم توقعات نحو تطويرها في المستقبل، وهو نظري في ذلك, إلا أنه سرعان ما يصبح تطبيقاً إذا ماساهم في الإفادة لتكون المدينة بشكل أفضل، وبما أن  الجغرافي في مجال المدن هو من سكان المدينة غالباً لذا فهو الذي يقيم المدينة التي يسكنها وينظر في تطويرها مستقبلا ونظراً لانتشار المدن ونموها السريع, خاصة بعد تطور الصناعة التي من خلالها تطورت مواد البناء وتكنولوجيا البناء والتعمير ووسائل النقل, فإن ذلك يعتبر ميدانا واسعاً يمكّن الجغرافي أن يساهم فيه مساهمة فاعلة بما لديه من خبرة وتدريب في إيجاد الحلول المناسبة ، ولا تختلف جغرافية المدن عن الجغرافية بشكل عام ، إذ تعتبر الجغرافية  أُم العلوم, وبهذا تتهم بأنها علم يأخذ من كل العلوم  الأخرى، لذا يحاول الجغرافي إيجاد شخصية مختصة به، إذ إن الجغرافية  علم يبحث في أسباب توزيع الظواهر الطبيعية أو البشرية، فالتوزيع المكاني  للظواهر ما هو إلا  وسيلة نحو فهم أفضل للظاهرة البشرية  الحضرية وليس غاية في حد ذاته، إذ أن التوزيع يصف الظاهرة ولا يحللها ، ولهذا يقوم الجغرافي بتحليل المتغيّرات التي أوجدت أو أثرت في توزيع معين لهذه الظاهرة, وبهذا يكون قد بحث عن وظيفة الظاهرة وليس مجرد الاكتفاء بوصفها وصفاً سطحياً بسيطاً لا يعطي للموضوع بعدًا جغرافيًا ، عكس الذي يبيّن الأسباب الجغرافية الطبيعية والبشرية  التي ساهمت في تكوين هذه الظاهرة، بهذا يمكن أن نبيّن ان  جغرافية المدن شأنها في ذلك شأن بقية فروع الجغرافية, إلا إنها ضمن إطار المدينة لكون المدينة جزءاً من أقاليم جغرافية أكثر اتساعاً ، فكان ميدانهم دراسة الاختلافات الإقليمية في توزيع المدن ، لأن المدينة ليست معزولة عما يحيط بها من مناطق ريفية أو مدن, بل هي كائن عضوي يؤثر ويتأثر بما يحيط به من مناطق ريفية أو حضرية .
- نشأة المدينة
      تتعلق نشأة المدينة بعملية التحول من حياة الكهوف إلى حياة المدينة ، والحياة الأولى هي تلك الحياة التي عاشها الإنسان منذ فجر التاريخ ثم انتقل بعدها إلى القرية ومن ثم أدى تطور القرية إلى نشأة المدينة.
    لقد سبق ظهور القرية فيض في المواد الغذائية مما جعل الإنسان يفكر في الحصول على هذا الطعام بصورة سهلة ومريحة ، وهذا الفكر دفعه إلى القرب من الطعام الفائض فكان للتجمع السكاني أساساً لنشأة المدينة الأولى.
   وتوسعت بعض الآراء وعللت نشأة المدن بعوامل كثيرة ، إضافة إلى الغذاء وجود نواحي علمية وأدبية وفنية وسياسية ، وتذكر المصادر التاريخية أن بدايات ظهور المدن كانت في وديان الأنهار، خصوصا في بلاد الرافدين وعند ضفاف النيل ووادي السند       كان ذلك في أوائل الألف الرابع قبل الميلاد ، كما أرتبط وجود المدن في هذه المناطق مع وجود الأراضي الصالحة للزراعة وإنتاج الغذاء الفائض واقترن ذلك أيضاً بتقدم العلم والمعرفة والقدرات الفنية، ومن أهمها استعمال المعادن واكتشاف الشراع والعجلة واستخدامها في النقل وصناعة الأواني واكتشاف المحراث واستخدامه في حراثة الأرض واستئناس الحيوانات واستخدامها لأغراض النقل، وقد مر تطور المدن بعدة مراحل هي :
أ- ظهور المدن عند وديان الأنهار: كان سكان العراق ومصر والهند والصين يتمتعون بتطور علمي من خلال اكتشاف المعادن واستخدامها واكتشاف الأواني الفخارية والكتابة وغيرها ، وانتشرت في هذه المدن الأبنية والمعابد الدينية والمراكز الإدارية والأسواق التجارية والمصانع الصغيرة وبخاصة صناعة الأسلحة ،وحدث تبادل تجاري بين هذه المدن ، التي شكلت نواة الحضارة الأولى مثل المدن السومرية والبابلية في العراق ، وكذلك مدينة ممفيس ونخن في مصر وهارباً في الهند وأنيانغ في الصين ، وهذه المدن نشأت ما بين (3000-5000) ق, م كذلك ظهرت مدن كثيرة في أمريكا اللاتينية مثل كوبان، التي اعتبرت إحدى مراكز حضارة المايا.
ب- المدن التجارية القديمة: أرتبط نشوء هذه المدن بزيادة إنتاج الأرضي الزراعية ، كذلك تربية الحيوانات واكتشاف المعادن ونمو الصناعات المحلية خصوصاً أن هذه المدن كانت تعتبر مراكز تجارية كما هو الحال بمدينة صبراتة في ليبيا.
    كما أن مطالب السكان فيما يتصل بضروريات الحياة اليومية كالغذاء والملبس أو الخامات الصناعية وغيرها ، أدى إلى عملية تبادل تجاري كبيرة لبيع ما ينتج إلى الأقاليم المجاورة، كذلك استغلت هذه المدن موقعها الجغرافي فقامت بدور الوسيط التجاري بين مدن العالم القديم وقد اشتهرت مدينة فيلا كوبي ، الواقعة على جزيرة ميلوس في بحر إيجة بتجارة الزجاج وبعض المعادن ، كما تميزت بعض المدن الفينيقية الساحلية بتجارة الأخشاب إضافة إلى مركزها الديني الذي عرفت به كمدينة (بيبيلوس) ، كما أقيمت مدن داخلية على أطراف الصحراء كمدينة حلب ودمشق وتدمر حيث كان لهذه المدن دور الوسيط بين مدن الساحل الفينيقي وبلدان الشرق الأوسط ، إذ استمدت ثرواتها من التجارة ، كما توسعت التجارة وشملت مدن مضيق الدردنيل كمدينة طروادة حيث شكلت نقطة انطلاق تجارية آمنة بين آسيا الصغرى وأوربا ، وظهرت أيضا مدن تجارية يونانية أخرى كان لها دورها البارز تجارياً مثل مدينتي أثنا وإسبارطة اللتان أصبحتا دولتين فيما بعد ، كما شملت التجارة أيضا مدن أوربية عديدة في جنوب ايطاليا وشمال إفريقيا وإسبانيا وكانت بمثابة حلقة وصل بين الشرق والغرب.
ج- المدن اليونانية: ظهرت هذه المدن بنظام يختلف عن سابقتها من المدن القديمة ، حيث كانت تمثل دولاً مثل أثينا وإسبارطة، وكان ذلك خلال القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، وتميزت كل مدينة بخصوصية نظامها واستقلاليته وهي محاطة بالأسوار لحمايتها من أي اعتداء خارجي.
    أسس اليونانيون مدينة سيراكيوز والإسكندرية والاسكندرونة وكل هذه المدن أنشئت على أثر التوسع اليوناني ،وفي سنة 300 قبل الميلاد تطورت المدن اليونانية تطوراً كبيراً في عهد الأسكندر المقدوني على المستوى الحضري والتجاري والصناعي والزراعي ، مما أدى إلى زيادة التبادل التجاري بين المدن اليونانية مع مقدونيا ومدن سواحل البحر الأسود ومنطقة نهر الدانوب ، حيث تستورد القمح وتصدر الزيت والنبيذ إلى بلاد الرافدين  وشمال إفريقيا،  وتذكر المصادر التاريخية أن عدد المدن التي بناها الأسكندر وحملت أسمه حوالي 70 مدينة.
د- المدن الرومانية: ومن أهمها روما التي برزت كمدينة وعاصمة للإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني قبل الميلاد، واعتمدت في نشأتها على ما يحيط بها من أراض زراعية خصبة تم استغلالها في إنتاج المحاصيل الزراعية وتصدير الفائض منها إلى المدن الأخرى كمدينة يورك في بريطانيا وكولوني في ألمانيا، حيث شكلت هذه المدن مراكز اقتصادية قادرة على تصريف البضائع الكثيرة ، وكانت أعداد السكان في روما في تزايد مستمر فقد قدرها بعض العلماء  آنذاك بحوالي نصف مليون نسمة، وكانت الإمبراطورية الرومانية تعتمد اعتماداً كبيراً على ما ينتج في روما لتموين جيوش الإمبراطورية وموظفيها والطبقة الفقيرة التي لا عمل لها.
هـ- المدن الإسلامية: ظهرت مدن جديدة على أراضي الإمبراطورية البيزنطية والرومانية والفارسية، هذه المدن التي أصبحت ضمن الأقاليم الإسلامية قد بلغت ذروة مجدها وعظمتها في ظل الدولة العربية الإسلامية، حيث خطط لها تخطيطا عمرانيا متميزا حتى شغلت أدواراً في نشر الثقافة الإسلامية كما كان لها مركزا تجاريا مهما.
    يرجع ازدهار المدن الإسلامية إلى عدة عوامل منها دينية وعسكرية وتجارية واجتماعية، حيث كان ينظر إلى التجمع السكاني في المدينة على أنه قوة للإسلام، لذا قام المسلمون بإنشاء الجوامع فيها حتى برزت مدنا دينية كبيرة في العالم الإسلامي كمدينة (مكة المكرمة) واستمرت على قدسيتها واعتمدت كمركزاً دينياً كبيراً عند المسلمين منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا ، كذلك (المدينة المنورة) التي تضم قبر الرسول (ص) ومدينة القدس.
    أما المدن العسكرية التي قام المسلمون بإنشائها لتكون قلاعا كبيرة ينطلقون منها لنشر الإسلام، فهي مدينة الكوفة ، والبصرة ،والفسطاط، والقيروان ، وظهرت أيضا مدن سياسية اعتبرت عاصمة للدولة العربية الإسلامية ، مثل مدينة دمشق عاصمة الأمويين ومدينتي بغداد وسامراء عاصمة العباسيين ، كما قام المسلمون بإنشاء مدن كبيرة في الأندلس حملت طابع الثقافة العربية الإسلامية كمدينة قرطبة.
     لقد كانت المدن الإسلامية مميزة في طرازها وعمارتها وتخطيطها ، حيث كان المسجد يمثل قلب المدينة ومركزها الديني والسياسي ، وكان السوق مكاناً لتجمع التجار والباعة والغرباء ويقع بالقرب من المسجد ، ثم تأتي الأبنية الإدارية وقصور الأمراء والقادة ثم المعسكرات ، وبعدها الأحياء السكنية التي تمتد حتى أطراف المدينة والتي كثيراً ما تنتهي بالسور المحيط بها والذي يحميها من الغارات وله عدة أبواب، وهكذا يلاحظ أن الدين الإسلامي غير من مورفولوجية المدينة العربية وأعطاها طابعاً خاصاً ، حيث أتسمت بالبساطة والخشونة والتكتل والتجمع، ويمكن القول أن فلسفة العمارة العربية هي وليدة التفاعل بين عوامل البيئة الطبيعية من جانب وبين الإنسان العربي من جانب آخر، ذلك أن المدينة العربية الإسلامية هي المرآة التي عكست واقع البيئة الثقافية والحضارية والطبيعية للمجتمع الإسلامي بشكل عام ، وعموماً فإن العوامل الدينية والعسكرية والسياسية والتجارية والاجتماعية كانت وراء قيام وازدهار الكثير من المدن العربية الإسلامية.
و- المدن الأوربية في العصور الوسطى: في الوقت الذي كانت فيه المدن الإسلامية تعيش حياة التحضر والتطور الثقافي والعمراني والتجاري ، كانت أوربا تعيش في ظلام دامس دمرت فيه الكثير من المدن نتيجة للهجمات البربرية التي كانت تشن من قبل جماعات الهون والوندال ، أما المدن التي كان لها  الحظ الأوفر وسلمت من التدمير، فقد تقلصت وقل سكانها ولم يبقى من مظاهرها إلا المظهر الديني المتمثل بالكنيسة، ولولا وجودها وما كانت تحظى به من نفوذ ديني لانهارت هذه المدن وتفتت في ظل الاضطرابات السياسية التي كانت سائدة في ذلك العصر.
   أما المدن الداخلية كمدينة باريس التي أتسع نفوذها في القرن الرابع عشر الميلادي ، إذ ارتفع عدد سكانها إلى ربع مليون نسمة بسبب نموها الاقتصادي وبالأخص التجاري، كذلك نمت مدن أوربية أخرى بسبب التجارة مثل كولون والبندقية وجنوه وفلورنسا وميلان، حيث كانت هذه المدن تشكل مراكز تجارية ضخمة خصوصا بعد التوسع الأوربي والاكتشافات الجغرافية وازدهار الحركة التجارية مع القارة الأمريكية ، الذي أدى إلى تعزيز أهمية هذه المدن خصوصا الواقعة على سواحل المحيط الأطلسي وبالمقابل حيث يلاحظ أن المدن الإسلامية خصوصا العربية منها بدأت تتدنى وتضعف بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح ، فبعد أن كانت البضائع تنقل براً أصبحت تنقل بحراً إلى جنوب إفريقيا وشبه القارة الهندية وتحولت التجارة من المتوسط إلى جنوب إفريقيا.
ز- المدن الحديثة: تعد المدن الحديثة نموذجا متطوراً للمدن القديمة إلا أنها أكثر تنظيماً ووظيفة ، وقد انهارت الأسوار التي كانت تحيط بها تدريجياً وأصبحت أكثر عدداً للسكان ومزدهرة اقتصادياً، ويزاول السكان فيها مختلف الأعمال مما أدى إلى ظهور هجرة سكانية من الريف إلى المدينة ونتيجة لكثرة السكان والتطور التقني ظهرت مدن جديدة مرتبطة بالصناعة ، كما ظهرت مدن حديثة أنشأت فيها مواقع صناعية وارتبطت بشبكات حديثة من النقل ووسائله المختلفة ، وبدأت هذه المدن تلتزم في توسعها العمراني بنظام جديد ذي شكلين منها عمودي ومنها أفقي، فبعض المدن التي وصلت إلى مرحلة الازدهار السكاني بدأت الوحدات السكنية فيها تتطور عمودياً ، وذلك حفاظاً على بقاء أكبر مساحة يمكن استغلالها في مرافق أخرى ، وربما أن التطور الصناعي قد زاد من إقبال الناس على السكن في هذه المدن لممارسة حرفة الصناعة والعمل أيضا في قطاع الخدمات التي يفتقده الريف في كثير من الأحيان، وتتميز المدن الصناعية بالاتي:
- الاختلافات في القيم والمعتقدات الدينية.
- تقسيم العمل بشكل شامل.
- الاعتماد على الأشكال الثانوية من الضبط الاجتماعي كالشرطة.
- التأكيد على الاختراع والانجاز.
- وجود قوانين ومعايير عامة تطبق على الجميع.
- تشجيع الحراك الاجتماعي وإتاحة الفرصة للأفراد لتحقيق طموحاتهم العلمية والعملية.
   هناك بعض العوامل التي كان لها دوراً بارزاً في تطور المدن في العصر الحديث منها:
أ- التطور الزراعي:
     إن التطور الذي شهده العالم بعد الثورة الصناعية الكبرى أدى إلى إتباع الوسائل التكنولوجية في الزراعة ، واستعمال البذور المحسنة والمخصبات الكيميائية مما أدى إلى زيادة إنتاج الأرض ، والآلة الزراعية الحديثة عوضت عن الكثير من الأيدي العاملة التي تركت الأرض الزراعية واتجهت للسكن في المدن لممارسة الحرف غير الزراعية كالصناعية والخدمات بمختلف أنواعها هذا ما يلاحظ في شعوب غرب أوربا والكثير من دول العالم.
 ب- التطور الصناعي:
       إن الثورة الصناعية الكبيرة التي ظهرت في أوربا ومن ثم انتقلت إلى سائر بلدان العالم أدت إلى تطور الصناعة ، الأمر الذي أدى إلى عزوف كثير من السكان للعمل في الزراعة بسبب المستوى المعيشي القليل في قطاع الزراعة ، وأن استخدام المكننة في مجال الزراعة أدى إلى هجرة الكثير من السكان من الريف إلى المدينة ، والسكن فيها لما توفره من فرص عمل، وارتفاع مستوى الخدمات في هذه المدن جعل السكان يتمركزون قرب المصانع خصوصاً إنها تحتوي على مناطق تأمين متطلبات الحياة اليومية للعاملين فيها ، مثل المدارس والمستشفيات ومراكز لهو وأندية ومحلات تجارية ووسائل نقل وغيرها، كل هذه جعلت العمال الصناعيين يفضلون السكن قرب المصانع مما أدى إلى إنشاء مدن صناعية كبيرة مثل المدن الألمانية والهولندية والأمريكية وكذلك مدن عربية مماثلة مثل مدينة البصرة بالعراق والمحلة الكبرى بمصر ومدينة البريقة في ليبيا.
ج-الازدهار التجاري:
      إن التجمع الكبير للسكان في المدن الصناعية أدى إلى تعزيز الحركة التجارية لاسيما أن أغلب الموظفين سواء أكانوا أطباء أم مهندسين أم صناعيين أم مدرسين ، يلزمهم حاجات متعددة لم تكن متوفرة في مناطق السكن الخاصة بهم ، وهذا يستدعي إلى استيراد معظم حاجاتهم من أماكن بعيدة خصوصا أن عملية استيراد السلع وبيعها تدر أرباحاً طائلة أدى إلى اتجاه الكثيرين من الناس للعمل في المجال التجاري ، كذلك نشأت من جراء التجارة مدن مخصصة لذلك العمل ،قد يكون بعضها نتيجة لأسباب جغرافية تتعلق بموقع المدينة في نقطة التقاء بين منطقتين ، مثل مدينة تدمر القديمة التي أنشئت في الصحراء لتكون حلقة وصل بين الساحل الشرقي للبحر المتوسط ومن ثم الغرب ، ثم مدينة تمبكتو التي أنشئت أساساً لتكون حلقة وصل بين منتجات السفانا الإفريقية ومدينة دمشق وحلب ومكة والمدينة وبعض مدن آسيا الوسطى.
    أما فيما يتعلق بنشاط قطاع الخدمات فيلاحظ أنه عندما ازدهرت التجارة وحدثت هجرة كبيرة من الريف إلى المدينة وامتهن أغلب السكان الخدمات أزدهر على أثرها هذا القطاع في الكثير من دول العالم مثل فرنسا وألمانيا واليابان خصوصاً أن قيام مدن جديدة أدى إلى إحداث خدمات بنمط جديد ، وهو قيام مدن يقوم معظم أهلها بخدمات تتسم بالتسلية والترويح عن النفس في بعض المواسم، وقد زاد عددها ونشاطها بتطور وسائل النقل والمواصلات وتقدم الصناعة وتهيئة كل مستلزمات الراحة للعاملين في قطاع الصناعة.
د- العامل الديني :
      يعد من العوامل التي أدت إلى قيام بعض المدن التي عرفت بالمدن الدينية ، وهذه المدن مخصصة للعبادة سواء أكان ذلك في العصور الوسطى أم الحديثة ، ففي العصور الوسطى أنشئت مدينة أثينا حيث الإله الذي سميت باسمه ، كما أصبحت مدينة مكة المكرمة مقدسة عند المسلمين وكذلك المدينة المنورة والقدس وغيرها من المدن التي تحولت إلى مراكز دينية كبيرة وتجارية بنفس الوقت.
هـ-العامل السياسي:
     إن ظهور الدولة بمفهومها الحالي وتشكيل الحكومات أدى إلى وجود عاصمة سياسية لتلك الدولة، وما رافقها من مؤسسات حكومية ، لذا تمتعت هذه المدن بمزايا كثيرة منها ، وجود أكبر المؤسسات الحكومية والمصانع وغيرها الأمر الذي أدى إلى استقطاب الناس إليها والسكن فيها والتوسع في مجال الخدمات وكذلك ازدهار ونشاط الحركة التجارية ، كمدينة لندن وطرابلس وبغداد والقاهرة وواشنطن وطوكيو وغيرها من المدن السياسية الكبيرة.
و- الهجرة:
    الهجرة ظاهرة اجتماعية وجدت منذ القديم وهي تعني الترحال عن موطن وتركه إلى غيره مدة قد تطول أو تقصر وقد تكون الهجرة أما مؤقتة أو دائمة هذه الأخيرة التي يمكن تقسيمها إلى داخلية وخارجية ويتجه المهاجرين دائما إلى حيث تكون الظروف الاقتصادية مواتية وفرص العمل مواتية للكسب ورفع مستوى المعيشة.
   ففي إفريقيا زاد عدد السكان نتيجة الهجرة من 1.4 مليون سنة 1900 إلى 10 مليون
نسمة عام 1950 وفي آسيا عدد سكان المدن التي يزيد عدد سكانها عن 100.000 من19.4 مليون عام 1900 إلى 105.9 مليون نسمة عام 1950 أي أن عدد السكان زاد في .3% افريقيا بنسبة 62.9 % وفي آسيا بنسبة 44%.
     أما أبرز المشكلات التي تعاني منها المدينة في العصر الحديث هي  نقص كميات المياه وخاصة مياه الشرب والغذاء عن تلبية احتياجات السكان، وطول مدة زمن الرحلة وتعقيدها خاصة في ساعات الذروة بين أطراف وهوامش المدينة إلى المناطق المركزية فيها بسبب الأتساع المفرط في مساحاتها والامتدادات الهامشية المتزايدة لها، وما ينجم عن ذلك من تعقد حركة في المدن الكبرى.
    ومن هذه المشكلات أيضا فقد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الجيدة الصالحة للإنتاج بسبب طغيان حركة البناء في هوامش المدن، ومنها انتشار المناطق القديمة والأحياء الفقيرة المعروفة (بالعشوائيات) في بعض أجزاء المدينة ، إلى جانب تلوث بيئة المدن بسبب كثرة المصانع التي تفسد الهواء بدخانها أو كثرة عدد السيارات التي تنفث الغازات السامة من أجسامها أثناء سيرها في شوارع المدن، أو صعوبة التخلص من الفضلات والقاذورات خاصة البقايا الصلبة، وتنتج معظم هذه المشكلات من ضعف السلطات المحلية وعجزها عن القيام بالأشراف الكامل على المدن التي تديرها.
الموقع والموضع:
    يحاول جغرافيو المدن إيضاح مفهومي الموضع والموقع للمدينة ، إذ يعود الفضل   إلى راتزل  في التفريق بينهما ،ان موضع المدينة محدودا تقوم عليه المدينة ضمن حدودها الادارية او تلك التي تحتل مساحتها المعمورة .
   أما الموقع فيمثل دراسة مساحة أوسع من ذلك، تكشف عن مركز المدينة وعن علاقاتها بمساحات اوسع تحيط بها ، ولذلك فقد عبر عن الموضع على انه نقطة بينما عبر عن الموقع بأنه منطقة ، وقد تتغير المدينة او يختار لها عدة مواضع ضمن منطقة معينة .
   ويمكن تعريف الموضع على أنه دراسة الظواهر الطبيعية كالتضاريس ودرجة انحدار الأرض وتركيبها الجيولوجي والمياه ومصادرها والمناطق المعرضة لأخطار الفيضان واحتمال تعرضها للهزات الأرضية والبراكين ومن ثم الطقس والمناخ للأرض التي تقوم عليها المدينة.
   أما الموقع فيقصد به دراسة الظواهر الطبيعية المشار إليها للمنطقة أو المنطقة المحيطة بالمدينة والتي ترتبط Hinterland بإقليم المدينة أو ظهيرها بصلات وثيقة بها وذات تأثيرات متبادلة معها ، ولها دورها في صقل شخصية هذه المدينة .
  إن الموقع يؤثر في المدينة ويحدد حجمها بدرجة أشد وأهم من الموضع. وهناك أنواع عدة تميز مواقع قيام المدن منها:
١- المواقع العقدية :
    ومن أمثلتها المدن التي تقوم عند تلاقي الأنهار او تقاطع الوديان وممرات وفتحات الجبال فهي مواقع عقدية طبيعية ، وهنالك مدن تتغير فيها وسائل النقل من السكك الحديدية الى طرق النقل بالسيارات مثلا ويطلق عليها مواقع عقدية مكتسبة ومن تلك المدن ذات المواقع العقدية القاهرة والخرطوم وفينا حيث تقع عند تلاقي الأنهار او تفرعها وكذلك مدينة ديترويت في نهاية بحيرة أيرى وشيكاغو عند نهاية بحيرة ميشغان ما بين شرق وغرب الولايات المتحدة الأمريكية .
٢- المواقع البؤرية :
     تقع في الوسط الهندسي للسهول المنبسطة حيث تمثل مركز استقطاب لتلك السهول، ومن أمثلتها برلين بؤرة في السهل الألماني وموسكو قلب سهول شرق أوربا وميلانو في سهل لمبارديا وباريس مركز استقطاب حوض باريس ، وقد تمثل بعض الجزر بؤرة تتجمع عندها خطوط الملاحة كما هي الحال في موقع جزر هاواي كمركز لحوض المحيط الهادي الشمالي .
٣- المركزية :
        تقترب من فكرة البؤرية إلا أنها قد تتوسط بيئات متباينة كما هي الحال في بغداد حيث تتوسط العراق والقاهرة التي تحتل موقعا وسطيا ما بين الدلتا والصعيد .
٤- الهامشية :
       تقع على حافة الأقاليم ، وليس بالضرورة أن تكون الهامشية مواقع غير ذات أهمية فعالة ، فكثيرا من مواقع الموانئ تمثل مواقع هامشية الا انها بوابات لظهير واسع تقع خلفها كما هو الحال في موقع بوينس آيرس كبوابة لسهول البمباس الغنية ، ونيويورك بوابة الميدلند الأمريكي والإسكندرية في مصر وشنغهاي في الصين والبصرة في العراق .
٥- المواقع البينية :
     تلك المواقع التي تؤدي إلى نشوء مدن ما بين بيئتين أو إقليمين هامين ، ومن أمثلتها سنغافورة ما بين المحيطين الهادي والهندي ودمشق التي تقع ما بين الساحل السوري وأرض ما بين النهرين ، وإذا ما تم تمييز أنواع من المواقع ، فبالاستطاعة أيضاً تصنيف أنواع من المواضع ومن امثلتها : المواضع النهرية كالقاهرة وبغداد والساحلية كالجزائر وبيروت والجبلية كالسليمانية وصنعاء ومواضع الوديان كموضع مكة المكرمة وقد تقوم بعض المواضع الاولى التي تتبلور حولها المدن على جزر بحرية أو نهرية صغيرة كما هو الحال بالنسبة لمدينة البندقية او مدينة نيويورك ومدينة باريس ، وتعد المواضع السهلية أفضل أنواع المواضع بالنسبة لإمكانية توسع المدينة مستقبلا، وقد تكون للمواضع الجبلية خصوصيتها كمواضع دفاعية محصنة وكذلك الحال بالنسبة للجزر .
تصنيف المدن:
     تعد المدينة نموذج لمجتمع حضري وهي "ظاهرة قديمة" تمثل أنعكاساً لتزايد التعقد الاجتماعي، واستجابة للظروف الجغرافية، وبالتالي تعد أساساً وظيفياِ يختلف باختلاف الزمان والمكان، فوظائف المدن عام 1950م تختلف عنها في عام 2009م، على الرغم من احتفاظها بالمكان الذي تقوم فيه ، وهناك عدة انواع من التصنيفات أهما:
1- التصنيف الوظيفي
      اهتم جغرافيو المدن بتصنيفها على اساس وظيفي مستخدمين في ذلك أساساً  كمياً يستندون إليه في الوصول إلى تصنيف المدن منها : عدد الايدي العاملة أو نسبتهم في المدينة المدروسة مقارنة مع المدن الأخرى في الدولة أو كمية الانتاج أو القيمة المضافة أو قيمة الانتاج وغيرها.
   وتوجد في المدينة وظائف مختلفة تنقسم الى:-
أ- وظائف محلية تؤديها المدينة لسكانها.
ب- وظائف اقليمية تؤديها المدينة لسكان اقليمها وعلى طول خطوط النقل الرئيسة.
جـ- وظائف اقليمية عالمية تؤديها المدن المتقدمة في صناعاتها لجهات واسعة من العالم.
  إن مركزية المدن تقاس بمقدار علاقاتها بالمدن الاخرى المحيطة ، وأن كرستالر قد فرق بين المدينة مقاسة مركزيتها على أساس حجم سكانها والأخرى التي قيست مركزيتها بعوامل اخرى اكثر ملائمة ولما بدأت المدن تنمو في تخصصها الوظيفي تعددت المفاهيم حول ذلك، وبرزت طرق عديدة لتصنيف المدن وظيفيا،  استندت جميعها على اساس احصائي كمي، أي استخدمت معايير يعبر عنها بقيم رقمية مثل عدد الايدي العاملة، كما استخدمت معدلات احصائية صنفت المدن بموجبها، ومن اهمها:-
- طريقة جانسي هرس C.D.Harris:
   توصل إلى وجود تسعة أصناف هي:-
-المدن الصناعية.
-مدن البيع بالمفرد.
- مدن البيع بالجملة.
-مدن المواصلات والاتصال.
-مدن التعدين.
-المدن الجامعية.
-مدن الراحة والاستجمام.
-المدن الإدارية والسياسية.
-مدن متنوعة الوظائف.
    وبما أن بعض الفعاليات الوظيفية تستخدم أيادي عاملة أكثر من الأيادي العاملة التي تستخدمها الفعاليات الاخرى، فقد رأى أن يضع مستويات مختلفة من نسب الايدي العاملة لكل صنف من الأصناف المذكورة أعلاه، لكي يستطيع أن يتوصل الى اساس ثابت لتصنيفه، فالمدن الصناعية من الدرجة الأولى اشترط أن تكون نسبة الايدي العاملة في الصناعة74% ، اما المدن الصناعية من الدرجة الثانية فتكون النسبة لا تقل عن 60% من مجموع الايدي العاملة في الوظائف الثلاث، أما مدن البيع بالمفرد اشترط أن يعمل في فعاليات البيع بالمفرد والبيع بالجملة، أما مدن البيع بالجملة اشترط أن يعمل في الفعاليات الثلاث، بينما مدن المواصلات والاتصال فقد اشترط ان تكون نسبة من يعمل بهذه الوظيفة11% من مجموع الأيدي العاملة في المدينة.
    وأعتبر هرس مدن التعدين متقاربة مع مدن المواصلات اذ اشترط ان تكون نسبة من يعمل في هذه الوظيفة ما لا يقل عن 15% من مجموع الأيدي العاملة في المدينة، أما المدن التي لا يمكن الاستناد في تصنيفها على نسبة الأيدي العاملة فقد استند في تصنيفها إلى نسبة من يستفيد من وظيفتها مقارنة بمجموع السكان ، وفي الحديث عن مدن الراحة والاستجمام فقد استند في تصنيفها إلى نسبة من يستفيد من وظيفتها مقارنة بمجموع السكان ، فمثلا بالنسبة للمدن الجامعية اشترط أن تكون نسبة الطلبة وأعضاء هيئة التدريس ومن يخدمهم ما لا يقل عن 25% من مجموع سكان المدينة ،بينما مدن الراحة والاستجمام يمكن تصنيفها عن طريق الملاحظة الشخصية ، ويمكن تطبيق هذه الطريقة على المدن العربية في حالة توفر بيانات دقيقة للأنشطة الاقتصادية داخل المدن.
- طريقتا اولسن وجونز: استخدما احصائيات أحدث من سابقيتها، وتوصلا إلى نتائج مماثلة لنتائج دراسة هرس.
2- التصنيف المكاني: 
       تصنف المدن على أساس الموضع الذي تحتله والصفات الطبوغرافية ولطبيعية الذي يتصف به ذلك الموضع وكالآتي:-
أ- مدن الجبال:
     تعد الجبال من العقبات التي تفرض الانقطاع في توقيع المدن ، لاسيما وأنها ليست انقطاعا تضاريسيا فحسب بل هي انقطاع انتاجي كذلك بين اقتصاد السهل والجبل المتباينين.
      وتوجد مدن تقع على قمم الجبال  كمدينة روندا في محافظة ملقة في اسبانيا، وتشتهر بالمنحدرات الواقعة على حافة المدينة حيث تقع المدينة على الجبال وعلى ارتفاع 760 مترا .
  أو توجد مثل هذه المدن في أقدام الجبال أو في منطقة تحيط بها الجبال من جميع الاتجاهات.
ب- مدن السواحل:
   هي مدن تنشا قريبة من الساحل وتسمى مدن الموانئ ،ومن امثلتها مدينة البصرة وصبراتة والاسكندرية وشيكاغو ونيويورك وغيرها.
جـــ- مدن السهول:
   تعد السهول من أفضل المواقع التي تقام عليها المدن، نظرا لانبساط أرضها وسهولة الحركة فيها وامكانية قيام المنشاة الخدمية والصناعية وكذلك الزراعية ، تقع جميع هذه المدن في مناطق سهلية مثل مدينة بغداد والقاهرة وطرابلس ونيويورك وغيرها.
د- مدن الانهار:
    تقع بعض المدن بالقرب من الأنهار كونها بمثابة شرايين الحياة، حيث توفر المياه اللازمة لمقتضيات الحياة اليومية علاوة على دورها المهم في النقل، فبعض المدن تقع عند مصبات الأنهار مثل مدينة شنغهاي في الصين التي تقع على مصب نهر اليانجستي، ومدينة لندن في المملكة المتحدة عند مصب نهر التايمز وبعضها يقع عند تلاقي الانهار كمدينة المقرن في السودان ومدينة القرنة في العراق التي تقع عند التقاء نهري دجلة والفرات.
3- التصنيف البنيوي:
     يعتمد هذا التصنيف على أساس بنية المدينة أو شكلها أو شكل المكان الذي تحتله وتتباين من مدينة إلى أخرى حسب الخطة التي رسمت لها فبعظها مدن اشعاعية دائرية والتي تبنى على شكل حلقات متباينة حول نقطة مركزية ومن هذه النقطة تخرج طرق اشعاعية إلى مختلف الجهات كمدينة العمارة في العراق، أو تكون مدن محتشدة على حيز صغيرا من الأرض بالمقارنة مع غيرها من المدن، إذ تضم الشوارع المختلفة الانماط ، كما وتسود فيها الشوارع الضيقة الملتوية او المقفلة.
   أما المدن الشبكية التي تنضوي تحت هذا التصنيف فأنها تتخذ شكلا شبكيا كالشطرنج وذلك بتقسيم أرض المدينة إلى اشكال هندسية على هيئة مربعات ومستطيلات ، بينما تكون المدن الطولية على شكل شريط ويكون نموها أما على طول نهر، أو على طول طريق المواصلات أو الساحل البحري كما في مدينة نيس أو قد يكون نمو المدينة على شكل طولي بسبب عوامل طبيعية او بشرية ادى نمو المدينة بهذا الشكل.
4- التصنيف المرتبي:
     تصنف على اساس حجومها ومراكزها الإدارية أو الوظائف التي تؤديها بحسب الحجوم كمدن صغيرة ومتوسطة وكبيرة أو من ناحية ادارية مثل مركز ناحية أو قضاء أو مركز محافظة أو عاصمة.
4-التصنيف النوعي:
     يرتبط هذا التصنيف بأهمية موقع المدينة الجغرافي من الناحيتين النسبية والطبيعية التي تنعكس على المدينة وتعطيها أهمية خاصة تؤثر على دورها وأهميتها من خلال موضعها الذي تحتله ضمن أقليمها الواسع  وغالبا ما تظهر المدينة كالاتي:-
أ- المدن القديمة التي تنشا عند تقاطع الوديان أو الانهار أو التقاء السكك أو الطرق.
ب- المدن البؤرية عند إنشاء المدينة وسط منطقة سهلية وفي موضع وسطي بحيث تلتقي عندها طرق المواصلات.
جــ- المدن الهامشية التي تقع عند هامش إقليم فعال وبذلك تظهر المدن متغيرة وغير فعالة.
د- مدن المداخل التي تنشا كمدن هامشية لكنها تقع عند بوابة اقليم أو مدخل جبلي أو ميناء كمدينة البصرة  والاسكندرية وعدن.
5- تصنيف فيكتور جونز:
     ظهر تصنيف جونز عام 1953م على أساس بيانات العاملين بالمهن المختلفة لعام 1998، وعلى الرغم من أن النسب المؤية التي حددها للعاملين بالوظائف المختلفة تختلف عن تلك التي وضعها هريس، وبالرغم من ذلك واجهت هذه النظرية انتقادات كثيرة.
6- طريقة نلسن:
      قسم مدن الولايات المتحدة الامريكية عام1955 إلى سبع فئات حجمية بلغت في مجموعها 897 مدينة يتراوح عدد سكانها بين 10-13 مليون نسمة، كما قام بالاتي:
أ- قسم الفعاليات في الولايات المتحدة الى تسع هي: التعدين، الصناعة ، المواصلات ، الاتصال ،التجارة (جملة، مفرد)، الخدمات الشخصية، الخدمات المهنية والفنية، الاعمال الادارية.
ب- أوجد النسبة المئوية للأيدي العاملة في كل فعالية من الفعاليات التسع من المجموع الكلي للأيدي العاملة في جميع الفعاليات في كل مدينة ضمن دراسته.
جـ- استخرج معدل النسب المئوية للأيدي العاملة في كل فعالية لجميع المدن على شكل مجاميع.
د- قارن بين النسب المئوية لكل مدينة في كل فعالية مع معدلات النسب، فإذا بلغت نسبة الأيدي العاملة في المدينة في تلك الحرفة معدل النسب المئوية لجميع المدن في تلك الفعالية او اعلى منها فانه يصنف المدينة تحت نوع تلك الفعالية.
7- تصنيف بانول:
      درس مدن نيوزيلندا عام 1953 ووضع طريقة لتصنيف المدن تتلخص بالاتي:
أ- حصر الأيدي العاملة في كل فعالية لكل مدينة من المدن التي درسها والتي عددها100 مدينة.
ب- أوجد معدل الأيدي العاملة لكل فعالية وعلى جميع المدن ( المعدل العام) ،(المعدل القومي).
جـ-قارن معدل كل فعالية في كل مدينة مع المعدل العام(القومي) ليجد مقدار الانحراف في كل حرفة مع متوسطاتها الحسابية واتخذ الانحراف اساسا للتقسيم.
مناهج الدراسة في جغرافية المدن:
    تطورت جغرافية المدن خلال العصر الحديث نتيجة لعدة أسباب منها: الثورة الكمية التي شهدتها جغرافية المدن بصفة خاصة والعلوم الاجتماعية بصفة عامة  وتوافر بيانات ضخمة ومعلومات عن الخصائص الاقتصادية والاجتماعية للسكان ، بالإضافة للاستخدام الواسع للحاسب الآلي، هذا وقد ساعدت الأساليب التحليلية الحديثة المستخدمة في دراسة المدن إلى وضوح في مدى الرؤية للجغرافي وتزويده بالوسائل والأساليب التي مكنته من محاكمة النظريات المتعلقة بعملية التحضر.
    وتأثرت جغرافية المدن بالتغير الذي حصل في القيم والمعايير الاجتماعية في العصر الحديث، حيث تركز الاهتمام على المشكلات العملية مثل حاجات الصناعة، كما أصبح يستعان بجغرافي المدن في موضوعات كثيرة تتفاوت بين بيان الموقع المناسب لإقامة محل تجاري جديد وبين تقييم آثار إعادة رسم حدود الدوائر الانتخابية، وقد أدى التطور الذي شهدته المدن والتغير الذي حصل في طبيعة عملية التحضر، إلى ظهور اتجاهات حديثة في جغرافية المدن، وظهور موضوعات جديدة للدراسة مع زيادة الاهتمام بالتغيرات التي تحدث في المدن، مثال اهتمام جغرافي المدن بالفقر لدى السكان في المدن الأمريكية.
   - اهم مناهج البحث الجغرافي لدراسة المدن من الاقدم الى الاحدث.
1-المنهج المورفولوجي:
     ركز هذا المنهج على دراسة استخدامات الأرض وخطة المدينة، كما اهتم بدراسة التركيب الداخلي من استعمالات الأراضي والعوامل التي ادت الى توزيعها بالطريقة التي هي عليها وعلاقتها المتبادلة وما يترتب عليها من نتائج.
 2- المنهج السلوكي:
       يعد من المناهج الحديثة التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي حيث يسند نظام المدينة الى سلوك الانسان في المكان، وينظر الى المدينة عبر شرائح تراتيبية اجتماعية واقتصادية ونفسية، ويحدد كيفية تفاعل السكان مع مكونات المكان الحضري وهذا يفسر اختلاف استعمالات الارض بين المدن باختلاف الناس بين مدينة وأُخرى واختلاف قراراتهم.
3-المنهج البنائي:
      يركز هذا المنهج على أن الترتيب المكاني في المدينة لا يأتي بفعل عامل واحد بل تشترك في صنعه عوامل متعددة بعظها مادية واجتماعية وأخرى إنسانية وتاريخية وسياسية، ذلك، لأن العوامل الاقتصادية والاجتماعية والدينية تؤثر على السلوك البشري ومن ثم ينعكس ذلك على الترتيب المكاني في المدينة .
4- منهج الاقتصاد السياسي:
     يركز على مضمون التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في عملية التحضر وعلى الآثار الإيجابية والسلبية الناتجة عن هذه التغيرات ، التي تؤثر على سلوك الناس وعلى عملية اتخاذ القرار، وهو يعتمد على مزيج من نظريات اقتصادية واجتماعية وسياسية ، يستحيل وجودها جميعا في نظرية واحدة، إلا أنه يمكن أخذ بعض الأفكار من كل منهج، وعليه فان جغرافية المدن تدرس المدينة من خلال التركيز على الموقع الجغرافي والسكان ، فالموقع المدينة أهمية كبيرة من خلال تأثيره على وظيفتها وعلى مدى حيويتها ونشاطها في الماضي والحاضر.
   أما بالنسبة لسكان المدينة فيشمل دراسة مجموعة من العوامل التي تحدد هوية المدينة من خلال الحجم السكان فيها ، ومن خلال دراسة التراكيب السكانية ( العمرية والنوعية والعرقية والتعليمية والمهنية والاقتصادية).
    اهتم الجغرافيون في دراساتهم بأحد الاتجاهين السابقين أو بكليهما معا، فإذا كان الاهتمام يتعلق بموقع المدينة يتم التركيز على العلاقات المتبادلة بين المدن المختلفة أو بين النظم الحضرية والإقليمية، أما إذا كان يتعلق بالسكان فيتم التركيز على الأنماط المكانية لمستويات الدخل للمدينة أو أكثر، وأنماط حركات السكان.
  ويستخدم بعض الجغرافيون الاتجاهين السابقين في دراساتهم بشكل متداخل في دراسات استعمالات الأرض وحركات السكان ، كما تشمل جغرافية المدن موضوعات ذات طبيعة محددة في مدينة معينة أو لمجموعة محددة من سكان مدينة ما، أو تتعامل مع موضوعات واسعة تشمل الإقليم أو القطر أو العالم.
تأثير تقنية المعلومات على تخطيط مدن المستقبل:
    أدركت مختلف بلدان العالم وتكتلاته الإقليمية منذ أواخر الستينات أهمية تقنيات علوم الفضاء، ودخلت كثير من الدول هذا المجال كي تشارك في مجال الاستفادة العلمية والاقتصادية من برامج استخدامات الفضاء للأغراض السلمية، حيث ان هناك الكثير من الفوائد العلمية المباشرة وغير المباشرة، مثل إدخال الكثير من التحسينات على دراسة الموارد الطبيعية والأرصاد وعلوم المناخ وتقنية الاتصالات والبث المسموع والمرئي، وأنظمة الاستدلال العالمي (GPS) وزيادة درجة الدقة والأمان للملاحة البحرية والجوية، بالإضافة إلى استحداث وتطوير صناعات تساهم في أمن ورفاهية الشعوب.
  وتعد تقنية الاستشعار عن بعد أحد أهم التقنيات الرئيسة في علوم الفضاء، حيث توفر هذه التقنية صور فضائية ملتقطة بأطياف مختلفة وذات دقة وضوح عالية لمساحات شاسعة من الأراضي بصفة دورية ، مما يساهم في توفير المعلومات التي تساعد في إجراء الأبحاث والدراسات الخاصة بحماية البيئة والكشف عن الموارد الطبيعية وتخطيط النطاق العمراني ومراقبة المحاصيل الزراعية وغيرها من المجالات الحيوية التنموية.
  وأعطت تقنية نظم المعلومات الجغرافية بعداً آخر لقواعد المعلومات الرقمية من حيث الربط المكاني للمعلومة، والاستفادة من تقنية الاستشعار عن بعد والتي أصبحت أحد المصادر الأساسية لبناء نظم المعلومات الجغرافية، ويعد تخطيط مدن المستقبل أحد المجالات الحيوية التي تتطلب الاستفادة من تلك التقنيات في توفير المعلومات والخرائط المحدثة دوريا لتوضيح الرؤية الشاملة للمدينة وتوزيع الخدمات بكافة تصنيفاتها وبيان استخدامات الأراضي ودراسة التغيرات التي تساهم في التخطيط الأمثل للمدينة، وتحديد الكتل العمرانية بما يواكب المتطلبات المستقبلية لها ، نظراً لما توفره هذه التقنيات من دقة وسرعة التنفيذ وخفض التكاليف.
اولاً - الاستشعار عن بعد:
     يعد أحدث التقنيات التي تختص بمعالجة وتحليل الصور الملتقطة لمناطقٍ من الأرض بواسطة أقمار اصطناعية مخصصة لهذا الغرض ، وذلك لدراسة الموارد الطبيعية ومشاكل البيئة وغيرها ، وتتميز هذه التقنية بتوفير الرؤية الشاملة لسطح الأرض والقدرة التمييزية المكانية والطيفية ، وكذلك توفير التصوير الدوري والمتزامن للمناطق المطلوبة ، بالإضافة الى انخفاض تكلفتها مقارنة بالوسائل التقليدية المعروفة كالصور الجوية أو الحصر الحقلي.
1- خصائص تقنية الاستشعار عن بعد:
       تعرف تقنية الاستشعار عن بعد بأنها الحصول على معلومات أو خواص معينة عن بعض الظواهر على سطح الأرض من مسافة بعيدة دون الاحتكاك، أو لمس الهدف، أو الاتصال به مباشرة، وذلك باستخدام أجهزة التقاط وتسجيل الإشعاعات الكهرومغناطيسية المحمولة على الأقمار الاصطناعية ثم التعرف على الهدف بالاستعانة بأجهزة ووسائل المعالجة والتحليل للصور الفضائية.
2- نشأة وتطور الاستشعار عن بعد:
     بدأت هذه التقنية باستخدام الصور الجوية ثم بدأ التفكير باستخدام الصور الفضائية وذلك للحصول على صور أكبر واشمل لسطح الأرض، حيث تم إطلاق الأقمار الاصطناعية الأكثر تعقيداً وتغطي معلومات أدق، وذلك لأنها تحمل أجهزة ولواقط استشعار متطورة، ففي عام (1972م) تم إطلاق أول قمر اصطناعي أمريكي يختص بدراسة الأرض وسميت بأقمار تقنية الموارد الأرضية{Earth Resources Technology Satellite ERTS-1 } وتسمى أيضا  Landsat-1.2.3 وهو ما يسمى بالجيل الأول منها، كما أن هناك ثلاثة أقمار اصطناعية مهمة استخدمت في تطبيقات الاستشعار عن بعد وهي سكاي لاب في عام 1973م والقمر هاكم (Hcmm) الذي أطلق في عام 1978م.
   وفي الثمانينات والتسعينات توالت انطلاقات الجيل الثاني من أقمار الاصطناعية للاستشعار عن بعد، حيث انطلقت  (Landsat-4.5.7 ) والتي تحمل أجهـزة استشعار أكثر تعقيدا من الجيل الأول مثل (TM,ETM)، كذلك أطلقت فرنسا أول قمر في عام 1986م من سلسلة أقمار سبوت (SPOT) والتي تحمل مميزات منفردة تضاهي أقمار لاندسات، ثم تلى ذلك إطلاق القمر الياباني جيرس (JERS-1) الذي أطلق في عام 1992م، كما أطلق بعد ذلك القمران الهنديان آي أر إس (IRS-1C,1D) في عام 1991م و 1995م، وأطلق القمر الأوربي إي أر إس (ERS-1) عام 1995م، وقام الكنديون في عام 1996م بإطلاق القمر رادار سات (RADARSAT) ، كما أستخدم المكوك الفضائي منصة تستخدم لتثبيت عدة أنواع من الكاميرات وأجهزة الرادار منذ عام 1981م.
   وأصبح الآن بالإمكان الحصول على المعلومات من الأقمار الاصطناعية الحديثة التي تصل قوة وضوحها المكانية إلى متر واحد والتي أطلقت عام 1999م ، والمسماة ايكونوس (IKONOS) الأمريكية الصنع.
3- تطبيقات الاستشعار عن بعد:
      توفر الصور الفضائية الأساس العلمي والتطبيقي الدقيق لوضع جميع أنواع الخرائط والبيانات اللازمة لتنفيذ المشاريع على المستوى الوطني والإقليمي في زمن وتكاليف قياسيين، وهذا هو ما تحتاجه خطط التنمية وبخاصة في هذا العصر الذي تميز بسرعة التطور، والملاحظ أن معظم دول العالم يمكنها الاستفادة من تطبيقات تقنية الاستشعار عن بعد في عدة مجالات منها:
-الجيولوجيا والجيومورفولوجيا: حيث تفيد هذه التقنية في رسم الخرائط الجيولوجية والجيومورفولوجية المختلفة أو عمل المسوحات السطحية التي تساعد في كتشف الثروات المعدنية والبترولية، وبما أن الصور الفضائية تغطي مناطق واسعة ويمكن الحصول عليها بصفة دورية، لذلك فأنها تعد أفضل وسيلة لتحديث الخرائط.
- الزراعة: تحليل الصور لتصنيف التربة، ورسم خرائط لها، وكذلك مراقبة وتصنيف المحاصيل الزراعية، والغابات، وحساب مساحة الغطاء النباتي وأيضاً معرفة أماكن المزروعات المصابة بآفات زراعية.
- المسطحات المائية: دراسة ومراقبة المسطحات المائية وذلك لمعرفة التغيرات التي قد تعد من الملوثات لها.
- الأرصاد الجوية: يمكن الحصول على صور دورية من الأقمار الاصطناعية للغلاف الجوي وذلك للاستفادة منها في مراقبة حركة السحب والتغيرات المناخية المختلفة.
- تخطيط المدن: مراقبة استعمالات الاراضي وتوسيع المدن فيها، ومع تحسن قدرة الوضوح المكانية للصور الفضائية اصبح بالإمكان رسم خرائط دقيقة للمدن.
- الكوارث الطبيعية والصناعية: يمكن الحصول على صور دورية من الأقمار الاصطناعية بأطياف مختلفة تساعد على تحديد التغيرات في سطح الأرض، أو في المياه البحرية، مثل الكوارث الطبيعية (الزلازل، والبراكين، والانزلاقات الأرضية، والفيضانات) أو الكوارث الصناعية (حرائق الغابات، والانفجارات، وبقع الزيت).

ثانياً: تقنية نظم المعلومات الجغرافية :
     تعد نظم المعلومات الجغرافية من الوسائل الحديثة التي ساهمت بغزارة في تسهيل مهام وأداء المخططين أثناء اتخاذ قرارات مكانية تتعلق بتطوير أو تحليل مشكلة معينة ذات بعد مكاني، واستخدمت هذه التقنية في العديد من المجالات العلمية المختلفة كدراسة توزيع الخدمات، وتحليل استعمالات الأراضي، وتقسيم طرق النقل والمواصلات.
- خصائص تقنية نظم المعلومات الجغرافية :
      تتباين المفاهيم والتفسيرات حول الأبعاد التعريفية لنظم المعلومات الجغرافية، باختلاف المجالات التي يمكن أن يكون لها علاقة وظيفية أو تطبيقية مع هذه التقنية، هذا النظام يعتمد على الحاسب الآلي بشكل أساسي في إدخال وتخزين و إدارة و تحليل وإخراج المعلومات الجغرافية المرتبطة بمختلف الموارد الطبيعية أو الصناعية، ويسمح النظام بترجمة البيانات الهائلة من مصادر عديدة وتحويلها بطرق معالجة وتحويل ومطابقة آلية الى شكل بسيط يتميز بالإيجاز ووضوح الرؤية والشمولية، مما يسهل على المسؤولين اتخاذ قرارتهم عند التعامل مع أي تخطيط أو متابعة أي مشروع أو برنامج .
   وتعرف نظم المعلومات الجغرافية بأنها النظم المكونة من الأجهزة والبرامج وقواعد المعلومات البيانية والجغرافيــة، لاستخراج ورسم وتحليل المعلومــات الجغرافيــة ذات المرجع الارضي (Georeferenced) من قبل المتخصصون لتحقيق أهداف ومتطلبات معروفة ومحددة من قبل المستخدمين.       
2- نشأة وتطور نظم المعلومات الجغرافية :
     بدأ أول نظام معلومات جغرافي في منتصف الستينات يعرف بنظام المعلومات الجغرافية الكندي، والوحدة التجريبية للخرائط في المملكة المتحدة التي صممت لتنفيذ بعض المشاريع المتعلقة بإدارة الغابات والتعداد السكاني ، ثم برزت بعض الجهود في الجامعات الأمريكية لرسم وتحليل الخرائط وأعمال التخطيط الحضري والمواصلات، وكانت هذه مقتصرة على الإدارات المركزية في الدول المتقدمة التي تستخدم أجهره الحاسب الكبيرة (Main Frame) ، مما أدى إلى  ارتفاع تكلفتها واقتصار استخدامها على تلك الجهات.
   وفي السبعينات أصبح عدد المؤسسات المنتجة يزيد على عشر مؤسسات، وعملها مقتصر على الهيئات والمؤسسات الكبيرة بالإضافة إلى الإدارات المركزية، ونظرا لتعدد أسماء النظم والبرامج المستخدمة في هذا المجال، فقد تم في منتصف السبعينات الاتفاق على تسميتها باسم (نظم المعلومات الجغرافية).
   ومع ظهور أجهزة الحاسب الشخصي في الثمانينيات، ظهرت أول برامج لنظم المعلومات الجغرافية على شكل تجاري أنتجه معهد أبحاث البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية (ESRI)، ومع تطور تقنية الحاسب في التسعينيات تعددت الشركات المنتجة لهذه النظم على جميع أنواع أجهزة الحاسب واستخدام برامج التشغيل المتطورة مما ساهم في سهولة استخدامها وانخفاض تكلفتها.
   وأصبحت نظم المعلومات الجغرافية في وقتنا الحالي من الوسائل الضرورية لتخطيط وإدارة الموارد الطبيعية والحياة المدنية، ووسيلة فعالة لنقل المعلومات والمعرفة، وتشمل هذه النظم عمليات إدخال وتخزين وإدارة للمعلومات المختلفة وبناء قواعد للبيانات الجغرافية وتحليلها.
3- تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية :
       إن معظم الدول المتقدمة تقنيا أصبحت تعتمد اعتماداً أساسياً في عملها على نظم المعلومات الجغرافية وإدخال هذه التقنية في معظم الجهات الحكومية والخاصة، وخصوصاً تلك الجهات التي تقوم بتقديم الخدمات العامة ، ومعظم هذه الجهات لها اتصال مباشر من خلال شبكات الحاسب الآلي، فقد استخدمت تلك التقنية في عدة مجالات شملت:
-المواصلات: تخطيط وإنشاء الطرق وصيانتها وتحديد أنواع الخدمات التي تحتاجها القرى والمدن الواقعة على الطرق، والحصول على المعلومات الضرورية المختلفة لتحديد اتجاهات السير ومراقبة وتنظيم إشارات المرور ووضع مراكز ونقاط الدوريات الأمنية.
-الكوارث: تحديد مواقع الكوارث والحرائق وأقرب وأسرع الطرق المؤدية إليها ، وتحديد المنشآت المجاورة، ومعرفة المواد المخزنة فيها ، وتحليل أساليب الإنقاذ والوقاية.
-الثروات الطبيعية: تخزين المعلومات والإمدادات بالتحليلات والبيانات الجغرافية والخرائط المتعلقة بالدراسات الجيولوجية المختلفة ، مثل البحث والتنقيب عن الثروات الطبيعية.
-تخطيط المدن: تحليل وتحويل الخرائط المختلفة إلى معلومات وتطبيقات مفيدة تساعد في تحديد قطع الأراضي والخدمات والمرافق العامة ، وكذلك تحليل شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء وربط مخططات المدن ببعضها.
-الزراعة: تحليل التربة وتصنيفها وتحديد أماكن المياه الجوفية في المشاريع الزراعية، وحساب المنتجات وإدارة المزارع.
-الاتصالات: تخطيط وتحليل شبكات الخطوط الهاتفية وأبراج وشبكات الاتصالات.
- الشواطئ: تحليل المعلومات والبيانات البحرية المتعلقة بمياه البحار والكائنات والنباتات البحرية ، وتحديد أماكن الشعاب المرجانية وصيد الأسماك.
   وعموماً تدعم نظم المعلومات الجغرافية أنشطة التخطيط المختلفة كإدارة الكهرباء، والمياه، والمجاري، والغاز، والاتصالات السلكية ، وخدمات الكوابل باستخدام قدرات معينة مثل إدارة الأحمال، تحليل المشكلات، انخفاض الفولتية ( الجهد ) ، تحليل أنظمة الخطوط ، تحديد المواقع وتحليل ضغط وتدفق الشبكة، كشف التسرب.

ثالثا- أثر تقنيات المعلومات في التخطيط لمدن المستقبل :
     تعد الخريطة العنصر الأساس في الدراسات والمشاريع والأعمال الميدانية التي تتعلق بالتخطيط العمراني والإنمائي للمدن ، وتم استخدام الصور الجوية عوضاً عن المسح الأرضي لإعداد مخططات المدن ومراقبة نموها الحضري ، إلا أن هذه الطرق واجهت أيضا الكثير من الصعوبات، من حيث التكاليف العالية والجهود المبذولة والزمن المستغرق للإعداد ، مما حد من إمكانية المتابعة السريعة للتغيرات والنمو في المدن، ومع التطور الكبير في مستشعرات الأقمار الاصطناعية ، من حيث القدرة التوضيحية المكانية العالية للصور الفضائية والتي وصلت إلى متر واحد، وتعدد الأطياف المستخدمة في التقاط تلك الصور، مع إمكانية الحصول عليها بصفة دورية مكن من استخدام الصور الفضائية في إنتاج وتحديث الخرائط، وبذلك أصبح إعداد مخططات المدن وتحديثها يتم بصورة سريعة ودقيقة وبتكاليف مناسبة.
  لقد أضافت نظم المعلومات الجغرافية إمكانيات هائلة للتعامل مع تلك الصور والخرائط  وربطها مكانياً مع قواعد المعلومات المختلفة كاستخدامات الأراضي والخدمات والمرافق والمواصلات وغيرها ، وأمكن عبر هذه النظم تحليل تلك المعلومات التي أدت إلى تسهيل مهام وأداء المخططين أثناء اتخاذ قرارات مكانية تتعلق بتطوير أو تحليل مشكلة معينة.
  كما يعتمد تخطيط المدينة المستقبلي وتطويرها على إيجاد الحلول للمشكلات المرتبطة بها ويعتمد ذلك بشكل كبير على مدى توفر البيانات لدى الأجهزة والجهات التنفيذية ، لذا سعت بعض الدول إلى تطوير وسائل وطرق الحصول على البيانات وتساهم تقنية الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية في تزويد المدن ببعض المعلومات الدورية ، نظراً للمزايا التي تتمتع بها مثل:
- توفير التكاليف مقارنة بالوسائل الأخرى كالتصوير الجوي والمسح الأرضي.
-تقليص الزمن المستغرق للدراسة والحصول على النتائج السريعة.
-الحصول على المعلومات بشكل دوري ،يسمح بإقامة دراسات مقارنة وتحديد اتجاهات نموها.
- ربط قواعد المعلومات بالبيانات والخرائط مما يتيح لنا تحليل المعلومات مكانياً.
- توفير الجهود المبذولة في عمل الدراسات المماثلة عبر الوسائل التقليدية.
وللوصول إلى أفضل النتائج في استخدام هذه التقنيات في مجال التخطيط المستقبلي للمدن ، نوجز أمثل الخطوات:
-اختيار صورا للأقمار الاصطناعية المناسبة اعتمادا على مقياس الرسم المطلوب أو حجم منطقة الدراسة ونوعيتها. 
- معالجة وتحليل الصور حسب منطقة الدراسة ونوعية النتائج والأهداف المطلوبة ، حيث يتم تحسين الصور لإظهار ومراقبة التغير في المدينة أو لإظهار بعض الظواهر. 
-جمع المعلومات والخرائط المتوفرة لمنطقة الدراسة وعمل مسوحات ميدانية حسب الحاجة لتصحيح الصور جغرافياً باستخدام أجهزة تحديد المواقع (GPS) وإنتاج صور نهائية تظهر المعالم المطلوبة ويمكن استخدامها كخريطة أساس.
- الاعتماد على مسقط (Projection)  محدد لضمان تطابق المعلومات.
-القيام بتجميع المعلومات التفصيلية لمنطقة الدراسة من الجهات المختصة أو بالمسوحات الميدانية.
-استخلاص المعلومات من الصور الفضائية للمناطق المطلوبة على شرائح اتجاهية Vector Layers.
-ربط قواعد المعلومات بالبيانات المكانية للمنطقة.
-تحليل المعلومات وفق متطلب الدراسة.

التركيب الداخلي للمدينة
      يقصد به تحليل توزيع المساحات التي تحتلها الأنشطة الوظيفية والخدمية التي تستثمر أرض المدينة من خلال بيان المتغيرات الجغرافية والطبيعية التي تحكمت في أنماط توزيعها الجغرافي، حيث تشغل كل مدينة أو منطقة حظرية عددًا من الاستعمالات المهمة وهي تتباين في توزيعها ومساحتها حسب ظروفها، ومهمة الجغرافي ان يقوم بتشخيص وتحليل مواقع وأنماط استعمالات الأرض للأغراض المتنوعة.
  إن دراسة نظريات المدن وتركيبها العمراني الذي يتصف بأنه غير متجانس في الواقع، بل نجد المدينة تتفاوت في مساكنها من حيث أحجامها وأشكالها وارتفاعاتها وتنظيمها، بل حتى في عمرها ووظيفتها، وإن توزيع الاستخدامات الأرضية في موضع المدينة وتجاور بعضها إلى جانب بعض، توضحه خرائط المدن المتعلقة بهذا المجال من حيث التجاذب أو التنافر، الأمر الذي يطلق عليه بالتركيب الداخلي للمدينة أو البنية الداخلية للمدينة،.Internal Structure of The City
   وبالرغم من هذا التداخل والتشابك بين مختلف استخدامات الأرض بالمدينة، إلا أن المهتمين بدراسات المدن قد اكتشفوا قوانين وأفكار ونظريات تفسير وتحلل هذا التوزيع المتباين على صفحة موضع المدينة، بدءاً من مركزها وحتى أطرافها.
نظريات التركيب الداخلي:
      نتيجةً للتباين في التركيب الداخلي للمدينة، وضع عدد من النظريات التي تفسر هذا التباين وتوزع استعمالات الارض داخلها وهي كالاتي:-
أولاً- نظرية الدوائر المتراكزة concentric Zone Theory:
       لقد قدم برجس (BURGESS) إسهاما متميزا، وأثرى المعرفة العلمية بشكل كبير، حيث جاء هذا الإسهام عبر دراسته لمدينة شيكاغو،  حاول من خلالها معرفة الأنماط التي تعتري نمو المدينة وتركيب الوظائف بها، وقد قدم هذه الدراسة في كتاب له تحت عنوان "نمو المدينة، مدخل لمشروع بحث"، وكانت انطلاقته المنهجية،  تعتمد على نموذج لنمو المدينة وتنظيمها المجالي مستخدما مخطط مدينة شيكاغو كأساس لبحثه. وكانت دراسته مركزة على متابعة نمو المدينة وتمايزها مجاليا، وانطلقت من فكرة أساسية، هي أن أسعار الأراضي ترتفع بشكل تدريجي كلما اقتربنا من مركز المدينة ليؤكد أن أقصى الأسعار تتركز في قلب المدينة، وانطلاقا من ذلك فإن المدينة تنمو على شكل حلقات ودوائر متناقصة ومتعددة المراكز والممثلة بالاتي
1- منطقـة الأعمـال المركزيـة:
     وتقع هذه المنطقة في مركز المدينة حيث تشكل النواة الأساسية لمختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى كونها ملتقى لطرق المواصلات، حيث تكثر فيها المرافق الإدارية والخدماتية، هذه الخاصية جعلت منها محل اهتمام وطلب متزايد، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأراضي، الامر الذي أدى ببرجس إلى القول أن الأعمال التي تؤدي إلى تحقيق الأرباح باستخدام الأرض بكثافة تجعل من المنطقة المركزية محط نشاطها.
2- المنطقـة الانتقـاليـة:
       تتميز بالتغير المستمر والكثافة السكانية العالية وضعف المستوى المعيشي وانتشار الأمراض الاجتماعية وتدهور المساكن وانتشار المخازن والملاهي، بمعنى آخر هي منطقة الوافدين الجدد إلى المدينة والتي تعتبر من الأقليات العنصرية والأثنية، وهذه المنطقة حسب برجس هي معرضة باستمرار لعمليتي الغزو والاحتلال تمارسها منطقة الأعمال المركزية الدائمة النمو والتوسع.
3- منطقـة سكـن العمـال:
      هي منطقة العمال وأصحاب المهن الكتابية وأطفال المهاجرين، وما يميز هذه الفئة هو تطلعهم الدائم إلى مستوى معيشة أطفالهم ودفعهم إلى مستوى أعلى في السلم الاجتماعي.
4- منطقـة سكـانيـة ذات مستـوى أرقـى:
     وتتكون من مساكن تقطنها أسر وحيدة، إلى جانب الشقق والعمارات الجميلة وبعض فنادق الإقامة، كما تعتبر هذه المنطقة ملجأ الفئة ذات الدخل المتوسط.
5-  النطاق النامي:
        تقع في حدود المدينة، حيث يسكنها ذوو الدخل المرتفع في حين أن معظم سكانها يعيشون تنقل يومي في اتجاه أماكن العمل، وعلى هذا الأساس فقد قدم برجس تفسيره لنمو المدينة وتوسعها من خلال حلقات ودوائر متتابعة، معتبرا أن عمليتي الغزو والاحتلال هي النقطة المركزية في ديناميكية التوسع من منطقة إلى أخر  شكل (1)
شكل ( 1 ) نظرية الدوائر المتراكزة
     تعد هذه النظرية أقدم النظريات التي تفسر التركيب الداخلي للمدن ، إذ جاء برجس بها قبل أكثر من ستين عاما حيث كانت طرق المواصلات ووسائله أبطأ مما عليه في الوقت الحاضر لكن تبقى لها أهميتها الريادية ، ولا زالت لها أنصارها وخاصة من الاجتماعيين ، إذ يرون أن القطاعات الخمس موجودة إلا أن بعض الأحياء يصيبها تشويه ، وهو مالا يقلل من تتابع القطاعات الدائرية وانتظامها، وهنالك من يقلل من شأنها ويوجه الانتقاد اليها ويرى أن يعاد النظر بها وتطويرها، أما أهم الانتقادات التي توجه الى النظرية فهي :
1- إن برجس نظر إلى توسع المدينة على أنه عملية نمو منتظمة عند الأطراف وبشكل موحد وبنفس السرعة وبذلك أهمل عامل سطح الأرض والمناخ فليس من الضروري أن تتوسع المدينة من جميع اطرافها بنفس معدل النمو فقد تعترض التوسع عوارض طبيعية كالبحيرات أو البحار أو المرتفعات وتجدر الإشارة هنا إلى أن مدينة شيكاغو التي درسها برجس لم تكن قطاعاتها على شكل دوائر منتظمة بل أن اعتراض بحيرة ميشكن لها أدى إلى أن تظهر الدوائر غير متكاملة .
2- بنى استنتاجاته لأنه درس مدينة واحدة هي شيكاغو ووضع لها فرضيات وعممها على المدن الأخرى وقد نسي أن لكل مدينة خصائصها والعوامل المؤثرة فيها.
3- اتخذ في نظريته استعمالات الارض داخل المدينة على هيئة أشكال هندسية دائرية منتظمة، في حين من الممكن أن تأخذ المنطقة المركزية شكلا مستطيلا أو مثلثا.
4- عدم ملائمة النظرية للمدن الحديثة.
ثانيا- نظـريـة القطـاع لهـومـرهويـت:
     نشرها الباحث الاقتصادي هومر هويت عام1939م بعد قيامه بدراسة ميدانية عن إيجارات المساكن وأسعار الأراضي للمناطق السكنية في عدد من المدن الأمريكية وحصل على البيانات المتعلقة بسعر الأرض وقيمة الإيجار للمناطق السكنية في64مدينة صغيرة ومتوسطة الحجم في الولايات المتحدة كما جمع بيانات عن خمس مدن كبري هي نيويورك وديترويت وفيلادلفيا وواشنطن وشيكاغو، شكل ( 2 ).
   وبعد جمع البيانات قام بتمثيلها على الخرائط وعلى مستوي التجمعات في تلك المدن وتوصل إلي نتائج مفيدة عن المناطق السكنية  اتخذها أساس لنظريته، وركزت النظرية على الأنماط المكانية للمواقع السكنية وتحركها، وترى النظرية أن الطبقات الاجتماعية الراقية ذات الدخل المرتفع تميل للسكن في مناطق مميزة وتحتل قطاعات من الدائرة وليس كل الدائرة المحيطة بمركز المدينة ويمكن التعرف على نوعية المناطق السكنية في قطاعات معينة من المدينة من خلال ايجار المساكن أو أسعار الأراضي  فالإيجارات العالية  للمساكن والأسعار المرتفعة للأراضي تبدا بالتناقص التدريجي كلما ابتعدنا عن مركز المدينة والمناطق السكنية الراقية باتجاهات مختلفة ولهذا تنتشر المناطق السكنية ذات النوعية المتوسطة على جميع حواف قطاعات المساكن الراقية او على جهة واحدة منها، أما المناطق السكنية ذات المستوي المتدني فتشغل قطاعات أخرى من المدينة في الجهة المقابلة للمساكن الراقية والطبقة الوسطى.



شكل( 2 ) مخطط يصور نظرية القطاعات كما اقترحها هومر هويت
                                                       
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgdeeTmiOt7JoyCaHrnk8Ks81CGSjmapyrIjvPCgmw-u4R72JMiKilXMDMt8kkSDjwWieVPeVHrHfhY7rJHeExVPtMz4ZqKMPwewvhKnmhMElv14U5evIP3UK_VR7OJd5bcZFfF3mDhBhk/s400/%25D9%2586%25D8%25B8%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25A9+%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2582%25D8%25B7%25D8%25A7%25D8%25B9%25D8%25A7%25D8%25AA.gif
   كما قسم المدينة إلى خمسة مناطق منها المناطق الثلاث الآنفة الذكر ومنطقة للصناعات الخفيفة وتجارة الجملة وذكر هويت العوامل التي تتحكم بنمو قطاع المساكن ذات المستوي الراقي وهي:-
1- تتقدم المنطقة السكنية الراقية في نموها على طول طرق النقل السريعة أو باتجاه بورة جديدة من المباني أو المراكز التجارية والبنوك والدوائر الرسمية.
2- تنمو المناطق ذات الإيجار العالي باتجاه الأراضي المرتفعة نسبيا والبعد عن اخطار الفيضانات.
3- تنمو المناطق السكنية الراقية باتجاه الأراضي الريفية المفتوحة ذات الفضاء الواسع أو المناطق التي يسكنها وجهاء المجتمع.
4- لا تقفز المنطقة ذات الايجار العالي من منطقة الى أخري بصورة عشوائية بل تتبع مساراً محدداً وهو يفسر تحركها نحو أطراف المدينة وخاصة بعد إنشاء طرق النقل السريعة.

نقد النظرية:
1- تركزها على المناطق السكنية وإيجارات المساكن دون الاهتمام بالاستعمالات الحضرية الأخرى .
2-اعتمادها على مفهوم بسيط لتفسير التركيب الداخلي للمدينة .
3- غموض الطريقة التي تتكون بواسطتها القطاعات المختلفة في المدينة.
4- تداخل الاستعمالات الأخرى للأراضي مع الاستعمال السكني اذ ليس من الضروري التمييز بين القطاعات السكنية داخل المدينة.
5- لم تراعي النظري ظهور الضواحي خارج المدينة .
6- تفترض النظرية التوسع السكني يتم في سوق حرة دون تدخل من سلطات المدينة وهذا غير واقعي ،لأن الاستعمالات الحضرية للأراضي تخضع للتنظيم والتخطيط في معظم المدن المعاصرة.
ثالثا- نظرية النوى المتعددة:
     طور هذه النظرية الجغرافيان جانسي هاريس وأدورد أولمان عام 1945م ويري الباحثان أن المدن الكبرى غالبا ما تتكون من عدد النوي بالإضافة الى النواة المركزية التي تمثل المنطقة التجارية المركزية في قلب المدينة .
   وتنص النظرية أن وجود أكثر من مركز أو نواة وعندما تنمو النواة تصبح بؤرة ويرجع اصل النواة إلى كونها منطقة صناعية أو تجارية أو سياحية أو رصيف ميناء أو منطقة سكة حديد أو جامعة أو قرية نمت إلي بلدة صغيرة .
   وتعد النظرية أكثر واقعية من نظرية القطاعات فهي تهتم بتأثير التطورات التقنية الحديثة في تركيب المدن المعاصرة.
   لقد ظهرت بعدما تعرضت كل من نظرية الدوائر المتراكزة ونظرية القطاع إلى انتقادات عديدة، وقد برزت في منتصف الأربعينات، وتعتمد على فكرة أساسية مفادها أن نمو المدينة لا يعتمد على نواة واحدة بل نويات متعددة، ويعتمد كل من هاريس وألمان أن نمو المدينة يتشكل عبر أنماط عديدة ، شكل ( 3) ، ممثلة هذه الانماط بالاتي:
1- منطقة الأعمال والتجارة.
2- منطقة السكن المنخفض والبيع بالجملة.
3- المنطقة السكنية منخفضة الطراز.
4- منطقة السكن متوسط الطراز.
5-منطقة السكن عالي الطراز.
6- منطقة الصناعات الثقيلة.
7- منطقة أعمال واقعة على الأطراف.
8- ضاحية سكنية.
9-ضاحية صناعية.
شكل ( 3 ) مخطط لنظرية النوى المتعددة
     كما يعتبر مسألة تعدد النويات يختلف باختلاف المدن وتطورها التاريخي وتخصصاتها المختلفة، من جهة أخرى ربط توزيع المناطق السكنية حول هذه النويات بمسألة الدخل (دخل الأفراد)، أما عن العوامل الرئيسة المؤثرة في قيام النويات حسب هاريس وألمان فهي:
- بعض الأنشطة تتطلب تسهيلات خاصة (منطقة الأعمال المركزية).
- بعض الاستخدامات تستفيد من وجودها في مكان واحد (الصناعة وإقامة طبقة العمال).
- بعض الاستخدامات تميل إلى التعارض (المصانع ومساكن الطبقة الراقية).
-لا تستطيع بعض الأنشطة الحصول على مواقع متميزة (مناطق التخزين).
   إن عدد النوى أو المراكز ووظائفهما يختلف من مدينة إلى أخرى، ففي كل مدينة لابد من وجود منطقة تجارية مركزية، أما بقية المجموعة فربما تكون مناطق للبيع بالجملة أو الصناعة أو مناطق ترفيهية أو حكومية، والبعض منها يكون على شكل حي جامعي أو مراكز خارجية ثانوية للبيع بالمفرد أما الضواحي فاغلبها أما سكنية أو صناعية أو ترفيهية.
  وأخيرا فقد توصلا الباحثان إلى حقيقة مفادها أن بعض النوى أو المراكز تظهر في الأدوار الأولى من نشأة المدن، فمثلا اقيمت لندن الكبرى على أساس نواتين : هما مدينتي لندن ووستمنستر الاولى كمركز سياسي- اداري والثانية كمركز تجاري.
Mann’s Model of a Typical British Cityنموذج مان للمدينة البريطانية رابعا-
        استخدم مان تركيب المدينة البريطانية متوسطة الحجم (نوتنجهام وهديرزفيلد)، وافترض وجود مركز يسمح بالحركة التبادلية بينه وبين القرى المنفصلة خارجها، كما افترض أيضًا وجود الرياح الغربية  السائدة، ويتضمن النموذج خمسة نطاقات هي بالترتيب كما في الشكل (4 ) ويتضمن النموذج خمسة نطاقات هي بالترتيب :-
1- مركز المدينة.
2- المنطقة الانتقالية.
3- نطاق المنازل الصغيرة ذات الشرفات في قطاعات (ج ، د) ، والمنازل الكبيرة القانونية في قطاعات ( والمنازل القديمة الكبيرة في قطاعات ) أ (.
4-المناطق السكنية التالية لعام 1918 م، بينما يتركز سكن ما قبل 1945 على الأطراف.
5- قرى نامية ومتباعدة:
    علما بأن)  أ(  قطاع الطراز الأوسط، وقطاع (ب (يمثل الطراز الأوسط المنخفض، بينما تمثل (ج) مناطق سكن تابعة للبلدية. أما (د) فتمثل مناطق الصناعة والطبقة العاملة المتدنية.
    ويعد هذا النموذج محاولة واعية لصهر نموذجي برجس وهوت، ويتبين منه أن أفضل المناطق السكنية هي التي تقع على التخوم الغربية للمدينة، في الجانب المقابل للقطاع الصناعي الواقع في القطاع الشرقي، وذلك للاستفادة من توجيه الرياح الغربية عكس اتجاه السكن العالي المستوى، وصرف مخلفات الصناعة بعيدًا عن المنطقة السكنية ونحو خارج المدينة.
شكل (  4) نموذج مان للمدينة البريطانية
خامسا - نظرية التجمع :
    تبنى على أن نمو حجم المدينة هو نتيجة لعدة قوى تعمل مجتمعة ، وتزيد قوة هذه العوامل كلما زاد حجم المدينة ، ولذلك تنمو المدن الكبرى بمعدلات نمو أكبر من المدن الأصغر ، وقد قال برى في هذه النظرية أن التجمع يؤدى إلى الانتظام في توزيع أحجام المدن ، وأنها تؤدى إلى التأكيد على نظرية الرتبة والحجم .
   يلاحظ أن قانون التأثير النسبي The Law of Proportionate Effects هو تطوير لهذه النظرية ، وهو يؤكد على العوامل التي تؤثر على نمو المدن نسبيا مع زيادة حجم السكان بها ، وزيادة حجم السكان ناتجة من الزيادة الطبيعية ، والهجرة الداخلية ، وزيادة حجم المدينة له ارتباط قوى بفرص العمالة ، وبحجم السوق ، ولذلك تزداد معدلات النمو في المدن الأكبر حجما أكثر من المدن الصغرى .
    وقد كان نقد هذه النظرية حول اعتمادها على عوامل نسبية ، وفى الواقع هناك العديد من العوامل الواضحة التي تؤثر على حجم المدينة مثل الموقع ، والظروف الطبيعية ، والأساس الاقتصادي  وقد تفسر هذه العوامل النقص الذى يحدث في حجوم بعض المدن والزيادة التي تحدث في حجوم مدن أخرى ، وكذلك قانون الرتبة والحجم كخطوة من هذه النظرية هو محل تساؤل ،لأنه يعتمد على استنتاجات منطقية أكثر من الحقائق العلمية .



سادسا- طريقة الجار الأقرب   : Average Nearest Neighbor
        تعد طريقة تقنية مقيدة لإعطاء تخمين وتقييم تقريبي لمعالم التباعد بين النقاط، فهي تستخدم على وجه الخصوص بمثابة اختيار لمقدار العشوائية وطريقة وصفية ذات معلومات رقمية مناسبة تتيح مقارنة توزيعين أو أكثر.
  ويعتبر بعض الباحثين هذا الأسلوب بأنه الأفضل والأمثل لتحليل التوزيع المكاني بين أساليب اخرى، إذ أنه يبين المسافة المستقيمة بين النقط وأقرب مجاور لها لقياس تشتت النقط حول بعضه اي بمعنى آخر قياس علاقة النقط مع بعض في توزيعها المكاني ، مما له اهمية في دراسة مدى تشتت أو تركز الاستيطان وعلاقته المكانية مع بعضه البعض.
   ويحاول هذا التحليل المكاني معرفة نمط انتشار ظاهرة معينة جغرافيا أو مكانيا، وذلك من خلال مقارنة التوزيع الفعلي للظاهرة مع توزيع نظري معين.
  ومقياس الجار الاقرب ويسمى أيضا بمعامل صلة الجوار، حيث يمثل نسبة المسافة المقاسة( متوسط المسافات من كل نقطة الى اقرب نقطة لها) ، مقسومة على المسافة النظرية او النقاط المتوقعة في حالة النمط العشوائي لنفس عدد النقاط ، ونفس مسافة الظاهرة على الارض، ويحسب معامل الجار الاقرب بعدة صور:
 معامل الجار الأقرب= ل=2م
  او:
معامل الجار الاقرب=ل=م/م2
حيث:
م= متوسط المسافة الفعلية.
ن= عدد النقاط.
ح= مساحة المنطقة.
م2= متوسط المسافة المتوقعة(النظرية).
م2= 1/
حيث:
  ك= الكثافة=ن/ح.
     تعد المعادلة الأولى هي الاسهل لحساب قيمة معمل الجار الأقرب.
    تتراوح قيمة معامل صلة الجوار بين الصفر  و  2,15 وكلما اقتربت من الصفر كان التوزيع متجمعا وكلما اقتربت من الحد الHقصى كلما كان التوزيع منتظما، بينما القيمة 1 تدل على التوزيع العشوائي الكامل، جدول ( 1 )

جدول ( 1 ) نوعية النمط وقيمة معامل الجار الاقرب
النمط
قيمة معامل الجار
 الاقرب
النمط الفرعي
     قيمة معامل الجار         الاقرب
المتقارب/المتجمع
اقل من1,0
متجمع تماما
صفر


متقارب غير منتظم
من صفر الى 0,5


متقارب يتجه ناحية العشوائي
0,5-1,0
العشوائي
1,0


المتباعد المنتظم
اكبر من 1,0
المتباعد في المسافات
من1,0-2,0


المنتظم(الشكل المربع)
2,0


المنتظم(شكل سداسي)
اكبر من 2,0




    تطبيق الجار الاقرب على المراكز العمرانية في محافظة ميسان:
       من خلال تطبيق معادلة الجار الأقرب على المراكز العمرانية لمحافظة ميسان ومن دراسة الجدول ( 2 ) يلاحظ الاتي:
جدول( 2) التباعد المكاني بين المراكز العمرانية بمحافظة ميسان لعام 2016
القضاء
المساحة كيلومتر مربع
عددا لمراكز العمرانية
متوسط التباعد
العمارة
4518.47
97
7.3
الميمونة
2081.49
110
4.6
علي الغربي
3596.85
75
7.4
المجر الكبير
1434.92
46
6
الكحلاء
3058.4
97
6
قلعة صالح
1381.87
51
5.5
المتوسط
16072
476
6,2
معامل الجار الاقرب= ل=2م (ح/ن)
= 2× 2.6   
=30.16
    يدل الناتج ان نمط توزيع المراكز العمرانية في محافظة ميسان غير منظم.
استعمالات الارض داخل المدينة:
    تعد المدينة مكاناً لسكن الناس وممارسة أعمالهم , ويقوم السكان بتنظيم استخدامات الأرض بناءاً على حاجاتهم المختلفة ، ويشمل مجال المدينة أو حيزها النقاط التالية :-
1- مساحة الأرض التي تشغلها المدينة وتشمل الأرض والتربة .
2- مناطق مائية تكون ضمن حيز المدينة وعادة ما تكون صغيرة المساحة .
3- المجال في المنشآت ذات البعد الثلاثي  ( الطول - العرض - الارتفاع ) .
     تتعلق دراسة استخدامات الأرض في المدينة باستغلال السطح حيث تخصص مساحة معينة لوظيفة أو أكثر أو لنوع معين من الاستخدام , وفي بعض الأحيان يكون الاستخدام كثيفاً كما في المناطق التجارية ، وفي أحيان أخرى يكون استخدام الأرض ليسد حاجة أعداد كبيرة من الناس مثل الحدائق والمنتزهات .
   وتعتبر المدينة انعكاس لكيفية تنظيم المجتمع لنفسه ، وهناك مجموعة من العوامل تؤثر في وضع قطعة أرض معينة تحت استخدام معين منها:
1- الخصائص الطبيعية لقطعة الأرض .
2- السياسات الإدارية وتنظيم المدينة ودور الدولة وهيئات التخطيط المحلية .
3- موقع قطعة الأرض بالنسبة للمدينة : هل هي قريبة من المركز أو على الأطراف ؟
4- قيمة قطعة الأرض : حيث أن السعر للأرض داخل المدينة هو الذي يحدد الأغراض الوظيفية سواء التجارية أو الصناعية أو السكنية أو تركها دون استعمال.
5- سلوك الفرد وقراراته : حيث أن استخدام الأرض داخل المدن دائم التغيير ويدخل في ذلك سلوك وقرارات الأفراد : ويمكن القول بأن تغيير استخدام الأرض هو نتيجة لعمليات اجتماعية Socio – spatial .
6- هناك اتجاه حديث يطلق عليه اسم Post Modernism حيث أن استخدامات الأرض الحديثة بالمدن تأخذ حقوق الطبقات المهمة بالمدينة والمناطق المحرومة والأقليات.
7- هناك علاقة ما بين استخدامات الأرض وطرق وتقنيات النقل أو ما يسمى بسهولة الوصول Accessibility .
      قياس استخدامات الأرض وتصنيفهاMeasurement & Classification of urban land  use
   تعد قطعة الأرض في المدينة Land parcel التي توضع في استخدام معين ، الوحدة الأساسية التي يعتمد عليها تصنيف استخدامات الأرض في المدن ، وهذه الوحدة ذات مساحة معلومة وملكية محددة ، ولها حدود قانونية لذا فإن تصنيف استخدامات الأرض وتجميعها في مجموعات ، يعد أمراً ضرورياً من أجل دراسة الاستخدامات .
  كما أن عملية التصنيف تعتبر أول خطوة مهمة لفهم التركيب الداخلي للمدن لذا فإن استخدامات الأرض نالت اهتمام الجغرافيين والمخططين والمهندسين والاقتصاديين , وقد لوحظ أنه كلما كانت الاستخدامات واضحة ومحددة فإن ذلك يفيد في وضع التخطيط المثالي للمدينة، كذلك يجب ملاحظة أنه لا يوجد تصنيف معين لاستخدامات الأرض يناسب جميع الاحتياجات في المدن .
    إن أول محاولة لتصنيف استخدامات الأرض في المدن الأمريكية كانت من جانب هارلاند بارثولوميو Harland Bartholomew 1955 ، الذي أعتمد في دراسته لاستعمالات الأرض على أساس تقسيمها إلى كتل مبناة وأراضٍ فضاء ، ثم تقسيم الكتلة المبناة إلى مناطق استعمالات خاصة ومناطق عامة وشبه عامة ، ثم تقسيم كل من هذه الأقسام إلى تصنيفات فرعية، هذا ما أوضحه NORTHAM  في حديثه عن تصنيف باروثولوميو لاستعمالات المدن الأمريكية.
    وهناك تصنيف آخر يعتمد على خصائص ومزايا استخدامات الأرض قدم من جانب منظمات مهنية للتخطيط Professional planners organization ويقسم الخصائص إلى مجموعتين :-
1- خصائص وظيفية Functional characteristics .
2- خصائص أخرى Other characteristics وتشمل بشكل عام يمكن تصنيف استخدامات الأرض في المدن إلى ست فئات هي :-
أ- أغراض السكن Residential .
ب- أغراض صناعية Industrial .
جـ- أغراض تجارية Commercial .
د- أغراض طرق Roads & high ways .
هـ- استخدامات عامة وشبه عامة Public & semi-public land .
ز- أراضي فراغ Vacant land .
وقد أوضحت بعض الدراسات مثل Bartholomew 1955 ودراسات Montgomery 1969 نسب هذه الأغراض والاستخدامات في مدن أمريكا الشمالية كما يلي :-
- الاستخدامات السكنية 30 %.
- الاستخدامات الصناعية 9 %.
- الاستخدامات التجارية 4 %.
- استخدامات الطرق 20 %.
- استخدامات عامة وشبه عامة 15 %.
- استخدامات الفراغ 23 %.
     ويجب التأكيد على أنه يصعب توفير بيانات عن حجم الأرض المستعملة للأغراض المختلفة في المدن بشكل عام ، وكذلك يصعب الحصول على البيانات ، وقد تتوافر بيانات متعلقة باستخدامات الأرض في مدينة ما ولا تتوافر في مدينة أخرى ، كذلك لا تتوافر بيانات للاستخدامات ذاتها للفترة الزمنية، ولكن يمكن الاعتماد على بعض المعلومات المتوفرة عن المدن الأمريكية لتكون مؤشرات عامة لاستخدام الأرض في المدن وبشكل عام تبلغ نسبة الأراضي المطورة بالمدن الأمريكية نحو 77 % والأراضي الفراغ 23 % .
                         مورفولوجية المدينة
       تعني المظهر العام للمدينة, والذي يتغير من فترة لأخرى عبر تاريخها الطويل والمدن عموما تمر بمراحل مورفولوجية عديدة ، ولكل مرحلة خصائص ونماذج وأشكال معمارية تميزها عن المرحلة الأخرى وتمثل الموروث الحضاري الذي يعبر عن ثقافة سكان المدينة في تلك الفترة والذي يعكس النسيج الحضري للمدينة من خلال المخطط الأساسي المتضمن شبكة الطرق والمواصلات, وتوزيع استعمالات الأراضي والمخططات التفصيلية التي تحدد شكل قطع الأراضي وتصاميم الأبنية والفن المعماري .
     ويظهر التباين في المراحل المورفولوجية نتيجة تغير تلك المكونات, حيث تتغير المخططات الأساسية من فترة لأخرى, وبالتالي تغيير استعمال الأراضي من حيث التوزيع والمساحة، كما أدى التطور والتقدم العلمي إلى تغيير النمط العمراني للمناطق السكنية ونماذج الأبنية وحجومها وارتفاعها والمواد المستخدمة في البناء, مما ينعكس على الفن المعماري المتبع في تصميم تلك الأبنية أيضا، إضافة إلى تغير أنماط الشوارع والدور الوظيفي لها من فترة إلى أخرى .
   إن معرفة مورفولوجية المناطق الحضرية ودراستها في البلاد المتطورة حديثاً تمكن من فهم الخصائص العامة للمدن ولإمكانات بلدانها. لقد وضح عدد من الجغرافيين أثر الموضع كعامل يؤثر في توجيه نمو المدينة ويتحكم في تخطيطها ، ويوجه مناطق امتدادها ، وفي نفس الوقت يسبغ عليها مظهراً خارجياً وشكلاً عاماً تتميز به عن المدن الأخرى. كما وأن دراسات تخص مورفولوجية المدينة تناولت الخطة وأشكال النمو والتركيب الداخلي والتجمع المدني.
    تضم المدن بين ثناياها العديد من الأسرار والكنوز الثمينة التي قد لا تقدر بثمن ، ولعل من بين هذه الكنوز هي الأشكال والنماذج والصور العمرانية التي شكلتها المدينة خلال عمرها الطويل ، أنما يمكن التركيز علية هنا هو أن لعوامل التطور العمراني والحضاري في المدينة دورا بارزا في تشكيل بنيتها العمرانية والتي تضم النماذج المعمارية الفريدة للمباني والشوارع التي تؤثر بالنتيجة على مظهر المدينة الخارجي . ويقصد بمورفولوجية المدينة تفاعل الشكل مع الوظيفة وينتج عنها المظهر الخارجي او الهيئة الخارجية للمدينة التي يمكن الاستفادة منها اليوم في دراسة التاريخ العمراني-الحضري لأية مدينة واستخلاص جملة العوامل والمؤثرات التي وقفت وراء تشكيل مثل هذه النماذج والإشكال في كل فترة زمنية من عمر المدينة ، كل هذه المتغيرات تدرس ضمن مفهوم شاع استعماله يطلق علية مورفولوجية المدينة morphology urban  والذي يسعى إلى الكشف عن المظهر الخارجي وتحليل عناصره الداخلية التي تشكلت عبرها بنية المدينة العمرانية .
  ويختلف مفهوم المورفولوجية لدى المختصين في جغرافية المدن ، ذلك أن معظمهم يدرسها على أساس الربط بين عدة مظاهر حضرية مادية وغير مادية ، مثل الموضع والموقع والشكل والتركيب الداخلي مع تبيان علاقة ذلك كله  بالوظيفة ، بالإضافة إلى البعد التاريخي باعتباره مؤثراً في موضعها وموقعها وتطور خدماتها وتوسعها.
    وقد أوضح كل من باشا وباغ (ان مورفولوجية المدن تعني ، خصائصها ومظاهرها من حيث تخطيط شوارعها وطرقها والمساحات التي عليها أحيائها بمعنى أن غاية مورفولوجية المدينة هي دراسة مجالها ، أي المساحة الأرضية التي عليها استعمالات الأرض ومدى توسعها ، ودراسة تنظيم هذا المجال حتى تؤدي المدينة وظائفها على أحسن وجه).
   أشارLynch.k انه عند دراسة المدينة مورفولوجيا لابد من الحديث عن المميزات والخصائص الداخلية للمدينة بطريقة يمكن من خلالها توضيح الشخصية المنفردة لها .
  وبالرغم من ان لكل مدينة مراحلها المورفولوجية التي تحكي تاريخها الحضري فانه يمكن تحديد مراحل عامة لها ممثلة بالاتي:-
1- مرحلة النشأة: يعد البعد التاريخي للمدن على قدر كبير من الأهمية ، فهو أساس للدراسة الأصولية ، إذ يصعب فهم المدينة المعاصرة في بعض الأحيان بدون الخلفية التاريخية حيث يبين أبو عيانة أن لابلاش اوضح ( إن المدينة كالشجرة تربتها الجغرافية وماؤها التأريخ ) ، فالدراسة التاريخية للمدينة تساهم في التعرف على محاور امتدادها عبر الفترات المختلفة، ومقدار النمو الحضري الذي حققته خلالها، والوقوف على الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تضافرت في إعطاء المدينة وضعها الحضري في الوقت الحاضر ، ومن ثم توقع الزيادة المستقبلية لمساحتها الحضرية ومحاور اتجاهها ، وذلك وفق مسار الامتداد الحضري ، وأماكن الخلل في نسيجها الحضري ( physical )، في هذه المرحلة يبرز العامل الاساسي الذي ادى الى نشوء المدينة، سواء كان دينيا او حربيا او ادريا ، وليس شرطا ان تستمر المدينة في تأدية وظيفتها من خلال هذا العامل بل قد تتبدل وظيفتها.
2- مرحلة النمو: في هذه المرحلة يزداد سكانها وتتوسع اتجاه الأطراف وتتحول من مستوطنة صغيرة الى بلدة.
3- مرحلة النضج: فيها يتضخم السكان وتزداد الكفاءة الوظيفية للمدينة ولإقليمها، حيث ترتقي البلدة الى مستوى مدينة.
4- مرحلة الاكتمال: تبرز المدينة في تأدية وظيفتها الأولى على مستوى البلاد كان تكون عاصمة إدارية أو تجارية أو سياسية أو تكون مركزا دينيا، وترقى من مدينة الى مدينة كبرى ، ويشير بعض الباحثين الى أن المدينة العربية مرت من خلال تاريخها بثلاث مراحل مورفولوجية إذا ما اعتمدنا الانماط السكنية معيارا للتغير، إلا أنه يمكن زيادة هذه المراحل حسب طول تاريخ المدينة وبنيتها الوظيفية .
  إن دراسة تطور النمو الحضري لمدينة ما تكشف عن الملامح الحضرية لها ، وتبحث عن مقومات النمو وإمكانيات التنمية الحضرية خلال الفترات المختلفة من حياتها ، كما تكشف عن نمط النسيج الحضري وكثافة التعمير بها ، علاوة على أنها توضح مقدار الإضافات الحضرية في كل مرحلة من المراحل المختلفة ، وتحلل آليات النمو وتأثير الضوابط الجغرافية التي تعوق النمو الحضري وتؤثر في حركة التعمير واتجاهاتها ، إذ يتبين من خلال تتبع المراحل التي مرت بها المدينة مدى التوسع في عمرانها.
اهمية مورفولوجية المدينة:
     يعتمد المعماريون والمهندسون المدنيون وجغرافيو المدن وعلماء الاجتماع والاقتصاد على معرفة ودراسة مورفولوجية المدينة وذلك لفهمها على اعتبارها كائنا حيا متطورا.
   والمورفولوجية  تعبير عن تفاعل الوظيفة بالشكل، وبفهم هذا التفاعل يكون بالإمكان تفسير الظواهر المعمارية، وما يساعد معرفة مورفولوجية المدينة هو دراسة العناصر الاتية:-
- وظائف المدينة ومدى تأثيرها على شكلها الخارجي.
- مركز المدينة وما يجري حوله من تغيير.
- أطراف المنطقة التجارية وأطراف المدينة وضواحيها.
-سكان المدينة.
-نمو المدينة.
-الأقاليم الحضرية داخل المدينة.
       وبدراسة هذه العناصر والعلاقة بينهما وما يجري عليها من تغيير تعطي الصورة النهائية للمدينة أو شكلها، ومن دون معرفة واقع مورفولوجية المدينة لا يمكن أن يخطط لتطويرها.


1- خطة المدينة :
       تتأثر خطة المدينة بطبيعة المكان من حيث الارتفاع والانخفاض والضيق والاتساع ووجود المجاري المائية أو انعدامها ، على سبيل المثال تقام مدن في الوديان وتتخذ شكلاً طولياً نتيجة لامتداد الطرق وبالتالي تبنى المباني في هذا الاتجاه .
    كما أن وظيفة المدينة تؤثر في شكلها وخطتها ، فما زالت المدن التجارية القديمة تحتفظ بالشارع الطويل المستقيم الذي كان يمارس عليه نشاط التجارة،  كما أن الميناء يجذب الشوارع إلى أرصفته أيضا، والمدينة الدينية تتأثر في تخطيطها بوجود المكان الديني، وتوجد ثلاثة أنواع من الخطط هي:
أ-خطة الزوايا القائمة: ضمن هذا النظام تقسم المدينة إلى عدة أقسام منتظمة تفصلها شوارع مستقيمة ومتعامدة، ولهذا النظام مميزات عديدة ومرغوبة لأنه يؤدي إلى تقسيم المدينة إلى عدة أجزاء بسيطة، وترتفع المباني بسهولة ويسر دون تعقيد ، كما يمكن تقسيم المدينة إلى أجزاء متساوية تسهيلاً لخدمات الشرطة والمواصلات.
    إن هذا النمط كان متبعا في الإمبراطورية الرومانية ، فقد تميزت مدنهم بتعامد شوارعها ووجود الأسوار حولها ذات الأشكال المربعة أو المستطيلة.
ب- الخطة الإشعاعية ذات الدوائر المركزية: تنتظم المدينة التي تبنى وفق هذه الخطة على شكل حلقات متتابعة حول نقطة مركزية ، ومن هذه النقطة تخرج طرق إشعاعية من قلب المدينة على شكل شبكة مواصلات يسهل عن طريقها الوصول إلى جميع أطراف المدينة.
   إن هذه الخطة لا تخلو من عيوب ولعل أبرزها أن الصلة بين أجزاء الخط الدائري ليس متصل بعضها ببعض وتكون طويلة، كذلك فأن تقاطع الشوارع تارة مع الدوائر وتارة أخرى مع الأقطار يؤدي إلى وجود مساحات يصعب الاستفادة منها في البناء.  
   كما أن حركة النقل تشكو من البطء على مفترق الطرق الحلقية والشعاعية ، لذا تسعى السلطات إلى حل هذه المشكلة عن طريق تحويل الأشكال السداسية الناجمة من تقاطع الشوارع الدائرية بالطرق الشعاعية إلى أشكال دائرية بقدر الإمكان، حتى يكون مجالا أوسع للرؤيا والحركة السريعة.
جـ- الخطة الشريطية: تعتبر أكثر تفصيلاً بالوقت الحاضر، وقد طبقت في مدينة مدريد عام 1894 م، كما أتبعت في تخطيط المدن في روسيا.
     ويعتقد (ستيفن دال )الذي أبتدع خطة لمدينة شريطية مثالية تمتد على جانبي طريق رئيسي وعلى جانبيه تمتد المباني السكنية ، وأن في مثل هذه المدينة يستطيع 20000 نسمة أن يمارسوا حياتهم ببساطة ، ويبدو من هذه الخطة أنها تكون نوعا من خطة الزوايا القائمة ولكنها تتميز بالطول الكبير.

2- أتساع المدينة:
      إن نمو المدينة يكون تدريجياً ولا تكتمل وظيفتها ولا شكلها النهائي إلا بعد مرور فترة طويلة من التطور ، وحتى المدن التي رسم تخطيطها قبل إنشائها يلاحظ أنها لا تنمو بنفس الشكل الذي رسمه المخططون لها، لان لكل عهد تطوراته وملاءمته مع احتياجات المدينة.
     يكمن التعديل الذي يطرأ على خطة المدينة في معرفة أتجاه توسعها وبناء الشوارع المستقيمة المتقاطعة التي توصل جميع أجزائها ، فضلا عن أن للموضع دوراً كبيراً في تحديد ظروف الامتداد، وعليه فليس من السهل أن نفهم تخطيطها دون معرفة الطريق الذي سارت فيه حتى كبرت ونمت ، وفي معظم الأحيان نجد أنها تكبر وتزدهر وتنمو في جميع الاتجاهات وتبدو في النهاية على شكل الإخطبوط ، كما تقام المباني الجديدة فوق المباني القديمة ، وفي بعض الأحيان تنشأ مراكز صغيرة لتجمع السكان بجوار المدينة مما يحدث إرباكا للسلطات المحلية.
    فاتساع المدينة أحيانا قد يكون عشوائيا تراكميا من خلال ظهور أحياء العشش أو الصفيح التي تنمو على أطرافها ، كما في (ريودي جانيرو) وفي بعض المدن بإفريقيا، وأحياناً يحدث نمو عشوائي متعدد النوايا ويكون النمو في بدايته الأولى في ظهور نواة عمرانية جديدة على مقربة من المدينة القديمة، وعندما يمتد النمو العمراني إلى المدينة يأخذ صورة مركبة وتقوم مدينة جديدة على مقربة من المدينة القديمة، وأحيانا يحدث انفصال بين النواة العمرانية الجديدة والقديمة نتيجة لتلبية رغبة اجتماعية لدى طبقة معينة من السكان ، التي غالبا ما تكون برجوازية تقيم في أحياء خاصة ،كما في مدينة جلاتا في تركيا إذ بناها كبار التجار في إسطنبول لتكون مدينة خاصة بهم، كما توجد مثل هذه المدن في أوربا وبعض دول العالم الثالث وأحياناً تنمو المدينة الجديدة وتتسع حول المدينة القديمة ويتطور طراز البناء بها نتيجة لازدياد أعدادها السكانية ، كما في مدينة شنغهاي في الصين وطوكيو باليابان والقاهرة بمصر وطرابلس بليبيا وبغداد بالعراق التي أتسعت على ضفاف نهر دجلة.
اقليم المدينة
     هو مفهوم مركب يعنى في الواقع عدة مجالات يرتكز بعضها فوق البعض ،لا تتفق تماما في حدودها ولكنها تتقاطع وتبدى الكثير من التفاوت في الاتساع والشكل بالنسبة للمدينة الواحدة ، هذه المجالات هي حدود الخدمات الهامة التي تقوم بها المدينة، وتختلف هذه الصلات ضيقا واتساعا وضعفا وقوة تبعا لحجم المدينة وقوتها ونشاطها وكثافة سكانها.
   لكل مدينة مهما كان حجمها علاقات متبادلة مع منطقة تحيط بها تتباين مساحتها بحسب حجم المدينة وهذه المنطقة تسمى اقليم المدينة أو ظهير المدينة أو منطقة النفوذ أو الحقل الحضري وغيرها ،إلا أن الاقليم يمكن تقسيمه إلى جزئيين أحدهما يقع حول المدينة مباشرة ويرتبط بها بدرجة شديدة أي ان 80% من السكان في هذا الجزء يراجعون المدينة المعنية للحصول على البضائع والخدمات فتسمى أحيانا بالمنطقة المماسة أو قد يطلق عليها اسم النطاق الملاصق للمدينة.
  أما الجزء الآخر فهو المنطقة غير المجاورة أو غير المتماسة مع المدينة، وذلك لان نسبة غير كبيرة من السكان تكون لها علاقات اقليمية مع المدينة ونسبة أخرى مع مدينة ثانية وقد يطلق عليها تسمية التطابق الثاني أيضا ، ومن المعروف ان لكل مدينة نطاق من الأرض يحيط بها تخدمه وتعتمد عليه لكونها لا تستطيع أن تعيش مكتفية بذاتها معتمدة على مواردها الحضرية دون أن تهتم بما هو غير حضري ( الريف المحيط بها ) وهذه الظاهرة جعلت الرابطة قوية بين المراكز الحضرية والمناطق الريفية المتاخمة لها بحث أصبحت العلاقة وثيقة بينهما ،لا يمكن لاحدهما الاستغناء عن الآخر ، كما يرى ديكنسون فان العلاقات الاقليمية التجارية للمدينة تظهر وجود ثلاثة انطقه ضمن الاقليم المحيط بالمدينة تبتدأ من اطراف المدينة نحو خارجها .
      أولها النطاق الأكثر التصاقا بالمدينة وهو الذي يمثل النطاق الانتقالي بين المدينة والريف ،اما النطاق الثاني فيوجد على بعد يتراوح على بعد 25 إلى 30كم من مركز المدينة وهو الذي تتزايد فيه حركة النقل والمواصلات وتوجد فيه مخازن البضائع والثالث الذي يكون عرضه لمنافسة مدن أخرى خاصة إذا ما كانت المدينة القريبة المتقاربة معها في الحجم وفي نوعية ما تقدمه من بضائع وخدمات ، وتحتل دراسة اقليم المدينة مكانه خاصه في جغرافية المدن لان ذلك الاقليم يقوم على أساس الترابط والتفاعل بين المدينة المعنية بالدراسة وما حولها من رقعه جغرافية ترتبط معها بعلاقات متعددة وعلى الرغم من ان دراسة اقليم المدينة وكيفية تحديده أصبحت تخضع لوسائل قياس دقيقه في كثير من الأحيان حيث اتبعت في ذلك العديد من الأساليب الاحصائية والطرق الكميه فان الاقليم قد يختلف الباحثون في تحديده ذلك بسبب اختلاف نظرتهم وتطبيقهم لتلك الوسائل وبسبب اختلاف المرحلة أو المستوى التقني الذي له علاقه بالانتشار الحظري أو بكيفية الحصول على السلع والخدمات ونوعيتها الذي له علاقه قويه بالمستويين المعاشي والثقافي ، وفي دراسة اقليم المدينة فان المعني بالجغرافيا يسال عن ما هو الامتداد الذي تقف عنده خدمة المدينة ؟ وما هي درجة الخدمة التي تقدم في كل جزء من هذا الامتداد؟ وهل يمكن قياس هذه الدرجة أو اثرها بوسيله احصائية أو أكثر ؟ وما الذي تقدمه المدينة لما حولها من أجزاء والى أي حد تعتمد المدينة على الاقليم المحيط بها في التزود بالغذاء ومن أي مكان يجلب الغداء إلى سكان المدينة ويؤيد سميلز هذا المنهج إلا أنه يركز في اعتبار الخدمات من أهم العلاقات التي تربط بين المدينة واقليمها بل انه يعتبرها مبرر وجودها وازدهارها فيما بعد.

العلاقات الاقليمية الريفية – الحضرية:
      قام العديد من العلماء بتحليل دقيق للعلاقات الوظيفية بين الريف والحضر, ومن المعروف لكل باحث إن المدينة يحيط بها دائما نطاق من الأرض تخدمه وتعتمد علية فالمدينة لا يستطيع إن تعيش مكتفية بذاتها, معتمدة على مواردها الحضرية فتقوم بأعمال لا بد  ان تؤدى في أماكن مركزية (كما قال جيفرسون), فهناك تفاعل وثيق بين المدينة وريفها, يتكون من مجموعة من الأفعال وردود الأفعال المتبادلة تنتهي بخلق مركب إقليمي متميز, وان تأثير المدينة على الريف فيه انعكاس لتخصصها الوظيفي ولهذا لا يمكن إن نتصور الريف بلا مدينه أو المدينة بلا ريف، فالمدينة التقليدية التي عرفت من حيث الشخصية- بأنها (مدن أسواق) تقوم بمجموعة من الوظائف لخدمة الإقليم الذي تقع فيه ، وبذلك تقوم مدن الأسواق هذه نيابة عن مناطق الأرياف الواقعة حولها بمجموعة من الوظائف والخدمات الأساسية وأهميتها هنا تبقى في كونها مكانا مركزيا بالنسبة للإقليم الذي تخدمه، وتكمن أهميتها في وجود مساحة من الأرض وعدد من السكان يعتمدون على هذا المكان المركزي في نشاطهم الاجتماعي والاقتصادي، وكان من الطبيعي إن تكون المدن هي نقطة التقاء (الإنتاج) لكل من سكان الحضر والأرياف على السواء.
     إن بعض مدن الأسواق ما زالت توجد حتى ألان في أماكن متقاربة على الرغم من إن المراكز الحضرية الأكبر قد أخذت جزءا من وظائفها والسبب في ذلك هو إن هذه المدن مازالت مراكز مهمة لتسويق المنتجات المحلية لزوجة الفلاح التي ترغب في الذهاب إليها دائما لقضاء ضروريات الحياة اليومية.
   ويحاول ديكنسون Dickinson تعريف إقليم المدينة فيقول انه ذلك النطاق الذي يحيط بالمدينة المركزي (إلام) فهذه المدينة هي بحكم مركزها وموقعها كسوق للاقليم ومصرفه وربما مصنعه وإدارته وخدماته الصحية والثقافية والترفيهية إلى غير ذلك .
   وتمييزا لإقليم المدينة عن غيرة من الأقاليم فقد أطلقت علية عدة تسميات خاصة, فقد سماه سميلز بالحقل الحضري Field  Urban  وسماه مخططو المدن ( بالإقليم الوظيفي Region  Functional  )كما سمي بالأقاليم المنظم Organizational  ومنهم من استعمل مصطلح (مجال التأثير الحضري)  Field Urban Influence  .
   فتقسيم العالم إلى أقاليم مدن ليس حلا لمشكلة الإقليم الجغرافي, وان إقليم المدينة ما هو إلا نوع من تلك الأنواع ابتدعها الجغرافيون لبلوغ قمة الجغرافية, وتوجد مساحات واسعة في قلب عدد من القارات  وبخاصة في إفريقيا وأميركا الجنوبية لا تنتمي إلى أي من أقاليم المدن لسبب واضح هو غياب مدينة تحتل بؤرة الإقليم.
     إذن فقد بنيت فكرة إقليم المدينة على أساس العلاقة بين المدينة وما حولها من ريف ومدن اصغر, وقد تباينت العلاقات المكانية من عصر إلى أخر, إما نتيجة لاختلاف المرحلة أو المستوى التقني وخاصة فيما يتعلق بالمستوى الحضاري, أو لظهور علاقات جديدة ووسائل لم تكن معروفة من قبل، فقد أدى التطور الكبير في وسائل النقل والمواصلات إلى اختلاف مجالات نفوذ المدن، ومرت العلاقات الإقليمية الريفية والحضرية خلال التاريخ بتطورات كبيرة ، فالمدينة كانت جزء من الريف وتعتمد علية اعتمادا يكاد يكون كلي، حيث كانت المدينة تأخذ ولا تعطي إلا الشيء اليسير.
   ويفسر ذلك ببساطة حياة أهل الريف، وبذلك الاكتفاء الذاتي الذي ميز حياتهم بحيث استغنوا إلى حد كبير عن العالم الخارجي في تلبية مطالبهم اليومية، ومع ذلك أخذت المدينة تثري على حساب الريف بفضل ما أوتيت من خبرة وقدرة على استثمار المال وادخاره, وبالمال فرضت سيطرتها على الريف, وملكت أراضيه بل ومن يعيش عليها ، وقد تغيرت هذه العلاقة مرة أخرى عقب الانقلاب الصناعي وما ارتبط به من تطور مثير في وسائل النقل والمواصلات.
   صارت المدينة اقل اعتمادا على الريف المجاور ولكنها صارت في نفس الوقت محط أنظار أهل الريف وقبلتهم يقصدونها لقضاء حاجاتهم وربما للعيش منها إذا طاب لهم المقام، لقد صار تأثير المدينة في الريف نافذا وصارت الوظيفة الإقليمية لا تقل أهمية عن الوظائف المحلية، ولهذا السبب ارتبط الريف مع المدن المجاورة بالعديد من العلاقات الإقليمية يمكن إن تدرج فيما يأتي:
1- العلاقات الزراعية :
      بما إن الزراعة هي النشاط الاقتصادي الرئيسي في المناطق الريفية لذا فقد أفردنا لهذه العلاقات مجالا مستقلا لما لها من أهمية كبيرة ونسبة عالية ضمن العلاقات الريفية – الحضرية، فريف المدينة هو مجالها الفسيح الذي يكون إقليم تغذية وتموين لها .
     كما إن الزراعة تعد من المجالات التي تنفذ من خلالها المدينة إلى الريف على الرغم من ان حياتها صارت متعلقة أكثر من ذي قبل بالتجارة أو الصناعة، وتعتمد المدينة في غذائها خاصة السريع التلف منه على الريف المجاور حتى إن كثيرا من البساتين تقع على مقربة منها, والى اليوم يتوقف عمق المجال الذي تحصل منه المدينة على حاجاتها من الفواكه ومنتجات الألبان على مدى تقدم وسائل المواصلات, ففي الدول النامية تضيق الرقعة التي تمد المدينة بحاجاتها اليومية من المواد الغذائية بينما تتسع وتطول المسافة في الدول المتقدمة, فحدود المنطقة التي تمد باريس بالحليب مثلا تبعد عن مركز المدينة بنحو 400 كم وتعتمد لندن في سد مطالبها منه على كل السهل الانكليزي.
    أما عن المحصول الزراعي في الريف حول المدينة فتوجد هنا ضوابط الطلب وسعر الأرض وتكاليف الإنتاج مع طبيعة المحصول من حيث الوزن والقابلية للتلف لها توجيه واحد مشترك، فالمحاصيل العالية القيمة, السريعة التلف, التي تطلب طازجة تحتل اقرب ارض إلى المدينة, إما المحاصيل الثقيلة القليلة القيمة التي تعيش طويلا فتكون بعيدة عن المدينة، ومن هنا يظهر تخصص في المركب الزراعي بحسب المسافة من سوق المدينة, أي تنضد المحاصيل في نطاقات واضحة.
   وقد حاول عدد من الجغرافيين تصوير تتابع النطاقات التي تمد المدينة بالخضروات والفواكه ومنتجات الألبان وغيرها من متطلبات الحياة اليومية على أساس أنها تأخذ ترتيبا خاصا وقد خرج بعضهم برأي مفاده ان تلك النطاقات تأخذ ترتيبا خاصا, فالنطاق الأقرب إلى المدينة هو نطاق الورود ثم يليه نطاق الخضر والفواكه, إما النطاق الثالث فهو مخصص لزراعته كثيفة عمادها تربية الماشية من اجل ألبانها وينتهي هذا النطاق بمنطقة لتربية مختلف الحيوانات وهذه بدورها يحوطها نطاق من الغابات، وهي نطاقات تنتج بسبب تفاعل عوامل بشرية وطبيعية في إطار حضاري خاص ولكل بيئة مناخية ترتيب يناسب ما فيها من صفات فما ذكر في التتابع أعلاه يتلاءم مع العروض المعتدلة الرطبة.
   أما فيلله Fleure  فقد وجد في دراسته لقرية بيركنفلد Birkenfeld نطاقين من كثافة الإنتاج: نطاق قرب القرية ونطاق بعيد عنها فالنطاق الداخلي يمتاز بدوره زراعية ثلاثية واستعمال غزير للأسمدة الخضراء والحيوانية، أما النطاق الخارجي فدورته خماسية وسداسية, يختفي منها البنجر الثقيل تماما ويحل محلة الشوفان والبريسم وكالهما اقل عائداً.
  وقد رسم ميلر خطوط الأزمان المتساوية للتسميد فوجد أن أبعدها في النطاق الداخلي حوالي ساعة, بينما هي ساعتان في النطاق الخارجي , أي من الممكن نقل حملين من السماد إلى الأول مقابل كل حمل إلى الثاني، من هنا أصبح التسميد أكثر تعذرا في النطاق الخارجي ومن ثم كانت الدورة خماسية لا تحتاج إلى كثير من التسميد، مما يعني إن كثافة الإنتاج تزيد بينما تقل نسب تكاليف التسميد كلما اقتربنا من المدينة         وفي النطاقات الريفية المحيطة بالمدن التي تنتج ما تحتاجه المدن من المحاصيل المذكورة آنفا, وتختار المناطق ذات التربة الخصبة والمياه الوفيرة وفي حالة عدم توفر هذه التربات فإن الفلاحين يستخدمون الأسمدة العضوية لزيادة خصوبتها وخاصة في الأجزاء التي تكون حولها المدن كبيرة الحجم ولهذا تحاط كل مدينة بحلقة من (أكثر أنواع التربة) خصبا وإنتاجاً وتمتد إلى مدن لا يمكن لرجل إن يذهب بالحمل ويعود في اليوم خاصة في الأقطار النامية والكثيفة السكان.
2- العلاقات التجارية والصناعية :
     لا يمكن ان تكون القرية استيطانا مستقلا قائما لوحدة بل ان القرى هي اجزاء من نظام استيطاني معقد تكونه العديد من الانظمة الاجتماعية الاقتصادية، ويضم العشرات من القرى ذات الحجوم المختلفة تنتظم كلها في شبكة ذات علاقات مكانية متكاملة تشكل المدن مراكزاً لهذه الاقاليم، وبما انه ليس من المعقول تطوير كل قرية على حدة حتى تصبح مكانًا يقدم مجموعة من الخدمات التسويقية أو الإدارية أو الترفيهية ، فإن عملا من هذا القبيل ليس دون طاقة أي بلد نامي فحسب ، بل انه مطلب لا يمكن ان يصل اليه حتى البلدان المتقدمة بسبب الاتفاق العالي الذي يتطلبه وبسبب عدم امكانية توفير الوقت والجهد والعنصر البشري لمثل هذا التطور.
   إن أقاليم الأرياف والحضر لا يمكن أن تعيش في معزل عن بعضها البعض، لأن كلا منها قاعدة للأخرى, وان هذا الارتباط له طبيعة عضوية وجغرافية, ذلك لان جميع مراكز الحضر كانت مراكزاً للأسواق لذا لا يوجد خلافا بين السوق والمدينة وظل هذا الربط في التعريف بين الاثنين سائدا وظلت المراكز التي لا تتمتع بمراكز اسواق او مراكز حضر ظلت مناطق ارياف في هويتها وشخصيتها ووظيفتها، ونتيجة للاختلاف الواضح في تركيب وشخصية مدن الاسواق هذه عن اقاليم الارياف ظل الفرق واضحا وجليا بين الاثنين.
  ومن الطبيعي أن يتوفر لكل منطقة ريفية ذات مساحة وامكانيات معينه, بؤرة حضرية (مكان مركزي) ترسل اليه المنتجات الأولية للتسويق والتصدير وكذلك تستمد احتياجاتها من المواد الوسيطة والاستهلاكية من هذه البؤرة وكان من الطبيعي ان تكون نقطة لبيع المنتجات والتسوق لما يحتاجون الية من بضائع.
   ولا تتحول المدينة الى سوق للريف المجاور لمجرد انها تستقبل منه ما تصنع وتأخذ منه ما تأكل وإنما يتم ذلك بالدرجة الاولى بفضل مؤسساتها التجارية التي تعرض الانتاج وتتكفل بنقلة وتوزيعه على اوسع مجال ويتمثل ذلك واضحا بالنسبة للمدن التي اقامها المستعمرون في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بقصد جعلها مركز انطلاق لاستغلال ثروات البيئة المحلية .
  ولا يقتصر هذا الدور على توفير فرص العمل للسكان ومدهم بالقروض ورعاية مصالحهم المالية وتسويق منتجاتهم بل يشمل توفير حاجياتهم بما يناسب قدراتهم الشرائية فأهل الريف يفدون الى المدينة لشراء ما يتطلبون من المنتجات والسلع.
    وتعد التجارة أهم أوجه العلاقة الوظيفية بين المدينة والاقاليم ولما كان من المستحيل ماديا واقتصاديا ان تتعامل كل نقطة على سطح الاقليم مع كل نقطة اخرى وتتصل بها مباشرة, فقد اصبح التركيز ضرورة.
    فالمدينة هي وسيط الاتصال والتعامل بين اجزاء الريف المشتت المترامي بعضه عن البعض, وبينها وبين الاقاليم الريفية الاخرى ، فالدور التجاري للمدينة هو الذي يجعلها بصورة مباشرة ( أداة تكامل) الاقليم الريفي ويجعله اقليما وظيفيا بالمعنى المباشر.
   ولا يجد سكان الريف الاقرب كل حاجاتهم الشرائية في القرية, ولذلك يستكملون الاهم منها برحلة يومية او بفترة محدودة الى المدينة، فبعض تلك الحاجات تتصل بمطاليب يومية مستمرة كالطعام والصحف والادوية وغيرها, وكلها متطلبات لا بد ان تكون على مسافة قصيرة بقدر الامكان من مكان السكن ومن ثم لا بد ان تكون واسعة الانتشار, والبعض الآخر يشمل المتطلبات الاقل إلحاحاً او ضرورة في الحياة والتي من الممكن ان تسد طريق التسوق الأسبوعي وهذه الحاجات ليس من الضروري ان توزع على نطاق واسع، فهو يظم محلات لبيع الأحذية والملابس او بعض المواد الغذائية الخاصة ،اما الرحلة الاطول التي تتطلب زيارة المدينة الكبرى فإنما تكون من اجل الحصول على انواع افضل من الملابس او شراء الأثاث او كتب او مجوهرات وهكذا نجد تدرجا في الحاجات وفي ضرورياتها وكذلك المسافات التي يقطعها الريفي من اجل الحصول عليها.
    وهذه الرحلات للتسوق تختلف بين الدول النامية والدول المتقدمة وذلك لأسباب متعددة منها التطور الحضاري والتقني وما يتوفر من تسهيلات مدنية كما ان المواصلات ووسائلها المتاحة تؤدي دورا كبيرا في تحديد نفوذ المدينة وان كل ما تقدم او تطور فيها يقرب المدينة من الريف خطوة جديدة.
    ولما كانت معرفة الظروف التي يتمكن ابن القرية فيها من الوصول الى المدينة مهمه في تحديد مجال اقليم المدينة فقد ابتكرت خطوط الازمات المتساوية Isochrones وهي خطوط تربط بين الاماكن التي يستطيع المواطن بلوغها من نقطة معينه بوسيله معينة في وقت واحد، وعند رسم هذه الخطوط  ينبغي الاخذ بنظر الاعتبار عوامل متعددة تحدد في المجال الذي ترسم فيه الخطوط وما تكون علية صورته ولعل من اهمها نوعية وسائل المواصلات المستخدمة وسرعتها والوقت الذي يقطعه المسافر للوصول اليها من منزله لبلوغها من مكان عمله ومدى انتظام انطلاقها ووصولها .
  ومن الواضح ان طرق النقل الجيدة الصالحة للعمل طوال العام تسهل وصول المواد الزراعية المنتجة الى المستهلك الذي هو غالبا ما يكون ساكن المدينة بالوقت والسفر الملائمين الامر الذي يسمح بحصول المزارع على ريع جيد، وكلما تطورت طرق وسائل النقل انخفضت تكاليفه , اذ انها تنخفض 5%  من تكاليف الانتاج الكلية بالدول المتقدمة، بينما ترتفع حتى تصل الى 30% في البلدان النامية .
     ونظرا لما يمتاز به الريف بشكل عام والريف المحيط بالمدن خاصة, من عوامل طبيعية وبشرية تجعله صالحا لصناعات عديدة، كما تجعل اهتمام المدينة بتصنيعه امرا حيويا لصالح البيئات الريفية والحضرية، لذا اخذ الاهتمام يتزايد في تطوير الريف صناعيا بإدخال صناعات عديدة تتلاءم وبيئة الريف المجاور .
   وقد ادى ميل الصناعات الى الانتقال من المدينة الى اطرافها الريفية للإفادة من سعة المكان وانخفاض الضرائب وسعر الارض, الى جذب المدينة الصناعية المتخصصة باطراد الى الاطار الاقليمي والريفي وتقوية علاقاتها المتبادلة فمثلا مدينة ليون نقلت صناعاتها ومصانعها الى ريفها ومدن ريفها المحيط حتى خلقت شبكة من العلاقات الاقتصادية بينها وبين ريفها مما اسس اقليم اقتصادي كامل يرادف اقليم المدينة .
    كما ان العديد من المدن المتخصصة جدا تؤدي الى دور المصنع لإقليمها الريفي, ويقسم الدور الى ما قبل المزرعة وما بعدها أي على الترتيب تصنيع خامات مستوردة من مراكز اخرى لتوزيعها على الاقليم الريفي وتصنيع خامات الريف الزراعية للاستهلاك المحلي او التصدير وفي كلتا الحالتين لا يمكن لصناعة المدن ان تنفصل عن التوجيه الريفي الاقليمي .
3-العلاقات الخدمية :
     يتضمن هذا النوع من العلاقات الخدمية التي يحتاج إليها سكان الأرياف ويستطيعون إيجادها في المدن المجاورة لريفهم ومنها الخدمات الثقافية التي تشمل (المسارح , النوادي , دور العرض والسينمات والصحف، والخدمات التعليمية، كالمدارس الثانوية والمعاهد المتخصصة والجامعات، والصحية كالأطباء المتخصصون والمستشفيات ، والخدمات الإدارية ، فالمدينة يوجد فيها المسرح ودار السينما والنادي ووسائل اللهو فكل هذه الخدمات يصعب إن تقوم في القرى, وإذا قامت فأن القرية تكون قد أدت بذلك دور الخدمات الإقليمي وأصبحت قرية سياحية وبهذا فهي تماثل وظيفة المدن كما هو الحال في القرى السياحية في العراق في صلاح الدين وشقلاوة وسرة رش وغيرها.
  ان الحاجات الترفيهية تحتاج إلى سعة الاختيار والتنوع ومن ثم فهي في الأغلب تكون في المدن وخاصة الكبرى منها، وقد وجد رواد هذه الخدمات من الريف بينها وبين أغراض العمل أو الشراء والتسوق Shopping في رحلة واحدة إلى المدينة.
    كما إن المدينة هي مركز الصحافة المحلية التي يستمد منها الريف التوجيه ويجد فيها التعبير, ومنها يستطيع أن يجد ضالته في إيجاد أداة التوجيه الفكري بما يقدم إلية في الصحف من أراء وتحليلات اعلامية، إضافة إلى وسائل التثقيف ومن هذا الطريق تستطيع المدينة إن توجه الريف, وتسيطر علية ثقافيا, حتى في الإعلانات التجارية التي تنشرها تلك الصحف.
  ولكل مدينه دور ثقافي تؤديه في إقليمها وان كان دور بعضها يتعدى حدود الإقليم بفضل ما فيه من مؤسسات تعليمية كالجامعات والمدارس والمعاهد المتخصصة .
   وتعد الجامعات العريقة أوسع تأثيرا من الحديثة, والجامعات الكبرى الوطنية أعمق تأثيرا من الجامعات الإقليمية ويزداد نفوذ بعض الجامعات احيانا لما يتمتع به أساتذتها من شهرة عالية وحسن تجهيزها بالمختبرات والمعامل وإشرافها على مراكز متخصصة في البحث، فتعمل على تطوير البحث العلمي الخاص بالإنتاجية, ومع ذلك فأن تأثير الجامعة لا يتغلغل إلى كل بيت ذلك لان الجامعيين يشكلون نسبة منخفضة من مجموع أبناء الشعب ومنهم الريفيون .
   وكلما ارتفعت درجة المؤسسة التعليمية ازداد تركزها في المدينة اكبر, ومن ثم يضطر سكان الأرياف إلى مراجعتها للاستفادة من خدماتها, فتزيد المسافة التي ينبغي ان يقطعوها للحصول على تلك الخدمات.
   تعد المدينة بالنسبة لإقليمها مركز الإدارة والإعمال المالية والتقاضي والخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية, ولعل الخدمات الطبية التي تؤديها المدينة لسكان الأرياف عن طريق مؤسساتها وكادرها الطبي تعد من أوسع الخدمات امتدادا وخاصة في الأقطار النامية.    كما أن وظيفة المدينة الإدارية هي وظيفة إقليمية بدرجة كبيرة, إذ أن هناك سلما تراتبيا للسلطات الإدارية بحسب درجة المدينة الإدارية, وفي ضوء ذلك تختلف مساحة الإقليم الريفي الذي يتبعها.                                                                                  
4-العلاقات السكانية :  
     لا يغذي الريف المدينة بالطعام فقط بل بالسكان أيضا, ويتم ذلك عن طريق الهجرة من الريف إلى المدينة فالإقليم الريفي يمثل الخزان البشري الذي تسحب منه المدينة ما تحتاج إلية من الأيدي العاملة ومن سكان آخرين وتكاد لا توجد أسرة ريفية ليس لها ممثل في المدينة المجاورة ، وأصبحت المدينة في عدد من الحالات عنصر تفكيك وتخريب للحياة الريفية المحيطة، ففقر القرى يتركها غير قادرة على إن تعيش ككائن صحي .
   وغالبا ما يزداد عدد المسافرين يوميا ذهابا وايابا كلما زادت صعوبة توفير السكن في مكان العمل وعادة ما تستعصي مشكلة السكن هذه على الجيل في المدن الكبيرة المكتظة بسكانها مما يؤدي إلى ظهور رقاع مدينه وضواح سكنية في وسط الريف تغطي مساحات شاسعة حول هذه المدن وتسهم في نفس الوقت في رفع مستوى المعيشة في الريف المحيط.
   والرحلة إلى العمل من الإقليم الريفي تعظم تياراتها إذا كانت المدينة كبيرة الأهمية والحجم, أو تقدمت المواصلات خارج المدينة وهذا شرط أساسي أو سهلت وتطورت, واتسع مدى الرحلة, وهكذا أصبح النبض اليومي بين المدينة والريف حقيقة كبرى تجعل إقليم المدينة إقليم حركة Region of Circulation وأصبحت الحركة الإقليمية Regional Mobility من خصائص مجتمع إقليم المدن الحديث التي تجعله سوقا واحدة للعمل ، والحركة في الإقليم الريفي نحو المدينة نوعان:
الأول : يكون لغرض العمل في الصباح والعودة مساء إلى الريف حيث ينتقل العمال من الأرياف إلى المدن للعمل فيها ثم العودة إلى مساكنهم مساء .
الثاني: يرتبط بالسكن الذي هو وليد رغبة سكان المدينة الكبيرة في هجر قلبها المزدحم, للعيش في أطرافها الريفية طلبا للهدوء والراحة وتكون لهم رحلة يومية أو نصف أسبوعية أو أحيانا أسبوعية للاستفادة مما تقدمة المدينة من سلع وخدمات يستفيدون ويتسوقون منه.
  إن أنماط رحلات العمل معقدة ويمكن تمييز الأسباب الكثيرة التي تؤدي إليها وهي:
1- ممارسة الملكية الصغيرة الجزئية والعمل الصناعي الجزئي وعمل ساكني الريف في نشاطات مدينه .
2- رغبة كثير من العمال المدنيين في الضواحي الريفية او الشبه الريفية .
3- عدم ملائمة الإسكان في المناطق المدينة أو ارتفاع تكاليفه .
4- العزلة الوظيفية في المناطق المدينة بين المناطق السكنية والإحياء الصناعية والإدارية والتجارية والثقافية .
5- تنوع المهن في المجتمع ما وانتشار أماكن العمل, وبالأخص في حالة وجود فروق في التركيب المهني للذكور والإناث من السكان العاملين .
    ومما سبق بشأن العلاقات الريفية الحضرية يمكن التوصل إلى العديد من الحقائق الخاصة بتلك العلاقات ومنه:
1- إن الأقاليم تشهد تغيرات اقتصادية واجتماعية وسكانية وبيئية تظهر في السلوك والنظام الاقتصادي والتكوين البيئي، هذه التغيرات تسمى بعملية ( النمو الحضري) أو التحضر .
2- توجد علاقة عكسية قوية بين اتجاهات وكثافة عمليات التحضر وبين سيادة نظام الاستقرار الريفي وتكوين شكل البيئة الريفية .
3- إن أقاليم الأرياف والحضر لا يمكن إن تعيش في معزل عن بعضها البعض لان كلا منها قاعدة للأخرى وان هذا الارتباط له طبيعة عضوية وجغرافية .
4- إن التحول الوظيفي للسكان من حرفتي الزراعة والرعي إلى حرف الصناعة والتجارة وغيرها من الخدمات, يعد علامة للتحول الريفي نحو الجانب الحضري .
5-إن درجة التحضر والأرياف مسألة نسبية بحسب ظروف كل دولة سواء فيما يخص الحجم السكاني أو درجة التصنيع أو المكتسبات المادية للسكان أو مقدار ما تحصل علية العائلة من الخدمات والكيفية التي تحصل بها على تلك الخدمات ومدى يسرها وتنظيمها .
6-إن ظاهرة الأقاليم ( الحضريفية Rur-urban Regions) ما تزال في حاجة إلى المزيد من الدراسة والحسم, ولكنها تحتاج إلى تقريب وتوضيح في الصفات والخصائص النسبية الذاتية من اجل الوصول إلى الأنماط التي تشترك في الصفات العامة مثل المظهر الخارجي للمركز السكني وحرفة العاملين والخدمات التي يوفرها وغيرها .
    ولابد هنا من تجاوز التفاصيل الدقيقة لملامح الأقاليم والاكتفاء بالصفات العامة لكي نتمكن من التوصل إلى معايير عامة تتسم بالدقة لحسم النزاع في نفس الوقت, وعدم الاتفاق بين العديد من الباحثين وخاصة في مجال علم الجغرافية والمخططين الإقليميين والإداريين في الأجهزة المختصة بالتخطيط.
7- إن عدد السكان الريفيين يمكن إن ينمو في القرى الميتروبولينة Metropolitans  Villages  ولكن في اغلب قرى الأقاليم النائية يكون عدد المستوطنين في تلك القرى في انخفاض مستمر, وتكون الاحتياجات للخدمات الموضعية فيها في تقلص مستمر.
المدينة ومورفولوجية الاقليم:
     إن صورة الاقليم وتوزيع استعمالاته تكاد تكون مباشرة تماما بواقع المدينة واهميتها وحجمها، فيتوزع الانتاج ( استثمار الارض) بشكل تفرضه المدينة، لذا فالمدينة تؤثر على استعمالات الارض في الاقليم بعاملين هما:-
1- حجم الطلب على منتجات الاقليم ويلعب عاملي النقل والمسافة دورا في ذلك.
2- نمو المدينة نحو اطرافها مما يؤثر على سعر الارض في أجزاء المدينة.
    إن كثافة الانتاج تقلل من السعر والسعر بدوره يقل بالابتعاد عن المدينة ، فالخضروات وتربية الدواجن تكون قريبة من المدينة ، اما المحاصيل الاخرى كالحبوب والتي تحتاج الى ارض واسعة ورخيصة فتأخذ المناطق البعيدة عن المدينة وفيما يلي نستعرض اقليم فون ثيونن حول ذلك.
الاقليم عند فون ثيونن:
    وضع فون ثيونن Von Thunen أساس فكرة اقليمية في كتابه ( الدولة المنعزلة 1826) وكان كتابه عبارة عن خلاصة تجريبية في ادارة مزرعة خاصة كان يملكها ، ويتمثل اقليم ثيونن في ان دولته المنعزلة التي تشبه دويلات الاقطاع في اوربا خلال العصور الوسطى ، تتألف من مدينة واحدة محاطة بظهير زراعي ، بينهما علاقة وثيقة تتمثل في اعتماد المدينة على ظهيرها في الحصول على حاجاتها من المنتجات الزراعية ، واعتماد الظهير على المدينة اعتمادا تاما في تصريف فائض انتاجه، وتتسم البيئة الطبيعية في هذا الاقليم بالتجانس، كما تصلح كل أجزاء الظهير لإنتاج المحاصيل الزراعية والحيوانية التي تنتج في الظروف الوسطى.
   أما سكان الإقليم فيتميزون بالنشاط والرغبة في مضاعفة دخولهم النقدية ، ومن ثم يوفقون بين منتجات حقولهم من جهة وحاجة سوق المدينة التي يعرضون فيه منتجاتهم من جهة اخرى.
   وقد توصل فون ثيونن إلى أن نمط الزراعة حول المدينة يتطور في نطاقات تأخذ شكل الحلقات او الدوائر التي تتخذ من المدينة مركزا لها ، بحيث تلعب تكلفة النقل الدور الحاسم في تقرير امتداد الحلقات بعيدا عن مركز المدينة ، وتمثل هذه التكلفة متغيرا متحركا في حين تتشابه بقية الانتاج في كل اجزاء الاقليم ، ومن ثم يتحدد الربح بالمعادلة الاتية:-
ز=س-(ك + ن) حيث ان:-
ز= الربح
س=السعر
ك= الانتاج
ن= تكلفة النقل
      بلغ عدد حلقات فون ثيونن على اساس المعادلة ست حلقات.
الحلقة الاولى: وهي الأقرب إلى المدينة وتتخصص في إنتاج السلع سريعة التلف كالبن والخضروات، والتي تتحدد باستمرار الطلب على منتجاتها ومن ثم يدفع سكان المدينة لمزارعي هذه الحلقة اسعارا تشجعهم على انتاج هذه المنتجات.
الحلقة الثانية: تتخصص في إنتاج اخشاب الوقود أو التدفئة ويعتمد حدها الخارجي على مدى الطلب على الاخشاب وتكلفة النقل.
الحلقة الثالثة والرابعة والخامسة: تتخصص في إنتاج الحبوب وغيرها من المحاصيل وتتميز بوجود نوع من الدورة الزراعية ، خاصة في الحلقتين الرابعة والخامسة، اي كلما بعدت المنطقة عن المدينة.
الحلقة السادسة: تتخصص في انتاج المراعي وتربية الحيوانات .
- الاقليم عند  كريستالر:
     تعد من النظريات الخاصة بالأقاليم الوظيفية ، لان المركزية من وجهة نظر كريستالر كانت تعني اساسا ، درجة وظيفية يقصد بها تلك المراتب المختلفة ، فقد تكون المدينة المكان المركزي ، قليلة السكان ، لكنها في الوقت ذاته تكون ذات اهمية كبيرة كمحلة مركزية تبعا لامتداد الاقليم  Centrality  of  place والتي تتميز بها ، والمركزية التي عناها كريستالر تعطي للمكان صفة المحلة المركزية ذا تتعلق بالوظائف المركزية Central functions وكذلك بالسلع والخدمات المركزية ، وهذه الوظائف والسلع والخدمات يمكن تصنيفها الى درجات عليا ودنيا حسب مراتب المحلات العمرانية.
   كان كريستالر يرى ان اقليم المكان المركزي هو اقليم متكامل  Complementary نظرا لتكامل هوامشه مع نواته او قلبةCore   والذي يتضح فيه العلاقات المتبادلة بين المدينة وظهيرها ، وهي علاقات موجبة من الطرفين .
   ترتبط المدن واقليمها في نطاقات ذات اشكال منتظمة اقرب ما تكون الى الشكل الدائري ، وكذلك كان يرى ان ثمة نظاما تتوزع بمقتضاه المحلات المركزية ، بحيث يقل انتشارها كلما انخفضت ،ويوجد مدى واسعا بين هذه المحلات العمرانية من حيث الحجم، من مستوى مدينة السوق الصغيرة الى مستوى المدينة الام الكبيرةMetropolis  .
طرق تحديد الاقاليم:
   تقسم طرق تحديد اقاليم المدن الى قسمين هما:
1- الطرق المباشرة المعتمدة على الاسلوب الميداني والملاحظة المباشرة.
2- الطرق النظرية المعتمدة على الاساليب الرياضية والنماذج الاحصائية.
1-الطرق المباشرة:
    تستند على أساس الوظائف الأساسية مثل الخدمات التعليمية والصحية والترفيهية وتوزيع الصحف وتوزيع الحليب ، والخدمات الاجتماعية وغيرها، ولكل من هذه الوظائف إقليم خاص بها ، وقد يحدد الاقليم على أساس مقياس واحد او عدة مقاييس حسب ما يراه الباحث أو حسبما تتطلبه الدراسة والهدف المتوخى منها، وكلما تعددت الاسس والوظائف كلما كان التحديد أقرب إلى الواقع، ويتم تحديد الاقليم عن طريق الدراسة الميدانية بواسطة استجواب المتسوقين في المدينة او استجواب سكان المناطق المحيطة بالمدينة والتعرف منهم عن المدينة التي تقدم لهم الخدمات والبضائع، أو بطريقة  ملاحظة أرقام السيارات وغيرها من الطرق.
2- طرق غير مباشرة:
    تتبع هذه الطريقة الاساليب الاتية في تحديد إقليم المدينة:

أ- نظرية التجاذب ومناطق تأثيرها:
     جاء بها ريلي عام 1931 ، حيث تمكن من تقدير حجم مبيعات التجزئة لمدينة تقع بين مدينتين واحدة اكبر في حجمها السكاني وتعملان في التجارة بصورة تنافسية والمعادلة تكتب بالطريقة الاتية:
مسافة القطع بين المدينتين= 1+

   وبذلك يمكن تحديد الحد الفاصل بين نفوذ مدينتين يختلف مجال تأثير الوظائف في كل منهما وبمعنى اخر الامتداد الذي تقف عنده خدمات المدينة.
تعديل كونفيرس:
  استخدم لتحديد نقط القطع بنفس صورتها ومكوناتها وذلك مع التغيير في المضمون وضرب نتائج المعادلة والذي أصبح يمثل الزمن الذي تستغرقه المسافة من المدن حتى نقط القطع في المسافة المعدلة والناتجة من قسمة المسافة بين أي مدينتين على متوسط زمن الوصول بينهما، وبذلك يتم تحويل الزمن الى مسافة يمكن قياسها على الطريق التي تصل بين المدن.
  وتمثل المعادلة الاتية التعديل المقترح ادخاله على نظرية القطع، والتي تكون على الشكل الاتي:-
=
     وتقاس المسافة التي تحدد نقطة القطع على الطريق الذي يصل بين المدينتين ومن المدينة ذات العدد الاصغر للعاملين بالنشاط القاعدي.
   بعد نقطة القطع الفاصلة بين مجال نفوذ الانشطة الانتاجية لمدينتين:-
=

نظرية التجاذب ومناطق التأثير:
   إن نظرية التجاذب تعتمد على مبدا النقل النوعي للمستوطنات سواء أكان النقل سكانياً أو اقتصادياً أو جذباً لعوامل طبيعية خاصة بالمستوطنة وتأثيرها على المستوطنات الاخرى، وإن التنافس بين المدن هو عرض خدماتها عند مناطق الحدود المتداخلة بين اقاليم المدن ، وبالتأكيد تبرز مدينة بعرض اكبر لخدماتها بما يفوق المدن الأخرى وبالتالي فإن المدينة البارزة بعرض الخدمات تسيطر على أجزاء أخرى من مناطق تأثير مدن أخرى، تلك الاجزاء التي تفصل خدمات مدينة اخرى معروضة.
    وقد استخدم جابن قانون الجذب واجرى عليه تعديلا اذ استخدم  مناطق انتشار حسابات العملاء التجاريين للمراكز التجارية للبيع بالجملة والمفرد والمخازن الكبيرة في بعض مدن ولاية كارولينا الشمالية وقام بتحليل الترابط الاقتصادي لقطاعات الصناعة والبيع بالجملة بين الاقاليم. 
   درس التغاير في مقدار النقل بين المدينة (I    (وباقي المدن في الاقليم وبين تأثير عامل النسبة للسكان للمدينة(  ( Iوالبعد بينها وبين المدن الاخرى، وبعد احتساب معامل التجاذب الوزني (CAI)  لجميع مدن الاقليم وتقسم هذه المدن الى درجات حسب نسبة معامل تجاذبها الوزني الى مجموع هذه المعاملات لمدن الاقليم وبالتالي تحدد المدن الاكثر جاذبية وتحديد نطاق تأثيرها.
  طريقة احتساب معامل التجاذب الوزني للمدينة   ( I ) والذي يرمز بــCAI  يساوي

CAi = K  

حيث سكان المدينة(I)=PI
سكان المدينة الاخرىP n   …. P1p2p3
البعد بالأميال بين المدنيتين والمدن الاخرى i.....Di1Di2Di3
بـــ- نظرية فترfetter theory:
    تعالج وضع الحدود بين منطقتي التأثير التجاري لمركزين تجاريين وفرض من أجل ذلك حالات عدة هي:-
1-افتراض أن المدينتين متساويتان من حيث كلفة الانتاج وسعر النقل ولكنه يزداد بازدياد المسافة فالحد يكون بين الاقليمين بشكل مقسم.
2-افتراض أن كلفة الانتاج متساوية بين المدينتين وسعر النقل متغير فيكون بذلك الحد الاقليمي متغيرا او منحنى وينعكس حول المدينة أو المركز الذي سعر النقل فيه أعلى عن المركز الاخر.
3-افتراض أن كلفة النقل متساوية بين المركزين واختلاف كلفة الإنتاج فيكون الحد منحنى أو منعكسا حول المدينة ذات كلفة الانتاج الاعلى.
جــ- قانون ريلي Reilly:
       توصل الى قانون الجاذبية لتجارة المفرد والذي مفاده (انه في حالة وجود مدينتان يقوم بتزويد مدينه ثالثه اصغر حجما منها ، فان كل واحده منها تزود بما يتناسب طرديا مع سكانهما وبنسبه عكسيه مع مربع المسافة) أي انها تكاد تختفي عندما تبلغ مسافه تعادل مربع البعد بين المدينة وحدود قوتها الحقيقية .
د- قانون جاذبية التجزئة  The Law Gravitation
     يستخدم هذا القانون حيث لا تتوافر بيانات كافية عن المناطق التجارية وهو تعديل بقانون ريلي ويستخدم لتحديد نقطة القطع التي عندها يختار المتسوقون الى اي المدينتين المتنافستين يذهبون بدلا من الاخرى ولتطبيق القانون تستخدم المعادلة الاتية:-(1)
Dj=                                                       
حيث ان:
 Dj= المسافة بين المدينتينj حتى نقطة القطع.
  dij= المسافة بين المدينتين i,j
Pi =حجم سكان المدينة i
Pj = حجم سكان المدينة j
 الاقليمية:
    بعد أن أصبحت الصورة واضحة حول مفهوم الإقليم فما هو إذا مفهوم الإقليمية ؟.  الإقليمية هي العدالة الجغرافية ،أي عدالة التوزيع المكاني ، بمعنى تحقيق شبكة من الفرص الإنتاجية والقيم البشرية المتكافئة ، بحيث يتم من خلالها التقريب أو إذابة الفروق الطبقية بين الأقاليم إلى أقصى حد يمكن أن تسمح به طاقاتها الكامنة.
     ويمكن أيضا تعريف الإقليمية على إنها تقسيم الدولة إلى أقاليم قوية وناجحة، تتوفر فيها حياة غنية ومتنوعة، مليئة بالفرص المادية والحضارية للساكنين فيها، بحيث يشارك أبناء الدولة أو الوطن جميعا في مستوى  متقارب بقدر الإمكان من المعيشة والحضارة والإمكانيات(1). وقد يستخدم مصطلح الإقليمية للتعبير عن النظام الإداري القائم في دولة ما، ويشتمل هذا المفهوم كذلك على الآلية التي يتم من خلالها صنع القرار داخل هذا النظام وقنوات سيرها ،وبعبارة أخرى تشير إلى تجزئة الخطط القومية لتنفيذ المشاريع والخطط الإقليمية .
    إما على الصعيد الاجتماعي ، فيقصد بالإقليمية تعزيز مشاعر الانتماء والولاء عند الأفراد والجماعات للأقاليم التي ينتمون إليها أو يقيمون فيها بدلا من أن يكون هذا الانتماء موجها للبلد بشكل عام.
   وإن العالم المعاصر استخدم مصطلح الإقليمية مع العولمة واعتبرهما اتجاهين جديدين في السياسة والاقتصاد العالمي والتي أفرزتها تسعينات القرن العشرين، كقيم يراد لها أن تنظم العالم فقد طرحت العولمة((Globalization ضمن مقومات النظام العالمي الجديد ، وعلى شكل قيم سياسية واقتصادية المطلوب لها أن تسود حتى ولو بالقوة التي توفرها السلطة المنظمة لها وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وأما الإقليمية أو الأقلمة فهو أسلوب الاتفاقات الثانوية التي تصب في الاتفاق الرئيسي مثل نمط الاتحاد الأوربي (EU) واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)  والتعاون الاقتصادي لدول آسيا المطلة على المحيط الهادي (APEC) .
  وبهذا فالإقليمية هي الوجه الأخر للمركزية أو العاصمية ، فالعلاقة بينهما حتمية  ومتوازنة، وليس من الضروري أن يتعارض الوجهان في المجتمع المتزن ، من حيث التركيب العمراني والحضاري ، وعندما يتطرف أحد الوجهان فان ذلك يكون على حساب الوجه الأخر ، فتكون العلاقة هنا عكسية، والخطر دائما هو أن تهيمن المركزية بالذات نحو إفراط العاصمية بدرجة أو بأخرى ، والمتضرر بالتالي هو الإقليم والمناطق الريفية التي تضمحل وتضمر بالدرجة نفسه.  
شكل الاقليم:
    جزءاً من نسيج عمراني إقليمي متكامل، يضم المدينة وتوابعها وضواحيها واستعمالات الأراضي الإقليمية حولها موزعة على محيطها الجغرافي، ويأتي في مقدمة هذه النظريات أعمال كل من هوارد ، ولوكربوزييه ، وهلليبرشت وغيرهم، وقد أصبح هذا الاتجاه الثاني هو الأكثر واقعية، فإن الظهير الإقليمي للمدينة هو المجال الجغرافي الذي يمكن أن تنمو وتتطور فيه المدينة، فهو الظهير الزراعي والصناعي والترفيهي، وهو الذي يحتوي المدن التوابع والضواحي التي تحمل العبء عن المدينة الأم من خلال شبكة الطرق والمرور الإقليمية وهو المحيط الجغرافي والوعاء العمراني للمدينة، و خلصت هذه النظريات إلى أن توزيع السكان والخدمات على صفحة إقليم المدينة كلها قد حل كثيراً من المشاكل العمرانية التي تعاني منها المدن المبتورة عن إقليمها، أو عن محيطها.
  يجب التفريق هنا بين إقليم المدينة The City Region وهو النطاق الذي تؤثر فيه المدينة وما حولها وتتأثر هي الأخرى به اقتصادياً Regional City واجتماعياً وطبيعياً كما سبق توضيحه، وبين المدينة الإقليمية كعاصمة للإقليم متعددة الوظائف وهو النطاق الافضل والمحيط الأكثر اتساع جغرافيا، وتهتم به عملية التنمية الإقليمية والمخططات الإقليمية ضمن مكونات الإقليم ومشتملاته من مدن وقرى متدرجة جميعها في أحجامها وأشكالها وتوزيعها في المحيط الإقليمي وعلاقتها بالمدينة الإقليمية العاصمة وليس هذا المبحث هو موضعه.
  وفيما يخص شكل الاقليم فلا يمكن القول بانه يتخذ شكلا هندسيا كما افترضه كريستالر او غيره من الباحثين انما يتخذ اشكالا مختلفة ومعظمها لا تكون منتظمة بل قد تكون طولية على امتداد نهر او طريق مواصلات او قريب من المربع او المحتشد القريب من البيضوي او الدائري الى غير ذلك من الاشكال الاخرى غير المنسجمة في اشكالها وذلك بحكم تأثيرات عديدة وكذلك لكل جزء خدمة اقليمها.
    كما يتخذ الإقليم من الزوايا التي ينظر لها الباحث أو المخطط المهتم بالتخطيط الإقليمي الريفي والحضري  بأن الإقليم يضم عدد من المراكز الحضرية الصغيرة والكثير من القرى اضافة الى المناطق الريفية لذا تحديد الأقاليم الحضرية له صلة بالتخطيط الاقليمي الذي هو جزء من التخطيط القومي الشامل، لكون تلك الاقاليم التي تحيط بالمدن وبخاصة الكبرى منها حيث تستخدم كأقاليم صغيرة تعالج في كل واحد منها ما يعترض البلد من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتنموية.
  ويعد تنظيم المناطق الريفية المحيطة بالمدن والتي تقع ضمن اقاليم كل منها، وفق قواعد واسس التخطيط الإقليمي التي تضمن حياة متطورة في ضواحي المدن والاقاليم الريفية الاخرى من المميزات التي ينبغي توفرها لخلق علاقة متوازنة بين الحياتين الحضرية والريفية.




(1) محسن عبد الصاحب المظفر ، عمر الهاشمي يوسف، جغرافية المدن، مصدر سابق،ص282.
(1)صفوح خير ،التنمية والتخطيط الإقليمي ، منشورات وزارة الثقافة  ، دمشق،2000،ص23.

للتحميل اضغط                   هنا 

للاطلاع والتحميل اضغط      هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا