التسميات

الاثنين، 14 أكتوبر 2019

المفصل في جغرافية السكان - الجزء الأول: الفصل الخامس - الخصوبة

المفصل في

جغرافية السكان


الجزء الأول


  أ.د. عباس فاضل السعدي

أستاذ الجغرافيا والدراسات السكانية

 بجامعة بغداد


مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع -  عمان - الأردن

2014




الفصل الخامس

الخصوبة
أولا: مفهوم الخصوبة وأهميتها
تعد الخصوبة (أو الخصب) من بين أبرز القضايا السكانية التي أخذت الدول تعيرها أهمية بالغة منذ منتصف القرن العشرين، وأصبحت في نظر الحكومات ظاهرة ترتبط ارتباطا وثيقا بمشكلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فمنها ما يعد ارتفاع الخصوبة عاملا معوقا لتقدمها لا بد من العمل على الحد منها، فعملت على إقامة شبكة عيادات الغرض منها تقديم وسائل متزايدة للتحكم بها وشمول أكبر عدد من السكان بغاياتها. وكان للجغرافيين حظ المساهمة في مثل هذا النشاط وتطبيق معارفهم وخبراتهم لبيان انتشار هذه الظاهرة مكانيا وتحديد أبعادها. فقد تناول "كاري فولر" دراسة تناقص الخصوبة في احدى مدن شيلي لمعرفة أثر المنهاج الذي طبق هناك معتمدا على عدة متغيرات هي: عدد مرات الاجهاض والولادات الحديثة ووفيات الأطفال ومستوى الطموح والعمر والتعليم والدخل وسنوات الزواج([1]).

وإلى جانب ذلك هناك حكومات ترى في الزيادة السكانية عاملا مهما لتقدمها واستثمار مواردها. ولذلك وضعت خططا لتحقيق زيادة سكانية تساير حاجاتها وتتفق مع مراحل تطورها.
وقد لقي الجانب الإيجابي للخصوبة عناية كثير من طلاب الجغرافية فبحثوا في مقوماتها المكانية. إذ انها تمثل احد العناصر الاساسية في الدراسات الديموغرافية لانها ترتبط ارتباطا مباشرا بزيادة اعداد السكان. وتظهر فاعلية الخصوبة في زيادة حجم المجتمع اذا ماسادت ظروف صحية واعتيادية تقل فيها الاوبئة ويسود فيها السلم([2]).
والخصوبة غالبا ما تفوق عناصر النمو السكاني الاخرى من وفيات او هجرة. الا انه ليس هناك الحتمية نفسها لعنصري (الولادة والوفاة). اذ ان الموت يصيب الانسان مرة واحدة ويتأثر به شخص واحد، في اي مرحلة من مراحل العمر. اما الطفل المولود فليس هو صاحب الارتباط الوحيد بعملية الولادة، فوارء كل طفل يُنجب أم لها القدرة على الخصب والانجاب لعدد محدود من السنوات، تتخللها انقطاعات في اثناء مدة الحمل والرضاعة([3]).
والخصوبة، فوق ذلك، تساعد على تحقيق وإعادة تحقيق التوازن السكاني، إذ تمثل الوسيلة الأكثر فاعلية وأهمية في تحقيق الأمن السكاني في بعديه الداخلي والخارجي، اي داخل القطر وخارجه مع الدول المجاورة او مع غيرها.
اما مفهوم الخصوبة (الفعلية) Fertility، فعلى الرغم من تعدد التعريفات الا ان أكثرها قبولا يراد به العدد الفعلي من المواليد الأحياء. وهو تعبير يختلف عن الخصوبة الكامنة عند المرأة([4]). وفي الوقت الذي تستخدم فيه الخصوبة (الفعلية) للدلالة على التكاثر الفعلي، فان الخصوبة الكامنة تعني الحد الأقصى للانجاب الذي يمكن نظريا ان يتحقق للعدد الفعلي([5]). ويمكن تحديد مستويات الخصوبة الكامنة بحصر عدد المواليد في المجتمعات التي لا يلجأ سكانها إلى استعمال وسائل تحديد النسل او تأجيله([6]). وتستعمل اللفظتان عند بعض الأمم استعمالا مغايرا لما اشرنا اليه([7]).
وتختلف الخصوبة الكامنة باختلاف العمر والنوع، فللإناث حدود عمرية معينة يتم خلالها الحمل والوضع. كما ان مقدرة الذكور على الاخصاب لها حدودها العمرية. وأشارت اغلب الدراسات الى ان إمكانية المرأة على الحمل تمتد بين سن (15 و44 أو49 سنة). أما قدرة الذكور على الاخصاب فتمتد مدة أطول من الإناث، اذ تبدأ في سنة 13 وتنتهي بسن متأخرة([8]).
ولظروف الصحة العامة والتغذية والعوامل النفسية تأثيرات في الخصوبة. فقد يقلل سوء التغذية، ولاسيما نقص المعادن والفيتامينات في الغذاء، من مستوى الخصوبة، ويؤخر ظهور الحيضة الأولى عند الفتاة. كما ان القلق والتوتر النفسي، على الرغم من انه اصبح ظاهرة عامة في الحياة العصرية الا انه، كما يبدو، له صلة بعدم قدرة بعض الأفراد على الإنجاب وإن لم تتوفر أدلة ثابتة على ذلك([9]).
وقد جرى العرف على ربط الخصوبة بالمرأة لا الرجل، وذلك لسببين: أولهما ان المرأة هي وعاء الحمل وحاملة الجنين، وثانيهما ان مدة الانجاب عند المرأة محدودة بسن البلوغ في جانب وبسن اليأس في جانب آخر. وهذان السببان هما المحددان بالفعل للخصوبة، وهما لا يتوفران بالصورة نفسها للرجل([10]).
وللخصوبة الفعلية اكثر صعوبة في دراستها من الخصوبة الكامنة، فهي لا ترتبط بعوامل حياتية فحسب، بل بعوامل اجتماعية واقتصادية وبيئية وصحية وسياسية ونفسية وغيرها مما يؤثر في تحديد مستوياتها واختلاف معدلاتها. وتباين هذه العوامل من مجتمع لآخر ومن مكان لآخر او من مجموعة سكانية لأخرى داخل المجتمع الواحد يعمل على تباين تلك المعدلات والمستويات في حدود العوامل الفسيولوجية.
وقد صيغت عدة نظريات حول موضوع الخصوبة اعتمدت في مجملها على فكر (ايسترلين) Easterlin الاقتصادي. وتحددت بثلاثة عناصر، وهي (أولا) عنصر الخصوبة الطبيعية المتمثل بعدد الاولاد الاحياء الممكن للزوجين انجابهم، وهو يشكل مفهوم العرض من الاولاد. و (ثانيا) عنصر الخيار الشخصي الذي يحدد عدد الاولاد المرغوب انجابهم، اي انه يمثل حجم الاسرة المنشود، ويشكل هذا العدد مفهوم الطلب على الاولاد. و(ثالثا) عنصر تكلفة عملية تنظيم الخصوبة الذي يحدد امكانية تحقيق الخيارات لعدد الاولاد المرغوب انجابهم([11]).
ويتحدد العرض من الأولاد، اي العدد الممكن إنجابه، بعاملين: مستوى الخصوبة الطبيعية، ومستوى بقاء الأطفال على قيد الحياة. وكان (هنري) Henry أول من نظر الى الخصوبة الطبيعية واستنبط محدداتها. وتبعه في ذلك (دايفس وبلايك) Davis and Blake([12]). وتبين ان اثنين من المتغيرات الوسيطة يؤثران بشكل ملحوظ في مستوى الخصوبة وهما: نسبة انتشار الزواج، ومستوى الرضاعة([13]).
اما أهم النظريات التي تناولت موضوع الطلب على الأولاد فهي: أولا نظرية (كالدويل) Caldwell التي تعزو ارتفاع الخصوبة في الدول النامية، اي شيوع العائلة الممتدة وسيطرة كبار السن، وخصوصا الذكور منهم، على موارد الأسرة. مما يؤدي الى تدفق الثروة من جيل الأبناء الى جيل الآباء. وثانيا النظرية التي طورها (كاين) Cain  وركزت على قيمة الأولاد بوصفهم مصدر ضمان وحماية للأهل في البلدان النامية. وبخاصة ان المرأة، المعتمدة اقتصاديا على الرجل، تكون عرضة للخطر في حالة الترمل او الطلاق او مرض الزوج. ويرتكز قوام النظرية الثالثة على عامل الكلفة في النظر الى الطلب على الأولاد([14]).

ثانيا: مستوى الخصوبة
تتميز مجموعة الأقطار المتقدمة (اليابان والاتحاد السوفيتي السابق ومعظم دول أوربا وامريكا الشمالية واستراليا ونيوزلندة) بطول أمد الحياة (73 سنة) وانخفاض مستويات الخصوبة وارتفاع نسبة السكان المعمرين. في حين تتميز مجموعة الأقطار النامية (افريقيا وامريكا اللاتينية وآسيا عدا اليابان) بقصر أمد الحياة قياسا بالمجموعة الأولى اذ يقل عن 60سنة، وارتفاع مستوى الخصوبة إلى ضعف ما هو عليه عند مجموعة الدول المتقدمة، وتركيب عمري فتي حيث ان أكثر من ثلث السكان هم دون سن 15 سنة([15]).
وبموجب التقرير الذي وضعه قسم السكان التابع للأمم المتحدة بلغ عدد الدول التي عدّ نمو سكانها مرتفعا جدا نحو 67 دولة سنة 1986. وأشارت 54 دولة منها الى ضرورة التدخل الكامل من اجل تقليص معدلات الخصوبة ونمو السكان. لهذا تزايد عدد الحكومات التي بدأت بإنشاء برامج تخطيط الأسرة فانعكس على انخفاض معدلات نمو السكان في معظم ارجاء العالم. ذلك لان ارتفاع تلك المعدلات يقف حجر عثرة أمام خطط التنمية بعيدة المدى، في معظم الدول النامية. كما يؤثر سلبيا في صحة ورفاهية الفرد والأسرة واستقرار النظام القائم وخلال المدة 1990-1995 بلغ عدد الدول التي يزيد معدل نموها عن 2.4% نحو 68 دولة([16]).
وتظهر الدراسات إلى أن الانحدار التدريجي في مستوى الخصوبة، في العالم المتقدم، بدأ منذ قرنين من الزمان في بعض المناطق، في حين بدأ في مناطق أخرى في مطلع القرن الحالي. وفي الثلاثينيات من هذا القرن بدأ انخفاضا بسيطا في الخصوبة في عموم العالم المتقدم. في حين لم يظهر مثل ذلك الانخفاض (البسيط) في العالم النامي إلا منذ بداية الستينيات([17])، وفي السبعينيات بدأ الانحدار يتبلور كما يتضح من الجدول رقم (1).
ويرجع سبب التفاوت الشاسع في مستويات الخصوبة بين العالم المتقدم والعالم النامي الى تأخير سن الزواج وارتفاع نسبة غير المتزوجات في العالم المتقدم قياسا بالعالم النامي. فعمر الاناث عند الزواج في دول قارة آسيا كان يتراوح، في عام 1960، ما بين 16 و 23 سنة. بينما تراوح في اوربا، بحدود عام 1900، ما بين 25 و 29 سنة. فضلا عن بقاء ما بين 10-20% من النساء الاوربيات من دون زواج مقابل 4% في الدول النامية([18]).
ويظهر جدول رقم (25) انخفاض مستوى الخصوبة في العالم، متمثلا بمعدل المواليد الخام، من 37 بالألف خلال الخمسينيات (1950-1955) الى 25 بالألف خلال المرحلة المعاصرة (1990-1995). وفي العالم المتقدم من 23 بالألف الى نحو 13.2 بالاف بين المرحلة الاولى وعام 1993.

جدول رقم (25)
معدلات المواليد الخام في العالم بحسب القارات بين عامي
1935و 1970 (بالالف)
الاقليم
1935-1939
1955-1960
1960-1965
1965-1970
العالم
34-38
36.4
35.1
33.8
مجموعة الدول المتقدمة
24.9
21.9
20.5
18.6
مجموعة الدول النامية
40-45
43.6
42
40.6
أوربا
20.4
19.2
18.7
18
أمريكا الشمالية
18.1
24.9
22.7
19.3
استراليا ونيوزلندا
17.6
23.3
22.6
20.2
الاتحاد السوفيتي
36
25.3
22.4
17.9
افريقيا
40-45
47
46.9
46.8
امريكا اللاتينية
40-45
40.4
39.1
38.4
جنوب آسيا
40-45
46.3
45.1
44.3
شرق آسيا
40-45
36.6
34
31.5
المصدر:
 The World Bank Population Policies and Economic Development, Johns Hopking University Press, Baltimore and London, 1974, Annex Table (3), P.171.

شكل (17) تطور معدل المواليد الخام في العالم بين 1935-1990 وتوقعاته لغاية عام 2005
جدول رقم (26)
معدلات المواليد الخام و معدلات الخصوبة الكلية في العالم للمدة
(1950- 2005) وفقاً للتقدير المتوسط
الاقليم
معدل المواليد الخام (بالالف)
معدل الخصوبة الكلية (طفل/ امرأة)
50-55
85-90
90-95
2000-2005
50-55
85-90
90-95
2000-2005
العالم
37.4
27.1
25
22.9
5
3.4
3.1
3
الاقاليم المتقدمة
22.6
14.6
13.2
13.1
2.8
1.90
1.7
1.91
الاقاليم النامية
44.6
30.9
28.3
25.3
6.2
3.9
3.5
3.2
افريقيا
48.9
44.7
42
39
6.6
6.2
5.8
5.3
آسيا
42.9
27.6
25
21.8
5.9
3.5
-
2.8
امريكا اللاتينية
42.5
29.1
26
23.2
5.9
3.6
3.1
2.8
امريكا الشمالية
24.6
15
16
12.6
3.5
1.8
2.1
1.9
اوربا
19.8
13
12
11.9
2.6
1.7
1.5
1.9
اوقيانوسيا
27.6
20.1
19
17.6
3.8
2.6
-
2.4
الاتحاد السوفيتي السابق
26.3
18.4
13.7
15.7
2.8
2.4
1.9
2.2
المصدر:
U. N., Population Studies  No.106, word Population Prospects, 1988, New York, 1989, Table 6&12, world Pop. Prospects 1994,  Annex (2), Demographic Yearbook 1994, Table I, P. 123, UNDP, Human Development Report 1996,Tables 41,47.


ويعد نمو السكان في المناطق المتقدمة دون مستوى الإحلال، لأن استمرار مستويات الخصوبة والوفيات أديا إلى نمو السكان السالب في 21 دولة من مجموع  24 دولة صناعية غربية، كما تميزت الدول الاشتراكية السابقة في أوربا بانخفاض الخصوبة أيضاً، وأصبح نمو السكان في بعضها دون مستوى الاحلال. ومع ذلك بدأ مستوى الخصوبة فيها وفي بعض الدول الغربية يسير بالاتجاه المعاكس من جراء السياسات الرامية الى تشجيع زيادة النسل والحد من الاجهاض([19]).
وفي مجموعة الدول النامية انخفض معدل المواليد الخام فيها  من حوالي 45 بالالف الى نحو 28 بالالف بين الخمسينيات و1990-1995، و معدل الخصوبة الكلية من 6 الى 3.5 طفل لكل امرأة، ويشمل الانخفاض جميع أقاليم العالم النامي بين المدتين المذكورتين.

تفاوت مستويات الخصوبة في الأقاليم النامية
تتفاوت مستويات الخصوبة في الدول النامية تفاوتاً كبيراً بين منطقة وأخرى ، ليس فقط من الناحية الديموغرافية، بل أيضاً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والحضرية والسياسية. ويمكن القول ان ما يقارب من نصف سكان العالم يعيشون في ظروف ما قبل الانتقال الديموغرافي. وبينما انخفضت معدلات الخصوبة بسرعة في كثير من بلدان امريكا اللاتينية وبعض بلدان آسيا نجدها ما زالت مرتفعة في العديد من بلدان افريقيا وغرب آسيا([20]).
ومن بين 44 دولة افريقية جنوب الصحراء لا يقل معدل المواليد فيها عن 40 بالألف سوى في خمسِ منها فقط خلال المدة (1985-1990). وفي عموم قارة افريقيا يصل المعدل الى 42 بالألف عام 1990-1995 بالمقارنة مع 31-32 بالألف في جنوب آسيا و غربها.
ويتمثل أعلى معدل للمواليد الخام في افريقيا بأقسامها الغربية وكذلك الشرقية والوسطى، اذ يصل فيها المعدل الى 46 بالألف. و يعد المدى كبير جداً بين دول القارة الافريقية، حيث يتراوح ما بين 51.8 بالألف في اوغندة و 20.1 بالالف في موريشيوس. اما في افريقيا الشمالية فان مستويات الخصوبة تتراوح ما بين معتدلة وعالية، إذ يزيد معدل المواليد الخام على 40 بالالف في قطر واحد من هذه المجموعة التي يبلغ عددها ستة أقطار. في حين يتراوح في القسم الاخر من هذه المجموعة ما بين 29-39 بالألف، و يقل عن هذا المعدل في جمهورية جنوب افريقيا (31 بالألف ) للمدة 1990-1995.
وبينما يلاحظ ارتفاع معدل المواليد الخام في دول افريقيا المدارية بأكثر من   30بالألف، نجد الكثير من دول أمريكا اللاتينية تقل معدلاتها عن ذلك. مما يدل على دخول العديد من تلك الدول مرحلة متقدمة من مراحل الانتقال الديموغرافي. فقد حصل انخفاض كبير في الخصوبة وبخاصة في امريكا الجنوبية المعتدلة واقليم البحر الكاريبي، الا ان الانخفاض جاء متأخراً في الاقليم الثاني. و يبلغ المعدل في اقليم البحر الكاريبي نحو 24 بالألف، و ينخفض عن 30بالألف في جميع أقطار هذا الاقليم عدا هايتي التي يزيد فيها المعدل عن هذا المستوى. كما يقل معدل المواليد الخام عن 20 بالألف في كل من كوبا وباربادوس ومارتنيك وكواديلوب خلال المدة (1990-1995).
ويتميز وسط وجنوب غربي آسيا بارتفاع مستوى الخصوبة، حيث تصل معدلات المواليد فيها الى 34 بالألف أو أكثر في معظم أقطار هذين الإقليمين، خصوصاً الوطن العربي([21]). ويمكن عدهما من بين أكثر مناطق العالم ارتفاعاً في الخصوبة برغم وجود تباين في مستوياتها بين مكان وآخر، و بين بيئة وأخرى، تبعاً لما يتوفر من عوامل التنمية وبرامج تنظيم الأسرة في هذه الدولة أو تلك ([22]). وتنخفض مستويات الخصوبة في شرقي آسيا حيث يقدر معدل المواليد الخام فيها بنحو 18 بالألف، وهو يقترب من المعدل الموجود في الصين. في حين ينخفض في اليابان الى10.1 بالألف. وهناك ثلاثة أقطار تقع في شرق وجنوب آسيا ينخفض فيها المعدل عن 20بالألف وتشمل هونك كونك وسنغافورة وكوريا الجنوبية، ويتراوح معدل المواليد فيها بين 12 و 17 بالألف.
ان تباين المعدلات المذكورة في مجموعة الدول النامية تعد دليل واضح على الفروق في اتجاهات وسرعة الانتقال الديموغرافي.
ومع التباين الموجود بين دول تلك المجموعة، فان المعدلات تكون مرتفعة، وهذا ما أظهره ايضاً المؤتمر السكاني الخامس الذي عقدته الامم المتحدة عام 1982 واتضح منه ان ما يقرب من ثلثي البلدان النامية ذات مستويات خصوبة عالية. وتعمل البرامج الحكومية لنحو 80% من سكان العالم الثالث على الحد من تلك المعدلات المرتفعة الا أن المستويات المنشودة للخصوبة في البلدان النامية مازالت أعلى من المستويات المطلوبة لتحقيق الاستقرار في عدد السكان([23]). وقد أشارت بعض الدراسات الى ان معدلات النمو في المجتمعات النامية ترتبط أساساً بارتفاع معدل المواليد واستقرار معدل الوفيات بمستوى قريب من الثبات بعد أن انخفض بشكل سريع في الخمسينيات وما بعدها، وذلك بسبب التطور الصحي والتكنولوجي([24]).
أما سبب الاستمرار في ارتفاع معدل المواليد في بعض البلدان النامية فان مرجعه حداثة السن فيها، أي أن المجتمع فتي مع وجود نسبة كبيرة من النساء في المجموعة العمرية القادرة على الانجاب – أي بين سن الخامسة عشرة وسن التاسعة والأربعين – في السنوات القليلة القادمة. وهذا يشير الى ان عملية استكمال  التحول الديموغرافي وبلوغ مجتمع مستقر سيتطلب عدة أجيال، وهذا يعني أن معدلات الولادة ستبقى مرتفعة في بعض دول العالم النامي في المستقبل القريب في الأقل ([25]).
ويمكن تحديد بعض السمات التي تميز مستويات الخصوبة  في مجموعة الدول النامية، وفيما يأتي أبرزها:
1.     تأثرت بعض دول العالم النامي التي تتميز بضخامة سكانها بانخفاض الخصوبة بنسب متفاوتة. مثل الهند التي بلغ معدل المواليد فيها خلال المدة  1990-1995 نحو 28.5 بالألف، وهو أقل بكثير مما كانت الحكومة تأمله. ومثل المكسيك والبرازيل واندونيسيا التي شهدت انخفاضاً ملموساً في مستوى الخصوبة حيث تتراوح معدلات مواليدها بين 25و 28بالألف. في حين استمرت دول ثلاث أخرى هي باكستان وبنغلادش ونيجيريا في خصوبتها المرتفعة، اذ تتراوح معدلاتها بين 31 و 45.5 بالالف خلال المدة نفسها([26]).
2.     ارتفاع نسبة النساء المتزوجات اللواتي لا يرغبن في انجاب المزيد من الأطفال. وقد بلغت تلك النسبة 30% في نيبال و 72% في كوريا، مما أدى الى الاستمرار في انخفاض مستويات الخصوبة([27]).
3.     ازدياد درجة الارتباط، في دول العالم النامي، بين سلوك الخصوبة والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والدينية والسياسية، على نقيض دول العالم المتقدم حيث يقل تأثير تلك العوامل فيها. فالتحسينات في تكنولوجيا موانع الحمل وخصوصاً في مجال التعقيم، والقبول المتزايد للإجهاض المتعمد، وازدياد انتشار طرق منع الحمل، والتحسن في وجهات نظر الحكومات نحو برامج تنظيم الأسرة لن تكون وحدها كافية لتوضيح أسباب انخفاض الخصوبة في الدول النامية. فالاسباب الحقيقية للانخفاض، فضلاً عما تقدم، تكمن في الوضع الحضاري والاجتماعي والسياسي و هو مجموعة العوامل المتقاربة والمترابطة والتي ليس من السهل ملاحظتها، وهو يفسر نسبة عالية من فوارق الخصوبة بين الدول النامية([28]).
4.     تزايد السياسات السكانية الحكومية المتجهة نحو تخفيض معدلات النمو السكاني. اذ ان هناك رغبة متزايدة وأكيدة بين الحكومات لتخفيض معدل النمو، حيث يعيش نحو 81% من سكان العالم النامي في دول أعلنت حكوماتها أن نمواً سكانياً أقل هو أمر مرغوب فيه، ومن بينها الصين. وان الحكومات التي عبرت عن رغبتها في انخفاض معدلات النمو تفضل التدخل المباشر على الطرق غير المباشرة.
5.     تنوع سبل معالجة الخصوبة المرتفعة في دول العالم النامي، ففي عقد الستينيات اكدت المعالجة دعم برامج تنظيم الأسرة. وبعد مؤتمر السكان العالمي الذي انعقد في بخارست عام 1974 ركزت الدول النامية على أهمية التنمية الاجتماعية- شكل المؤتمر الدولي للسكان الذي انعقد في مدينة المكسيك عام 1984، نقطة تحول أخرى لسياسات مواجهة الخصوبة المرتفعة في البلدان النامية. فقد تحولت الولايات المتحدة من دعمها لبرامج تنظيم الأسرة الى دعم فكرة تسريع التنمية من خلال تطبيق نمط معين يعتمد على نظام العمل الحر والقطاع الخاص. وقد شددت البلدان النامية، من جهة أخرى، على السبل الكفيلة بالمحافظة على التوازن والتنوع في معالجة ارتفاع الخصوبة فيها، وربط هذه السبل بعملية التنمية ككل([29]).

تفاوت مستويات الخصوبة في الأقاليم المتقدمة:
تسود الخصوبة المنخفضة في عموم دول العالم المتقدم عدا بعض الاستثناءات. وتعد الخصوبة منخفضة جداً في كافة دول القارة الاوربية باستثناء البانيا، اذ يبلغ معدل المواليد الخام في هذه القارة 12 بالالف خلال المدة( 1990-1995). وهو من أقل المعدلات في العالم. ويتراوح المدى ما بين 23.8 بالالف في البانيا و 9.3 بالالف في ايطاليا. ويبلغ عدد الدول الاوربية التي يقل فيها معدل المواليد الخام عن 13 بالالف نحو ضعف الدول التي يتجاوز  مستوى الخصوبة فيها المعدل المذكور. اذ تضم المجموعة الاولى 23 دولة والثانية 11 دولة.
ومما هو جدير بالذكر ان معدلات المواليد قد انحدرت في كثير من الأقطار المتقدمة الى أقل من المستوى الذي وصلته في الثلاثينيات وبداية الاربعينيات([30]). ومعدلات المواليد متجانسة لدرجة كبيرة ضمن الأقاليم المتقدمة. و يصل المعدل حده الأدنى في أقطار اوربا الجنوبية (11 بالالف)، ومع هذا فان المدى يتراوح ما بين 9.3 بالالف في ايطاليا و 23.8 بالالف في البانيا.
ويرتفع المعدل في أوربا الشمالية الى 14 بالالف، وفي الوقت الذي ينخفض فيه المعدل الى 9.5 بالالف في استونيا ولاتفيا، نجده يرتفع في ايسلندا الى ا16.3 بالالف.  أما إقليمي شرق أوربا وغربها فان معدل المواليد الخام يصل فيهما الى 12 بالالف.
وتقترب المعدلات في كل من أمريكا الشمالية واستراليا ونيوزلندة، اذ تتراوح ما بين 15 و 16 بالالف. كما ان هناك تجانس في هذه المعدلات ما بين الكثير من دول أوربا الشرقية .ومما يلاحظ على تفاوت مستويات الخصوبة في العالم المتقدم هو أن درجة التباين في تلك المستويات بحسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي والديني  في تناقص مستمر. اي ان درجة تأثر الدول الصناعية بتلك العوامل قد انخفض عما كان عليه في الماضي. فالفروق اليوم ضئيلة جداً بين أبناء الريف والمدينة، و بين الغني والفقير ، وبين الكاثوليكي والبروتستانتي، وبين الشمالي والجنوبي. حتى ان تأثير الدين في الخصوبة أخذ يقل تدريجياً في الدول الاوربية وفي الولايات المتحدة.
خريطة ص 361

ثالثا: التوزيع الجغرافي لمستويات الخصوبة:
يمكن تصنيف التوزيع الجغرافي لمستويات الخصوبة، ممثلة بمعدل المواليد الخام، متوسطاً للمدة 1985-1990 في ثلاث مجموعات من الدول وكما هي مدونة في أدناه ( شكل 18):
1.     مجموعة الدول ذات الخصوبة المنخفضة: التي ينحدر فيها معدل المواليد الخام الى أقل من 20 بالالف، وتمثلها الدول الصناعية المتقدمة التي تعيش في مرحلة النضج السكاني.وتشمل كندا والولايات المتحدة ودول أوربا ( عدا البانيا) واستراليا ونيوزلندة واليابان وروسيا والجمهوريات الأخرى التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق، ودخلت الى هذه المجموعة في السنوات الاخيرة كل من موريشيوس (من شرق افريقيا) وكوبا  وجزر صغيرة تقع شرق البحر الكاريبي (باربادوس وكواديلوب ومارتنيك)، بالإضافة الى اورغواي في أمريكا الجنوبية وأصبحت الارجنتين ضمن هذه المجموعة خلال المدة 1990- 1995 بالاضافة الى هونك كونك وكوريا الجنوبية  وسنغافورة وقبرص في آسيا، ودخلت إليها الصين في المدة 1990- 1995. وهذه الدول تتميز بانخفاض معدل الوفيات بالإضافة إلى انخفاض معدل المواليد، وتضم نحو ربع سكان العالم.

2.     مجموعة الدول ذات الخصوبة المتوسطة (من 20 وأقل من 35 بالألف)، وهي الدول التي انخفضت فيها مستويات الخصوبة قياساً بالسنوات السابقة. كذلك نجحت هذه الدول في خفض معدلات وفياتها. وتضم أكثر من نصف سكان العالم ( حوالي 56%)، و أغلبها يتركز في أمريكا اللاتينية ( لاسيما في دول منطقة  البحر الكاريبي والطرف الشمالي والجنوبي من أمريكا الوسطى بالاضافة الى أغلبية دول امريكا الجنوبية). كما تتمثل هذه المجموعة بمعظم دول القارة الآسيوية وبخاصة ذات الاعداد السكانية الضخمة مثل الصين(*) والهند واندونيسيا وفيتنام وتايلند وتركيا، وتضم هذه الدول نحو 78% من سكان قارة آسيا. يضاف لها دولة اوربية واحدة هي البانيا، وكذلك بعض جزر المحيط الهادي. ومناطق محدودة في افريقيا (رينيون وتونس وجمهورية جنوب افريقيا).
3.     مجموعة الدول التي تتميز بارتفاع خصوبتها ويبلغ معدل المواليد الخام فيها 35 بالالف فأكثر، وتضم اقل من خمس سكان العالم (19%). واغلب مجتمعات هذه الدول ما زالت تعيش في بدء الدورة الديموغرافية، وانخفضت وفياتها عن ذي قبل. وتتركز هذه المجموعة في غينيا الجديدة وقارة افريقيا، إذ ان جميع اقاليم هذه القارة مشمولة بهذه المجموعة عدا تونس في شمال القارة، وجمهورية جنوب افريقيا في جنوبها، وموريشيوس ورينيون في المحيط الهندي. وتتمثل هذه المجموعة ايضا بالجزء الاوسط من امريكا الوسطى، ومنطقة صغيرة في غربي امريكا الجنوبية. بالاضافة الى دول آسيا القليلة السكان التي لا تزيد نسبة سكانها عن 12% من سكان القارة، وتشمل الجزء الاوسط من الهند الصينية وعدد كبير من الدول الاسلامية في جنوب وغرب قارة آسيا وبضمنها جميع اقطار الوطن العربي عدا لبنان وجزء من منطقة الخليج  العربي. وفي عام 1990 – 1995 انتقلت كل من مصر والجزائر والمغرب وزامبيا وسيشل وتايلاند في آسيا الى المجموعة الثانية.
                                 
رابعا: اتجاهات الخصوبة
تتجه معدلات الخصوبة (مقاسة بمعدل المواليد الخام) نحو الانخفاض التدريجي، فقد انحدرت، على مستوى العالم، بين عامي 1950 و 1990 بنسبة انخفاض قدره 27.5%. وبلغت نسبة الانخفاض في العالم المتقدم نحو 35.4%، وفي العالم النامي 31%. ووصل الانخفاض اقصاه في امريكا الشمالية (39%) ثم في قارة آسيا (36%) وبخاصة شرقها. بينما حدث اقل انخفاض لمعدل المواليد في افريقيا (9%).
وفي خلال الخمسينيات والستينيات شهدت عدة دول نامية انخفاضا في معدل المواليد الخام من دون ان يقترن ذلك بانخفاض مماثل في معدل الخصوبة الكلية. ويعود سبب الاختلاف، بين المقياسين، الى تأثر معدل المواليد الخام ليس فقط بمستوى الخصوبة، وانما أيضاً بتغير تركيب السكان النوعي والعمري. إذ كان يسير نمو الاناث في سن الحمل بدرجة ابطأ من نمو اجمالي السكان خلال المدة المنوه عنها. وحدث العكس في الثمانينيات. في حين يتوقع ان يسبب تغير التركيب العمري، في الاقاليم المتقدمة، الى انخفاض معدل المواليد الخام بالرغم من توقع استمرار ثبات الخصوبة خلال الـ 40 سنة اللاحقة([31]).

اتجاهات الخصوبة في الدول النامية:
ازداد المدى في مستويات الخصوبة، بين الدول النامية حاليا بدرجة اكبر من بداية الستينيات. وذلك بسبب الاستقرار النسبي في بعض الدول، والانخفاض الكبير في بعضها الاخر ، ويوجد تباين شاسع في اتجاهات الخصوبة بين تلك الدول. فقد انخفضت الخصوبة في معظم دول منطقة الكاريبي، الا ان زمن وانحدار التغير تباينت كثيرا بين هذه الدول([32]). وقد بلغ الانخفاض في عموم منطقة الكاريبي وأمريكا الوسطى نحو 34%، وفي عموم دول أمريكا الجنوبية 31%. وقد تباينت نسبة الانخفاض بين 22% في هايتي و 53%  في مارتنيك التي حصل فيها أكبر انخفاض في مستوى الخصوبة بين عامي 1950و 1990.
 وفي قارة آسيا  بلغت نسبة الانخفاض في معدل مواليد طرفها الجنوبي نحو 22% وفي طرفها الغربي 25.5% . في حين سجل في اقليمها الشرقي أكبر انخفاض(52%) ، بينما كان الانخفاض في الاقليم الجنوبي الشرقي يقترب من متوسط عموم القارة.
وقد اختلف الانخفاض من حيث التوقيت و الانحدار بين دول هذه القارة. فقد لوحظت الانخفاضات أولاً في قبرص وسنغافورة وماليزيا خلال النصف الاخير من الخمسينيات. بينما لم تبدأ معدلات المواليد بالانخفاض في كل من هونك كونك وسريلانكا الا في بداية الستينيات. وكما هو الأمر في حجم الانخفاض فان التغيرات كانت أكبر اعتدالاً في قبرص وسيريلانكا، ومعتدلة نسبياً في ماليزيا وسريعه في هونك كونك و سنغافورة([33]). وحصل انخفاض كبير في معدل المواليد الخام في كوريا بلغ 40% خلال المدة 1950-1990([34]).
وتميزت اليابان باعتدال الخصوبة قبل 1950 حيث قدر معدل مواليدها بين عامي 1945 و 1947 بنحو 30.2 بالالف. وبعد الارتفاع الذي أعقب الحرب العالمية الثانية،  عاد وانخفض معدل المواليد كثيراً وبنسبة  50% بين عامي 1948 و 1960([35]). وهو أسرع من اي انخفاض حققه أي شعب في العالم خلال هذه المده القصيرة، واستقر المعدل حينذاك بما يقرب من 19بالالف، ثم انحدر في السنوات الأخيرة الى أن بلغ 11.4بالالف خلال المرحلة المعاصرة( 1985-1990) .
وتشير المستويات الحالية لمعدلات المواليد الخام الى حدوث انخفاض كبير للخصوبة في الصين نتيجة لنجاح برامج تخطيط الأسرة وارتفاع مستوى التعليم والتغيرات الايجابية في ظروف الحياة خلال العقود الثلاثة الأخيرة. كما يسر في هذا الاتجاه بعض دول جنوب شرقي آسيا .
أما اتجاهات الخصوبة في افريقيا فان أقل انخفاض حصل في القارة لمعدل المواليد الخام كان في اقليمها الغربي والأوسط والشرقي، إذ تراوحت نسبة الانخفاض في تلك الأقاليم 2-5% بينما حدث أكبر انخفاض في جنوب القارة وشمالها، إذ تراوحت نسبة الانخفاض فيهما 22- 24%. و تدل البيانات المتوفرة عن مصر وتونس ومويشيوس بحصول انخفاض كبير في معدلات مواليدها، إذ تراوحت نسبة الانخفاض فيها بين 26% في مصر ونحو 35% في تونس و 61% في مويشيوس بين عامي 1950و 1990. وبدأ معدل المواليد الخام بالانخفاض في مصر تدريجياً منذ أن قامت الحكومة المصرية بفتح برامج تنظيم الأسرة في 1965. وفي تونس حصل انخفاض مماثل بعد سنة 1964 حينما بدأت فيها برامج تخطيط الأسرة بمباشرة فعالياتها.

اتجاهات الخصوبة في الدول المتقدمة:
كان معدل المواليد الخام في اوربا الشمالية والغربية يقرب من 35 بالالف خلال القرن التاسع عشر. وبدأ ينخفض عن هذا المعدل في نهاية القرن المذكور. في حين كان المعدل في اوربا الشرقية يرتفع الى نحو 45 بالالف. ثم انحدر الى اقل من 40 بالالف في نهاية ذلك القرن. واستمرت معدلات المواليد في اوربا الجنوبية تزيد على نظيراتها في اقطار اوربا الشمالية والغربية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر([36]).
اما في امريكا الشمالية فقد كان معدل الموليد الخام فيها مرتفعا طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ففي عام 1780 قدر المعدل بين السكان البيض بنحو 55 بالالف. واستمر المعدل مرتفعا حتى بعد عام 1830، ثم بدأ بعد ذلك بالانخفاض التدريجي الى مستويات تشبه، الى حد كبير، المستويات التي سادت القارة الاوربية في اواخر القرن التاسع عشر([37]).
وبدأت معدلات المواليد في الدول المتقدمة بالانحدار منذ العشرينيات حتى منتصف الثلاثينيات. وقد تميزت كثير من الدول الغربية في الثلاثينيات بمعدلات زيادة طبيعية سالبة كما في الولايات المتحدة واستراليا ومعظم دول اوربا (عدا الجنوبية منها). ثم تحولت الى معدلات موجبة بعد 1940. ومع ذلك استمر الانخفاض في اوربا الشرقية والجنوبية والاتحاد السوفيتي واليابان وكافة المناطق التي تميزت بارتفاع معدلات المواليد قبل الحرب العالمية الثانية([38]).
ولعل من ابرز التغيرات التي حصلت لامريكا الشمالية والاتحاد السوفيتي وبخاصة منذ 1960 هو انخفاض معدلات المواليد الخام فيها، من مستويات كانت من بين اعلى المعدلات في المناطق المتقدمة الى مستويات معتدلة. وفي بعض دول اوربا الشرقية وصلت معدلات المواليد الى حدها الاقصى خلال المدة 1965 – 1967، ومالت بعدها الى الارتفاع ثم التأرجح([39]).
وفي اواخر السبعينيات حصل انخفاض آخر في مستويات الخصوبة في معظم الدول المتقدمة بحيث اثر على مستوى الاحلال. ففي عام 1978 كان هناك 7 دول من مجموع 24 دولة صناعية غربية وقف مستوى الخصوبة فيها عند مستوى الاحلال او اعلى منه بقليل. ففي المانيا بلغ معدل الخصوبة الكلية نحو 1.4 طفل لكل امرأة، وهو ادنى معدل سجل في اي دولة في زمن السلم. ولهذا الانخفاض آثار سلبية على الاقتصاد وعلى الانظمة التعليمية، حيث يؤدي الى انخفاض في عدد الطلبة وعدد الايدي العاملة. فايطاليا كانت دولة مشجعة للانجاب ومصدرة للمهاجرين، تحولت الى دولة مستقبلة للمهاجرين، ومثلها هولندا. والانخفاض في مستويات الخصوبة، في معظم هذه الدول، تم بين عامي 1972 و1975. وعادة ما يتم انخفاض الخصوبة في ولادة الطفل الثالث او ما يليه، وليس في ولادة الطفل الاول او الثاني.
ففي المانيا وفرنسا مثلا انخفض انجاب الطفل الاول والثاني بنسبة 20 – 30%، في حين انخفض انجاب الطفل الثالث بنسبة 50% ومن بعد الطفل الثالث بنسبة 70% الى 170%، وهكذا يشهد العالم المتقدم اختفاء العائلة الكبيرة([40]).
ومنذ عام 1975 ظهرت دلائل تشير الى استياء متزايد من الزواج، وخصوصا في الدول الاسكندنافية. يقابلها ارتفاع حالات الطلاق وبخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا والدانمرك والسويد وقد انتهى في الاخيرة 50% من وقائع الزواج بالطلاق. وبالرغم من ازدياد حالات الطلاق الا ان متوسط عمر الزواج الان اعلى مما كانت عليه في الماضي.
اما الدول الاوربية الاشتراكية فقد بدأت الخصوبة فيها بالانخفاض، كمجموعة، بعد الحرب العالمية الثانية، واستمر ذلك حتى عام 1968. وقد ساعد على هذا الانخفاض قوانين الاجهاض المتحررة التي بدأت في الظهور عام 1950. ونتيجة لانخفاض الخصوبة الى مستويات متدنية في بلغاريا والمجر ورومانيا، اتخذت اجراءات مضادة عام 1966، وتبعتها المانيا الشرقية عام 1974. وتمثلت هذه الاجراءات بتعويضات للعائلة كما هو الحال في تشيكوسلوفاكيا والمانيا الديمقراطية، وقيود قاسية على الاجهاض كما في المجر ورومانيا، حيث اصبح الاجهاض محظورا قبل الطفل الثالث في المجر وقبل الطفل الرابع في رومانيا. ولكن ثلاثاً من الدول الاشتراكية ابقت على قوانين الاجهاض المتساهلة هي (الاتحاد السوفيتي السابق وبولندا والمانيا الشرقية سابقا)([41]).
ويمكن ملاحظة النقاط الاتية على مستويات الخصوبة في مجموعة الدول الاوربية الاشتراكية([42]).
1.     ان السياسات المشجعة للانجاب قد اوقفت الانخفاض في مستوى الخصوبة، إذ تسود الان مستويات الاحلال في معظم هذه الدول باستثناء المانيا، بينما لا يمكن قول الشيء نفسه في دول اوربا الغربية.
2.     من الصعوبة تحديد اي من الاجراءات كان له الفضل الاكبر في استعادة الخصوبة بأوربا الاشتراكية. وكانت اجراءات مساعدة الاسرة في تشيكوسلوفاكية، تعد من اوسع الاجراءات واكثرها تكلفة في الدول المتقدمة. وبالتالي يصعب القول ان استعادة الخصوبة كانت بسبب الرغبة في زيادة المواليد، نتيجة الحوافز او تعود الى قوانين الاجهاض، او نتيجة لانخفاض استعمال موانع الحمل.
3.     ان بعض العوامل التي ساهمت في انخفاض الخصوبة بدول اوربا الغربية، ظهر تأثيرها ايضا بدول اوربا الاشتراكية ومنها البطالة، وتغيرات النظرة الى الزواج، واتجاهات جديدة فيما يخص المرأة العاملة.
وخلال الثلث قرن الاخير انخفضت مستويات الخصوبة في العالم المتقدم بشكل ملحوظ . ففي امريكا الشمالية انخفض معدل المواليد الخام بنسبة 39% بين الخمسينيات (1950-1955) والمدة (1985-1990) وانخفضت النسبة الى 35% حتى عام 1990-1995 وهو يمثل أعلى معدل بين أقاليم العالم المتقدم. وكان الانخفاض الذي حصل في كندا أكبر مما هو في الولايات المتحدة إبان الأربعين عاما الأخيرة .
وفي قارة أوربا انحدر معدل المواليد الخام بنسبة 34% خلال المدة نفسها، (وبنسبة 39% حتى عام 1990- 1995) وتراوحت النسبة بين 21.5% في شمال أوربا و 40.5% في جنوبها. في حين بلغت نسبة الانخفاض نحو 32% في غرب القارة و 38% في شرقها. وبينما تقترب النسبة في أوقيانوسيا من 27%( أصبحت 31% في عام 1990-1995) نجدها ترتفع في استراليا الى حوالي 35% ونيوزلندا الى 39% ، في حين بلغت نسبة الانخفاض في الاتحاد السوفيتي السابق نحو 30%، ووصلت الى 48% حتى عام 1993.

الاتجاهات المستقبلية للخصوبة:
تشير بيانات المستقبل الى ميل الخصوبة نحو الانخفاض في الاقاليم النامية خلال المدة المتبقية من هذا القرن. إذ يتوقع أن ينخفض معدل المواليد الخام من 31بالالف خلال المدة (1985- 1990) الى 25 بالالف في اوائل القرن العشرين (2000-2005)، اي بنسبة انخفاض قدره 18% . كما يتوقع ان ينخفض معدل الخصوبة الكلية بفرق قدره (0.7) طفل لكل امرأة خلال الخمسة عشر عاما القادمة. ومع الانخفاض المتوقع حدوثه، يوجد تباين واضح في تيارات الخصوبة المستقبلية من اقليم لاخر داخل مجموعة الدول النامية.
ففي قارة افريقيا يتوقع ان ينخفض معدل المواليد الخام من 45 بالالف الى 39 بالالف بين المدتين المشار اليهما، أو بنسبة انخفاض مقداره 13%. ومن المتوقع ان ينحدر مستوى الخصوبة في افريقيا الشمالية والوسطى بمقدار يزيد قليلا على بقية أقاليم القارة الافريقية.
ومن المنتظر ان ينخفض معدل المواليد الخام في جنوب آسيا من 35 بالالف الى 27.5 بالالف بين المدتين المشار إليهما، اي بنسبة انخفاض قدره 22%. وفي شرق آسيا يتوقع ان يبلغ الانخفاض في معدل المواليد من (20) بالالف الى 15 بالالف خلال المدة المستقبلية المذكورة، اي بنسبة 24%. وستشهد الصين انخفاضا مشابها لشرق آسيا تبلغ ابان المدة المستقبلية نحو 26%.
وامريكا اللاتينية هي الاخرى ستشهد انحدار في مستويات الخصوبة حيث يتوقع ان ينخفض معدل المواليد الخام من 29 بالالف الى 23 بالالف خلال المدة المستقبلية المنوه عنها. اي بنسبة 20.3%. ويتوقع ان تبقى هناك اختلافات مهمة في مستوى الخصوبة المستقبلية ضمن أقاليم امريكا اللاتينية. وسيبقى معدل المواليد الخام مرتفعا في امريكا الوسطى رغم التوقعات المستقبلية التي تشير الى انه سينخفض من 31 بالالف الى 24.5 بالالف. وكذلك توقع انخفاض اقليم البحر الكاريبي من 24.7 بالالف الى 20 بالالف ابان المدة المستقبلية المشار اليها.
اما في الاقاليم المتقدمة فسوف لن تشهد انخفاضا كبيرا في معدل المواليد الخام الذي يتوقع ان ينحدر من 14.6 بالالف الى 13.1 بالالف أو بنسبة انخفاض قدرها 10%. كما ان معدل الخصوبة الكلية لن يشهد تغيرا ملموسا خلال المدة نفسها سوى ارتفاع طفيف ( من 1.90 الى 1.91 طفل/ امرأة). ومثل هذا الاتجاه يلاحظ في قارة أوربا اذ سيبلغ الانخفاض في معدل المواليد بنسبة 8.5%، والارتفاع في معدل الخصوبة الكلية من 1.7 الى 1.9 طفل/ امرأة خلال المدة نفسها. ويسود اتجاها مشابها في أوربا الشمالية والغربية. اذ يتوقع ان تتراوح نسبة الانخفاض فيهما بين 10-11%. وسيكون الانخفاض اقل في أوربا الشرقية والجنوبية( (بين 5-7%) خلال المدة نفسها. في حين يتوقع ان تبلغ نسبة الاتخفاض في معدل المواليد الخام في امريكا الشمالية بدرجة اسرع من عموم الاقاليم المتقدمة(16%) مقابل زيادة طفيفة في معدل الخصوبة الكلية( من 1.8 الى 1.9 طفل / امرأة).

خامسا: الخصوبة في الوطن العربي
تشير البيانات المتيسرة الى عدم حدوث تغير كبير في مستويات الخصوبة منذ عام 1960 في 12 قطرا عربيا من مجموع  22 قطرا، وان 11 قطرا منها شهدت اعلى معدلات للنمو السكاني في العالم([43]).
واستمرت مستويات واتجاهات الخصوبة مرتفعة في الوطن العربي ولم تنخفض خلال العقود الثلاثة الماضية سوى في اربعة أقطار. فقد ظلت معدلات الخصوبة الكلية تقرب من (7) اطفال لكل امرأة في أكثر من نصف الاقطار العربية حتى عام 1985، ولم تنحدر عن 6 أطفال الا في لبنان ( 4 أطفال) ومصر(5 أطفال) وتونس (5 أطفال) والمغرب (5.1 طفل). أما في العراق فهي 6.7 طفل سنة 1985 بالمقارنة مع 7.2 طفل سنة 1950([44]).
وفي عام 1992 انحدر معدل الخصوبة الكلية الى أقل من 6 طفل/ امرأة في 15 قطر، والى اقل من 4.5 طفل في تسعة أقطار منها اربعة أقطار خليجية وثلاثة أقطار تقع في المغرب العربي، بالاضافة الى كل من لبنان ومصر. وفي العراق انخفض المعدل الى 5.7 طفل/امرأة.
و يظهر من مقارنة معدل المواليد الخام في الوطن العربي بين الخمسينيات (1950-1955) و التسعينيات (1990-1995) انخفاضاً قدره 12.7 ولادات حية لكل الف من السكان سنوياً، مقابل 16.5 ولادة في العالم النامي و 9.4 ولادة في العالم المتقدم. و بعبارة أخرى كان انخفاض مستوى الخصوبة في العالم النامي بنسبة تزيد مرة وثلث المرة عما يماثلها في الوطن العربي خلال الاربعين عاما الاخيرة( انظر جدول رقم 27).

جدول رقم(27)
مستويات الخصوبة في الوطن العربي و العالم حتى سنة2000
الإقليم
معدل المواليد الخام (بالالف)
معدل الخصوبة الكلية (طفل/ امرأة)
1980-85
1990-95
1995-2000
1980-85
1990-95
1995-2000
الوطن العربي
42.5
34.2
-
5.97
4.9
-
العالم
27.7
25
23.7
3.61
3.10
2.97
العالم المتقدم
15.2
12.6
12.2
1.93
1.70
1.71
العالم النامي
31.8
28.3
26.5
4.19
3.48
3.28
افريقيا
45.5
41.9
39.4
6.37
5.80
5.35
المصدر:
U.N World Pop. prospects 1988, Tables 6&12, World Pop. Prospects 1994, Table 58, P.113, Annex 2, PP. 458 and more, Human Development Report 1996,Table 47, P.212,
يونس حمادي علي، مبادئ علم الديمغرافية، جدول رقم(10) ص 149.

وقد بينت دراسة "فريد" Farid التفاوت الحاصل في مستويات الخصوبة الحالية في الوطن العربي، والتفاوت في مقدار انخفاضها([45]). وهي على العموم تتميز بارتفاعها متمثلة بمعدل المواليد الخام الذي يزيد عن (30) بالالف في اكثر من نصف الاقطار العربية. اما الاقطار التي يقل فيها المعدل المذكور عن الرقم المشار اليه خلال المدة 1990-1995 فانها تتمثل في المغرب العربي ( تونس والجزائر والمغرب)، وكل من مصر ولبنان والخليج العربي ( الإمارات والبحرين والكويت و قطر).
ويبدو ان تطبيق الحكومات لبرامج تنظيم الأسرة وارتفاع مستوى المعيشة والتعليم الذي يؤخر سن الزواج ودخول المرأة ميدان العمل، كان لها أكبر الأثر في ذلك الانخفاض. وربما كان للحروب التي خاضتها مصر والحرب الأهلية في لبنان دورا آخر في انخفاض مستوى الخصوبة فيهما.
وفي البلدان العربية ذات الخصوبة المرتفعة جدا مثل الصومال وعمان واليمن (حيث يبلغ معدل الخصوبة الكلية 7 أطفال في الاقل) لا يقل متوسط حقبة الأنسال فيها عن 18 عاما. في حين لم يتجاوز ذلك المتوسط في البلدان ذات الخصوبة المتوسطة، مثل مصر ولبنان وتونس، 16 عاما. وبصفة عامة فان البلدان التي يبدأ فيها الانجاب في سن مبكرة لا بد وأن ينتهي ايضا في سن متأخرة وبالتالي فان تلك البلدان تتسم عادة بمعدلات عالية نسبيا للخصوبة والوفيات وبظروف صحية سيئة وبيئة اجتماعية غير مواتية([46]).

ان لارتفاع مستويات الخصوبة آثارا ضارة على صحة الامهات والاطفال بالاضافة الى آثارها السلبية على نطاق وحدة الاسرة و فيما يأتي أبرزها([47]):
1.     اضعاف المقدرة على تأمين مستوى معيشي جيد لافراد الاسرة لان معظم الاسر لها موارد محدودة.
2.     الحد من امكانية فتح مجالات التفاعل الاجتماعي- الاقتصادي للمرأة خارج محور الاسرة.
3.     تقليل امكانية تأمين رعاية صحية جيدة للأطفال في الاسرة.
اما مستويات واتجاهات الخصوبة في المرحلة المستقبلية فان البيانات تشير الى توقع انخفاض معدل المواليد الخام من مستواه الحالي البالغ 34.2 بالالف عام 1993 الى مستوى ادنى بقليل في عام (1995-2000) ومع حصول الانخفاض المتوقع الا ان مستوى الخصوبة في الوطن العربي يبقى اعلى من اي منطقة في العالم، حاضرا ومستقبلا، باستثناء قارة افريقيا بجميع مناطقها عدا طرفيها الشمالي والجنوبي.
وتتضح الحقيقة نفسها باستخدام معدل الخصوبة الكلية البالغ نحو 6 أطفال للمرأة في المدة 1980-1985([48]) و 4.9 عام 1992 الذي يتوقع انخفاضه الى 4.7 طفل لكل امرأة في المدة المستقبلية(1995-2000).
الخصوبة في العراق:
أخذت الخصوبة في العراق تحظى باهتمام رسمي، فوضعت تشريعات تحفز الافراد على زيادة معدلاتها التي لا تختلف كثيرا عما يماثلها في بقية دول العالم النامي. فهي معدلات مرتفعة اذا ما قورنت ببقية مناطق العالم وبخاصة المتقدمة منها. وتبعا لما أظهرته نتائج مسح الظواهر الحيوية في العراق عام 1980 بلغ معدل المواليد الخام نحو 43.7 بالالف، ومعدل الخصوبة الكلية 7.3 مواليد للمرأة ([49]). وظهر من تقديرات منظمة (الاسكوا) لعام 1986 ان معدل الخصوبة الكلية بلغ في العراق نحو 7.1 مواليد للمرأة([50]). وفي عام 1990-1995 قدر المعدل بنحو 5.7 طفل/ امرأة.
وتشير تقديرات الامم المتحدة الى انخفاض معدل المواليد الخام في العراق بين الخمسينيات و المدة المعاصرة من 49.4 بالالف الى 43.2 بالالف، اي بنسبة انخفاض قدره 12.5% وقدر المعدل في عام 1990-1995 بنحو 38 بالالف. و يتوقع انخفاض المعدل عام 2000-2005 الى نحو 36.1 بالالف ([51])، اي بنسبة انخفاض قدره 5% بين المدة الحالية ( 1990-1995) و أوائل القرن العشرين.

سادسا:  مقاييس الخصوبة
اعانت المقاييس الديموغرافية المتداولة بين الباحثين على تحديد مستويات الخصوبة واتجاهها ومنها معدل المواليد الخام، ومعدل الخصوبة العام، و معدل الخصوبة الكلي، ومعدل التكاثر الاجمالي، ومعدل التكاثر الصافي، ونسبة الاطفال الى النساء. وفيما يأتي عرض موجز لكل مقياس منها:
1-       معدل المواليد الخام: Crude Birth Rate
هو النسبة بين عدد المواليد الاحياء السنوي و جملة عدد السكان في منتصف العام لمنطقة جغرافية معينة. و يمكن صياغته على النحو الآتي([52]):

وبعد قسمة عدد المواليد على عدد السكان يضرب الناتج في الف. ويعود سبب ضرب هذا المقياس( والمقاييس الاخرى) في 1000 الى صغر حجم الظاهرة، حيث يستعاض عن النسبة المئوية، بنسبة ألفية. وبذلك يمكن تقليل الكسور الى أقصى حد ممكن و بالتالي تكون هناك امكانية الحصول على ارقام صحيحة([53]).
ويعد معدل المواليد الخام من أبسط مقاييس الخصوبة وأكثرها شيوعا لسهولة حسابه وسرعة ادراكه ولتوفر البيانات اللازمة لاستخراجه. وقد يكون المعدل مفيدا في المقارنات السريعة لتزايد السكان بين بلدين اذا تشابهت خصائص السكان فيها. وكذلك المقارنة داخل البلد الواحد لمدتين مختلفتين اذا بقيت الخصائص المذكورة من دون تغير كبير([54]). واذا كانت المقارنات السريعة المشار اليها مفيدة للجغرافي، فانها قد لا تفي باغراض البحث للديموغرافي او لأي فرد يحاول تقويم حيوية السكان، وذلك لانه لا يدخل بالحسبان تركيب السكان من حيث النوع والعمر([55]). وقد يؤثر ذلك- ويفسر أيضا- في اسباب انخفاض او ارتفاع المعدلات ومن امثلة ذلك ان بعض المجتمعات المهاجرة والنائية قد ترتفع فيها نسبة الذكور عن الاناث مما يخفض من معدل المواليد الخام.بينما يكون عدد النساء القليل في هذه المجموعة متميزا بارتفاع معدلات الانجاب وكثرة الاطفال. ففي الجهات النائية، مثل الاسكا، ينخفض فيها معدل المواليد كثيرا مع ان النساء القليلات بين السكان يتزوجن في سن مبكرة،  ينجبن اطفالا كثيرين([56]).
ومن عيوبه الاخرى ان إحصاءات المواليد تكون غير كاملة لدرجة مقبولة في البلدان النامية، ولذا فان معظم البيانات والتفسيرات  التي تخص المستويات والاتجاهات في معدلات المواليد، تكون غير سليمة بسبب الطبيعة الخاطئة للمعلومات الاساسية. كما ان المواليد لا تسجل في المناطق الصغيرة، ولذا فانه يندر استخدام هذا المعدل لقياس السرعة التي يتكاثر بها السكان على مستوى مثل تلك المجتمعات([57]). بالاضافة الى ان هذا المعدل يخلط بين عدد كبير من المجموعات السكانية ذات الخصوبة المتباينة ولا يميز بين طبقاتها.
ومعدلات المواليد في القطر العراقي لا تختلف كثيرا عما يماثلها في بقية دول العالم النامي. فهي معدلات مرتفعة اذا ما قورنت ببقية مناطق العالم لاسيما المتقدمة منها، وتقع ضمن الحدود التي تتراوح معدلاتها بين 35 و45 لكل ألف من السكان ([58]). وتشير تقديرات الامم المتحدة الى ان المعدل بلغ ابان المدة 1990-1995 نحو 44.4 بالالف مقابل 27.7 بالالف للمتوسط العالمي([59]).
2-       معدل الخصوبة العام: General Fertility Rate
هو النسبة بين العدد السنوي للمواليد وعدد الإناث في سن الحمل (15-49 سنة) فهو لا يختلف عن معدل المواليد الخام سوى ان المقام اقتصر على الاناث في سن الحمل عوضا عن كل المجتمع. ويمكن صياغته احصائيا على النحو الاتي([60]):
                                                                                         
وميزة هذا المعدل انه ياخذ بالحسبان عدد النساء اللواتي في سن الحمل ويقع على عاتقهن امانة حفظ النوع البشري ولا يعُنى بجملة السكان. وبذا فان هذا المعدل يتجنب العيب الموجود عند حساب معدل المواليد الخام حيث يتم فيه ايجاد نسبة المواليد الى جملة السكان. ولما كان " المواليد غير الشرعيين لا يمثلون الا نسبة ضئيلة جدا من جملة المواليد، فان قصر نسبة المواليد على النساء المتزوجات فقط في سن الحل يعد مقياسا ادق للقوة التناسلية لدى الانثى"([61]). بالاضافة الى ان معدل الانجاب العام اكثر واقعية لانه يحسب المواليد الفعليين للنساء اللائي يحتمل انهن قمن فعلا بالانجاب، ولو ان نسبة من تلكم النساء  قد يكن عقيمات  أو غير متزوجات([62]).
مما تقدم ذكره يتضح ان معدل الخصوبة العام أكثر دقة من معدل المواليد الخام، فبالاضافة الى استبعاد تاثير الاختلافات في الحجم بين الجماعات السكانية، يستبعد ايضا تاثير اختلافات معينة من حيث التركيب. مثل استبعاده تاثير اية اختلافات في نسبة الذكور في جماعات السكان التي تجري المقارنة بينهما. وهذا اختلاف قد يكون كبيرا تماما  بعد حرب، وقد يكون ذا شأن حين تكون عمليات الهجرة او النزوح كبيرة وطويلة الامد. ومع ان هذا المعدل يستبعد التأثير الناجم من الاختلافات في نسبة جميع النساء اللاتي تقع اعمارهن بين 15-49 سنة، لكنه لا يأخذ في الحسبان الاختلافات في التوزيع  العمري للنساء في سن الحمل([63]).
ويعد معدل الخصوبة العام في العراق من المعدلات المرتفعة، فقد بلغ نحو 220 بالالف تبعا لنتائج مسح الظواهر الحيوية لعام 1980([64]). في حين ينخفض المعدل في كثير من دول العالم عن ذلك ولاسيما المتقدمة منها. وعلى سبيل المثال، بلغ المعدل في فرنسا خلال المدة 1980-1985 نحو 57.1 بالالف([65]).

3-       معدلات الخوبة العمرية النوعية: Age-Specific Fertility Rate
يقصد بها عدد الولادات التي تحدث لكل الف من النساء في فئة عمرية معينة، وبمعنى آخر معدل الخصوبة العام لكل فئة عمرية، ويحتسب للنساء في سن الحمل(15-49). وبواسطته يمكن حساب بعض معدلات الخصوبة الاخرى. ويمكن صياغة المعدل احصائيا على النحو الاتي:

ويعد هذا المقياس اكثر دقة من المقياس السابق لانه ياخذ بالحسبان الاختلافات في التوزيع العمري للنساء في سن الحمل، وبالتالي يكون حسابه على اساس نسبة المواليد الى المتزوجات لكل فئة عمرية. والصعوبة تكمن في عدم توفر البيانات عن توزيع المواليد بحسب الفئات العمرية للامهات في عدد من دول العالم.
وتبعا لما تشير اليه معدلات الخصوبة العمرية في العراق لعام 1980، يظهر انخفاضا في الفئة العمرية 15-19، حيث يبلغ المعدل 103.5 بالالف. ويبدأ بالارتفاع بشكل سريع في الفئات العمرية التالية، ويصل اعلى مستوى له في الفئة 25-29 حيث يبلغ 340بالالف. ويأخذ بالانخفاض بعد هذه الفئة  الى ان يصل ادنى مستوى له في الفئة الاخيرة(45-49) بمعدل مقداره 67 بالالف([66]).
وبهذا تبدأ الخصوبة منخفضة في فئات العمر الأولى والأخيرة، وترتفع في فئات العمر الوسطى. وتأكدت هذه الحقيقة في الدراسات الاحصائية التي وجد فيها ان المرأة دون سن العشرين من عمرها تكون اقل انجابا من المرأة بين العشرين والخامسة والثلاثين. في حين تقل قدرتها على الانجاب بعد ذلك بالتدريج.
4-       معدل الخصوبة الكليةTotal Fertility Rate
يقصد به عدد الاطفال الذين يولدون لكل امرأة او لكل الف من النساء خلال سنوات الانجاب. و يمكن احتسابه بجمع معدلات  الخصوبة العمرية لكل الاعمار وضربها في طول الفئة العمرية. واشارت نتائج مسح الظواهر الحيوية لسنة 1980 في العراق الى ان معدل الخصوبة الكلية يساوى 7.3 مواليد للمرأة ( 1459.4x5 =7297 أو 7.3). وهو يشمل المواليد الذكور والاناث الذين تنجبهم الانثى خلال المدة الانجابية.
ويعد معدل الخصوبة الكلية في العراق من المعدلات المرتفعة قياسا بالمعدلات العالمية، حيث بلغ المتوسط العالمي نحو 3.4 مواليد للمرأة. وفي عموم الدول المتقدمة نحو 1.9 مولود للمرأة، وافريقيا 6.2 مواليد للمرأة للمدة 1985-1990، في حين بلغ في العراق للمدة نفسها 6.4 مواليد للمرأة([67]). وتباين المستوى الحضاري والاقتصادي بين العراق و بقية مناطق العالم اثر في اختلاف مستويات الخصوبة.



5-       معدل التكاثر الاجمالي:Gross Reproduction Rate
يقصد به عدد المواليد الاناث اللواتي يولدن لكل الف من النساء خلال سنوات الانجاب.وبهذا فهو شبيه بمعدل الخصوبه الكليه من حيث الحساب. الا انه ياخذ فقط بالحسبان المواليد الاناث بدلا من جملة المواليد لغرض تقدير عدد  امهات المستقبل بهدف تجديد الاجيال. وعلى سبيل المثال اذا كان معدل التوالد الاجمالي (الفا)،  فان الام سوف تعوض نفسها فقط ولكنها لا تساهم في نمو السكان. وعليه فان المجتمع سوف يتناقصذ                   ،لانه ليس كل المواليد من الاناث اللواتي ولدن سيبقين على قيد الحياه حتى نهاية مدة الانجاب حيث ستحصل وفيات لبعضهن. 
ويتم حساب معدل التكاثر الاجمالي بالطرية الاتية:
معدل التكاثر الاجمالي= (معدل الخصوبة الكليx1) ÷ ( 1+ نسبة النوع عند الميلاد). علما بان نسبة النوع عند الميلاد تساوي (1.05) أو(1.06) أو

ويعد معدل التكاثر الاجمالي من المقاييس المفيدة في المقارنات الدولية التي يراد بها التخلص من اثر التركيب العمري والنوعي للسكان على مستوى الخصوبة.
وبلغ معدل التكاثر الاجمالي في العراق سنة 1980 نحو 3.6 مولودات اناث، وهذا يعني انه عند موت المرأة سيحل محلها ما يزيد على ثلاث اناث ونصف. في حين اشارت تقديرات الامم المتحدة الى ان المعدل قد بلغ للمدة 1980- 1985 نحو 3.3 مقابل 1.8 مولودة انثى للمتوسط العالمي، ومولودتين لكل امرأة في البلدان النامية، و 1،3 مولودات للمرأة في افريقيا([68]).

6-       معدل التكاثر الصافي: Net Reproduction  Rate
نظرا الى ان معدل التكاثر الاجمالي لا يأخذ عامل الوفاة بالحسبان والذي يؤدي الى تقليل عدد الامهات كلما تقدمن في السن في اثناء المدة الانجابية، لذلك تمت الاستعانة بمقياس اخر لتقدير عدد امهات المستقبل يأخذ بالحسبان عامل الوفاة، و يعرف بمعدل التكاثر الصافي. ويحسب بطريقة خاصة تعتمد على استخدام جداول الحياة Life Table  التي توضح كم من جيل الاناث البالغ (100000) انثى عند المولد يتبقى عند كل فئة عمرية من فئات الانجاب بتأثير عامل الوفاة. وقد بلغ المعدل في مصر 2.3 مقابل 1.5 في الولايات المتحدة([69]). في حين بلغ المعدل في العراق تبعا لسنة 1974-1975 (متوسطاً للمرأة الامية والمتعلمة)2.7 انثى حتى نهاية مدة الانجاب([70]). واشارت تقديرات الامم المتحدة خلال المدة 1980-1985 الى ان المتوسط قد بلغ في العراق 2.8 انثى/ امرأة مقابل 1.5 للمتوسط العالمي و 0.9 للدول المتقدمة و 1.7 للدول النامية([71]).

7-       نسبة الاطفال الى النساء: Child-Women Ratio
اصبح استخدام هذا المقياس شائعا لتيسر البيانات من التعدادات، ويستخرج بقسمة عدد الاطفال ( اقل من خمس سنوات او بين 5-9 سنوات) على عدد النساء في سن الحمل. ويمكن صياغته على النحو الاتي:


وهذه النسبة تعد انعكاسا لمدى دقة بيانات التعداد السكاني. كما ان الاطفال( اقل من خمس سنوات) يمثلون الباقين على قيد الحياة من اجمالي عدد المواليد الذين تم انجابهم خلال السنوات الخمس السابقة للتعداد. مما ينعكس على عدم دقة النسبة بينهم وبين النساء في سن الحمل.
وفي العراق بلغت نسبة الاطفال الى النساء عام 1977 لفئة السن(0-4) نحو 974 بالالف. انخفضت الى 872 بالالف لفئة السن (5-9) بسبب وفاة عدد من الاطفال في الفئة العمرية اقل من خمس سنوات عند انتقالها للفئة التالية لها. والنسبة المذكورة ترتفع في المناطق الريفية قياسا بالمناطق  الحضرية بسبب كثرة الانجاب في المناطق الاولى مقارنة بالثانية. وفي عام 1984  بلغت النسبة ( في الحالة الاولى) 807  وفي الحالة الثانية 690 طفل لكل الف امرأة.

سابعا: العوامل المقررة للخصوبة
تختلف الخصوبة من مجتمع لآخر، ومن مكان لآخر، ومن مجموعة سكانية لاخرى داخل المجتمع الواحد، وذلك نتيجة عوامل اجتماعية واقتصادية وبيئية. ويؤدي هذا الاختلاف في مستويات الخصوبة الى أثر بالغ في حجم السكان وفي خصائصهم المختلفة. ومن خلال تتبع العوامل المؤثرة للخصوبة يمكن التوصل الى ان التغيرات والاختلافات في معدلات المواليد سواء كان ذلك في القطر الواحد على مدد زمنية، او بين الاقطار المختلفة، لا يمكن ان ترد الى تغير او اختلاف في القدرة البيولوجية، وانما هي ناجمة عن مجموهة من العوامل بعضها  يتصل بالفرد نفسه، و بعضها الاخر يتصل بالبيئة التي يعيش فيها هذا الفرد وتحيط به. وليس ثمة دليل مقنع على ان القدرة الفسيولوجية على التوالد تختلف اختلافا له دلالته بين المجموعات العنصرية والسلالية والقومية من السكان، ولا بين الجماعات  الجزئية من هذه المجموعات من السكان. الا ان هناك كثيراً من الادلة على تباين الانجاب الفعلي تباينا شاسعا بين المجاميع السكانية التي تختلف قيمها الحضارية وبين المجاميع التي لها الخلفية الحضارية العريضة نفسها لكنها تختلف من ناحية المركز الاجتماعي والاقتصادي.
وعموما يمكن تقسيم العوامل ذات الصلة بتباين الخصوبة الى مجموعتين:
أولاً: العوامل البيولوجية و الديموغرافية:
1-      الوراثة والمقدرة الإنجابية :
تشير الدراسات الى عدم توفر ادلة قاطعة على وجود التباين او الاختلاف في القدرة على الانجاب بين شعب و آخر الا اذا كان منشؤه عضويا ([72]). وبالتالي فان المقدرة الفسيولوجية للانجاب لا تعتمد على اسلاف الإنسان. ولكن قد تتأثر تلك المقدرة نتيجة اصابة أحد الاعضاء التناسلية بالعقم، فينتقل هذا بالوراثة من السلف الى الخلف([73]). وقد يكون العقم ناتج عن حادث او عقم مزمن سببه مرض خاص بالاقليم ([74]).

2-      الصحة العامة والتغذية:
تتاثر  المقدرة الانجابية، الى درجه كبيرة، بصحة الزوجين ولكن هذا لا يعني ان كل من يتمتع بصحة جيدة قادر على الانجاب. كما ان انتشار الأمراض المعدية نتيجة لسوء الاحوال الصحية قد يؤدي في بعض الأحيان الى عقم جزئي أو كلي . فوجود بعض الأمراض المعدية، كالسفلس والسيلان او السل، في الاعضاء التناسلية قد يمنع عملية الانجاب بشكل نهائي([75]). كما هو الحال في بعض القبائل الافريقية والتي تنتشر بينهم الامراض السرية. وقد تؤثر الطرق العلاجية لبعض الامراض، بصورة غير مباشرة ، في معدلات الانجاب. فمادة الكنين المستخدمة في علاج مرض الملاريا تساعد في زيادة معدلات الانجاب. كما حصل في جزيرة سيلان، في المناطق التي تسود فيها الملاريا، حيث ارتفعت معدلات الانجاب من 7.4 بالالف في المدة 1945- 1947 الى 40.4 بالالف  في المدة 1950-1952. في حين بقي معدل المواليد الخام في السنة نفسها على ما هو عليه في مناطق مزارع الشاي والمطاط والبالغ 41 بالالف([76]).كما ان الكثير من الامراض النفسية يمكن ان تمنع الانجاب. فقد تبين من دراسة اجراها علماء الاجتماع بالولايات المتحده ان 10% من حالات العقم ناجمة عن خوف المراة من الحمل([77]).
اما تاثير الغذاء في الخصوبة، فقد كثر حوله الجدل ، حيث يرى فريق من الباحثين بأن الغذاء الغني بالبروتينات قد يؤدي الى بعض حالات العقم. وفي هذا الاتجاه نشر دي كاسترو آراءه، في كتابه جغرافية الجوع، حول مصاحبة الخصوبة العالية للطبقات الفقيرة. فكثرة الرز في منطقة الشرق الأقصى كانت من عوامل زيادة اعداد السكان هناك. ولا تقتصر أهميته بوصفه غذاء يسمح لأكبر عدد من الناس بتجنب المجاعات ولكنه ايضا كونه غذاء قليل البروتينات، وربما يمد النساء بغذاء يساعدهن على الخصوبة. فضلا عن صلاحيته غذاء للأطفال الرضع( سائل او مطبوخ). لذا فان المراة الآسيوية تلد، في اغلب الاحيان، كل سنة، وهو امر نادر بالنسبة للمراة الافريقية([78]). ولكن من ناحية أخرى فان سوء التغذية قد يقلل من معدل الخصوبة و يمنع الانجاب ويساعد في انتشار بعض حالات الاجهاض([79]).
3.    التركيب النوعي والعمري:
تبدأ المقدرة على الانجاب عند مرحلة البلوغ، وتتطور وتنمو في سنوات المراهقة وتصل القمة عند النضج. وتنخفض تلك المقدرة ثم لا تلبث أن تنتهي في السنوات الاخيرة من متوسط العمر عند النساء. وتتأثر تلك المقدرة ولو جزئيا عند الذكور في ذلك السن او بعده. وتبلغ ذروة الانجاب عند المرأة بعد سن الثامنة عشرة - وربما بعد سن العشرين – وحتى بداية الثلاثينيات من عمرها، ثم تبدأ بالانخفاض التدريجي حتى تصل الى مدة انقطاع العادة الشهرية حوالي سن التاسعة والأربعين حداً أقصى([80]).
واشارت عدة دراسات الى جملة حقائق بشأن العادة الشهرية التي تعد الدليل على مدة البلوغ([81]):
‌أ-          كلما تحسن نوع الغذاء و ارتفع مستوى المعيشة كانت بداية العادة الشهرية مبكرة.
‌ب-       توجد بعض الأمراض التي تؤخر بدء العادة الشهرية.

 وتبعا لما تقدم تظهر العادة قبل سن 14 سنة في الولايات المتحدة وأوربا. في حين تظهر في الدول الافريقية بعد سن الـ 14 سنة، و بين السنيّن في الدول الآسيوية.
 ولتركيب السكان بحسب فئات السن و النوع اثر مباشر على المواليد والهجرة، اذ أن هجرة العمال من الريف الى المدينة يجعل مكان الريف من النساء والاطفال والشيوخ فيؤثر على معدلات الإنجاب. وحينما ترتفع معدلات الخصوبة، تزداد نسبة الأطفال وتنخفض نسبة كبار السن. ففي الفلبين مثلاً، ان حوالي 45% من السكان هم اقل من 15 سنة مقابل 22% في ألمانيا الشرقية سابقاً. وفي المكسيك 3.5% من السكان هم فوق سن الـ 64 سنة مقابل 12% في المملكة المتحدة. وفي الظروف الاعتيادية لا يتغير التركيب العمري والنوعي للسكان بدرجة كبيرة خلال مدة قصيرة.لذلك لا يلعب دوراً أساسياً في تغيير معدلات المواليد خلال خمس او عشر سنوات([82]).
4- الحالة الزواجية:
يعد الزواج من بين اهم العوامل الديموغرافية التكوينية في جميع المجتمعات، اذ عن طريقه يمكن احلال السكان لانفسهم عن طريق الانجاب الذي تؤثر الحالة الزواجية في نمطه و مستواه في المجتمع. فنسبة السكان المتزوجين، ومتوسط أعمارهم عند الزواج، ونسبة الطلاق والانفصال والترمل، تؤثر جميعا على تحديد عدد سنوات الانجاب التي تقضيها النساء خلال مدة الزواج وبالتالي على معدلات المواليد. ويتأثر الزواج ايضاً بتعدد الزوجات، واغتراب الرجال في أثناء مدة الهجرة. وهذا يعني ان ارتفاع نسبة الزواج وانخفاض معدل الطلاق وتناقص معدلات الوفيات التي ينتج عنها انخفاض  الترمل، تعمل جميعا على زيادة معدل الإنجاب. كما ان الانجاب ومستواه يؤثر في الزواج و نمطه واختلافاته ايضاً.
ومع ان القسم الأعظم من الولادات ينتج- كما يقول الفقهاء- عن الزواج، ولكن الزواج ليس هو العامل الوحيد في ذلك، ففي فرنسا بقي الزواج ثابتاً بينما هبطت الولادات منذ بداية القرن التاسع عشر، وفي اقطار اخرى منذ الربع الأخير من القرن العشرين. ومعنى ذلك أن عدد الولادات لا يعتمد فقط على عدد الزيجات  بل يعتمد ايضاً على عدد الاطفال في كل زواج، اي على درجة خصوبة النساء المتزوجات وعلى انتاجية الزواج([83]).
وتتأثر الحالة الزواجية وتركيبها في المجتمع بالعديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية. فمثلاً يؤثر السن عند الزواج ولاسيما للاناث، و نظام التعليم السائد في  المجتمع على نسب المتزوجين وتوزيعهم العمري. كما ان توفر فرص العمل وما ينتج عنها من استقلال مادي للمرأة، والنظرة السائدة حول مساهمة المرأة في العمل. وكذلك التطور بمفهومه الواسع تتمثل جميعها عوامل مؤثرة في الحالة الزواجية وتركيبها. وهنا لا بد من التنويه الى ان هذه العوامل تتداخل، في كثير من الأحيان، في أحداث هذا التأثير([84]).
واشارت أبحاث عديدة الى ان العمر عند الزواج الاول يفسر نسبة كبيره من تباين الخصوبة. اذ يؤدي التبكير بالزواج أو تاخيره الى اطالة أو تقصير مدة المعاشرة الزوجية. وبالتالي فان هذا العامل يؤثر تأثيراً كبيراً في تباين مستويات الخصوبة بين قطر وآخر. حيث تتوقف القدرة البيولوجية للمرأة على الإنجاب عند سن معينة ( 44 أو 49 سنة). ومعنى ذلك نظرياً أن المرأة التي تبدأ حياتها التناسلية في سن مبكرة يكون أمامها وقت طويل للإنجاب. أما اذا تزوجت في سن متأخرة، فان المدة التي تتعرض خلالها للحمل تكون أقصر.
وفضلا عما تقدم فان النساء اللواتي يتزوجن في وقت متأخر يكن أكثر استخداماً  لوسائل تحديد النسل ، ويكون لديهن عدد أقل من الأطفال كما هو الحال في امريكا اللاتينية و منطقة الكاريبي بالمقارنة مع افريقيا وشبه القارة الهندية حيث تدخل النساء الحياة الزوجية في وقت مبكر([85]).
وقد حدد بعض الباحثين مسؤولية تأخير سن الزواج في خفض الإنجاب بنسبة 34% خلال القرن الثامن عشر، وبنسبة 25% في السنوات الأخيرة.
اما اذا زادت نسبة المتزوجات في سن متأخرة ضمن جيل من الأجيال، أي عندما تقل العزوبية في هذا الجيل، فانها ستؤدي الى زيادة عدد المواليد([86]).
5.    الرضاعة الطبيعية وأنماط السلوك الزواجي:
تتخلل مدة الخصوبة انقطاعات في أثناء مدة الحمل والرضاعة، وتفرض معظم المجتمعات مدة امتناع جنسي تقرر معظمها فسيولوجية المرأة. فكل ولادة تسبب توقف الحمل لمدة تسعة أشهر. بينما تقلل الرضاعة الطبيعية من احتمال الحمل لمدة عشرة أشهر أو أكثر، ولكن هذا غير مضمون  مئة بالمئة. وكثيراً ما يتم الامتناع في اثناء العادة الشهرية، وخلال أجزاء من مدة الحمل وخصوصاً المدة الاخيره منها والمدة التي تلي الميلاد([87])، وكذلك يتم الامتناع في مدة الحداد. أما عدد مرات الممارسة الجنسية الزوجية فان الرجل في الغالب، وفي معظم المجتمعات، هو الذي يقررها نظراً لمكانته الاجتماعية العالية قياساً بالمرأة.
وهناك من يربط بين نشاط الممارسة الجنسية و الفصل المناخي ، اذ ان قدوم الربيع في بعض الدول يتفق مع زيادة النشاط الجنسي.على نقيض الشتاء، كما هو الحال في بعض دول غرب اوريا. كما ان إقبال الاسكيمو على الممارسة الجنسية تتفق عندهم مع فصل الصيف([88])، ان زيادة النشاط الجنسي أو عدمه تعد عوامل مقررة لرفع أو تحديد مستويات الخصوبة في أي مكان.

6.    الوفيات:
الوفيات من الظواهر الديموغرافية والجغرافية المهمة والمؤثرة في السكان، اذ يزداد السكان زيادة طبيعية بالمواليد، وينقصون نقصاً طبيعياً بالوفيات. والانجاب والوفيات عنصران متلازمان وان بعض من العوامل المقررة للإنجاب تؤثر كثيراً في مجال الوفيات، ومن مظاهر تأثير الوفيات على الإنجاب، ان الزوجين يعوضان الطفل المتوفى فيكون لديهما عدد اكبر من الأطفال عند توقعهما مثل هذه الخسائر. وذلك من أجل ضمان بقاء عدد معين، ولاسيما الذكور منهم([89]). وهذا يعني أن الخصوبة العالية كانت ردة فعل للوفيات العالية. وأظهرت دراسة في امريكا اللاتينية ان الزوجات والازواج الذين يعانون من وفيات الاطفال لاسيما الرضع منهم هم اقل ميلا من الآخرين إلى استعمال وسائل تحديد النسل. وتوصلت الى النتائج نفسها الدراسات التى أجرتها الأمم المتحدة حول الموضوع لـ 12 دولة في قارات العالم القديم([90]).
وبالمقابل فان انخفاض الوفيات في الدول الصناعية كانت عاملاً  مهما في خلق بيئة تساعد للانتقال للعائلة الصغيرة. حيث أصبحت المرأة تدرك ان بإمكانها إنجاب عدد أقل، مما سبق، من دون خوف لان معظم الأطفال صاروا يعيشون.
ومن الحقائق الجديرة بالذكر ان تكرار الحمل والإنجاب و بمعدلات  عالية يزيد من احتمالات الوفاة للام والوليد عند الولادة. بالإضافة الى ان وفاة المرأة في الأعمار الأولى أو الوسطية لمدة الإنجاب يعني ان المجتمع فقد عنصر إنجاب لا يمكن تعويضه في المستقبل القريب. وقد أشارت بعض الدراسات الى ان نسبة غير قليلة من وفيات الأجنة تؤدي الى إصابة الأم بالعقم الدائم. وان هذه الوفيات كانت ناتجة من أسباب طبيعية تتعلق بحالة الام ومستواها الاقتصادي والصحي و ظروف البيئة التي تعيشها. كما ان بعض الحالات اشارت الى ان انخفاض الانجاب في بعض المجتمعات يعود الى انتشار الأمراض الخاصة بالجهاز التناسلي وما قد ينتج عنه من ارتفاع نسبة وفيات الأجنة أو ولاداتهم بشكل غير مكتمل واحتمال وفاتهم في السنين الأولى من الحياة([91]). وتدل الدراسات التي أجريت في المجتمعات الغربية أنه بين كل 100 حمل يموت جنينان مع عشر حالات إجهاض طبيعي( موت الجنين في بطن أمه) فيكون الباقي 88 يولدون احياء، وتزداد حوادث الحمل مع ازدياد العمر([92]). وان انخفاض تأثير هذه العوامل يعني انخفاض نسبة وفيات الأجنة وبالتالي ارتفاع مستوى الخصوبة.

ثانياً: العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية:
يعتمد الارتباط بين الخصوبة والعوامل الاقتصادية / الاجتماعية  على نظرية الانتقال أو التحول الديموغرافي التي ذاع صيتها بعد الحرب العالمية الثانية. وتقوم هذه النظرية على أساس العلاقة بين المواليد والوفيات(·) مفسرة الارتفاع الملموس في مستوى الخصوبة في المجتمعات ما قبل الصناعة بما كان يسود فيها من مستويات حضارية متدنية. وكلما اتجهت هذه المجتمعات نحو التصنيع وما يرتبط به من تنمية اقتصادية وتغير اجتماعي فإنها تتجه نحو انخفاض الخصوبة بدرجة قليلة في بادئ الأمر ثم بدرجة أكبر بعد ذلك، حتى تثبت عند مستوى منخفض بوصول المجتمع الى مرحلة متقدمة من التطور الاقتصادي والاجتماعي([93]).
ويمكن اجمال مجموعة العوامل الااقتصادية والاجتماعية والبيئية المقررة للخصوبة على النحو الآتي:
1.    التصنيع و التطور الاقتصادي:
يضم التصنيع بمعناه الواسع، العديد من العوامل الاقتصادية  والاجتماعية التي أدت إلى تقليص تأثير القوى التقليدية، وعملت على ضعف روابط الأسرة، وأثرت في تباين مستويات الخصوبة. ويكاد يتفق معظم الباحثين بأن التصنيع والتطور الاقتصادي يؤدي في النهاية الى تدني الخصوبة. وأثبتت معظم الأبحاث وجود علاقة عكسية بين مستوى الخصوبة ودرجة التصنيع في بلدان العالم المعاصر. فقد كان التصنيع في الدول الغربية المتقدمة مصحوباً بسلسلة من التغيرات الديموغرافية التي أدت الى تخفيض الخصوبة. ويتمثل ذلك بما قامت به التطورات العلمية والتكنولوجية من دور بارز في تخفيض الوفيات التي كانت في الأغلب شرطاً مسبقاً للانخفاض في الخصوبة وحلقة الوصل الأولى في سلسلة الحوادث الديموغرافية التي تتضمنها نظرية الانتقال الديموغرافي.
وترتفع معدلات الخصوبة، مع البلدان التي فيها التي مازلت في بداية مرحلة التصنيع([94]). و بالمقابل قد لا يرتفع فيها معدل نمو السكان كثيراً بسبب ارتفاع معدل المواليد الأموات، ومعدل  الوفيات الرضع، ومعدل الوفيات الخام([95]). والبلدان التي تعيش ضمن هذه المرحلة يرتبط سكانها بالصناعات الأولية وبخاصة  الزراعة والتعدين. في حين رافقت الخصوبة المنخفضة أصحاب المهن الفنية والعلمية وأصحاب الياقات البيض وعمال الصناعة في المدن([96]).
كما ان للعمل الذي تمارسه المرأة دوراً بارزاً ومؤثراً في مستوى الخصوبة. وتم إثبات العلاقة العكسية بين الإنجاب وعمل المرأة في كثير من الدراسات التي أجريت في عدد من البلدان ذات المستويات الحضارية المتباينة، ومنها الولايات المتحدة و مصر ، اذ يقل مستوى الإنجاب مع دخول المرأة ميدان العمل وارتفاع السلّم المهني ([97]). وتتفق هذه العلاقة مع نتائج مسح الخصوبة العالمي في الدول المتقدمة والنامية معاً.الا انها تجلت في الأقطار المتقدمة صناعياً بصورة أوضح من الأقطار النامية، وفي المناطق الحضرية كانت أقوى من المناطق الريفية([98]).
وقد أبرزت الدراسات الديموغرافية في اوربا والولايات المتحدة أهمية الوضع الاقتصادي والاجتماعي بوصفه عاملا يحكم الفوارق بين تفضيلات حجم الأسرة. كما يؤثر في مدى فاعلية استخدام وسائل منع الحمل. وتأيد ذلك في دراسة Kasarda  الذي توصل الى أن البلدان التي تتميز بمستوى  جيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي وضعت لها ايضاً برامج واسعة لتنظيم الأسرة ، تتسم  في المتوسط بانخفاض في الخصوبة أكبر من الانخفاض لدى البلدان التي تمتلك واحداً فقط من هذه العوامل، حيث بلغت نسبة الانخفاض بين 20-30%. أما البلدان التي لا يتوفر لديها أي من هذين العاملين المؤشرين، فان متوسط انخفاض الخصوبة عندها أقل ( بلغ حوالي 5 % )([99]).
وتأيد ذلك أيضاً في دراسة أخرى أجريت في ثمانية أقطار عربية  ظهر فيها تباين استعمال النساء المتزوجات لوسائل تحديد النسل. فبينما بلغ الحد الأعلى للاستعمال المذكور في تونس 31% نجده قد انحدر إلى 1% فقط في اليمن وموريتانيا. في حين بلغ 5% في السودان، وتراوح الاستعمال ما بين الحدين الأعلى والأدنى فيما تبقى من أقطار هذه المجموعة ( مصر والمغرب وسوريا والأردن)([100]). ويعود سبب هذا التباين إلى اختلاف هذه الأقطار في درجات التنمية والتحديث. فهناك اختلافات فيما بينها في مستوى التحضر والتصنيع والوضع المعاشي وانتشار التعليم، وبخاصة بين الإناث، وفي مدى توفير الخدمات الترفيهية و الصحة والاسكان ، وقد انعكس ذلك كله على تباين مستويات الخصوبة بين الأقطار العربية المذكورة.
2.    الإقامة الريفية- الحضرية:
تتميز مناطق الأرياف في العالم بكبر حجم العائلة فيها، ويتراوح معدل المواليد الخام في تلك المناطق بين 35-50 بالألف. ولكن المعدل الواقعي، في مجتمع زراعي معين يتباين وفقاً لحقائق كثيرة منها تركيب السكان النوعي والعمري و  الظروف الصحية والاقتصادية والأوبئة والحروب والمجاعات والرخاء، ثم العوامل الثقافية والاجتماعية . كما أن معدل الوفيات في مثل تلك المناطق عال جداً ايضاً، ولكن في الظروف الاعتيادية يكون أقل من معدل المواليد، وكان يتراوح من 30-40 بالألف. وتذبذب معدلات الوفيات بدرجة كبيرة يعني ضعف السيطرة على البيئة([101]). وقد غيرت الثورة الصناعية الصورة العامة تماماً، فقد اختفت ذروات معدلات الوفيات في المجتمعات المتقدمة، فانعكس ذلك على انخفاض معدلات وفيات الأطفال والبالغين([102]).
وعموماً يرتبط كبر حجم العائلة في المناطق الريفية بضرورات اقتصادية واجتماعية. فكثرة عدد أفراد الأسرة يوفر اليد العاملة للقيام بأعباء الزراعة ومتطلباتها. والى جانب ذلك ظلت تسيطر على عقلية أهل الريف فكرة موروثة تشجع على زيادة أعداد الأسرة توفيراً لمتطلبات الحماية والأمن عندما كانت العوائل الزراعية تعيش في شبه عزلة([103]).
ويرتبط زيادة معدل الإنجاب في الريف بعدة عوامل أهمها الزواج المبكر الذي يطيل في عمر الحياة الزوجية، وانخفاض المستوى الاقتصادي، وتدني مستوى التعليم، والعوامل الاجتماعية المرتبطة بحياة الفرد وطرق معيشته.اذ  تسعى الزوجة في المجتمع الزراعي الى إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال كي تضمن الابقاء على زوجها، كما ان تعدد الزوجات في الريف يتبعه كثرة الإنجاب.
ومما يجدر ذكره أن الخصوبة لا تكون على درجة واحدة داخل المنطقة الريفية، وإنما تتباين بين المجتمع الزراعي التقليدي، والذي يقوم على أساس الملكيات الصغيرة، وسد حاجات الاستهلاك المحلي، والاعتماد على اليد العاملة  كما في العراق ومصر والهند، والمجتمع الزراعي المتطور الذي يعتمد على الزراعة الواسعة وأساسها المكننة الزراعية، ويكون الإنتاج فيها لغرض التصدير كما في المزارع الأمريكية والاسترالية ([104]).
والخصوبة الريفية، عموماً، كانت أعلى من الخصوبة الحضرية في الأقاليم المتقدمة خلال مدة انتقالها إلى الخصوبة المنخفضة. وفي المدة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية انخفض تفاوت الخصوبة الريفية- الحضرية في كثير من أقاليمها عدا الاتحاد السوفيتي السابق وبعض أقطار اوربا الشرقية التي ازداد فيها التفاوت المذكور، بسبب الانخفاض السريع في الخصوبة الحضرية([105]).ويعود هذا الانخفاض إلى التغير الاقتصادي والاجتماعي فيها لا إلى محل الإقامة بحد ذاته. ولقد تبنى بعض الباحثين الفكرة التي تقول ان " العقلية الحضرية" وليس مجرد السكن في المدن، هي المسؤولة عن انخفاض الخصوبة. وبالمقابل يوجد تفاوت واسع في الخصوبة الريفية الحضرية في مجموعة الدول النامية.
فالإنجاب يزداد بانتقال الفرد من مركز المدينة إلى أطرافها، وتعد الضواحي وسطا بينهما، إذ أن الطفل في المدينة يعد عنصراً استهلاكياً ويشكل عبئاً أكبر ثقلاً لأنه بحاجة الى رعاية أكثر. فضلا عن تكاليف المعيشة المرتفعة. بينما يعد الطفل في الريف عنصرا انتاجياً ويساهم في مساعدة الأسرة، اذ ينتشر مبدأ تشغيل الأطفال في الزراعة.
وبتأثير هذه العوامل تصبح حياة المدينة أقل ملائمة لنمو الأسرة الكبيرة بمقارنتها بحياة الريف.
ويضيف بعض الباحثين عاملاً آخر يزيد من الإنجاب في الريف قياساً بالمدينة، يتمثل بعدم توفر الكهرباء وأماكن للتسلية في المناطق الريفية. مما يجعل الأزواج يقيمون تحت سقف المنزل مدة أطول مما لو توفرت لهم أماكن مفتوحة لقضاء جزء من الليل فيها([106]).
3-       التعليم:
 يؤثر التعليم  تأثيراً كبيراً في رفع المستوى الحضاري للفرد وتباينه من مكان لآخر.مما يعني ان سني الدراسة التي يقضيها المواطن تعد أحد الركائز الأساسية في تطوير وتنفيذ خطط التنمية القومية. ويرتبط حجم الأسرة الى حد ما بعدد سنوات التعليم التي مر بها الأبوان. فقد أثبتت الدراسات أن هناك علاقة عكسية بين سنوات الدراسة وعدد الأطفال الذين تنجبهم الأسرة. فكلما قضى الأب والأم سنوات أكثر في مقاعد الدراسة وارتفع مستوى تحصيلهم العلمي، قلت رغبتهم في انجاب عدد كبير من الأطفال.
اذ يساعد التعليم على ترشيد السلوك نحو الإنجاب بشكل يتفق وحاجات الفرد وقدراته وبما يتناسب ووقت الأبوين ومواردهما، من خلال تأثيره في العوامل الأخرى، اذ يزيد من مستوى الثقافة والوعي، ويحفز الفرد للاطلاع والتعرف على الحياة بتفصيلاتها المختلفة. وبالتالي يدفع الأبوين الى مقارنة مستمرة بين مواردهم وحاجات أبنائهم . كما يسهم التعليم في تغيير الظروف المحيطة بالقرارات التي يتخذها الفرد إزاء الإنجاب، اذ يساعد المرأة على تعميق معرفتها واستخدامها لوسائل منع الحمل، ويشجعها على تأخير سن الزواج، ويدفعها للمشاركة في العمل. مما يؤدي في النهاية الى انخفاض مستويات الإنجاب، اذ تتعارض طبيعة العمل مع المرونة التي تستلزمها رعاية الأطفال وظروف الحمل والأمومة. كما ان وعي الإناث الذي يتمخض عن التعليم وما يحدثه من تغيير في نمط تفكيرهن يدفعهن إلى عدم إعطاء دور مميز للإنجاب، ومن ثم العمل على تحديده. فقد " أثر التعليم في تخفيض الإنجاب في 29 دولة نامية عن طريق تشجيع استعمال موانع الحمل أكثر من أي وسيلة أخرى "([107]).
وهناك العديد من الأبحاث التي تناولت دراسة العلاقة بين الإنجاب والتعليم. وقد أشارت النتائج التي توصلت اليها إلى ارتباط الظاهرتين بعلاقة عكسية( سالبة)، اذ يقل معدل الإنجاب عند ارتفاع مستوى التعليم، على الرغم من وجود استثناءات لهذه القاعدة([108]). ومن تلك الأبحاث دراسةHeer & Boynton ([109]). وسهاونة([110])Janowitz ([111]). عن الولايات المتحدة، ودراسة Schultz([112]) ونامق([113]) عن مصر،  ودراسة زريق ([114]) عن لبنان، وقنديس([115]) والأسد وخليفة ([116]) عن الأردن، ودراسة Cain & Weininger عن تايوان وبورتوريكو واليونان([117]). ودراسة علي والمشهداني عن العراق([118]).
كما أكدت دراسات أخرى العلاقة السالبة بين التعليم والإنجاب في كل من اوربا الشرقية والجنوبية وامريكا الشمالية وثمانية أقطار نامية([119]).
وكذلك في أمريكا اللاتينية والوطن العربي، فضلا عن قارة آسيا  التي ينخفض فيها تأثير التعليم في الخصوبة مقارنة بالإقليمين الآخرين([120]).
وسادت العلاقة العكسية المذكورة في الولايات المتحدة واوربا منذ  أواخر القرن التاسع عشر، برغم ان هذه العلاقة أخذت تتلاشى باستمرار في الدول ذات الخصوبة المنخفضة، إذ ان الزيادة المستمرة في مستوى تعليم المرأة هو عامل مهم في تغيير وجهة نظرها بالنسبة لدورها بوصفها ربة بيت ومنجبة للأطفال. ويؤكد الكتّاب السوفيت ان سهولة حصول المراة على التعليم وميادين المعرفة الأخرى تعد  من أهم العوامل الاجتماعية التي ادت إلى تخفيض الخصوبة في الاتحاد السوفيتي السابق ([121]).
كما تتأكد العلاقة العكسية بين التعليم والخصوبة في أقطار تختلف كثيراً في مراحل تطورها. ففي الولايات المتحدة بلغ عدد الأطفال لكل أنثى يتراوح عمرها ما بين 45-54 عاماً، ما بين 1.9 في حالة النساء اللواتي قضين ما لا يقل عن أربعة أعوام في الجامعة، وبين 3.1 في حالة اللواتي يتمتعن بدراسة اعتيادية تستمر سبعة أو ثمانية أعوام و 4.8 للواتي لم يدخلن المدارس مطلقاً([122]).  وفي مصر تنجب المرأة الأمية خلال 30 سنة زواجية نحو ثمانية أطفال، بينما المرأة المتعلمة لا تنجب اكثر من اربعة([123]).
ودلت المعلومات المستقاة من دراسة أجريت في الأردن، وتنطبق على كثير من الدول النامية ومنها العراق ودول غيرها، على ان تعليم احد الأبوين يؤدي الى انخفاض في حجم العائلة.  
ولكن هذه المعلومات تدل أيضاً على أن تعليم الام يؤدي الى انخفاض أكبر في حجم العائلة، وان هذا الانخفاض يستمر مع التحصيل الدراسي([124]). كذلك فإن أثر تعليم الزوجة في تحديد حجم العائلة يبلغ حده الأقصى في المستويات الدنيا من تعليم  الزوج، وبالتالي فان الأدلة تشير الى ان اثر التعليم في الخصوبة مرتبط الى حد بعيد بمستوى الزوجة المتعلمة([125]).
أما استثناءات العلاقة العكسية بين التعليم و الخصوبة فتتمثل بما أشارت إليه بعض الدراسات – كما تقول كوشرين- عن وجود علاقة طردية وليس عكسية بين التعليم والخصوبة، وحتى في الحالات التي تكون فيها هذه العلاقة عكسية لا تكون للعلاقة دائماً دلالة احصائية ، خاصة اذا ما اخذ أثر المتغيرات الأخرى بالحسبان([126]). وتوصل بعض الباحثين الى نتائج فيها شيء من التناقض حول العلاقة المنوح عنها. وقد أشارت " قنديس" الى دراسات عن هذا التناقض أجريت في أمريكا اللاتينية سنة 1965، وأخرى في الولايات المتحدة سنة 1971. وذكرت أن معظم البيانات المتوفرة  تكشف في الأقل في بلدان هي في بدء تحولها الديموغرافي، عن وجود علاقة عكسية بين مستوى التعليم وحجم الأسرة([127]).
4-      الحراك الطبقي:
يرتبط تعبير (الحراك الطبقي) باسم دومنت Dumont، وهو من كتّاب النصف الثاني من القرن التاسع عشر والقائل ان تقلص حجم الأسرة يؤدي الى زيادة الحركة بين الطبقات، تتبعها تطور وجهات نظر جديدة نحو هذا التحرك([128]). ومن بينها أن الأطفال لم يعودوا، بعد سن قوانين منع تشغيلهم والتعليم الإلزامي، مصدر رزق لذويهم بل بالعكس فهم بحاجة إلى نفقات إضافية من أجل التعليم والخدمات المختلفة على الرغم من تحمل بعض الحكومات جزءاً من تلك النفقات ، وبذا أصبحت تربية الأطفال تكلف الكثير من الوقت والجهد و المال والذي كان من الممكن ان تستعمل للارتقاء الطبقي، مما صار حافزاً لإنجاب عدد أقل من الأطفال. وثمة دليل آخر يعزز العلاقة بين التخلف الاقتصادي وبين ارتفاع الخصوبة، وهو نمط العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والخصوبة. ففي السنوات الأخيرة كانت الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض، في معظم الدول، تتميز بمعدل خصوبة أكثر بكثير من نظيره عند الطبقات ذات الدخل المرتفع. وقد أثبت ذلك احصائياً  في العديد من دول العالم. وأكدها ايضاً الكاتب الانكليزي " مارشال" بقوله: "تهبط نسبة المواليد عادة بين الميسورين من الناس وتزداد شيئاً فشيئاً بانخفاض مستوى المعيشة الفردي "([129]).
ويؤيد "سدني هـ" . كونتز" ما ذهب اليه "مارشال"حينما قال: "ان جميع المجتمعات يزداد عدد السكان بين الطبقات التي تشكو نقصاً في الغذاء أي بين أفقر الطبقات، ويتناقص عدد السكان بصفة مستمرة بين الأثرياء الذين يعيشون عيشة ترف ويملكون كميات وفيرة من الطعام"([130]). وهو عكس ما يعتقده " سبنسر" الذي يرى أن الرخاء يؤدي إلى تزايد السكان([131]).
5-      عوامل أخرى :
ويمكن تقسيمها على النحو الآتي:
                   ‌أ-          الدين :
ثبت تأثير الفروق الدينية في تباين مستويات الخصوبة بأدلة تجريبية في عدد من البلدان (لبنان ومصر والأردن والهند وافريقيا الاستوائية وماليزيا والبانيا ويوغسلافيا السابقة). فقد وجد جميع الباحثين ان نسبة الخصوبة عند المسلمين هي أعلى بكثير مما هي عند غير المسلمين([132]). وأظهرت إحدى الدراسات زيادة خصوبة العرب المسلمين في فلسطين المحتلة بمقدار 2.2 مرة على خصوبة اليهود سنة 1961([133]).والمعروف ان الإسلام قد شجع الإنجاب وأعطاه عناية خاصة في تشريعاته. وأشار القرآن الكريم الى أهمية البنين في حياة الإنسان والمجتمع كما ورد في الآية الكريمة " المال والبنون زينة الحياة الدنيا".
كما برهنت كثير من الدراسات أن نسبة الخصوبة عند الكاثوليك، في اوربا وكندا والولايات المتحدة و جنوب افريقيا واستراليا ونيوزلندا، هي أعلى مما هي عند غير الكاثوليك (اليهود، البروتستانت) علماً بأن الخصوبة عند اليهود هي الأقل في هذه الفئات الثلاث، مع وجود بعض الاستثناءات([134]).
                 ‌ب-        الحروب و الأزمات الاقتصادية :
لاحظ بعض الباحثين تأثير الخصوبة بالحروب والأزمات الاقتصادية والقلق السياسي، بل ان مجرد الخوف من احتمال قيام الحرب يؤثر في الخصوبة([135]). كما حصل في الولايات المتحدة في أثناء أزمة الكساد العالمي في الثلاثينيات، ولوحظ أنه بعد انتهاء الأزمة أقبل السكان ثانية على الزواج والإنجاب. وكذلك في مصر في أثناء الحروب العربية الإسرائيلية ( 1948-1973)، وأوربا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، واليابان والدول التي اشتركت في حروب طويلة مثل فيتنام و كوريا([136]).
                  ‌ج-        سياسة الدولة:
تؤدي السياسة السكانية للدولة في بعض الأحيان دوراً مؤثراً في تباين مستويات الخصوبة سواء في مجال تشجيع الإنجاب او تحديده. ويدخل ضمن ذلك فيما تصدره من تشريعات تتعلق بالمكافآت المادية، ومنع استعمال وسائل منع الحمل والإجهاض المقصود اذا كانت تشجع الإنجاب. وتكون تشريعاتها على عكس ذلك اذا اتجهت نحو تحديد حجم الأسرة.
وفي ختام هذه العوامل لا بد من الإشارة الى بعض الدراسات التي أجريت على مجاميع من تلك المتغيرات  لمعرفة نسبة مساهمتها، بصورة مجتمعة على تباين مستويات الخصوبة ومن بينها دراسة( بونغارتس) الذي شملت دراسته 41 قطراً، وظهر منها ان 96% من التباين في الخصوبة أمكن تفسيره بأربع متغيرات هي: نسبة النساء المتزوجات، واستخدام وسائل وفعالية تحديد النسل، ومعدل انتشار الاجهاض المقصود، والعقم التالي للولادة ذو الارتباط الرئيس بالرضاعة([137]).
وأظهرت دراسة أخرى اجريت سنة 1973 لـ 64 دولة مختارة ان 80% من تباينات الخصوبة أمكن تفسيرها بالعوامل الأربعة الآتية:
متوسط الدخل الفردي، والناتج القومي الإجمالي، توقع الحياة عند الميلاد (وهو مقياس لمستوى الوفاة)، وتوزيع الصحف(وهو مقياس لبيان تأثير التعليم)([138]). في حين أمكن تفسير التأثير المشترك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ولبرامج تنظيم الأسرة بنحو 84 % من التباين الكلي في انخفاض الخصوبة([139]).
وبينت دراسة الباحث لتحليل الانحدار لستة متغيرات توفرت عنها البيانات ان خمساً منها ساهمت في تفسير نحو 75% من التباين في مستوى الخصوبة في العراق. وهذه المتغيرات هي: نسبة الإناث المتزوجات، ونسبة الاناث الأميات، ونسبة الاناث الحاصلات على شهادة المتوسطة او الثانوية،  نسبة الإناث العاملات، ومعدل وفيات الأطفال الرضع([140]).



([1])Gary Fuller, "On the Spatial Diffusion of Fertility Decline," Economic Geography, Vol. 50, No.4,1974, PP.324-332.
(([2]  عباس فاضل السعدي، "الانجاب في العراق: دراسة في الانتشار المكاني"، مرجع سابق، ص 272.
[3])) نورما ماك آرثر، مدخل في الإحصاءات السكانية، تعريب  عبد الحليم محمد سعيد القيسي، الجمهورية العراقية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مطابع مديرية دار الكتب، جامعة الموصل، 1981 ص 85.
([4]) A.H. Pollard et al, Demographic Techniques, Pergamon Press, Rushcutters Bay, Australia, 1974, P .72.
[5]) ) عباس فاضل السعدي، دراسات في جغرافية السكان، مرجع سابق، ص 124.
[6])) إبراهيم مدكور(تصدير ومراجعة)، معجم العلوم الاجتماعية، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1975، ص 25.
([7])Walter D .Glanze, Managing editor, Mosby's Medical and Nursing Dictionary, The C. V. Mosby Co., 2nd edition, Princeton, 1986, P.441.
[8])) عاطف  محمد خليفة، التحليل الديموغرافي للإنجاب والإحلال، معهد الدراسات والبحوث الإحصائية بجامعة القاهرة، القاهرة، مايو 1973، الفصل السابع، ص1-2.
([9])Stanley G. Clayton, T.L. T. Lewis and G.D. Pinker, editors Obstetries by Ten Teachers, Butler and Tanner; Ltd., 14th edition, London, 1986, PP, 262-266.
(([10]  عبد المجيد فراج، الأسس الاحصائية للدراسات السكانية، مرجع سابق، ص400.
([11] ) هدى زريق، " نظرة حول تطور دراسات الخصوبة"،  النشرة السكانية، (تصدرها الاسكوا)، العدد 31، كانون أول 1987، ص 65.
([12])K. Davis and J.Blake, "Social Structure and Fertility, in analytic framework". Economic Development and Cultural change. Chicago, 1956, No .4:211-235
([13])J.Bongaarts and R. Potter, Fertility, Biology and Behavior: An Analysis of the Proximate Determinants, New York Academic Press, 1983,PP.44-47.
([14] ) هدى زريق، مرجع سابق، ص66-67.
([15])يونس حمادي علي، السلوك الإنجابي للمرأة في إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع اشارة خاصة الى بعض الأقطار العربية، جامعة بغداد، 1988، ص 4-5 (غير منشور).
([16])U.N.,Demographic Yearbook 1995, New York 1997, Table(3(PP.132-137.
([17])The World Bank, Population Policies and Economic Development, Johns Hopking University Press, Baltimore and London, 1974, Annex Table(3), P.171.
([18])Ibid, PP, 12-13.
[19])) يونس حمادي علي، مصدر سابق، ص6-7.
[20])) فيما يخص تحليل هذا الموضوع راجع بيانات: U.N., World Population Prospects 1988 (1989), Tables 6 &12.
([21]) UNDP, Human Development Report 1996, Table (47).
([22]) J.C. Caldwell & P. Caldwell, "Fertility Transition with Special Reference to the ECWA Region", In Population and Development in the Middle East, Beirut: United Nations ECWA, 1982, P. 102.
([23]) سهير عبدالهادي، "اعتبارات نظرية حول محددات الخصوبة"، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، بيروت، العدد 24، حزيران 1984، ص 7.
[24])) الجمهورية العراقية، وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للاحصاء، مديرية الاحصاء السكاني: دراسة رقم 425، مستوى الخصوبة في العراق، اعداد عباس ابراهيم محمد، بغداد، 1986، ص13.
(([25] روبرت لوني، "المنظورات الديموغرافية للتنمية في المملكة العربية السعودية"، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، بيروت، العدد 26، حزيران 1985، ص 129.
([26]) U.N., Demographic Yearbook 1994, OP Cit., Table (4).
[27])) فوزي سهاونة، مبادئ الديموغرافيا، مرجع سابق، ص81.
[28])) المرجع نفسه، ص82.
[29])) هدى زريق، مرجع سابق، ص64.
([30]) يونس حمادي علي، مبادئ علم الديمغرافية، مرجع سابق، ص114.
*)) سبقت الإشارة الى أن الصين اصبحت ضمن المجموعة الاولى خلال المدة 1990-1995.
([31]) U.N., World Population Prospects 1988 (1989), PP. 45-46.
([32]) يونس حمادي علي، مبادئ علم الديمغرافية، مرجع سابق، ص115.
[33])) المرجع نفسه، ص116.
([34]) حسب بالاعتماد على: U.N., World Population Prospects 1988 (1989), Table: 6.
[35])) يونس حمادي علي، مبادئ علم الديمغرافية، مرجع سابق، ص116.
([36]) A. Carr Saunders, World Population, Oxford University Press, Fair Lawn, N.J., 1936.
([37]) Warren S. Thompson and P.K. Whelpton, Population Trends in the United States of America, 1933.
([38])يونس حمادي علي، مبادئ علم الديمغرافية، مرجع سابق، ص120.
([39]) U. N., Department of Economic and Social Affairs, Population Studies No. 59. Levels and Trends of Fertility throughout  the world, 1950-1970, New York, 1977, P. 13.
[40])) فوزي سهاونة، مرجع سابق،ص 76-77.
[41])) المرجع نفسه، ص78.
([42])المرجع نفسه، ص 78-79.
([43])U.N., World Population Prospects: Estimates and Project as Assessed in 1982, United Nations Publications (1985), Sales No. E 83, XIII, 5.
[44])) يونس حمادي علي، السلوك الانجابي، مرجع سابق، ص10.
([45]) Samir Farid, "Trends and Projections of Fertility in the Arab World", in Arab Conference on Population Policies, Tunisia: 9-13 March 1987, Arab Demographers Associations and League of Arab States, Population Research Unit.
([46]) اميليا ديل هورن، م. نبيل الخرازاتي، "مؤشرات الانجاب في العالم العربي"، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، العدد 31، كانون أول 1987، ص119.
[47])) هدى زريق، مرجع سابق، ص64.
([48])U. N., Department of International Economic and Social Affairs, Population Studies No. 100. Fertility  Behaviour in the Context of Development, Evidence from the world, Fertility Survey, New York, 1987, Chapter I, PP. 19-38.
([49]) عباس فاضل السعدي، "مقاييس الخصوبة وتباينها الاقليمي في العراق"، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد3، المجلد 17، خريف 1989، ص 269، 279.
([50])Economic and Social Commission for western Asia, "Demographic and Related Soci- Economic Data Sheets", United Nations ESCWA No. 5, 1987, P. 64.
([51])U.N., World Population Prospects 1988 (1989), PP. 410-411, UNDP, Human Development Report 1996, Table (21).
[52])) عباس فاضل السعدي، دراسات في جغرافية السكان، مرجع سابق، ص125.
[53])) عبد الحسين زيني، الاحصاء الديموغرافي، مرجع سابق، ص 75-76.
[54])) المرجع نفسه، ص 75-76.
([55]) احمد علي اسماعيل، مرجع سابق، ص 22.
[56])) دنيس رونج، مرجع سابق، ص 74-75.
(([57] لين ت. سميث، اساسيات علم السكان، ترجمة محمد السيد غلاب وفؤاد اسكندر، المكتب المصري الحديث، الاسكندرية، 1971، ص337.
([58]) U.N., Manual II, Op. Cit., PP. 21-22.
([59]) U.N., Demographic yearbook 1995, Table I,4, PP. 129, 144.
[60])) عباس فاضل السعدي، مقاييس الخصوبة، مرجع سابق، ص 273.
[61])) دنيس رونج، مرجع سابق، ص74-75.
[62])) أحمد علي اسماعيل، مرجع سابق، ص22.
[63])) وارين س. تومسون، دافيد ت. لويس، مشكلات السكان، ترجمة راشد البراوي، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1968، ص 368.
[64])) الجمهورية العراقية، وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للاحصاء/ دائرة الاحصاءات والدراسات السكانية، بعض المؤشرات الديموغرافية لسكان العراق: من نتائج مسح الظواهر الحيوية لسنة 1980، اعداد فيحاء هاشم الالوسي، شباط 1985، جدول رقم (9).
([65]) U.N., Department of International Economic and Social Affairs, Statistical Office, Demographic Yearbook 1985, New York, 1987, P. 197. 
[66])) عباس فاضل السعدي، مقاييس الخصوبة، مرجع سابق، ص 276.
([67]) U.N., World Pop. Prospects 1988 (1989), Tables: 6 & 12.
([68]) U.N., "Long Range Global Population Projections, as Assessed in 1980". Population Bulletin of the United Nations, No. 14, 1982, P.20.
[69])) فتحي محمد ابو عيانة، جغرافية السكان، مرجع سابق، ص 151-152.
[70])) وزارة التخطيط، نتائج مسح الظواهر الحياتية في العراق لسنة 1974-1975، مرجع سابق، جدول 15-16.
([71])U.N., World Pop. Prospects 1988 (1989), PP. 200-204, 410.
[72])) محمد السيد غلاب، محمد صبحي عبدالحكيم، السكان ديموغرافيا وجغرافيا، مرجع سابق، ص38.
[73])) فوزي سهاونة، مرجع سابق، ص89-92.
[74])) بييار جورج، السكان والاستطانة، ط1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1979، ص30.
[75])) المرجع نفسه، ص30.
([76]) يسرى الجوهري، جغرافية السكان، ط3، منشأة المعارف، سلسلة الكتب الجغرافية (رقم 34)، الاسكندرية، 1976، ص 142-143.
[77])) المرجع نفسه، ص 148.
[78])) المرجع نفسه، ص 141-142.
([79]) Stanley G. Clayton, OP. Cit., PP. 262-266.
[80])) فوزي سهاونة، مرجع سابق، ص 90.
[81])) المرجع نفسه، ص90.
([82]) The World Bank, 1974, OP. Cit., PP. 15-16.
[83])) بيبر فرمون، السكان والاقتصاد، تعريب منصور الراوي، وعبد الجليل الطاهر، ط1، مطبعة النجوم، بغداد، 1968، ص87.
([84]) الجهاز المركزي للاحصاء، مستوى الخصوبة: دراسة رقم 425، مرجع سابق، ص22.
([85]) U.N., Fertility Behaviour (1987), OP. Cit., P. 96.
[86])) منى خليفة، "نمط الزواج في السودان وعلاقته بالخصوبة"، النشرة السكانية، (تصدرها منظمة الاسكوا)، العدد28، حزيران، 1986، ص45.
[87])) نورما ماك آرثر، مرجع سابق، ص85.
[88])) يسرى الجوهري، مرجع سابق، 140.
([89]) U.N., Factors Affecting Use and non use of Contraception: Findings from a Contraception Analysis of Selected KAP Surveys, 1979, PP. 54-55.
([90]) يونس حمادي علي، السلوك الانجابي، مرجع سابق، ص37.
[91])) الجهاز المركزي للإحصاء، مستوى الخصوبة، دراسة رقم 425، مرجع سابق، ص8-9.
[92])) فوزي سهاونة، مرجع سابق، ص91.
·)) تقوم المرحلة الأولى من نظرية الانتقال الديموغرافي على أساس توازن حجم السكان الناجم عن ارتفاع معدلي الخصوبة والوفيات.  وفي المرحلة الثانية تبقى الخصوبة مرتفعة، تحت تأثير المؤسسات والأعراف الاجتماعية الموروثة، ولكن الوفيات تنخفض بسرعة. في حين تنخفض الخصوبة تدريجيا، في المرحلة الثالثة، باتجاه التوازن مع المعدل الجديد  للوفيات. ولا يحدث الانخفاض المذكور الا بعد ان يخف تأثير المؤسسات المنوه عنها وتحل محلها مؤسسات جديدة تتقبل الخفض في معدلات الخصوبة. (سهير عبدالهادي، ص52-53و The World Bank, 1974, P.45 ).
[93])) فتحي محمد أبو عيانة، مرجع سابق، ص202.
[94])) سهير عبدالهادي، مرجع سابق، ص 53، وحامد أبو جمرة، "الخصوبة ووفيات الأطفال حسب المستوى التعليمي للأمهات والآباء في القاهرة، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، بيروت، العدد19، كانون الأول 1980، ص83.
([95]) Clayton & Pinker, PP. 262-266.
([96]) U.N., The Determinants, Vol. I, 1973, OP. Cit., P. 100.
[97])) هناء محسن العكيلي، وعامر عباس حسين، عوامل اجتماعية اقتصادية ونفسية مؤثرة في إنجاب او خصوبة المرأة العراقية، الاتحاد العام لنساء العراق: ندوة الإنجاب للفترة من 10-12 تشرين الثاني 1987، ص45.
([98])U.N., Fertility Behaviour, OP. Cit., P. 255.
([99]) J.  D. Kasarda, "Economic Structure and Fertility: A Comparative Analysis", Demography, Vol. 8, No.3, 1971, PP. 313-315.
([100]) يونس حمادي علي، السلوك الإنجابي، مرجع سابق، ص65.
([101]) Carlo M. Cipolla, The Economic History of World Population, Penguin Books Ltd, England, 3rd. edition, 1965, PP. 77-79.
([102]) Ibid, P. 84.
[103])) عباس فاضل السعدي، الانجاب في العراق، مرجع سابق، ص 284.
[104])) احمد اسماعيل علي، مرجع سابق، ص23.
[105])) يونس حمادي علي، مبادئ علم الديمغرافية، مرجع سابق، ص 123.
[106])) أحمد اسماعيل، مرجع سابق، ص55.
([107]) S. Singh et al, "The Proximate Determinants of Fertility: Sub-national Variations", Population Studies: A Journal of Demography, Vol. 39, I, London, March 1985, PP. 114-132.
([108])U.N., Fertility Behaviour, 1987,  OP. Cit., P. 214.
([109]) D. M. Heer & J.w. Boynton, "A Multivariate Regression Analysis of Differences in Fertility of United States Counties", Social Biology, Vol. 17, No. 3, September 1970. PP. 180-194.
[110])) فوزي سهاونة، مرجع سابق، ص85.
([111]) B. S. Janowitz, "An Empirical Study of the Effects of Socioeconomic Development on Fertility Rates", Demography, Vol. 8, No.3, 1971, PP. 319-330.
([112]) T. P. Schultz, "Fertility Patterns and their Determinants in the Arab Middle East", In Economic Development and Population Growth in the Middle East by: Charles A. Cooper & Sidney S. Alexander, New York: American Elsevier, Publishing Company, Inc, PP. 399-445.
[113])) صلاح الدين نامق، مشكلة السكان في مصر، مطابع سجل العرب، القاهرة، 1972، ص 71.
[114])) هدى قسطنطين زريق، :تأثير تعليم المرأة والتحضر على الخصوبة الفعلية والخصوبة المرغوب فيها وعلى ضبط الخصوبة في لبنان، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، بيروت، العدد13، تموز 1977، ص34-44.
[115])) عفاف ديب قنديس، "تعليم الاناث وانخفاض الخصوبة في البلدان النامية: مثل الاردن"، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، بيروت، العدد13، تموز 1977، ص18.
[116])) شجاع ،الاسد وعاطف محمد خليفة، "تقديرات الخصوبة وتباينها في الاردن (1972-1976)"، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، بيروت، العدد12، كانون الثاني 1977، ص 25-34.
([117]) G.G. Cain & A. Weininger, "Economic Determinants of Fertility: Results from Cros- Sectional Aggregate Data", Demography, Vol. 10. No.2, 1973, PP. 206-222.
[118])) سعادة إبراهيم علي، وفوزي ابراهيم المشهداني، "الانجاب والمرأة العاملة"، الاتحاد العام لنساء العراق/ أمانة الدراسات والبحوث، بغداد، ندوة الانجاب للفترة من 10-12 تشرين الثاني 1987، ص 23-27.
([119]) U.N., World Population Trends and Policies, 1977: Monitoring Report, Vol. I, Population Trends, 1979, PP. 68-72.
([120]) John Cleland and German Rodriguez, "The Effect of Parental Education on Marital Fertility in Developing Countries, Population Studies: A Journal of Demography, London, Vol. 42, No. 3, Nov. 1988. P.437.
[121])) فوزي سهاونة، مرجع سابق، ص 93-96.
([122]) جاكلين غارنيه، جغرافية السكان، مرجع سابق، ص158.
([123]) صلاح الدين نامق، مرجع سابق، ص71.
[124])) عفاف ديب قنديس، مرجع سابق، ص18، وهناء محسن العكيلي، مرجع سابق، ص42.
[125])) عفاف ديب قنديس، ص21.
([126]) جورج امروهر وانطوني ماير، "حجم الاسرة المفضل ومنع الحمل في الجمهورية العربية السورية"، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، بيروت، العدد 28، حزيران 1986، ص 74-75.
[127])) عباس فاضل السعدي، مقاييس الخصوبة، مرجع سابق، ص 268.
[128])) فوزي سهاونة، مرجع سابق، ص95.
([129]) Alfred Marshall, Principles of Economic, 8th ed., Macmillan, London, 1959, PP. 152-153.
[130])) سدني هـ. كونتز، النظريات السكانية وتفسيرها الاقتصادي، ترجمة احمد ابراهيم عيسى، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1956، ص42.
[131])) حسن الساعاتي وعبدالحميد لطفي، دراسات في علم السكان، مطابع دار المعارف، القاهرة، 1973، ص84.
[132])) جوزيف شامي، "اثر المذاهب الدينية في تباينات الخصوبة"، النشرة السكانية (تصدرها منظمة الاسكوا)، بيروت، العدد13، تموز 1977، ص3.
([133])Bernard Berelson, Population Policy in Devloped Countries, McGraw-Hill Book Company, New York, 1974, P. 80.
[134])) جوزيف شامي، مرجع سابق، ص3.
[135])) دنيس رونج، مرجع سابق، ص100.
[136])) أحمد اسماعيل، مرجع سابق، ص 56.
([137]) Bongaarts and R. Potter, OP. Cit., PP. 179-189.
([138]) The World Bank, OP. Cit., PP. 142-147.
[139])) سهير عبدالهادي، مرجع سابق، ص74-75.
[140])) عباس فاضل السعدي، الانجاب في العراق، مرجع سابق، ص 311.



هناك تعليق واحد:

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا