التسميات

الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

الصناعات الملوثة للبيئة...




الصناعات الملوثة للبيئة

بقلم : د‏.‏ حمدي هاشم  drhhashem@yahoo.com


 خبير جغرافيا بيئية

جريدة الأهرام قضايا وآراء الأربعاء - 26 - من جمادى الآخرة - 1428 هـ  11 - يوليو  - 2007   ‏السنة  131   العدد 44046  :


   لولا تبني الدول الغنية سياسة تهجير الصناعات القذرة‏(‏ شديدة الضرر بالبيئة‏),‏ بامتلاك ملاجئ للتلوث تستقبل هذا النمط من الصناعات داخل حدود الدول الفقيرة‏,‏ للاستفادة من فرق التكلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية‏,‏ مع تعالي هاجس الاهتمام بالبيئة والتطور التقني الفائق للتكنولوجيات النظيفة ورصد عناصر التلوث لأدق مستوى ووصول جماعات الضغط السياسي إلى مراميها في دول الشمال الغنية‏,‏ لما عادت الحياة من جديد إلى الأنهار الكبرى في شمال أوروبا‏,‏ بعد عقود مظلمة طغى فيها التلوث الصناعي السام‏,‏ حيث عادت أسماك السلمون إلى الظهور بأحد مواطنها الطبيعية بنهر الراين للمرة الأولى بعد أربعين عاما‏,‏ وذلك عام‏ 1990.‏


     وقد تم حصر وتصنيف تلك الصناعات القذرة في مجموعة من الصناعات التحويلية ‏(‏ يبلغ عددها‏ 43‏ صناعة‏)‏ ذات آثار بيئية مدمرة للمحيط الحيوي‏,‏ وهي بوجه عام صناعات الحديد والصلب والأسمنت والسيراميك والزجاج والخزف والصيني والحراريات وصهر وتكرير المعادن الأساسية وبعض الصناعات الكيماوية والأسمدة ومصافي البترول وصناعات لب الورق والمطاط والبلاستيك والجلود والخشب‏.

   ‏ تلك الصناعات شديدة الضرر بالبيئة بما يتخلف عنها من ملوثات سامة وغيرها من الملوثات التي تجرمها قوانين البيئة والمنظمات الدولية والبنك الدولي‏,‏ في مختلف صورها الغازية والسائلة والصلبة‏,‏ تلك الملوثات بالغة الأثر في طبيعة الهواء والماء والتربة‏,‏ التي تخترق الحدود المسموح بها‏(‏ الحد الأخضر‏)‏ لأمان وأمن الإنسان في الصحة والمسكن‏,‏ فتفقد الإنسان قيمة الاستمتاع بطيب العيش أينما توطنت تلك الصناعات وفي منصرف ملوثاتها في البر والبحر والريف والحضر‏.‏ وهكذا تؤثر تلك الملوثات الصناعية في جودة مياه الأنهار والبحيرات والبحار‏,‏ ومكامن المياه الأرضية‏,‏ وركائز الثروات في باطن الأرض وقيعان المحيطات‏,‏ والنبات الطبيعي‏,‏ والطبيعة البيولوجية والسلوكية والنفسية للإنسان‏,‏ وسلوكيات الأسماك والحيوانات والحشرات‏,‏ بل قد يحدث عنها خلل في زمن وفصلية نمو وذوبان الثلوج فوق قمم الجبال‏,‏ وقد يمتد أثرها فتطول بالتغيير رواسي مناخ الأرض بالقطبين الشمالي والجنوبي‏.‏

   نعود لمصطلح الصناعات القذرة التي قد ينعتها البعض بالصناعات المهاجرة‏,‏ حيث تهاجر من أراضي الدول الغنية‏(‏ ذات الاقتصاد الأخضر‏)‏ لتتوطن داخل الحدود الجغرافية بالدول الفقيرة‏,‏ وكثير من الدول النامية لا يعنيها في مرحلة ما تكلفة الآثار البيئية للمشروع الاقتصادي فتجتذب أراضيها بسهولة مثل هذه الصناعات‏.‏ فهي إذن صناعات قذرة أو ملوثة للبيئة بطبيعة عملياتها الإنتاجية وأثرها السيئ في المحيط الحيوي‏,‏ الذي لا تخطئة حواس الإنسان الظاهرة ولا يصعب تسجيله على أجهزة رصد التلوث‏(‏ الأرضية والفضائية‏).‏ وبعد أن أحكمت الدول الصناعية قبضتها على مقاليد الاقتصاد الدولي‏,‏ واستقرت على الاعتراف الضمني بنقل مصادر ملوثاتها الرئيسية إلى الدول منخفضة الدخل‏,‏ بحجة أن نقاوة البيئة بتلك الدول وقدرة أنظمتها الطبيعية تسمح باستيعاب مثل ذلك التلوث لمدة زمنية طويلة‏,‏ وعليه يمكن أن يستقر تقسيم دول العالم إلى دول طاردة وأخرى مستقبلة أو جاذبة لذلك النمط من الصناعات‏,‏ ودليل ذلك ظهور مواقع عبر شبكة الإنترنت للتجارة الدولية في مجال بيع وتفكيك المصانع ذات التكنولوجيات القديمة‏,‏ شديدة الضرر بالبيئية‏,‏ مع خدمة النقل والتركيب لتلك المصانع بدول أخرى تسمح القوانين فيها بذلك‏.

‏    ويمكن أن يكون قد تسرب منها مصنع أو أكثر داخل الحدود المصرية‏.‏ ويستثنى من ذلك صناعات أخرى تدخل ضمن مايعرف بالصناعات الحساسة‏(‏ من ناحية توطنها الجغرافي‏),‏ المحظور قيامها بالدول المتخلفة‏(‏ لظروف تقنية واقتصادية وسياسية وجيوستراتيجية‏),‏ وهي صناعات تعد أشد فتكا ببيئة الكرة الأرضية كالصناعات الكيميائية والبيولوجية والذرية والهيدروجينية‏.‏ ولما تجاوزت بعض الدول ودخلت في الطريق الممنوعة بدون موافقة أو تصريح أو تعظيم لمصالح مشتركة‏,‏ تم ضرب مفاعل العراق وقامت الحرب السياسية والاقتصادية تجاه البرنامج النووي في كل من كوريا الشمالية وإيران‏,‏ وعلى صعيد آخر ولكن ترسيخا لنفس المبدأ تجد الدول الصناعية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة تكرس كل جهودها العلمية والسياسية تجاه امتلاك دولة إسرائيل لصناعات التكنولوجيا الفائقة بوادي السيليكون‏(‏ في مثلث تل أبيب ـ القدس ـ حيفا‏),‏ وتترك للدول العربية من حولها الاستثمارات في الصناعات التقليدية‏,‏ التي تستنفد ثروتها في نقاء البيئة مما يلوثها بمرور الزمن‏,‏ فتعجز الفوائض الاقتصادية‏(‏ عند محاولة الإصحاح البيئي‏)‏ أمام تغطية تكاليف تدهور صحة البيئة والسكان‏.‏

   وقد أكد خبراء توكيد الجودة والفحص البيئي بالمواقع الصناعية‏,‏ في بحث للبنك الدولي بعنوان التجارة الدولية والبيئة ‏(1993),‏ أن كثيرا من الصناعات القذرة قد هاجرت بالفعل إلى الدول النامية خلال العقود الثلاثة الماضية‏.‏ ودليل ذلك عند استخدام معدل حركة السهم في الصناعات القذرة ارتباطا بالحجم الكلي للتدفقات التجارية‏(‏ خلال المدة من ‏1965‏ ـ‏ 1988),‏ الذي تم تطبيقه على أكثر من مائة دولة مستقبلة لذلك النمط من الصناعات‏,‏ وجد أن الدول النامية قد سجلت معدلا يزيد بمقدار أربعة أمثال ما سجلته الدول الصناعية‏,‏ بالإضافة إلى سرعة نمو سهم الصناعات القذرة مقارنة بمتوسط حركة الأسهم لمختلف الصناعات بالدول النامية‏.‏ وبوجه عام فقد شهدت الدول الصناعية ‏(‏ الغنية‏)‏ هبوطا ملحوظا للاستثمار في أسهم تلك الصناعات‏,‏ نتيجة غلق أبوابها وتطبيق السياسات البيئية الصارمة‏,‏ بينما قد زادت صادرات الدول النامية‏ (‏ الفقيرة‏)‏ من منتجات تلك الصناعات الملوثة للبيئة‏,‏ حيث كرست الدول الطاردة لتلك الصناعات جهودها طلبا للهدوء البيئي والسيطرة على التلوث والاكتفاء بتوجيه الاستثمارات فيها خارج حدودها الإقليمية‏,‏ بينما تطلب الدول الجاذبة لتلك الصناعات ‏(‏ والتي تعمل كملاجئ للتلوث‏)‏ رفع معدلات النمو الاقتصادي ومستوي معيشة السكان‏,‏ بغض النظر عن معاناة البيئة والسكان من الاضطراب البيئي وزيادة تركز الملوثات السامة‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا