محاضرة 27:- المراحل المورفولوجية للمدينة
Morphological stages of the city
يقصد بالمرحلة
المورفولوجية " أيَّ مدة في التاريخ
الحضاري لمنطقة ما تخلق نماذج أو أشكال مادية متميزة في المظهر الحضاري للأرض لتسد
حاجات اجتماعية –اقتصادية لمجتمع المنطقة أو المدينة في تلك المرحلة وتبقى هذه
النماذج المادية التي تمثل الوحدات المعمارية المميزة كظاهرة موروثة"(73).
ويمكن اعتماد
الكثير من المتغيرات للتمييز بين المراحل التي تمر بها المدينة عن طريق تقسيم عمر
المدينة إلى فواصل أو مراحل تختلف في العدد والامتداد والخصائص تبعا لظروف وعوامل
النشأة والتطور الذي انعكس على واقع المدينة العمراني والاقتصادي والاجتماعي ومن
هذه المتغيرات الاتساع المساحي للمدينة ،والبنية الوظيفية والطراز المعماري
،وأنظمة الشوارع ،وخطة المدينة،والمواد المستخدمة في البناء .
وبالإمكان اكتشاف عدد المراحل التي قطعتها المدينة من
اعتماد العناصر المتفاعلة الثلاث التي تكّون مظهر المدينة وهي المخطط والنسيج
المعماري واستعمالات الأرض حيث تظهر نماذج من كل هذه العناصر لم تتكرر في المراحل
السابقة أو اللاحقة.
وبما أن لكل مدينة خصوصيتها من حيث العمر الزمني
وتركيبها وتطورها الحضاري وظروفها المكانية وتركيبها الداخلي إلا أن المراحل
المورفولوجية العامة التي تمر بها المدن باعتبارها كائنا حيا يولد وينمو ويتطور
يمكن تحديدها كالآتي:
أ- مرحلة النشأة والظهور
ويتم التركيز
هنا على عوامل نشأة المدينة كان يكون عسكريا أو دينيا أو أداريا ولكن ليس بالضرورة
أن تستمر المدينة بتأدية الوظيفة التي نشأت على أساسها بفعل التغير والتبدل
الوظيفي الذي يصاحب تطورها عبر الزمن .
ب- مرحلة النمو
وهي من أدق المراحل التي تمر بها المدينة لأنها هي التي
تحدد مسار المدينة وعوامل تطورها وبالتالي تحديد مستقبلها ،ويتم التركيز هنا على
عامل السكان وأثره في تطور حجم المدينة من حيث درجة النمو والكثافة والتراكيب
السكانية.
ت- مرحلة النضج
وهي مرحلة نضوج
المتغيرات التي نمت على أساسها المدينة ،كالتضخم السكاني والتكامل الوظيفي ونضوج
علاقاتها الإقليمية .و تكتسب المدن في هذه المرحلة سمة المكان المركزي ذات القوة
والنفوذ والتحكم بالمناطق الإقليمية التابعة لها .
ث- مرحلة الاكتمال
وتصل إلى هذه
المرحلة المدينة التي تتفوق على أقرانها في المرحلة السابقة من حيث تصدرها مكانة
المدينة الأولى في الإقليم أو في البلد كان تكون عاصمة أدارية أو تجارية أو مركزا
دينيا .
المراحل المورفولوجية لمدن العصور الوسطى
تطورت
معظم مدن العصور الوسطى عن قرى ومن ثم كان
نموها عضويا غير مقيد بالتخطيط ، وفي مثل هذا التطور العضوي( Organic Growth ) كانت
الشوارع عبارة عن الفراغ الذي يترك بين المنازل حين تشيد بمعنى أن معظمها كان ضيق
جدا لينظم له كثرة التعاريج والمنحنيات .
وكانت
الكاتدرائيات ومن إمامها ميدان فسيح هي ركن المدينة ومن أمثلة ذلك في فرنسا مدينة
شانترز(Chantres) كما أن باريس نفسها نمت حول كنيسة نوتردام وكذلك مدينة آمين( (Aminens نمت حول
كاتدرائيتها المشهورة .
واستمر النظام
العضوي للمدن حتى القرن السابع عشر الذي شهد بدايات تخطيطية لبعض المدن وخاصة
العواصم .وتعتبر مدينة لندن مثال لذلك فقد ظهرت الحدائق لأول مرة فيها ذات الطابع
الكلاسيكي المنظم .في ما انتشرت الميادين في أماكن أخرى من المدينة كميدان سانت جيمس
ثم توسع صوب الشمال ليحل مكانه شارع أكسفورد Oxford Street انظر الشكل (55).
وفي القرن
الثامن عشر حدثت تغيرات كبيرة في مدينة لندن من حيث تخطيط المناطق السكنية وتوسيع
الشوارع المزدانة بالأشجار ليشمل هذا النمط التخطيطي مدن أوروبية أخرى كمدينة باث(
Bath) وكارل سروه(
(CarlsrooوفرسايVersailles ذات الشوارع الشعاعية التي تتفرع من الميادين أو
بالقرب من القصور التذكارية واتخذت ملتقيات الشوارع مكانا للتجارة والقصر لاحظ
الشكل (56) وقد أطلق على مدن هذا العصر بمدن الباروك Baroque cities وهو مصطلح
أطلقه لويس ممفرد Lewis Mmfird للدلالة على
الفخامة والقوة المتمثلة بقصور الأمراء.
ومن سمات مدن
عصر الباروك ظهور الشوارع المستقيمة واختفاء الأزقة المسدودة التي كانت سائدة في
العصور الوسطى ،فضلا عن ظهور الأحياء السكنية ذات التركيب الاجتماعي والاقتصادي
للسكان .فأصبح هناك أحياء خاصة ومميزة للأغنياء وأحياء أخرى للفقراء.
وفي أواخر عصر
النهضة (نهاية القرن الثامن عشر) ظهرت الخطة الشبكية للشوارع والتي بنيت على
أساسها مدينة واشنطن ،وساد هذا النمط المدن الأوروبية أمثال مدينة مانهايم Mannheim الألمانية وبعض المدن البريطانية .
وما أن حل القرن
التاسع عشر حتى بدأت المدن الأوروبية تنمو بسرعة فائقة بتأثير الثورة الصناعية
نتيجة الهجرة الواسعة إليها .وظهرت مدن التعدين في أماكن وجود الفحم والحديد
كمدينة مانشستر ،وتأسست كنتيجة لذلك نقابات العمال المرتبطة بها .وفي نهاية هذا
القرن أدى تطور وسائط النقل والمواصلات إلى ظهور خطط جديدة متمثلة بالخطة الشبكية
كما أدى إلى ظهور الضواحي السكنية والنمو الشريطي على امتداد طرق المواصلات
الجديدة.
وشهد القرن
العشرين تطورات لافتة في شكل ومضمون الخطط المدنية ،ويمكن أن نشير إلى أهم ملامحه
في شكل البناء ذات الطوابق المتعددة في وسط المدن .ففي سنة 1885 أقيمت في شيكاغو
نمو أعلى بناية من 12 طابقا،وفي عام 1900 بنيت في نيويورك بناية من 20 طابقا ،وفي
عام 1921 دخلت ناطحات السحاب Skyscrapers المتكونة من أكثر من 100 طابق في وسط نيويورك.
ومن المؤشرات الأخرى في هذا المجال ،الاهتمام بالمناطق
الخضراء والمتنزهات بشكل واسع ومنظم ،وإنشاء الإنفاق الأرضية للنقل (المترو) وظهور
المجمعات المدنية الكبرى حيث التحمت مدن ببعضها البعض بحيث أطلق عليها مصطلح ميجا
بوليس Mega Polis في أمريكا
كمجمع نيويورك- بوسطن New York-Boston ومجمع طوكيو
– يوكوهاما Tokyo -
Yokohama ذات ال30
مليون نسمة ومجمع لندن الكبرى.
المراحل المورفولوجية للمدينة العربية الإسلامية
لكي نحافظ على
التسلسل التاريخي لتطور المدن في العالم يجدر بنا بحث هذه المدة التاريخية نفسها
إبان الفتح الإسلامي الذي شهد مدة ذهبية في أنشاء المدن وتطورها على النقيض من
المدن الأوروبية التي عاشت في العصور الوسطى المظلمة.
ولعل أهم ما
اتسمت به المدن العربية في العصور الوسطى هو انتقال مركز الثقل الحضري من الساحل
كما هو الحال في العصر الروماني نحو الداخل ،ويعود ذلك إلى أن العرب أكثر التصاقا
بالصحراء وتجارتها ،ولهذا انتقلت الأهمية السياسية من الإسكندرية إلى الفسطاط ومن
أنطاكية إلى دمشق ومن قرطاجة إلى القيروان في تونس ، فيما ازدهرت المراكز الحضرية
على المحاور البحرية التي استخدمها العرب في التجارة في البحر الأحمر والخليج
العربي (74).
ويمثل المسجد
الجامع أهم معلم مورفولوجي للمدينة العربية الإسلامية ،إذ يمثل المسجد مركزا
للنشاط الحضري بأكمله .وغالبا ما يكون قريبا من دار الإمارة .وهو المعلم الثاني
المميز كمكان للحكم والفصل والسياسة ليأتي السوق مكملا لهما وبالتالي يكّونان
ثالوثا مميزا للمدينة العربية ( المسجد+السوق+ دار الخلافة Governor's Palace Mosque + market + ).وكانت
مئذنة المسجد تمثل رمزا مثلما كانت أبراج الكنائس والقلاع تمثل رمزا لمدن العصور
الوسطى الأوروبية.
وبعد هذه المعالم الثلاث تأتي دور السكن التي تتكدس
بالقرب من المسجد بعضها إلى جانب بعض غير تاركة فيما بينها إلا أزقة ضيقة متعرجة
تحمل طابع كثير من طرقات العصور الوسطى التي روعي فيها توفير اكبر قدر من الظل في
بيئة حارة .كما اخذ تصميم المنازل طريقة الحفاظ على الشرفية وجعل النوافذ عالية عن
مرأى العين .وكانت الدور تحوي فناء داخليا تطل عليه حجرات المنازل وتتوسط هذا
الفناء نافورة ماء في كثير من الأحيان .ومدينة العصور الوسطى العربية كانت تشارك
كثير من المدن الأوروبية في افتقارها إلى الخدمات العامة كنظام توزيع المياه أو
نظام الصرف الصحي .
أن العصور الوسطى كانت بمثابة العصر الذهبي لقيام المدن
العربية ولا سيما في القرون الأولى من ظهور الإسلام وانتشاره حيث ساعدت عوامل
كثيرة على ظهور وتطور المدن ، وتتلخص هذه العوامل في التجارة والدين والحرب
والسياسة والعوامل الاجتماعية .وقد تمكنت هذه المدن أن تقوم بدورها الذي من اجله
أسست فظلت مزدهرة لكونها مراكز تجارية أو سياسية أو ثقافية أو دينية .
بغداد نموذج تطبيقي للمدن العربية
تتعدد المراحل
المورفولوجية حسب خصوصية المدينة فالمدن العربية بصورة عامة مرتّ بثلاث مراحل ،أما
مدينة بغداد فقد مرت بخمس مراحل مورفولوجية متميزة (75) . وتم تحديد
هذه المراحل اعتمادا على معيار توسع رقعة المدينة وتقلصها ثم تغيير نمط السكن وعدد
السكان ،حيث أن معالم النشأة وطور التأسيس ذهبت آثارها نظرا لتقادم هذا العهد من
جهة وان مواد البناء المستخدمة في أنشاء الأبنية لم تكن من النوع المقاوم للظروف
التي مرت بها المدينة من جهة أخرى .يضاف إلى ذلك تعرض المدينة المستمر عبر تاريخها
الطويل إلى خطر الفيضان إلى جانب اضطراب الأمن ونشوب الصراعات داخلها ،فضلا عن
الغزو الخارجي لها .كل ذلك انعكست آثاره على بنية وشكل المدينة وتوسعها سلبا وليس
إيجابا .
أما المراحل المورفولوجية لمدينة بغداد هي :
المرحلة الأولى –
وتمتد منذ نشأة المدينة سنة 762م حتى سنة 1869م .
المرحلة الثانية
– تمتد من سنة 1869م حتى سنة 1920.
المرحلة الثالثة
– تمتد من سنة 1920- حتى سنة 1936.
المرحلة الرابعة
– بين سنة 1936- سنة 1958.
المرحلة الخامسة – بعد سنة 1958 حتى الوقت الحاضر انظر
الشكل (57).
تحميل من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق