التسميات

الاثنين، 14 أكتوبر 2019

المفصل في جغرافية السكان - الجزء الأول: الفصل الثالث توزيع السكان وكثافتهم


المفصل في

جغرافية السكان


الجزء الأول


  أ.د. عباس فاضل السعدي

أستاذ الجغرافيا والدراسات السكانية

 بجامعة بغداد


مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع -  عمان - الأردن

2014





الفصل الثالث

توزيع السكان وكثافتهم 


مدخل عام

أورد العرب إشارات كثيرة عن توزيع السكان فيما كتبوه، وضربوا بسهم وافر فيه منذ مئآت السنين وبنوا على مقولاته بعض الآراء. ولقد تحدث العرب عما عانوه من تشتت وتبعثر السكان وتوزيعهم، قبل الاسلام، اثر تهدم سد مأرب فامتدوا إلى البقاع المختلفة من الجزيرة العربية وغيرها. واشاروا إلى ذلك التبعثر في أسمارهم، وروها في أخبارهم، وطبعوها في تراثهم. فضربوا الأمثال وقالوا الأشعار. وما المثل المعروف (تفرقوا أيدي سبأ) إلا اشارة إلى هذه الظاهرة([1].
ومع قيام الفتوحات الإسلامية من الجزيرة العربية إلى خارجها انتشر العرب على مساحات شاسعة من المعمورة. فتمثل فيها تباين التوزيع أوضح تمثيل حيث أقام العرب في الأمكنة التي طاب لهم فيها المقام، أو التي اقتضتها سياسة الفتوح، أو اضطرتهم اليها البيئة الملائمة لسكناهم.

ولم يشر إلى العوامل المؤثرة في تباين توزيع السكان من حيث الربط بين الأثر والمؤثر إلا في القرن الثالث الهجري حينما أورد الجاحظ ، العالم العربي الموسوعي، في كتابه الحيوان اشارات حول أثر البيئة وبخاصة المناخ في توزيع السكان وخصائصهم. وخلال المدة نفسها أشار الطبيب العربي أبو بكر الرازي إلى أهمية المناخ على الناحية الصحية حينما اختار المكان المناسب لبناء البيمارستان العضدي في أصح الأماكن هواءً. كما أشار المسعودي (ت 346 هـ) أيضا إلى اثر المناخ على سكنى البشر(*).
وفي النصف الثاني من القرن الرابع الهجري عين اخوان الصفا مكان العمران وتواجد البشر بنصف الكرة الشمالي (أي نصف الكرة الجنوبي حاليا) وبخاصة الربع المسكون منه. فإذا تأملت "وجدت الناس محصورين في الربع المسكون من الأرض، وليس لهم علم بالثلاثة أرباع الباقية"([2]).ويحدد ياقوت الحموي مساحة المعمور من القسم المسكون بما يعادل 33.2 مليون ميل مربع([3]). (حوالي 86 مليون كم2). ويذكر إخوان الصفا أن العمران لا يتوزع بالتساوي على سطح هذا القسم المسكون. فمن أجزائه ما يقع بين "العمران والبحار". وأشاروا إلى اثر المناخ وانواع التربة والموارد المائية (من حيث عذويتها أو ملوحتها) على الإنسان والحيوان وطبائعها، وأرجعوا أسباب عدم قيام العمران وسكنى البشر في الأجزاء الباقية من الكرة الأرضية إلى صعوبة التضاريس ولاسيما وجود الجبال الشامخة، وقساوة المناخ – حرا وبردا – وانتشار المياه المتلاطمة([4]).
وربط المقريزي (ت 845 هـ) بين الوضع المناخي وعدد المدن الكبيرة في كل إقليم من أقاليم العالم المعمورة. حيث تتزايد تلك المدن بحسب درجة اعتدال الإقليم. فأكثر المدن عددا هي التي تقع في الإقليمين الرابع والخامس، حيث يمثلان الاعتدال ثم يقل العدد بعدهما أو قبلهما نتيجة لارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها([5]).
أما التوزيع السكاني عند احمد بن الدلجي (ت 838 هـ) فهو يقوم على أساس جغرافي فلكي بحسب موقع المجموعة السكانية من دوائر العرض. فالمجموعة الأولى من السكان (السودان) مثلا تقطن عند خط الاستواء. بينما يقطن أغلب سكان المجموعة الثالثة عند مدار السرطان ويمثلهم سكان غربي آسيا([6]).
وأهتم ابن خلدون (ت 808 هـ) هو الآخر بتباين توزيع السكان وبحث في مواطن سكناهم ومراكز انتشارهم وشكل توزيعهم وعوامل هذا التوزيع. فقد أشار إلى اختلاف أنماط التجمع السكاني من اقليم لآخر. فالإقليم الثالث والرابع اكثر عمرانا من الإقليمين الاول والثاني([7]). وتعرض ابن خلدون، بشكل أو بآخر، إلى العوامل المؤثرة ذات العلاقة بنمط انتشار وتوزيع السكان. ولأول مرة يربط ابن خلدون "بين حوادث التاريخ والجغرافية محددا العوامل السكانية التي تحدد توزيع السكان وانتشارهم... وأوصافهم وألوانهم"([8]). ومن بين تلك العوامل المناخ والتضاريس والتربة، فالعامل المناخي يوضح كثرة السكان في الأقاليم المعتدلة وقلتهم في الأقاليم الحارة والباردة. فهو يقول: "قد بينا ان المعمور من هذا المنكشف من الارض إنما هو وسطه لإفراط الحر في الجنوب منه والبرد في الشمال... فالإقليم الرابع أعدل ألعمران". في حين ان الإقليم الاول والسابع أبعد الأقاليم عن الاعتدال([9]). كما أشار إلى عامل التضاريس (اثر الترب والحراث والرمال والبحار)([10]).
أما شكل توزيع السكان في الوقت الحاضر فهو يتم بأنماط مختلفة وفقا لوحدات أو أسس متباينة. فقد تستخدم القارات كوحدات توزيعية، وقد تستخدم أقاليم العالم السكانية الكبرى، وهو أقرب التوزيعات إلى الجغرافية. ويقسم السكان أيضا إلى: سكان (مدن) وسكان ريف، إلى جانب البدو والرحل([11]).
وتحدد ميادين توزيع السكان بدراسة الامم أو مجاميع السكان موزعين على وحدات مكانية مثل: الاقاليم والولايات والمناطق الاقتصادية والاجتماعية ومناطق الاقامة الريفية والحضرية والمناطق التعدادية([12]).
وتعد دراسة السكان وكثافتهم في المكان من الامور التي يوليها الجغرافيون أهمية خاصة لما قد تظهره من تباينات في توزيع حجم السكان في الوحدات الادارية والاقاليم الطبيعية في ضوء حركة السكان الجغرافية، واختلاف تركيبهم العمري، والمهني، والنوعي والثقافي. فيتعرف الباحث والمخطط على أسباب هذا التوزيع ومؤثراته ونتائجه في مجال المصالح الحياتية، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية([13]).
ولا بد من اعادة النظر في سياسة توزيع السكان في اماكن عديدة من العالم حتى لا يتركزون في مناطق محددة تعمل على تفريغ المناطق الاخرى من السكان. مما يحرمها من قواها العاملة واسواقها وتعطيل مصادر دخلها وخلق صعوبات لاستغلال ثروتها، وقد يعرض أمنها إلى الخطر.
فإعادة توزيع السكان على المستوطنات وربط اجزائها بطرق نقل و  مواصلات ميسورة سيحقق هدفا عجزت عن تحقيقه كافة الدول، ولا سيما النامية منها، ألا وهو القيام بالهجرة المعاكسة والتي تعد مشكلة المشاكل عندها([14]).
المبحث الاول
أنماط توزيع السكان
تشير خرائط توزيع السكان بحسب دوائر العرض إلى انعدام التوازن في التوزيع بين نصفي الكرة الارضية. حيث يعيش اكثر من 90% من سكان العالم في النصف الشمالي([15]) الذي يكون اكثر ملاءمة للسكن من النصف الجنوبي ولاسيما في العالم القديم الذي يتركز 93.5% من سكانه في النصف المذكور. في حين ان 72% من  سكان العالم الجديد يتواجد في النصف الشمالي([16]). وهذا يعود إلى عدم التناظر في توزيع اليابس بين نصفي الكرة الأرضية.
ويتمثل الخلل في توازن التوزيع الجغرافي اذا ما علمنا ان عُشر سكان العالم يقطنون بين خط الاستواء ودائرة عرض 20°ش، ونصفهم بين دائرتي 20 - 40°ش، و 30% منهم بين 40 - 60°ش. وهذا يعني ان 4/5 سكان العالم يعيشون بين دائرتي عرض 20 - 60°ش، أي في المنطقة المعتدلة الشمالية وأطراف المنطقة المدارية([17]). وهذا العدد من السكان لا يتجمع الا فوق خُمس مساحة اليابس([18]).
ومما يلاحظ ان غالبية السكان يفضلون السكنى في الجهات الهامشية من القارات، حيث يقطن 3/4 السكان على مسافة لا تزيد عن 1000كم عن البحر، وثلثي السكان على بعد 500كم([19]). وتزداد الكثافة في منطقة الساحل (0 -50كم) بمقدار مرتين من متوسط الكثافة العالمي([20]). والتركز هنا سببه المناخ الملطف، ونشاط الحركة التجارية البحرية حيث تتيسر طرق النقل السهلة الرخيصة. لذلك فان القول بأن السكان تجذبهم السواحل وتنفرهم المناطق القارية وما يرتبط بذلك من عوامل مناخية واقتصادية، قول على جانب كبير من الصواب.
أما التوزيع الأفقي للسكان فوق اليابس، فان الحقائق تشير إلى انعدام التساوي في التوزيع بين البشر وذلك لان عملية التوزيع تخضع لتغير مستمر. إن عدم التساوي في التوزيع يزداد حدة في الوقت الحاضر لان نسبا اكبر من السكان يتمركزون في المدن ذات المساحات المحدودة نسبيا. وانعدام العدالة في التوزيع سببه الفروق في معدلات النمو الطبيعية للسكان أو حركاتهم المكانية([21]).
فالسكان لا يقطنون بصفة دائمة إلا فوق 30% من مساحة اليابس. وهذه النسبة تعتمد على الكَثافة الدنيا المقبولة كحد لما هو مسكون أو غير مسكون. وحتى فوق تلك البقعة يختلف التوزيع من مكان لآخر، فثلاثة أرباع السكان يتمركزون في شرقي آسيا وجنوبها وأوربا وشمال شرقي الولايات المتحدة([22]). مما يعني ان الربع المتبقي يتوزع فيما تبقى من مناطق العالم المعمورة التي يمكن ان نطلق عليها اسم (المناطق الثانوية) بعد استبعاد اللامعمور من اليابس، وهي المناطق الخالية من السكان.
وقد حاول بعض الباحثين تمييز عدة تصنيفات لتجمعات السكان في العالم ولكنها في جوهرها لا تختلف كثيرا فيما بينها. فقد ميز "فاوست" أربع مناطق رئيسة لتركز السكان في العالم هي: الشرق الأقصى والهند وأوربا والجزء الشرقي والأوسط من أمريكا الشمالية([23]). وحدد "ويلر وكوسباد وتومان" ثلاثة تجمعات: هي التجمع الآسيوي والأوربي والجزء الشرقي من الولايات المتحدة وما يجاوره من كندا([24]). وهذا التقسيم لا يختلف كثيرا عن التقسيمات السابقة. الا ان "جيمس" أبعد الجزء الأمريكي من التجمعات الرئيسة، وعد إقليم آسيا (جنوبه وشرقه)
شكل صفحة 134

وأوربا أهم أقاليم العالم سكانا. فالأول يضم نحو نصف سكان العالم فوق أقل من عُشر مساحته الصالحة للسكن، والثاني يكّون نحو خمس السكان فوق أقل من 5% من مساحته الصالحة للسكن([25]).
وينقل بعض الباحثين عن الكسندر Alexander  قوله: أن نظرة فاحصة إلى خريطة توزيع السكان في العالم توضح حقائق مهمة أبرزها الآتي:([26]).
‌أ-          إن معظم السكان في العالم يتجمعون فوق جزء صغير من مساحة اليابس (90%من السكان يعيشون فوق 10%من المساحة).
‌ب-       يتمركز معظم السكان في خمسة اقاليم كبرى: شرق آسيا وجنوبها وأوربا وشرق أمريكا الشمالية وما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي.
‌ج-        وجود اقاليم واسعة خالية من السكان تقريبا.
‌د-         هناك مناطق عديدة تعد وسطا ما بين المناطق المزدحمة والمناطق الخالية من السكان.

وفي ضوء ما تقدم يمكن تصنيف أنماط توزيع السكان في العالم إلى ثلاثة نطاقات هي:
أولا: نطاق التركز السكاني الرئيس.
ثانيا: النطاق الثانوي.
ثالثا: نطاق اللامعمور.

أولاً: نطاق التركز الرئيس
يمكن تقسيم هذا النطاق إلى ثلاثة أقاليم هي:
1-آسيا الموسمية:
يضم هذا الإقليم شرقي آسيا وجنوبها وجنوبها الشرقي، ويجاور المحيطين الهادي والهندي ممتدا من شمال الصين صوب الجنوب والجنوب الغربي إلى ما بعد حدود الهند. ويشغل اكثر من نصف سكان العالم (57.5%) أو ما يقرب من 3.2 مليار نسمة (عام 1994). ويتركز أكثر من 4/5 سكان الاقليم في ست دول هي: الصين (36.5%)، الهند (28.4%)، اندونيسيا (6%)، اليابان (3.9%)، الباكستان (4.2%)، بنغلادش (3.6%).
2- أوربا:
تمتد من المحيط الأطلسي إلى جبال الاورال وبضمنها القسم الأوربي مما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي. يمثل سكان هذا الإقليم 12.9% من سكان العالم أو ما يزيد على 726 مليون نسمة. وترتفع نسبة التحضر في أوربا (71%) الا ان مناطقها الريفية مفتوحة اكثر من الاقليم الموسمي في آسيا حيث يعيش هناك نحو 29% من السكان في المدن([27]).
3-الجزء الشرقي الأوسط من أمريكا الشمالية:
يضم هذا الجزء شمال شرق الولايات المتحدة والجزء المجاور له من كندا، حول نهر سنت لورنس والبحيرات الخمس العظمى (شرق خط طول 85°غ) وباتجاه شاطئ المحيط الأطلسي المواجه لأوربا. ويتركز نحو 3/4 سكان أمريكا الشمالية في هذا الجزء ويقرب من 220 مليون نسمة أو ما يعادل 4% من سكان العالم (عام 1995).
وفي الوقت الذي يتركز نحو نصف سكان العالم (51%) في سبع دول (الصين        والهند واندونيسيا واليابان والباكستان وبنغلادش وما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي)، نجد ان النصف الآخر يتوزع على 195 دولة ووحدة سياسية من دول العالم([28]). وفي افريقيا هناك 13 دولة سكان كل منها يقل عن 5 ملايين نسمة. كما ان هناك جيوب سكانية في أوربا (مثل: موناكو واندورا والفاتيكان).
 ويلاحظ ان نطاقين من مناطق التكدس البشري يقعان في المناطق المعتدلة (أوربا وأمريكا الشمالية). في حين يقع نطاق آسيا الموسمية في المناطق المدارية والاستوائية. الا ان اغلب تلك المناطق محاطة بالمياه مثل بحر اليابان والمحيط الهندي وبحر الشمال والبحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
وتعد أوربا، وهي من بين أكثر القارات ازدحاما بالسكان، أكثر انتظاما من غيرها في توزيع السكان. فليس فيها صحاري سكانية، وإنما يوجد تخلخل في توزيع سكان القسم الشمالي منها

خريطة    ص 138  

فقط. وعلى سبيل المثال تبلغ الكثافة السكانية في الأقطار الاسكندنافية الثلاثة (النرويج والسويد وفنلندة) نحو 16نسمة/كم2. على حين تبلغ في قارة أوربا 101 نسمة/ كم2 (عام 1990)، أي أن كثافة القارة تزيد عن كثافة دول اسكندنافية بما يزيد عن ست مرات. وتبعا لأرقام عام 1997 حيث تدمج إحصاءات روسيا الاتحادية ضمن القارة الأوربية أصبحت كثافة هذه القارة 32  نسمة/كم2 أي ضعف كثافة الدول الاسكندنافية.
ومما يجدر ذكره حول توزيع السكان على جانبي المحيط الأطلسي الشمالي (الأوربي والأمريكي)، ان سكان أوربا ينتشرون في عروض أعلى مما ينتشر فيها الكنديون والأمريكيون. فاوسلو (في النرويج) واستكهولم (في السويد) تقعان في نفس العروض (دائرة عرض 60° ش) التي تمتد فيها مناطق كندا الجليدية. أما خارج الدول الاسكندنافية فتلاحظ الحقائق الآتية:
‌أ-          استمرارية الغطاء البشري الذي يمتد في كل مكان بدرجة أو بأخرى لفقدان الحواجز الطبيعية.
‌ب-       انقطاع هذه الاستمرارية حيثما تقع كتلة جبلية لعدم صلاحية 80% من أراضي الجبال العالية للاستيطان.
‌ج-        وجود نطاق من الكثافات المرتفعة يمتد من انكلترة إلى شمال ايطاليا، في حين تقل تلك الكثافة خارج النطاق المذكور. فإلى الغرب من ذلك النطاق تصل الكثافة إلى 118  نسمة/كم2، في حين تصبح 88 نسمة/كم2 إلى الشرق منه، وإلى أقل من 30 نسمة/كمفي روسيا الأوربية. بينما تصل الكثافة عند عروض نيويورك بأمريكا الشمالية إلى أكثر من 100 نسمة/كم2  ، وإلى 50 نسمة/كمإلى الجنوب من البحيرات الخمس، وإلى أقل من 10 نسمة/كم غرب المسيسبي([29]).

ثانيا: نطاق التركز الثانوي
يتمثل نطاق التركز الثانوي بأجزاء من غرب إفريقيا ولا سيما نايجيريا والجزء الجنوبي والجنوب الشرقي من إفريقيا ووادي النيل ودلتاه والمغرب العربي ولاسيما اجزاؤه الساحلية وشرقي البحر المتوسط والمناطق البترولية في الشرق الاوسط وجنوب شرق استراليا وكاليفورنيا وحوض نهر لابلاتا ومرتفعات أمريكا الوسطى وبعض النويات المتفرقة في البرازيل والأرجنتين وشيلي.


ثالثا: نطاق اللامعمور
بصفة عامة يقسم اليابس إلى قسمين: المعمور واللامعمور، وليس من السهل وضع حدود فاصلة بينهما. فلا تخلو اي منطقة في العالم من السكان، كما ان المعمور لا يتكون من مساحات كبيرة متصلة، بل تتخللها أحيانا جيوب صغيرة غير معمورة. وفضلا عن هذا وذاك فإن الإنسان يعمل باستمرار على دفع حدود المعمور على حساب اللامعمور وذلك بتعميره الأراضي البكر.
ويمكن حصر نطاق اللامعمور بالمناطق الآتية([30]):
1.     الفراغ الإفريقي – الآسيوي والذي يمتد لمسافة تزيد على (17) ألف كم من شواطئ المحيط الأطلسي غربا إلى منغوليا شرقا، مارا بالصحراء الكبرى والصحراء العربية وبادية الشام وصحاري ايران وأفغانستان وأواسط آسيا. ويشغل هذا النطاق حوالي خُمس مساحة العالم. يضاف اليه صحاري استراليا وأجزاء من غينيا الجديدة، وصحاري كلهاري وناميبيا في جنوب غرب افريقيا.
2.     النطاق القطبي شمال اوراسيا ويمتد لمسافة تزيد على (17) ألف كم من النرويج غربا إلى المحيط الهادي شرقا. يضاف إلى هذا  النطاق منطقة شمال امريكا الشمالية وتمتد من الاسكا إلى جزيرة كرينلند مرورا بكندا.
3.     الجزء الجنوبي من  امريكا الجنوبية.
4.     القارة القطبية الجنوبية (انتاركتيكا).
5.     حوض الأمزون.
ويأتي المناخ في مقدمة العوامل التي أدت إلى اختفاء العمران البشري في مناطق اللامعمور. وتتمثل هذه العوامل في الجفاف، والبرودة القاسية. ويعد الجفاف المسؤول الاول عن انعدام السكان أو ندرتهم في المناطق الصحراوية. حيث يحول الجفاف دون قيام الزراعة وبالتالي يحول دون حصول الإنسان على غذائه في مثل تلك المناطق. أما البرودة الشديدة وما يرتبط بها من تساقط على شكل ثلج يتجمد فوق سطح الأرض بهيئة جليد، مع قصر فصل الإنبات الذي يعرقل قيام حياة نباتية، فيعد العامل الأساس في ندرة السكان في المناطق الباردة المذكورة([31]). فهذه المناطق تعد أقاليم شتاء دائم ولا يتعدى اكثر الشهور حرارة بها 10° م فوق الصفر، وتظل الحرارة بين 30 – 60 درجة تحت الصفر المئوي في معظم شهور السنة. ويصبح البحر الوسط الوحيد الملائم لتجهيز موارد غذائية دائمة للجماعات البشرية التي تنتشر هناك([32]).
وإذا كانت العوامل المناخية مسؤولة عن تعذر وجود العمران البشري في مناطق شاسعة من العالم، فان التضاريس تؤثر هي الأخرى تأثيرا كبيرا في هذا السبيل. فالجبال المرتفعة تحد من السكنى فوقها إما لانخفاض الحرارة بسبب الارتفاع، وإما بسبب تضرس السطح. ويظهر اثر التضاريس في توزيع السكان واضحا في نطاق المرتفعات بوسط آسيا.
وتعد الرقعة الممتدة بين آسيا العليا وجبال الهملايا منطقة صحراوية أو شبه صحراوية، مرتفعة باردة. سكانها من أبناء المغول أو التبت الذين يصل عددهم إلى نحو مليوني نسمة وينتشرون على رقعة من الارض تقارب مساحة أوربا([33]).
والسكان لا يعيشون بصفة دائمة فوق الجبال الشاهقة، لذا تكون غير معمورة. فلا يعيش في هضبة التبت سكان على مستويات تزيد على 4550 م. وفي سويسرة لا تضم المناطق التي تزيد ارتفاعها على 1000م سوى 5% من جملة سكان البلاد، والمناطق التي تزيد على 1500م لا يعيش بها سوى 0.5% من السكان([34]).
أما نطاق اللامعمور في الشمال البارد فإنه يتمثل لدى بعض الجماعات مثل الاسكيمو واللاب والسامويد وغيرها. ولا يتجاوز عدد السكان في شمال دائرة عرض 65° شمالا المليون نسمة. وتبلغ مساحة النطاق القطبي وشبه القطبي في العالم أكثر من 27 مليون كم2، ومن هذا النطاق الاسكا ومساحتها 1.6 مليون كموسكانها 130.000 نسمة، وشمال كندا ومساحتها 6 ملايين كموسكانها حوالي 100.000 نسمة، وكرينلند ومساحتها 2.2 مليون كم2 وسكانها 39000 نسمة([35])، والنطاق القطبي في شمال قارتي أوربا وآسيا ومساحته 6 مليون كم، وسكانه قرابة نصف مليون نسمة، وانتاركتيكا في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ومساحتها 12 مليون كم2 ولا يسكنها الا عدد محدود من علماء الارصاد الجوية وبعض رجال القواعد العسكرية([36]). ومعنى هذا كله ان حوالي 20% من جملة مساحة اليابس لا يقطنه سوى 0.02% من سكان العالم. وتنخفض الكثافة السكانية إلى شخص واحد في كل 16 كم2 في النطاق القطبي الواقع شمال الكرة الارضية، حيث تسود أشجار الصنوبر والسرو، وليس فيه ما يجذب السكان سوى الصيد وقطع الأخشاب.
والمناطق الغابية هي الاخرى يصعب اقامة مراكز عمرانية بها، وكانت غابات النطاق المعتدل خالية من السكان يوما ما.
واليوم فان غابات الأمزون الشاسعة لا يوجد بها الا عدد قليل للغاية من السكان قياسا بالمناطق المرتفعة الخالية من الغابات والتي تقرب كثافتها من 35 نسمة كم2. ويمكن ملاحظة التناقض نفسه في الفلبين حيث تكون الجبال المغطاة بالغابات غير مسكونة، بينما تكون السهول الخالية من الغابات، والتي تسود فيها الزراعة، كثيفة السكان([37]).
وتتميز جميع هذه الأقاليم المبعثرة السكان بملامح مشتركة وهي وجود العمران غير المنظم ذي النمط المشتت.
وسكان المناطق الصحراوية إن وجدوا فإنهم يتجمعون في الواحات التي تظهر حيث تتوفر المياه الجوفية ومثالها واحة الهفوف في الجزيرة العربية حيث يتجمع 100.000 نسمة حول 50 ينبوعا([38]. وجماعة (الهراتانيين) وعددهم نحو 50.000 نسمة يتجمعون في الواحات الغربية الجزائرية، وهم بقية العبيد السود الذين استجلبوا منذ عدة قرون([39]). ومن أمثلتها أيضا واحات عين التمر (شثاثة) وكبيسة والرحالية في صحراء العراق الغربية. الا ان سكان الواحات يواجهون حياة صعبة ومشاكل تهدد وجودهم. وعلى سبيل المثال يعيش سكان الواحات الخارجة في مصر، والبالغ عددهم نحو 8000 نسمة([40])، في صراع مع الظروف البيئية السائدة هناك. فندرة المطر، وصعوبة الوصول للمياه الجوفية، والرياح المحملة بالرمال والحشرات الطفيلية، كلها صعوبات تهدد حياتهم البشرية. ويبدو ان الطبيعة تعمل في اتجاهين متناقضين: فهي تسخو في جانب ، في بعض الموارد ، ثم تفرض عراقيل وصعوبات تشل من إمكانية استغلال هذه الموارد بالصورة المطلوبة. فخصوبة الارض يمنع الافادة منها تماما انعدام الأنهار وصعوبة استخراج المياه الجوفية. وحين توجد المياه قرب السطح فإنها تكون محملة بنسب عالية من الترسيبات الحديدية التي تجعلها غير صالحة للري([41]).
بالاضافة إلى ما تقدم اهتمت بعض الدول بمواقع معينة من أراضيها الجافة وانشأت فيها مراكز استيطان خاصة لأغراض عسكرية. فمثلا يتوزع السكان في جيوب صغيرة في خمس ولايات امريكية ذات مناخ جاف أو شبه جاف (وهي: كولورادو ونيومكسيكو وكاليفورنيا وأريزونا ونيفادا) وذلك للاشتغلال في القواعد العسكرية وخاصة القواعد الجوية الضخمة. فضلا عن وجود المطارات الخاصة بالشركات العالمية لصناعة الطائرات لاجراء التجارب التي تتطلبها تلك الصناعة. كما ان معظم الدول التي دخلت السباق النووي للأغراض العسكرية أو السلمية اختارت لمفاعلاتها النووية مواقع نائية ومنعزلة في المناطق الصحراوية لأسباب عسكرية وأمنية. مما تطلب وجود مجموعة من السكان بالقرب منها لتحقيق الأهداف التي بنيت من أجلها ([42]).

المبحث الثاني
التوزيع الجغرافي للسكان بحسب القارات
توزيع السكان في قارة آسيا:
تبدو قارة آسيا وكأنها تتألف من نواة جوفاء مقفرة في أجزاء واسعة منها، تحيط بها نطاقات تزداد غنىً وعمراناً كلما اتجهنا نحو الأطراف في الشرق والجنوب حيث يوجد مركز الثقل الحضاري والاقتصادي إلى حد كبير.
فالغالبية العظمى من سكان اليابان والصين يعيشون في السهول الساحلية وأودية الانهار بين دائرتي عرض 30°،40° ش (باستثناء سكان جنوب الصين الذين ينتسبون إلى منطقة السكن الحارة). ومعظم سكان الصين هم من المزارعين الذين يتفق توزيعهم مع توزيع الاراضي الزراعية التي يمكن ريها. وفي معظم حوض منشوريا تكون الكثافة معتدلة حيث توجد الصناعة إلى جانب الزراعة، وتبلغ الكثافة 100 – 200 نسمة/ كم2 على طول محور مدينتي خربين وشينيان (في حين تنخفض إلى ما يتراوح بين 20 – 50 نسمة كم2 في باقي الحوض). وتزيد الكثافة على 200 نسمة/ كمفي السهول الكبرى الواقعة شمال الصين ومنطقة ستشوان. وترتفع إلى 700 نسمة /كم2في جنوب السهل الذي يرويه نهر اليانكستي، بل وتصل في مصب النهر إلى 1475 نسمة /كم2 ([43]).في حين تصبح متوسطة وبحدود 500 نسمة /كم2 في مناطق الزراعة الواسعة. إلا ان تلك الكثافات تنخفض بشدة حال الابتعاد عن المناطق الزراعية إلى 10 نسمة/كم. وبذلك تبقى الصين بلد المتناقضات بين السهول والاحواض الداخلية المكتضة بالسكان وبين الجبال الصحراوية المنخفضة الكثافة([44]).
وفي اليابان تمتد أكثر المناطق ازدحاما بالسكان على الساحل الشرقي من حوض طوكيو – يوكوهاما حيث تتجاوز الكثافة ألألف نسمة /كم2. ذلك ان ثلثي مساحة اليابان غير صالح للإسكان بسبب ارتفاع جبالها، وشدة انحدارها، وقساوة مناخها، وعدم صلاحيتها للزراعة. وبذا يتجمع في المساحة الباقية والبالغة 80 ألف كم2 غالبية السكان بكثافة وسطية مقدارها ألف نسمة([45]).
ان جميع مناطق آسيا الحارة (جنوبها وجنوبها الشرقي) تتأثر بالامطار الموسمية حيث يتجمع السكان في السهول ويمكن توزيع المياه فيها أو تجميعها. وفي جزر الفلبين هيئت الجبال بشكل مدرجات قابلة للري لزراعة الرز وغيره من المحاصيل. ومثلها جزيرة جاوة التي تعد بكاملها مأهولة باستثناء جبالها الوعرة، وتصل كثافة بعض مناطقها إلى 1500 نسمة/كم2([46]).
وتبلغ الكثافة 500 نسمة/كم2 في دلتا النهر الأحمر في هانوي ومعظم سهول الكنج، واكثر من 600 نسمة في البنغال وساحل مالابار وسهول الفيتنام الشمالية وسهول لوزون بالفلبين وجكارتا وسوربايا في جاوة([47]).
ويفسر ارتفاع درجة كثافة السكان في اقليم آسيا الموسمية(*). بمجموعة من العوامل أبرزها العوامل الطبيعية حيث يتركز السكان في المناطق السهلية ذات التربة الخصبة المتجددة، والمياه الوفيرة (من الأمطار أو الانهار الصالحة للملاحة والري). ولا يعني ذلك ان كل الأراضي السهلية ذات كثافة سكانية عالية، فهناك بعض مناطق في اندونيسيا سهلية، ومع ذلك تنتشر فيها الأمراض، وتقل فيها كثافة السكان.
ومما تجدر الاشارة اليه ان آسيا الموسمية المدارية لا مثيل لها في العالم من حيث اكتظاظ السكان، حتى في المناطق الأخرى التي تتمتع بالميزات الطبيعية نفسها، مثل إفريقيا المدارية والموسمية. ويمكن تفسير ذلك ليس بالعامل الطبيعي وحده بل بعوامل اخرى منها العامل التاريخي. فهذا الإقليم سكنته عناصر متحضرة عرفت كيف تستغل بيئتها افضل استغلال منذ وقت طويل واستطاعت حتى عندما تقسو عليها البيئة أن تعوض النقص بالمجهود البشري فتستخدم الري في زراعتها بدلا من الأمطار غير المضمونة. كذلك تستخدم طريقة الشتل فتزرع الأرض أرزا اكثر من مرة في السنة. وهكذا استطاع الانسان بفضل مجهوده البشري في هذا الاقليم، وبفضل معرفته بعناصر بيئته أن يتفاعل معها بأنسب الطرق فاكتظت آسيا الموسمية بالسكان. بينما بقيت أمريكا المدارية، التي امتازت بالعزلة، أقل عددا بكثير. كما ان سكان آسيا الموسمية، بفضل خضوعهم لحكومات منظمة، استطاعوا أن يتعاونوا لدرء خطر فيضانات الانهار وتنظيم الري والصرف وطرق التسميد وحفظ التربة من الجرف.
وبالاضافة إلى ما تقدم، فان العوامل الاجتماعية لها دور في رسم صورة توزيع السكان المذكورة، متمثلة بارتفاع الخصوبة السكانية. وليس أدل على ذلك من أن سكان الصين يتزايدون سنويا بمقدار 15 مليون نسمة، والهند بنحو 18 مليون نسمة تقريبا. كذلك عدم الاقبال على الهجرة، فلا يزيد عدد الصينيين في الخارج على ما يقابل 2% من مجموع السكان والهنود على 2% من مجموع السكان. يضاف لها العامل الديني المتمثل بمذهب كونفوشيوس في الصين والذي يمجد النسل ويعد الاكثار منه عبادة. وهكذا يمكن ان تفسر كثافة السكان في الاقليم الموسمي بالعوامل الطبيعية والبشرية معا([48]).
وبالإمكان تقسيم سكان قارة آسيا من حيث كثافة التوزيع إلى منطقتين مختلفتين هما([49]):

1.    شرقي آسيا وجنوبها:
تتمثل هذه المنطقة باليابان والصين وكوريا ومنغوليا وشبه جزيرة الهند، وهي منطقة مزدحمة السكان، حيث يتركزون في السهول الساحلية والدلتاوات النهرية في الصين والأراضي الطموية في سهول نهري السند والكنج وسهول كوجارات بين سوران واحمد آباد في شمال غرب الهند. ويشتهر اقليم شرقي آسيا بالزراعة الكثيفة (الرز والشاي)، وتتراوح الكثافة السكانية فيها ما بين 400  800  نسمة/كم2. أما سهول اقليم الهند فتصل فيها الكثافة إلى نحو 450 نسمة/كم2. ويلاحظ ان نصف سكان الهند يعيشون فوق ربع مساحتها، وثلثهم فوق 6% من تلك المساحة.

2.    منطقة جنوب شرقي آسيا وجنوب غربها:
وهي منطقة قليلة السكان، منخفضة الكثافة، ويتمثل انخفاض السكان (في جنوب شرق القارة) بمنطقتين هما([50]).
‌أ-          الهند الصينية حيث ينخفض سكانها برغم تشابه ظروفها المناخية بمثيلاتها في الهند والصين، ويرجع ذلك إلى ظروف السطح وانعزال الأحواض السهلية بعضها عن بعض بسلاسل جبلية وتعذر الاتصال فيما بينها.
‌ب-       جزر الهند الشرقية (عدا جاوة) حيث تنتمي تربتها إلى تربة (اللترايت) الحمراء القليلة، الخصوبة ولاسيما في جزيرة بورنيو. أما جاوة فان ارتفاع سطحها يساعد على اعتدال درجة حرارتها وغزارة أمطارها، وقيام زراعة المدرجات فوق جبالها التي تغطيها التربة البركانية الخصبة، بخلاف الجزر الاخرى.
أما جنوب غرب آسيا فان نسبة كبيرة من سكانها يتركزون فوق نسبة صغيرة من مساحتها. وعلى سبيل المثال يعيش 3/5 سكان فلسطين المحتلة فوق 11% من المساحة. وفي العراق يتركز نصف السكان فوق 15% من المساحة. وتتباين الكثافة ما بين منطقة وأخرى، ففي الوقت الذي ترتفع الكثافة على ضفاف بعض مناطق دجلة والفرات إلى اكثر من 100 نسمة/كمنجد صحاري الربع الخالي والصحراء الملحية في دشت كافر بإيران خالية من السكان([51]).
ويمكن تمييز أربع مجموعات في المنطقتين المذكورتين هي: الصين وشبه جزيرة الهند (الهند، الباكستان، بنغلادش، دويلات جبال الهملايا) واليابان واندونيسيا، حيث يحتشد في المجموعات المذكورة أكثر من 81% من سكان قارة آسيا ويعادل 48% من سكان العالم. ويزيد سكان كل دولة من الدول الست المشمولة بهذه المجاميع عن 100 مليون نسمة. بينما بقية دول القارة وعددها 36 دولة ووحدة سياسية لا تضم سوى أقل من 19% من سكانها.
ولا يتوزع السكان على جميع مساحات دول المجموعات الأربع المذكورة وإنما يتجمعون في أماكن معينة تتمثل بدلتا الكنج والبراهمابوترا ودلتا نهر ماهاندي والسواحل المجاورة لها.وتتراوح الكثافة في هذه المناطق ما بين 600 – 800 نسمة/كم2.
والحالة في الصين تشبه ما هي عليه في الهند من حيث اتساع المساحة وكثرة السكان. فهي تضم نحو 21.5% من سكان العالم، 7.1% من مساحته بكثافة تقرب من 118 نسمة/كم. واشد جهاتها ازدحاما بالسكان هي الواقعة شمال وجنوب نهر اليانكستي حيث تتراوح الكثافة فيها بين 400 – 2700 نسمة/كم. وفي ولاية شانتونج بين 600 – 1200 نسمة/كموكذلك إقليم كانتون والجهات الساحلية ما بين اليانكستي ودلتا نهر سيكيانغ، أي بين البحر والهضاب حيث يعيش القسم الأكبر من السكان. أما اليابان فان أشد مناطقها ازدحاما هي الجزيرة الوسطى([52]).
يظهر مما تقدم ارتباط الكثافات السكانية العالية في آسيا بالمناطق الزراعية لهذا يتجمع في هذه القارة اكبر عدد من سكان الأرياف في العالم، ويصل إلى 2177 مليون نسمة (عام 1990)، أي نحو 72% من سكان الأرياف في العالم([53]). وبذا فان قارة آسيا تفوق جميع القارات من حيث تجمع هذا العدد. ونسبة سكان الريف في آسيا والبالغة 70% من مجموع سكانها تفوق ما يناظرها في أوربا أو امريكا الشمالية أو اوقيانوسيا بمقدار مرتين ونصف المرة.

توزيع السكان في قارة إفريقيا:
افريقيا من قارات العالم القديم التي تتميز بقلة عدد سكانها حيث لا يتجاوز 12.7% من عدد سكان العالم الا انهم يتوزعون فوق 22.3% من مساحة اليابس (1995).ويعود قلة السكان فيها إلى عدم ملاءمة ظروفها الطبيعية للسكنى والاستقرار. حيث تشغل الجهات الجافة التي تخلو أو تكاد تخلو من السكان نحو 1/3 مساحة نصف القارة الجنوبي وبخاصة صحراء كلهاري وناميبيا، فضلا عن الصحراء الكبرى التي تستحوذ على نحو 1/5 مساحة القارة بكاملها. وكثيرا ما تقل كثافة السكان عن شخص واحد في كل كم2 في الاقاليم الاستوائية الحارة الرطبة لتفشي الأمراض المتوطنة، وازدحام النبات الطبيعي، ورداءة النقل، وعدم صلاحية المناخ للنشاط والإنتاج. وترتفع الكثافة نسبيا في إقليم السفانا إذ يصبح المناخ أقل إرهاقا. وممارسة الزراعة أكثر يسراً، والانتقال أكثر سهولة. واذا كانت مناطق الرعي أو الصيد أو الزراعة المتنقلة قليلة الكثافة، فان مناطق  الزراعة الكثيفة، وبخاصة التي تقوم على الري، هي المناطق الرئيسة لازدحام السكان. في حين أن نهرا الكونغو والنيجر الأدنى لا يصلحان كثيرا للعمران لما يكتنفهما من مستنقعات وغابات وأدغال.
وصفوة القول ان العامل الرئيس الذي يؤثر في توزيع السكان وكثافتهم في إفريقيا هو توزيع المطر كما يبدو في أغلب المناطق الكثيفة السكان وأهمها: منطقة ساحل غانة في غرب القارة بين مصب نهري غامبيا والنيجر ولاسيما في نايجيريا، وهضبة البحيرات الاستوائية وبخاصة المناطق المحيطة ببحيرة فكتوريا ولاسيما إقليم رواندا – بوروندي، ومرتفعات اثيوبيا.
وعلى الساحل الشرقي يمتد نطاق غير متصل بين ممبسا الكينية ومدينة الكاب في جنوب افريقيا وبعض الجزر المقابلة لها. أما في شمال القارة فان المناطق الكثيفة تمتد في جزئها الشمالي الغربي على ساحلي المحيط الاطلسي والبحر المتوسط في أقطار المغرب العربي: تونس والجزائر والمغرب. ومن المناطق الكثيفة السكان أيضا وادي النيل ودلتاه في مصر وبعض جهات السودان، حيث يمثل مجرى النهر محورا رئيسا للعمران وقطبا قويا لاجتذاب السكان([54]).
وتمتد الكثافات السكانية التي تزيد على 40 نسمة/كم2، وهو ضعف متوسط كثافة القارة، في مناطق واسعة الا ان هناك جيوبا سكانية في المناطق التي ذكرت سابقا تزيد كثافتها عن 400 نسمة/كم2. في حين ان نصف قارة افريقيا لها كثافات سكانية لا تزيد عن 2.5 نسمة/كم2 أو أقل. فضلا عن وجود مساحات شاسعة في القارة غير مستوطنة([55]).


توزيع سكان قارة أوربا:
يمتد محور التركز السكاني في أوربا من انجلترا إلى جنوب ألمانيا عبر الأراضي المنخفضة وشمال شرق فرنسا. ويمتد المحور بعد ذلك مع امتداد دائرة عرض 50° شمالا عبر تشكوسلوفاكيا واوكرانيا وحتى نهر الدينبر. ويشمل هذا المحور معظم الاراضي الصناعية في أوربا، وهي سبب هذا الازدحام حيث ارتفعت الكثافات في مرحلة تطور الرأسمالية. وتصل الكثافة أقصاها في منطقة الراين، حيث توجد مناجم الفحم، وفي هولندة وبلجيكا وشمال فرنسا. ويتركز في هذه المنطقة نحو ربع سكان قارة أوربا([56]).
    وفي الجزء الشرقي من القارة ولاسيما في روسيا ينحصر توزيع السكان بين دائرتي عرض 45 و 55°ش خاضعا للتأثير القاري ومرتبطا بالاقتصاد الزراعي. غير ان انشاء صناعات جديدة خلال نصف القرن الأخير قد أحدث تغييرات في التوزيع المذكور حيث ازداد عدد السكان في روسيا الوسطى وأوكرانيا الشرقية التي كانت أقل كثافة من أوكرانيا الغربية([57]).
أما خارج هذا النطاق فان مناطق التركز تتمثل في أماكن مبعثرة بإقليم البحر المتوسط، وفي بعض الأراضي الخصبة في حوض (البو) شمال ايطاليا حيث يشتهر بالزراعة إلى جانب الصناعة. وكذلك حوض نهر ابرو واقاليم قطالونيا والاندلس في اسبانيا. أما في البلقان فنجد ان السكان يتركزون في الجيوب السهلية الصغيرة وأودية الأنهار([58]). وفي روسيا الأوربية يكثر عدد السكان وترتفع كثافتهم، وقد تزيد على 100 نسمة/كم2. ومن بين مناطقها المزدحمة سفوح جبال القفقاس([59]).
وتنخفض الكثافة في مناطق أخرى في أوربا منها جبلية وعرة مثل هضبة ايبريا الوسطى وجبال البرانس ومرتفعات الألب الشاهقة والألب الدينارية وشمال اسكتلندة وبعض مناطق من شبه جزيرة البلقان. ومنها مناطق باردة تمتد من شمال دائرة عرض 65°ش، أي في شمال روسيا الأوربية وشمال الدول الاسكندنافية حيث توجد التندرا ذات المناخ البارد، وحيث تكثر البحيرات والمستنقعات. فضلا عن ارتفاع الهضبة الاسكندنافية إذ تتميز الحياة النباتية فوق المرتفعات بفقرها النسبي. أما المنخفضات فهي مناطق الغابات المعتدلة الباردة.

توزيع السكان في قارة امريكا الشمالية:
في الوقت الذي تستحوذ قارة امريكا الشمالية على 15.9% من مساحة اليابس، نجدها لا تضم سوى 5.1% من سكان العالم بكثافة لا تزيد عن 14 نسمة/كم2. في حين يرتفع متوسط الكثافة في العالم إلى نحو 42 نسمة/كم(عام 1995). ولكن الكثافة المذكورة لا تعكس حقيقة التوزيع في كل من كندا والولايات المتحدة اللتان تضمهما القارة. فبينما ترتفع الكثافة في الولايات المتحدة إلى نحو 28 نسمة/كم، نجدها تنخفض إلى اقل من 3 أشخاص لكل كم2 في كندا.
وفي كندا لا يوجد توازن في توزيع سكانها، حيث يتركز اكثر من 90% من سكانها في الأطراف الجنوبية في مناطق لا تبعد اكثر من 350كم عن الحدود المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة وبخاصة في الجنوب الشرقي الصناعي الذي يستأثر وحده بحوالي 75% من مجموع السكان([60]). ويأخذ توزيع السكان شكل شريط ضيق حول مجرى نهر سنت لورنس ابتداء من مصبه إلى البحيرات العظمى، ويتسع قليلا في إقليم البراري. فالتوزيع هامشي يرتبط بالنشاط التجاري الضخم لكندا في هذا الجزء من أراضيها. وتبلغ كثافة السكان في الجزء المعمور من كندا نحو 33 نسمة/كم2، في حين لا تتجاوز مساحته عن 5%من مساحة كندا([61]).
وأعظم الكثافات السكانية في كندا تتمثل في الولايات البحرية وجنوب كويبك ومونتريال واقليم البحيرات. وفي أقصى الغرب توجد مناطق منعزلة مزدحمة بالسكان في كولمبيا البريطانية لاسيما في فانكوفر. وتتراوح الكثافة في هذا الجزء ما بين 60 و 140 نسمة/كم2([62])، حيث توجد الزراعة والمعادن والتجارة.
في حين يقل عدد السكان وتنخفض كثافتهم في مناطق الغابات المعتدلة الباردة والتندرا الواسعة، فلا تزيد كثافتهم عن شخص واحد لكل 2كم2. ولا يشذ عنها سوى منطقة كلنديك وبعض مناطق وسط ألاسكا وغربها لوجود المعادن. وقدر عدد الاسكيمو الذين يجوبون هذه المنطقة الشاسعة بنحو (50) ألف نسمة مع عدد قليل من البيض في سواحل لبرادور يمارسون الصيد، وعدد قليل من الهنود الحمر بالاجزاء الغربية المرتفعة يمارسون صيد الحيوانات ذات الفراء([63]).
اما توزيع السكان في الولايات المتحدة فانه يتفاوت تفاوتا كبيرا بين منطقة وأخرى. فبينما ترتفع كثافة السكان في (رود ايلند) شمال شرقي الولايات المتحدة (بين بوسطن ونيويورك) إلى أكثر من 300 نسمة/كم2، نجدها تنخفض في نيفادا إلى نحو شخص واحد لكل كم2، وتصل إلى صفر في المناطق القاحلة من صحراء نيفادا([64]).
ويضم القسم الشرقي من خط طول 100°غ أكثر الأقاليم كثافة وأكبرها مدنا وفيه أهم مراكز الإنتاج الزراعي والصناعي ولاسيما في شمال نهر اوهايو وشرق نهر المسيسبي حيث تتركز الصناعات الثقيلة وتتضخم المدن. وفيما يأتي النطاقات الصناعية التي يتركز فيها السكان في هذا الجزء من الولايات المتحدة([65]).
          ‌أ-          جنوب وجنوب غرب بحيرة مشيكن.
       ‌ب-       الساحل الجنوبي لبحيرة ايري.
        ‌ج-        ساحل بحيرة انتاريو ووادي موهوك.
         ‌د-         أعالي وادي أوهايو في الجزء الشرقي منه وفي غرب بنسلفانيا، ومركز هذا الإقليم مدينة بتسبرج.
          ‌ه-         السهل الساحلي شرقي الابلاش في المنطقة الممتدة من جنوب مين إلى ماريلاند حيث توجد اهم المدن الصناعية كما توجد اهم الموانئ التجارية.
أما الولايات الجنوبية في شرقي خط طول 100°غ فان معظم سكانها من أبناء الريف الذين يعملون في مزارع القطن والذرة ومحاصيل اخرى. والشطر الغربي من الولايات المتحدة هو أقل ازدحاما بالسكان، والتوزيع أقل انتظاما من شرقي البلاد، حيث يتجمع السكان في اودية الانهار التي تقطن المرتفعات ويمكن استخدام وسائل الري ويتواجد السكان أيضا في مراكز التعدين. أما على ساحل المحيط الهادي فيتجمع السكان في([66]):
            ‌أ-          وادي بوجيت ساوند ويلاميت.
          ‌ب-       وادي كاليفورنيا ولاسيما حول خليج سان فرنسيسكو في الوسط.
           ‌ج-        الاودية الانكسارية الصغرى حول لوس انجلس وسان ديجو في الجنوب.
ومن الظاهرات السكانية الرئيسة في امريكا السكسونية (الشمالية) انتشار ظاهرة الهجرة المستمرة من الريف إلى المدن، إذ يتركز في الوقت الحاضر نحو 74% من سكان الولايات المتحدة في المدن و 76% في كندا. ففي المنطقة الساحلية الممتدة من بوسطن إلى واشنطن توجد منطقة مدنية لا نظير لها في العالم تمثل منطقة Megalopolis  . ويطلق عليها أيضا اسم (متروبولتيان) حيث يتجاوز عدد سكانها الـ (50) مليون نسمة. ومما ساعد في ذلك ان سكان الريف أقاموا الكثير من المدن في مناطقهم ومن ثم يمكن القول ان قارة امريكا الشمالية هي قارة سكان المدن بالدرجة الاولى حيث لا تضاهيها قارة أخرى في هذا المجال باستثناء استراليا وامريكا الجنوبية.

توزيع السكان في امريكا اللاتينية:
لا يشغل سكان امريكا اللاتينية الا نسبة 7.5% من سكان العالم على الرغم من سعة مساحتها التي تكون نحو 15.1% من مساحة اليابس بكثافة سكانية لا تزيد عن  23 نسمة/كم. وفضلا عن هذا فان سكانها لا يتوزعون بشكل متوازن، حيث ان 3/4 سكان امريكا اللاتينية يعيشون في امريكا الجنوبية، واكثر من نصفهم يقطنون في الجزء المداري من القارة. ولكن كثافة السكان في امريكا الجنوبية (18 نسمة/كم2) هو أقل بكثير من امريكا الوسطى (51 نسمة/كم2) وبصورة خاصة في اقليم البحر الكاريبي (152 نسمة/كم2) الذي يمثل أصغر مساحة وسكانا قياسا بالاقاليم الاخرى في امريكا اللاتينية، ولكنه اكثر كثافة بعشر مرات من أمريكا الجنوبية المدارية والمعتدلة واربع مرات من امريكا الوسطى الداخلية. وتصل الكثافة السكانية اقصاها في بعض جزر البحر الكاريبي حيث تصل إلى اكثر من 414 نسمة/كم2 في جزيرة بورتوريكو، إلا انها تنخفض إلى أقل من شخص/ كم2 في حوض ألامزون (1995).
وبالإضافة إلى تباين التوزيع الجغرافي للسكان في القارة، يلاحظ وجود تركز واضح للسكان في المناطق الساحلية حيث لا يبعد معظم السكان عن500 كم عن الساحل([67]). ولا يستثنى من هذا سوى مناطق الهضاب والاودية والاحواض الجبلية في المكسيك، حيث يعيش نصف السكان فوق الهضبة الوسطى المركزية([68]). وكذلك امريكا الوسطى وجبال الانديز في امريكا الجنوبية. فهي جاذبة للسكان لخصوبة تربتها، واعتدال مناخها، وما عداها يقل التركز السكاني باتجاه الداخل حيث يكون قلب القارة مخلخلا سكانيا.
ومن امثلة الجهات الساحلية التي يتواجد فيها السكان:
الساحل الشرقي للقارة الذي يبدأ من الانبعاج الذي تقع فيه البرازيل ويواجه افريقيا الغربية ممتدا مسافة عدة مئآت من الكيلومترات جنوبي بوينس آيرس، حيث تبدأ المنطقة المعتدلة في افساح الطريق إلى مناخ اكثر برودة.
    وفيما يأتي تحديد للتجمعات الاقليمية الرئيسة لسكان القارة([69]):
1.     تجمع مدينة مكسيكو.
2.     وادي اوكساكا في جنوب مكسيكو.
3.     أودية ومنحدرات أمريكا الوسطى الجبلية بين مكسيكو وبنما.
4.     عدة جزر في البحر الكاريبي وبضمنها كوبا، هايتي، الدومنيكان.
5.     مرتفعات آندين من شمال وسط فنزويلا إلى جنوب بوليفيا.
6.     الوادي الأوسط لشيلي.
7.     المنطقة الواسعة في جنوب شرق البرازيل وساوبولو وريودوجانيرو.
8.     شمال شرق البرازيل ووسط رسيف المشهورة بالمحاصيل المدارية التجارية.
9.     حول الهضبة وأواسط مونتفديو وبوينس آيرس.
وعلى نقيض الأقاليم الكثيفة السكان نسبيا والمذكورة انفا، توجد أجزاء من امريكا الجنوبية ينتشر فيها السكان بشكل مبعثر على منطقة فسيحة من الارض تمتد في وسط امريكا الجنوبية، وسكانها قبائل من الهنود البدائيين يعيشون على القنص وصيد الاسماك ومنقطعين عن العالم الخارجي. الا ان سكان المناطق المزدحمة بدأوا في العقود الاخيرة، وبخاصة من البرازيل، يتدفقون إلى قلب قارتهم.
وقد تحدد التوزيع السكاني هذا في مناطق امريكا اللاتينية نتيجة لحتمية جغرافية البلاد وتاريخها. ففي كثير من الاقاليم يبحث الناس عن المناخ الاكثر ملاءمة لهم، في الوديان المرتفعة والهضاب، وفضلوها على المناطق المدارية الحارة الرطبة أو المناطق الساحلية شبه المدارية كما في الشاطئ الشرقي بامريكا الوسطى والشاطئ الشمالي للمكسيك حيث تكثر الغابات الكثيفة، والمستنقعات الكثيرة، وتنتشر في ارجائها الامراض المدارية. وظلت المناطق شرقي جبال الانديز في امريكا الجنوبية، وغابات الامزون المنيعة حتى السنوات الاخيرة تقف في عناد شديد أمام توغل غزوات الرجل الابيض. ولم يتجه السكان إلى الداخل الا في الجنوب، حيث توجد الاقاليم الاكثر اعتدالا. اما في الجهات الاخرى فقد ظلت الاغلبية العظمى من السكان في الدائرة لا تبعد عن المحيط الا بضع مئآت من الكيلومترات([70]).
والمناطق المدارية المنخفضة الوحيدة التي يتكاثف فيها السكان في امريكا اللاتينية هي جزائر البحر الكاريبي وجيوب قليلة على السواحل الجنوبية، وسواحل امريكا الوسطى. ففي هذه الأماكن كانت الثروة التي يمكن الحصول عليها من زراعة قصب السكر أو الحاجة إلى مراكز للتجارة، حيث يمكن تداول المعادن الثمينة والغلات الاخرى التي تنقل بالسفن من داخل البلاد إلى أوربا، حافزا قويا يكفي التغلب على العقبات الاولية التي يتميز بها المناخ المداري، مما أدى إلى تركز سكاني كثيف نسبيا في عدد من المناطق.
وبالإمكان توزيع سكان القارة بحسب توزيع نوع النبات الطبيعي كما هو واضح من الجدول أدناه:

جدول رقم (7)
توزيع السكان وأنواع النبات الطبيعي في امريكا اللاتينية
نوع النبات
الكثافة السكانية
(نسمة/ كم2)
% من المساحة
الكلية
%من مجموع
السكان
الجبال
23
8.2
18.6
النباتات الجافة
8
25.3
19.7
الغابات
10
48.0
48.0
السفانا
2
12.5
2.5
الحشائش(بضمنها البمبا)
19
6.0
11.2
المجموع
10
100.0
100.0
المصدر: J.I. Clarke, Population Geo & Developing Countries, 1979, P64.                                                                                                             

يوضح الجدول المتقدم ان نوع النبات الطبيعي السائد في مكان ما من قارة امريكا اللاتينية يعكس نمط كثافي معين من السكان. ففي الوقت الذي تسود أعلى الكثافات في النباتات الجبلية (23 نسمة/كم2)، واقليم الحشائش (19 نسمة/كم2) حيث ترتفع نسبة السكان قياسا بنسبة المساحة للإقليمين من اجمالي الاقاليم النباتية، نجد الكثافة السكانية تنخفض إلى أدناها في اقليم السفانا (2 نسمة/كم2)، وكذلك المناطق الجافة (8 نسمة/كم2) حيث تنخفض نسبة السكان قياسا إلى نسبة المساحة من إجمالي الاقاليم المذكورة. في حين تكون الكثافة متوسطة في اقليم الغابات وبقدر متوسط الكثافة العامة لجميع الاقاليم، حيث تتساوى نسبة السكان مع نسبة المساحة.
ان انخفاض نسبة مساحة اقليمي الجبال والحشائش وبخاصة البمبا التي تمثل اقليم الماشية، فضلا عن الاعتدال المناخي فيهما كانا سبب ارتفاع الكثافة النسبية في الإقليمين. أما انخفاض الكثافة في إقليمي السفانا والجفاف فيعود إلى صعوبة النقل والمواصلات في إقليم السفانا وعدم استقرار الجماعات التي تقطنه. في حين كان الجفاف الشديد، وقلة الموارد في المناطق الجافة (صحراء اتكاما وجنوب بيرو وشمال غرب الأرجنتين وجنوب بوليفيا) سببا في انخفاض الكثافة وجذب عدد ممن يعمل في التعدين. أما اقليم الغابات الذي يشغل مساحات شاسعة قياساً ببقية الاقاليم، فان أغلب سكانه يتركزون في أطراف الغابة ولاسيما الغابات قليلة الكثافة.

توزيع السكان في استراليا:
تتباين كثافة السكان في استراليا من مكان لاخر، فعلى حين يخلو نحو 1/3 مساحة القارة من السكان، نجد الكثافة تقل في الثلث الثاني عن شخص لكل كم2 ([71]). بينما يتجمع ثلثا السكان في جنوب شرق استراليا، أي فيما يعادل 13% من مساحتها([72]). كما يتواجد نحو 93% من السكان على مسافات لا تزيد عن 800 كم من الساحل الشرقي الممتد بين كوينزلند وشبه جزيرة آير. ويقطن 6% من سكان القارة في الجنوب الغربي حيث يتركز 60% منهم في مدينة بيرث. وعموما فان غالبية السكان يحتشدون في المدن. ويكفي ان نذكر ان 54% من السكان يعيشون في عواصم الولايات و 20% في المدن الصغيرة([73]). في حين لا يتجاوز سكان الريف عن 15%([74]).
وتعزى ظاهرة ازدحام السكان على هوامش القارة، وبخاصة في الجنوب الشرقي حول المدن إلى قيام النشاط التجاري والصناعي والزراعي الكثيف ولاسيما في المدن التي تعد موانئ وعواصم ادارية ومراكز للانشطة المذكورة.
وعموما نجد السكان يتركزون في خمس مدن تقع على الساحل الشرقي والجنوبي الشرقي (برزبين وسدني وملبورن وبلارات ودليد) تزيد كثافتها السكانية على 140 نسمة/كم2. وهي تقع ضمن المناخ الصيني ومناخ البحر المتوسط وهو مناخ معتدل تتوفر فيه الحياة النباتية. ويلي هذا الاقليم، منطقة اخرى تتراوح كثافتها السكانية بين 15 و25 نسمة/كم2([75]). واهم مراكزها (بيرث) على المحيط الهندي، وسهول ماري ودارلنج وجنوب فكتوريا. وما عدا ذلك تسود الأقاليم الصحراوية وشبه الصحراوية في الغرب، واقليم موسمي شديد الحرارة والرطوبة في الشمال. وبطبيعة الحال يقل عدد السكان وتنخفض كثافتهم في مثل تلك الاقاليم.
أما جزيرة تسمانيا فأعظم جهاتها ازدحاما هي الشمالية الغربية والشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية. ومن الجزر الاخرى نيوزيلندة حيث تعد الأجزاء الشمالية منها أعظم كثافة من اجزائها الجنوبية وبخاصة في مدنها المهمة مثل اوكلاند. ويعود سبب ازدحام السكان في مثل تلك المناطق إلى وجود الثروة الزراعية، والمراعي الجيدة التي جعلت من نيوزيلندة جزيرة مشهورة بتربية الأغنام والماشية. هذا وتنخفض كثافة السكان في أقصى شمال ووسط اجزائها الشمالية ، والجزء الغربي من اجزائها الجنوبية – وهي أقاليم المرتفعات العظيمة، والغابات الكثيفة، والأمطار الغزيرة – حيث لا تزيد كثافة السكان فيها عن شخص واحد لكل 3 كم2([76]).

توزيع السكان في الوطن العربي
ان نظرة فاحصة لخريطة توزيع سكان الوطن العربي وكثافته توضح وجود قلب مقفر سكانيا، بسبب امتداد الصحاري

خريطة ص 167
 في معظم انحائه. بحيث لا تترك الا الجهات الساحلية (في شمال افريقيا وشرقي البحر المتوسط والمحيط الأطلسي في المغرب) ومنطقة الجزيرة في السودان وكذلك اليمن، وحتى وادي النيل في شمال السودان ومصر وكذلك واديا دجلة والفرات وامتدادهما في ساحل الخليج العربي بمثابة واحات سكانية. لان مصدر الماء فيها يقع خارج حدود الصحاري التي تجتازها هذه الأودية. مما يعني ان الماء يأتي على رأس العوامل المتحكمة في توزيع السكان في الوطن العربي. وبالتالي فهم يتركزون في أودية الأنهار والسواحل الممطرة. واذا استثنينا هذه المناطق فليس في الوطن العربي استقرار الا في الواحات المبعثرة في الصحراء.
وعلى هذا الأساس يمكن تفسير تجمع السكان في المنطقة الواقعة بين دائرتي عرض 30 و 37°ش([77]). ويدخل ضمن تلك المنطقة سهل العراق الرسوبي وبلاد الشام (ولاسيما سهل البقاع وغور الأردن) ودلتا النيل في مصر والجبل الأخضر في ليبيا ومناطق التل وجبال الأطلس في اقطار المغرب العربي وتكون هذه البقاع حوالي 17% من مساحة الوطن العربي([78]).
أما وسط وجنوب السودان، فبرغم ان المطر فيهما يزيد على 250 ملم الا ان نوع الحرفة السائدة – الرعي – تتطلب مساحات للتجوال والارتحال. والزراعة فيها تمارس حرفة ثانوية، مما ينعكس على انخفاض الكثافة السكانية في المنطقة.
ويعد وادي النيل ودلتاه بمصر اكبر منطقة لتجمع السكان في الوطن العربي حيث يتجمع فيها نحو ربع سكان الوطن العربي (53.5 مليون نسمة عام 1990)، في حين أن مساحتها تقرب من 0.24% من مساحته. ويتركز في هذه المنطقة نحو 99% من سكان مصر فوق رقعة لا تتجاوز 3.5% من مساحتها([79]). بكثافة تزيد على 1500 نسمة/كم2.
في حين تعد المناطق الصحراوية القاحلة من اكثر جهات الوطن العربي قلة في السكان، وانخفاضا في الكثافة. وحددت الواحات فيها مراكز الاستيطان المبعثر بهيئة قرى ومدن صغيرة، بالاضافة إلى مدن التعدين المرتبطة باستثمار المعادن.
واذا كانت المياه الجوفية (العيون او الآبار) العامل المتحكم في قيام الواحات وتجمع السكان حولها، والأمطار المتغير البارز في تواجد السكان في المناطق التي تعتمد زراعتها على هذا المتغير، فإن مياه الأنهار وتوفر مشاريع الري، وخصوبة التربة، هي العامل المؤثر في ازدحام السكان بوادي النيل ودلتاه وبقية أودية الانهار. كما ان وجود النشاط الصناعي والتجاري والخدمي كان وراء تكدس السكان في كبريات المدن العربية.
وتستقطب المراكز الحضرية في الوطن العربي 52% من سكانه([80]). وقد نمت هذه المراكز خلال العقود الثلاثة الاخيرة بمعدلات مرتفعة جدا. وهذا النمو لا يرجع فقط إلى المعدلات المرتفعة للزيادة الطبيعية وانما أيضا إلى ظاهرة الزحف السكاني المتواصل من الريف إلى المدن. وكذلك بسبب تيارات الهجرة الوافدة اليها من أقطار أخرى، كما حصل في منطقة الخليج العربي. حيث التركز الشديد في مراكزه الحضرية، إذ تستقطب معظم سكانها.
وتركز السكان في عدد محدود من الحواضر الكبرى أصبح أمرا مألوفا في عالمنا اليوم، بل هو وليد التاريخ المعاصر للنصف الثاني من القرن العشرين ([81]). فمدينة بغداد التي يقطنها نحو 4.9 مليون نسمة (عام 1995) تضم 24% من اجمالي سكان العراق، في حين لا تشغل سوى 0.2% من مساحته.
أما سكان الأرياف في الوطن العربي فإنهم يتوزعون في عدد كبير من التجمعات والمواقع السكانية الصغيرة. ففي سوريا يتوزع سكان الريف في (14) ألف قرية ومزرعة ([82]). وفي المحافظات الشمالية لليمن يتوزع السكان نحو (52) ألفا بين مدينة وقرية ومحلة متوسط سكان كل منها 89 شخصا([83]).
وقد حدثت تغيرات واسعة في صورة التوزيع الجغرافي لسكان الوطن العربي خلال الاربعين عاما الماضية. وتزامنت هذه التغيرات مع جملة من العوامل التي برزت بشكل سريع وأدت إلى تغير مستمر في ملامح هذه الصورة.
فالتوزيع السكاني الذي كان يميل إلى الثبات تحول إلى ظاهرة ديناميكية تتميز بالتغير الدائم. ففي اطار العلاقات شبه الثابتة التي كانت قائمة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية كان هناك نوع من التوازن الايكولوجي في توزيع السكان. الا ان هذا التوازن أخذ يتعرض للخلل نتيجة التغير الواسع الذي حدث في عناصر العلاقات التي تشكل بنية هذا الاطار. وكان أبرز جوانب هذا الخلل تغير العلاقة بين مراكز الثقل السكاني التي تمثلها المدن الرئيسة في الوطن العربي، ومناطق التبعثر السكاني التي تمثلها المناطق الريفية والبوادي([84]).
فالتوازن السكاني الذي كان سائدا قبل هذه المرحلة كان انعكاسا لتوازن في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الريفية والمراكز الحضرية. وحيثما تتغير معطيات هذه العوامل تترك آثارها على انشطة السكان وتوزيعاتهم. فتزايد مصادر الثروة وفرص الاستثمار في احدى المناطق يعني اتساع فرص العمالة. ويؤدي هذا بطبيعة الحال إلى نمو اقتصادي فيها وإلى جذب المزيد من الايدي العاملة باتجاهها. ومع اتساع مصادر الثروة فرص استثمار  في اكثر من منطقة، فإن صورة التحرك والتوزيع السكاني تزداد تعقيداً([85]). كما حدث في منطقة الخليج العربي وأقطار اخرى بعد اكتشاف البترول، وكما حدث في كبريات المدن التي توسعت بعد هجرة سكان الارياف اليها.
وابرز مشكلة يواجهها توزيع السكان في الوطن العربي هي مشكلة سؤ توزيعهم، حيث يتجمعون في اماكن محددة صغيرة وقد تكون قليلة الموارد، فيمثلون عبئاً كبيرا على الدولة. في حين يمتد فراغ سكاني في رقعة شاسعة، أو عدد محدود من السكان في مناطق ذات موارد كبيرة ينقصها الأيدي العاملة لاستثمار تلك الموارد([86]).
مما يتطلب التوصل إلى توزيع جغرافي أفضل للسكان بين الاقطار العربية في الأمد الطويل يحقق متطلبات التنمية عن طريق تكامل الموارد البشرية والطبيعية وبما يضمن تحقيق الامن القومي وذلك بالحد من النمو الحضري. وخاصة في أحزمة البيئات الأقل نمواً حول المدن. وتقليل الهجرة من الريف والمدن الصغيرة إلى المراكز الحضرية الكبرى. والاهتمام بالتنمية الريفية المتكاملة بما يحقق الاستقرار السكاني، والتوسع في تعمير مراكز سكانية جديدة، في المناطق غير المأهولة، مخططة بعناية وتقوم على تكامل الأنشطة الإنتاجية والاجتماعية([87]).
وتبعا للتوزيع الإقليمي للسكان يأتي حوض النيل (مصر والسودان) فوق قمة المجاميع السكانية حجما ومرتبة. فهو يحتل أكثر من ثلث سكان الوطن العربي (33.9% أو 87.3 مليون نسمة) البالغ نحو 257.6  مليون نسمة عام 1995([88]). يليه المغرب العربي وبضمنه ليبيا حيث يشغل نسبة تقل عن الثلث (28.1% وبحجم قدره 72.5 مليون نسمة). في حين يأتي الهلال الخصيب (العراق وبلاد الشام) في المرتبة الثالثة حيث يكون نسبة تقل عن الخمس 17.4% وعدد مقداره 44.7 مليون نسمة). وتحتل الجزيرة العربية (اليمن والسعودية والخليج العربي) المرتبة الرابعة، إذ تشغل 15.4% من اجمالي السكان وبعدد يقرب من 39.7 مليون نسمة. ويمثل المكان الذي يشغله القرن الافريقي آخر مرتبة في تلك المجاميع حيث تتدنى نسبة سكانه إلى 5.2% وبعدد يقرب من 13.4 مليون نسمة.
مما تقدم ذكره يتضح ان الماء يعد اهم ضوابط توزيع السكان في أقطار الوطن العربي، حيث يتركز السكان باحدى الحواشي الضيقة تاركين بقية مساحة القطر فراغاً أو شبه فراغ سكاني. وتتمشى الأقطار العربية في هذا التوزيع مع الصورة الكوكبية العامة على مستوى القارات، ولاسيما آسيا واستراليا وامريكا الجنوبية حيث تزدحم بعض هوامشها بالسكان لظروف طبيعية مواتية، بينما تتخلخل قلوبها لتطرف المناخ جفافاً أو رطوبة([89]).

توزيع السكان في العراق:
يتجمع اغلب سكان العراق في منطقة السهل الرسوبي الذي يحتل رقعة تقرب من 20% من مساحة القطر، الا انه يضم نحو ثلثي سكانه. وتكاد تنحصر السكنى في هذا السهل ضمن المساحة المزروعة، بما فيها من مدن، وقدرها 30.000 كم2([90]). وهي تعادل نحو ثلث مساحة هذا السهل. وبذلك تصبح كثافة السكان في هذه الاجزاء من السهل الرسوبي تبعا لبعض الاحصاءات القديمة بنحو 130 نسمة/كم2([91]). وقد تصل إلى نحو 300 نسمة/كم2، في الوقت الحاضر. وبذا فإن هذا السهل يضم اكثر المحافظات كثافة في السكان، واكثر المناطق الزراعية توطنا بالنسبة لنظيراتها في مناطق العراق الاخرى، وينحصر توطن السكان حول ضفاف الانهار والجداول، وحيث تتوفر مشاريع الري.
وفي الجزء الجنوبي من السهل الرسوبي تمتد بقايا الاهوار والمستنقعات وتنخفض كثافتهم حيث يتجمع السكان على أطرافها وهم يستثمرونها في زراعة الرز. كما يتبعثر السكان في جزر اصطناعية متباعدة معتمدين على صيد الأسماك والطيور وتربية الجاموس والبقر وصناعة الحصر. والتباين شديد في توزيع سكان هذا الجزء من السهل الرسوبي بين مكان وآخر لظروف املتها بعض الظواهر الطبيعية. فهناك أهوار دائمة تخلو من السكان أو تضم عددا محدودا منهم لا تتعدى كثافتهم 5  نسمة/كم2. في حين تتكتل اعداد بشرية كبيرة على أكتاف الأنهار والمجاري المائية بحيث تصل كثافة بعض أجزائها إلى أكثر من 600 نسمة/كم2 ([92]). في الوقت الذي لا يزيد متوسط الكثافة العامة لعموم المنطقة عن 44 نسمة/كم2 (عام 1987).
إن صورة توزيع سكان السهل الرسوبي وتبيانهم من مكان لآخر كان انعكاسا لخبرة الإنسان وجهوده في استثمار موارد بيئية، تتباين هي الأخرى فيما تعطيه من إمكانيات وفرص للعيش. من بينها تباين ظروف السطح والمناخ والتربة ومجاري الأنهار ومشاريع الري، بالإضافة إلى عوامل إدارية ودينية، ومجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية أثرت في هذا المجال. فالمناطق التي يسود فيها النشاط التجاري أو الصناعي أو الخدمي أو كونها مراكز وحدات إدارية (كما في بغداد والموصل والحلة وكركوك) ترتفع كثافتها السكانية. في حين تتميز المناطق التي تعتمد حياتها على الزراعة والرعي بانخفاض تلك الكثافة.
أما توزيع السكان في المنطقة الشمالية (المتموجة والجبلية) فانه ينتشر في أنحاء المنطقة. ويعد الجزء الشمالي من المنطقة المتموجة والجزء الجنوبي من المنطقة الجبلية من أكثر الجهات ازدحاما بالسكان وبخاصة المناطق المحصورة بين خطي المطر المتساوي 400 – 700 ملم([93]). وتعد هذه الكمية من الأمطار كافية لقيام الزراعة. ويأتي عامل التركيب الجيولوجي وعلاقته بالمياه الجوفية في الدرجة الثانية من حيث التأثير في تباين توزيع السكان بعد عامل المطر. فهو يتعلق بطبيعة صخور المنطقة وما يحدث فيها من تصدعات تساعد على تدفق مياه العيون وبالتالي على تجمع السكان في مواضع معينة. ويأتي العامل الطوبوغرافي في المرتبة الثالثة من حيث التأثير، وهذا يتضح من قلة السكان    في المناطق الوعرة، وكثرتهم في السهول والأحواض الجبلية مثل سهل السندي ورانية وشهرزور. أما دور العامل البشري فهو محدود ويتمثل بمدى صلاحية المنطقة لقيام مراكز التسويق والتبادل التجاري.
وفي الوقت الذي تحتل المنطقة المتموجة حوالي ربع سكان العراق، فإن ما تشغله المنطقة الجبلية والهضبة الغربية يأتي في آخر مرتبة. فلا يزيد عدد سكانها على عشر سكان العراق، وذلك لوعورة المنطقة الجبلية، وجفاف الهضبة الغربية التي تخلو مساحات واسعة منها من السكان باستثناء الواحات التي تمثل مراكز الجذب السكاني في مثل تلك المناطق. نظرا لتوفر موارد المياه الجوفية (العيون والآبار) فيها وبخاصة خط العيون الذي تقع فيه بعض الواحات مثل كبيسة والرحالية وعين التمر، وكذلك النخيب والشبجة والسلمان والبصية والزبير وصفوان.

المبحث الثالث
مقياس توزيع السكان وكثافتهم
1-    مقاييس التركز السكاني:
ترتبط بدراسة توزيع السكان محاولة التعرف على نمط التركز السكاني في الاقليم، أي مدى ميل السكان إلى التركز في منطقة واحدة داخل حدود الاقليم، أو التشتت داخل هذه الحدود. فحيثما يتجمع السكان في منطقة معينة تتعاظم درجة التركز، في حين تقل تلك الدرجة حيث يتساوى التوزيع. وعموماً، وكما ذكر دونكان، فإن "معايير التركز السكاني يمكن ان تعد مقاييس لانتشار وحدات كثافة معينة عن الكثافة العامة"([94]).
وللتركز السكاني مقاييس عديدة نذكر منها مقياسين:
          ‌أ-          نسبة التركز السكاني: Population Concentration Ratio
تعتمد نسبة التركز السكاني على النسبة المئوية للسكان التي تتوزع فوق نسبة معينة من المساحة، ويمكن الحصول عليها باستخدام المعادلة الآتية:
نسبة التركز= 1/2 محـ (س – ص )
حيث تمثل:
س : النسبة المئوية لمساحة المنطقة إلى مساحة الإقليم الكلية.
ص: النسبة المئوية لسكان المنطقة إلى سكان الإقليم الكلية.
محـ: تمثل مجموع الفرق الموجب بين هذه النسب بعضها ببعض، أي مجموع القيم دون النظر للإشارات السالبة.
ومعنى ذلك ان نسبة التركز تساوي احصائياً نصف مجموع الفرق الموجب بين النسبة المئوية للمساحة والنسبة المئوية للسكان في كل منطقة من مناطق الإقليم. ويعد توزيع السكان مثاليا اذا كانت نسبة التركز تساوي صفراً. وكلما زادت كان ذلك قرينة التوزيع غير المتساوي، أي ان التوزيع السكاني يميل نحو التركز وليس نحو التشتت.

وبتطبيق المعادلة على مجموع الفرق الموجب يتضح الآتي:
1/2 ´ 85.2 = 42.6 وهذا يعني ان توزيع السكان غير متساوِ، أي انه يتركز في اماكن ويتبعثر في اماكن اخرى. وهذا واضح من نسبة التركز في محافظتي بغداد والانبار، حيث ترتفع النسبة فيهما قياساً ببقية المحافظات. في حين يعد توزيع سكان دهوك اقرب إلى المثالية في التوزيع. ولما بلغت نسبة التركز في العراق 42.6 فان ذلك يقتضي اعادة توزيع هذه النسبة لكي يكون هناك نوع من التجانس التوزيعي.

وفي جدول رقم (8) توضيح لمقياس نسبة التركز السكاني في العراق عام 1987:

جدول رقم (8)
نسبة التركز السكاني في العراق عام 1987
المحافظة
المساحة
%(س).
السكان
%(ص)
الفرق الموجب
(س-ص)
المحافظة
المساحة
%(س).
السكان
%(ص)
الفرق الموجب
(س-ص)
نينوى
8.2
9.1
0.9
القادسية
2.0
3.5
1.5
صلاح الدين
6.0
4.5
1.5
ديالى
4.4
5.9
1.5
التأميم
2.4
3.7
1.3
الانبار
31.9
5.0
26.9
بغداد
0.2
23.5
23.3
كربلاء
1.2
2.9
1.7
بابل
1.5
6.8
5.3
ذي قار
3.0
5.6
2.6
النجف
6.6
3.6
3.0
ميسان
3.7
3.0
0.7
المثنى
11.9
1.9
10.0
دهوك
1.5
1.8
0.3
واسط
4.0
3.5
0.5
السليمانية
3.9
5.8
1.9
البصرة
4.4
5.3
0.9




اربيل
3.3
4.7
1.4




القطر
-
-
-

100.0
100.0
85.2


وعند موازنة نسبة التركز السكاني في العراق بين تعدادي 1977 و 1987 يتضح انخفاض بسيط في النسبة في التعداد الاخير (42.6) قياسا بما كانت عليه في عام 1977 (43.5) أي ان ظاهرة التركز تسير نحو التناقص التدريجي البطيء. وبعبارة اخرى ان السكان يميلون إلى التوزع في مساحات أوسع مما كانوا عليه في التعداد السابق. وفي عام 1997 ارتفعت النسبة قليلا إلى 43.2 وقد يكون للهجرة دورا في ذلك.
        ‌ب-        منحنى لورنز ومعامل جيني: Lorenz Curve & Gini Coefficient
استخدم الجغرافيون منحنى لورنز منذ مدة، وربما كان (رايت) Kright  أول من ادرك أهميته في التحليل الجغرافي، وشرح طريقته مع آخرين في دراسة منهجية في عام 1937. ومن بين استخداماته الجغرافية توضيح العلاقة السكانية المكانية تركزاً وتناثراً مع تحليل الانحدار الكثافي في وحدة مساحية معينة داخل حدود الدولة أو الاقليم([95]).
ويستخدم هنا عندما تنقسم المنطقة المراد دراستها إلى وحدات مساحية صغيرة ترتب تنازلياً بحسب كثافتها ( أو بحسب معامل التفاضل)   Advantage     Coefficient وذلك بقسمة نسبة الظاهرة الثانية على نسبة الظاهرة الاولى وبالتالي الحصول على النسب المجمعة للظاهرتين بحسب الترتيب المذكور. بعد ذلك تمثل القيم والنسب المجمعة في رسم بياني يكون محوره الرأسي مخصصا للنسب المجمعة لعدد السكان، ومحوره الأفقي للنسب المجمعة للظاهرة الأخرى (مثلا عدد الحاصلين على شهادة تعليمية). وبتوصيل هذه القيم يتم الحصول على منحنى لورنز([96]). وتمثل المساحة المحصورة بين المنحنى وخط التوزيع المتساوي مساحة التركز. واتساعها يدل على تركز السكان في منطقة واحدة. أي البعد عن المثالية في التوزيع. وكلما صغرت هذه المساحة اقترب توزيع السكان من التوزيع المثالي، ويمكن قياس المساحة المذكورة عن طريق معامل جيني([97]).ويمكن مقارنة منحنى لورنز و معامل جيني بين عدة سنوات لمعرفة التقدم الذي حصل في مثالية التوزيع، أي التعرف على مدى التحسن الذي طرأ على (مثلا) توزيع المرافق والخدمات خلال مدة معينة ومدى العدالة المتحققة من هذا التوزيع على الاقاليم (أو الوحدات الادارية) المختلفة.
معامل جيني:هو أحد الأساليب المستخدمة في قياس نسبة مساحة المنطقة المحصورة بين منحنى لورنز وخط التماثل إلى مجموع مساحة المثلث الذي يكون خط التماثل وتره، والاحداثي الافقي قاعدته. ويتطلب ذلك استخدام نموذجاً رياضياً معيناً بعدة متغيرات يحل بواسطة الحاسب الالكتروني([98]). الا ان عدداً من الباحثين استخدموا أساليب أبسط لقياس تلك النسبة ومن بينها الطريقة التي توضحها الخطوات الآتية([99]):
          ‌أ-          تحدد احداثيات على منحنى لورنز تقابل تدرج النسب المجمعة على المحور الرأسي، ثم تستخرج قيمة هذه النقاط على المحور الأفقي.
       ‌ب-       تجمع القيم السالفة الذكر وتطرح منها القيمة المتوقعة التي يمكن الحصول عليها في حالة ما اذا كان منحنى لورنز متطابقا مع خط التماثل.
        ‌ج-        تحسب نسبة القيمة المتحصلة من القيمة المتوقع الحصول عليها في حالة تطابق  منحنى لورنز مع خط منتهى التباعد وعدم التساوي (وهو خط اب، ب ج)
وبعد تطبيق هذه الخطوات على القطر العراقي (جدول رقم 9) ظهر ان المساحة المحصورة تشكل نحو 63.4% من مساحة المثلث المشار اليه والذي يمثل المساحة المتوقع أن تكون محصورة بين منحنى لورنز وخط التماثل في أقصى حالات عدم التساوي في توزيع الظاهرتين (انظر شكل 6).
ولو كان عدد السكان موزع بصورة متساوية على المحافظات لكان معامل جيني يساوي (صفرا). وفي حالة عدم التساوي التام في هذا التوزيع فان قيمة هذا المعامل تزداد باتجاه قيمة 100. وفي حالة تعداد 1987 يشير المعامل إلى انه بعيد عن التوزيع المثالي أو العادل بنسبة 63.4% لأنه ابتعد عن
شكل ص 182

الصفر بتلك النسبة. وقد تم الحصول عليها من تجميع القيم المستخرجة من منحنى لورنز في الشكل المذكور وكما يأتي:
46+ 60+ 72.5+ 82.5+ 90+ 94+ 95.5+ 97+ 98+ 100= 835.5
   

جدول رقم (9)
توزيع النسبة المئوية المجمعة لعدد السكان والمساحة بحسب
المحافظات العراقية لعام 1987
المحافظة
النسب المجمعة بحسب ترتيب معامل التفاضل
المحافظة
النسب المجمعة بحسب ترتيب معامل التفاضل

معامل التفاضل
السكان
المساحة

معامل التفاضل
السكان
المساحة
بغداد
117.5
23.5
0.2
البصرة
1.204
67.6
26.2
بابل
4.53
30.3
1.7
دهوك
1.200
69.4
27.7
كربلاء
2.41
33.2
2.9
نينوى
1.100
78.5
35.9
ذي قار
1.86
38.8
5.9
واسط
0.87
82.0
39.9
القادسية
1.78
42.2
7.8
ميسان
0.81
85.0
43.6
التاميم
1.54
45.9
10.2
صلاح الدين
0.75
89.5
49.6
السليمانية
1.48
51.7
14.1
النجف
0.54
93.1
56.2
اربيل
1.42
56.4
17.4
المثنى
0.159
95.0
68.1
ديالى
1.34
62.3
21.8
الانبار
0.156
100
100

1.     مقاييس تباعد السكان:
من بين المقاييس المستخدمة لمعرفة تباعد السكان ما يعرف بمتوسط المسافة بين أقرب الجيران. ويفترض هذا المقياس وجود توزيع سكاني عشوائي، ولهذا تعد طرقه ملائمة حينما يتمخض عن الاختلافات العشوائية توزيعاً معيناً.
وقد صمم بارنس Barnes  وروبنسون   Robinson ([100]) خريطة مسافات خطية لتوضيح الاختلافات في كثافة السكان المتناثرين نسبيا. فمتوسط المسافات بين المساكن الريفية يعادل  حيث تؤخذ الكثافة من عدد المساكن الريفية في الكيلومتر المربع الواحد. وقد صحح موثر Mother المعامل الثابت ليصبح (1.07). وعموماً فان خريطة المسافات الخطية تربط مفاهيم التباعد بالكثافة([101]).
وبتطبيق المعادلة السابقة على كثافة المساكن الريفية لإجمالي منطقة الاهوار في جنوبي العراق عام 1987 يتضح:

  = متوسط التباعد بين المساكن الريفية.                                                                        

ويمكن استخدام علاقة المساحة بعدد القرى بدل الكثافة لمعرفة متوسط التباعد، كما هو واضح من المعادلة في ادناه:
     حيث تمثل :  س متوسط التباعد
                                      م  مساحة المنطقة (كم2)
                                      ع  عدد القرى في المنطقة
                                 1.11   معامل ثابت
وبتطبيق هذه المعادلة على اجمالي منطقة الاهوار في جنوبي العراق عام 1987 يظهر:

بين قرية واخرى، وهو تباعد مناسب يسهل الاتصال بين المستوطنات الريفية والاستفادة مما يتوفر من الخدمات في المنطقة.
2.    مقاييس انتشار او تشتت السكان:
هناك عدة طرق احصائية يمكن ان تستخدم لقياس تشتت او انتشار السكان نذكر منها مقاييس:
          ‌أ-          الاشعاع (او نصف القطر) الديناميكي:
اقترحه ليفيفر Lefever ثم طوره ستيوارت Stewart ووارنتز Warntz مطلقين عليه اسم الاشعاع (او نصف القطر) الديناميكي Dynamical Radius ومعادلته هي([102]):
او
          
حيث تمثل: س عدد السكان في المركز المجاور
م: المسافة بين المركز المجاور والمركز المراد دراسته
سَ : جملة سكان المنطقة المراد دراستها
ط: نصف القطر الديناميكي
والجدول الآتي (رقم 10) يبين حساب نصف القطر الديناميكي للمركز الحضري الاول (المجر الكبير) في ضوء علاقته بالمراكز الاخرى المجاورة، وهي تمثل المراكز الحضرية في محافظة ميسان ضمن منطقة الاهوار عام 1987 (باستثناء العزير):

المركز الحضري
عدد السكان
البعد عن المركز الاول (كم)
1.      المجر
40553
-
2.      المشرح
5012
38
3.      كميت
4294
59
4.      الميمونة
8290
22
5.      السلام
8149
19.5
6.      قلعة صالح
15632
13.5
7.      العدل
4936
8.5
8.      الكحلاء
8792
15
المجموع
95.658
-
المصدر: السكان اعتمادا على تعداد عام 1987، والمسافات حسبت اعتمادا على خريطة العراق، المساحة العسكرية، 1987، مقياس 1/2.000.000.

وبتطبيق معادلة نصف القطر الديناميكي على بيانات الجدول نحصل على:

5012 × (38)2+4294×(59)2+8290×(22)2+8149×(19.5)2
+15632×(13.5)2+4936×(8.5)2+8792×(15)2
ط =
                                           95658

            34479517
ط =                                 =  18,98   كم او ما يقرب من 19 كم .
               95658
وتبعا لما تقدم فانه يعيش 73% من سكان محافظة ميسان (ضمن منطقة الاهوار) عام 1987 داخل دائرة نصف قطرها حوالي 19 كم من المركز المدروس وهو المجر الكبير
  ) والرقم 69913 يمثل سكان المنطقة كلها ناقصا سكان المركز الثاني والثالث والرابع والخامس وهي التي تبعد باكثر من 19 كم من المجر الكبير.
       ‌ب-       معامل الانتشار او التباعد بين المستوطنات الريفية:
استحدثت عدة طرق احصائية لتحليل درجة الانتشار او التركز من مواطن السكن بالريف، من بينها معامل التشتت الذي اقترحه ديمانجون Demangeon للتعرف على انماط توزيع المستوطنات الريفية. وبعبارة اخرى للكشف عن مدى تشتت القرى وتباعدها، او تركزها وتقاربها بعضها ببعض. ويأخذ معامل التشتت الصيغة الرياضية الاتية([103]):
حيث تمثل:
N: عدد القرى
E: عدد سكان القرى
:T جملة سكان الوحدة الادارية التي تضم تلك القرى.
وكلما ازدادت الدرجة دلت على وجود تشتت كبير في توزيع القرى، اي وجود تباعد كبير فيما بينها، والعكس صحيح . وبتطبيق معامل التشتت على نواحي منطقة الاهوار ضمن محافظة ميسان لعام 1987(*) (جدول رقم 11) يتضح وجود تباين في معامل التشتت بين تلك النواحي يتراوح بين 3.7 درجة (في مركز قضاء قلعة صالح) و 51.7 درجة (في ناحية الميمونة). ويقترب المعامل المذكور من الدرجة الدنيا في كل من المجر الكبير، المشرح، العدل. في حين يبتعد عنها فيما تبقى من وحدات ادارية حيث يزداد التشتت بين مستوطناتها الريفية:

جدول رقم (11)
معامل التشتت في نواحي محافظة ميسان ضمن منطقة الاهوار
بجنوبي العراق عام
1987
الوحدة الإدارية
معامل التشتت
الوحدة الإدارية
معامل التشتت
المشرح
22.8
قلعة صالح
3.7
كميت
43.9
المجر الكبير
15.6
الميمونة
51.7
العدل
29.5
السلام
44.2
الكحلاء
34.1

4.    الكثافة السكانية:
يمثل توزيع السكان بنوعين من الخرائط: الأول بواسطة النقاط لقيم الأعداد المطلقة، والثاني عن طريق الكثافة، وتم أول استخدام للعلاقة بين عدد السكان والمكان (الكثافة) في لندن سنة 1833، قام به سكروب G.P. Scrope.([104]). ورسم (هنري هارنس) Henry D. Harness مجموعة من خرائط الكثافة السكانية، نشرت في تقرير هيئة السكك الحديد بايرلندا 1837. ومن ثم تطورات كوسيلة لتقويم الاكتظاظ السكاني Overpopulation أو النقص السكاني Under population وذلك بموازنة الكثافات الموجودة والكامنة. والاهم من ذلك انها عدت وسيلة للحصول على معيار أو دليل لأغراض الموازنة المكانية([105]). وبذلك فإن خرائط كثافة السكان بالصيغة التي تعني متوسط عدد القاطنين في وحدة مساحية معينة، ليست سوى كثافة عامة Gross Density أو حسابية Arithmetic Density، ويحصل عليها بقسمة عدد السكان على مساحة قطر أو إقليم أو مقاطعة أو مدينة. ويسهل حسابها لتوفر بياناتها، وقد تستبعد المسطحات المائية عند حسابها. وتبعاً لما تقدم حسبت الكثافة السكانية لعام 1990 في العراق على النحو الآتي([106]).

وكثيرا ما تكون الكثافة الحسابية مضللة فلا تعطي إلا فكرة يسيرة عن مدى تركز السكان في الدولة أو الاقليم. وهي تتناسب عكسياً مع حجم المنطقة، أي مع مقدار المساحة المكانية([107]).فكلما كبرت مساحة الدولة كان مدلول الكثافة الحسابية هذه سطحياً وعاماً. وبالعكس كلما صغرت الوحدة المساحية كانت اكثر تجانسا في مميزاتها الطبيعية، فيعطي معدل كثافتها مفهوماً أدق للموازنة بينه وبين معدلات الكثافة للمناطق الاخرى([108]). ومن هنا فان قيمتها تبرز في مقارنة المناطق الصغيرة المساحة والمتجانسة في ظروفها الطبيعية والاقتصادية مثل مقارنة كثافة السكان في الأقسام الإدارية لوادي النيل والدلتا حيث تكون الفروق البيئية والبشرية قليلة([109]). لهذا لا تعبر نسبة الإنسان إلى المكان، بالمفهوم المذكور، عن العلاقة الوظيفية بين السكان والمساحة المشغولة ومواردها الطبيعية.
لهذا أصبح من الضروري تهذيب مفهوم الكثافة بتعديل البسط أو المقام أو كليهما في معادلة الكثافة لأن تجمع السكان أصبح يتجه اكثر فأكثر نحو مناطق صغيرة تاركين مساحات واسعة من سطح الأرض خالية أو قليلة السكان. فالبسط يمكن أن يمثل إما مجموع السكان أو جزء مهم (مثل السكان الريفيين أو الزراعيين أو العاملين في نشاط معين). بينما يمثل المقام المناطق المسكونة الريفية أو القابلة للزراعة أو المزروعة، أو انها قد تقوم تبعاً لاستثمار الأرض فيها.
لقد وضع رايت Wright وسيلة قياس لحساب الكثافات للمناطق المسكونة فقط، بينما تركت المناطق الاخرى خالية على خرائط السكان. كما حسبت الكثافات للمناطق القابلة للزراعة والتي تعرف بالكثافة الفزيولوجية وهي تفضل على الكثافة العامة لقطر مثل مصر حيث يقيم 96% من السكان في حوالي 4% من المساحة الإجمالية. ولكنها ينبغي ان تستخدم بحكمة حيث ان الأرض غير المزروعة ليس بالضرورة أرض غير منتجة.بالإضافة إلى ان الإحصاءات عن الأرض المزروعة لا تتوفر في بعض الاقطار، وان البعض الآخر لا يفرق بين الارض المزروعة والأرض القابلة للزراعة([110]).
ومن جهة اخرى فانه من غير السهل تحديد السكان الزراعيين. فهل نعدهم الذكور النشطين العاملين في الزراعة فقط، أو يجب ان يقوم أيضا عمل النساء والأطفال وكبار السن والذين قد يؤثرون في بعض الأقطار. وحيث ان المناطق القابلة للزراعة والمناطق المزروعة لها قيم مختلفة فقد اقترح الجغرافي الفرنسي (فينسنت) Vincent في سنة 1946 معياراً أسماه بالكثافة المقارنة، وهو نوع من الكثافة الفزيولوجية لأن مجموع السكان يرتبط بمساحة الأرض المقومة تبعاً لإنتاجيتها. فمثلاً 1كم2 من الأرض المزروعة يعادل 3كم2 من الأرض العشبية([111]).
وتبعا لما تقدم بالإمكان تمييز عدة أنواع من الكثافات تفضل على الكثافة العامة وكما يأتي:
الكثافة الفزيولوجية:
وهي متوسط عدد السكان لكل وحدة مساحية من الأراضي المنتجة أو المعمورة. وبذا تمثل الكثافة الفزيولوجية (أو الإنتاجية أو الصافية) العلاقة بين حجم السكان في دولة أو إقليم معين ومساحة الاراضي القابلة أو الصالحة للزراعة([112]).وتستبعد من المساحة الأجزاء غير المأهولة بالسكان كالصحاري والغابات والجبال الوعرة والمناطق الباردة. وفي المدن تستبعد المناطق التي لا يعيش عليها السكان مثل الطرق والحدائق والملاعب والمباني العامة والساحات.
والكثافة الفزيولوجية تفضل على الكثافة العامة وبخاصة في الأقطار التي يتركز سكانها في نسبة صغيرة من مساحتها مثل مصر وليبيا والسعودية. وفي العراق تحسب هذه الكثافة (في عام 1990) على النحو الآتي:
وبالرغم من أهمية الكثافة الفزيولوجية فانه ينبغي التعامل معها بحذر، ذلك لأن الأراضي غير الزراعية والتي لا تدخل في المقام قد تكون مستغلة في أوجه نشاط اقتصادي آخر مثل التعدين أو الغابات أو المراعي وغير ذلك. كما ان الاراضي القابلة للزراعة التي ينسب اليها عدد السكان تتباين في قدراتها الانتاجية. وقد لا تفرق الاحصاءات بين الأراضي المزروعة والصالحة للزراعة.
الكثافة الزراعية:
وهي النسبة بين عدد العاملين في الزراعة، في مكان معين، والمساحة المزروعة فعلا. وبذلك فهي تأخذ وظيفة السكان بالحسبان، فضلا عن وظيفة الأرض. وهذه الكثافة تناسب الدول ذات الاقتصاد الزراعي ولكنها لا تعطي فكرة سليمة للكثافة في الدول الصناعية أو التي يعتمد سكانها على أنشطة أخرى مثل: التجارة والمهن الحرة والتعدين.
وفي الوطن العربي تحسب هذه الكثافة بقسمة القوى العاملة الزراعية على مساحة الأراضي المزروعة (عام 1985) على النحو الآتي([113]):


الكثافة الريفية:
وهي نسبة سكان الريف (أو السكان الزراعيون) إلى المساحة المزروعة فعلا. وعلى أساس سكان الريف حسبت هذه الكثافة في العراق (عام 1990) على النحو الآتي([114]):

الكثافة الاقتصادية العامة:
وضعت فكرة الكثافة الاقتصادية في سنة 1934 من قبل الديموغرافي الفرنسي (سيمون) Simon كقاعدة حسابية كما يأتي([115]): س/أ ´ 100 حيث تعبر (س) عن معيار حجم السكان و (أ) عن معيار الإنتاج للسنة نفسها. وقد ظهرت عدة محاولات لتطوير هذه القاعدة، وذلك للربط بين السكان وقدرتهم الانتاجية ،فبدلا من الانتاج يستخدم الاستهلاك والنشاط الاقتصادي ومتوسط الدخل الفردي ومستوى المعيشة والغذاء المتوفر.
وقد تحسب الكثافة الاقتصادية العامة على اساس نسبة عدد السكان (وخصائصهم الاقتصادية والاجتماعية مثل مرحلة التقدم التقني) إلى مجموع الموارد الطبيعية التي تعكس طاقة الاقليم من حيث كفايتها للحياة البشرية([116]). وتحسب الكثافة الاقتصادية أيضا عن طريق معرفة نصيب الفرد من مجموع الدخل القومي أو الناتج القومي. ففي العراق يبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي (بالأسعار الجارية لعام 1989) نحو 992 دينارا، ونصيبه من الناتج المحلي الإجمالي 1133 ديناراً([117]). وفي الوطن العربي يبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي لعام 1985 نحو 2053 دولاراً، وفي العراق 2980 دولاراً، وفي دولة الإمارات 19270 دولار، في حين يبلغ في السودان نحو 300 دولار([118]).
الكثافة الحضرية:
وهي نسبة السكان في الحضر (سكان المدن) إلى مساحة الأرض المعمورة. وقد يستخدم المقام لمجموع مساحة المنطقة الحضرية، أو المساحة المبنية، أو المساحة الصافية بعد استبعاد غير المشغول، أو المساحة الإجمالية للقطع بما فيها الشوارع والساحات. الا ان التوسع الرأسي يقلل جزئيا من أهمية نسبة الانسان للمكان. كما انها لا تشير إلى تركز السكان داخل المباني أو المساكن أو الغرف مع ان هذا التركز مهم جداً للجغرافي المهتم بالدراسات السكانية (كثافات الغرف) ([119]).
وعلى هذا الأساس يكون البديل حساب الكثافة السكنية التي تعتمد على درجة التزاحم Person Per Room  وذلك بنسبة السكان إلى الغرف فيتم التعرف على درجة تركز السكان داخل المباني السكنية. وفي المدن يكون لذلك أثره الكبير في تحليل كثير من الجوانب الاجتماعية للسكان. كما ان درجة التزاحم تلقي ضوءاً على الأحوال الاقتصادية في المجتمع.
الأقاليم الكثافية في العالم والوطن العربي
في ضوء قدرة الارض الانتاجية يمكن تقسيم العالم إلى خمسة أقاليم كثافية، كما هي موضحة أدناه: (انظر شكل 4)
الإقليم الأول:
وهو من اكثر الاقاليم كثافة بالسكان حيث تبلغ الكثافة فيه 100 نسمة/كم2 فأكثر. وباستثناء دلتا النيل وواديه في مصر وحول الخرطوم في السودان وجزيرة جاوة في اندونيسيا فإن هذا الإقليم يتمثل في شرقي آسيا وجنوبها والقارة الأوربية متركزاً في اليابان وكوريا وشرقي الصين وجنوبها الشرقي وشبه القارة الهندية. أما أوربا فيتركز الاقليم في اغلب أجزائها الصالحة للاستيطان. وعلى أساس الكثافة العامة فإن هذا الاقليم يتسع ليشمل أقطار اخرى في افريقيا وجنوب شرق آسيا وغربها ومنطقة البحر الكاريبي.
وتعد الصناعة المرتبطة بمناطق وجود الفحم والقوى المائية أساس تجمع السكان في أوربا واليابان ما عدا ذلك فإن الزراعة تعد العامل الأهم في تجميع بقية السكان وبخاصة في آسيا.
الاقليم الثاني:
وهو أقل كثافة من الاقليم الاول، وتتراوح فيه الكثافة بين 50 وأقل من 100 نسمة/كم2. ويظهر في أقطار متفرقة كما في الأطراف الغربية المحيطة بالإقليم الاول في شرق آسيا وجنوبها وكذلك في جنوبها الشرقي. بالاضافة إلى الاطراف الشرقية والجنوبية المحيطة بالاقليم الاول في أوربا ولاسيما منطقة البلقان وما يحيطها. ويظهر الاقليم أيضا في مناطق متفرقة بافريقيا كما في شرقها وغربها وسواحلها الشمالية الغربية. وكذلك الجزء الشرقي الأوسط من امريكا الشمالية ومناطق متفرقة في امريكا الوسطى وشمال غرب امريكا الجنوبية وجهاتها الشرقية.
ويلاحظ ان الصناعة قد تطورت في هذا الاقليم وبخاصة في الدول الأوربية وامريكا الشمالية الا ان الزراعة ما زالت تؤثر تأثيراً أساسياً في حياة السكان الاقتصادية.
الاقليم الثالث:
وهو اقليم ذو كثافة متوسطة، وتتراوح بين 10 وأقل من 50 نسمة/كم2، وينتشر في جميع انحاء العالم. ففي افريقيا يتركز وجوده في شرق القارة ووسطها وغربها واقطار متفرقة من أقاليمها الأخرى. أما في الأمريكيتين فان الاقليم يتمثل في شرق ووسط الولايات المتحدة و امريكا الوسطى و البحر الكاريبي وشرقي امريكا الجنوبية. ويظهر الاقليم في أوربا في كل من الدول الاسكندنافية والقسم الأوربي مما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي. وفي آسيا يتمثل الاقليم بأقطار متفرقة ولاسيما القسم الغربي منها وفي الهند الصينية. ويتسع الاقليم اكثر من ذلك اذا أخذنا بالحسبان الكثافة العامة.
ولكل منطقة من هذه المناطق ظروفها الخاصة التي جعلتها تقع ضمن هذا الاقليم، بعضها تتعلق بعدم صلاحية أجزاء من أراضيها للاستقرار البشري، أو طبيعة الحرفة التي يزاولها السكان (الزراعة البدائية أو الرعي) أو لأسباب اخرى. غير ان بعض الدول المنتمية إلى هذا الاقليم مثل الولايات المتحدة والدول الأوربية والأمريكية قد تطورت صناعتها وازدحم سكانها الا انهم يتجمعون في أماكن معينة مثل الجزء الشرقي والأوسط من الولايات المتحدة وما جاوره من كندا. وما تزال مناطق واسعة من هذا الاقليم قليلة السكان ولها امكانية استيعاب أعداد كبيرة منهم، من بينها مناطق الزراعة الواسعة.
الاقليم الرابع:
تنخفض الكثافة في هذا الاقليم وتتراوح من 1 إلى أقل من 10 نسمة/كم2، ويتمثل فيما تبقى من دول العالم ضمن حدود هذا الإقليم. ويتوزع في مناطق متناثرة ولاسيما في وسط قارة افريقيا وفي أجزاء متباعدة في بقية مناطق القارة ولاسيما في غربها. وفي آسيا يتمثل الاقليم في أجزاء من أقسامها الغربية وشمال منغوليا وشمال غرب الصين وجنوب سيبيريا. وفي أوربا يتمثل في الجزء الاوسط من الدول الاسكندنافية وشمال القسم الأوربي مما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي. ويظهر هذا الاقليم أيضاً في دول حديثة العهد بالهجرة والاستثمار الاقتصادي (شرق استراليا وجنوبها الغربي وجنوب كندا ووسط الولايات المتحدة وغربها وأطراف امريكا الجنوبية) حيث تمارس فيها الزراعة الواسعة والرعي ولها قابلية لاستيعاب اعداد كبيرة من السكان.
الاقليم الخامس:
وهو اقليم الكثافة الشديدة الانخفاض حيث تقل فيه الكثافة السكانية عن 1  نسمة/كم2. ويرجع سبب انخفاض تلك الكثافة إلى قساوة الظروف الطبيعية كأن تكون باردة كما في شمال كندا وشمال سيبيريا وكرينلند. أو تكون صحراوية أو شبه صحراوية كما في صحاري منغوليا وبلاد العرب والصحراء الإفريقية الكبرى ووسط استراليا. وبعضها مناطق غابية كما في حوضي الكونغو والامزون، وغينيا الجديدة.
أما الكثافة السكانية في الوطن العربي، فعلى الرغم من احتلال الوطن العربي المرتبة الخامسة بين المجموعات السكانية العالمية، إذ يأتي في الترتيب بعد الصين والهند وما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، إلا أن كثافة السكان فيه منخفضة، إذ يبلغ متوسطها 16 نسمة/كم2. غير أن الكثافة العامة لا تعد مؤشراً صادقاً لدرجة ضغط السكان على الأرض أو الموارد، إذ يدخل في حسابها المساحات الصحراوية الشاسعة غير المعمورة. وهذا يتضح إذا ما تم استعراض كثافة السكان العامة في الوطن العربي حيث تبرز أربع مناطق كثافية، هي: مناطق الكثافة المرتفعة متمثلة بأقطار صغيرة تقع في منطقة الخليج العربي( البحرين والكويت) وبلاد الشام (لبنان وفلسطين) ومناطق الكثافة المتوسطة وتظهر في العراق والأردن وسوريا وشمال افريقيا، ثم مناطق الكثافة المنخفضة موزعة على الامارت و قطر و اليمن و القرن الافريقي. واخيرا مناطق الكثافة الشديد الانخفاض التي تقل فيها الكثافة عن متوسط كثافة عموم الوطن العربي وتتوزع على ما تبقى من أقطار عربية، وهي التي تشكل الصحاري نسباً واسعة من أراضيها كما في أقطار المغرب العربي والسودان والصومال والسعودية و عُمان .
وعلى اساس قدرة الأرض الانتاجية تظهر أقاليم كثافية في الوطن العربي تختلف عن أقاليم الكثافة العامة كما هي مدونة أدناه( انظر شكل 5) :
1.     أقاليم مرتفعة الكثافة وتتمثل في دلتا النيل في الوجه البحري بمصر، وتعد من أعلى الكثافات في الوطن العربي وقد تزيد عن 1500 نسمة / كم2.
2.     أقاليم متوسطة الكثافة تتمثل في الجهات الساحلية العربية التي تطل على البحر المتوسط والمحيط الاطلسي ووادي النيل في وسط و جنوب مصر فضلاً عن بعض جهات العراق والسودان. وقد تصل الكثافة  في بعض تلك المناطق إلى 250 نسمة / كم.
3.     أقاليم منخفضة الكثافة و تتمثل بهضبة الشطوط في المغرب العربي وسواحل ليبيا ومصر والقرن الافريقي ومعظم انحاء السودان الاوسط والجنوبي وأجزاء واسعة من العراق و بلاد الشام وغالبية سواحل الجزيرة العربية، فضلا عن مرتفعات اليمن والجهات المحيطة بالرياض.
4.      أقاليم تكاد تكون خالية من السكان وهي التي تقل الكثافة فيها عن 2نسمة/كم2 ، و تتمثل بالجهات الصحراوية التي تشغل الجزء الأعظم من الوطن العربي ( الصحراء الإفريقية الكبرى، صحراء بلاد العرب وامتدادها في بادية الشام والعراق).


المبحث الرابع
العوامل المؤثرة في توزيع السكان و كثافتهم
الإنسان قوة فاعلة مغيرة معدلة أحيانا ومستجيبة  أحيانا أخرى. وعلى قدر حظه من الحضارة والتنمية كانت تحدياته واستجاباته. و توزيع السكان ما هو الا عملية ديناميكية مستمرة تختلف أسبابها ونتائجها في الزمان والمكان. ويبدو ذلك من استعراض المؤثرات الجغرافية العامة، وان كانت دراسة التوزيع السكاني في البيئة الواحدة يمكن أن تشمل دراسة لعوامل محلية أخرى ذات دور مهم في هذا التوزيع.
ان لتباين توزيع السكان، عالمياً واقليمياً، ذات دلالة كبيرة على أهمية الاقليم اقتصادياً، وعلى مدى استغلال السكان لموارد بيئتهم. وهذا يعكس بوضوح أثر العوامل الجغرافية في تباين توزيع السكان وكثافتهم.
فالتباين في التوزيع، تشتتاً كان او تركزاً، ووجود أنماط توزيعية مختلفة للسكان وما يحدث لها من تغيرات يرتبط بمتغيرات عديدة وعوامل معقدة تتفاعل فيما بينها وتختلف في تأثيراتها من دولة لأخرى، ومن منطقة لأخرى داخل الدولة.
وتتداخل هذه المتغيرات ببعضها أحيانا في شكل معقد حتى ليبدو وكأن سكان كل اقليم نتاج لتفاعل مجموعة من النظم البشرية متفاعلة مع ظروف البيئة الطبيعية في أشكال عديدة وطرق معقدة. وان تأثير العوامل المركبة المتغيرة في التوزيع السكاني يتم عن طريق عملية التكيف البطيء. ونمط هذا التوزيع ما هو الا نتيجة التفاعل بين العوامل الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية. وتبعا لهذه العوامل يمكن تصنيف المؤثرات التي تؤدي إلى تباين توزيع السكان فوق الكرة الارضية إلى ثلاث مجموعات هي:
أولا: العوامل الطبيعية كالمناخ واشكال سطح الارض والتربة والموارد الطبيعية.
ثانياً:العوامل الاقتصادية مثل نوع النشاط الاقتصادي( الحرفة ) والنقل.
ثالثاً:العوامل التاريخية والاجتماعية مثل عمر الاستيطان البشري والعوامل الديموغرافية والحروب والسياسة الحكومية.

أولاً : العوامل الطبيعية
يختلف تأثير هذه العوامل من منطقة لاخرى، والآثار المباشرة لهذه العوامل في الجماعات البشرية ليس لها وزن باستثناء بعض الآثار المحسوسة لأنواع من المناخ، ولكن الآثار غير المباشرة التي تنجم عن تفاعلات معقدة هي الأعمق أثراً. فالتأثير العميق للمناخ والجيمورفولوجيا في توزيع السكان وكثافتهم يمكن في المقام الاول فيما ينجم عنها من توزيع للمياه والتربات وفي المسالك والثروات المعدنية. أما نظام الحرارة، أو الارتفاع عن سطح البحر، أو نوع التركيب الجيولوجي فعوامل تأتي في المقام الثاني([120]). ويرى فاوست Fawecett أن خريطة توزيع السكان في العالم تعد، مع خريطتي التضاريس والمطر، من اهم الخرائط في الدراسات الجغرافية ([121]). وهو تأكيد على أهمية أشكال سطح الأرض و المطر في التوزيع المذكور .
ومجموعة العوامل الطبيعية هي على العموم المسؤولة، بالدرجة الاولى، عن ابعاد الناس من استيطان الجهات غير المعمورة. و تتضمن هذه المجموعة العوامل الآتية:
1-      المناخ:
يرى عدد من الباحثين ان للمناخ دوراً أساسياً في تباين توزيع السكان، ليس فقط بصورة مباشرة على التنظيم البشري، ولكن بصورة غير مباشرة ايضاً من خلال تأثيره على التربة والحياة النباتية والزراعة.
ويكفي أن نذكر للدلالة على أهمية المناخ في توزيع السكان ان مساحة اليابس لا تزيد فيها كثافة السكان على شخص واحد في كل 5,2 كم2 بسبب البرودة الشديدة([122]). كما يعلل عدد من الباحثين ازدحام السكان في اقليم آسيا الموسمية واوربا والجزء الشرقي الأوسط من أمريكا الشمالية إلى عامل المناخ، حيث تتمتع هذه المناطق إما باعتدال مناخها أو كونها  ذات مناخ شبه استوائي ( كما في آسيا) . وتعود ندرة السكان في الأقاليم الباردة والجهات الصحراوية إلى المناخ أيضاً. فالعروض العليا الشمالية الباردة تشكل نحو عُشر مساحة اليابس الا انها لا تضم سوى بضعة الآف من السكان. بالاضافة إلى قساوة الجو وشدة البرودة فان القدرة الانتاجية للأقاليم الباردة منخفضة جداً بسبب قصر فصل النمو([123]). وقدر (بيكر) Baker  مساحة الأراضي غير الصالحة للانتاج بسبب برودتها بنحو 16.6 مليون كم2 ،والأراضي غير الصالحة للزراعة بسبب الجفاف بنحو 38.8 مليون كم2 ([124]). كما قدرت نسبة مساحة المناطق الصحراوية بحوالي 20% من مساحة اليابس، الا أنها لا تضم سوى 4% من سكان العالم([125]).

2-      التضاريس :
يكشف التحليل لخريطة طوبوغرافية التأثير الكبير لأشكال سطح الأرض في توزيع السكان، حيث يعتمد التأثير المذكور على النمط  العام للتضاريس وعلى العوامل البيئية والبشرية الاخرى. وتشير الحقائق التوزيعية إلى انخفاض كثافة السكان بالاتجاه الرأسي، اي أن هناك علاقة عكسية بين الارتفاع وكثافة السكان. و هو انعكاس للصعوبات في استغلال البيئات الجغرافية المرتفعة ومدى التكيف لها.
وتبعاً لما تقدم نجد غالبية السكان يقطنون المناطق غير المرتفعة، حيث ان ما يزيد على نصف سكان العالم يسكنون المستوى الذي يقل عن 200م فوق مستوى سطح البحر. ويكون هذا المستوى أكثر من ربع مساحة اليابس، وتصل الكثافة السكانية في هذا المستوى إلى ضعف متوسط الكثافة العامة للسكان في العالم. ويعيش حوالي 80% من سكان العالم في المستوى الذي يقل عن 500م فوق مستوى سطح البحر على رقعة من الارض تصل إلى 57% من مساحة اليابس([126]).
ولا يمكن الفصل بين مستوى الارتفاع عن سطح البحر وبين دوائر العرض لإتخاذها مقياساً للتوزيع السكاني في العالم. فقد يكون الارتفاع في المناطق القريبة من خط الاستواء ميزة للسكن البشري، وذلك بفعل تلطيف عناصر الطقس والمناخ المختلفة. فالمرتفعات الأثيوبية ذات الكثافات السكانية العالية نسبياً تدين بالكثير بمثل هذا التأثير كما في أديس أبابا التي تقع في قلب منطقة زراعية على ارتفاع يقرب من 2450م. كما تكون المرتفعات في أمريكا الجنوبية المدارية أكثر اعتدالاً من السهول فنشأت فوقها المدن مثل مدينة لاباز التي تقع على ارتفاع 3640م، وكيتو على ارتفاع 2850م، وبوغوته على ارتفاع 2650م([127]).
وعلى وجه العموم تعد السهول المعتدلة الارتفاع أفضل المناطق للسكنى في العالم، وأكثر فائدة للاستغلال البشري من الجبال حيث تسهل فيها الحركة وتزداد خصوبة التربة. ومع ذلك فهناك الكثير من سهول العالم لاتزال، لسبب أو لآخر، قليلة السكان مثل سهول الامزون والكونغو وسيبيريا والسهول الصحراوية.
ويمكن تقسيم عوائق السكن في المرتفعات إلى ثلاث مجموعات: ميكانيكية وطبيعية وحيوية. وتتمثل العوائق الميكانيكية في ان التضرس ضد الجاذبية عملية شاقة في ذاتها وتزداد هذه الصعوبة اذا كان المنحدر في ظل المطر وبالتالي يكون صخرياً خالياً من النبات.
وتتمثل العوائق الطبيعية في ان الحرارة تنخفض في الارتفاع (درجة مئوية لكل 150م أو 3 درجات فهرنهايتية لكل 1000 قدم). وان المطر يتزايد حتى ارتفاع معين ثم تكثر الثلوج. وان الرطوبة المطلقة والضغط الجوي يتناقصان باطراد حتى ليصل الضغط الجوي إلى نصفه على ارتفاع 6000 م. وعلى ارتفاع 3300م يصبح الهواء مخلخلاً لدرجة لا يحتملها الا كل من ولد وعاش على هذا الارتفاع. حيث يؤدي تخلخل الهواء إلى دوار الجبال، وصعوبة التنفس، والأمراض الرئوية، واختلال ضغط الدم، وشدة الضغط على القلب  والخفقان، كما يصاب من يعيش على هذا الارتفاع بالإعياء والاغماء .
أما العوائق الحيوية فترتبط بانتاج الغذاء، ذلك ان التضرس يحدد المساحات القابلة للزراعة، كما يؤدي إلى تفتيت وتشتيت الرقع الزراعية، وصعوبة تشغيل المعدات الزراعية، وبذلك يصبح العمل الزراعي أمراً صعباً([128]).
وتقدر مساحة الجبال العالية التي تحد من سكنى الانسان  بحوالي 2.6 مليون كم2([129]). وهذا يعني ان جميع المناطق الجبلية، باستثناء الجهات المدارية، غير مأهولة بالسكان. الا ان مقدمات الجبال (مناطق البيدمنت) تعد مناطق اتصال بين بيئات مختلفة. لهذا فهي كثيفة السكان مثل : وسط اسكتلندا وشمال شرق انكلترا ولنكشير، وان كان وجود الفحم في هذه المناطق يضيف عاملا مؤثراً جديداً. كذلك يمثل حزام الرواسب الطفلية، ومدن خط السقوط Fall line بالولايات المتحدة مزيدا من الأمثلة الواضحة لمناطق السفوح الجبلية الكثيفة بالسكان([130]).

3.    التربة:
يظهر تأثير التربة في تباين توزيع السكان بطريق غير مباشر من حيث تأثيرها في تباين انتاج الغذاء بين مكان وآخر. وهذا التأثير يعكس وجود علاقة بين توزيع التربة وتوزيع السكان في العالم. فالتربة الصحراوية وتربة مناطق التندرا والتربة البودزولية في اقليم الغابات الصنوبرية وتربة اللاترايت الحمراء وتربة المناطق الجبلية يتفق توزيعها وحدود اللامعمور ، حيث لا تصلح تلك الأنواع من الترب للانبات.
وعلى نقيض الأنواع السابقة تعيل الترب الغرينية في السهول الفيضة لجنوب وشرق آسيا ودلتا النيل اعداداً كبيرة من البشر. ويصدق القول نفسه على الترب البركانية والترب البنية في مناطق الغابات وتربة الجيرنوزم، فهي مصدر جذب للسكان. وينتمي إلى هذه الأنواع من الترب أيضا: تربة اللويس في شمال ووسط الصين، والترب الطفلية في وسط اوربا.
ومن الحقائق الجديرة بالذكر ان انتاجية الارض لا ترتبط بنوع التربة فقط وانما بعوامل اقتصادية وتقنية أيضاً. ومعنى ذلك ان التربات الضعيفة يمكن ان تتحول بفضل تطبيق الأساليب العلمية إلى تربات صالحة منتجة. بل لقد تمكنت الدول المتقدمة إلى تجديد خصوبة التربة ورفع غلتها على الرغم من تكرار زراعتها وقلة الايدي العاملة فيها.
4.    الخامات المعدنية ومصادر الطاقة:
لخامات المعادن ومصادر الطاقة تأثيرا واضحاً في توزيع السكان حيثما وجدت القدرة التقنية الاساسية والتنظيم الاجتماعي لاستغلال الموارد، ويزيد التصنيع من أهمية المعادن في هذا السياق. على ان قوة اجتذاب المعدن للسكان تعتمد على عدة ظروف منها أهمية المعدن بوصفه مادة أولية أو مصدراً للطاقة، مدى توفر المعدن وتكاليف نقله.
وللخامات المعدنية ومصادر الطاقة آثار مباشرة وأخرى غير مباشرة في توزيع السكان. وتتمثل آثارها المباشرة في اجتذاب السكان للقيام بعمليات التعدين، مما يجعلها تخلق عمراناً في مناطق غير معمورة، ولكنها قلما تؤدي إلى ارتفاع كثافة السكان في منطقة متسعة المساحة.
اما الآثار غير المباشرة فهي أهم من المباشرة، فالموارد التعدينية كثيراً ما تجتذب الصناعة، والصناعة تجتذب السكان.وكان للفحم الأثر الأكبر في التركز السكني الصناعي. فقد كان نفوذه أقوى من البترول ومن الغاز الطبيعي ومن الطاقة النووية والقوة الهيدرولوجية، بسبب حجمه الهائل، وانخفاض قيمته، وضرورته الأساسية لاختزال المعادن، واخيراً لتبدده عند الاستعمال([131]).
فالفحم كان العامل الأساس في توطن الصناعة في معظم الدول الصناعية الكبرى في العالم مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. بل ان معادلة ( المطر - الرز- السكان) التي تلاحظ في الهند تقابلها في بريطانيا معادلة ( الفحم - الصناعة- السكان )([132]).
وبالرغم من أهمية البترول والغاز الطبيعي بوصفهما مصدرين من مصادر الطاقة الا أنهما ليسا عاملين مهمين في اجتذاب الصناعة إلى أماكن استخراجهما. وهذا ناتج من سهولة نقلهما وطبيعة استعمالاتهما خصوصاً في مجال النقل الداخلي والاستهلاك المحلي، وعدم جاذبية العديد من أماكن وجودهما.

ثانياً: العوامل الاقتصادية
يتفق الجغرافيون على ان العوامل الطبيعية لا تقرر لوحدها شكل توزيع السكان، الا أن (بيرسون) يرى تصدر تلك العوامل من حيث قوة التأثير في تشكيل أنماط السكان([133]). غير ان المجتمعات عموماً .. كلما تقدمت وصارت اكثر تعقيداً، قل تأثير العوامل الطبيعية فيها على توزيع السكان، حيث يزداد تأثير العوامل الأخرى. ففي البنية الهيكلية لكل من المتغيرات الطبيعية الجاذبة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية ما يؤثر بقوة في الانماط الجزئية لتوزيع السكان. فقد تمخض عن تقدم الصناعة والتجارة نمو مراكز حضرية كبرى في اوربا الغربية بعد قيام الثورة الصناعية.
وقد تظهر التقنية مجالات جديدة في أماكن لم تكن مأهولة سابقاً، فتقنية الري في وادي النيل والجزء الأسفل من حوض الكنج جعل لها امكانية اكبر في إعالة السكان مما كانت عليه في السابق([134]). كما أن تقنية الري والنقل ساعدت على تحويل أجزاء من الصحاري إلى مناطق منتجة كما حصل في مديرية التحرير وانشاص بمصر.
وهناك عوامل اخرى ساهمت في تقليل تحكم البيئة الطبيعية بتوزيع السكان منها: نمو حركة السكان المكانية ، وتطور النقل والمواصلات وازدياد النشاط التجاري، وتناقص اهمية الصناعات ذات الاتجاه المحلي. وكانت النتيجة تأكيد التوزيع السكاني العام غير المتوازن، ولكن نقص سكان الريف من خلال الهجرة للمدن وانتشارهم إلى مناطق غير مزروعة سابقا ادى احيانا إلى توزيع سكاني اكثر توازنا في الريف([135]).
وبالامكان تصنيف مجموعة العوامل الاقتصادية إلى:
1-      نوع النشاط الاقتصادي ( الحرفة):
ان توزيع الحرفة في اية مجموعة سكانية يخضع إلى ما تقدمه البيئة الطبيعية من امكانات للانسان من ناحية، وما يختاره الانسان تبعا لدرجة تقدمه العلمي ووعيه الاجتماعي من ناحية ثانية. ودراسة الحرفة تلقي ضوءاً على نمط توزيع السكان وكثافتهم في الماضي والحاضر. وتتدرج الكثافة في الارتفاع من حرفة الصيد إلى حرفة الرعي فالزراعة، واخيراً الصناعة حيث تصل الكثافة أقصاها.
ففي مناطق الصيد يقل عدد السكان وتنخفض كثافتهم ( شخص واحد/كم2 )، لأن الصائد يحتاج إلى أرض فسيحة. فضلا عن أن الغذاء غير مضمون في هذه البيئة، ونمط توزيعهم متغير نظراً لتنقلهم وراء الصيد.
أما سكان حرفة الرعي فقلة مبعثرة وفي تنقل مستمر مع حيواناتهم طلباً للماء والكلأ ، و بسبب تنقلهم فان نمط التوزيع يبدو متغيراً أيضاً.
وفي البيئة الزراعية تختلف الكثافة بحسب اسلوب الزراعة المتبع، فالذين يمارسون الزراعة البدائية المتنقلة تنخفض كثافتهم. وتزداد هذه الكثافة قليلا في المناطق التي تمارس الزراعة الآلية الواسعة. في حين يزدحم السكان في المناطق التي تمارس الزراعة الكثيفة.
ويختلف نمط توزيع السكان في المناطق الريفية عن نمطه في المناطق التي تمارس فعاليات اقتصادية اخرى. بل ان الكثافة الريفية نفسها تختلف باختلاف نوع المحصول الزراعي، حيث توجد أعظم الكثافات الريفية في مناطق زراعة الرز بآسيا الموسمية نظراً لمتطلبات زراعته إلى ايدي عاملة كثيرة. كما أن غلته مرتفعه وتعيل أعدادا كبيرة من البشر، اذ تغل وحدة الأرض من الرز أكثر مما تغله الوحدة نفسها من القمح بمقدار يزيد عن مرتين. فضلا عن امكانية انتاج ثلاثة محاصيل منه سنوياً في مناطق معينة من آسيا الموسمية.
أما الكثافة في حرفة الصناعة فتصل أقصاها لأنها تمثل أقصى مراحل التقدم البشري والنمو الاقتصادي، حيث تتجمع المدن الكبرى ويزدحم فيها السكان. فقد تصل الكثافة في بعض المناطق الصناعية إلى اربعة ألاف نسمة في كل كيلو متر مربع، كما في غرب اوربا([136]).
ولنوع الصناعة أثر كبير في تحديد عدد وكثافة السكان، حيث يكون عدد السكان في الصناعات الاستخراجية أو الأعمال الانشائية كبيراً ولكنه متذبذباً حيث يرتبط بعمر المناجم، أو بطول مدة الأعمال، وفرص البيع في الأسواق. وعلى عكسها الصناعات التحويلية، فبينما تجذب الصناعات النسيجية والهندسية والخفيفة أعداد كبيرة من السكان لا تستخدم الصناعات المعدنية الثقيلة والصناعات الكيماوية الا أفرادا قلائل لتدير أكبر المشاريع.وقد يكون مرجع ذلك استخدام النوع الأول من الصناعات العمال من كلا الجنسين من دون تمييز، والمواد الخام التي تستخدمها خفيفة الوزن عادةً. على حين يقتصر النوع الثاني على الرجال فقط، ويحدد مواقعه، إلى حد كبير، مصادر المواد الخام والنقل الرخيص وخاصةً المائي منه([137]).
وقد يشهد التوزيع السكاني عمليات تغيير بمرور الزمن بسبب تغير الأهمية النسبية لأنواع الأنشطة الاقتصادية. فنموالتجارة العالمية خلال القرن ونصف القرن الماضي أدى إلى ارتفاع حجم التجمعات السكانية في المواقع السوقية المتحكمة في الطرق الرئيسة في العالم. وقل الشيء نفسه عن تأثير التطور الصناعي والخدمي في نمو السكان وازدياد حجمهم في بعض مناطق العالم([138]).
2-      النقل:
يقصد بالنقل الطرق والوسائط التي يتم بها انتقال الانسان ومنتجاته من مكان لآخر. وتنشأ الطرق حيث تتوفر سلع النقل، ويحددها اتجاهها بين مكانين: وجود سلع فائضة في احداهما وتوفر الحاجة إليها في المكان الأخر([139]).
والنقل يعد من البنى الهيكلية المهمة في حياة الامم والأفراد حيث لا يمكن الاستغناء عن طرق النقل ولا عن الوسائط التي ينتقل بها الأشخاص من مكان لآخر في حياتهم اليومية .ومن الضروري أن تتداخل مدخلات القطاع النقلي ومخرجاته مع مثيلاتها التي توجد في النظام السكني([140]). ويرتبط تطور النقل بتطوير شبكة النقل والمواصلات.
والدور الذي يقوم به النقل للتنمية الاقتصادية لا يمكن الاستغناء عنه، فقد أكد آدم سميث" ان تطور النقل يؤدي إلى توسيع مجال السوق، وتعميق تقسيم العمل وزيادة انتاجيته ونمو الثروة القومية"([141]). فالنقل يسهم بشكل كبير في تطوير التجارة ومن ثم الصناعة التي يتحقق عن طريقها الاستخدام الشامل وبالتالي زيادة الدخل القومي. ويتضح هذا الدور من خلال مساهمة النقل في ايصال المواد الأولية الى المصانع، والمواد  الزراعية والمنتجات الصناعية إلى المستهلكين.
ومن هنا يمكن القول أن قطاع النقل والمواصلات يعد من أهم أشكال البناء الارتكازي لخطط التنمية الشاملة. فهو يؤمن حرية أكبر لحركة السكان، وبخاصة ما يتعلق برحلة العمل اليومية للأشخاص، والحصول على ما يلزمهم وما يستهلكوه من سلع في حياتهم اليومية وكذلك في حركتهم لتأمين حاجاتهم الاجتماعية والترفيهية([142]، بالإضافة الى تسيل الإتصالات بين البشر.
وعلى هذا الأساس تتطلب تنمية أي اقليم الاهتمام بوضع خطط اقتصادية تعالج الرقابة النقلية ومضاعفة تدفق الحركة على الطريق من أجل فسح المجال للأقاليم بالمشاركة في العملية التنموية العامة، وعندها يكون الطريق صانعاً ماهراً للمراكز الحضرية([143]). فوجود طريق بغداد – الموصل  أدى إلى قيام مدينة بيجي حيث أصبحت نقطة استراحة، بالاضافة إلى كونها  نقطة عبور إلى طريق الفتحة – كركوك. كما نشأت مدينة المحمودية على طريق بغداد – كربلاء بوصفها خان استراحة لزوار المراقد المقدسة في كربلاء والنجف. ومن هنا يمكن القول أن النشاط الاقتصادي هو وليد المواصلات وسهولة النقل. و قد يحدث العكس فيصبح النقل وليدة النشاط الاقتصادي وتزايده واتجاهه نحو التخصص في الانتاج. فتمركز طرق النقل في مدينة بغداد كان بسبب وقوع المدينة في منطقة منبسطة وسط العراق. وهي مركز إدارة القطر وأهم مدنه الصناعية والتجارية والثقافية، وأهم مركز لتجمع السكان، حيث يقطنها ما يقرب من ربع سكان العراق.
ويتضح دور النقل بوصفه عاملاً مؤثراً في توزيع السكان وكثافتهم من امتداد خط سكة حديد سيبيريا الذي يرجع له الفضل في استصلاح الأراضي واستثمارها في السهول الواقعة حوله، ومن ثم ارتفاع كثافة السكان تدريجياً على جانبيه. ويتضح أيضاً هذا الدور عند ملاحظة المدن الحديثة، ففيها يظهر العمران ممتداً على طول الطرق المائية وطرق السيارات والسكك الحديد في شكل أشرطة من المساكن والمصانع والخضرة التي تمتد في كل اتجاه.
ولعل علاقة خطوط النقل الحديث بتوزيع السكان أوضح ما تكون في المساحات الشاسعة القليلة السكان، حيث يجذب الخط الحديدي أو طريق السيارات أغلب المحلات السكنية، بل انه في داخل الدولة أو الاقليم قد يتدنى شأن مدينة قديمة لم يمر بها قطار أو سيارة، وتنمو وتكبر قرية متواضعة وقعت صدفةً على طريق حديث([144]).
ثالثاً: العوامل التاريخية والاجتماعية
1.    عمر الاستيطان البشري:
ان التوزيع الحالي للسكان ما هو الا انعكاس للماضي،أي أن ظروف الماضي كثيراً ما تفسر حقيقة توزيعهم في الوقت الحاضر. فقد أسهمت الحضارات الآسيوية خلال تاريخها الطويل في أنماط توزيع السكان في الوقت الحاضر. وعليه ينبغي أخذ التوزيع الحالي بالحسبان عاملاً مؤثراً في تقرير التوزيع السكاني مستقبلا، خصوصاً المستقبل غير البعيد. فمدى حياة الإنسان وبقائه مستقراً في ظل الظروف العادية يعدل من التغيرات التي يمكن أن تحدث في غضون بضع سنوات أو بضع عقود من الزمن([145]).
ويتناسب عدد السكان مع قدم الاستيطان البشري تناسباً طردياً، فكلما كان الاستيطان أكثر قدما ارتفعت فيه الكثافة السكانية. وعليه فان عمر الاستيطان يفسر انخفاض أو ارتفاع الكثافات السكانية بل و يفسر الأنماط التوزيعية للسكان ذاتها.
ويتضح ذلك من مقارنة كثافة السكان في اوربا عدا روسيا (101 نسمة/كم2 ) بوصفها قارة قديمة، بأمريكا الشمالية (13 نسمة/كم2) بوصفها قارة حديثة الاستيطان، برغم أن القارتين يسكنهما الجنس الأبيض، وعلى نمط حضاري متشابه، ومستوى معيشي متقارب.

2.    العوامل الديموغرافية:
تتمثل هذه العوامل في المواليد والوفيات والهجرة التي يترتب عليها اختلاف معدلات النمو السكاني من منطقة إلى أخرى، وبالتالي تباين توزيع السكان. فإذا كانت الزيادة الطبيعية (الفرق بين المواليد والوفيات) تؤثر في توزيع السكان، فان الهجرة يتمخض عنها اعادة توزيع السكان. كما حصل في الهجرات الكبيرة من اوربا إلى العالم الجديد في الأمريكيتين واستراليا، أو في حركة الهجرة الداخلية وما ينجم عنها من إعادة توزيع السكان بين مناطق القطر الواحد.
وتحصل التغيرات في توزيع السكان من خلال حركة السكان الطبيعية وحركاتهم المكانية في المناطق المختلفة. ويمكن القول ان معدلات المواليد والوفيات وتيارات الهجرة في مناطق العالم المتباينة في المدى البعيد تقررها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والحضارية والجغرافية. مثل المستوى الصحي والدخل الفردي والحالة التعليمية والنشاط الاقتصادي السائد والتقاليد الاجتماعية.

3.    الحروب و السياسات الحكومية:
كثيراً ما تؤدي الحروب والسياسات السكانية التي تتبعها الدول إلى تباين في توزيع السكان. فقد تؤدي إلى الهجرة أو التهجير الإجباري، مما يؤثر في إعادة توزيع السكان بين مناطق العالم المختلفة. فقد تمخضت عن الحرب العالمية الثانية هجرة 30 مليون اوربي بين دول القارة. وكما حصل في فلسطين حيث هاجر اليها اليهود، وهجِّر سكانها الفلسطينيون. وعليه فان توزيع سكان فلسطين يختلف حالياً عن الحقبة التي سبقت عام 1948 اختلافاً كلياً.
وان السياسة السكانية التي تتبعها حكومة استراليا (سياسة استراليا البيضاء) وحرمت بموجبها دخول العناصر غير البيضاء إلى أراضيها، كان لها أكبر الأثر في انخفاض عدد سكان هذه القارة ، فلا يزيد عددهم حالياً عن 17.8 مليون نسمة ( عام 1994) في الوقت الذي تزدحم دول آسيا الموسمية بملايين البشر نصف الجائعة.
ان توزيع السكان فوق الكرة الأرضية قد خضع، من دون شك، لجهود الحكومات في السيطرة على الهجرة الدولية. كما حاولت بعض الدول تغيير التوزيع السكاني داخل حدودها ولأغراض عديدة منها أغراض سوقية. وذلك بملء الفراغ السكاني لغرض تعزيز قدرتها العسكرية، أو لاستثمار الموارد غير المستغلة، أو لتحقيق اكتفاء ذاتي أكبر في الميادين الاقتصادية.
مما تقدم يتضح صعوبة تفسير تباين الأنماط التوزيعية للسكان و اختلاف كثافاتهم. وليس بالأمر اليسير التوصل إلى عامل محدد أو أكثر يقف وراء التباين المذكور. ان العملية تتطلب تحليل دقيق للخرائط التضاريسية، ومعرفة الأحوال المناخية وتفاصيل البيانات الاقتصادية، والمعلومات الديموغرافية، والمرحلة الحضارية التي وصلها المجتمع، وتتبع الماضي وتأثيراته، والمعرفة العميقة للقوى المؤثرة في وجود الانسان على الارض. ان تحقيق تلك المتطلبات توصلنا إلى العوامل الحقيقية المؤثرة في تباين توزيع السكان و بالتالي تجنبنا تأكيد أهمية عامل واحد على حساب العوامل الأخرى.

تغير العوامل المؤثرة في توزيع السكان
يصعب تفسير التباين المكاني لتوزيع السكان خلال لحظة زمنية معينة. ذلك ان التوزيع المذكور عملية ديناميكية تتغير باستمرار نتيجة التغير في المؤثرات والقيم البشرية([146]). مما يقتضي متابعة هذا التغير ومعرفة جذوره وسببه ونتيجته زمانيا ومكانياً.
فمن بين التغيرات ما حصل للهجرة الأوربية إلى امريكا، اذ تمت هجرتهم والمقدرة بنحو 9 أو 10 ملايين، خلال أربعة قرون عقب اكتشاف امريكا. في حين ان هذا العدد يمكن أن يهاجر حالياً إلى الولايات المتحدة خلال عشرين عاماً فقط. والملاحظ ان توزيع السكان في العالم قد دخل في نهاية الثلث الأخير من القرن التاسع عشر طوراً جديداً واصبح موضوعاً معقداً بحيث لا يمكن فحصه بصورة سريعة([147]).
ويعد التوزيع الحالي للجنس البشري مرحلة غير مستقرة، ناتجة عن اسباب معقدة، يصعب ادراك مداها. فبعض أسبابها ثابتة، وبعضها الآخر لم تعد فعالة، في حين بدأت فعالية الثالث منها. والحصيلة حالة مؤقتة وعرضة للتغير، ومع ذلك فهي ثمرة نهائية. بوصفها كذلك يصبح بالإمكان مراقبة سير الاحداث عن طريق استعادة تاريخها([148]).
وخلال العصور الحديثة حصلت تغيرات على العوامل المؤثرة في توزيع السكان، تفاعلت فيما بينها لتحدث تغييرات في أعداد السكان وكثافتهم وانماطهم في مختلف اقاليم العالم، وفي داخل الدول ضمن الأقاليم المذكورة. ويرجع هذا إلى جملة متغيرات أهمها([149]).
1.     بعد ان كانت الأرض والزراعة هي العامل المتحكم في توزيع السكان وبالتالي تباين توزيعهم بحسب نوعية التربة (خصبة أو غير خصبة) فان عوامل أخرى، يأتي على رأسها التقدم التقني و التغير في البنية الصناعية للاقتصاد العالمي، قد حررت نسبة كبيرة من السكان من اعتمادهم على الأرض والموارد الطبيعية الأخرى.
2.      أدت التغيرات التقنية والتغيرات في متطلبات المستهلكين إلى اتجاه الفرص الاقتصادية والسكان للتجمع في مواقع معينة ولاسيما في الحواضر الكبرى.
3.     حصل تغير آخر في رغبات الناس وفي السياسات الحكومية فيما يخص نمو وتوزيع السكان. ولوحظ في السنوات الأخيرة اتجاه الحكومات للتدخل وتوجيه السياسات السكانية وفق خططها المرسومة.
4.     تغيرات الانماط الجغرافية لمعدلات المواليد والوفيات حيث انخفضت معدلات الزيادة الطبيعية في الدول الصناعية المتقدمة وارتفعت في الدول النامية. كما انخفضت الفروق الاقليمية بين معدلات المواليد والوفيات لكل من الريف والحضر.
وفي الدول التي سبقت غيرها في التصنيع تم تعديل معدلات النمو بالهجرة داخل الدولة نفسها ولاسيما من الريف إلى المدينة. مما أدى إلى نمو سريع في عدد سكان المدن بالرغم من انخفاض معدل النمو الطبيعي داخل هذه المدن. في حين يلاحظ، في الدول النامية، تقارباً في معدلات النمو الطبيعي بين الريف والمدن. لهذا يكون أثر الهجرة الداخلية في عملية نمو المدن أقل من السابق. كما انخفض تأثير الهجرة الدولية، بعد انتهاء موجاتها الكبرى، كعامل مؤثر في تغير الحجم النسبي للسكان في معظم البلدان.
وهناك أربعة عوامل ساهمت في زيادة تركيز السكان في مواقع قليلة هي([150]):
1.     ان التحسينات في وسائل النقل قد قللت من تكاليف نقل المواد الخام ومصادر الطاقة إلى مراكز التصنيع.
2.     ان التغيرات التقنية قد زادت من احتمال تركيز الصناعات التي يعتمد بعضها على بعض، في اماكن قليلة لاسيما في المراكز الحضرية، حيث ان المعدات اليوم هي من صنع الانسان وهو يستطيع وضعها حيثما يشاء.
3.     ان نسبة الدخل القومي التي تصرف على الخدمات والصناعات قد ارتفعت بارتفاع معدل دخل الفرد.
4.     زيادة حركة العمال بين البلدان المختلفة.
كل ذلك قد ساعد على تقليل اعتماد الناس على الأرض وعلى الموارد الطبيعية، وساهم في توزيع مجالات اختيار الفعاليات الاقتصادية عندهم.


([1] ) مصطفى العلواني، "علم التوزيع السكاني عند العرب"، النشرة السكانية: تصدرها اللجنة الاقتصادية لغربي آسيا، العدد 22 – 23 حزيران وتشرين الاول 1982، ص 157.
(* ) حول هذا الجانب راجع:
الجاحظ، الحيوان، تحقيق وشرح عبدالسلام محمد هارون، ط 2، ج 4، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة، 1966، ص 70 - 71.
ابو بكر الرازي، الطب الروحاني، تحقيق سليمان سليم البواب، منشورات دار الحكمة، دمشق – بيروت، 1968، ص 22.
المسعودي، مروج الذهب، ط 4، تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، ج 2، المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة السعادة، القاهرة، 1946، ص63.
المسعودي، التنبيه والاشراف، تصحيح ومراجعة عبد الله اسماعيل الصاوي، المكتبة التاريخية، القاهرة، 1938، ص21-28.
[2]) ) رسائل اخوان الصفا، المجلد للأول، دار صادر ودار بيروت، بيروت، 1957، ص116.
[3]) ) عباس فاضل السعدي، ياقوت الحموي: دراسة في التراث الجغرافي العربي مع التركيز على العراق في معجم البلدان، ط1، دار الطليعة، بيروت، آذار 1992، ص30.
[4]) ) رسائل اخوان الصفا، مرجع سابق، ص164-174.
[5]) ) المقريزي، الخطط المقريزية، ج1، طبعة جديدة بالاوفست، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ، ص12.
[6])المرجع نفسه، ص162.
[7])ابن خلدون، المقدمة، مطبعة مصطفى محمد، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، بدون تاريخ، ص49.
[8])خليل اسماعيل محمد،" الاتجاهات السكانية في مقدمة ابن خلدون"، مجلة دراسات للاجيال، بغداد، العدد الثالث، السنة السادسة، ايلول 1986، ص175.
[9]) مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، ص82.
[10])) مصطفى العلواني، مرجع سابق، ص165.
(([11] احمد علي اسماعيل، اسس علم السكان وتطبيقاته الجغرافية، ط4، 1982، ص.137
 ([12])  Donald J. Bogue, Pop. Distribution, (1970), P.157.
(([13] عبد الحميد غنيم، التوزيع الجغرافي لسكان الامارات العربية المتحدة، رسائل جغرافية: نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية (رقم 97)، يناير 1987، ص5.
[14])حول هذا الموضوع راجع: مالك ابراهيم صالح، " السكان والتخطيط" ، مجلة النفط والتنمية، بغداد، العدد2، آذار –نيسان 1984، ص66.

([15]) Clarke (1972) Op. Cit, P.13 & Trewartha (1969), PP.78 – 79.
([16] ) غارنيه، مرجع سابق، ص 32.  
([17]Clarke (1972), op. Cit, P.13 & Trewartha (1969), PP.78 – 79.

[18]) ) بييار جورج، جغرافية السكان، ط 1، ترجمة سموحي فوق العادة، منشورات عويدات، بيروت، 1970، ص 9.
9) Clarke, (1972 ),Op. Cit, P.16 & Trewartha (1969), Op. Cit., P.79. !)
[20]) ) مجيد حميد عارف، انثروبولوجيا التنمية الحضرية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/ جامعة بغداد، مطابع التعليم العالي، الموصل، 1990، ص 150.
[21]) ) فوزي سهاونة، مرجع سابق، ص 157.
([22] ) John 1. Clarke, Population Geography and Developing Countries. Pergamon Press, Printed in Great Britain, Oxford, 1979, P. 31 & Harm J. de Blij. Human Geography, John Wiley & sons, New York, 1977, PP. 20 – 22.
([23] ) Charles B. Fawecett, "The Number and Distribution of Mankind, Scientific, Monthly (U.S.A), Vol. 64, No. 5, May 1947, PP. 389 – 396.
([24] ) Jesse H. Wheeler, J. T. Kostbade and R. S. Thoman, Regional Geography of the World, Revised E'd., Holt Rinchart and Winston, New York, 1961, P. 14.
([25]) Preston E. James, A Geography of Man, Ginn and Co Boston, 1951, p. 5.
[26]) ) سهاونة، مرجع سابق، ص 158.
([27]) U.N., Prospects of World Urbanization, 1988, New York, 1989, Table (A – 1).
[28]) ) أبو عيانة، مرجع سابق، ص 67.
[29])) غارنيه، مرجع سابق، ص 39 – 40.
[30]) ) سهاونة، مرجع سابق، ص 158 – 159.
[31]) ) محمد صبحي عبدالحكيم وآخرون، دول افريقية وآسيا والدول ذات الصلة بها، دار مصر للطباعة، منشورات مكتبة مصر، القاهرة، 1961، ص 55 – 56.
[32]) ) بييار جورج، مرجع سابق، ص 10 – 11، ابو عيانة، مرجع سابق، ص 75.
[33]) ) المرجع نفسه (بييار جورج)، ص 11 – 12.
[34]) ) ابو عيانة، مرجع سابق، ص 75.
[35]) )  الاطلس العربي، ط 4، ادارة المساحة العسكرية، القاهرة، 1969، ص 82.
[36]) ) بييار جورج، مرجع سابق، ص 10، 14 – 15.
[37]) ) ابو عيانه، مرجع سابق، ص 76 – 77.
[38]) ) سام وبريل إبشتين، كل شيء عن الصحراء: رقم (3) ترجمة مصطفى بدران، دار المعارف بمصر، القاهرة، ابريل 1961، ص 95.
[39]) ) أ.ف. جوتييه، الصحراء، ترجمة احمد كمال يونس، سلسلة الالف كتاب (رقم 117)، منشورات لجنة البيان العربي، القاهرة، 1957، ص178.
[40]) ) المرجع نفسه، ص141.
[41]) ) أحمد أبو زيد، "الانسان والبيئة في الواحات الخارجة،" الجمعية الجغرافية المصرية، المحاضرات العامة/ الموسم الثقافي لسنة 1958، المطبعة الكمالية، القاهرة، ص71.
[42]) )  قصي عبدالمجيد السامرائي، وعبد مخور نجم الريحاني، جغرافية الاراضي الجافة، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/ جامعة بغداد/ كلية الآداب، مطابع دار الحكمة، بغداد، 1990، ص 217 – 218.
[43])) فيدال دي لابلاش، أصول الجغرافية البشرية، ترجمة شاكر خصباك، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/ جامعة بغداد/ طبع بمطابع جامعة الموصل، 1984، ص60.
[44]) ) بييار جورج. مرجع سابق، ص 26 – 27.
[45]) ) المرجع نفسه. ص27.
[46]) ) دولت احمد صادق، محمد السيد غلاب، جمال الدين الدناصوري، جغرافية العالم: دراسة اقليمية، ج1 (آسيا وأوربا)، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1966، ص95.
[47]) ) بييار جورج. مرجع سابق، ص 30 – 31.
*) )  تضم آسيا الموسمية كل من: شبه جزيرة الهند، بعض جزر أندونيسيا (لاسيما جاوة وغربي سومطرة)، الصين، فرموزة، كوريا، اليابان، الفيلبين، بعض جهات الهند الصينية (بضمنها تايلند وبورما).
[48]) ) دولت احمد صادق وآخرون، مرجع سابق، ج1، ص96.
([49] ( Clarke, 1979, OP. Cit., PP. 141 – 144.
[50]) ) محمد صبحي عبدالحكيم وآخرون، 1961، مرجع سابق، ص58 – 59.
([51](  Clarke, 1979, OP. Cit., PP. 141 – 144.
[52]) ) محمد السيد غلاب، دولت احمد صادق، الجغرافية العامة الطبيعية والبشرية، ط1، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1963، ص219.
([53] ) U.N., 1989,OP.Cit.,Table: 2.P.7.
[54])) دولت أحمد صادق وآخرون، جغرافية العالم، مرجع سابق، ج2( أفريقية واستراليا) ، ط2، ص67. أيضاً: زاهر رياض (اشراف ومراجعة)، اطلس الشؤون الافريقية، ترجمة عبد العليم السيد منسي، ط1، دار الهنا للطباعة، منشورات دار المعرفة، القاهرة، 1962، ص14.
([55]) Clarke, 1979, OP. Cit., P.150.
([56]) غلاب وصادق، 1963، مرجع سابق، ص215-216.
[57])) بييار جورج، مرجع سابق، ص22-24.
[58]) ) غلاب وصادق، 1963، مرجع سابق، ص216.
[59]) ) ستروييف، جغرافية الاتحاد السوفيتي، ترجمة دار التقدم، موسكو، بدون تاريخ، ص68.
([60]) زين الدين عبد المقصود، نصف الكرة الغربي( الأمريكي): دراسة في الجغرافية الإقليمية، طبعة جديدة معدلة، منشورات منشأة المعارف(سلسلة الكتب الجغرافية رقم 27)، الاسكندرية، 1980، ص79.
([61]) دولت أحمد وآخرون، جغرافية العالم، مرجع سابق، ج3(العالم الجديد)، ص325.
([62]) غلاب وصادق، 1963، مرجع سابق، ص225.
[63]) ) المرجع نفسه، ص225.
[64]) ) زين الدين عبد المقصود، مرجع سابق، ص78-79.
[65]) ) غلاب وصادق، 1963، مرجع سابق، ص225-226.
[66]) المرجع نفسه، ص227.
[67]) زين الدين عبد المقصود، مرجع سابق، ص264.
 ( [68])غارنيه، مرجع سابق، ص44.
([69] (Clarke, 1979, OP. Cit., P.62.
[70]) روبرت ج. الكسندر، امريكا اللاتينية اليوم، ترجمة رمزي يس، مراجعة: محمد محمود الصياد، سلسلة الالف كتاب، منشورات سجل العرب ،القاهرة، 1965، ص49-50.
[71]) ) دولت أحمد صادق وآخرون، جغرافية العالم، ج2 (افريقية واستراليا)، مرجع سابق، ص684-685.
[72]) ) غارنيه، مرجع سابق، ص45.
[73]) ) دولت أحمد صادق وآخرون، جغرافية العالم، ج2، مرجع سابق، ص684 – 685.
[74]) ) صندوق الامم المتحدة للسكان، وضع السكان في العالم، نيويورك، 1990، جدول المؤشرات السكانية، ص50.
[75]) ) غلاب وصادق، 1963، مرجع سابق، ص223.
([76] ) المرجع نفسه، ص224.
[77]) ) محمد عبدالغني سعودي، الوطن العربي، دار الرائد للطباعة، المكتبة النموذجية، القاهرة، 1978، ص95.
[78]) ) خطاب صكار العاني، دراسات في جغرافية الوطن العربي، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/ جامعة بغداد، مطابع الجامعة، بغداد، 1985، ص46.
([79] ) محمد صبحي عبدالحكيم، نحو استراتيجية لاعادة توزيع السكان في مصر، اتحاد الجغرافيين العرب، بحوث المؤتمر الجغرافي العربي الثاني، بغداد: 7 – 11 مارس (آذار) 1976، مطبوعات المجلس الاعلى للثقافة، القاهرة، 1988، ص476.
[80]) ) محمد نادر الحلاق، التركيب السكاني في الوطن العربي واثره على اتجاهات التكامل والتنمية، النشرة السكانية، بغداد، العدد29، كانون أول 1986، ص57.
[81]) ) حسن الخياط، الرصيد السكاني لدول الخليج العربي، مركز الوثائق والدراسات الانسانية، الدوحة، 1982، ص138.
[82])) محمد نادر الحلاق، مرجع سابق، ص57.
[83]) ) عباس فاضل السعدي، التوزيع الجغرافي للسكان في اليمن نشره دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية (رقم 51)، الكويت، مارس 1983 ص74، H. Steffen et al, Final Report of the Swiss, Airphoto Interpretation Team, Dept. of Geography, Univ. of Zurich, Zurich, April, 1975  , Vol. 1,p. 149.                                                                   
 [84]) ) عبدالاله ابو عياش، التحضر في الوطن العربي: تقييم جغرافي للبعدين الاقتصادي والاجتماعي، في قراءات في الجغرافيا الاجتماعية التطبيقية، تحرير د. عبدالله علي الصنيع، مكتبة الطالب الجامعي (رقم 61)، مكة المكرمة، 1407 هـ/ 1987 م، ص225 – 226.
[85]) ) المرجع نفسه، ص226.
[86]) ) عبدالرحيم عمران، سكان العالم العربي حاضراً ومستقبلاً صندوق الامم المتحدة للانشطة السكانية، نيويورك، 1988، ص136، صباح محمود محمد، الأمن السكاني العربي، مجلة كلية الاداب / جامعة بغداد، العدد 28، مايس 1980، ص661 – 4، مجلة النشرة السكانية، "اعلان عمان حول السكان في الوطن العربي"، المؤتمر الاقليمي للسكان في الوطن العربي، عمان: 25 – 29 آذار (مارس) 1984، العدد 24، حزيران 1984، ص11، 15.
[87]) ) راجع النشرة السكانية، عدد 24 حزيران 1984، مرجع سابق.
[88]) ) صندوق الامم المتحدة للسكان، 1990، مرجع سابق، جدول المؤشرات السكانية، ص45 – 47، U.N., Demographic Yearbook 1994, Table (3), PP. 126 – 129.
[89]) ) عباس فاضل السعدي، دراسات، مرجع سابق، ص45.
[90]) ) فاضل الانصاري، سكان العراق، مرجع سابق، ص57.
[91]) ) جاسم محمد الخلف، محاضرات في جغرافية العراق الطبيعية والاقتصادية والبشرية، ط2، جامعة الدول العربية/ معهد الدراسات العربية العالية، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، 1961، ص414 – 416.
[92]) ) حسن الخياط، جغرافية أهوار ومستنقعات جنوبي العراق/ جامعة الدول العربية، المنظمة لعربية للتربية والثقافة والعلوم/ معهد البحوث و الدراسات العربية، المطبعة العالمية، القاهرة، 1975، ص125، عباس فاضل السعدي ، سكان العراق: دراسات في اُسسه الديموغرافية وتطبيقاته الجغرافية ، ط1، مكتب الغفران للخدمات الطباعية ، بغداد، 2013،ص216 .
[93]) ) شاكر خصباك، العراق الشمالي: دراسة لنواحيه الطبيعية والبشرية، ط1، مطبعة شفيق، بغداد، 1973، ص285.
([94] Clarke, 1972, OP. Cit., P. 40.

([95] ) J. K. Kright, "Some Measures of Distribution," Annals of the Association of American Geographers. Vol. 27, no. 4, December 1937, PP. 177 – 211.
[96])  Clarke, 1972, OP. Cit., PP. 40 – 41، عباس فاضل السعدي، التوزيع الجغرافي للسكان في اليمن، مرجع سابق، ص54.
([97] ( Clarke, 1979, OP. Cit., PP. 40 – 42 & O.D. Duncan, " The Measurement of  Population Distribution, "  Population Studies, A Journal of Demography, Vol. X1, 1957 – 1958, London, 1958, PP. 27 – 45.
[98]) ) عدنان مكي البدراوي، "استخدام معامل جيني في قياس معامل التشتت للاستيطان الريفي في بادية الجزيرة الشمالية،" مجلة الجمعية الجغرافية، المجلد 19، ايار 1987، ص189 – 190.
[99]) ) ناصر بن عبدالله الصالح، أهمية الطرق الكمية في تحديد الاختلافات المكانية لمؤشرات التنمية في المملكة العربية السعودية، منشورات جامعة الكويت، 1989، ص21 – 22.
David M. Smith, Geographical Perspectives on Inequality, New York, 1979. PP. 364 – 5.
([100])A. H. Robinson, Elements of Geography, 2 nd. Ed., New York, 1955, P. 144.
([101] Clarke, 1972, OP. Cit., P. 43.


([102](  Ibid, P. 36.
([103]) Ibid, P.63   & J. M. Houston, A social Geography of Europe, First edition, Gerald Duckworth and Co. Ltd,  Camelot Press, London, 1953, P. 82.
*)) باستثناء ناحية العزير.
[104]) ) أبو عيانة، مرجع سابق، ص44.
([105] Clarke, 1972, OP. Cit., P. 28.
[106]) ) الجمهورية العراقية، وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للاحصاء، المجموعة الاحصائية السنوية لعام 1990، مطبعة الجهاز، بغداد، 1991، ص4، 36.
([107] ) Clarke, 1972, OP. Cit., P. 29.
[108])) محمد السيد غلاب، البيئة والمجتمع، ط5، المطبعة الفنية الحديثة، القاهرة، 1971، ص220.
[109]) ) أبو عيانة، مرجع سابق، ص46 – 47.
([110]) Clarke, 1972, OP. Cit., P. 30.   
([111] ) Ibid, P. 30.
([112] ) Trewartha, 1969, OP. Cit., P. 72, George J. Demko, OP. Cit., P. 23 & Harm J. de Blij, OP. Cit., P. 24.  
[113]) ) جامعة الدول العربية، الكتاب السنوي للاحصاءات الزراعية، المجلد 7، ديسمبر 1987، ص34 – 35.
[114]) ) المجموعة الاحصائية السنوية لعام 1990، مرجع سابق، ص37. وحسبت المساحات المزروعة بعد تجميعها اعتمادا على جدول 3/5، 3/8 ص116 – 125 من نفس المجموعة.
([115] Clarke, 1972, OP. Cit., P. 31.   
[116]) ) احمد علي اسماعيل، مرجع سابق، ص132.
[117]) ) المجموعة الاحصائية السنوية لعام 1990، ص184 – 185.
[118]) ) الكتاب السنوي للاحصائات الزراعية، المجلد 7، ديسمبر1987.
([119] Clarke, 1972, OP. Cit., PP. 32 – 33.

[120])) عبد الفتاح محمد وهيبة، جغرافية الانسان، منشأة المعارف، الاسكندرونة، 1975، ص172.
([121])C.B, Fawecett, OP. Cit., PP. 389 – 396.
([122])S. V. Person, The Growth and Distribution of Population, London, 1935, P. 25.
([123])Clarke, 1972, OP. Cit., P. 21.
([124])O E. Baker, " Population Food Supply and American Agriculture", Geographical Review, Vol. 18, (xvll), No. 3, July 1928, P. 355.
([125])Clarke, 1972, P. 21.
([126])Ibid, P. 17 & Trewartha, 1969, OP. Cit., P. 79.
([127]) Clarke, 1972, OP. Cit., PP. 17-18.
[128])) جمال حمدان، "في العلاقة بين السكان والتضاريس،" مجلة كلية الاداب، جامعة القاهرة، المجلد 19، ج1، مايو 1957، ص61 – 63.
(([129]سهاونة، مرجع سابق، ص164.
([130])Clarke, 1972, OP. Cit., PP, 19 – 20.
([131])Ibid, PP. 24 – 25.
 ([132])غلاب وعبدالحكيم، مرجع سابق، ص247 – 248.
([133])S. V. Person, OP. Cit., P. 13.
([134]) William F. Hornby and Melvyn Jones, An Introduction to Population Geography, University Press, Cambridge, Great Britain, 1982, P. 20.
([135])Clarke, 1972, OP. Cit., P. 26.
[136])) محمد عوض محمد، سكان هذا الكوكب، ط4، مطبعة لجنة التأليف والنشر، القاهرة، 1958، ص122.
([137]) غارنيه، مرجع سابق، ص77.
 ([138])سهاونة، مرجع سابق، ص169.
 ([139])طه حمادي الحديثي، مرجع سابق، ص626 – 627.
([140]) اسماعيل ابراهيم الشيخ درّه، اقتصاديات الاسكان، عالم المعرفة (رقم 127)، الكويت، يوليو (تموز) 1988، ص55.
([141]) عن: محمد رؤوف سعيد،" دور النقل في التنمية الاقتصادية"، مجلة النفط والتنمية، بغداد، العدد الخامس، ايلول، تشرين الاول 1988، ص142.
[142])) حيدر كمونة، مشكلات النقل والمرور في المدينة العراقية، الموسوعة الصغيرة (رقم 194)، دار الشؤون الثقافية العامة، وزارة الثقافة والاعلام، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1986، ص17.
[143])سعدي علي غالب، "دور حركة الوافدين على الطرق المعبدة في تنمية المراكز الحضرية في شمال العراق"، مجلة الجمعية الجغرافية العراقية، بغداد، المجلد 12، مايس 1981، ص131.
([144])Arthur E. Smailes, The Geography of towns, Hutchinson & Co., Second Published, London, 1957, P. 59.
([145])سهاونة، مرجع سابق، ص171، Clarke, 1972, OP. Cit., PP, 26 - 27.
([146])Clarke, 1972, OP. Cit., P. 14.
([147]) فيدال دي لابلاش، مرجع سابق، ص115.
([148])المرجع نفسه، ص31.
([149]) سهاونة، مرجع سابق، ص172.
[150])) المرجع نفسه، ص173، Clarke, 1972, OP. Cit., P. 26.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا