الموقع الجغرافي للصومال وأثره في بنائه السـياسي
دكتور أبشر الإمام الأمين
تقــديم :
لقد ظل الصومال، بحكم هذا الموقع الجيوبوليتيكي الذي يتمتع به، مسرحا لصراعات إقليمية ودولية : منها ماهو ذو رواسب تاريخية ومنها ما هو وليد عصرنا الحاصر ، إننا نجد أنه منذ عام 1854م دأبت الدول الكبرى على إذكاء نار الصراعات في هذا القطر وفي مقدمة هذه الدول بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ثم جاء بعد ذلك دور كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية .
وبحكم كون الصومال مشرفا على ممر مائي مهم للعالم ، فقد عاد التنافس الخارجي والصراعات المختلفة على هذاالقطر بصنوف من الاحتلال عبر التاريخ .
وعلى الرغم مما كتب وقيل عن الصومال فإنني أرى أنه لم ينل حظه من الدراسة المستفيضة بوصفه بلدا منكوبا منذ ظهوره على خريطة العالم وحتى وقتنا هذا . فهو منطقة يمتد إليها باطراد الصراع العالمي لا لشيء إلا لكونه يتمتع بموقع استراتيجي مهم.
هدف الدراسة :
تهدف هذه الدراسة الموجزة إلى القاء مزيد من الضوء على ماحدث ويحدث الآن في الصومال ، وكيف أن هذا الموقع أصبح سببا في شتات الصوماليين وتمزيقهم ، كما تهدف الدراسة إلى بيان كيف أن هذا القطر بحكم أهمية موقعه الجذاب المطل على باب المندب والذي يتميز بخصائص جيوبوليتيكية واستراتيجية فريدة استدعت قيام صراعات إقليمية ودولية حتى أصبح يمثل إحدى القضايا التي تساهم بقدر كبير في الصراع القائم في منطقة القرن الإفريقي بل إنه يمثل رأس الحربة في دول القرن الإفريقي .
كما تهدف الدراسة أيضا إلى كشف التدخلات السلبية للدول الأوربية والقوتين العظميين ودول الجوار الإفريقي في الحياة السياسية الصومالية .
وتأتي أهمية الموقع في تعاظم الدور الذي تلعبه العلاقات الخارجية وما دعا الدول الاوربية الثلاثة ( بريطانيا وفرنسا وايطاليا ) إلى أن تتنازع وترفض كل دولة منها التنازل عن حقها من تلك الفريسة ، مما أدى في النهاية الى توزيعه بين هذه الدول الثلاثة . بالإضافة إلى ما انتزعته منه كل من إثيوبيا ممثلاً في إقليم أوقادين ، وكينيا التى انتزعت الأجزاء الجنوبية منه وأصبحت تمثل الجزء الشمالي الشرقي من كينيا وتقدر مساحتها بـ 20% من الأراضي الكينية حاليا .
كما تهدف الدراسة إلى لفت الأنظار إلى هذا الموقع الفريد واكتشاف الأدوار التي مهدت له لكي يتمتع بعلاقات خارجية مع محاولة قياس كل من الموقع والسكان في هذه العلاقات الخارجية وإثبات أن للصومال دورا بارزا في العلاقات الخارجية الدولية يؤثر ويتأثر بها .
مشكلة البحث :
إن العلاقات الدولية الخارجية ماهي إلا روابط وعلاقات اجتماعية وسياسية منظمة بين الدول تقننها قواعد وقوانين (1) ، إلا أن الدول الكبرى وسعيها للهيمنة والتوسع أديا إلى تقسيم العالم إلى دول قوية وأخرى ضعيفة وأظهرت الدول الكبرى روح الاستعلاء والاستهانة بالسيادة الوطنية للدول الضعيفة ، وأيضا الاستهانة بأمنها وبالعلاقات الدولية التي من المفروض أن تبنى على التكافؤ والاحترام المتبادل ، إلا أن هذا الوضع غير المتكافىء أصبح مصدرا لسوء العلاقات الدولية ، حيث تعرض كثير من هذه الدول الضعيفة لأزمات حادة ولدت للبشرية كوارث ونكبات سببها غياب منطق العقل ومنطق الحرص على السلام ، وحل محل هذه العلاقات الدولية نزاعات عدوانية بين الدول القوية والدول الضعيفة.
منهج البحث :
تنوعت مناهج البحث التي اتبعها الباحث وذلك لطبيعة الموضوع وهي :
المنهج التاريخي لوصف الأحداث وتتبعها، ثم منهج التحليل السياسي لتحليل المعلومات التي تم الحصول عليها ، مع تتبع أبعاد تفاعل الصراعات التي تدور منذ فجر التاريخ في هذا القطر وحتي وقتنا هذا .
----------------
المصادر :
اعتمد الباحث في دراسته على المصادر العربية والأجنبية ، وكتابات الباحثين والدارسين ومن معايشة الأحداث في الفترة التي قضاها بالصومال من عام 1982م إلى عام 1986م عاملاً بهيئة التدريس بالجامعة الوطنية الصومالية بمقديشو.
وقد مكنتني مراحل الدراسة الميدانية من التجول في ربوعه واللقاء بالمسئولين بالإدارات الحكومية المختلفة ومنظمات الأمم المتحدة بها ، والهيئات ومعايشة سكانها عن قرب في تلك الفترة .
الموقع الجيوبوليتكي للصومال :
الصومال شبه جزيرة مثلثة الشكل ، ويحتل منطقة شاسعة من القرن الإفريقي، يقع بين خطي عرض 2 جنوبا ، 5,12 شمالا، وهو العضو الوحيد في جامعة الدول العربية الذي تمتد أراضيه جنوب خط الاستواء ، وتبلغ مساحته 756736 كيلومتر مربع ، وتمتد حدوده الشمالية من خليج تاجورة على ساحل البحر الأحمر مارة بخليج عدن حتى رأس عسير ، وفي الجنوب تمتد حدوده من سواحل المحيط الهندي ابتداء من جزيرة ( قارد فوي ) ورأس المثلث المواجه لها وحتى مصب نهر تانا ثم تتجه حدوده شمالا عبر الحدود الغربية لمنطقة هرر حتى ساحل خليج عدن المحاذي لباب المندب ( شكل 1 ) .
عرف الفراعنة بلاد الصومال باسم بلاد بونت واتجهوا إليها باحثين عن البخور لمعابدهم وعن مواد أخرى مثل الصمغ العربي واللبان الضكر والعاج والأخشاب العطرية والذهب .
وأولى الرحلات تلك قامت بها ملكة مصر حتشبسوت في الفترة من 2743 – 2731 ق م ثم تلتها رحلات وحملات أخرى (2).
والصومال يمتلك أطول سواحل في قارة إفريقيا حيث يزيد طول سواحله عن 3300 كيلومتر (3) وفرض الحدود السياسية الحالية للصومال يرجع إلى الفترة من عام 1885 الى عام 1900م إذ فرضت عليه عن طريق كل من بريطانيا وايطاليا وفرنسا وذلك عندما حصلت بريطانيا على كينيا والصومال البريطاني ، وايطاليا على الصومال الإيطالي الواقع في جنوب الصومال الإنجليزي ، وحصلت فرنسا على الصومال الفرنسي حاليا ( جيبوتي ) (4).
وتشمل أرض الصومال الكبرى هذه الأراضي التي تم تقسيمها بين القوى الاستعمارية الثلاثة السابق ذكرها ، بالإضافة إلى الجزء الذي استقطع لكي يضم إلى الحبشة وهو إقليم ( أوقادين ) والجزء الشمالي الشرقي من كينيا والذي تم استقطاعه من الصومال ، ومن أجل ذلك يرمز علم الصومال الوطني إلى الصومال الكبير المتمثل في أطراف نجومه الخمس التي تمثل أقاليم الصومال الخمسة آملين في لم الشتات وتوحيدها تحت راية واحدة .
في يوم 26 يونيو 1960م أصبح الصومال البريطاني مستقلا ، وبعد خمسة أيام من ذلك التاريخ استقل الصومال الإيطالي واتحد الصومالان في أول يوليو 1960م ليشكلا جمهورية الصومال الديمقراطية ، وقد وجد الصوماليون المستقلون وقتئذ أن كثيرا من أهل الصومال بقوا خارج بلادهم مستقرين في كل من إثيوبيا وكينيا وجيبوتي ، وبعد الاستقلال شهدت الساحة الصومالية من عام 1960 إلى 1969 ثلاث حكومات منتخبة ، الأولى كانت من 1960 إلى عام1964 برئاسة عبدالرشيد على شرماركي ، والثانية من 1964 إلى 1967 برئاسة حاج حسين ، والثالثة من عام 1967 إلى اكتوبر 1969 برئاسة محمد حاج إبراهيم عقال. وفي 21 اكتوبر 1969 استولى محمد سياد بري على السلطة بانقلاب أبيض (5) ومن هذا التدرج في اختيار حكومات صومالية بانتخابات حرة نزيهة يتضح لنا أن البناء السياسي في الصومال قد بدأ بصورة حضارية متزنة ، ولولا التدخلات الأجنبية التي حدثت لسار الصومال في بنائه السياسي على هذا المنوال المتحضر الراقي .
أهمية موقع الصومال :
إن الخواص الاستراتيجية لموقع الصومال ظلت على مر التاريخ عامل جذب لقوى مختلفة متصارعة ، انغمست في منافسات وصراعات ومنازعات في إطار سعي كل منها إلى تحقيق أهداف استراتيجية وعسكرية لبلاده .
فالصومال يتميز بموقع جيوبوليتيكي فريد ، فهو متاخم لكل من منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي ، كما يقع في نقطة لقاء قارتي إفريقيا من الغرب وآسيا من الشرق ، ويشرف على البحر الأحمر الذي يربط البحر العربي والمحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة مضيق باب المندب ، وهذا الموقع ربط آسيا بإفريقيا عن طريق الموجات البشرية الزاحفة من شبه الجزيرة العربية إلى قارة إفريقيا قبل وبعد انهيار سد مأرب في منتصف القرن الخامس الميلادي (6) كما يعد الصومال مدخلا للإسلام في شرق إفريقيا .
وهذه الأهمية لموقع الصومال تظهر بجلاء في تلك التدخلات الإجنبية للنيل من أراضيه منذ فجر التاريخ والتي أدت في النهاية إلى تمزيقه بواسطة المستعمرين إلى خمسة أجزاء .
كما أن أهمية البحر الأحمر من الناحية العسكرية تكمن في أنه المدخل إلى المحيط الهندي عبر مضيق باب المندب ، والذي يتسم هو والقرن الإفريقي بأهمية حيوية للقوتين العظيمتين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي ومن قبلهما بريطانيا وايطاليا وفرنسا ، إن الصومال بالإضافة إلى دولة ( جيبوتي ) والتي تعتبر ربيبة الصومال وجزءاً منه وشاءت الأقدار وأبت إلا أن تكونا دولتين مستقلتين تقومان حاليا على خليج عدن الذي يعتبر المدخل الطبيعي إلى البحر الأحمر ، وأن ممر البحر الأحمر الذي يربط حاليا ما بين أكبر حقول النفط في الخليج العربي وأكبر مستهلك للنفط في غرب أوربا . وأن الدولتين تشتركان مع البحر الأحمر في خصائصه الطبيعية وأهميته الجيوبوليتيكية لذا يرى المستعمرون أن هذه الأسباب كافية لاستعمارهما .
سكان الصومال سلاليا Anthropology
ترجع أصول سكان الصومال سلاليا إلى السلالة الحامية وأن كلا من سام وحام هما أبناء سيدنا نوح عليه السلام وهذه السلالة الحامية أتت قادمة من الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية عبر باب المندب (7) وتتميز هذه السلالة باللون القمحي والشفاه الرقيقة ونحالة الجسم والشعر المجعد والرأس الطويل والوجه الطويل والأنف الدقيق المستقيم ، وتمثلهم حاليا قبائل الجالا والهوية والساب والدارود والمريحان التي ينتمي إليها محمد سياد بري ثم قبائل الرحاويين والمجرتان وقبيلة إسحق التي تشكل 60% من سكان شمال الصومال .
استمر الصوماليون منذ القرون الوسطي وحتى القرن التاسع عشر ينتقلون تجاه الجنوب حتى وصلوا إلى نهر تانا في كينيا ، وطردوا في طريقهم جماعات البانتو والغال وامتزجوا ببعضهم .
ثم تلت الهجرات الحامية من شبه الجزيرة العربية عبر باب المندب الهجرات السامية المتمثلة في الهجرات العربية قبل وبعد ظهور الإسلام ، وامتزج المسلمون بسكان الصومال وصاهروهم فأخذ الإسلام واللغة العربية ينتشران تدريجيا بالصومال واعتنق السكان الإسلام وقد بلغ انتشار الإسلام مبلغا كبيرا عن طريق إسلام قبائل الجالا ( الاورومو) الذين زحفوا من السواحل شمالا حتى استقروا فوق الهضبة الحبشية (8) ومن أجل ذلك تحتوي اللغة الصومالية على ألفاظ عربية كثيرة.
يظهر أثر العرب واضحا في الصومال كلما اتجهنا في البلاد من الجنوب إلى الشمال ، إذ يتدرج لون البشرة لدى السكان من الأسمر الغامق إلى الأسمر الفاتح إلى اللون الأبيض في بربرة وهرجيسة والساحل المطل على خليج عدن .
وتبلغ نسبة السكان الرحل في الصومال 70% من جملة السكان ، وهم في الأساس رعاة إبل في الشمال والوسط ، ورعاة أغنام وماعز في الجنوب والغرب ، إلا أن غالبية السكان رعاة إبل ، ولغة التخاطب بين الصوماليين ولغة البلاد الرسمية هي لغة سواحيلية حامية وتكتب بحروف لاتينية، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الثانية في البلاد ، وقد كانت قبل حكم ( محمد سياد بري ) أكثر انتشارا مما هي عليه الآن ، ويعد ( محمد سياد بري ) من أشد المتحمسين لانتشار اللغة الصومالية دون سواها داخل الصومال بحجة أنها هي التي تعمل على توحيد الشعب الصومالي وتربطه داخل حدوده الكبرى .
وقد اختلفت آراء العلماء حول أصل تسمية ( صومال ) إلا أن هناك إشارة من بعض الصوماليين إلى أنها مأخوذة من تحريف كلمة ( ذو مال ) العربية ، والمال قد يعني عندهم الإبل (9)
سكان الصومال ديموغرافيا :
مما تجدر الإشارة إليه أن تقدير عدد سكان الصومال بدقة أمر بالغ الصعوبة، وذلك لارتفاع نسبة الرعاة الذين هم في تجوال مستمر بحثا عن الكلأ لحيواناتهم وتبلغ نسبة الرحل 70% من جملة السكان ، هذا بالإضافة إلى نقص الخبرة الإحصائية وغياب الأجهزة الحديثة المتخصصة . بالإضافة إلى النزاعات القبلية المستمرة ، ومشكلات الحدود القائمة في شمال وجنوب وغرب البلاد . ومع ذلك فإن تقديرات سكان المدن الكبرى بالبلاد مثل مقديشو وهرجيسة وجوهر وبلعد وبلدوين أقرب إلى حد ما إلى الدقة رغم أنها لاتخلو من العيوب .
تدل التقديرات الحالية إلى أن عدد السكان داخل جمهورية الصومال الديمقراطية حوالى سبعة ملايين نسمة .
تتفاوت الكثافة السكانية بالبلاد من منطقة إلى أخرى وتتميز الأجزاء الجنوبية من البلاد بارتفاع الكثافة السكانية بها حيث تمتد المناطق الصالحة للزراعة حول كل من نهري شبيلي ( نهر النمور ) ونهر جوبا ، بل يعتبر إقليم شبيلي السفلى من أكثر الأقاليم الصومالية كثافة حيث تبلغ الكثافة السكانية به 9ر40 شخص في كل مربع ، يليه إقليم بنادر الذي تقع فيه العاصمة مقديشو (10) أما المحافظات الشمالية والشرقية والوسطى فإنها أقل كثافة نسبة لاتساع المساحات الصحراوية بها ،هذا ويعتنق الصوماليون الإسلام بنسبة 100%.
صراع الدول الأوربية حول الصومال بسبب الموقع :
بدأ الصراع حول الصومال بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في عام 1854م وذلك عندما بسطت بريطانيا سيطرتها على ميناء بربرة الصومالي ، واستطاعت فرنسا في عام 1862 شراء وجودها في ميناء أوبوك ( حاليا جيبوتي ) من رؤساء القبائل الصومالية ، وبعد ذلك تم احتلال جيبوتي وتاجورة بصفة رسمية في الأعوام 1884 – 1885- 1888 بحجة تأمين سفنهم المارة بباب المندب(11).
وفي عام 1920 مر الأسطول الدانماركي بجزيرة سوقطرة التي تقع على رأس المثلث الصومالي بالمحيط الهندي ، وتعد جزيرة سوقطرة من الناحية الجيولوجية امتدادا للرأس الإفريقي الذي كان متصلا بالزاوية الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية ، حيث فصل عنها بعد انفتاح خليج عدن نتيجة لعملية التصدع التي حدثت خلال عصر البلايوسين والتي أدت أيضا إلى انفصال جزيرة سوقطرة عن الرأس الإفريقي ووصولها إلى ماهي عليه الآن (12) ونزل الدنماركيون بها وعقدوا معاهدة تجارية مع رؤساء القبائل بها ( 13) وجزيرة سوقطرة رغم وقوعها ضمن أراضي الجمهورية اليمنية سياسيا إلا أن صفات سكانها الجسمانية أقرب ماتكون لسكان الصومال من سكان اليمن (14) وقد تم احتلال جزيرة سوقطرة في عام 1507م من قبل البرتغاليين ثم تركوها في عام 1511م بسبب ظروفها المعيشية الصعبة (15) كما أن الرحالة البرتغالي فاسكو داجاما في عام 1497م وصل إلى السواحل الصومالية المطلة على المحيط الهندي وأقام قواعد في إقليم بنادر ، وقد أعطى وصفا دقيقا لمدينة مقديشو التي كانت مرفأ مهماً لاستقبال السفن (16) مما زاد من لفت الأنظار إلى موقع الصومال ، وبدأت القوى الإمبريالية تتصارع مع بعضها البعض عليه وعقدت فيما بينها اتفاقيات في عام1897م وعام 1880م في محاولة لتحديد مصالح كل قوة في المنطقة ، وفي عام 1925 احتلت كل من بريطانيا وايطاليا الصومال وأصبح يعرف كل جزء من الصومال باسم القطر المسيطر عليه ، وظهر اسم الصومال الانجليزي وعاصمته هرجيسه والصومال الايطالي وعاصمته مقديشو والصومال الفرنسي وعاصمته ( جيبوتي ).
واصطدم كل من الاستعمار الإيطالي والانجليزي والفرنسي بثورة الزعيم (محمد عبدالله الحسن ) الذي سمى أتباعه بالدراويش وحذا حذو ( محمد أحمد المهدي ) في السودان في ذلك ، وأعلن الحرب المقدسة ضد المستعمرين وجاهد في سبيل توحيد الصوماليين تحت راية واحدة . واستمرت حربه ضد كل من القوات البريطانية والايطالية والإثيوبية مدة 21 عاما ابتداء من عام 1900 إلى عام 1921م ولم تنجح مساعيه في توحيد الصومال تحت راية الإسلام بسبب دسائس المستعمرين (17) وساعد وجود القوى الاستعمارية في المنطقة على نشوء المزيد من المشكلات عن طريق تفجير الصراعات السابقة وإضافة صراعات عنصرية واقليمية وثقافية جديدة ادت إلى رسم حدود متعسفة بصورة قسمت الشعب الواحد إلى خمسة أجزاء ، وهكذا كان من نتائج وجود أنماط عديدة من الاحتلال والسيطرة الخارجية على الشعب الصومالي أن حلت به هذه الكارثة والتي ظلت آثارها باقية بعد رحيل الاستعمار ، وحتى الآن لاتزال الصراعات قائمة ولم تجد حلا بل زاد من تفاقم هذه الصراعات تدخل القوتين العظميين (18) .
صراع الدولتين العظميين حول الصومال بسبب الموقع :
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ايطاليا فيها قرر الحلفاء توزيع ممتلكات إيطاليا عليهم ، واقترح الاتحاد السوفيتي أن يضع الحلفاء المستعمرات الإيطالية وهي الصومال الإيطالي وإرتريا تحت الوصاية السوفيتية ، إلا أن الحلفاء لم يوافقوا على هذا الاقتراح (19) ومنذ ذلك الحين ظل الاتحاد السوفيتي يتقرب إلى الصومال ابتداء من عام 1960 يقدم له المساعدات الاقتصادية والعسكرية ، والتي كان الصومال في أمس الحاجة إليها وبخاصة أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وايطاليا رفضت تقديم أي عون له ، ونتيجة لهذه المساعدات السوفيتية للصومال سمح الصومال للاتحاد السوفيتي بإنشاء تسهيلات بحرية لهم في ميناء بربرة وأيضا إنشاء مطار عسكري بها ، مع إنشاء مركز للاتصالات المتطورة أيضا في كل من مقديشو وآخر في ميناء بربرة.
ونتيجة لهذا التقارب بين الدولتين أيضا توجه نظام حكم ( محمد سياد بري ) تجاه اليسار الشيوعي وفي شهر مايو من عام 1970 قامت حكومة محمد سياد بري بتأميم أغلب الشركات العاملة بالصومال (20) كما تم توقيع معاهدة صداقة بين الدولتين في شهر يونيو عام 1974 (21) وأطلق على أهم شوارع مقديشو أسماء لينين وستالين .
وفي الوقت الذي كان فيه السوفيت يسلحون الجيش الصومالي ويدربونه كانت الولايات المتحدة الامريكية تفعل الشيء نفسه للجيش الإثيوبي ، وبهذا صعدت الدولتان العظيمتان من حدة الصراع الصومالي الإثيوبي بحكم تورطهما وتدخلهما في القرن الإفريقي .
ظلت العلاقات السياسية حميمة بين الدولتين الصومالية والاتحاد السوفيتي في الفترة من عام 1960م وحتى عام 1976 وبقيت الصومال محور الاهتمام السوفيتي حتى استيلاء النظام الماركسي على الحكم في إثيوبيا في شهر فبراير عام 1977م بقيادة ( مانقستو هايلي ماريام ) فحول السوفيت دعمهم إلى اثيوبيا الأكثر سكانا والتي كانت تمثل في نظرهم نظاما أكثر تقدمية وثورية .
أما بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فبعد سقوط حكم نظام ( محمد سياد بري) في عام 1991 اشتد النزاع المسلح بين الفصال الصومالية وعمت الفوضى والدمار في جميع أنحاء البلاد وغابت السلطة وأصبحت مدينة مقديشو العاصمة مدينة أشباح تتجول في شوارعها الضباع والكلاب والقطط فقط.
ومن هنا أتى دور مجلس مجلس الأمن إذ إن من سلطاته أنه إذا رأى أن هناك نزاعا داخليا في دولة ما يهدد استقرارها والأمن العالمي فعليه إعادته إلى نصابه على مراحل ، أولا بتدابير لا تقتضي استخدام القوة لتنفيذ قراراته ، وإذا رأى أن هذه التدابير لم تف بالغرض فعليه استخدام القوة لإعادة الأمن والاستقرار في ذلك القطر (22).
ولما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ لنفسها دائما دور زعيمة العالم الحر وحامية حماه الأولى ، فقد أصبحت تهتم باستقرار العالم أي الحفاظ على أوضاعه كما هي ، فاتجهت بقواتها المسلحة مباشرة إلى الصومال تنفيذا لقرار مجلس الامن رقم 794 تحت اسم (استعادة الأمل ) (23) , وفرضت نفسها كشرطي عالمي عليه أن يعمل على استتباب الأمن بأقطار العالم ، وبذلك وقعت في نفس الخطأ السابق بدخول قواتها المسلحة في أرض فيتنام بل ونفس الخطأ الحالي بدخول قواتها المسلحة إلى أرض العراق ، والمعلوم أن دخولها أرض الصومال لم يحقق نفعا لها أو إلى الصومال ، والذي حدث أنه عندما رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن أفراد قواتها المسلحة يسحلون الواحد بعد الآخر يوميا في شوارع مدينة مقديشو ، عجلت برحيلها من الصومال مهزومة كما فعلت في فيتنام ، والآن تدورعليها الدوائر في العراق وهي حائرة في أمرها .
الصراع الصومالي الإثيوبي بسبب الموقع :
للصومال شريط حدودي طويل مع إثيوبيا يبلغ طوله حوالي 3000 كلم ، ويمتد مع هذا الطول التداخل العشائري عبر التخوم التي تربط اثيوبيا بالصومال برباط الجوار ( شكل 2) وبالتاريخ المشترك المليء بالصراعات فإننا نجد أن الدور الإثيوبي في السياسة الداخلية الصومالية دائما يكتنفه الغموض ويغلب عليه طابع الانتهازية وذلك نتيجة للصراع المرير بين الدولتين المؤسس على الدين عبر التاريخ ففي عام 1517م عندما بسط السلطان العثماني سيطرته على سواحل البحر الأحمر جميعها رأى التسلط الإثيوبي على الصومال والذي كان يلقى العون من البرتغاليين بهدف الحاق الكنيسة الإثيوبية بالكنيسة الرومانية فقام بمساعدة مسلمي الصومال على الانتقام من الأحباش (24) فوقع إمبراطور إثيوبيا منيليك اتفاقية مع بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في الأعوام 1591م – 1897م تقضى بإعطاء هذه الدول السواحل الصومالية على أن تستولي إثيوبيا على إقليم أوقادين (25) وقام الإيطاليون بعد استيلائهم على الصومال عام 1908م برسم حدود سياسية هندسية في شمال الصومال تأخذ شكل خطوط مستقيمة شأنها في ذلك شأن كثير من الحدود السياسية في قارة إفريقيا والتي هي من صنع الاستعمار (26) لا لشيء إلا لضم إقليم أوقادين الذي يشكل حاليا خمس مساحة إثيوبيا إلى دولة إثيوبيا، وقد ترتب على هذا الشيء الكثير من مشكلات الحدود (شكل 3 ) وقام البريطانيون بالتنازل عن الأراضي الصومالية التي في شمال شرق كينيا وضموها إلى كينيا كما استولت فرنسا على جيبوتي وتوصف هذه المناطق بأنها أجزاء لاتتجزأ من الصومال،والعلم الصومالي ذو الأضلع الخمسة يرمز إلى أقسام الصومال الثلاثة وهي الصومال البريطاني والصومال الإيطالي والصومال الفرنسي بالإضافة لإقليم أوقادين الذي ضم إلى الحبشة والجزء الشمالي الشرقي من كينيا الذي ضم إلى كينيا من الأراضي الصومالية .
لم ترض الصومال بهذا التمزيق وقررت استعادة أراضيها ودخلت في حرب مع إثيوبيا لاستعادة إقليم أوقادين ، وكان ذلك في عام 1977م واستولى الجيش الصومالي على 90% من مساحة الإقليم ، ومن ثم اجتذب هذا الصراع قوى خارجية مثل الاتحاد السوفيتي وكوبا والمانيا الشرقية بل واسرائيل وقام هؤلاء بتزويد إثيوبيا بمساعدات عسكرية ومدها بالأسلحة والخبراء بل وبجنود من كوبا فاستردت إثيوبيا بفضلهم إقليم اوقادين في مارس 1978م وكرد فعل على هذا التدخل السوفيتي قامت الصومال بطرد الخبراء السوفيت من أراضيها وبقطع علاقاتها الدبلوماسية مع كوبا، أما دور الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصراع فإنها كانت الحليف الأول للإمبراطور ( هيلاسلاسي ) إذ كانت تمده بمــا يلزم من معدات عسكرية ومعونات اقتصادية وخبراء عسكريين وأسلحة، وعندما رأت أن الاتحاد السوفيتي يمد الصومال بالأسلحة في الفترة من عام 1960 – 1976 واصلت مساعداتها لإثيوبيا في عهد ( مانقستو هايلي ماريام ) والعمل على مدها بما يلزم من عتاد وأسلحة ومستشارين وبذلك أصبحت الدولتان الكبيرتان مؤيدتين لجانب واحد وهو الجانب الإثيوبي تحقيقا لمصالحهما بالمنطقة .
وفيما يتعلق بمنظمة الوحدة الإفريقية فإن دورها في الصراع الصومالي الإثيوبي قد أجهض فاعليته دور القوتين العظيمتين إذ قامتا بتوجيه الأعضاء الموالين لهما في اجتماع المنظمة الذي عقد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في عام 1963م بالتقيد بميثاق المنظمة الذي يقضي بأن تبقى الحدود بين دول قارة إفريقيا على حالتها التي كانت عليها أيام أن كانت الدول تحت الاستعمار ولايجرى عليها أي تعديل (27) فرفض الصومال مبدأ قبول الحدود الموروثة عن الاستعمار ، أما فيما يتعلق بجامعة الدول العربية فإن دورها في هذا الصراع برز بقرارها في اجتماعها المنعقد في شهر سبتمبر عام 1977م بالقاهرة الذي أكد بأن إقليم أوقادين تابع للصومال ، وأن أي عدوان عليه يعتبر عدوانا على الأمة العربية ، ودعت الجامعة العربية الدول الخارجية إلى الامتناع عن التدخل في الصراعات القائمة في القرن الإفريقي ويقصدون بذلك الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وكوبا وألمانيا الشرقية (28) بل وكذلك إسرائيل التي ساندت نظام إثيوبيا الماركسي ضد الصومال في عام 1977م (29)
وبسبب الدعم العربي للصومال تصارعت الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية بسبب اختلاف الرأي بينهما حول التغيرات الحدودية في القرن الإفريقي.
إن سياسة العرب في مساندة الصومال انطلقت من حقيقة كون الصومال دولة عضوة في الجامعة العربية ، انضم إليها في شهر فبراير عام 1974م، كما أنه دولة مسلمة بنسبة 100% ويدور في دوامة الصراع مع إثيوبيا بمساعدة الاتحاد السوفيتي الذي يود العرب احتواء نفوذه في المنطقة ، إذ إن معظم الأقطار العربية غير راضية عن هذا النفوذ السوفيتي الذي بدأ متناميا في المنطقة في ذلك الحين. إن إقليم أوقادين مازال متمردا على سياسات إثيوبيا ويسعى جادا للخلاص من تبعيته لها ، إلا أن النزاع بين إثيوبيا والصومال حاليا قد خفت حدته نتيجة للصراع الداخلي بين الصوماليين أنفسهم .
الصراع الصومالي الكيني بسبب الموقع :
إن الحدود السياسية الحالية بين الصومال وكينيا فرضت في الفترة من عام 1885م إلى عام 1900م بواسطة المستعمرين الثلاثة بريطانيا وإيطاليا وفرنسا , وعندما حصلت بريطانيا على محمية كينيا ثم الصومال البريطاني تنازلت لإيطاليا عن الجزء الواقع بين نهر جوبا وحدود الصومال الإيطالي مكافأة لها على اشتراكها في الحرب العالمية الأولي وتم ذلك في عام 1925م ثم عادا واتفقا على أن يكون خط الحدود بين الدولتين على بعد 60 ميلا شرقي نهر تانا ( شكل 3).
في عام 1897م أبرمت معاهدة بين بريطانيا وإثيوبيا تقرر فيها ضم إقليم (هود) الذي يقع تحت الإدارة البريطانية ضمن الصومال البريطاني إلى إثيوبيا ، ومنحت هذه الاتفاقية الصوماليين حق العبور إلى مراعيهم التقليدية في إقليم ( هود) دون اعتراض من إثيوبيا عليهم ألا أن أثيوبيا لم تلتزم بهذا البند وقامت بمنعهم من الرعي في الإقليم ، وبعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية عادت السيطرة البريطانية مرة أخرى على إقليم هود ضمن الصومال البريطاني ، ولكن عندما بدأ العد التنازلي لميعاد جلاء بريطانيا عن الصومال أبرمت بريطانيا معاهدة مع اثيوبيا وافقت فيها على ضم إقليم هود إلى اثيوبيا وقامت بتسليمه لها في عام 1955م شكل (3 ) وفي الجانب الإيطالي في عام 1908م تم الاتفاق بين إيطاليا وإثيوبيا على أن يمر خط الحدود إلى الشمال الغربي من نهر جوبا ونهر شبيلي بحيث تكون أراضي إقليم أوقادين ضمن إثيوبيا ، وفي عام 1935م قام نزاع على الحدود بين ايطاليا واثيوبيا واحتلت إيطاليا إثيوبيا كما احتلت ايطاليا في عام 1940م الصومال الايطالي وبذلك ربطت بين الشعب الصومالي في الصومال الإيطالي والشعب الصومالي في إقليم أوقادين ولم يدم ذلك طويلا ، وكما ذكرنا فإنه بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وضع الصومال الإيطالي تحت وصاية الامم المتحدة واستمر الشعب الصومالي تحت النفوذ البريطاني حتى عام 1950م وأصبح لاوجود للنفوذ الايطالي في الصومال ، ثم وقعت معاهدة عام 1955م بين بريطانيا واثيوبيا ضم فيها إقليم (هود) وماخلفه من الأراضي الصومالية إلى إثيوبيا .
ومما سبق تبين أن الاستعمار البريطاني استقطع الأجزاء الشمالية من الصومال وضمها لإثيوبيا ، كما استقطع الجزء الجنوبي الغربي من الصومال وضمه إلى كينيا ويشكل هذا الجزء المستقطع حاليا 20% من مساحة كينيا ، والصومال يسعى جاهداً لاستعادة هذا الإقليم الذي تؤكد الدلائل أن غالبية سكانه من الصوماليين ، كما أنه يبعد عن بقية أجزاء كينيا. ومنذ عام 1960م اشتد النزاع بين الدولتين والصومال يلح على استعادة أراضيه المنزوعة منه وطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير في الإقليم تحت إشراف الأمم المتحدة إلا أن كينيا ترفض ذلك لأنها تعلم أن نتائجه لن تكون في صالحها ، كما أنه يصعب عليها أن توافق على فصل هذا الجزء الذي يشكل 20% من مساحة أراضيها حاليا(30).
لقد حاولت الدول العربية تخفيف حدة التوتر السائد بين البلدين فتم اجتماع مشترك ضم الدولتين بالإضافة إلى وسيط مندوب من جامعة الدول العربية ممثلا في مندوب من المملكة العربية السعودية وتم التوصل إلى اتفاقية مرضية نوعا ما في عام 1979م ورغم كل ذلك فإن التوتر مايزال قائما بين الدولتين لأن الصومال هو المتضرر وأنه يرى أن هذه الحدود فصلت القبيلة الواحدة إلى جزءين وانتزعت منه أراضيه انتزاعا ، إن مشكلة الحدود الصومالية قابلة للانفجار في أي وقت وذلك عندما تستقر الأوضاع داخل الصومال وينتهي الصراع القائم حاليا فيما بين الصوماليين .
دور جيبوتي في الصراعات الصومالية بسبب الموقع :
تقع جيبوتي في القرن الإفريقي وعلى مدخل البحر الأحمر فهي تتحكم في الجهة الغربية من مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر ، في حين تسيطر اليمن على الجهة الشرقية منه ، ومساحتها 232000 كلم مربع وتمتد سواحلها لمسافة 370 كلم على ساحل البحر الأحمر وخليج عدن ويبلغ عدد سكانها حاليا 618600 نسمة واللغة الرئيسية فيها العربية إلا أن اللغة السائدة هي اللغة الصومالية ويتحدث المثقفون اللغة الفرنسية باعتبارها لغة الإدارة والإعلام والدواوين الرسمية حتى يومنا هذا .
ويدين سكانها بالدين الإسلامي ماعدا أقلية صغيرة من الجالية الفرنسية والإثيوبية يدينون بالمسيحية ولهم كنائسهم الخاصة بهم ، وتشكل جيبوتي عمقا استراتيجيا للصومال كما يشكل الصومال عمقا استراتيجيا لها ، كما أن جيبوتي تشكل النتوء الخامس في نجمة العلم الصومالي الحالي ، إذ يعتبر الصوماليون جميعا أن جيبوتي جزءاً مستقطعاً من الصومال شأنها في ذلك شأن تلك الأقاليم التي تم فصلها عن بقية الأراضي الصومالية في كل من إثيوبيا وكينيا .
لقد ظلت جيبوتي تحت السيطرة الفرنسية لمدة 115 عام حتى عام 1967 وكانت تسمي باسم أرض العفار والعيسى ثم تحول اسمها إلى الصومال الفرنسي ثم إلى (جيبوتي ) وفي 27 يونيو عام 1977م حصلت على استقلالها من فرنسا وتعتمد في اقتصادها أساسا على مينائها وعلى خط السكة الحديد الممتدة من اديس ابابا وحتى ميناء جيبوتي التي يمر خلالها جزء كبير من تجارة أثيوبيا الخارجية وأصبحت جيبوتي نافذة اثيوبيا الوحيدة على العالم الخارجي (31) شكل (4)
ويتكون سكان جيبوتي من 60% من قبائل العيسى و40% من قبائل العفار وتشكل كل من نسبة البطالة والأمية بها 90% من جملة الشعب الجيبوتي (23) ودور جيبوتي في هذه الصراعات الصومالية مع العالم الخارجي دائما دور إيجابي لأنها تشكل عمقا استراتيجيا للصومال بل هي تاريخيا جزء منه شكل (4)
الشتات الحالي للشعب الصومالي :
الشعب الصومالي اليوم مبعثر بين دول الجوار في كل من إثيوبيا وكينيا واليمن وتنزانيا والسودان، وذلك بسبب تصدع البناء السياسي وعدم الاستقرار واحتكار اللواء ( محمد سياد بري ) للسلطة وممارسته القمعية ضد الشعب وتعامله العنيف مع معارضيه وقد مثل ذلك دافعا قويا لتكوين حركات وجبهات معارضة في داخل البلاد وفي خارجها ضده، وقد برزت إلى الوجود عدة عوامل خارجية وأخرى داخلية أدت إلى انهيار وتفكك المجتمع الصومالي وانتقاله إلى مرحلة الإبادة الجماعية .
أولا: العوامل الخارجية التي أدت إلى الانهيار (33)
مما سبق من صفحات اتضح أن أهم هذه العوامل الخارجية هي الصراعات التي تنشأ بسبب مشاكل الحدود السياسية والتي تعتبر أبرز مخلفات الاستعمار في القارة الإفريقية إذ إن الاستعمار قد رسم حدوداً سياسية هندسية تفصل بين دول القارة وتم ذلك في مؤتمر برلين عام 1885م وقام المستعمرون بوضع هذه الحدود السياسية حسب مصالحهم الخاصة دون مراعاة للشعوب والقبائل الإفريقية التي تتحدث بلغة واحدة ولها دين واحد ودون اعتبار للتاريخ أو العادات والتقاليد المشتركة فنشأت المشكلات بين الصومال ودول الجوار من أجل استعادة أراضيه المستقطعة وخاض ثلاث حروب مع إثيوبيا في الأعوام 61- 64- 1978 م وكتب له النصر في حروبه الأولى إلا أنه انهزم في الحرب الأخيرة في عام 1978م لأن الدعم السوفيتي تحول من الصومال إلى إثيوبيا لأن إثيوبيا أكثر ثورية وأكثر عددا فى السكان من الصومال , وتعتبر هزيمة ( سياد بري ) العسكرية في عام 1978م أمام إثيوبيا نقطة تحول في حكمه إذ أدت هذه الهزيمة إلى انخفاض الروح المعنوية لدى الشعب الصومالي كما أدت إلى تقوية الانتماء القبلي لديه وتحول (سياد بري ) بالانتماء إلى دول الغرب لأن الاتحاد السوفيتي خذله في تلك الحرب ، وانقلبت موازين التحالفات الاستراتيجية في منطقة القرن الإفريقي وأصبح أصدقاء الأمس هم أعداء اليوم .
ومن عوامل التشتت الخارجية ما ذكرناه آنفا من تكالب الدول الأوربية الكبرى بريطانيا وايطاليا وفرنسا ومن بعدهما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى دول الجوار إثيوبيا وكينيا والانقضاض على الصومال لانتزاع أجزاء من أراضيه واحتلالها قسرا .
ثانيا : العوامل الداخلية التي أدت إلى الانهيار :
1- مرحلة الحكم المدني :
تعود أسباب الصراع الصومالي الداخلي لأسباب قبلية فقد فشل الحكم المدني في الصومال والذي بدأ من عام 1960م وحتى أكتوبر عام 1969م لارتكازه على الولاء القبلي وكان هذا الحكم المدني من نصيب قبيلة ( الماجرتان ) فقد بنى الحكم على القبيلة والعشيرة ، وتميز الحكم بالضعف الشديد في مؤسساته وبرزت الصراعات والانقسامات وغابت العدالة الاجتماعية وعم الظلم والفساد وعمت الفوضى واغتيل رئيس الجمهورية ( عبدالرشيد على شار ماركي ) في يوم 16/ 10/ 1969 (34) وهكذا فشلت تجربة الحكم المدني في الصومال بنهج انتهازية القيادات السياسية وضعف الأحزاب التي لم تعبر عن منهج أو ايدلوجية أو رؤية قومية شاملة (35)
2- مرحلة الحكم العسكري :
بدأت هذه المرحلة بانقلاب محمد سياد بري في 21/10/1969م وحتى يناير 1992 فقد أتى الحكم العسكري من أجل محاربة الفساد والظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية للشعب الصومالي ألا أن حكمه أدى إلى انهيار المجتمع الصومالي بكامله بل يعتبر هو المسئول عن خلق هذا الشتات وذلك للأسباب التالية :
1- كان يعلن محاربته لكل سلوك قبلي ويعلن عن تحريم القبلية إلا أنه أخضع كل مرافق الدولة ومؤسساتها لسيطرة أفراد قبيلته( المريحان) وقام بتقويتها وبدأت المواجهة العدائية بينه وبين قبائل الماجرتان والهوية وإسحق والعيسى واعتبر هؤلاء خصومه السياسيين , وشعرت هذه القبائل بأنها محرومة من حقوقها السياسية علما بأن قبيلة ( الماجرتان ) كانوا هم أصحاب الحكم المدني في الصومال وساعد ذلك العداء على إحياء النزاعات القبلية في الصومال .
2- كان (سياد بري ) يعلن انتماءه للعرب والعروبة وعضويته في جامعة الدول العربية بينما يسعى في الداخل لتفتيت هذا الانتماء العربي ، فقد أمر أن تكتب اللغة الصومالية بحروف لاتينية ، وأصدر أمرا في يوم 12/1/ 1973 بأن يتم التدريس في المدارس الابتدائية لجميع المواد باللغة الصومالية بدلا عن اللغة العربية وأن تصدر صحيفة (نجمة أكتوبر ) الحكومية باللغة الصومالية أيضا (36) , وقد شبه مثقفو الصومال ( محمد سياد بري ) بأتاتورك (تركيا ) في العشرينيات لأن كلا منهما اتجه بنظامه نحو الغرب وابتعد عن العروبة والإسلام وكتبا لغات شعبيهما بحروف أبجدية لاتينية ودعوا إلى تحرر المرأة وتبرجها .
3- لقد كان يعلن انتماءه للعالم الإسلامي بينما اتخذ من الاتحاد السوفيتي حليفا له وقام بتأميم البنوك والشركات وجعل أكبر شوارع مدينة مقديشو تحمل أسماء لينين وستالين وأكبر قاعات المحاضرات في مقديشو تحمل صور زعماء السوفيت ورموزهم وعلمهم، وأصدق مثال يوضح عدم هذا الانتماء ماجاء في قرار مجلس الثورة الصومالي في يوم 11/1/ 1975 (37) والذي نص على مساواة المرأة مع الرجل في الميراث فاحتج العلماء على ذلك القرار فحكم على ستة منهم بالإعدام رميا بالرصاص وتم التنفيذ ، وعلى ثلاثة منهم بالحكم ثلاثين سنة سجنا وعلى آخرين بعشرين سنة سجنا أيضا .
صراع الفصائل الصومالية من أجل السلطة :
اشتد هذا الصراع منذ عام 1978 عقب هزيمة القوات الصومالية في حرب أوقادين ومن أشد المتحمسين لهذا الصراع والمؤيدين له قبائل إسحق في الشمال والماجرتان وهؤلاء يرون أن محمد سياد بري هو المسئول الأول عن خلق هذا الشقاق وإثارة النعرات القبلية كما أنه شجع القتال بين القبائل المؤيدة له على القبائل المعارضة ، وظهرت بأرض الصومال فصائل معارضة ومنظمة تحمل السلاح ضد حكومة ( محمد سياد بري) ومن هذه الجماعات التي ساعدت في تفشي هذا الصراع مايلي:
1/ في عام 1981م برزت مجموعة معارضة من عشيرة إسحق في الشمال الصومالي معادية للحكومة ورحبت إثيوبيا بهذه الجبهة ومنحتها مايلزم من مساعدات وأسلحة ومراكز للتدريب ومنافذ لاختراق الحدود الصومالية لشن هجمات في الداخل كما منحتهم محطة إذاعة لبث برامجهم (38) وتشكل قبيلة إسحق 60% من سكان شمال الصومال .
2/ في عام 1989م تم إنشاء المؤتمر الصومالي الموحد ويضم قبائل وعشائر الصومال ( هوية ) ورحبت به الحكومة الإثيوبية كسابقتها وأصبحت تشن هجماتها على الأراضي الصومالية من إثيوبيا .
3/ تكونت فصائل صومالية معارضة ومسلحة في جنوب الصومال في عام 1989م بمنطقة جوبا السفلى أسستها عشائر تسمى (هرتيHRTI ) وأصبحت تشن هجماتها المسلحة على المناطق الجنوبية من البلاد بمساعدة كل من كينيا وإثيوبيا (39)
4/ في عام 1993 م استضافت إثيوبيا مؤتمر المصالحة للفصائل الصومالية وكان تحت إشراف الأمم المتحدة إلإ أن المؤتمر انهار بسبب الخلافات التي نشبت بين كل من علي مهدي وعيديد ووقوف إثيوبيا مع الطرف الثاني ولم تلتزم بالحياد مما أدى إلى انهيار المؤتمر .
5/ في أكتوبر عام 1996 عقد مؤتمر نيروبي وعملت إثيوبيا جاهدة لإفشاله وتحقق لها ماتريد .
6/في نوفمبر عام 1997 سعت الفصائل الصومالية إلى عقد مؤتمر مصالحة في مدينة بوساسيو الصومالية وتحدد له يوم 1/11/1997م ولم يكتب له نجاح .
7/ ظهرت جمهورية أرض الصومال التي أعلنت انفصالها عن الصومال عقب حكم محمد سياد بري عام 1991م ورفضت أي مصالحة بدعوة أنها جمهورية مستقلة ولها علاقات حميمة مع إثيوبيا التي تمدها بالمساعدات المختلفة (40) .
8/ ظهرت ولاية بونت لاند والتي أعلنت أيضا انفصالها عن الصومال وتتكون في شمال شرقي الصومال وهذه التنظيمات الانفصالية زادت من تفتيت وتصدع الأراضي الصومالية ، وهي جميعا تلقى الدعم من إثيوبيا .
9/ ظهر مؤتمر القاهرة للمصالحة الصومالية في عام 1997 وحضره 28 فصيلا صوماليا وبذلك أسدل الستار على الجهود الإثيوبية الرامية لتحقيق المصالحة وحلت محلها جهود عربية تقودها جامعة الدول العربية ومصر , ويهدف المؤتمر إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ألا أن إثيوبيا ظلت تندد به حتى قللت من فعاليته .
10/ في منتصف عام 1990م اندلع القتال بين القوات المواليةللنظام والحركات المعارضة له بقيادة محمد فارح عيديد وذلك بعد التنسيق بين مؤتمر الصومال الموحد والحركة الوطنية في الجنوب والحركة القومية الصومالية في الشمال ودخلت هذه القوات مدينة مقديشو في يوم 26/11/ 1991م وأ علنت استيلاءها على السلطة وفرار محمد سياد بري إلى خارج العاصمة ومنذ ذلك التاريخ لم يعد هناك وجود للدولة الصومالية .
11/ اشتعلت المعارك في مدينة مقديشو بين الفصائل الصومالية التابعة لكل من محمد فارح عيديد الذي تسانده قبيلته ( هبر جعلو ) وعلي مهدي الذي تسانده قبيلته ( الابقال )
12/ وجه رئيس جمهورية جيبوتي ( حسن جوليد ) الدعوة للفصائل الصومالية من أجل المصالحة الوطنية وعقد المؤتمر الأول في 5/6/ 1991م والثاني في 12/7/ 1991 وتم وضع ضوابط لمسيرة البلاد ولم يحضر هذا المؤتمر مندوبو( جمهورية أرض الصومال ) في الشمال التي عاصمتها هرجيسه لذا لم تكلل مساعي هذا المؤتمر بالنجاح.
13/ في بداية عام 1992م عاد الصراع على السلطة مرة أخرى بين كل من عيديد وعلي مهدي .
14/ تدخلت الامم المتحدة بمساندة جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية وتم وقف إطلاق النار بين الفصائل الصومالية وكان ذلك في يوم 3/3/1992م
15/ طارد عيديد قوات سياد بري حتى الحدود السياسية الصومالية الكينية وهرب سياد بري إلى كينيا ومنها الى نيجيريا وحظي هنالك باللجوء السياسي وتوفي بها في منتصف عام 1991م
16/ بنهاية عام 1992 أصبح الصومال مجزأ إلى خمسة أجزاء منفصلة عن بعضها البعض وهي (41) :
1- المحافظات الشمالية – وتخضع لسيطرة أجنحة ( الحركة الوطنية الصومالية ) ومركزها بربرة – برعو – هرجيسه وأعلنت ( جمهورية أرض الصومال المستقلة )
2- المحافظات الشرقية والوسطى تحت سيطرة ( الجبهة الديمقراطية لخلاص الصومال ) وعاصمتها بيدوة .
3- العاصمة مدينة مقديشو وما حولها مثل مدينة أفقوي وميناء مركة موزعة بين كل من قوى عيديد وعلي مهدي .
4- المحافظات الجنوبية والجنوبية الغربية تحت سيطرة (الحركة القومية الصومالية ) وعاصمتها كسمايو.
5- بعض فلول قوات محمد سياد بري الموالية له في الجنوب حول مدينة بارديره .
17- في يوم 11/ 12/ 1991م اتفق الطرفان علي مهدي وعيديد على سحب قواتهما من مدينة مقديشو .
18/ في يوم 15/3/1991م عقد مؤتمر مصالحة في أديس أبابا اشترك فيها عيديد وعلي مهدي وعشر فصائل صومالية أخرى تحت إشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة العالم الإسلامي ودول الجوار إلا أن جمهورية أرض الصومال لم تحضره ووقفت عائقا أمام نجاحه .
19- في يوم 9/12/1992 صدر قرار مجلس الأمن رقم 794 (42) باستخدام القوة العسكرية في الصومال لنزع الأسلحة من الفصائل الصومالية وفتح طرق للإغاثة وذلك تحت اسم ( استعادة الأمل ) ودخلت قوات الولايات المتحدة الأمريكية الصومال وتم تجريد الفصائل الصومالية من أسلحتها الثقيلة فقط .
ومنذ عملية ( استعادة الأمل ) وحتى الآن لايزال الوضع في الصومال أسوأ مما كان عليه قبل تدخل الولايات المتحدة الامريكية إذ إن الأمن اختفى تماما فوق أرض الصومال وتوقفت عمليات الإغاثة وتوقف الحوار السياسي بين الفصائل الصومالية للوصول لحل الأزمة الصومالية .
وفي اعتقادي أن الغزو الأمريكي للصومال تحت مظلة الشرعية الدولية لن يتوقف عند حد إعادة تقسيم الصومال عشائريا وفصله عن الحد العربي بل سيتمدد هذا الغزو من خلال ادعاءات مختلفة إلى دول أخرى في قارة إفريقيا إلى جنوب السودان وإلى دارفور في غرب السودان وإلى دولة تشاد وإلى دولة موريتانيا وإلى نيجيريا لشطر هذه الدول والمناطق إلى نصفين شمالي عربي وجنوبي إفريقي أو زنجي وذلك بهدف تغليب الزنجوية الإفريقية على العروبة .
20- مؤتمر عرتة في جيبوتي المنعقد في يوم 2/5/2002م (43) تحت إشراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة وحضره ثلاثة آلاف من الصوماليين من الأعيان وزعماء القبائل وكبار العلماء ورجال الفكر ووجهاء المجتمع الصومالي والاتحادات النقابية ورجال التجارة والثقافة بالإضافة إلى فعاليات المرأة الصومالية وممثلين عن الجاليات الصومالية في الخارج واستمر المؤتمر أربعة أشهر وتمخض عن نتائج مهمة هي :
1- إعادة كيان الدولة الصومالية.
2- توزيع القبائل إلى خمس مجموعات قبلية تتقاسم السلطة فيما بينها.
3- تم انتخاب أعضاء المجلس الوطني من القبائل .
4- تم انتخاب رئيس الجمهورية في 20/8/2000م ( عبدالقاسم صلاد حسن ) في عملية اقتراع سري بحضور رؤساء دول الجوار وهي : السودان – اليمن – إثيوبيا – إرتريا – ومندوبي جامعة الدول العربية والإيقاد ومنظمة الوحدة الإفريقية وتعهدت الدول بتقديم العون اللازم لهذه الحكومة وكافة أشكال الدعم وقد خطت الحكومة خطوات حثيثة نحو المصالحة الشاملة وإعادة كيان الدولة إلا أنه ظهر في الأفق مايلي :
1- أن إثيوبيا لم يعجبها نجاح مؤتمر عرتة لذا حاولت بكل الطرق الممكنة إجهاض مقرراته وشرعت في تنظيم اللقاءات لكل من لم يشترك في مؤتمر عرتة .
2- موقف زعيم جمهورية أرض الصومال المعارض لقرارات مؤتمر عرتة .
3- أيضا موقف ولاية ( بونت ) وهي أيضا انفصالية ورافضة لقرار.
المصدر: منارات أفريقية - دراسات - بحوث - 2010-10-26.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق