نحو تقسيم إدارى متناغم
جريدة الأهرام اليومي - مقالات وكتاب - 19 ديسمبر 2012 :
بقلم د. حمدي هاشم :
وتوظيف العلاقات المكانية وإثراء مختلف البيئات
الجغرافية من أجل صحة المكان ورفاهية السكان، فهو الأداة العضوية الفاعلة للتخطيط
الشامل على المستويين المحلى والقومي، وعلى قدر التكامل بين التقسيم الإداري
والمقومات الاقتصادية والاجتماعية في المكان تأتى نتائج التنمية البشرية.
إذن فتقويم التقسيم الإداري للدولة يكون بمثابة الدستور للسياسة الإدارية فى المساحة الإقليمية والمحلية التي تشغلها بموجب أحكامه المترتبة على النسبية المكانية، وتلبية سقف الاحتياجات البشرية للسكان مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والمنظومات البيئية من التدهور، فيظل التقسيم الإداري الشاهد على التكامل والتنافر المكاني والحاكم بين العائد والفاقد الاقتصادي ومن ثم المسئول بجدارة عن الموقف البشرى بين الغنى والفقر التنموي.
وكانت مصر عبارة عن ست عشرة مديرية حتى نهاية الحملة الفرنسية (1801م)، ثم في عهد محمد علي باشا من ثماني مديريات ذات مساحة متساوية (1834م)، وتألفت في عهد الملك فؤاد (1936م) من خمس محافظات (القاهرة، الإسكندرية ودمياط، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس)، وست مديريات في الوجه البحري (البحيرة، الغربية، الدقهلية، الشرقية، المنوفية والقليوبية)، وسبع أخريات بالوجه القبلي (الجيزة، الفيوم، بني سويف، المنيا، جرجا، قنا، وأسوان)، ثم أضيفت الفؤادية (كفر الشيخ لاحقاً) فصلاً من نطاق مديرية الغربية. وذلك على أساس تمكين السلطة المركزية من فرض سيطرتها ونفوذها السياسي على البلاد وتسهيل جمع الجباية والمتأخرات.
كان من نتائج التقسيم الإداري الحالي (27 محافظة) دخول المحافظات المصرية مرحلة الغيبوبة الإكلينيكية من فرط التفاوت بين التوزيع المكاني للسكان والموارد الاقتصادية المتاحة، علاوة على غياب الأخذ بالتحليل الرباعي لبيان مظاهر القوة والضعف والفرص المتاحة والتهديدات التي تعترض التنمية بمجالاتها المختلفة. وقد دق الجغرافيون ناقوسا مبكرا للخطر ـ منذ عام 1934م ـ بأن العلاقة بين السكان والموارد سوف تمثل مشكلة حادة إذا لم يتم التوصل لحل المشكلة السكانية لمصر، والنتيجة تكدس إقليم الوادي والدلتا بالسكان وعزوفهم عن الخروج إلى الصحراء.
إذن فلابد من البحث عن تقسيم إداري جديد لا يكرس السيطرة الأمنية والسياسية دون غيرهما، ويطلق صلاحيات الحكم المحلى باتجاه الانتشار السكاني خارج النطاق العمراني القديم مع الأخذ بالأبعاد الأمنية والاجتماعية والتشريعية والحقوقية والبيئية والسياسية. ومن أهمها لهذا التقسيم، البعد الاستراتيجي البيئي بمعايره البيئية والايكولوجية والاجتماعية والثقافية المتوافقة مع خطتي التنمية المحلية والإقليمية ويساعد على تطوير عوامل الجذب للسياحة البيئية والترفيهية والصحية.
وبمراجعة خصائص الأقاليم البيئية، يظل إقليم شبه جزيرة سيناء الإقليم المصري الأكثر تفرداً حسب نتائج الجغرافيا البيئية، أي يعد الإقليم المعياري الذي تقسم مصر بحساب مساحته إلى عدد (16) إقليماً بيئياً توافقياً من حيث الخصائص البيئية والفرص الاقتصادية المتاحة. وذلك يتطابق في العدد مع تقسيم مصر قبل مرحلة حكم الأسرة العلوية، ويحد من التشوهات في الكثافة السكانية ويدعم عدالة التوزيع في الموارد البيئية، حيث يصلح هذا التقسيم الاقتصادي البيئي لإدارة التنمية الشاملة في البلاد على المستوين التخطيطي والإداري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق