التسميات

الجمعة، 10 أكتوبر 2014

ما هو مستقبل البحر المتوسط إذا تعرض لحادث مثل خليج المكسيك ؟ ...

ما هو مستقبل البحر المتوسط إذا تعرض لحادث مثل خليج المكسيك ؟

جريدة الآهرام اليومي - مقالات وكتاب -17 أكتوبر 2010 :

بقلم د. حمدي هاشم :

    كان انفجار وغرق منصة بحرية لاستخراج البترول بالمياه الأمريكية في خليج المكسيك، وراء قلق ومخاوف جهات دولية معنية بشئون بيئة البحر المتوسط، اعتبارا بذلك الأثر البيئي المخيف الذي يمكن أن تحدثه بقعة من البترول متسربة بكميات ضخمة، على الحياة البحرية والبرية وحياة الإنسان وأنشطته الاقتصادية ولاسيما السياحة وصيد الأسماك، والتي ألقت بظلالها على الولايات الأمريكية الخمسة المطلة عليه، حيث قدرت الخسائر بمليارات الدولارات.

    وتأسيسا على أهمية حوض المتوسط كموطن للعالم القديم ومهد التراث الثقافي للحضارات التي ازدهرت على ضفافه، وأنه يعد مخزنا واسعا للتنوع البيولوجي وتعيش فيه كثير من الأنواع التي لا مثيل لها في مكان آخر، ولا يزال البحر المتوسط أكبر حوض سباحة في العالم، وكانت شواطئه بما لها من شهرة واسعة تعد الوجهة المفضلة للسياحة الترفيهية والعلاجية، ولكن أصوله الطبيعية تعرضت للأضرار البيئية، منذ أكثر من نصف قرن مضت، نتيجة ما  يستقبله دون تحفظ من مخلفات سائلة بكميات هائلة ودائمة، مما يجعله أكبر بحيرة للصرف الصحي والصناعي، بالتوازي مع كونه أكبر بحيرة شبه مغلقة للنقل البحري في العالم، ناهيك عن ذلك الطلب المتزايد داخل مياهه العميقة لاستخراج الذهب الأسود والغاز الطبيعي، ولكن ماذا عن مستقبل هذا البحر العظيم، في ظل نوبات التلوث المائي الحادة وتعرضه الدائم والمستمر للتغيرات الطبيعية والكيميائية والبيولوجية، نتيجة ذلك الحضور البشري الطاغي؟
    تختزن طبقات حوض المتوسط نحو 200 مليار برميل من البترول الخام بالجزء الشرقي، بالإضافة إلى كميات هائلة من الغاز الطبيعي والغاز السائل، ولا تخلو طبقات الجزء الغربي من هذه الثروات الحيوية، مما يغري الدول المطلة عليه في تكثيف عمليات الاستكشاف لاستخراجه، علاوة على الآبار المستكشفة قبالة سواحل مصر وليبيا وتونس وإيطاليا وكرواتيا ومالطا، على الترتيب بدلالة عدد المنصات البحرية، ومن المتوقع أن تكشف عمليات التنقيب عن آبار جديدة بسواحل إسبانيا وتركيا وإسرائيل والمغرب وغيرها من دول الحوض، ورغم أن مساحة البحر المتوسط تمثل مرة ونصف المرة قدر مساحة خليج المكسيك، إلا أن كل منصة بحرية في الأول يقابلها حوالي ثماني منصات في الثاني، وبالتالي ترتفع كثافتها العددية، الحالية، بمياه خليج المكسيك عن البحر المتوسط، ولكن الأول يعد مسرحا مفتوحا لمرور نصف حركة النقل البحري في العالم مما يعرض مياهه لمخاطر التسرب أثناء الشحن والتفريغ، والتي تظهرها الخرائط الحرارية المراقبة للموقف كبؤر تلوث بترولي ارتبطت بالكثافة الشديدة لحركة تلك الناقلات والسفن الكبرى في شمال وشرق المتوسط، أضف إلى ذلك التلوث الناتج من عمليات استخراج البترول البحري.
   ويتجلى الاختلاف بين البحر المتوسط وخليج المكسيك، رغم أن مياههما من المحيط الأطلنطي، بتباين المساحة والخصائص الطبيعية ومنها مورفولوجية الحوض والمد والجزر والتيارات البحرية والعواصف والأعاصير، وينعكس ذلك في قدرتهما الذاتية علي تنقية البيئة مما يلوثها، فمياه خليج المكسيك متجددة بدرجة تساعد في عملية التخفيف من التلوث البيئي، أما مياه البحر المتوسط فخاملة نسبيا تؤدي إلي تركز الملوثات بالمياه، ولعل ذلك يعود إلى اتساع مضايق خليج المكسيك وانفتاحها علي المحيط الأطلنطي وبحر الكاريبي بينما يختلف وضع البحر المتوسط الذي لا يملك مصدرا حقيقيا لتجديد مياهه سوي مضيق جبل طارق واتصاله القاري من جهة الشرق والشمال عبر البحرين الأسود والأدرياتي بآسيا وأوروبا، بالإضافة إلى ممر قناة السويس الضيق للغاية في اتصاله بالبحر الأحمر.
    هنا يصدق القول أن حوض المتوسط بحيرة وليس بحرا بحكم اجتماع اليابسة عليه من جميع الجهات مع ضعف منفذه البحري إلى الأطلنطي، علاوة علي ارتفاع البحر بمعدل يزيد بكثير على نصيبه من مياه الأمطار والأنهار، وما يعانيه من بطء سحب المياه من المحيط نتيجة الاختلاف الطبيعي بين حوضيه الشرقي والغربي، أي افتقار ميزانه المائي إلي التدفق الكافي لتجدد مياهه ودعم قدرته على هضم ملوثاته، فملوثاته تقدر بنصف جملة ما تستقبله بحار العالم، فهو الأكثر تلوثا بلا منافس، حيث تطل على سواحله اثنتان وعشرون دولة، أوروبية وإفريقية وآسيوية، لها حوالي 120 مدينة ساحلية يسكنها نحو 150 مليون نسمة، ثلثها من الموانئ البحرية، ومنها مدن صناعية كبري علاوة على أن شواطئه تستقبل حوالي 175 مليون زائر سنويا، وهو يستقبل يوميا نحو 10 ملايين من مياه الصرف الصحي غير المعالجة، بالإضافة إلى ما يزيد عن مليون طن من مياه الصرف الصناعي، بما في ذلك ملوثات مصافي تكرير البترول ومحطات الطاقة، مما يؤدي إلى تلويث مياهه بنواقل الأمراض والعناصر الثقيلة والمشعة، ودلالة ذلك اختفاء الدلافين وتقلصها في جزء صغير من مكانها القديم وتعرض الحيتان وخنازير البحر للانقراض.
   تقود أزمة التغيرات المناخية العلماء نحو مشروعات غير تقليدية، منها فكرة إغلاق البحر المتوسط من مضيق جبل طارق بهاويس عملاق لمواجهة ارتفاع منسوب مياه البحر، إلا أنه قد يعجل من ارتفاع وتيرة فقدان التنوع البيولوجي والتصحر مع زيادة تركز الملوثات بالمياه.
    ولما كان البحر المتوسط يحتاج نحو مائة سنة حتى تتجدد مياهه بحكم اختلاف مورفولوجية حوضه بين الشرق والغرب، مما يضاعف من خطورة تعرضه لمثل حادثة خليج المكسيك، في ظل ما يشهده من توسعات في استخراج البترول والغاز الطبيعي من مياهه العميقة، مع الوضع في الحسبان توقع حدوث تسونامي مدمر بمنطقة شرق المتوسط، نتيجة استمرار النشاط التكتوني بالقشرة الأرضية أسفل جزيرة كريت، وكذلك انخفاض مساهمة إيراد نهر النيل في تغذية البحر بالماء العذب نتيجة حاجز السد العالي، مما أدى إلى حرمان البحر من أكبر مصادره العذبة الدائمة، وأثر ذلك في زيادة تركز الملوثات مع قلة الأمطار وارتفاع البحر، الأمر الذي يدعو إلى وقف الاستغلال الجائر لبيئة المتوسط وتعظيم مقوماته من التراث الطبيعي والثقافي، وإعلان الحفاظ عليه من التلوث كرصيد استراتيجي لاسترداد الماء العذب، وهنا يحتاج الأمر إلى تأسيس مجلس تعاون دائم لدول المتوسط من أجل تفعيل بنود ميثاق برشلونة وخطة العمل من أجل المتوسط التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومبادرة آفاق 2020.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا