التسميات

الأحد، 12 أكتوبر 2014

مستقبل الدلتا والمخزون التراكمي للطمي ببحيرة السد العالي ...

مستقبل الدلتا والمخزون التراكمي للطمي ببحيرة السد العالي

جريدة الأهرام - مقالات وكتاب - السبت - 6 من رمضان 1429 هـ -

6 سبتمبر 2008م  - السنة 133 - العدد 44469  

 بقلم : د‏.‏ حمدي هاشم - خبير جغرافيا بيئية :



  الأنهار هي القنوات الطبيعية لجريان المياه العذبة والطمي معا‏,‏ بالانحدار من منابعها حسب تضاريس سطح الأرض‏.‏ وهكذا يجري نهر النيل بحمله المائي الخصب من المرتفعات الأثيوبية وغيرها من دول منابع أعالي النيل حتى مصبه بالبحر المتوسط‏.‏ وان كان النهر قد وهب مفتاح الحياة للحضارة المصرية والمصريين‏,‏ فإن فوائد الطمي للتربة الزراعية تجربة وخبرة مصرية ترسخت منذ آلاف السنين‏.‏

  وتعد دلتا نهر النيل من أخصب دلتاوات الأنهار في العالم‏,‏ وذلك قبل ظهور مشكلة التخزين الميت من الطمي ببحيرة السد العالي وآثارها البيئية‏.‏ قد تكونت الدلتا بمرور الزمن‏,‏ من جريان الطمي المستديم الملازم لمياه النيل‏,‏ الذي يترسب بكميات كبيرة في منطقة الدلتا وداخل مياه البحر المتوسط‏.‏
     ولكن الوضع قد اختلف‏,‏ بعد مرور أكثر من أربعة عقود على بناء السد العالي نتيجة نشوء حالة الخلل البيئي المترتب على تزايد معامل التخزين الميت للطمي بالبحيرة‏,‏ مما أفقد دلتا النيل بالتدريج قدرتها الذاتية للمحافظة على توازن المنسوب بينها وبين البحر‏.‏
    وأضف إلى ذلك‏,‏ أن التخزين الميت للطمي قد شكل دلتا جديدة فوق المجري القديم للنهر بالبحيرة‏(‏ على صعيد مصر العليا‏),‏ التي يقع الجزء الأكبر منها داخل الأراضي السودانية‏,‏ حيث بلغ سمك الطمي ببحيرة النوبة بالسودان أكثر من‏20‏ مترا‏,‏ بينما لا يزيد الطمي في سمكه عن المترين ببحيرة ناصر داخل الأراضي المصرية‏,‏ حسب نتائج دراسات عام‏1975.‏ ولما انقطع الطمي بنهر النيل في رحلة جريانه الشمالي بعد عقبة السد العالي‏,‏ طغي البحر على الدلتا بمرور الزمن‏,‏ فتآكلت أجزاء منها بقوة تأثير الأمواج المستمرة‏,‏ مما يؤدي إلى انخفاض في منسوب الدلتا المقابل لمنسوب سطح البحر‏.‏
   ناهيك عن مشكلة الفقد التدريجي المستمر في خصوبة المتبقي من الأرض الزراعية‏,‏ وما أصابها من تدهور في نوعية التربة المتلازم مع تناقص الطمي بمياه النهر‏.‏ وأمام تلك المشكلة لم تجد الحكومة المصرية وسيلة غير التوسع في إنشاء مصانع إنتاج الأسمدة‏,‏ في محاولة لتعويض التربة الزراعية عن الحرمان من مصدر الطمي الطبيعي‏.‏ وقياسا علىى ما سبق يقدر استهلاك مصانع الأسمدة بنحو‏ 30‏% من جملة الطاقة الكهربائية المولدة من السد العالي‏.‏ دع عنك ما تسببه بقايا الأسمدة الزراعية المنصرفة في مياه النيل من تلويث وآثار ضارة ببيئة النهر وصحة السكان‏.‏
    ومن الثابت أن مياه النيل قبل بناء السد العالي كانت تحمل ما يعادل‏125‏ مليون طن سنويا من الغرين‏,‏ تلك المادة الأساسية والوحيدة المسئولة عن بناء التربة الزراعية والتي تحافظ على خصوبتها بعملية التجديد المستديم لمكونات التربة‏.‏
   وكان التوزيع الجغرافي لرسوبيات الطمي‏,‏ أن التربة الزراعية في مصر العليا وقاع النيل حتى شمال القاهرة تستقبل نحو‏15%‏ من حجم الغرين الكلي‏,‏ بينما يترسب مثل ذلك القدر بالأراضي الزراعية في منطقة الدلتا‏,‏ وكانت النسبة الغالبة من نصيب شواطئ رشيد ودمياط‏,‏ وما يتبقي يتلقفه الرصيف القاري بالبحر المتوسط‏.‏
   وكان لتجنب تلك الأزمة البيئية المستمرة والآثار السلبية الحادة‏,‏ نتيجة انفراد السد العالي بمهمة التخزين طويل المدى للمياه‏,‏ من التفكير في بناء أكثر من خزان يسمح بالتخفيف من كميات الطمي المتراكمة ببحيرة السد‏,‏ وذلك بواسطة عمليتي الفتح والغلق للبوابات بالتناوب بين السدود‏,‏ بناء على نتائج منظومة الرصد الرقمي والمراقبة الفضائية‏,‏ بطول النهر من المنبع حتى المصب‏.‏
   وفي هذه الحالة تدفع المياه التي تعبر السد والخالية من الرواسب ذلك الطمي المتراكم‏,‏ لتجدد قدرتها على حمل الرواسب وأثر شدة تدفق المياه في تحريك الطمي الساكن بقاع البحيرة‏,‏ مما يسهل عملية خروجه عبر بوابات السد التالي‏,‏ وهكذا دواليك وقد حالت تضاريس النهر داخل الأراضي المصرية بين فكرة إنشاء خزان جديد‏(‏ إضافة للسد العالي وسد أسوان‏),‏ فتم التفكير في بناء سد مروي داخل الأراضي السودانية‏,‏ لتأمين احتياجات السودان من الطاقة الكهربائية‏.‏ هذا السد الذي سيحجب جزءا كبيرا من رواسب الطمي التي تصل السد العالي‏,‏ مما يؤدي إلى زيادة السعة التخزينية للبحيرة في مقابل انخفاض حجم المخزون الميت من الطمي‏.‏
   ولا ريب أن للسدود آثارا بيئية‏,‏ تختلف في درجة حدتها بمرور الزمن‏,‏ وتظهر بوضوح في تغير طبيعة النهر وتضرر التربة الزراعية وتهجير السكان المحليين وتذبذب في نطاقات الحياة البرية‏.‏
    ومن الآثار السلبية للسد العالي‏,‏ زيادة النحر حول المنشآت النهرية وتعرض مجري فرع دمياط للإظماء المستمر ومعاناة مجري فرع رشيد من تزايد معدلات النحر‏,‏ وانتشار نباتات ورد النيل الشرهة لخزن المياه‏,‏ وتدهور التربة الزراعية بامتداد الأراضي بالوادي والدلتا‏,‏ بالإضافة إلى غرق مساحة كبيرة من بلاد النوبة‏,‏ بين أسوان شمالا ودنقلة في السودان جنوبا‏,‏ التي كانت تنتشر وسط أراضيها مناجم الذهب القديمة‏.‏ ونتيجة لنضوب طمي النيل‏,‏ لجأ الفلاحون المصريون إلى تجريف الأراضي الزراعية وعمل برك ومستنقعات بغرض الحصول على الطمي اللازم لتصنيع الطوب‏.‏
   ولا شك أن المناخ الجاف الصحراوي السائد بمنطقة بناء السدود بين دولتي مصر والسودان سيساعد في حدوث تغير مناخي على المستوي المحلي‏.‏ نتيجة تأثر ذلك المسطح المائي الضخ بالبحيرة بدرجات الحرارة المرتفعة ومن ثم ارتفاع معدلات التبخر التي تستهلك كميات هائلة من المياه‏.‏ يقدر البعض أن بحيرة السد العالي تفقد من المياه سنويا قدر حصة العراق من نهر الفرات‏,‏ أي ما يعادل ‏25 %‏ من جملة المخزون المائي بالبحيرة عند منسوب ‏180‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏ وكان ذلك الفقد المناخي لمياه بحيرة السد العالي‏,‏ وراء الاقتراح بنقل تخزين المياه في المرتفعات الإثيوبية‏(‏ حيث المناخ الأقل حرارة‏)‏ للتقليل من حجم المياه المفقودة بالتبخر‏,‏ مما يعود بالفائدة على دول حوض النيل الشرقي‏(‏ مصر‏,‏ أثيوبيا والسودان‏),‏ وبفرض إقامة ذلك الخزان المائي الضخم داخل أثيوبيا‏,‏ برغم تعارضه مع الظروف الطبيعية والتضاريسية‏,‏ فإن تكلفة نقل المياه من تلك المرتفعات تزيد بشكل واضح مقارنة بنقلها من بحيرة السد العالي إلى أراضي الوادي والدلتا وسيناء‏.‏
    برغم ان نموذج الحساب الهيدروليكي لتصميم السد العالي‏,‏ تضمن العديد من القوي المؤثرة علي المنشأ الخرساني من الزلازل وغير ذلك‏,‏ بالإضافة إلى تصور المهندس الروسي الراحل نيقولاي ماليشيف مصمم المشروع‏,‏ بأن بحيرة السد العالي تكفي لاستيعاب نحو‏31‏ مليار م‏3‏ من المخزون الميت لرواسب الطمي التي تجلبها مياه النيل‏(‏ علي مدي‏500‏ سنة‏)‏ وذلك بدون التأثير على السعة التخزينية لمياه الفيضان‏,‏ إلا أن قوة احتكاك الطمي وضغط المياه المستمر والمتزايد قد يؤثران بشكل ما علي جسم السد‏,‏ ناهيك عن تلك التغيرات الطبيعية المحتملة من قوة الضغط الرأسي لذلك المخزون الضخم من المياه والطمي‏,‏ وما قد ينتج عن تلك الأوزان الضخمة من تكوين بؤر أرضية غير مستقرة‏,‏ قد يؤثر على استقرار القشرة الأرضية أسفل بحيرة السد العالي‏,‏ وعلى صعيد آخر يظهر الوضع البيئي الراهن ان تركيز المعادن الثقيلة من النحاس والزنك والمنجنيز والحديد في رسوبيات بحيرة ناصر أعلى منها في نهر النيل شمال السد العالي‏.‏
   وأن تركيز النحاس يكون أعلى في بحيرة ناصر منه في بحيرة النوبة‏,‏ ولا تخلو رسوبيات بحيرة السد العالي من المواد المشعة الطبيعية وكذلك المعادن الثمينة التي جلبتها المياه من مكامنها بمرتفعات منابع أعالي النيل‏.‏
    ومن هنا يلزم الأمر تكثيف البحوث العلمية التطبيقية بالمشاركة بين مراكز الأبحاث والهيئات والشركات المصرية المخصصة لتعظيم الاستفادة الاقتصادية من المخزون الميت للطمي والتخفيف من آثاره البيئية على المستوي القومي وفتح المجال أمام تكنولوجيا استخلاص المعادن الثمينة والاقتصادية بالرسوبيات المدفونة في بحيرة السد العالي وأيضا دعوة شباب المخترعين في مصر لاستكشاف وسيلة تطبيقية عملية لنقل الطمي بكميات تكفي لإعادة التوازن البيئي بين الدلتا والبحر المتوسط في محاولة قد تساعد في إبطاء زمن غرق الدلتا‏.‏ 

حمله من هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا