التسميات

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

رعلة اليعاقبة .. د. أسماء الكتبــي ...

رعلة اليعاقبة 
د. أسماء الكتبــي 
‏‎Asma AlKetbi‎‏
    لا أبالغ حين أكتب أن الحظ لعب دوراً كبيراً في العثور على كنز “رعلة اليعاقبة”، كما لعب دوراً في أنشطة الجمعية الجغرافية الإماراتية الأخرى، لكن حظنا هنا مختلف، فنحن جمعية جغرافية وليس جمعية آثار، ورغم ذلك فقد ارتبط هذا الموقع الأثري بالجمعية الجغرافية الإماراتية للأزل .
    تبدأ قصة عثورنا على هذا “الكنز” لما اقترح علينا صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة رأس الخيمة الاطلاع على كهف قريب من قمة جبل “جيس”، وطلب من “محمد” وهو أحد أبناء وادي شحة أن يأخذنا إليه، وبدوره محمد خَوّل “أحمد الشحي” ليكون دليلنا، لكن ما حدث أن أحمد لم يأخذنا إلى الكهف المقصود، وذلك ليس رفضاً منه، لكن لقوانين عرفية بين الشحوح، تخص توزيع الشعاب بين قبائلهم، وبما أن ذاك الكهف يقع في شِعب قبيلة أخرى، أخذنا لكهف قريب من بيته، المبني فوق رعلة ذاك الشعب، والتي تدعى رعلة  اليعاقبة.
    وبما أننا “حفنة” من العلماء، اعتقد أحمد أني وباقي فريق البعثة الاستكشافية للكهوف نعرف كل شيء فوق وجه البسيطة، بما فيها علم الصخور المنقوشة، الذي يعد أحد التخصصات في علم الآثار، وبناء على تصوره ذاك ومنذ أن خطونا أول خطوة داخل وادي شِعب “اليعاقبة”، وطوال الطريق من موقف السيارات عند مدخل الِشعب، حتى بيته فوق الرعلة، كان يسألني عن سر النقوش التي رُسمت على الصخور، والتي طالما تساءل عن سر وجودها منذ أن كان صغيراً، إصراره على أن أفك له هذا اللغز، ولّد لديّ فضولاً لرؤية تلك النقوش، رغم تأكدي أني لن أستطيع حل سرها .
    بعد مسير أكثر من ساعتين، ووصولنا إلى كهف “المبردة” الذي لم يكن كما تأملنا، تكاسل معظم الفريق عن السير إلى بيت أحمد، الذي يبعد عن الكهف مسير ساعة، تسير فيها 500 متر منحدرة من ارتفاع 200 متر، فسرنا معه أنا والدكتورة نادية، وهي إحدى عضوات فريق العلماء السلوفانيين المنضمين إلينا من أجل استكشاف الكهوف، كما صَحِبنا صالح وهو أحد أعضاء الجمعية الجغرافية، لما وصلنا لم يخب ظني، وتكلل تعب مسير ذلك اليوم بنهاية لم أتوقعها، لأن ما وجدناه لم يكن صورة واحدة، ولا صورتين، ولا حتى عشر صور، بل كان أكثر من مئة صورة، أي أننا حين دخلنا تلك الرعلة، دخلنا لمعرض لوحات حجرية، فعرفت فوراً أني حصلت على كنز من الصور المنقوشة فوق أسطح الحجر، محيت عوامل التجوية بعضها، والبعض نجا من لعبة الجو، وظل صامداً ينتظرني أن أصل إليه، فعرفت لِمَ الفنانون اليوم يرسمون في الهواء الطلق، بالطبع هم لا ينتظرونني أن آتي إليهم وأرى كنوزهم الفكرية وهم يرسمونها، لكنهم يفعلون ذلك لأن الإنسان منذ الأزل اعتاد الرسم خارجاً فوق الرمال والهضاب الصغيرة والكبيرة .
     تقع رعلة اليعاقبة عند رأس أحد الروافد الشمالية الشرقية لوادي شحة - وهو رافد من روافد وادي البيح - والرعلة في اللغة تعني هضبة صغيرة، فوق تلك الرعلة وجد فريق البعثة الاستكشافية للكهوف التي قامت بها الجمعية الجغرافية في يناير/ كانون الثاني 2011 نقوشنا الحجرية المنوعة، بين نقوش للجواهر، ولرحلات الصيد، أو حتى المعارك، وأجملها تلك التي تشبه الكبسولة الفضائية، وجميع تلك اللوحات يعتقد أنها نُقشت قبل 1500 عام .
    يمكن القول إن الصخور المنقوشة هي أولى الفنون البشرية، وأوسعها انتشاراً، وهي موجودة في معظم بلدان العالم، بما فيها بلدان شبه الجزيرة العربية والربع الخالي، كما أنها منتشرة في جميع القارات سواء قارات العالم القديم، أو العالم الجديد، وتعود أقدم هذه النقوش -في العالم- إلى أكثر من عشرة آلاف عام، أي بعد أن تجاوز الإنسان القديم مراحل الصيد والجمع والالتقاط، ونحا نحو شيء من الاستقرار.
    يمكنني تعريف النقوش الحجرية Petroglyphs  في رعلة اليعاقبة - من خلال 
ملاحظتي- بأنها عبارة عن دق بعود صلب يشبه المسمار فوق الصخر، تنتج عنه كدمة دائرية بيضاء اللون، قطرها لا يتجاوز 50 سنتيمتراً، يتم دقها بشكل متجاور كالخط، الذي يتعرج ليظهر الشكل المطلوب، وهذه النقوش الحجرية مختلفة عن الرسوم الحجريةpictograph ، لأن الثانية يتم رسمها بالألوان، التي غالباً ما تكون مشتقة من اللون الأحمر، بينما الأولى تتم نتيجة النحت الإبري (المسماري) لقشرة الصخر السطحية . كما أنها تختلف عن الصور المختزلة "الرموز" Pictographs، التي نرى تطورها اليوم مستخدماً في الإشارة للمواقع السياحية وفي الإشارة للعلامات المرورية، وفي النهاية هي تختلف أيضاً عن اللغة المرسومة Logograms  مثل اللغتين الصينة والهيروغليفية، رغم أن البعض يعد اللغة المرسومة المرحلة الأولى من مراحل أو بدايات اللغة المكتوبة .
    ويُعتقد أن الصخور المنقوشة مرتبطة بالجذور الثقافية والدينية للمكان، كما يُظن أن بعضها يعود للغة ليست معروفة ولا مفهومة بعد، وهناك نظريات عدة تشرح هذه الظاهرة وأهدافها، وتختلف النظريات وفقاً للموقع الذي وجدت فيه النقوش، وتاريخها، ونوع الصور ذاتها، فبعضها يعتقد أنه يحدد موقعا فلكياً، وبعضها يظهر كخريطة، والنقوش التي يعتقد أنها خرائط تظهر قوافل من الناس، وتبين المسافة والزمن المستغرق للرحلة، كما تظهر بعض المظاهر التضاريسية، وفسر البعض هذه النقوش كنوع من أنواع التواصل الاجتماعي، وهذا ينطبق على نقوش شبه الجزيرة العربية، بما فيها نقوش الساحل الشرقي لدولة الإمارات .
    وشرح البعض هذه الظاهرة بأنها استلهمت من الظروف المحيطة بالأشخاص، لكن التشابه بين هذه النماذج، واتساع انتشارها في قارات العالم المختلفة التي تفصل بينها محيطات شاسعة يدعم هذه النظرية، ويدافع المؤيدون عن هذه النظرية أن انتشار هذه الظاهرة يعود إلى أن محترفي هذا النوع من النقوش كانوا من أصل واحد ثم تفرقوا بالهجرة . وأكثر التفسيرات جدلاً تلك التي تعتقد أن الصخور المنقوشة وُجدت في ثقافات متعددة ومتباعدة نتيجة لتركيبة الدماغ البشري الوراثية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا