التسميات

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

واشنطن : سياحة غير شكل ...

واشنطن : سياحة غير شكل

القرآن من أجل النهضة - 23‏/03‏/2010 مقالات صديقة :

  بقلم د.أسماء الكتبي asma@uaeu.ac.ae

رحلات

واشنطن دي سي 2008

    كانت رحلتي لواشنطن دي سي بين عامي 2008-2009 مختلفة بكل المقاييس، وأهم تلك المقاييس أن تفاعلي معها لم يكن ايجابيا على الإطلاق، فما أن حطت قدمي بها، وبدأت أتحسس دروبي استعدادا للعيش فيها، حتى صرت انتقد كل ما أراه، وهذا على غير عادتي في تقبل الأشياء والأماكن بإيجابية، والتغاضي عن سلبياتها.

   
    لم تعجبني دي سي لذلك انتقدت بها أشياء كثيرة، ابتداء من مخطط المدينة ومبانيها وانتهاء بالإعلام، كل تلك الرؤية الناقدة، وأنا لم أرَ منها الكثير في ذلك العام -بالرغم من أن عشت بها أكثر من سبعة أشهر- لقد تعرفت إلى معالم واشنطن الرئيسية حين زرتها في التسعينيات من القرن الماضي، لكن في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين لم أر أكثر من الدروب التي كانت تنقلني من الفندق للسفارة، والعكس، كنت أشعر وأنا أسير في تلك الطرقات كأني في الفيوم، بالرغم من أني لم أرَ الفيوم في حياتيلكن لأن في واشنطن أشجاراًطبيعية كثيرة (غابة)، خاصة عند أطراف المدينة، والفيوم قرية مصرية زراعية،كنت اربط بين ذلك المشهد الخيالي بذهني عن الفيوم، بهذا المشهد الواقعي في دي سي، لدرجة أن أوصلني تفكيري المسترسل في ذاك الاتجاه أن واشنطن قريةٍ لكنمتحضرة. أتساءل الآن وأنا أكتب هذه الفقرة كيف هي قوية تلك القرية، لدرجة أنها تتحكم بدول العالم باختلاف أحجامها من موقعها الصغير والقصي عن العوالم القديمة والجديدة!!!

      لكن حين قرأت عن اختيار موقع العاصمة في تلك المقاطعة المقتطعة من كل من ولايتي ميريلاند وفرجينيا المدعوة بدستركت أوف كولمبيا District of Colombia، أرى الكثير في هذا الاختيار، أولا أنه أبعد العاصمة عن الحدود الكندية التي كانت تحت السيطرة البريطانية في الفترة الحرجة من استقلال أمريكا عن بريطانيا، أي في فترة طفولة هذه الدولة التي أضحت عملاقة في الوقت الحاضر، فلقد انتقلت العاصمة الفيدرالية من مركزها المؤقت في فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا -القريبة نسبيا من الحدود الكندية- إلى واشنطن دي سي جنوبا عام 1800، أي بعد حوالي خمسة وعشرين عاما من إعلان استقلال أمريكا عن بريطانيا.

    موقع العاصمة الجديد ليس بعيدا عن السواحل الشرقية للولايات المتحدة، مما يجعلها قريبة بعيدة عن العالم القديم (أوربا، وأفريقيا)، أما آسيا فتتفق مع أمريكا بمشاركتها سواحل المحيط الهادي الشرقية، الذي ليس للولايات المتحدة حدود ساحلية طويلة عليه فقط، بل أنها تمتلك قلب ذلك المحيط الأكبر على الكرة الأرضية، بعد أن انضمت إليها جزر هاواي عام 1959م، وهو ذات العام الذي انضمت فيه ألاسكا للولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر أكبر ولاياتها.

    إما الشيء الإيجابي الآخر في اختيار ذلك الاسم للعاصمة أنه جمع بين كرستوفر كولومبس مكتشف الأمريكيتين عام 1492 حين وصل لجزيرة سان سلفادور (جنوبا)، بالرغم من أن الفايكنغ بقيادة ليف أريكسون هم أول من وصل للبر الأمريكي (شمالا) قادمين من الغرينلاند عام 1000م! وبين وجورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة الذي تم تنصيبه عام 1789، وأعيد انتخابه أكثر من مرتين، وذلك على غير ما هو منصوص في الدستور الأمريكي أن للرئيس الأمريكي دورتين انتخابيتين فقط.     

    نظرتي السلبية لواشنطن تلك على نقيض إعجابي الشديد حين زُرتُها في عامي1993 و 1995، وهذا له أسبابه، فحينما زرتها في ذينيك العامين كنت أقيم في بيت أخي الكائن في البنتاجون سيتي أو الكرستال ستي، وهي مدينة ذات طابع مختلف، طابع رحب وجذاب يوحي بجاذبية المدينة الغربية، تماما مثل ما كانت تصوره لنا الكتب المدرسية والإعلام العربي،  بالرغم من أنها مدينة لا يختلف تخطيطها وتقاطع شوارعها الشطرنجية عن شوارع وسط المدينة في واشنطن، حينها لم أكن أعي بأني أقيم في مدينة مختلفة ومستقلة، فلقد كنت أعتقد أن البنتاجون ضاحية \منطقة من ضواحي واشنطن، وهذا طبيعي جدا من ناحتين، الأولى أن الإقامة في المكان تختلف عن الزيارة العابرة له، التي تمنع من الاستيعاب الكامل له، فلم استوعب أنها مدينة أخرى. أما الناحية الثانية أنه لبعض المدن الأمريكية خصوصية غير منتشرة في كثير من مدن العالم، وهو ظاهرة المدن العنقودية، أي المدن الملتصقة ببعضها البعض. الآن وبعد حوالي عشرين عاما من زيارتي الأولى لدي سي عام 1989م، أرى أن أم القيوين وعجمان والشارقة ودبي وجبل علي يكونون ظاهرة المدينة العنقودية في دولة الإمارات، فخلال مرورك بها من شارع الإمارات، أو حتى من الطرق الداخلية، لا تشعر بأنك تخرج من مدينة وتدخل في أخرى، بل أنك تشعر وكأنك تسير في مدينة عملاقة، اختلاف أنماط التخطيط فيها يوحي باختلاف جغرافيتها الطبيعة، وليس بالضرورة اختلاف جغرافيتها السياسية، إلا لو كنت تعلم ذلك مسبقا.

   على العموم مدينة البنتاجون مدينة متحضرة، وجميلة جداً، تحمل الصورة التقليدية للمدينة الأمريكية بشكل خاص، ربما لذلك شعرتُ حين الإقامة بها بأني بالفعل في أمريكا، لكن إقامتي داخل واشنطن نفسها، لم يُوحِ لي شيء بها أني في عاصمة أعظم دولة في العالم، فالطريق بين الفندق الذي كنت أقيم فيه والسفارة، لا يمر بالكابيتال-هلcapital hill حتى أِعرف بأني في واشنطن، بل يمر ببعض المباني القصيرة والعريضة في وسط المدينة، أما في أطرافها وقبل الوصول للسفارة فيمر ببيوت قديمة الطراز، قليلة الارتفاع، تختفي ملامح معظمها بين أغصان الأشجار الطويلة والعريضة والمورقة، التي كانت توحي لي برطوبة المكان، لأن الشمس لا تسطع عليها! والغريب أن كل البيوت الحديثة الطراز، أي المبنية في النصف الثاني من القرن العشرين، مبنية من الأخشاب، والخشب كما هو معروف سريع العطب، مما يعني أن العمر الافتراضي للبيت قصير، وفوق ذاك هي بيوت باهظة الثمن، والأدهى أن البلد معرض لعواصف إعصارية شبه سنوية، تنسف تلك البيوت مع كل هبة ريح، وليس هبة إعصار.

رحلات

واشنطن دي سي 1

د. أسماء الكتبي

    كان أجمل ما في الطريق بين الفندق والسفارة بعد المرور على تلك البيوت القديمة الطراز، هو عبورنا لجدول نهري على أطراف تلك البيوت، يبدو أنه أحد روافد نهر البوتامك الذي يفصل بين ولايتي ميرلاند وفرجينيا، لقد كنت كل يوم أتعرف على كمية الأمطار الساقطة فوق المرتفعات المنحدر منها ذلك الجدول، وذلك من خلال مراقبتي لارتفاع وانخفاض منسوب الماء فيه. أما في الخريف (سبتمبر وأكتوبر) وبعد عبور السائق بي ذلك الجدول، كان يدخلني حقل من غابات الأشجار الباسقة الارتفاع، المتلونة بكل ألوان الطيف بين البنفسجي والأحمر مرورا بالأصفر وشيء من الأوراق الخضر، كانت أشعة الشمس تخترق الأوراق الملونة وتزيد من إنارة ذلك الشارع الضيق، بل وتزيد من اتساعه، تجعلك تلك الاستنارة مستثارا، لا أدري إن كان من روعة المنظر، أم أنه نتيجة لما يقوله علماء الألوان: أن اللونين الأصفر والأحمر ومشتقاتهما من الألوان المستفزة، لذلك توضع في المطاعم المأكولات السريعة بشكل خاص، حتى تحفز المرتادين للخروج بسرعة لتفسح المجال لمرتادين جدد!!

    قبل أن أخرج من حيز طراز البيوت القديمة، أود أن أضيف بأني صرت أعرف اليوم لم تلك البيوت صغيرة، لأن الأراضي باهظة الثمن، كما صرت أعرف لم سقوفها منخفضة، وذلك لتوفير تكاليف لتدفئها، خاصة أنها كانت موجودة منذ كانت البيوت تدفأ بالفحم، وليس مثل اليوم عبر فتحات التكييف، أما بناءها بين الأشجار الكثيفة فأنها بالإضافة إلى حقيقة أن أمريكا قبل كولومبس كانت عبارة عن غابات كثيفة من الشرق للغرب، فأن تلك الأشجار كانت تساعد في تهوية البيوت في الصيف، فصيف واشنطن حار للغاية!! ولو كتب لأحدكم الذهاب لواشنطن وأراد أن يلمس هذه الحقيقة عليه الذهاب إلى فندق الرتز-كارلتون في التايسون كورنر\مكلين ويصعد للمطعم في أعلى الفندق، ليرى كيف هي البيوت مغروزة بين الأشجار.

    لكن ما أعجبني في تلك البيوت، أن معظمها يرفع العلم الأمريكي، فذكروني بطفولتي البعيدة حين كنت أرقى سقف البيت أعلق علم الإمارات عليه، في كل مرة كان يعود أبي فيها من الحج، لقد اختفت عندنا عادة رفع الأعلام على البيوت، ليعرف الناس أن في هذا البيت حاج حج ذاك العام، صحيح أن علم الدولة في الوقت الحاضر صار مرتبط بشكل خاص باليوم الوطني لدولة الإمارات، لكنه لم يعد مرتبطا بحياتنا الشخصية كما كان يوم يرفع بعد عودة الحجاج وحفلات الزواج، وكما هو ارتباطه بالنسبة للمواطن الأمريكي العادي في كل الولايات المتحدة وليس في واشنطن دي سي فقط، بل ارتباطه بالعيد الوطني اليوم ارتباط تجاري بحت، تربح المكتبات ومحلات الملابس الجاهزة أموال كثيرة في ذاك الموسم، على غير غرار موسم الحج، حين كانت النساء هن من يخطن العلم (أمي)، وكان الأطفال هم من يرفعونه عاليا (أنا).  

    كانت من ضمن سلسلة الانتقادات التي انتقدت بها واشنطن دي سي حين كنت أقيم بها بين عامي 2008 و2009 هو التسوق، فلقد تطاول غلاء الأسعار السماء، والجودة في الحضيض، لم أنتبه للسبب حين كنت هناك، لكن اليوم لي رؤية أخرى، فحين زُرتُ واشِنطن عامي 1993 و1995 لم أشعر بغلاء الأسعار،فلقد كنا نتسوق ببضائع جيدة وأسعار لا بأس بها، لأن قيمة الدولار كانت عالية، وليس كما كانت حين ذهبت إليها أثناء الكسوف الاقتصادي في عام2008.

     وفي هذا تحليل اقتصادي متواضع ابتكرته أنا على النحو التالي: إذا كان سعر الدولار في الحضيض، فهذا يعني أن أمريكا سهلٌ أن تُصدِّر منتجاتها، لأن أسعار منتجاتها ستعتبر رخيصة في كل الأحوال، لكن عند الاستيراد فذلك صعب، وذلكببساطة لأن مقارنة سعر الدولار في الحالتين مختلفة جداً، لأنه نتيجة لانخفاض سعر الدولار ترتفع قيمة العملات الأخرى وبالتالي ستضطر أمريكا لاستيراد المنتجات الغير محلية بأسعار خيالية، حتى البضائع الأمريكية المصنعة في الخارج، فإن تكلفتها لابد أن تكون أعلى من المعتاد، وذلك طبعاً تبعاً لرخص سعر الدولار في الخارج، وبالتالي ارتفاع قيمة أجور الأيدي العاملة هناك، مما سيؤدي لارتفاع قيمة التكلفة، لذلك كان لابد أن تكون بضاعتهم في ذلك الخراب وعدم الجودة، وخاصة البضائع المستوردة، فعلى ما أعتقد أن التجار كانوا يلجأونللبضائع الأقل سعراً، وبالتالي هي أقل جودة.

    لم اكتفي بذلك النقد، بل إنني تطاولت وانتقدت الذوق العام بالنسبة للملابس في أمريكا، حين وجدت أن معظم الملابس هناك لها ثلاثة ألوان: أسود، وأبيض،ورمادي. وللتنويع يضاف إليها الكُحلي، والبُنِّي، وفي الشتاء يُضَاف اللون البنفسجيأنا اعتدت التفاؤل في السنوات الماضية، واعتدت ارتداء الألوان الجميلة التي تعني الإقبال على الحياة، وهي تتضمن جميع الألوان الأخرى التي لم تُذكَر أعلاه، أو مشتقات من الألوان أعلاه، لكن برونق مختلف عن الذي كنت أراهُ في الأسواق.

     لم أكتفِ عند ذلك الحد من النقد، فحين انتبهت لمسألة التعتيم الإعلامي، صرت أتكلم عن ذلك في كل مناسبة، فلقد وجدتُ أن الشارع الأمريكي مغلوب على أمره،يعيش حالة من التعتيم الإعلامي لا تعيشها شعوبٌ أخرى تحت أنظمة حكم دكتاتورية، فكل الأخبار في الـ CNN -على سبيل المثال- عن أمريكا فقط،وكأنه لا يوجد عالمٌ به بشر خارج تلك القارة، بل خارج تلك الحدود، لدرجة أنه لا توجد أخبار حتى عن كندا أو المكسيك، الأمريكان يعللون ذلك بأنهم بلد قارة وأن أخبارهم بالكاد تكفي ساعات البث، أقول إن ذلك صحيحٌ مادامت الأخبار تتضمن حياة المشاهير والفنانين وجرائم القتل. ولأكون أكثر حيادية فأن الأخبار أو التقارير الخارجية التي تبث في تلك القنوات لا تبث إن لم يكن لها ارتباط مباشر بالولايات المتحدة سواء من حيث وجود رعايا، أو مصالح اقتصادية، أو خلافات سياسة، أو أنها مستعمرة من المستعمرات الأمريكية!


  رأيت أنه بذلك التعتيم الإعلامي عن العالم الخارجي، تفرض الحكومة الأمريكية على الشعب الأمريكي مُختاراً ما تراه هي، بمعنى إن كان الشعب جاهلاً بما يحدث خارج حدوده، ولا يرى في الإعلام إلا إيجابيات حكومته، فكيف له أن يعترض؟ لذلك فهمت لِمَ الشَّعب الأمريكي أعاد انتخاب بوش بالرغم من أنه كان يسحب الدولة والشعب إلى حربين دمرتا الاقتصاد الأمريكي!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا