التسميات

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

الحروب والدمار البيئي الشامل ...

الحروب والدمار البيئي الشامل


جريدة الأهرام - قضايا و آراء -الأربعاء - ‏24 من محرم 1430 هـ -21 يناير 2009‏السنة  133- العدد 44606 :
 بقلم د. حمدي هاشم :
   لاشك أن للحروب في الماضي والحاضر آثارا واضحة على فكر وثقافة وحضارة الشعوب في مختلف أرجاء العالم‏,‏ وأن الفرق شاسع بين حرب البسوس التي دارت في الجاهلية بين قبيلتي بكر وتغلب‏,‏ وبين عملية الرصاص المصبوب في الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة‏,‏ من ناحية الأخلاقيات العامة والتقارب في القوة ووسائل الإغارة ونوعية الأسلحة الفتاكة المستخدمة التي يحرمها المجتمع الدولي.

    ‏ إن إشكالية البيئة وأخواتها الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية ومكافحة الإرهاب‏,‏ قد سقطت وراجت بضاعتها في أنحاء العالم من تلك الحداثة الأمريكية الرأسمالية مع نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي‏,‏ حيث تضمها أجندة فكرية واحدة متسلطة عليىقائمة اهتمامات كل من العلم والسياسة والرأي العام الدولي‏  ،‏ ومن ثم جاء اهتمام هؤلاء الناشطين السياسيين كما الباحثين الأكاديميين بذلك الأثر البيئي المروع والمستمر‏,‏ الذي يفوق كل تقدير أو توقع‏,‏ نتيجة ما تخلفه الحروب الحديثة في البيئة من دمار شامل وتدهور طبيعي وتخلف اقتصادي‏.‏ وحيث أن تقدير الآثار البيئية المترتبة عن حرب غزة تخضع لعوامل عسكرية عديدة في مسرح العمليات الحربية والمدة الزمنية والتكتيك المعتمد والأسلحة المستخدمة‏.‏
   شهدت حرب الولايات المتحدة الأمريكية على العراق إطلاق أعداد غير مسبوقة من الصواريخ الباليستية‏,‏ بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل من قذائف اليورانيوم المنضب والقنابل العنقودية‏,‏ بالإضافة إلى قنابل أخرى ذات قوة تدميرية جبارة‏,‏ وقد ساهمت هذه الحرب بشكل واضح في تلويث المياه الطبيعية وزيادة التلوث الكيميائي والإشعاعي‏,‏ إضافة إلى أنواع أخرى من التلوث لم تحدد بعد وسيظل التلوث البيئي بذلك العنصر السام من اليورانيوم المنضب لحقب جيولوجية قائمة‏,‏ وتبقى الأجزاء غير المتفجرة من القنابل العنقودية ألغاما موقوتة تحصد الأرواح وتعطل التنمية‏,‏ ومن المنتظر حدوث تشوهات في التركيب الجيولوجي لطبقات سطح الأرض‏,‏ نتيجة تتابع الهزات الأرضية المصاحبة لإلقاء القنابل ذات القوة التدميرية غير المسبوقة‏,‏ وبشكل خاص مكامن المياه الجوفية التي يزيد تعرضها لتسرب الملوثات من سطح الأرض‏,‏ ولن تفلت منظومتا الحياة البرية والنباتية من التعرض لتغيرات بيئية حادة تؤدي إلى خسائر بيئية ـ اقتصادية مروعة‏.‏ أضف إلى ذلك‏,‏ انتشار الفوضى المدنية وانهيار منظومة المرافق الحيوية‏,‏ من محطات الكهرباء‏,‏ والمياه والصرف الصحي وغيرها‏,‏ وتلوث المسطحات المائية بالمخلفات المماثلة والعملية وما يترتب على ذلك من تفشي الأمراض والأوبئة وتزايد احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية‏,‏ ولاسيما سرطان الدم عند الأطفال‏,‏ بالإضافة إلى تزايد حدوث التشوهات الخلقية في الأجنة وتزايد معدلات العقم عند البشر والحيوانات‏,‏ كما أن هناك أنواعا جديدة غير معروفة بعد من الأمراض والأوبئة‏.‏
    ينسحب ذلك الدمار البيئي الشامل لحرب العراق على حرب لبنان‏,‏ حيث لم تفلت البيئة البحرية للبحر المتوسط بطول الساحل اللبناني من التلوث بالنفط‏,‏ كما حدث بسواحل العراق والكويت في الخليج العربي‏.‏ هذا ومن وجهة نظر علم النفس البيئي‏,‏ تعد إصابة الأطفال بالمشاكل النفسية العميقة من المخاطر الحميمة للعمليات الحربية‏,‏ حيث يظل الطفل المعرض لويلات الحرب أسيرا لنوبات من الهلع والخوف مصحوبة بصعوبات بالغة في التفكير وحالات من القلق والاضطرابات‏,‏ وقد صرحت مؤسسات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة‏,‏ بأن الأطفال في فلسطين والعراق الأكثر تعرضا لمخاطر الضغط النفسي من جراء العمليات الحربية لإسرائيل والولايات المتحدة‏,‏ وأن نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال تحتاج لعلاج نفسي طويل الأمد‏, ‏ ومن ناحية أخرى‏,‏ يختلف الأثر البيئي ـ النفسي للحرب عند أطفال العمليات الحربية من قرب وهؤلاء الأطفال الذين يتأثرون من البعد‏,‏ ودليل ذلك اهتمام الدول المتقدمة بالتوازن النفسي لدى الأطفال لإزالة الآثار واستيعاب تلك الحروب التي تدور خارج حدودها في دول أخرى‏,‏ وذلك نتيجة تعرض هؤلاء الأطفال لمشاهدة بعض المناظر المؤلمة للمجازر البشرية‏,‏ التي تبثها الفضائيات عبر شاشات التليفزيون وتبقي إشكالية تقدير التكاليف الباهظة للدمار البيئي الشامل نتيجة الحروب‏,‏ التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات وتتطلب لإزالة آثارها في المحيط الحيوي داخل الحيز البيئي لمعيشة الإنسان خططا عالمية طويلة المدى تصل إلى آلاف السنين‏.‏ فليس المطلوب الإعمار المحلي لمناطق الحروب دون النظر في ضرورة معالجة تلك الآثار البيئية الحادة‏,‏ بل المطلوب من المجتمع الدولي تفعيل مبادئ العدالة البيئية بين الشعوب وعلى الدول المتسببة في الحروب دفع تكلفة إصلاح ذلك الدمار البيئي الشامل‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا